08 - 06 - 2016, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 12991 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكاهن واشتهاء الكهنوت
“ليس أنتم اخترتموني بل أنا أخترتكم” يقول المسيح لتلاميذه (يوحنا 15: 16). هذا لا يعني أنَّ الإنسان لا يحقُّ له أن يشتهي الكهنوت. في أيّامنا هذه يُطْلَبُ من المتقدِّمِ إلى الكهنوت أن يتحلَّى بالتَّقوى والعلم. يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: “لاحِظْ نفسَك والتَّعليم” (1 تيموثاوس 4: 16)، ويضيف “إن فعلتَ هذا تُخَلِّصُ نفسَك والَّذين يسمعونَكَ أيضًا”. هذا كلّه يعني أنَّ المتقدِّم إلى الكهنوت عليه أن يكون حائِزاً شهادةً لاهوتيّة من معهد القدِّيس يوحنَّا الدمشقي في البلمند أو ما يعادلها، كما ينصّ القانون في كنيستنا، وكلُّ رئيسِ كهنةٍ لا يحترم هذا القانون يكون مخالِفاً. إضافة لذلك، للرعيّة وللمعهد أن يشهدا على استحقاقِ هذا المتقدِّم للخدمة الكهنوتيّة. أخيراً، على رئيس الكهنة أن يتحقَّق من مؤهِّلاته الروحيّة والأخلاقيَّة، فيطرح مثلاً على نفسه السؤال: هل اشتهاء الكهنوت يأتي في سبيل طلب المجدِ والسُّلطة والمال؟ “حذارِ” أن يصبح الكهنوت وظيفةً، إنَّ هذه التجربة لهي آفَّة كُبرى تلحَقُ بكلِّ كاهنٍ مهما كانت “شطارَتُه”. لذا نعود إلى ما قاله الرسول لتلميذه: “كُنْ قدوةً للمؤمنين… أُعكُف على القراءة والوعظ والتعليم”. * * * قلَّما يوجَدُ كهنة يواظبون على الصلاة والمطالعة والتعليم. هذا هو السَّبب الرئيسي لتفشِّي البِدع أو الفتور عند أبناء الرعيّة. يلاحَظ أنَّ الكاهِنَ هو أساس النهضة الروحيّة في الرعيّة. في بعض الرعايا ليس هنالك تعليم للأطفال والشباب والعاملين، بل يكتفي الكاهن عن حقٍّ أو غير حقٍّ بممارسة التكاليف (إقامة الأسرار المقدّسة) وزيارة المرضى عند الحاجة. إضافة لذلك، قَلَّما يوجدُ كهنة يواظِبون على الصلاة والقراءة في بيوتهم، كما أنّهم لا يعطون وقتاً كافياً لدراسة الإنجيل وتهيئة العظة في القدّاس الإلهي. أنا لا أقول إن كلّ واحد (من الكهنة) يتمتّع بمثل هذه الموهبة، لكنِّي أقصد ما قاله يوحنَّا في سفر الرؤيا لملاك كنيسة أفسس: “أنا عارِفٌ أعمالَك وتعبَك وصبرَك….. وقد احتملتَ ولك صبرٌ وتعبتَ من أجل اسمي ولم تكلَّ، لكن عندي عليك أنَّك تركتَ محبَّتَك الأولى، فاذكُرْ من أين سَقَطْتَ وتُبْ..” (رؤيا 2: 2-5). * * * مسؤوليةُ الكاهن الرئيسيَّة هي قداسته. هذه تأتي من صلاتِه ومطالعتِه للإنجيل حتَّى خارج الصلوات “الرسميَّة”. العثراتُ كثيراً ما تأتي من الإكليروس، أكانوا من الكهنة أم من المطارنة. المهمُّ أن لا يصبِحوا محبِّينَ للمال. في الصلوات المشترَكَة يُحِسُّ الشعب بصورة واضحة إنْ كان الكاهنُ يصلّي أم يؤدِّي واجِباً روتينيّاً. كيف يعلِّمُ الصلاة إن كانَ لا يصلّي في بيته؟ كيف يُعَلِّمُ الكلمةَ إن كان لا يدرسها في خلواته؟ عند سيامتِه الكهنوتيّة يقول له رئيس الكهنة مسلِّماً إيَّاه القربانة المقدّسة (الجوهرة): “خُذْ هذه الوديعة واحفظها سالمة إلى مجيء ربِّنا يسوع المسيح، إذ أنت مزمِعٌ أن تُسأَلَ عنها”. ما هي هذه الوديعة؟ هي الإنجيلُ ووديعة الرعيّة، هذا الشعب الَّذي أنتَ مؤتَمَنٌ عليه. إذًا، أدخلْ إلى كلِّ البيوت ووزِّعْ لها خبزَ الكلمة الإلهيَّ. + أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
08 - 06 - 2016, 05:22 PM | رقم المشاركة : ( 12992 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما هو الحسد الحسد هو بصورة رئيسية الحزن من سعادة القريب والفرح لتعاسته. يشير القديس باسيليوس قائلاً أن الحسد هو “غذاء المرض وألم إضافي للشخص الحسود”. عادة ما يكون الشخص الحسود قلقاً ومغلوباً بحزن لا يحتمل، ليس لأن أمراً سيئاً أصابه، لكن لأن أمراً سعيداً حدث لقريبه الإنسان. إنه لا يلتفت إلى بركاته الشخصية، ولا يشكر الله على الخيرات الممنوحة له كل يوم. لكنه بدلاً من ذلك، يتعذب بسعادة أخيه. إنه حزين لأن أخاه سعيد ويمتلك أشياء أكثر منه. الحسد هو جرح خطير، لأنه لا يوجد أي هوى آخر “يحطم نفوس الناس بهذه الدرجة”. إنه مرض خطير لأنه يولد من جذر كل الأهواء، أي من الكبرياء. يشير القديس ثالاسيوس إلى أن السمة المميزة لتقدير الذات هي الرياء والكذب، على حين أن السمة المميزة للكبرياء هي الوقاحة والحسد. بالتالي عندما نكون مغلوبين من الحسد، يكون من المؤكد أننا واقعون في قبضة أمه، أي الكبرياء. قد نبدو متواضعين، لكن كوننا حسودين فنحن متكبرون. يوجد أيضاً ارتباط قوي بين الحسد ومحبة المديح. إننا عادة ما نغار من الآخرين لأنهم يُمدحون بينما لا نُمدَح نحن. يقول القديس مرقس الناسك أنه أمر مميز أن الشخص الذي يمتدح شخصاً ما على شيء ما وينتقد شخصاً آخر على نفس الشيء يكون بلا شك مغلوباً بهوى الكبرياء والحسد. عادة ما يحاول مثل هذا الشخص أن يخفي الحسد في قلبه بتقديم المديح. هذا الأمر مميّز للخبث الذي يظهر به هوى الحسد نفسه. قد يسكن هوى الحسد خفية داخل أولئك الذين يمدحون الآخرين باستمرار. |
||||
08 - 06 - 2016, 05:23 PM | رقم المشاركة : ( 12993 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف يظهر الحسد نفسه؟ عادة ما يفحص الشخص الحسود حياة الآخرين ويحاول مقارنة حياته الخاصة بحياتهم. وهو عندما يدرك أن أخاه متفوق عليه، فإنه يدع هو الحسد الرهيب يظهر ذاته. عادة ما تكون أول علامة علي الهوي هي الاكتئاب، والضيق، والبؤس. "لا يفارق الحزن والقنوط الشخص الحسود أبداً". تصبح المميزات البدنية والروحية للآخرين مصدراً للحزن والكآبة، بل وحتي ممتلكاتهم المادية تزعجه. يكون الشخص المصاب بالاكتئاب "مثل رجل عريان يُجرح من كل أحد". إنه يتأذى بشدة بجرح نافذ. "تخترق كل هذه الجروح والإصابات إلي أعماق قلبه" (القديس باسيليوس الكبير). عادة ما تجول عينا الشخص الحسود في كل مكان. إنه يراقب بعناية مستمرة لكي يجد أسس يبني عليه اتهاماً. فهو يلاحظ كيف يتكلم الآخر ويتصرف. إنه مستعد دائماً لعمل تعليقات عليه، خصوصاً أمام الآخرين، بهدف التقليل من شأنه والزهو بنفسه في نفس الوقت. عندما يُمدح ضحية الشخص الحسود فإنه يكون مستعداً للاعتراض. إنه مستعد لقول: "قد يكون ذلك صحيحاً إلا أن ....."، ثم بعد ذلك يظهر الجوانب الخفية المحتملة في حياة الشخص الآخر مع نية واضحة لإهانته. يعطي أيضاً القديس باسيليوس الكبير وصفاً فصيحاً للمظهر الخارجي للشخص الحسود. إنها حقيقة أن أهواء النفس عادة ما تظهر نفسها في الجسد أيضاً طالما أنه يوجد ارتباط وثيق بين النفس والجسد. يقول القديس باسيليوس أن الأشخاص الحسودين معروفون جيداً من تعبيرات وجوههم. "تكون نظرتهم حادة كئيبة، ووجههم معبس، وجبينهم مقطب، ونفسهم مضطربة بهذا الهوي. وهو ليس لديهم مواصفات للحكم علي ما هو صائب". لا يجد الأشخاص الحسودين أي شيء جيد أو يستحق المديح في الآخرين. إنهم مثل الطيور المفترسة التي تطير فوق المروج الخضراء باحثة عن جثث الحيوانات، أو مثل الذباب الذي يترك ما هو نظيف ويتجه نحو ما هو ملوث. يري الأشخاص الحسودون في الآخرين ما هو قبيح فقط، ويبحثون باجتهاد عن أسباب لانتقادهم، علي حين أنهم في نفس الوقت يتغاضون عن الجوانب الجيدة في حياتهم. عادة ما يُظهر الغضب نفسه من خلال البؤس والحزن الذي يحرق قلب الشخص الحسود، وهو عادة ما يخفي ذاته خلال الجسد أيضاً. إنه يعبر عن نفسه أيضاً من خلال تصيد الأخطاء ويظهر ذاته من خلال استعدادنا لإدانة ولوم الآخرين. قد يكون هوي الحسد مختفياً بعناية وراء الحزن والميل للنقد. إنه مختفي أيضاً وراء مدح الآخرين. |
||||
08 - 06 - 2016, 05:25 PM | رقم المشاركة : ( 12994 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما نتائج الحسد؟ للحسد نتائج مروعة. قد نكون مبطئين في إدراك وجود هذا الهوي فينا. إنه قد يحزننا بنفس المقدار الذي تسببه باقي الأهواء، لكنه يشوه كل كياننا الروحي. إننا نستطيع سرد قائمة نتائجه الأليمة. الحسد هو علامة علي الحياة الجسدانية. إننا عادة ما نفكر في الحياة الحسية الجسدية علي أنها تخص بعض الخطايا الجسدية التي نهتم بها كثيراً متغافلين عن الخطايا الأخرى. علي كل حال، يعني أي هوي يتسبب في أن نفقد نعمة الله أننا جسدانيون في أذهاننا. أعمال الجسد هي عكس ثمار الروح القدس. يسرد القديس بولس أعمال الجسد ذاكراً الحسد أيضاً: "وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنا، عهارة، دعارة، نجاسة، عبادة أوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر، وأمثال هذه" (غل19:5-21). يشدد [(65, 105, 225)"]القديس غريغوريوس السينائي علي نفس النقطة قائلاً: "يكون المأخوذون تماماً بطرق الجسد، والمملوئون بمحبة الذات عبيداً للذة الحسة والباطل علي الدوام. يكون الحسد أيضاً متأصلاً فيهم". يكون كل أولئك المستعبدين للانغماس في الملذات وتقدير الذات، المتأصل فيهم الحسد، جسدانيين. من الواضح أن الروح القدس غائب عنهم. يكون الشخص الحسود أعمي روحياً. تكون عينا نفسه، أي النوس، عمياء ولا تستطيع تمييز الجيد من الرديء. إنها لا تستطيع حتي إدراك نعمة الله. النوس هو عين النفس التي تري بها مجد الله. هكذا لو كانت هذه العين عمياء، فإننا نكون غير قادرين علي معاينة الله لدرجة أن نكون أمواتاً. يقول القديس باسيليوس ببراعة: "يعمي الرب النوس الحسود لأنه يكون ممتعضاً من خيرات قريبة". ينتهي الحال بالشخص المغلوب من الحسد بعدم إيمان. ألم تكن هذه حالة اليهود المعاصرين للمسيح الذين أعماهم الحسد فأنكروه وبالتالي فقدوا إيمانهم؟ عادة ما يكون للحسد هذا التأثير علي نفس المرء ويقوده لفقدان إيمانه. يقول [(65, 105, 225)]القديس نيكيتا ستيثاتوس: "نقص الإيمان هو شر، وهو أسوأ مواليد البخل الشرير والحسد". لو كان نقص الإيمان شراً بهذا الحجم، فلابد أن يكون الحسد الذي يلده أسوأ بكثير. يضل الشخص الحسود بسبب هوي الحسد "ويقولون بافتراء أن الجيد رديء، مسمين إياه ثمرة الخداع. إنه لا يقبل أمور الروح ولا يؤمن بها، وبسبب نقص إيمانه لا يستطيع أن يعاين أو يعرف الله" (القديس غريغوريوس السينائي). يظهر الشخص الحسود، بسبب حسده، أنه لا يقتني المحبة. من يقتني المحبة يكون قادراً علي تمييز البار من خلال العلاقات المميزة المتنوعة، لكنه في نفس الوقت يشارك محبته مع كل أحد بدون تمييز. لا يستطيع الحسود أن يحب، ولا يريد ذلك. لا تشتهي المحبة الشر لأي أحد. "الذي يحسد أخاه، ومتعض من سمعته الحسنة، ويفسد اسمه الحسن بتعليقات ساخرة" يكون غريباً عن المحبة ومذنباً أمام دينونة الله (القديس مكسيموس). الشخص الحسود يدمر أيضاً مقتنياته. يقول [(65, 105, 225)"]القديس باسيليوس أنه تماماً مثلما ترتد السهام المطلقة من القوس إلي الرامي لو ارتطمت بشيء صلب، هكذا أعمال الشخص الحسود "تتسبب في إصابته" دون أن تؤذي الشخص المحسود. يذبل الشخص الحسود باستمرار بسبب الحسد. "إنه يدمر نفسه إذ يأكله الأسي". مثلما تفني النحلة بمجرد أن تقرص شخصاً ما، هكذا هوي الحسد يدمر الشخص الحسود. مثلما يدمر الصدأ الحديد أول كل شيء، هكذا يأكل الحسد الشخص الذي يأويه. يقال أن الأفاعي السامة تولد بأن تلتهم جدار بطن الأم من الداخل، وبنفس الطريقة "يحرق الحسد النفس التي تحمله". إننا نجد نفس التعليم عن أن الشخص الحسود يدمره الحسد في كل كتابات آباء الكنيسة. أستطيع أن أشير مثلاً إلي القديس نيكيتا ستيثاتوس الذي يقول أن الشخص الحسود "يحترق بالغيرة من أولئك الذين تلقوا نعمة الروح في صورة حكمة ومعرفة إلهية". يذوب الشخص الحسود مثل الشمعة، لكن بدون أن يعطي ضوءً لآخرين، لكنه علي العكس يتسبب في إظلامهم بخبثه الشخصي. هوي الحسد يتسبب أيضاً في إيذاء الأشخاص الموجه إليهم. إنه يتسبب في أذي كبير، وخصوصاً لو كان ضحيته لا يمتلك القدرة والشجاعة الروحية للتعامل مع الموقف. ابتعد الإنسان عن الله وترك مصدر الحياة بسبب حسد إبليس. المعلم الأول للحسد كان الشيطان نفسه. لقد كان غيوراً من محبة الله الكبيرة للإنسان، ولأنه كان غير قادر علي أن يتكلم ضد الله، اشتكي ضد خليقته الذي هو الإنسان. من خلال عمله ضد الإنسان، أصبح إبليس، واستمر، عدواً في حرب ضد الله ([(65, 105, 225)"]القديس باسيليوس الكبير. يُعلم [(65, 105, 225)"]القديس مكسيموس أن الشيطان حث الإنسان علي كسر وصية الله "بسبب حسده لله ولنا". لقد حسد الله ولم يرد "أن تظهر قدرته المؤلهة للإنسان الأكثر مجداً". لقد حسد الإنسان ولم يرده أن يكتسب الشركة مع الله. كان قايين أول تلميذ لإبليس في هوي الحسد. "لقد كان أول تلميذ للشيطان لأنه تعلم منه الحسد والقتل" ووصل إلي قتل أخيه هابيل البار (القديس باسيليوس الكبير). فيما بعد كان شاول مدفوعاً بالحسد فانقلب علي داوود الذي أحسن إليه. فبينما كان داوود يسلي شاول لكي ينفذه من الجنون، طلب شاول أن يقتله. لقد أصبح داوود طريداً وطارده شاول لكي يقتله. لأي سبب؟ لأن داوود كان يفعل الخير لشاول باستمرار وبالتالي أثار حسده. كما يقول [(65, 105, 225)"]القديس باسيليوس: الحسد "هو نوع من العداوة صعب جداً في التعامل معه". تثير أعمال الصلاح الشخص الحسود أكثر. تهدأ الكلاب عند إطعامها، وتروض الأسود عندما يُعتني بها، "إلا أن الحسود يصبح أكثر شراسة عندما يُعامل حسناً". تجعله الأعمال الصالحة أكثر غضباً. يحلل القديس مكسيموس المعترف حالة شاول الذي اضطهد داوود علي الرغم من معاملته الحسنة له. إنه يقول أن أياً من يكره شخصاً ما ويذمه حسداً لأنه يتفوق عليه في جهاد الفضيلة ولأنه أغني منه في المعرفة الروحية، يكون مصروعاً بروح شرير كما كان شاول. إن ما يغضبه بالأكثر هو أنه لا يستطيع قتل من أحسن إليه. وتماماً مثلما نفي شاول ابنه المحبوب يوناثان، هكذا الشخص الحسود يطرد عنه "التعقل الفطري الذي لضميره" لأنه يوبخه علي بغضته الخاطئة ويعطي بياناً حقيقياً عن إنجازات الشخص الأخر. بالمثل، من خلال الحسد، بيع يوسف للمصريين من قِبّل إخوته وصار عبداً. يقول القديس باسيليوس: "هنا نتعجب من بشاعة المرض!". لو كانت أحلام يوسف حقيقية، فمن كان يستطيع منعها من أن تتحقق؟ لو كانت أوهاماً خاطئة فلماذا الحسد؟ الأشياء التي فعلوها لإيقاف النبوة أعدت الطريق لتحقيقها. يشير تعليق القديس باسيليوس هذا إلي أن الحسد لا معني له. في أغلب الأحيان عندما نغار من إخوتنا فإننا في الواقع نعد لهم، دون أن ندرك ذلك أو نريده، طريق مجدهم وخزينا. لقد أسلم المسيح معاصروه إلي بيلاطس حسداً. يقول القديس متي الإنجيلي عن بيلاطس: "لأنه علم أنهم أسلموه حسداً" (مت18:27). لقد كانوا يغارون منه لأنه صنع معجزات، وعمل الخير للناس بطرق عديدة متنوعة. لقد جلب فرح وخلاص الآخرين الحزن والقنوط للشخص الحسود. لقد وصل الحسد لدرجة ارتكاب أعظم جريمة في التاريخ بقتل المسيح. يكون الحسد ميالاً باستمرار للقتل. السبب الجذري للقتل هو الحسد، والقتل هو ثمرة الحسد. يكتب القديس غريغوريوس بالاماس عن هذا الموضوع قائلاً: ".... الحسد يميل للقتل. لقد تسبب في أول جريمة قتل، ومؤخراً في ذبح الله". إذ يفكر القديس ثالاسيوس في اليهود الذين دعوا المسيح بعل زبوب لأنهم افترضوا أنه صنع المعجزات بقوة الشيطان ينصح قائلاً: "أنظر إلي اليهود ولاحظ نفسك بعناية؛ إذ أن اليهود أعماهم الحسد وتعاملوا مع ربهم وإلههم خطئاً علي أنه بعل زبوب". |
||||
08 - 06 - 2016, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 12995 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف يُشفي هوي الحسد؟ لا توجد فائدة من مجرد وصف خطورة هوي الحسد ما لم نسترسل ونناقش كيفية الشفاء منه. إلا أنه ينبغي علينا أن نعترف أن العلاج صعب لأن الشخص الحسود "لا يطلب الطبيب من أجل مرضه، ولا يستطيع أن يجد أي دواء يستطيع أن يشفي الهوي". حتي عندما يُسأل، فإنه لا يريد الاعتراف "أنا حسود وممتعض. ويضايقني حُسن حظ قريبي، وفرح أخي يجعلني أنتحب. لا أستطيع تحمل رؤية بركات الآخرين وأعتبر أن صحة قريبي وسعادته هي تعاستي" (القديس باسيليوس الكبير). مع ذلك نستطيع تحديد بعض العلاجات. إننا نحتاج لإظهار محبة خاصة تجاه أولئك الذين نشعر أننا ميالون داخلياً لأن نحسدهم. ينبغي علينا أن نحبهم أكثر وأن نمدحهم بكل قلوبنا. ينبغي علينا علي الأخص أن نصلي من أجل الهوي، ولكن أن نصلي أيضاً لأجل الذين نشعر من جهتهم بالحسد. ينبغي أن ننظر لكل شيء يقتنيه أخونا علي أنه عطية من نعمة الله. إن الله هو واهب كل العطايا. من يستطيع أن يجعل النبع يكف عن تدفق المياه؟ كل مواهب الروح والجسد يمنحها الله. لو تكلمنا ضد أخينا، فإننا نظهر أنفسنا كأعداء لله ومقاومين له. بالإضافة إلي ذلك، لا ينبغي علينا أن نعتبر أن الأموال والمقتنيات والخيرات المادية بوجه عام هي الأشياء الحسنة الوحيدة. إنها أدوات لتقودنا للفضيلة. يقول [(65, 105, 225)"]القديس باسيليوس: "لا يستطيع أحد أن يسد نبعاً جارياً، وعندما تسطع الشمس لا يغطي أحد عينيه". يكون الإرشاد الروحي من قِبّل كاهن خبير في المنهج الأرثوذكسي للعلاج مطلوباً. إننا نستطيع، من خلال الوسائل المتاحة له ومن خلال توجيهاته، أن نتحرر من هوي الحسد المدمر، وأن نحيا حياة مسيحية صالحة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ماذا ينبغي أن نفعل عندما يكون شخص ما غيراناً منا، وعندما نكون ضحايا لحسد الآخرين؟ قبل كل شيء نحتاج أن نظهر الصبر والاحتمال. ينبغي علينا أن نفرح لأن هذه التجربة وقعت علينا، وأن نطلب من الله الصبر والاحتمال. من يحتمل هذه التجربة بفرح يتلقى تعزية من الله، ويكتب التواضع المقدس. من الجدير بالذكر أن هذا النوع من الصبر عادة ما يوجد في أولاد الله الأكثر شجاعة الذين اقتنوا ثباتاً وشجاعة روحية. كل من يحتمل حسد أخيه بصبر سوف ينال إكليل شهادة. التوصية الثانية من التعليم الآبائى هي أنه ينبغي علينا أن نتجنب العيش مع، أو في نفس المكان الذي يعيش فيه، الذين يحسدوننا لأن ضرراً كبيراً قد يحدث. مكتوب في سفر الأمثال: "لا تأكل مع رجل حسود ولا تشتهِ أطيابه. إنه يأكل ويشرب كمن سيبتلع شعراً. ولا تدعُه ليأكل خبزك معك لأنه سيتقيأه ويخرب كلماتك الحلوة" (أم6:23-8 عن الترجمة السبعينية). يقول القديس باسيليوس مشيراً لهذه المسألة أنه تماماً مثلما نحاول أن نبقي المواد القابلة للاشتعال بعيدة عن النار، هكذا ينبغي علينا ن نبتعد عن الصداقات مع الأشخاص الحسودين لأنه "تماماً مثلما تكون الآفة الحمراء مرضاً خاصاً بالقمح، هكذا يكون الحسد مرضاً يصيب الصداقة". نصح الأنبا بيمن شخصاً قائلاً: "لا تحيا في مكان موجود فيه من يغار منك لأنك لن تتقدم". بوجه عام، عندما نقتني نعمة الله داخلنا وعندما نكون في حالة روحية جيدة، فعندئذ لا تستطيع سهام الحسود أن تصيبنا ولا أن تضرنا. إلا أنه عندما نكون نفوسنا قوية وعندما نضطرب بسهولة ينبغي علينا، بمحبة ومن أجل المحبة، أن نقطع صداقتنا مع الشخص الحسود وأن نكف عن مصاحبته. بالطبع، لا يعني ذلك أنه ينبغي علينا أن نكف عن الصلاة من أجله أو عن الاهتمام بحياته. إننا نساعده ببساطة لكي نمنعه من إتيان أمر سيء. هوي الحسد خطير. وكما شرحنا من قبل، يكون الحسد ضاراً جداً للناس. إنه في الواقع يظهر وجود العديد من الأهواء داخلنا وتولد منه أهواء أخري. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي أن الحسد هو أكثر الخطايا ظلماً، لكنه أيضاً أكثرها عدلاً. إنه ظالم لأنه يهاجم البريء، لكنه عادل لأنه يهاجم أصحاب المقتنيات والمذنبين. إننا نحتاج لبذل مجهود لكي نحرر أنفسنا من هذه الرذيلة الخبيثة. يحثنا القديس باسيليوس قائلاً: "يا إخوتي دعونا نفلت من هذا المرض الذي يُعلم العداوة لله، والذي هو أم القتل، والذي يفسد الطبيعة، ويتغاضى عن الصداقة، والذي هو أكثر البالايا حماقة". "دعونا نهرب من هذه الرذيلة غير المحتملة. إنه درس نتعلمه من الحية، واختراع للشياطين، وعقبه ضد التكريس، والطريق للجحيم، وخسارة الملكوت". المرجع: (علم الطب الروحي- تفعيل الطب النفسي الأرثوذكسي- إيروثيئوس مطران نافباكتوس- ترجمة د/ نيفين سعد - من ص 105: 112) |
||||
08 - 06 - 2016, 05:28 PM | رقم المشاركة : ( 12996 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صرتُ مِثْلَ إنسانٍ ليس له معين!.
عبثًا أسعى!. لا أستطيع أن أخرجَ من خطاياي!. يقولون: بالله تستطيع كلّ شيء!. الله يخرجك منها!. أعرف، أعرف!. لست بحاجةٍ إلى موعظةٍ ولا إلى تذكيرٍ!. الله قادر على كلّ شيء؟ بكلّ تأكيد!. ليس الله هو المشكلة، أنا المشكلة!. أنا هو من لا يريد أن يخرجَ من خطيئتِه!. الخروج مكلفٌ ودافعي للخروج ضعيف!. لكي أكون صادقًا، أريد ولا أريد!. نفسي منقسمة!. تعبتُ!. لذلك لم أعد أُبالي!. ليستْ فيّ قوّة لأتغيّر!. ما المنفعة؟ حاولْتُ مرّات ولم أنجح!. لماذا تريدني أن أحاول من جديد؟ بكلّ بساطة، أستحلي خطيئتي!. لا رغبة لي في التّخلّص منها!. لست أحتملُ مقاومتَها وإصرارَها!. أُسلِم نفسي لها وأتخلّص، أقلّه، من ضغطها!. لست أجد في نفسي مطرحًا للقداسة!. تعلُّقي بخطيئتي أقوى من انجذابي لله!. دعني وشأني، أنا لا أحبّ الله، ولو قلتُ بعفويّةٍ، إنّي أحبُّهُ!. الحقيقةُ أنّي أنا في مكان والله في مكانٍ آخر!. لا أريد، بعد اليوم، أن أتخفّى به!. أنا كقسطنطين ذاك الّذي اعتادَ في فتوّتِهِ أن يقول: من كان مثلي يلوِّث الله!. لذلك أنا لا أنفع!. الكلام عن الله جميل، تُدمع عيناي، أحيانًا، لمحبّتِه الجميلة، لكنّي لا ألبث أن أعود إلى خطيئتي، مشيرتي وعشيرتي، وكأنّ الكلام الإلهيّ كنقطةِ الماء على نبتةِ القلقاس تنزلق ولا تترك أثرًا ولا تعود!. بمَ تطالبني يا هذا؟!. خطيئتي في دمي، في نَفَسي، في تلافيفِ دماغي، في لحمي، في حسّي، في خيالي!. لو لم تكن فيّ بقيّة حياء وكشفتُ ما في داخلي لخرجتْ من لججي أدناسٌ ونتنٌ ودودٌ بلا حدود!. دعني وحالي!. خطيئتي تَعْزيتي!. ليس لديّ عنها بديل!. أعرف، أعرف أنّها تتركني دائمًا في فراغٍ!. لكنّها تعزّيني دائمًا متى عدْتُ إليها!. لا تبقى تعزيتها طويلاً؟ صحيح!. هذا خير من الفراغ!. مِن لا شيء!. الفراغ، في الحقيقةِ، يشدّني إليها، ولو بعد حين، أكثر ممّا يصرفُني عنها!. أنا كمثلِ من قال عنه الشّاعر: داوني بالّتي كانت هي الدّاء!. ضميري يزعجني ولا يزعجني في آن!. اعتدتُ تخديره!. خطيئتي مخدّر!. تساعدني أن أنسى!. ولِمَ أتذكّر؟!. هذا حال كلّ النّاس، لِمَ تطالبني بأن أكون مختلفًا عنهم؟!. لم أُولد على حدة عنهم، وُلدْتُ في وسْطهم ومنهم!. هذه طبيعتي، أعتبرها “الثّانية”، ولو لم يخلقني إلهي وإلهكم عليها!. العالم كلّه مختلّ، ولكنْ، هكذا هو!. لذلك لا الإرادة، للسّير في كلام الله، حاضرة عندي، ولا أن أفعل الحُسنى!. تبكي عليّ؟!. هذا بكاء التّماسيح!. أنت لست خيرًا منّي!. يا ليتكَ، أنت أيضًا، تغوص لتعرف نفسك!. تعظني بأن أتوب، والعالم، الّذي أنا مغمَّس فيه، لا فقط يغريني بكلّ خطيئة، بل يشدّني إليه شدًّا!. يا صاح، إذا لم تكن هناك جماعةٌ مُحبّة لله ألوذ بها، أبإمكاني لوحدي أن أقفَ في وجه العالم؟!. لست مِن حديد!. أنا قليلُ لحمٍ ودمٍ ونَفَسٌ ضئيل وجملة عادات أَسْتَمْدِدُها مِن مَنشئي!. سمُّ الحيّةِ فيّ!. لذلك، سَمِّ ما شئتَ من الخطايا تجدْها لديَّ، بشكلٍ أو بآخر، بقدْرٍ أو بآخر!. ماذا تنتظر مني؟!. أهلي علّموني أن أحبّ ذاتي، فسلكتُ بما علّموني إيّاه حتّى لم أعد أُبالي بهم!. في المدرسة، غذّوا محبّتي لنفسي!. أنت أفضل من فلان وفلان وفلان!. أنت، أنت، أنت!. فانتهى بي الأمر بأن صار كلّ النّاس في حياتي مُنافسيّ وأعدائي!. لوحات الإعلانات لا تكفّ عن الإصرار عليّ: أحبّ ذاتك!. إلى أن انتهى بي الأمر أنّي بتّ أشاء أن أبتلع الدّنيا ولا أبالي بترك شيء لأحد وكأنّه ليس في الدّنيا غيري!. كلّ مَن حولي لا تهمّه إلّا نفسه، فنما فيّ شعور حادّ بأنّي أكون غبيًّا وعرضة للاستغلال إذا لم أكن مثلهم!. كيف لي أن أعاشرهم دون أن تنتقل إليّ عدوى أخلاقهم وأنانيّاتهم؟!. قُلِ الخطيئةَ الّتي تريد أَفعلْها بلا حرج!. إذا لم أفعلها بجسدي، أفعلها بنفسي، بفكري!. وإذا كنتُ قاصرًا أفعلها بشهوتي، بخيالي، بتصوّري!. هذا جوّي، هذا مناخي، هذا أنا، إذا كان يهمّك أن تعرف مَن أنا!. ماذا تريدني أن أفعل؟. أأقطع نفسي عن أبي وأمّي وإخوتي ورفقتي ومَن ألتقيهم في العمل وفي الشّارع وعلى الشّاشة وعبر الهاتف الّذي أحمل ويحملني أربعًا وعشرين ساعة في اليوم؟!. أين أذهب؟!. أُحبُّ المال؟. كلّ النّاس يحبّون المال!. لا قيمة لك بين النّاس إذا كنتَ لا تحبّ المال!. ينتقدونك لأنّك تحبّ المال؟. هذا غيرةً منك لأنّك أصبتَ نجاحًا أكثر منهم لا لأنّهم عفيفون!. مَن لا يحبّون المال لست أجدهم في حياتي اليوميّة!. أسمع عنهم أو أقرأ عنهم، ولا أدري إن كان الكلام عليهم واقعًا أم من نسج الخيال وحياكة التّمنّيات!. لذا الأخبار لا تكفيني لأحزم أمري بأن أتغيّر!. الجوّ الّذي أنا فيه يقول لي: هذا لا مقابل له في الواقع!. أعطني قدّيسًا حيًّا واحدًا، لأصدّق!. بعد ذلك، من حقّك أن تطالبني بالقداسة!. شعارات، شعارات، شعارات!. كلام، كلام، كلام!. طقوس، طقوس، طقوس!. أعطني أيقونة مسيح واحدة، من لحم ودم، لأؤمن!. لا تفهمني خطأ!. أنا أؤمن!. لكن الإيمان الّذي أعرف لا علاقة له بحياة النّاس، وتاليًا بحياتي!. الله موجود!. وكلامه حقّ!. لكنّي لست أجد مَصْرِفًا أصرف فيه شيكات الكلام الّذي تبيعني إيّاه!. تكلّمني على المحبّة!. حسنًا!. أين هي المحبّة؟. مَن يحبّ مَن؟. حتّى في الكنيسة!. دلّني على حزمة من عشر أشخاص يحبّ أحدهم الآخر حبًّا حقّانيًّا!. إذا لم تجد عشرًا، فأعطني خمسة!. مستعدٌّ أن أكتفي بثلاثة، إن كنتَ تعرّفني بهم!. حتّى المقامون على تعليم النّاس وصيّة المحبّة، هل يحبّ بعضهم بعضًا؟. أعطني نموذجًا أقتدي به!. بل هم، أيضًا، محبّون للمال والقنية وبخلاء!. أين مقابل قول المزموريّ: بدَّد وأعطى المساكين فبرّه يدوم إلى الأبد؟!. يتصرّفون دون أن يقولوا، وأحيانًا يقولونها بوضوح ووقاحة: بدون مال لا نستطيع أن نعمل شيئًا في الكنيسة!. أعطني إنسانًا واحدًا، تبنّى الفقر لأجل المسيح، ولم يغدق عليه المسيح بركاته!. المشكلة الله؟. المشكلة هي أنا وأنت!. كلّ النّاس اعتمادهم على المال، ومتى حصّلوا قالوا: الله باركنا!. نعبد المال، وفي عمق وجداننا، نعتبر الله خادمًا للمال، لا فرق، في الحقيقة، بيننا وبين الفرّيسيّين الّذين سمعوا يسوع يقول، في مَثَل وكيل الظّلم (لوقا): لا تقدرون أن تخدموا الله والمال؛ وهم، أقصد الفرّيسيّين، محبّون للمال، فماذا فعلوا؟. استهزأوا بيسوع!. والفرّيسيّون أقل سوءًا منّا لأنّنا عرفنا المسيح إلهًا، وننادي به إلهًا، ونتباهى به إلهًا، وهم كانوا مبلبلين لا يعرفون!. إيمان؟. أيّ إيمان هو هذا؟!. وتريدني أن أحبّ النّاس ولا أحبّ المال؟!. المال ضمانتي لا النّاس!. يتصدّقون، أحيانًا، تقول لي!. تعجبني فكرة تقديم وجبة للمسنّين مرّة في الأسبوع!. ويعجبني أنّ المسنّين يهرولون من قاعة إلى قاعة، ومن كنيسة إلى كنيسة، ليحصلوا على وجبة أخرى، هنا وهناك!. يظنّون أنّهم بلّطوا البحر!. الصّدقة، يا صاح، بين المسيحيّين، هي أسلوب آخر لتخدير الضّمير!. الصّدقة ليست محبّة!. لست هكذا أفهمها!. المحبّة أن تكون مستعدًّا لأن تبذل ما لك ونفسك باسم المسيح!. أن تتصدّق عليّ بالقليل، أو حتّى بالكثير، هذا لا يجعل الصّدقة محبّة!. يصبح العطاء محبّة حقًّا متى أعطيتني قلبك كلّه، سواء في القليل الّذي تعطيني إيّاه أم في الكثير!. المحبّة ليست في الكمّيّة!. فِلسا الأرملة كانا أكثر من صُرر الأغنياء عند ربّك!. المحبّة قلب!. لم يطالب الله أحدًا بأن يحبّه!. المحبّة، كما يفهمها النّاس، بعامّة، معيوبة!. قال: أعطني قلبك، يا بنيّ، لا محبّتك!. مَن يُعطون ثيابًا يأخذونها من خزانتهم، ولو جديدة، غير مستعملة، ليقدّموها للفقراء، من باب الإيمان والمحبّة، كما يظنّون(!)، يُعطون، في الحقيقة، ما لم يعودوا يريدونه، أو ما لم يعد يعجبهم!. أهذه محبّة؟!. بل هذه أنانية ممكيَجة بنكهة المحبّة، نظير مشروب “تانغ” بنكهة البرتقال!. أعطني إنسانًا يشتري معطفًا للعريان، وكأنّه يقدّم هديّة للمسيح الملك، ويبقى هو متستّرًا بمعطفه العتيق، أصدّق، ساعتئذ، أنّ هذا عطاء محبّة حقّ!. جميل، حتّى الاستخفاف(!) بالله، أن تقيم مأدبة لوجهاء القوم، وعلى رأسهم أسقف المحلّة، تضمِّنها أفخر ألوان الطّعام، من أنحاء الدّنيا قاطبة، ثمّ تترك الخَدَم يلقون في القمامة ما يلقونه، ويضعون أيديهم على ما تصل إليه أيديهم، ثمّ ترسل بعض فضلات الأطباق للجنة سيّدات الكنيسة المجاورة ليتصدّقن به على الفقراء والمسنّين!. والكنيسة تهلّل وتشكر المحسنين الّذين يفعلون هكذا!. إذا كانت الفضلات للفقراء فالفضلات، أيضًا، للمسيح!. يا صاح، أما قرأت: إذا صنعتَ غداء أو عشاء فلا تدعُ أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلّا يدعوك هم، أيضًا، فتكون لك مكافأة؟!. بل، إذا صنعتَ ضيافة فادعُ المساكين، الجدع، العرج، العمي، فيكون لك الطّوبى، إذ ليس لهم حتّى يكافوك، لأنّك تكافى في قيامة الأبرار (لو 14)؟!. هذا إنجيلك وإنجيلي!. وتدعوني، بعد ذلك، لأن أحبّ؟!. هذا كذب!. أنتقدُك؟!. أنا لا أنتقدك!. أنتقد نفسي قبلك، لأنّنا أسوأ، الواحد من الآخر!. طالما الإنجيل في ميل وحياة النّاس في ميل آخر، فلا حقّ لك بأن تطالبني بأن أكون مؤمنًا ومحبًّا وعفيفًا!. مسيحيّة الحدّ الأدنى هرطقة شيطانيّة!. لنتكلَّمْ على العفّة!. كيف تريدني أن أسلك في العفّة، عفّة الجسد، عفّة اللّسان، عفّة الأذن، عفّة القلب؟… ما دام النّاس قد تسربلوا بحبّ ذواتهم، فسلوكهم في العفّة تمثيليّة!. لا تكلّمني عن ضعف الطّبيعة البشريّة، رضي الله عنك!. لأنّي لست أجد أمام عينيّ ضعفًا، بحسب الطّبيعة، بل انحراف وضعف حتّى الاستسلام بإزاء هذا الانحراف!. قوّة الزّنى في نفسي أشدّ من أن أتخلّى عنها!. قوّة العفّة في نفسي شيكات بلا رصيد!. إذا كانت الشّمعة المنطفئة تشعلها شمعة مضاءة، فمن أين آتي بالنّار لأضيء شمعتي!. ألفُ كلمة عن النّار لا تضيء ولا شمعة واحدة!. ربّك وربّي، لو شاء، بطرق هو يعرفها، لأضاء كلّ شموع العباد!. ولكنّه، إلّا في حالات خاصّة هو يعرفها، لا يشاء، بل يشاء أن يضيء الإنسانُ الإنسان!. فقط ساعتذاك يعين!. أما قرأتَ إنّ حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير؟!. أهذا فقط عن المسيح البكر أم عن كنيسة الأبكار أيضًا؟!. هذا، بكلام آخر، معناه أنّ مَن لا يموت عن نفسه في كلّ أمر، لا يمكنه أن يُحيي أحدًا في كلّ أمر!. ومَن مات عن نفسه أحيى الكثيرين لا محالة!. هذه سنّة نار المحبّة!. وحدها تشعل القلوب!. أليس بهذا المعنى قيل: ليس حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه؟. هذا لا يعني، في وجداني، أنّ هناك محبّة عظيمة ومحبّة أقل عظمة!. بين البشر المحبّة كلّها من نوع واحد، وهو النّوع الّذي كشفه يسوع في نفسه، وربّك لا يطلب من عبيده وعباده أقلّ من الكمال في المحبّة لأنّه هو كامل ومحبّة، ولأنّ المحبّة كاملةً تكون أو لا تكون بالمرّة!. رجاءً، لا تُخفْني بالكلام على الدّينونة والعقاب وخسران الخلاص!. هذا أحسبُه لديك كلام تجارة وابتزاز، ما دمت تطالبني بما لا تفعله ولا أراه فيك!. خير لي أن أبقى في زناي من أن أدّعي عفّة لست عليها!. أقلّه أكون صادقًا وأكون أفضل حالًا منك لأنّك متى علّمتني ما لا تريد أن تسلك فيه فإنّك فرّيسيًّا تكون!. وفي نهاية المطاف متى حضرتُ وإيّاك أمام الله، أنا، خروفًا معيوبًا وأنت، خروفًا في ثوب ذئب، فمَن تراه سيكون أفضل حالًا من الآخر لديه؟!. أيّهما خير من الثّاني: الخروف الّذي شرد الّذي لم يسأل عنه أحد، أم الخروف الّذي يعرف والّذي لم يبالِ بالبحث عن الخروف الّذي شرد بل خدعه ونهشه؟. لست أتكلّم على الرّعاة فقط بإزاء الخراف، بل على كلّ الّذين يظنّون أنفسهم مبصرين، وهم عميان، ولا يرعون إلّا أنفسهم وما لهم!. في الحقيقة، عند ربّك، الكلّ يرعى الجميع، وعلى المسمَّين رعاة مسؤوليّة خاصّة، لا تعفي أحدًا من رعاية كلّ الّذين يجعلهم ربّهم في محيطهم الوجدانيّ!. الرّعاية عمل جماعيّ حتّى لا يُعِدَّ مَن يَحسبون أنفسَهم “رعاةً” الخرافَ للاستغلال، والبيع والشّراء والذّبح!. كلّنا بحاجة لأن نَرعى ولأن نُرعى، كلّ في موقعه، لبنيان جسد المسيح، يا صديقي!. إذًا، لِمَ لا تبدأ بنفسك، تقول لي؟!. صحيح!. أعترف أنّي لا أحبّ!. لم أحبّ بعد!. من تلك العجنة الملوّثة خرجتُ!. كلّما حسبتُ نفسي أنّي وصلت أجدني لم أصل بعد!. لا أُريد أن أُخفي معاناتي!. كلّما تقدّمتْ بي الأيّام، كلّما زاد يأسي من نفسي وقرفي من ذاتي!. أحيانًا، لا أعرف ماذا أفعل؟ يغمرني أسى عميق!. أريد أن أخرج من ذاتي ولا أستطيع!. أشتهي ربّي أن يجدّد جبلّتي، لأنّها لا تنفع!. أناي حاضر في كلّ ما أفعل وأُفكّر وأقول!. لا أستطيع أن أتوقّف عن التّفكير والعمل والكتابة، ولا عن محو حبّي لذاتي!. أحيانًا، تمرّ الأيّام بشيء من النّسيان، وأحيانًا أختنق في نفسي، ولا أدري ماذا أعمل!. شيئًا فشيئًا أُدرك معنى قولة الرّسول بولس: مَن ينقذني من جسد الموت هذا؟!. لا فقط لم أَصِل بعد، بل لا أدري إن كنت سأصل أبدًا!. أحتاج إلى صلاة القدّيسين وغير القدّيسين!. صلاة الزّناة، إن شعروا بألم النّاس، تنفع النّاس كثيرًا!. ليتني أتوقّف عن الكلام ولكن لا أستطيع!. سامحني يا الله وساعدني!. وسامحوني يا ناس لعجزي!. لم أصل وليس عندي، في الحقيقة، ما أعلّمه بالرّوح!. لكنّي التقيت أناسًا، علّمني فيهم الرّوح الكثير!. جاءنا، مرّة، رجل اسمه يوحنّا وأخبر أنّ أموره متعثّرة لكنّه لا يشاء أن يتخلّى عن ثقته بعناية الله!. لا يقدر أن يكمل شهره من معاشه، لكنّه يتدبّر بطرق وحده الله يعرفها!. مرّة، كان في جيبه عشرة آلاف ليرة لبنانيّة فقط لا غير. قالت له زوجته: اذهب اشتر علبة حليب للطّفلة، والعلبة ثمنها أربع عشرة ألف ليرة. خرج لا يعرف كيف سيتدبّر. فجأة التقى فقيرًا عليه علامات الوجع. هذا مدّ يده بهدوء أمامه وقال له: ساعدني!. من دون تفكير، مدّ يده وأعطاه العشرة آلاف ليرة!. عاد إلى بيته!. سألته زوجته: أين علبة الحليب؟. قال: نسيت!. خرج من جديد!. فَكَّرَ بمَن سيتّصل ليستعير منه بعض المال!. قال: الله يدبّر!. فجأة رنّ هاتفه!. مَن؟. شخص لا يعرفه!. فلان أعطاني رقمك!. قال لي إنّك مهندس!. أجل، أنا مهندس!. عندي لك عمل!. وَصَفَه له!. أبإمكانك أن تنجزه لي!. أجل!. حسنًا!. كم تظنّ قد تكون الكلفة؟. بحدود الخمسة آلاف دولار!. حسنًا!. بإمكاني أن أعطيك الآن عربونًا، ألفًا وخمسماية دولار!. حسنًا!. أين أنت الآن!. بعدما استدلّ كلّ إلى مكان الثّاني، تبيّن أنّهما لا يبعدان الواحد عن الآخر إلّا مئة متر فقط!. فما هي إلّا دقائق حتّى وصل صاحب المشروع وسلّم يوحنّا ألفًا وخمسمائة دولار وذهب في سبيله!. فاشترى يوحنّا صندوق حليب وعاد إلى بيته!. أتُرى الله يدبِّر أم لا يدبِّر؟!. المشكلة أنّ المسيحيِّين لا يصدِّقون!. صدِّقوا يا عالم!!!. الكنيسة، في صخب هذا الدّهر، يا صاحبي، ضائعة!. الله موجود ولكن مَن تراه يتعاطاه كإله حيّ؟!. ما لم نودع أنفسنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا للمسيح لله، فستبقى الكنيسة كلامًا ومتحفًا وسخامًا!. في هذه الأيّام، نسعى، بكلّ أسف، وراء كلّ شيء إلّا المسيح!. مسيحيّتنا عفنت!. ما لم نعد إلى الحبّ الأوّل للمؤمنين فعبثًا نحاول!. المسيح لا يتجزّأ!. هو هو، أمسًا واليوم وإلى الأبد!. هكذا عاشوا!. “وكان لجمهور الّذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إنّ شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كلّ شيء مشتركًا. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم إذ لم يكن فيهم أحد محتاجًا” (أعمال 4)!. أتُرى تعود تلك الأيّام لنعود إلى الكنيسة وتعود الكنيسة إلينا، أم دخلنا زمن الخواء، وندرة الإيمان؟!. فتيلنا يدخّن!. نبحث عمّن يحبّ الله ولسنا نجد!. وأنا أوّل الضّائعين!. ربّاه!. لا تلمني!. فقير أنا وفي الشّقاء منذ حداثتي!. في اللّيل على فراشي طلبتُ مَن تحبّه نفسي، طلبتُه فما وجدتُه. قلت أقوم وأطوف في المدينة، في الأسواق، في الشّوارع، أطلبُ مَن تحبّه نفسي. طلبته فما وجدته!. أختي العروس جنّة مغلقة، عين مقفلَة، ينبوع مختوم (نشيد 3 – 4)!. ألعلّي واجدك كسمعان الشّيخ، سيّدي؟!. حتّى متى أبقى في حرقتي وانتظاري؟!. البائسون والمساكين يطلبون ماء ولا يوجد. لسانهم من العطش قد يبس. أنا الرّبّ أستجيب لهم. لا أتركهم. أجعل القفر أجمة ماءٍ (إشعياء 41)!. يا ليت عيني ينبوع ماء لأبكي نفسي وبنت شعبي!. الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان |
||||
08 - 06 - 2016, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 12997 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أحد مرفع اللّحم. أحد الدّينونة. أحد الأحياء والرّاقدين.
“قالَ الرّبُّ، متى جاء ابنُ البشرِ في مجدِهِ”… وهو اليومَ آتينا بمجدِهِ، “ليجلسَ على عرشِ مجدِهِ، وتُجمَعَ إليه كلُّ الأممِ فيميِّزَ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الرّاعي الخرافَ من الجداءِ. ويُقيمُ الخرافَ عن يمينِهِ والجداءَ عن يسارِهِ”… وعلا النّداءُ: هذا هو الخروفُ المذبوحُ منذ أوّلِ الدّهورِ، منذ الأزلِ، إن كانت هناك آذانٌ للسّمع فليسمعوا… ويأتوا إلى الوقفةِ في حضرتِهِ… المأساةُ أنّ الخروفَ الإلهَ اليومَ يجلسُ على الكرسيِّ، كرسيِّ مجدِهِ مُرْسِلاً ملائكتَهُ القدّيسين ليأتوا أيضًا بكلِّ من كان، ومن هو من نَفَسِ روحِ الحملِ، ليقفوا برعدةِ الشّوقِ والتّوقِ والحبِّ أمام عرشِ إلهِهم مسلمين أنفسَهم بالكليّةِ له ليحكمَ عليهم… ويتساءلون: أيراضينا اليومَ غافرًا خطايانا؟!… من هو ذاكَ العبدُ الأمينُ الحكيمُ الّذي لا يخافُ سيّدَهُ وحكمَهُ، ليقفَ إليه أمامَ كلِّ الأجنادِ السّمويّةِ والأرضيّةِ ليُحكمَ عليه، أو ليَحكمَ هو مع إلهِهِ، إن راضاه تصرّفُ حياتِهِ وحفاظُهُ على الكلمةِ، ليصيرَ والإلهَ ديّانًا للعالمِ؟!… هكذا وقفَ الكونُ، بل كلُّ البشريّةِ الّتي عرفَتِ الحملَ وذاقتْهُ أو حتّى لم يذوقوه والّذين لم يعرفوه، لكن استبقوا في نَفَسِ قلوبِهم وصاياه الّتي عاشوها وما زالوا يعيشونها حتّى من دون أن يسمّوها أو يعرفوا أنّها كلماتُ وأحكامُ الملكِ، بل هي كلُّها وصايا الإلهِ الّذي سمعوا عنه أنّه يحكمُ في قلوبِ ونفوسِ وعقولِ بعضِ ناسِ الأرضِ، وهم لا يخالطون أولئكَ الّذين لم يسمعوا أنّ اسمَهُ “أحدُ الثّالوثِ” الأقنومُ الثّاني، الّذي هو “يسوعُ الممسوحُ من الآبِ” ليحكمَ بأحكامِ الإلهِ الملكِ حتّى لا يتزعزعَ كونُ الله في عمرِهم، في أحكامِ البشريّةِ وفي أسسِ الكونِ… وصرخَ الحملُ الجالسُ على العرشِ، فارتجّتْ نفوسُ وقلوبُ كلِّ الأممِ الواقفةِ حولَهُ: …”إلهُنا أتفرُزُنا اليومَ؟!. دعْنا نتوبُ عن خطايانا، علّنا نتوبَ… هكذا سُمِعَتْ أصواتُ الصّمتِ وأنفاسُ الملائكةِ والبشرِ الواقفين أمامِ العرشِ الإلهيِّ”… وزعقَ رئيسُ الملائكةِ… “كفّوا عن الصّراخِ، عن الطّلبِ… عن النّدبِ… كان لكم كلِّكم أن تعرفوا لأنّه هو الإلهُ تكلّمَ، قائلاً: “أنا هو الّذي هو!!!… أنا هو الألفُ والياءُ الّذي كان وهو كائنٌ وسيكونُ إلى الأبدِ”… وأكملَ رئيسُ الملائكةِ… “الإلهُ كَتَبَ الوصايا وأنتم لم تقرأوها… تكلّمَ ولم تسمعوا… وعدتموه مئاتَ، آلافَ، بل ملايينَ المرّاتِ، لكنّكم لم تُحقِّقوا الوعدَ!!… والآن أنتم مُتُّم وها نحن كلُّنا نقفُ قدّامَ عرشِ الإلهِ الوعدِ، لأنّه هو الغفّارُ، الدّيّانُ والعادلُ وحدَهُ”… اليومَ سقطَتْ كذبةُ الإنسانِ الميتِ الواقفِ أمام الإلهِ… لكنّ الإلهَ الحملَ أكملَ بعدَ رفعِ رأسِهِ مستديرًا إلى الّذين أجلسَهم الملائكةُ عن يمينِهِ هو وقالَ… “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكَ المُعَدَّ لكم منذُ إنشاءِ العالمِ”… هكذا عرفَ الإلهُ الحملُ، حملانَهُ الّذين أحبّوا وقعَ كلمتِهِ ووصاياه في آذانِ قلوبِهم: … “لأنّي جِعْتُ فأطعمتموني… عطِشْتُ فسقيتموني… كنتُ غريبًا فآويتموني… عريانًا فكسوتموني… مريضًا فعدتموني… محبوسًا فأتيتم إليّ”… ورفعَ كلُّ الصّديقين رؤوسَهم مستغربين؟!. متى؟!. متى؟! متى؟!… “الحقَّ أقولُ لكم، بما أنّكم فعلتُم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصّغارِ، فبي فعلتموه”… اليومَ في يومِ الدّينونةِ هذا العظيمِ، نقفُ مسائلين بعضُنا بعضًا… هلْ تُبنا، أو سنتوبُ إلى كلمةِ الحملِ المذبوحِ في كلِّ خدمةٍ ليتورجيّةٍ أمامَنا ونحن نأكلُهُ لنشفى، أم نأكلُهُ لنعودَ إلى خطايانا؟!… اليومَ تتتالى الوعودُ والأحكامُ تستصرخُ هباءَ كلمةِ الإنسانِ لربِّهِ، حتّى أولئكَ الّذين لبسوا البزَّ والأرجوانَ للدّخولِ إلى معابدِ الإلهِ وكنائسِهِ، والّذين تبتّلوا عن أنفسِهم إلى توقِ معرفتِهِ، للدّخولِ إلى خدرِهِ، بينما كان هو نائمًا يستريحُ من وعودِ البشرِ الكَذَبةِ، المنافقين، اللّعّابين بعواطفِ الّذين يربّونهم للخلاصِ… وكلِّ الّذين تابوا ولم يتوبوا، وكلِّ الّذين عملوا والّذين لم يعملوا؛ والهمُّ الهمُّ الأوحدُ لجميعِ النّاسِ كان: نحن نريدُ أن نحيا معرفتَكَ (سطحيًا) في عمرِنا هذا هنا، وفي اليومِ الأخيرِ، يومِ الموتِ نترجّاكَ بالصّلواتِ المتلوّةِ على أجسادِنا الميتةِ أن تخلّصَنا برحمتِكَ والّذين يجنِّزوننا، علّنا نرى وجهَكَ قبلَ يومِ الدّينونةِ هذا، اليومَ!!… * * * * * * * البارحةُ رتّبتِ الكنيسةُ تذكارًا للرّاقدين على رجاءِ القيامةِ والحياةِ الأبديّةِ… فماذا بعدُ؟!… مخوفٌ هو الوقوعُ بين يدَي الرّبِّ الإلهِ الحيِّ!!. اليومَ تجتمعُ كلُّ الأجنادِ السّماويّةِ والّذين رقدوا والواقفون أمام عرشِ مجدِ الملكِ ليسمعوا كلمةَ دخولِ الأخدارِ السّماويّةِ أو الانكفاءِ إلى الجحيمِ، حيث العويلُ والبكاءُ وصريفُ الأسنانِ… هناك تعلو أصواتُ جهنّمَ فرحةً بكلِّ قادمٍ تَرَكَ الإلهَ ملتحقًا بلذّاتِ أكلِهِ وشربِهِ وملبسِهِ وغناه وأهوائِهِ لالتزامِ خطاياه، وكأنّها حقًّا مكتسبٌ له في عمرِهِ مع الّذين لم يسمعوا ليرعووا، أو يفهموا ليغيّروا طُرُقَ سماعِهم وخضوعِهم لإبليسَ وزبانيّتِهِ المتغلغلةِ في كلِّ مفرقِ طريقٍ يحياه الإنسانُ في حياتِهِ… هؤلاء صادفوا إلهَ المالِ والشّهرةِ وحبِّ الظهورِ والتّملُّقِ والتزامِ الخطايا، كأنّ لا آذان لهم للسّمعِ وليس من حسٍّ لهم لتنتفضَ روحُ قلوبِهم ليسمعوا صوتَ الإلهِ مناديهم: “يا بنيَّ أعطني قلبَكَ”!!. عندَ الموتى اليومَ، كما عندنا نحن الأحياءَ بالجسدِ، نقفُ أمامَ المنبرِ المهيبِ لنسمعَ الصّوتَ صارخًا… أنا عرَّفتُكُم ذاتي في كلِّ من عاشَ حولَكم في البؤسِ والغنى، في النّجاحِ والفشلِ، في الدّعةِ، في الكبرياءِ، في الصّلفِ، في العنادِ، في البرِّ… وأنتم لم تسمعوا… لماذا؟!… لأنّكم ركّزتم كلَّ حواسِّ أنفسِكم على أفكارِكم… وصاحتِ الأبواقُ: حياةُ القدّيسين ارتُهِنَتْ لكم، لكنّكم كنتم مشغولين وتعامَيْتُم عن أنفسِكم الّتي هي أرواحُكم، الّتي سكبَها الرّبُّ الإلهُ فيكم… قهرتُم إلهَكم… كذبْتُم على مريديكم وبقيتم أنتم تتعاطون الألوهةَ في البحبوحةِ، في أناكم، حتّى لو بقيتم فقراءَ… ما الفقرُ؟!. ما الغنى؟!… من أين تأتي حياتُكم، أنفاسُ أرواحِكم؟!… اصطليتُم وتلظّيتم في شهواتِ نفوسِكم!!، فقتلْتُم الإلهَ الرّبَّ يسوعَ… كلُّكم صلبتموه على صليبِ رغباتِكم، وما بكيتُم… ما أعولْتُم طالبين التّوبةَ وعيشةَ الفقرِ مع الفقراءِ… وغنى الرّبِّ في فقرِكم لم تتبنّوه!!. واليومَ نحن نرثي باكين مقاصدَنا كلَّها… “بما أنّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاءِ الصّغارِ فبي لم تفعلوه”… “هكذا يذهبُ هؤلاء إلى العذابِ الأبديِّ والصّديقون إلى الحياةِ الأبديّةِ”… اليومَ في تذكارِ رقادِ كلِّ المائتين في كنيستي والحكمِ على الأحياءِ… اليومَ في مجيءِ ابنِ البشرِ في مجدِهِ وجميعِ الملائكةِ القدّيسين معه، أين نقفُ نحن الّذين يبشّرون بالكلمةِ الإلهِ في حياتِنا؟!. “لا لنا يا الله، لا لنا، بل لاسمِكَ أعطِ المجدَ”!!!. البارحةَ، اليومَ، غدًا وإلى دهرِ الدّاهرين… وحتّى انقضاءِ الأيّامِ نحن نحيا معكَ منكَ فيكَ ولكَ… هذا وعدُ حياتِنا… آمين… ثمَّ آمين… ثمّ آمين. الأمّ مريم (زكّا)، رئيسة دير القدّيس يوحنّا المعمدان، دوما – لبنان عن “تأمّلات في الإنجيل”، 6 آذار 2016 |
||||
08 - 06 - 2016, 05:36 PM | رقم المشاركة : ( 12998 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع المسيح والروح القدس
تشير الأناجيل بصورة دائمة الى ان الروح القدس يرافق يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد، خلال حياته الأرضية كلها، اي منذ البشارة حتى الصعود. كما تجدر الإشارة اولاً الى أن الروح القدس وكلمة الله قائمان أزليّاً مع الآب، بفعلهم معا خُلقت الأرض والسماء وكل المخلوقات. ومن ثمّ لم يكن تَرافقهما مقتصراً على الفترة التي ظهر فيها كلمة الله على الأرض انساناً، بل هو سابق لهذا الظهور ومستمر بعده. يوحي الإصحاح الأول من انجيل لوقا أن الروح القدس قد نزل الى الأرض لمناسبة ولادة المسيح. فيوحنا المعمدان “يمتلئ من الروح القدس وهو في بطن امه” (لوقا 1: 15)، هذا الروح نفسه يحلّ على مريم لقبولها حَمْل ابن الله في أحشائها، فالملاك يقول لها: “ان الروح القدس يحلّ عليك وقوّة العلي تظللك، ولذلك فالقدوس المولود منك يُدعى ابن الله” (لوقا 1: 35). عندما زارت مريم أليصابات الحامل بيوحنا “امتلأت أليصابات من الروح القدس” (لوقا1: 41). كما يبدو جليّا أنّ سمعان الشيخ عرف بالروح القدس ان الطفل يسوع ليس سوى مسيح الرب المُنتَظَر: “وكان الروح القدس عليه. وكان قد أوحي اليه بالروح القدس أنَّه لا يرى الموت حتى يُعاين مسيح الرب” (لوقا 2: 25-26). اذاً واكبَ الروح القدس كل مراحل التجسد مقدِّساً المساهمين فيه، لذلك دُرج على تسميته “روح التجسد”. في معمودية يسوع في الأردن ظهر الثالوث للمرة الأولى في العالم، فالآب والروح شهدا علانية أنّ يسوع الناصري هو ابن الله: “ونزل عليه الروح القدس في صورة جسميّة مثل حمامة، وكان صوت من السماء قائلاً انت ابني الحبيب بك سُررتُ” (لوقا 3: 22). أما في بداية رسالته البشاريّة فالمسيح يفتح سفر إشعياء النبي ويقرأ: “إنّ روح الرب عليّ ولأجل ذلك مسحني وأرسلني لأبشّر المساكين …”(لوقا 4: 18)، وبذلك يؤكد للجموع أنّه مسيح الرب أي الممسوح منه، والمسحة ليست سوى الروح القدس المُستقر عليه. اسم “المسيح” يحمل بذاته معنى ثالوثيا ذلك أن الآب هو الماسح والابن هو الممسوح والروح القدس هو المسحة. ونلاحظ ايضا أنّ الروح القدس لا يفارق المسيح طوال سياحته البشرية، فالقديس لوقا يقول حين يسرد تجربة يسوع على الجبل: “ورجع يسوع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس، فاقتاده الروح في البريّة” (لوقا 4: 1). اما القديس مرقس فيقول في سياق الحادثة ذاتها: “وللوقت أخرجه الروح الى البريّة” (1: 12)، وكأن الروح القدس دفع يسوع الى البرية ورافقه في تجربته وانتصاره على الشيطان. وبعد التجربة نرى أنّ يسوع يرجع الى الجليل “بقوّة الروح” (لوقا4: 14). ولم يفارق الروح القدس يسوع في صلاته ايضا، “وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال أعترف لك يا أبتِ ربّ السماوات والأرض…” (لوقا 10 : 21). وفي حادثة إقامة لعازر من بين الأموات يخبر القدّيس يوحنا ان المسيح “ارتعش بالروح” قبل أن يشكر الله قائلا: “يا أبتِ أشكرك لأنك سمعتَ لي” (11: 33و41). ظلَّ الروح القدس ملازماً ليسوع حتى الصليب والموت، فالمسيح صاح على الصليب قائلا: “يا أبتِ في يديك استودع روحي” ويتابع الإنجيلي لوقا معلِّقاً: “قال هذا ولفظ الروح” (23 :46)، وأمّا يوحنا الإنجيلي فيقول: “أسلَم الروح” (19: 30). لم يفارق الروحُ يسوع في القبر، بل يؤكد الرسول بولس أنّ الروح قد أقام المسيح من بين الأموات: “فإذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالاًّ فيكم، فالذي أقام المسيح من بين الأموات يحيي أيضا أجسادكم الفانية بروحه الحالّ فيكم” (رومية 8: 11). ملازمة الروح الدائمة ليسوع تعكس ولا شك الوحدة القائمة بين الروح والكلمة الأزليين، كما تُبرز عملهما المُشتَرك منذ الأزل والى أبد الدهور مروراً بالخلق والتجسّد والمجيء الثاني. وليس إذاً صحيحا القول أن العهد القديم هو زمن الآب، والفترة التي عاش فيها المسيح على الأرض هي زمن الابن، وبعد صعوده بدأ زمن الروح القدس، فالروح القدس حاضر في العهد القديم ومع يسوع وهو يعمل في العهد الجديد. كذلك الأمر بالنسبة الى الآب والابن. الروح القدس هو الذي يجعلنا أبناء لله، فالرسول يقول: “إن الذين ينقادون لروح الله يكونون أبناء الله حقّا. لم تتلقوا روح عبودية لتعودوا الى الخوف بل روح تبنٍّ به ننادي أبّا، يا أبتِ” (رومية 8: 14-15). غاية الحياة المسيحية هي أن يصير الإنسان ابناً لله، وهذا أصبح ممكناً بفعل الروح القدس الذي يناله المؤمن بالمعمودية ويبقى معه طالما هو ممارس للصلاة والعبادة. وثَمّة عبارة ذات أهميّة قصوى للقديس اسحق السرياني فحواها: “عندما يسكن الروح القدس في قلب الانسان، لا يستطيع هذا الأخير أن يتوقف عن الصلاة، لأن الروح القدس لا ينفكّ يصلّي فيه”. |
||||
08 - 06 - 2016, 05:38 PM | رقم المشاركة : ( 12999 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
“الآن تطلق عبدك أيها السيد…”
“الآن تطلق عبدك أيها السيد…” لما دخلت العذراء القديسة ومعها خطيبها العفيف، بالطفل الإلهي إلى الهيكل، إتماماً لفرائض الشريعة، التقاهما شخصان لا نعرف عنهما إلا القليل. لكنّه قليل كاف لنعرف أنهما من فئة ” المنتظرين فداء في أورشليم”، بملازمة هيكل الرب وبالصوم والصلاة. في النص الإنجيلي الذي يروي حدث تقدمة السيد طفلاً إلى الهيكل، يستعمل القديس لوقا تعابير طابعها نبوي بامتياز، “ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه؛ وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب”، وموهبة النبوءة بحسب معلّمي اليهود كفّت بعد الأنبياء القدماء، ولن تعود إلا متى جاء زمان المسيح. الصفة النبوية إذاً، على الشيخ التقي، شهادة بحد ذاتها، للطفل المقدّم الآن إلى الهيكل أنه المسيح المتظر. إن أهمية شهادة سمعان الشيخ، عبر الأنشودة التي تلاها حاملاً على ذراعيه الطفل الإله، تكمن في تضمنّها أبعادًا متعددة: في سفر أشعياء النبي أن الرب الإله شمّر عن ذراع قدسه، (٥٢: ١٠)، وهنا نرى سمعان البار يأخذ على ذراعيه الطفل الذي وُعِد بأنه لا يرى الموت قبل أن يراه، يبارك الرب شاكراً – لا باسمه وحده بل باسم المنتظرين الخلاص كلّهم. هذا الطفل هو نفسه الآتي بالنور، لتستنير به الأمم ، كما قال إشعياء (٤٢: ٦)، وهو أيضاً المجد لأورشليم (٦٠: ١). النور لاستعلان الأمم والمجد لشعب الله، المتحدّر منه النور بالجسد. من ثم يخاطب الشيخ العذراء القديسة، بتعابير نبوية أيضاً، جديدة ولكنها تؤكد على القديم: ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل”. أي إنه هو المقدس، وهو حجر العثرة أيضاً. إن استقام اسرائيل في السلوك والإيمان والعبادة الحسنة قدّسهم، وإن تمسّكوا بالنفاق اصتدموا به صخرة. في سفر هوشع يقول الرب الإله “طرق الرب مستقيمة والآبرار يسلكون فيها، أما المنافقون فيعثرون” (١٤: ٩). بهذه الأنشودة، يعلن سمعان ممثلاً إسرائيل الأمين فرحه بتسليم الأمانة، بعد طول انتظار، واسرائيل الأمين لمواعد الله عرف أن لا دور له إلا تمهيد السبيل لتحقق الفداء الحاصل بتجسد الكلمة ابن الله. نقول “إسرائيل الأمين” لأن ثمة من غلبت عليهم قساوة أعناقهم فباتوا يفسرون محطات التاريخ الإلهي على ما يشتهون، وكأنهم أرادوا احتكار الله بل وتطويعه تعالى لتاريخ أرادوه هم لأنفسهم. “الآن تطلق عبدك يا سيد بسلام” قالها سمعان لأنه بتقواه نال عند الخالق دالة أن لا يغادر العالم قبل أن يرى بعين الجسد المسيح مولوداً، وبنور الروح القدس خلاص الخليقة بأسرها، عهداً جديداً للبشرية يفتتحه تجسد الإله وقد حان “ملء الزمان”. إسرائيل الأمين يختم مهمته بلسان سمعان فرحاً، تماماً كما سيفعل المعمدان في ما بعد خاتماً زمن الأنبياء بقوله: “إذاً فرحي هذا قد كمل؛ ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص” (يوحنا ٣: ٢٩-٣٠). ابن الله المولود من العذراء إنساناً يأتي من عند الآب نوراً لا لإسرائيل وحده بل للأمم كلها، فالمشرق لا يمكنه أن يحتكر نور الشمس وإن كانت من عنده تطلع. هذا أيقنه إسرائيل الأمين فبات مطمئناً إذ إنه “سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب”، تحقيقاً لقول الرب بنبيه أشعياء (٥٩: ٢٠). قساوة القلب التي أصابت بعض إسرائيل لا يمكنها أن تزول إلا متى أشرق نور الخلاص على الأمم التي كانت بعد ما آمنت، فينال إسرائيل عندئذ خلاصه الموعود إذ يكون قد أتم ما تأسس من أجله (رومية ١١: ٢٥). إسرائيل الأمين لمواعيد الله مستمر على مدى العصور، في جماعة المؤمنين الذين عبروا بالمعمودية من عبودية البشرة الساقطة إلى نعمة الاتحاد بالمسيح والكمال فيه. بمعنى آخر وعلى المستوى الشخصي، فأنت متى كنتَ، مثل سمعان الصدّيق، تشتهي في كل حين أن تتفتّح عيناك على خلاص الرب، أنت إذن كلما التقطت ومضة من ومضات المسيح، أَوَأنـت تقرأ الإنجيل أو في حياتك في الكنيسة أو في جهادك الشخصي، تشتهي أن “تنطلق”، أي أن تتفلّت من قديم ذاتك، إلى ما سوف يُجدّد المسيحُ فيك. الأب نكتاريوس (خيرالله) |
||||
08 - 06 - 2016, 05:39 PM | رقم المشاركة : ( 13000 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكنعانيّةُ وابنتُها
ارتجّتْ روحُ امرأةِ الجحيم… صرخَتْ… ما هناك؟!… قامَتْ وطفرَتْ سيّدةُ العتماتِ من حجرِها إذ تزلزلتِ الأرضُ فيها وحولَها… اهتزَّ كيانُ روحِها… خافَتْ… مَن هناك؟!… من يأتيني في ليلِ ظلمتي وأنا أتعذَّبُ مع ابنتي في صمتي هذا الّذي يقربني كلَّ يومٍ لجرّي إلى العدمِ، إلى الموتِ وفلذةُ كبدي وعذابي تصرخُ فيَّ وفيه… تصيحُ بأنينٍ مسحوقٍ، مكتومٍ، غاضبٍ، لتبصقَ فيه عذابَها عليَّ، أنا أمَّها… شريكتَها في جحيمِها الأعمى الأخرسِ الّذي لا نُطْقَ فيه، بل عويلٌ وزعيقٌ وأنينٌ وحرطُ أسنانٍ وتكسيرُ كلِّ ما تلقي يدَها عليه وتجريحُ وجهِها وتخديشُهِ بأظافرِها… هكذا مرَّ زمانُ شبابِها وأربعينِها، وهي تُسائلُ أمَّها مرّةً ومرّاتٍ… ماذا يريدُ هذا الرّوحُ الشّيطانيُّ القاتولُ الغريبُ منها هي؟!… لم تكنْ تدركُ ذاتَها… لم تعرفْ أناها… ماذا يريدُ منّي؟!… وصمتَتْ أمُّها… أن يبتلعَني؟!… أن يعذِّبَني هكذا؟!… يمزِّقَ روحي… حسّي وكياني… قلبي وعقلي وجسدي؟!… عيلَ صبري… وسقطَتِ الابنةُ وكأنّها ميتةٌ تبكي… وانتفضَتِ المرأةُ الأمُّ… أعولَتْ بأعلى صراخِ حنجرتِها إلى آلهتِها… وارتدّتْ بملءِ عنفِ يأسِها إليهم!!… هؤلاء لا سماعَ في آذانِهم ولا صوتَ في حلوقِهم!!. بل يصمتون ويصمتون متمتّعين بعذابي أنا وابنتي… لا حسَّ في حشاهم!!. خبطَتْ كيانَها على الأرضِ قربَ وحيدتِها وزعقَتْ: … “آلهتي حقيرةٌ، دنسةٌ مثلي… وإذ آتيها في كربتي تبتلعُني بصمتِها… تُبعدُني عن حرقتي، عن روحي، عن بحثي في ذاتي، عن حقيقتي، عن طلبتي، كيف جُنَّتِ ابنتي؟!… كيف اختطفَها الشّرّيرُ القاتولُ الشّيطانُ الأبُ الأنجسُ من كلِّ وحوشِ الأرضِ الّذين امتلكوها، فاقتناها مُفْسِدَها… سرقَها منّي وتركَها ميتةً لا حياةَ ولا حراكَ فيها إلاّ الصّراخَ واللّعناتِ… وحين انهدَّتْ قاتَلَها مرضُ الموتِ الّذي هو أقبحُ من الموتِ الحقيقيِّ… زجَّها في اللّاحقيقةِ، في البعدِ عن الحياةِ، عن القيامِ إلى الصّحةِ، إلى النّورِ!!”… وأنا أمَّها… ما زلتُ أبكيها… أنوحُ متمتمةً، ومن ثمّ غاضبةً… أنامُ في عتماتِ شكّي شاكيةً… وأنا أُسائلُ… أين إلهي ليأتيَني في جحيمِ ضياعِ ابنتي؟!… يأتيني إلى كوني الّذي يتفتَّتُ حولي وفيَّ ليجرَّني إلى عتماتِ وليدةِ جسدي… وصار سماعٌ في كلِّ أرضِ وزوايا اليهوديّةِ وأورشليمَ… “خرجَ يسوعُ إلى نواحي صورَ وصيدا”… وخرجَتِ المرأةُ الكنعانيّةُ من تخومِها تستقبلُهُ… نظرَتْهُ والّذين معه بحرقةِ اختناقٍ وعنفِ غضبٍ، “وصرخَتْ إليه قائلةً: ارحمْني يا ربُّ، يا ابنَ داودَ فإنّ ابنتي بها شيطانٌ يعذِّبُها جدًا… فلم يجبْها بكلمةٍ”… لم يقلْ لها… سمعْتُ صراخَكِ يا امرأةُ… شهِدْتُ تناطحَكِ مع آلهتِكِ العجمِ ورفضَكِ لها بعد عذاباتٍ قاسيةٍ ويأسٍ فتَّتَ روحَكِ وطاقتَكِ على الاستمرارِ في البحثِ عنّي… هكذا تركَ الرّبُّ يسوعُ امرأةَ السّقوطِ وابنتَها الّتي أسلمَتْ نفسَها للشّيطانِ في معيشتِها بعيدةً عن أمِّها، وكانت أمُّها، تلكَ المرأةُ الكنعانيّةُ الّتي عبدَتْ آلهةً غيرَ الإلهِ يهوه، تتنصّتُ مستتبعةً حركةَ الحياةِ فيها ووعيَها التّضادَ والتّناقضَ والتّناضحَ بين روحِها وكيانِها ومصيرِها بابنتِها… وصارَتْ بذاكَ الألمِ المخفيِّ فيها، الّذي لم تكشفْهُ لشعبِها، بل كانت قد تركَتْ بالكليّةِ موقعَها في شعبِها وعند قومِها وانصبَّتْ على عتماتِ ألمِها لتخلِّصَ وحيدَتَها… وعاشَتْ معها، فيها، حاملةً نتنَها على نفسِها… وسعَتْ وحيدةً لأنْ تنظِّفَ مواعينَ خوابي زيتِها، لأنّها أحسّتْ منذ طفوليّتِها، أنّها كانت وحيدةً وغريبةً عن قومِها!!… ثمّ أرسلَ الله لها ذاك الواقعَ في ابنتِها فأحسّتْ أنّها صارَتْ وحدَها المختارةَ لحملِ سقوطِ نسوةِ شعبِها فلم تنبسْ ببنتِ شفةٍ رافضةً… ما كانتْ تجرؤُ، لأنّها كانت تعي وتدركُ عظمةَ سرِّ الإلهِ فيها!!… فصمتَتْ!!… وها اليومَ تكمَّلَتْ أيّامُها مع وفي عذاباتِ ومرضِ وموتِ ابنتِها، فانتظرَتْ إلهَ يعقوبَ… أتاها وصحبَهُ ليعلِّمَهم ويعرِّفَهم والبشريّةَ حدودَ جهلِهم أمام واقعِ الارتدادِ… والوجعِ والتّوبةِ!!. فكانتْ هذه اللّقيا!!!… كان قرفٌ وخوفٌ واشمئزازٌ وحكمٌ من تلاميذِ يسوعَ على امرأةِ السّقوطِ تلكَ!!. على الكنعانيّةِ وجنسِها واستغرابٌ وتسآلٌ: لماذا أتى بهم المعلّمُ إلى تلكَ النّواحي من أرضِ إسرائيلَ؟!… وصرخوا: “اصرفْها… إنّها تصيحُ في إثرِنا”… هكذا حكموا عليها ولم يجبْهم طلبَهم بل قال: “لم أُرسلْ إلاّ إلى الخرافِ الضّالةِ من بيتِ إسرائيلَ”… همُّه كان المواجهةَ مع امرأةِ الآلهةِ العُجْمِ الخرساءِ، مع الوثنيّةِ والأوثانِ الّتي تعبدُها غالبيّةُ أهلِ الأرضِ وهم يدّعون مثلَ التّلاميذِ أنّهم يعرفون ويعبدون الإلهَ الحيَ، بل هم كلُّهم من سلالةِ أهلِ الخلاصِ… وأنّهم كلَّهم من الخاصّةِ… من أهلِ البيتِ… هكذا بدأَ الاختيارُ والمواجهةُ الإلهيّان بين العهدِ القديمِ والعهدِ الجديدِ في شخصِ يسوعَ، والحوارُ مع الكنعانيّةِ… نَهَرَها الرّبُّ ولم يستجبْ لها رغمَ معرفتِها به، أنّه هو الرّبُّ الّذي من سلالةِ داودَ… ولم يُجبْها لأنّه هو لا يستجيبُ للعقلِ الآتيهِ بمعرفةِ سلالتِهِ… نطقَتِ الكنعانيّةُ بمعرفتِها به، ثمَّ طرحَتْ وجعَها العظيمَ أمامَه… “ابنتي بها شيطانُ يعذِّبُها جدًا”… وكان هو ينتظرُ… صبرَها… صمتَها… لجاجتَها السّاكنةَ المتحرّقةَ لشفاءِ ابنتِها… وكان بالأكثرِ يراقبُ ردّةَ فعلِ تلامذتِهِ المحيطين به والمتذمّرين من أنّه أتى بهم إلى تلك التّخومِ الدّنسةِ وإلى الامرأةِ الأدنسِ من كلِّ أهلِ الأرضِ، فما به معلّمُنا وماذا سيفعلُ؟!… “لم أُرسلْ إلاّ إلى الخرافِ الضّالةِ من بيتِ إسرائيلَ”… أبعدَ عنها الانتماءَ لبيتِ إسرائيلَ، ثم ضمَّها إلى ذلك البيتِ لأنّه هو أتى ليخلِّصَ ما قد هلكَ في شعبِهِ والعالمِ… لن يهلكَ إنسانٌ مريضٌ، بل سيُشفى ويتعافى، إن سلكَ بما سلكتْ به هذه المرأةُ الكنعانيّةُ… أتَتْ إليه… اقتربَتْ منه، وهي المرأةُ العابدةُ الأوثانِ والملوّثةُ بشيطانِ ابنتِها وسجدَتْ للعزّةِ الإلهيّةِ!!. له… صرختْ بصمتِ حميمِ وجعِ سؤْلِها: “أغثني يا ربُّ!!”… كان الرّبُّ عارفَها، تلكَ المرأةَ اللاّبسةَ سقوطَ البشريّةِ برمّتِها… وكان يسعى بل يريدُ مترجيًّا خلاصَها وابنتَها… لكن كان عليها أن تدفعَ ثمنَ الشّفاءِ الكليِّ الكاملِ والأكيدِ لوجودِها… كان عليها إذ اختبأتْ عمرَها كلَّه في وكرِها، أن تخرجَ إليه، هو، إلى رؤيةِ نورِ وجهِهِ، لتمشيَ دربَ النّورِ إليهِ، هو الحياةُ الأبديّةُ!!… “أغثني يا ربُّ”… ولم تذكرْ ابنتَها هنا… لأنّها كانت في تمخُّضِها بآلامِها تدركُ أنّه، كما الابنُ سرُّ أبيه، كذا الابنةُ سرُّ أمِّها… كان عليها أن توحِّدَ ذاتَها بكلِّ نساءِ الأرضِ، الأمّهاتِ والبناتِ ليخرجن من سقوطِهنَّ إلى نورِ لبسِ وجهِ وحلّةِ أمِّ الإلهِ، مريمَ العذراءِ… هنا أتى دورُ تعليمِ يسوعَ لتلاميذِهِ حقيقةَ نفوسِهم الّتي لم يكونوا قد عرفوها بعد ولا حتّى لامسوا كيفيّتَها… فأجابَ الاستغاثةَ… “ليس حسنًا أن يؤخذَ خبزُ البنينِ ويُلقى للكلابِ”… متى خاطبَ يسوعُ أيَّ إنسانٍ محقّرَهُ هكذا؟!… هذا ما كان شعبُ إسرائيلَ يؤمنُ به… أنّ كلَّ من هو غيرُ إسرائيليٍّ وفرّيسيٍّ… إلخ… من ليس من الشّعبِ المختارِ… هو أدنى مرتبةً من كلِّ بشريٍّ آخرَ يحيا على أرضِ بلادِهم من الإسرائليّين… وكانت هذه الطّريقةُ الّتي خاطبَ فيها الرّبُّ الكنعانيّةَ غريبةً على أسماعِنا حتى اليومِ، بل الكثيرون يقولون… “ولو، أهكذا يُسمّي الإلهُ الّذين يأتون إليه حاملين آلامَهم ليشفوا عند يسوعَ؟!”… الرّبُّ يسوعُ إلهٌ ديّانٌ وعادلٌ… طويلُ الأناةِ وكثيرُ الرّحمةِ… ليس إلى الانقضاءِ يسخطُ ولا إلى الدّهرِ يحقدُ… لا على حسبِ آثامِنا صنعَ معنا ولا بحسبِ خطايانا جازانا… (مز ١٠٢: ٨-١٠). ونزلَتِ الكنعانيّةُ… انحطَّتْ إلى أسفلِ دركاتِ الأرضِ وقبلَتْ… قبِلَتْ صاغرةً حُكمَ الإلهِ لها هي أمُّ، بل امرأةُ السّقوطِ، ولابنتِها الّتي أذلّتْها في حياتِها وهي الآن تنذلُّ وتتّضعُ ليُثمرَ امتحانُ الاتّضاعِ لها وتخلّصَ ابنتَها بالقبولِ… بالشّفاءِ… “نعم يا ربُّ فإنّ الكلابَ أيضًا تأكلُ من الفتاتِ الّذي يسقطُ من موائدِ أربابِها”… وكان صوتُ الرّبِّ يجلجلُ صامتًا: “عظيمٌ اتضاعُكِ يا أمرأةُ”… هكذا أعلنَتْ أنّ الرّبَّ وشعبَهُ هم أربابُها… لكنّ أولئكَ لم يتّضعوا حتّى المذلّةِ والامّحاءِ مثل هذه المرأةِ الغريبةِ الجنسِ الحاملةِ وصمةَ عارِ السّقوطِ عن نفسِها وكلِّ نساءِ البشريّةِ والأرضِ للوصولِ إلى حوّاءَ الأولى رفيقةِ آدمَ… والعودةِ إلى فردوسِ الله… “أجاب يسوعُ وقالَ لها: يا امرأةُ عظيمٌ إيمانُكِ فليكُنْ لكِ كما أردْتِ… فشُفِيَتِ ابنتُها من تلك السّاعةِ”… خاطبَها بـ”يا امرأةُ”… كما خاطبَ أمَّهُ… “يا امرأةُ لم تأتِ ساعتي بعدُ”… لم تجرَّ الأمُّ ابنتَها ليضعَ يسوعُ يدَيه عليها ويشفيَها… بل كانت وهي الأمُّ قد أخذتْ على نفسِها جميعَ خطايا وآلامِ ابنتِها، فواجهَتْ هي العزّةَ الإلهيّةَ بتبنّي السّقوطِ كاملاً… وتبنّي طلبِ الشّفاءِ لابنتِها ثانيًا، والانتظارِ بيقينٍ غير متزعزعٍ أنّها ولو طلبَتْ من يسوعَ غيبًا الشّفاءَ، فإنّه سيمنُّهُ عليها وعلى ذريّتِها كلِّها لأنّه هو قالَ: “من آمنَ بي فسيخلصُ هو وكلُّ أهلُ بيتِهِ”… آمين. الأمّ مريم (زكّا)، رئيسة دير القدّيس يوحنّا المعمدان، دوما – لبنان |
||||