06 - 03 - 2014, 04:04 PM | رقم المشاركة : ( 121 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة أ - تفسير سفر المزامير تطويب الطاعة بقلبٍ غير منقسمٍ[1 - 8] إن كانت الموعظة على الجبل وهي قلب العهد الجديد بدأت بالتطويب فإن سفر المزامير وهو قلب العهد القديم قد بدأ أيضًا بالتطويب (مز1:1)، وها هو المزمور 119، قلب سفر المزامير، أي قلب القلب يبدأ بالتطويب. يبدأ "مزمور التوراة" هذا، أو "مزمور الوصية" بالتطويب، لأن الوصية تدخل بالإنسان إلي الحياة التي بلا عيب، فيحفظ المؤمن الحق ويصنع البرّ في كل حين (مز 3:106)، يتقي الرب (مز 1:112)، ويسلك في طرقه (مز 1:128؛ أم 32:8؛ لو 28:11). إنه يدخل إلي الحياة المطوّبة، أي يعود إلي الحياة الفردوسية التي فقدها الإنسان الأول بعصيانه للوصية. غاية الوصية الدخول إلي ملكوت الفرح، فيتهيأ المؤمن للعرس الأبدي السماوي، إذ قيل: "طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة، ويدخلون من الأبواب إلي المدينة" رؤ 14:22. إنهم يعودون لا إلي جنة عدن حيث شجرة معرفة الخير والشر، وحيث الشيطان والحية يخدعان، وإنما إلي أورشليم العلىا حيث السيد المسيح نفسه شجرة الحياة يشبعهم ويمجدهم. الأن كيف ننعم بتطويب الطاعة هذا؟ 1. الطاعة بالمسيح طريقنا الملوكي 1. طاعة بالمسيح "طريقنا الملوكي" 1. 2. طاعة سلوك عملي 1. 3. طاعة بالدراسة والفحص 2. 4. طاعة بكل القلب 3. 5. طاعة المثابرة 4 -5. 6. طاعة لكل الوصايا 6. 7. طاعة بفرح 7. 8. طاعة وسط الآلام 8. من وحي المزمور 119 (ا) "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق" [1]. إن كان واضع هذا المزمور هو داود النبي أو غيره من رجال الله القديسين، فهل كان يشعر باستحقاقه للتطويب الإلهي بكونه بلا عيب في الطريق؟ ليس من أحد - في العهد القديم أو العهد الجديد - بلا خطية أو بلا عيب إلا السيد المسيح، حمل الله الذي بلا عيب (1 بط 19:1)... لهذا يمكننا القول بأن من أراد أن يتمتع بالتطويب لزمه أن يحمل سمات سيده القدوس، أي أن يصير مقدسًا بالتصاقه بالرب، الذي وحده يقول: "أنتم طاهرون" (يو 10:13)، لأن دمه يطهر من كل دنس (1 يو 7:1)، هو كفارة عن خطايانا (1 يو 2:2). التطويب ليس سعادة أو فرحًا مجردًا، وإنما هو تمتع بالشركة مع الله، فيه يشعر الإنسان المؤمن بأن الله هو بره وفرحه وسعادته، يرى في داخله قانون الله أو وصيته هي قانونه الطبيعي، فتطابق حياته مشيئة الله، وتفيض أعماقة بالقداسة كنبعٍ طبيعي! هذا هو سرّ تهليل النفس المتحدة بالله خلال السيد المسيح الكلمة الإلهي بالروح القدس! بينما يئن العالم في بؤس إذ يشعر بالاحتىاج وعدم الشبع، إذ بشعب الله الحقيقي يفرح ويتهلل متنعمًا بعربون الحياة المطوّبة السماوية. بقوله "الذين بلا عيب في الطريق" [1]، يقصد حفظ طريق الوصية الإلهية، بالمعنى الإيجابي والسلبي معًا. فالإنسان المطوّب هو ذاك الذي يتمم الوصية بعمل الخير والامتناع عن الشر. يقول ربنا يسوع المسيح: "أنا هو الطريق" يو 6:14؛ فيه نبلغ طريق الملك (عد 17:20)، الطريق الواحد (غلا 14:5)، وهو طريق حي (عب 19:10)، طريق المحبة (1كو 31:12)، والقداسة (إش 8:35)، والبرّ (2بط 21:2)، والحياة (مت 14:7) والحق (2بط 2:2)، والخلاص (أع 17:16)، والكمال (مت 48:4؛ 21:19). 2. طاعة سلوك عملي إن كان مسيحنا هو الطريق الملوكي الذي به وفيه نطوّب، يليق بنا أن نسير فيه، فتصير الطاعة سلوكًا عمليًا. لذا يقول المرتل: "السالكون في ناموس الرب" [1]. يربط المرتل المعرفة بالحياة العملية، فالوصية ليست مجالًا للمعرفة العقلأنية الجافة بل هي ممارسة حيَّة عملية. لذا بدأ المزمور الخاص بالكلمة بالكشف عن الحياة التي بلا عيب والسلوك العملي بالوصية. يقول الأب نسطوريوس في مناظرات يوحنا كاسيان: * لم يقل (المرتل) في المحل الأول "طوبى للذين يطلبون شهاداته" ثم يضيف: "طوبى للذين بلا عيب في الطريق"، لكنه يبدأ بالقول: "طوبى للذين بلا عيب في الطريق"، موضحًا بجلاء أنه ما من إنسان يأتي بلياقة ليطلب شهادات الله ما لم يسلك أولًا بلا عيبٍ في طريق المسيح بحياته العملية. لذلك فالذين ذكرتهم أنت لا يملكون هذه المعرفة التي لا ينالها الدنسون، هذه التي يتحدث عنها الرسول الطوباوي: "يا تيموثاوس احفظ الوديعة (المسلمة لك)، معرضًا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات المعرفة الكاذبة الاسم"1 الأب نسطوريوس الحياة المطوّبة التي يعلنها المرتل هنا، والتي يشتهيها كل مؤمنٍ حقيقي هي مكافأة تقدم لنا عن الإيمان الحي العملي. * يحمل الإيمان (وعدًا) بالحياة الأبدية، لأنه أساس صالح. وتحمل الأعمال الصالحة أيضًا ذات (الوعد)، لأن البار يُمتحن بكلماته وأعماله... البرّ والمعرفة يجعلان الإنسان مطوَّبًا، وقد لاحظنا فعلًا أن طوباوية الحياة الأبدية هي مكافأة الأعمال الصالحة1. القديس أمبروسيوس * يليق بنا أن نتطلع إلي وصايا الله عندما تُقرأ، أو عندما تستدعيها الذاكرة وذلك كمن يتطلع في مرآة كقول الرسول يعقوب. مثل هذا الإنسان يريد أن ينظر إلي وصايا الله كما في مرآة ولا يرتبك، لأنه يختار لا أن يكون سامعًا للوصايا فحسب بل وعاملًا بها. لهذا يرغب في أن تتجه طرقه نحو حفظ قوانين الله. كيف تُوجه إلا بنعمة الله؟ وإلا فإنه لا يجد في شريعة الله مصدر فرحٍ بل مصدر ارتباكٍ، إن اختار أن ينظر إلي الوصايا ولا يعمل بها. القديس أغسطينوس * الأن الطريق غير قابل للخطأ، أعني يسوع المسيح؛ إذ يقول: "أنا هو الطريق والحياة". هذا الطريق يقود إلي الآب، إذ يقول "ليس أحد يأتي إلي الآب إلا بي" (يو 6:14.2). القديس أغناطيوس الأنطاكي 3. طاعة بالدراسة والفحص "طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته" [2]. إن كان السيد المسيح هو الطريق الملوكي الذي يسلكه الذين بلا عيب فيدخلون إلي حضن الآب بروح الطاعة التي للمسيح الذبيح، فإنه هو أيضًا "الشَّاهِدِ الأَمِينِ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 5؛ 3: 14) الذي اعترف الاعتراف الحسن أمام بيلاطس بنطس، وشهد للحب الإلهي ببذل دمه بسرور (عب13:13) من أجل البشرية. يليق بنا كأعضاء جسد المسيح أن نطلب شهاداته ونفحصها، فمن جهتنا ليس لنا ما نقدمه، إنما نأخذ مما له من شهادات حق لنقدمها باسمه، قائلين: "حفظت وصاياك وشهاداتك" [168]. مادمنا نعيش في هذا العالم نجلس عند قدمي كلمة الله المتجسد نتتلمذ على يديه ونتدرب على الشركة معه بروحه القدوس. بالمسيح يسوع الشهيد الأعظم نُحسب شهداء، إذ نشهد عن إنجيله بقبولنا الألم بفرح. لا نعجب إن كان قد بدأ المرتل بتطويب السالكين في الطريق الملوكي بلا عيب، يلي ذلك تطويبه الذين يفحصون عن شهاداته، فكما أن الوصية الإلهية تدخل بنا إلي الحياة التي بلا عيب، فإن الحياة التي بلا عيب بدورها تدخل بنا إلي فهمٍ جديدٍ. واستنارة لمعرفة الوصية. لهذا يوصينا القديس البابا أثناسيوس الرسولي، قائلًا: [بالإضافة إلي الدراسة والتمتع بالمعرفة الحقيقية للكتب المقدسة، فإن كمال الحياة ونقاوة النفس والتشبه بالمسيح في الفضيلة أمور مطلوبة... فمن يريد أن يفهم ذهن الكُتَّاب المُقدسين يلزمه أولًا أن يغتسل ويتطهر بالحياة المقدسة ويقتدي بالقديسين أنفسهم بسلوكه مثلهم3.] 4. طاعة بكل القلب يُنسب التطويب إلي البسطاء الذين يطلبون الله دون سواه من كل القلب. فالبساطة عكس التعقيد. القلب البسيط يحمل اتجاهًا واحدًا، ويسير في طريق واحدٍ، وله غاية واحدة هي حب الله؛ أما القلب المعقد فيعرج بين طريق وآخر، بين محبة الله ومحبة العالم. "ومن كل قلوبهم يطلبونه" [2]. القلب هو البصيرة الداخلية التي بها يمكننا معاينة الله خلال التوبة، لأننا فقدنا تمتعنا برؤيته بسبب خطايانا التي أفسدت بصيرتنا الداخلية. الإنسان الذي يتقدس في المسيح يسوع "الطريق الملوكي"، ينشغل فكره بشهاداته وقلبه بطلبه، بمعنى آخر تتقدس كل إمكانياته العقلية والعاطفية. يفحص الفكر عن شهادات الرب مشتاقًا أن يموت معه كل يوم، ويطلبه بالقلب ليتحد معه ويسكن معه أبديًا. يطلبه من كل قلبه الملتهب بنار الحب الإلهي، فلا يكون لآخر موضع معه في القلب. يطلب المؤمن الرب من كل قلبه، فلا يعرف التعريج بين الفرقتين، إذ لا يستطيع العالم بكل إغرءاته، والخطية بكل لذتها، وإبليس بكل حيله وخداعاته أن يتسللوا إليه. إن كان المؤمنون يطلبون الرب من كل قلوبهم، إذ يختبرون عذوبة السيد المسيح "طريقهم" الأوحد، فإن غير المؤمنين (اليهود) إذ يرفضونه إنما يجحدون النبوات عنه، هذه التي هي "طرقه" التي قدمها إليهم عبر العصور. يقول المرتل: "لأن صانعي الإثم لم يهووا أن يسلكوا في سبله (طرقه)" [3]. يميز أنثيموس أسقف أورشليم بين السيد المسيح "الطريق"، والأنبياء "طرق الرب" قائلًا: [وأما النبي فقال في السطر الأول "الطريق" بصيغة المفرد، وأما في السطر الثالث فقال "طرقًا" بصيغة الجمع. فالطرق الكثيرة هي تعاليم الأنبياء والرسل والمعلمين الذين يرشدون الناس إلي الاستقامة. وأما الطريق الواحد فهو ربنا يسوع المسيح القائل: "أنا هو الطريق والحق"، لأنه يوصل الذين يتبعونه إلي أبيه.] لم يقل المرتل "لأن صانعي الإثم لم يسلكوا في سبله" وإنما قال "لم يهووا"، فإن المؤمنين الحقيقيين يطلبون الرب ويهوونه بكل قلبهم، بكونه موضع حبهم وشوقهم ولذتهم، أما الأشرار فلا يطيقون الرب ولا يقبلون بره أو قداسته. طاعة الأبرار تنبع عن لذة داخلية وحنين لله نفسه، وعصيان الأشرار ينبع عن جفاف القلب وبروده من نحو الله. 5. طاعة المثابرة إذ يفتتح المرتل هذا المزمور بإعلأن الطوبى لمن يلتقي بالسيد المسيح بكونه "الطريق" [1]، بدء الطريق ونهايته، إذ هو "الألف والياء، البداية والنهاية" رؤ 8:1، يسأل أن يدعوه الله للتمتع بهذا الطريق والثبوت فيه باستقامة، قائلًا: "فياليت طرقي تستقيم إلي حفظ حقوقك" [5] لا يكفينا أن نُدعى إلي الطريق فنناله، وإنما نصرخ إلي الله أن يبقينا فيه فتستقيم طرقنا باتحادنا مع الطريق الحق الذي وحده بلا عيب ولا انحراف. الرب هو البكر الذي يبدأ معنا، وهو الذي يرافقنا حتى ننجز رسالتنا بروح الجهاد المستمر والمثابرة بالرب. تؤكد كلمات المرتل أن الله لم يقدم لنا وصيته وهو يعلم أن حفظها مستحيل كما يظن البعض1. * للرب الباكورة (بدء العمل) والأنجازات (تكملته). فلكي أبدأ السير في الطريق يلزم أن أُدعى، لأنه: "من الرب خطوات الرجل، أما الإنسان فكيف يفهم طريقه؟" أم 24:20. ولكي لا انحرف عن الطرق المستقيمة وحتى لا أسلك في طريق معوج أقول بأسلوب التمني: "فيا ليت طرقي تستقيم إلي حفظ حقوقك". فإنني لا أحفظ حقوقك ما لم تكن طرقي تحت إرشادك وتدبيرك. العلامة أوريجينوس مثابرتنا لا تعني إلا جهادنا المستمر بعمل النعمة فينا، لذا نصرخ دومًا مع المرتل، قائلين: "فياليت طرقي تستقيم إلي حفظ حقوقك" [5]. لأنه بدون نعمته نتعثر في الطريق فننحرف. وكما يقول أحد الآباء [إذ توجد عوائق عديدة تقاوم الفضيلة، تُحسب كأنها موانع تعوق مسيرة الإنسان، لهذا يترجى (المرتل) إزالتها. بهذا يصير الطريق ممهدًا، كما جاء في كلمة الرب: "أعدوا وهيئوا طريق شعبي، ارفعوا عن شعبي حجر المعثرة" (إش 14:57؛ 10:62). كمثال كان حجر العثرة بالنسبة لداود النبي والملك هو اشتهاء امرأة والرؤية التعيسة لها (2 صم 2:11)، وبالنسبة لعيسو اشتهاء طبق عدس (تك34:25)، وبالنسبة لشاول حب الغنى والثروة (1مل20). الرب هو الذي يمهد الطريق نازعًا كل هذه العوائق، فيعين عاشق الجمال بسحب جموحه في الشهوة وجذبه إلي السماء.] ويقول القديس أغسطينوس: [لن تتم هذه الأمور التي أمر بها الله إلاَّ كعطية من مقدم الوصايا وبمعونته، لأنه باطلًا نسألها إن كنا نقدر أن نتممها دون معونة نعمته1]. كل الذين يبتغون الغنى أو الشهوة لا يكفون عن السهر مع العمل ليلًا ونهارًا والبحث عن كل طريق لتحقيق أهدافهم، فبالأولى الذين يطلبون الله ويبتغون السكنى الأبدية معه أن يثابروا في حفظ وصاياه، وأن يكون جهادهم هو مادة صلواتهم الدائمة. كلما دخلوا إلي الطريق اشتاقوا إلي أعماق جديدة حتى ينسوا ما هو وراء ويمتدوا إلي ما هو قدام، يطلبون عمل نعمة الله التي تسندهم حتى النفس الأخير. بهذا تتناغم حياتهم مع صلواتهم، وينسجم جهادهم مع فيض نعمة الله المجانية. 6. طاعة لكل الوصايا في مثابرتنا لحفظ الوصايا باستقامة قلب نقبل ناموس المسيح كله، فلا نعرف أنصاف الحلول. نقبل الحياة الجديدة فيه بناموسها السماوي الروحي، نتفهم أسرار العهدين القديم والجديد وشرائعهما، لا على مستوي الحرف القاتل، وإنما على مستوى الروح الذي يبني. بهذا نقول: "حينئذ لا أخزى إذا ما تطلعت على جميع وصاياك" [6]. * مادمنا نقول أن الأنبياء هم الطرق، فعندما نقرأ الشرائع والنواميس والأنبياء نكون قد سلكنا باستقامة في الطريق بالرب، فنفهم طرقه وندركها، حينئذ لا نخزى أبدًا، إذ تصير هي طرقنا فنحفظ جميع وصايا الله. العلامة أوريجينوس * من يحفظ وصية ويترك غيرها يكون قد غدر بجميع الوصايا، إذ يهين الله الذي أوصى بها وربطها بعضها ببعض. فإن الذي قال لا تزنِ قال أيضًا لا تسرق، فإن سرقت تصير مدينًا للشريعة كلها، ولكن من يحرص على جميع الوصايا لا يخزى في يوم الدينونة الرهيبة. أنثيموس أسقف أورشليم إن كان العصيان للوصية قد دفع بأبوينا إلي الخزي، إذ يقول آدم: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت" تك 10:3، فإن طاعة السيد المسيح على الصليب قد نزعت عن المؤمنين اللعنة وأزالت الخزي وفتحت أبواب الفردوس حتى للص التائب! من يعصى الوصية يدخل إلي العار والخزي، ومن يبغى الطاعة الكاملة لا الجزئية للوصايا يجني ثمر المجد، ويرتدي ثوب العرس، ويترنم بفرح قائلًا: "حينئذ لا أخزى إذا ما تطلعت على جميع وصاياك" [6]... فالوصية هي ارتباط بالكلمة الإلهي الذي يهبه بهاءً ومجدًا أمام الآب وملائكته وقديسيه، ويهبه مهابة وسلطانًا ليدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو. 7. طاعة بفرح وتسبيح "أشكرك يا رب باستقامة قلبي إذ عرفت أحكام عدلك" [7]. إذ يقدس السيد المسيح "الطريق" طرقنا يهبنا "استقامة القلب"، عندئذ يفيض القلب شكرًا وتسبيحًا لله. وكأن استقامة الطرق أو نقاوة القلب لا تنزع عنا الخزي فحسب [6]، وإنما تهبنا حياة الفرح الداخلي الذي يُترجم بالشكر والتسبيح. بغير هذه الاستقامة لن نستطيع أن نشارك السمائيين تسابيحهم مهما رددنا من تسابيح أو ترانيم في مخدعنا أو في الكنيسة... * الذي لم يستقم قلبه بعد، إنما يوجد فيه انحراف، لن يشكر (يحمد) الله ولا يقبل الرب اعترافه. العلامة أوريجينوس يعترف المرتل لله من أجل عمله في حياته حيث يهبه استقامة القلب ويقدم له معرفة أحكامه، فيشكره ويحمده. * هنا لا نجد اعترافًا عن خطايا، بل حمدًا، وذلك كما يقول (السيد المسيح) نفسه الذي ليس فيه خطية: "اعترف لك أيها الآب رب السماء والأرض" مت 25:11. حقًا إذ صارت طرقي مستقيمة أعترف لك، لأنك أنت الذي جعلتها هكذا، وهذا حمد لك لا لي... القديس أغسطينوس تتهلل نفس المرتل إذ "عرف" أحكام عدل الله، وكأن "المعرفة الروحية" التي يتمتع بها المؤمن كهبة إلهية، والتي تدخل به إلي استقامة القلب وتقديس الروح، تهب فرحًا بينما المعرفة العقلية البشرية فتزيد الغم. يقول الجامعة: "لأن في كثرة الحكمة كثرة الغم، والذي يزيد علمًا يزيد حزنًا" جا18:1. شتان ما بين الحكمة البشرية والحكمة الإلهية، أو بين المعرفة الإنسانية والمعرفة الروحية! المعرفة البشرية تكشف الضعف ولا تهب إمكانية إصلاحه، أما المعرفة الإلهية فتفضح ضعفنا لتستر عليه بغنى النعمة ... فنصير "تامين وكاملين، غير ناقصين في شيء" يع4:1. إذ يشكر المرتل الله من أجل ما وهبه من معرفة جديدة إنما يفتح الباب لينال معرفة أعمق وأعظم، لأنه كما يقول مار إسحق السريانيإنه ليست عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر. على أي الأحوال نلاحظ خلال هذا المزمور أن المرتل يطلب المزيد من المعرفة والعلم الإلهي. بهذا يؤكد لنا أننا مادمنا على الأرض يليق بنا أن نلتحق بمدرسة السيد المسيح ونجلس عند قدميه كي نتتلمذ له1. 8. طاعة وسط الآلام "حقوقك أحفظ، فلا ترفضني إلي الغاية (النهاية)" [8]. لكي نتمتع بالتطويب يليق بنا إذ نتعرف على السيد المسيح طريق البر الإلهي، نمسك به، ونقبل عمله فينا، ونخضع لأرادته، فنطيع الوصية بالسلوك والكلام والقلب، نطيعها في شموليتها فلا نقبل منها جانبًا دون آخر، نقبلها تحت كل الظروف. هذا الأمر تمتع به المرتل خلال استقامة قلبه الذي دفعه إلي حفظ حقوق الله، أو كما يقول العلامة أوريجينوس: [إنني سوف لا أمارس أمرًا ما يخالف مقاصد أحكامك.] هنا يتحدث المرتل بلغة الثقة والعزيمة الهادئة "حقوقك أحفظ"؛ بعدما تحول من الصلاة والطلبة إلي الفرح والتسبيح من أجل غنى نعمة الله وعمله فيه... ولئلا تتحول الثقة إلي كبرياء ذاتي أو افتخار بشري كما فعل معلمنا بطرس الرسول حين قال: "لو اضطررت أن أموت لن أنكرك" مت35:26، يقول المرتل: "لا ترفضني (تتركني) إلي النهاية". كأنه يقول في هدوء "حقوقك أحفظ" لأني أتمتع بنعمتك المجانية، فلا تتخلى عني حتى نهاية جهادي. هذه هي نية المرتل، وهذا هو تعهده في المسيح يسوع، لكنه إذ يخشى الضعف أمام تجربة ما أو خطية ما يسأل الله ألا يرفضه أو يتركه إلي الغاية أو إلي النهاية. * قوتي محدودة عندما اجتاز تجربة ما، فلا تتركني إلي النهاية. "ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا" 1كو13:10. إنه لا يتركنا إلي "النهاية". يقول للذين تركوه: "أنتم تركتموني وأنا أيضًا تركتكم" 2أي5:12. أما بالنسبة لنا فنطلب ألا نكون مرفوضين، بل نكون في يده لا يتركنا أبدًا "إلي الغاية". إن حدث إن تركنا، فلنستغيث من جديد بالمسيح يسوع. العلامة أوريجينوس * يحدث أحيانا أن أُترك بعضًا من الوقت لكي أُمتحن في تجربة ما. فإذا ما احتملت المصاعب في كرامة، أخرج من التجربة منتفعًا. نعم، إن أتيت حالًا لتعينني، وبلغت إلي نهاية الصراع بطريقة حسنة أنال الإكليل. إذ أعدائي مصارعون مفزعون، "لا تتركني إلي الغاية"، حتى لا انهزم. العلامة أوريجينوس * "لحقوقك أحفظ، فلا تخذلني إلي الغاية"، أي أن المحن العالمية تمنعني عن حفظ حقوقك؛ لكنك لا تتركني أُمتحن فوق طاقتي لأني ضعيف. أنثيموس أسقف أورشليم يشبه القديس يوحنا ذهبي الفم الله بمربية مملوءة حنانًا، أو بأمٍ تربي طفلها الصغير، فإنها تضع يديها تحت يديه وهي تعلمه المشي. فجأة تسحب يديها فيسقط الطفل ويرفع عينيه متطلعًا إلي أمه في عتاب. تعود الأم فتحمله وتقبِّله، لكنها تكرر الأمر مرة ومرات حتى يتعلم المشي. هكذا يفعل الله المربي لنفوسنا فإنه كمن يتركنا إلي لحظات وقت التجارب حتى نختبر الألم وننمو وننضج روحيًا. إنه يسحب يديه من تحت أيدينا، لكن عينيه تترفقان بنا، وهم يهتم بكل حياتنا. لذا نصرخ إليه: "لا ترفضني إلي الغاية (النهاية)". في اختصار نقول إن تطويب الطاعة يقوم على الآتي: 1. طاعة في المسيح الطريق الملوكي [1]، نسلكه بإخلاص مع دراسة مستمرة للنمو في الشركة معه. 2. طاعة عملية سلوكية [1]. 3. طاعة كاملة: يبحث عنها العقل، ويطلبها القلب [2،3]. 4. طاعة الجهاد المستمر [4،5]، في كل الوصايا وليست جزئية [6]. 5. طاعة تبدأ بالبحث مع الصلاة والطلبة، وتنتهي بالفرح والتسبيح [7]. 6. طاعة الثقة في عمل النعمة [8]. 7. طاعة بفرحٍ وتسبيحٍ وسط الآلام [8]. من وحي المزمور 119 (ا) هب لي الحياة المطوبة أيها الابن المطيع! * "طوبى للذين بلا عيب في الطريق". من منا بلا عيب إلا أنت أيها الطريق الحق؟! هب لي أن أتحد بك، فأُحسب مطوبًا. بدونك أحسب عاصيًا وكاسرًا للناموس، وبك أتمتع بروح الطاعة وتكميل الناموس، فقد جئت ابنا مطيعًا حتى الموت، موت الصليب! وحدك لم تكسر الناموس بل أكملته بالطاعة! لأتحد بك فأدخل إلي أحضان أبيك وأتمتع بطوباوية فريدة! * وأنت واضع الناموس سُررت أن تخضع له بالطاعة؛ هب لي فيك السرور بالسلوك به، فأتنقى وأتطهر وأفهم بالأكثر وصاياك. تُرى هل أحفظ وصاياك فأتمتع بعطية فهمها؟! أم تهبني فهمها، فأُسر بحفظها وأثابر لعلى أبلغ كمالها؟! إني محتاج إليك فأنت تعطيني المسرة بها، تهبني الطاعة مع المثابرة في التنفيذ! وتهبني الأرادة المقدسة والفهم الفائق!! اتحادي بك أيها الابن المطيع يهبني هذا كله! * هب لي أيها الابن الوحيد روح الطاعة، هب لي الأرادة المقدسة والقلب المستقيم، فأفرح بكل وصايك وأسلك فيها مهما كانت تكلفتها. لا أعرف أنصاف الحلول بل أطلب جميع وصاياك! تتحول حياتي إلي شركة تسبيح وحمد مع السمائيين! * لا يتركني العدو المصارع أن أتهلل بطاعتي لك، يمرر حياتي بالآلام، فلا تتركني إلي النهاية يا مخلصي العجيب، حول حياتي إلي سلسلة نصرات لا تنقطع. ليكن صراعي لنموي لا لتحطيمي. أنمو فيك وأتهلل بك أيها الابن المطيع. |
||||
21 - 03 - 2014, 05:33 PM | رقم المشاركة : ( 122 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ب - تفسير سفر المزامير الوصية كنز مخفي [9-16] بدأ المرتل تسبحته الخاصة بالوصية بالتطويب ليعلن أن الله ليس بالآمر الناهي، إنما هو محب البشر الذي يطلب لهم الحياة المطوبة أو الحياة الفردوسية المفرحة أو شركة المجد الأبدي. في القطعة الثانية أو الاستيخون الثاني يتحدث المرتل مع الشاب بكونه الكنز الذي يفرح به الله ليقدم له وصيته كنزًا مخفيًا. 1. بماذا يقوم الشاب طريقه؟ 9. 2. الوصية تقدس قلب الشاب 10-11. 3. الوصية وحياة التسبيح 12. 4. الوصية وشهادة الشاب لها 13. 5. الوصية غنى الشاب 14. 6. الوصية وحياة الهذيذ 16. من وحي المزمور 119 (ب) 1. بماذا يقوم الشاب طريقه؟ خلق الله الإنسان لا ليذله أو يسيطر عليه، وإنما ليمجده بالكرامة والسلطان (مز 5:9)، وها هو يقدم له وصيته كنزًا مخفيًا ليقيم منه "ابنة الملك" التي مجدها من الداخل (مز13:45). الأن إذ يكشف عن الوصية ككنزٍ مخفيٍ يوجه حديثه إلي الشاب، حتى يتفهم الإنسان أن الوصية ليست أمرًا ثانويًا تقدم للطفل البسيط الذي لا يفكر كثيرًا أو للشيخ الذي حطمه الزمن، وإنما يقدمها للشاب الذي يتطلع إلي مستقبله بنظرة تفاؤلية في طموحٍ. فإن كان الشاب طموحًا نحو مجدٍ أو غنى أو علمٍ فليتلامس أولًا مع وصية الرب القادرة أن تقدس أعماقه وتسنده في جهاده الزمني دون انحرافٍ. وصية الرب هي قانون الشباب، قادرة أن تهبهم روح الطهارة والعفة. ذاك الذي صار إنسانًا لأجلنا مرّ بمرحلة الشباب لكي يقدم لكل شاب حياته الطاهرة عاملة فيه، مكرسًا حياة الشباب لحساب ملكوته. * ربما كان هذا نصيحة عن السن الذي فيه بالأكثر نهتم بتصحيح مسارنا، وذلك كما كُتب في موضع آخر: "يا ابني اجمع تعليمًا منذ شبابك لكي تجد الحكمة عندما يشيب شعرك". القديس أغسطينوس تقديم الكتاب المقدس الوصية للشاب أولًا إنما هو تكريم له وإعلأن عن تقدير الله لحياته وقدراته. الأن، من هو هذا الشاب الذي يحتاج إلي تقويم طريقه بحفظه أقوال الله [9]؟ أ. كل الشباب بوجه عام، ففي هذا السن ينتقل الإنسان من مرحلة الطفولة البسيطة إلي المراهقة المجاهدة، خاصة مع أفكار الجسد؛ لذا يحتاج إلي كلمة الله التي تكشف له عن قدسية جسده، وتعلىة عواطفه وإضرام مواهبه دون تطرف أو انحراف. يقول العلامة أوريجينوس: [هذه الأقوال الإلهية التي بُذرت في الكتاب الإلهي، إن حُفظت لا تترك الإنسان يسير في طريق منحرف... يقول إرميا: "جيد للرجل أن يحمل النير في صباه" مرا 27:3. فإن من يحمل النير بعدما يعبر صباه أي بعدما يرتكب الخطايا؛ أي لم يسلك في الصلاح حالًا... مثل هذا يلزمه أن يسلك بتدقيق، لمحو الخطايا السابقة (بالتوبة). أما من يحمل النير منذ صباه، أي يكتسب الصلاح فورًا، إذ لا تجتذبه ثقل الخطايا، لا يُقال له: "ما لم تجمعه في صباك، كيف تجده في شيخوختك؟] لنبدأ حياتنا مع الرب منذ صبانا دون تأجيل فنجمع بروح الرب ما يسندنا في شيخوختنا، أي عندما نتعرض لضعف روحي! ب. يرى العلامة أوريجينوس أن كثيرين من الذين بلغوا سن النضوج لا يزالوا يسلكون كشباب في شهوات بلا ضابط، بينما يُوجد شباب حسب الجسد وهم شيوخ مختبرين ذو حكمة روحية عملية. ج. من هو هذا الشاب الذي يجب تقويم طريقه بحفظ أقوال الله إلا جماعة الأمم الذين قبلوا "كلمة الله" المتجسد، بينما رفض قادة اليهود الذين نالوا معرفة وشرائع ونبوات كأنهم شيخ، لكنهم رفضوا كلمة الله ولم يحملوا نير صليبه. * الشعب الذي كان منتسبًا للأمم في حداثته، وهو الذي كان يسير في طرق معوجة قبل قبوله الإيمان. كيف يمكن لهذا الشعب أن يقوِّم طريقه إلا بحفظه أقوالك، أي كلمات الرب؟! العلامة أوريجينوس * الشاب هو الشعب الأممي الذي آمن بالمسيح، هذا الذي كان سالكًا طريقًا معوجة، لكنه يقومها بحفظه أقوال الله التي أوصى بها تلاميذه كي يعلموها للمؤمنين حين قال لهم: "علموهم حفظ جميع ما أوصيتكم به". أنثيموس أسقف أورشليم يقول يوسابيوس القيصري إن كلمة "يقوِّم" جاءت في ترجمة سيماخوس: "ينير". [بماذا ينير الشاب طريقه؟ هنا يعلمنا المرتل أن الشاب وهو مملوء بالدنس والنجاسة يحتاج إلي تطهير (واستنارة)، إذ يتساءل المرتل: "بماذا ينير الشاب طريقه؟ وجاءت الإجابة: بحفظه أقوالك!"] إن كانت الخطية تفسد القلب أي البصيرة الداخلية، فإننا في حاجة إلي أقوال الرب بكونها النور الذي يبدد الظلمة. يربط القديس أمبروسيوسبين هذه العبارة [9] وبين قول المرتل: "قلت: إني أحفظ طريقي، وضعت على فمي حافظًا" مز1:39، قائلًا: [توجد بعض الطرق التي ينبغي أن نتبعها، وطرق أخري يجب أن نتحفظ منها. يلزمنا أن نتبع طرق الرب، ونتحفظ من طرقنا لئلا تقودنا إلي الخطية. يمكن للشخص أن يتحفظ إن كان غير مسرعٍ في الكلام. يقول الناموس: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهك..." تث 4:6. لم يقل: "تكلم"، بل "اسمع". سقطت حواء لأنها قالت للرجل ما لم تسمعه من الرب إلهها. كلمة الرب الأولى تقول لك: "اسمع!" إن كنت تسمع فإنك تُحفظ من طرقك، وإن سقطت اصلح طرقك سريعًا. لأنه "بماذا يُقوِّم الشاب طريقه إلا بحفظه كلمة الرب؟!" [9]. أول كل شيء كن صامتًا واسمع فلا تسقط بلسانك1.] القديس أمبروسيوس إذ يقول المرتل: "لا تبعدني عن وصاياك" [10] يتساءل البعض: هل يبعدنا الله عن وصاياه؟ أو كما يترجمها البعض: "يضلنا" عنها؟ * نتساءل ما إذا كان الرب هو الذي يجعلنا نضل عن الوصايا الإلهية. قد يفكر البعض هكذا... يقول النبي: إنني لم أطلبك ظاهريًا وسطحيًا وإنما: "من كل قلبي طلبتك"، لهذا فلتكافئني بأن لا تبعدني (تُضلني) عن وصاياك. لنفحص هذا النص ونحاول أن نوفق بينه وبين القول: "كل من له يُعطى ويزداد، ومن ليس له - حتى وإن ظن أن له - فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 29:25). نقول إن الذي يطلب من كل قلبه، يُعطى له بالعون الإلهي ما ينقصه حسب طبيعته البشرية حتى يتمم كل وصايا الرب. أما من لا يطلب الرب بكل قلبه، ممارسًا أعمال الرب بتراخٍ (إر 10:31)، فسيؤخذ منه ما يظن أنه يعمله كأعمال الله. حقًا لقد أبعد الله شعب الختان عن وصاياه، محطمًا بذلك الأمور المنظورة التي للوصايا؛ حطم الهيكل وكل ما كان خاصًا بالرب لإتمام العبادة حسب الشريعة التي حفظوها حرفيًا. العلامة أوريجينوس يعتمد أبوليناريوس على ترجمة أكيلا: "لا تجعلني أخطئ سهوًا"، فيقول إن المرتل يخشى ألا يفهم وصايا الله جيدًا كما يحدث مع كثيرين خلال نقص الإدراك السليم مما يجعلهم يفهمونها بخلاف ما تعنيه فيسلكون في غير استقامة. وكما يقول الحكيم سليمان: "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة ولكن نهايتها يصل إلي أسفل الهاوية" أم 12:14. 2. الوصية تقدس قلب الشاب ربما كان داود النبي شابًا حين وضع هذا المزمور أو على الأقل الأجزاء الأولى منه. لقد أدرك كشاب حاجته إلي الوصية الإلهية، كي ينير الرب بصيرته فيكتشف أعماقها ويختبر قوتها في حياته. لهذا يصرخ قائلًا: "من كل قلبي طلبتك، فلا تبعدني عن وصاياك" [10]. إذ أدرك المرتل إمكانية الوصية في تقديس قلبه، صار يطلب من الله بإخلاص، بكل طاقاته الداخلية ألا يحرمه من وصيته. وفي نفس الوقت كلما تمتع بخبرة الوصية في أعماقه يزداد لهيب قلبه نحو طلب الله. إنها سلسلة حب ناري فيها يمارس الشاب الطلبة الدائمة مع اكتشاف الوصية الإلهية، كل منهما تسند الأخرى. جيد للمؤمن أن يقرأ الوصية أو ينصت إليها أو يحفظها عن ظهر قلب لكن هذا كله لا يحفظه من الشر ما لم يطلبها ويشتهيها من كل قلبه. لهذا نطلب من الله أن يرفع عن قلوبنا البرقع فنلتقي بكلمة الله في أعماقها ونحاورها ونتجاوب معها لخلاصنا. * الذي لا يحطم ذهنه وعقله بالعالميات يطلب الله من كل قلبه، أما من ينشغل تارة في طلب الخلاص وأخرى في الشهوات الجسدية وهموم العالم الذميمة، فإنه يلبث في الأخيرة ويصير بعيدًا عن وصايا الله ولا يفهمها. أنثيموس أسقف أورشليم * بما أن ذكر الله يجعلنا نهرب من الشباك الشيطانية، وحيث إنني كرست لك يا إلهي كل عقلي وكل إدراكي، لذا فأنا لا أستحق أن أمكث خارج وصاياك. البابا أثناسيوس الرسولي إذ يسلم الشاب حياته بين يدّي الله يسأله ألا يبعده عن وصاياه، بمعنى أنه حتى إن اشتاق في لحظات ضعفه أن يترك الوصية فليصده الله بكل وسيلة، ولو بتأديبات قاسية. بذات الروح يصرخالقديس أغسطينوس في لحظات توبته، قائلًا: "إن قلت لك توبني غدًا، فلتكن توبتي الأن". هذا هو الحب الحق أن يلقي الشاب بأرادته بين يديْ الله ليوّجهها الله حسب أرادته الصالحة... لا يقف الأمر عند إعلأن المرتل الشاب اشتياقه ألا يحرمه الله من خبرة الوصية وإدراك أعماق معانيها، وإنما يعترف لله بأنه يتلقف الوصية من يديه ككنزٍ ثمينٍ لا يأتمن أن يودعه إلا في قلبه... يخفيه فيه حتى لا يتسلل إليه عدو ويغتصبه منه. إنه يخفي الوصية في قلبه لكي يلهج فيها لبنيانه الداخلي، ولكي يشهد لها أمام الغير في الوقت المناسب. إنه لا يخفيها في عقله لئلا تضيع من ذاكرته، إنما في قلبه لكي بالحب تتحول إلي عملٍ مبهجٍ. يخفي المرتل الوصية في أعماقه لتقدسه فلا يخطئ إلي الله، إذ يقول: "أخفيت أقوالك في قلبي، لكي لا أخطئ إليك" [11]. * إنه يخطئ في حق الله من يظن أنه مستحق أن يعلن عن الأقوال المخفية التي يجب أن تبقى مخفية عن الأشرار، فلا يخبئها عنهم، كاشفًا عنها لمن لا يجب أن يعرفوها. فإن الخطر لا يقوم على قول الكذب فحسب، وإنما يقوم أيضًا على قول الحقيقة بالكشف عنها لمن لا يجب أن تعلن لهم. "لا تطرحوا درركم قدام الخنازير، ولا تعطوا القدس للكلاب" مت 6:7. العلامة أوريجينوس * من لا يقبل تعاليم الله سطحيًا وظاهريًا كما يخفيها في قلبه حتى يتقوَّم فكره وأيضًا نياته، فيصير خاليًا من الخطية أمام الله الذي يرى الخفيات، فإنه لا يرتكب فقط الزنا بل وكل شهوة شريرة. تطابق هذه الآية الكلمات: "يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك حتى تميل أذنك إلي الحكمة" أم 1:2،2. القديس ديديموس الضرير * إن لم نخفِ أقوال الله في قلبنا مثلما نخفي جوهرة يأتي الشرير ويخطفها (مت19:13). القديس أثناسيوس الرسولي * طلب أولًا العون الإلهي لئلا تُخفي كلمات الله في قلبه بلا ثمر، حيث لا يتبعها أعمال البر. لهذا فإنه بعد قوله هذا أضاف: "مبارك أنت يا رب، علمني برك" [12]. لأنني أخفيت كلماتك في قلبي لكي لا أخطئ إليك يا من اعطيتني الناموس، هبني أيضًا بركة نعمتك، حتى بعمل ما هو مستقيم أتعلم ما أوصيت به... القديس أغسطينوس يقدم أنثيموس أسقف أورشليم ثلاثة أسباب لإخفاء كلام الله في القلب: [أ. إنه يخفي كلام الله في قلبه ذاك الذي يحذر من الخطأ؛ ليس فقط في العمل الظاهر وإنما أيضًا في الفكر الخفي. مثل هذا يجتنب ليس فقط الفسق وإنما انحراف شهوته وميلها الخفي... ب. وأيضًا الذي يخفي في قلبه أسرار الإيمان ولا يبيح بها للكفار، عاملًا بقوله: "لا تطرحوا درركم أمام الخنازير". ج. كذلك من يخفي أقوال الله في قلبه لئلا تخطفها طيور السماء، أعني بها الشياطين الساقطين من السماء، فلا تسلبها إياها بواسطة الشك والكبرياء أو بفكر شرير...] يخفي المؤمن وصية الله - كنزه الثمين - في قلبه، أثمن ما في حياته، مركز الحب والحياة، وموضع الأمان، فلا يقدر العدو أن يسطو عليه ليغتصبها منه. نخبىء وصية الله، فلا تقدر خطية ما أن تختفي في القلب أو تتسلل إليه، إذ لا يمكن للظلمة أن تجد لها موضعًا حيث يوجد النور. ولعل المرتل أخفي الوصية في قلبه كي يتأملها وينشغل بها فتهضمها معدته الروحية. فكما أن الطعام الذي لا يُهضم لا يفيد الجسم بشيء هكذا من يسمع الوصية ولا يتأملها وينشغل بها لا تنتفع بها نفسه. 3. الوصية وحياة التسبيح إذ يقتني الشاب الوصية ككنز يستحق إخفاءه في القلب، كي يحمله معه أينما وجد، يبعث في داخله روح التسبيح، قائلًا: "مبارك أنت يا رب، فعلمني حقوقك" [12]. * ذاك الذي طلب الله ملتمسًا هذا بكل قلبه، وأخفي أقواله الإلهية، نجح في الصلاح واستحق أن يشكره، قائلًا: "مبارك أنت يا رب". أنثيموس أسقف أورشليم شتان بين تسبيح يصدر عن الفم دون القلب، وآخر ينبع تلقائيًا خلال شبع القلب بالوصية وتهليله بعمل الله فيه، حيث يبارك المؤمن الرب من أجل كلماته السرية الإلهية التي ائتمنه عليها كإعداد للقلب ليصير عرشًا لله وهيكلًا له، يسكن فيه فيفيض عليه دائمًا بأسرار جديدة ومعرفة إلهية. سرّ التسبيح هو تجلي الكلمة الإلهي في القلب كمعلمٍ يعلمنا حقوقه، ويهبنا تنفيذ وصيته، ويقودنا في حياة الشركة مع الله الآب بروحه القدوس فنشارك السمائيين تسابيحهم. * بفمه تفهم كلمته التي يعلنها لنا بإعلانات كثيرة خلال قديسيه وفي العهدين، الأمر الذي لا تكف الكنيسة عن أن تنطق به في كل العصور بشفتيها. القديس أغسطينوس 4. الوصية وشهادة الشاب لها إخفاء القلب للوصية ككنزٍ ثمينٍ يبعث روح التسبيح والفرح الداخلي. بهذا الروح ينطلق الشاب للشهادة للوصية أمام الآخرين، إذ يقول: "بشفتي أخبرت كل أحكام فمك" [13]. كيف أظهر المرتل كل أحكام فم الله بفمه بينما قيل: "أحكامك هي لجة عظيمة" مز 6:36، كما قيل: "ما أبعد أحكام الرب؟!" (رو33:11) يجيب العلامة أوريجينوس: [لم يقل داود النبي: "بشفتي أظهرت كل أحكامك"، بل قال: "بشفتي أظهرت كل أحكام فمك". فإن عبارة: "أحكام فم الرب" تعني الأحكام التي يمكن التعبير عنها، المنطوقة لكي تُنشر وتُعلن. "فم الرب" هنا هم "الأنبياء"... كما قيل: "فم الرب تكلم" إش20:1؛ هذا يعني كلمات الرب كما ينطق بها أحد المفسرين.] يقول يوسابيوس القيصري: [أخفيت التعاليم الخفية في قلبي، وأيضًا العلوم والمعارف المستترة، أما هذه الأحكام فأظهرتها للكل، حيث تدركها كل البشرية وتتفهمها، إذ يجب أن يظهر الكل أمام كرسي المسيح (2كو10:5).] * إننا نفهم أنه ليس طريق لشهادات الله أكثر سرعة وأعظم أمانًا وأقصر واسمى من المسيح الذي فيه تختفي كل كنوز الحكمة والمعرفة. لهذا يقول إن له بهجة عظيمة في هذا الطريق كما في كل غنى. هذه هي الشهادات التي بها تنازل ليؤكد لنا أنه هكذا يحبنا... القديس أغسطينوس 5. الوصية غنى الشاب "وفرحت بطريق شهاداتك مثل كل غنى" [14]. كان داود النبي يشتهي أن يبني بيت الرب، وإذ جاءه الوعد أن يقوم ابنه بهذا الدور فتح أبواب خزائنه ليجمع الذهب والفضة وكل ما هو ثمين، لا ليفتخر بالغنى والثروة، وإنما ليعد لابنه كميات وفيرة لبناء الهيكل... كان متهللًا بهذا العمل. لقد حُرم داود من بناء الهيكل على جبل صهيون لكنه فتح خزائن قلبه لغنى الوصايا الإلهية الوفيرة التي تقيم مقدسًا للرب في أعماقه، وتحول حياته بكل ما فيها من متاعب وآلام إلي شهادة حق لله! * سبق أن تكلمنا عن "الشهادات" (الاستشهاد). طريق الشهادات يتحقق عندما نسلك "ليس عن حزنٍ أو اضطرارٍ" (2 كو 7:9)، وإنما بفرحٍ كاملٍ كقول داود النبي. وكما جاء في رسالة بولس الرسول إلي أهل كورنثوس: "أشكر إلهي في كل حين من جهتكم على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح، انكم في كل شيء استغنيتم فيه في كل كلمة وكل علم" 1كو4:1-5. لأن الغنى متنوع لذلك يقول: "إنكم في كل شيء استغنيتم"، بمعنى: في كل فضيلة، بالعمل والتأمل، حيث يطابق العمل الإدراك. حقًا إن من يحصل على غنى مادي يفرح بسبب هذا الغنى، ليس عندما يكون لديه جزء من الغنى، وإنما يحصل على "كل الغنى"، كل الأصول الثابتة والمتداولة، أي العقارات والنقود. هكذا أيضًا من يرغب في الغنى الروحي يفرح ويبتهج عندما ينال غنى كاملًا، وذلك بفضل تقدمه في شهادات الرب وممارسته للفضائل. كأنه يقول: لتكن شهاداتك هي التي تغنيني عن كل شيء، لتكن هي فرحي وغناي. العلامة أوريجينوس 6. الوصية وحياة الهذيذ إذ يخفي الشاب وصايا الله في قلبه بكونها أسرار الله غير المنطوق بها يدرك أنها كنزه وغناه الروحي. لهذا لا يتوقف عن الهذيذ أو التأمل فيها، إذ يقول: "بوصاياك أتكلم (أتأمل)، واتفهم في طرقك، بفرائضك ألهج (أتلذذ)، ولا أنسى كلامك" [15-16]. * نتعلم من هذه الكلمات أنه يستحيل أن نفهم طرق الرب ما لم نفحص وصاياه إلي أعماقها، فنستخدم "التأمل الرمزي"... فقد خرج إسحق يتأمل في الحقل (تك63:24)، ويُذكر أحيانًا عن الأبرار أنهم كانوا في تأمل صالح. بالتأكيد إذ نقضي وقتًا طويلًا أمام وصايا الله "نفهم طرقه"، هذه الطرق هي الناموس والأنبياء، وهي تؤدي إلي الطريق الملوكي الكامل "المسيح" الذي قال عن نفسه: "أنا هو الطريق" يو6:14. * إنني أتلذذ بفرائض الله، لا بكلمات أو عبارات جميلة، وإنما بتحقيقها بعد فهمها، لأنه: ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون" رو13:2. يتلذذون بفرائض الله بأعمالهم. بهذا إذ هم يتلذذون في فرائض الله لا ينسون كلمات الله أبدًا. العلامة أوريجينوس إذ يتحدث القديس جيروم عن مرسيلا إلي صديقتها الملتصقة بها Principia يقول: * بهجتها في الكتب الإلهية لا تُعقل كانت تتغنى على الدوام قائلة: "خبأت كلامك في قلبي كي لا أخطئ إليك"، وأيضًا الكلمات التي تصف الإنسان الكامل: "في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا" مز2:1. هذا اللهج في الناموس لم تفهمه ككلمات مكتوبة كما يفعل اليهود والفريسيون، بل تفهمه كعملٍ كقول الرسول: "لذلك أن أكلتم أو شربتم وكل ما فعلتم فليكن لمجد الله" 1كو31:10... لقد شعرت بالتأكيد أنه حينما تتمم هذه الوصايا يُسمح لها أن تفهم الكتب المقدسة1. القديس جيروم يُلاحظ في هذه الفقرة أن المرتل لا يفصل بين الله ووصيته، عندما يقول: "من كل قلبي طلبتك" يكمل: "فلا تبعدني عن وصاياك". وهذا هو سرّ غنى الوصية أن من يقتنيها إنما يقتني الله نفسه، لهذا نراه يحدث الشباب عن هذا الكنز هكذا: 1. اقتنِ أيها الشاب الوصية فتقتني الحياة المستنيرة المقدسة، إذ تقتني الله القدوس داخلك [9-11],. 2. الوصية تطهر القلب فيشتاق بالأكثر نحو الله، والاشتياق لله بكل القلب يدفع الشاب إلي حفظ الوصية [10]، هي سلسلة حب نحو الله ووصيته! 3. إذ يرتمي الشاب في حضن الله يشعر بتسليم كامل بين يديه، لهذا يسأله: "لا تبعدني عن وصاياك" [10]. كأنه يقول: حتى إن أردت أن انحرف عن وصيتك، احمني من هذا بكل وسيلة، حتى إن بدت لي مُرة. 4. إن كان قلب الإنسان هو أثمن ما لديه، فإنه يليق به أن يضع كنزه "الوصية الإلهية" فيه! ليُخفي كنز الله في قلب المؤمن الثمين في عيني الله! إذ يخفي القلب الوصية يستنير فلا يمكن للخطية أن تحتله أو تتسلل إليه! 5. أروع ثمار هذا الكنز المخفي هو امتلأء القلب بالبهجة والتسبيح [12]، حيث يسكن كلمة الله نفسه في القلب ليمارس عمله كمعلم [12]، يدرب النفس على حفظ الوصية بفرحٍ، وعلى الشركة مع السمائيين في حياة التسبيح. 6. ما يتمتع به الشاب خفية بسكنى الوصية فيه يتحول إلي شهادة عملية بالفم والعمل [13]. ما يتعلمه في الخفاء يُنادى به على السطوح (مت27:10). 7. ينعم الشاب بالوصايا كثروة وفيرة قادرة أن تقيم مقدسًا للرب في داخله. 8. إذ يدرك الشاب قيمة هذه الخزائن لا تفارقها عيني قلبه، ولا يمكن لأمرٍ ما أن يشغل فكره عنها... إنه يتأملها ويتفهمها [15]، ويلهج فيها نهارًا وليلًا ولا ينساها [16]. من وحي المزمور 119(ب) وصيتك هي غناي! * مادمت في الجسد فأنا شاب محتاج إلي تقويمٍ مستمرٍ. وصيتك تقوّم حياتي وتقدس قلبي، وصيتك تشبع كل احتىاجاتي، هي غناي وكنزي الثمين! * سّيج حول قلبي فلا أطلب غيرك!إن انحرف قوِّمه بتأديباتك الأبوية، فلا أبتعد عن وصاياك. * احفظ قلبي كله في وصيتك،وأحفظ وصيتك في قلبي، أخبئها فيه لأنها كنزي. لقد قبلت وصيتك بعقلي، أريدها في قلبي. قد تخونني ذاكرتي فأنسى وصيتك وسط الإغراءات، أما قلبي فيخفي وصيتك، ويعشقها تمامًا. لا تقدر إغراءات ولا ضيقات أن تسحبها من داخلي! أين أحتفظ بوصيتك كي لا يخطفها العدو؟ قلبي هو خزانة أمينة مادام مصونًا بنعمتك. أخبئ وصيتك في قلبي فلا تختبئ معها خطية. أخبئها لكي أتاملها بحبي وكل عواطفي، أخبئها ولا أقدمها لمن يحتقرها ويستهين بها. أخبئها فيه لأحملها معي أينما وجدت؟ * التصقت وصيتك بقلبي،من ينزع عني وصيتك ينزع قلبي ذاته ويحرمني حياتي. * إذ أخفي وصيتك في قلبي أراها كل غناي.يلهج فيها قلبي ويتأملها بلا انقطاع. أتأملها لا بأفكارٍ وكلماتٍ فحسب، وإنما بممارستها والحياة بها وفيها. أجد في تحقيقها لذة العشرة معك! لارتبط بالوصية فارتبط بك يا غنى نفسي! |
||||
21 - 03 - 2014, 05:37 PM | رقم المشاركة : ( 123 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ج - تفسير سفر المزامير الوصية... عزاء في الغربة[17-24] إن كان الشاب يحتاج إلي الوصية الإلهية لتقديس قلبه وأعماقه الداخلية، ينعم بها ككنزٍ يستحق أن يخفيه، فيمتلئ فرحًا وتهليلًا، ويتلذذ بالتأمل فيها والتعرف على أسرارها، والعمل بها، والشهادة أمام الغير، فمن جانب آخر يدرك حقيقة موقفه كغريب ونزيل يجد فيها عزاءه.الأن ما هي بركات الوصية لنا كغرباء على الأرض؟ 1. الوصية حياة تحدث قبلًا كشابٍ يبدأ طريق حياته العملية باقتناء الوصية الإلهية التي تشبع اشتياقاته وتحقق أماله بكونها الكنز السماوي؛ الآن إذ بدأ الطريق شعر بالغربة، ليس من يسنده في مواجهة المتاعب إلا الله نفسه بكونه صديقه الشخصي الذي يهبه الحياة ذاتها كمكافأة وكل مقوماتها، ويسنده ضد الشر، وينزع عنه العار.17. 2. الوصية استنارة 18. 3. الوصية رفيق في الغربة 19،20. 4. الوصية والغلبة على الأشرار 21. 5. الوصية ترفع عنا العار 22. 6. الوصية ومؤامرات الأشرار 23. 7. الوصية واللذة الروحية 24. من وحي المزمور 119 (ج) 1. الوصية حياة لعل المرتل قد حمل مشاعر الابن الراجع إلي أبيه، فقد تطلع من بعيد ليجد الأجراء ينالون أجرتهم في بيت أبيه ويحيون، أما هو فيموت جوعًا (لو 15). لهذا صرخ إلي أبيه طالبًا منه أن يهبه أجرة فيحيا كأجير، واعدًا إياه ألا يعود إلي كسر وصيته الأبوية. إنه في حكم الميت بسبب عصيانه وتركه بيت أبيه، لهذا يصرخ قائلًا: "كافيء عبدك فأحيا، واحفظ أقوالك" [17]. لماذا يقول المرتل "كافيء عبدك"؟ كلمة "يكافئ" في العبرية Gamal، وقد جاءت كل عبارات هذا الاستيخون (المقطع) الثمانية تبدأ في العبرية بالحرف "ج gimel". يقول السيد المسيح: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" رو 63:3. فإننا إذ نلتصق بكلمة الله الثابتة إلي الأبد لا يقدر الموت أن يمسك بنا بل نحيا مع الرب إلي الأبد كمكافأة للبنين. لنطلب أن نُحسب كأجراء، فسيهبنا الله مكافأة البنين. إذ يرتبط المرتل بالوصية يطلب "الحياة" مكافأة له، إذ بالوصية يدرك قبوله لدى الله، فينعم بالآب أبًا له، وبالكلمة الإلهي أخًا بكرًا ومخلصًا، وبالروح القدس مقدسًا ومعزيًا وقائدًا له. هذه هي الحياة التي يشتهيها المرتل كمكافأة لارتباطه بالوصية خلال النعمة الإلهية. يقول العلامة أوريجينوس: [قلبنا ليس نقيًا، ولا نملك حرية الحديث مع الله، قائلين في صلواتنا: "كافيء عبدك"، لأنه إن جاء ليكافئنا فسيجازينا على خطايانا. من كان مثلنا نال رحمة من الله فليقل: "لا تجازينا يا الله حسب خطايانا، ولا مثل آثامنا تكافئنا". أما من له حرية الحديث مع الله بضميرٍ مستريحٍ فيقول: "كافيء عبدك"، لأنه لم يعمل شيئًا يستوجب العقاب. ولئلا يكون حديثه بافتخار ففي حذر لا يقول: "كافيء" فقط وإنما "كافيء عبدك"، أي بكوني عبدك الذي أخدمك.] ما هي الحياة التي يطلبها المرتل من الله مكافأة له كعبد له؟ * بقوله: "فأحيا" لا يطلب طول العمر العادي، إذ يطلب حياة مرضية لله، لذلك يقول: "وأحفظ أقوالك"، لأن حفظ أقوال الله وعمل وصاياه هما العمر الحقيقي وعلة الحياة الأبدية. أنثيموس أسقف أورشليم * كلمة "فأحيا" توحي بحركة حياة في المستقبل. فإنني لست أفكر في الحياة الحالية، إذ يقول "سأحيا"، وهذا يتمشى بالتأكيد مع الحياة الحقيقية. لنسمع القديس بولس وهو يتحدث عن نفسه وعن أمثاله: "حياتنا مستترة مع المسيح في الله، متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تضيئون أنتم أيضًا معه في المجد" (راجع كو3:3). لنفهم "سأحيا" أنها تخص المستقبل، وأيضًا "أخبىء كلامك" سيكون ذلك حقيقة ليست في مرآة ولا في لغز. العلامة أوريجينوس * إنني لا أشعر بأنني أتمم وصاياك بدون مكافأة؛ اعطنا أجر هذا حياة خالدة سعيدة أعيشها وأحفظ أقوالك. القديس ديديموس الضرير * من يقدر أن ينكر أن عطية الحياة هي عمل العظمة الإلهية؟ مكتوب "أحيي عبدك" [17]. إذن يحيي من هو عبد، أي الإنسان، الذي لم تكن له حياة من قبل، بل تسلمها كعطية له1. القديس أمبروسيوس 2. الوصية استنارة "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك" [18]. * دُعي الأنبياء "رائين" (1صم9:9)، لأنهم رأوا هذا الذي لم يره غيرهم. إبراهيم رأى يومه (المسيح) وتهلل (يو 56:8). خُتمت السماوات بالنسبة للشعب المتمرد، بينما فُتحت لحزقيال... الناموس روحي (رو 14:7)، لكن الحاجة إلي إعلأن يعيننا على فهمه، عندما يكشف الله عن وجهه لنراه ونعاين مجده1. القديس جيروم * ليتنا نحن الذن نريد أن نكون كاملين حسب قياس ضعفنا البشري نظن هذا، أننا لم ننل بعد، ولا أدركنا، ولا صرنا كاملين، وإذ نحن لسنا بعد كاملين... لنصلِ مع داود قائلين: "افتح عيني لأرى عجائب من شريعتك"2. * إن كان نبي عظيم كهذا يعترف أنه في ظلمة الجهل، كم بالأكثر تظنون يكون ليل عدم إدراكنا نحن الذين هم رضع وأطفال غير مفطومين يحوط بنا؟!3 القديس جيروم * واجبنا إذن أن نقترب إلي الله ونقول: "افتح عيني فأرى عجائب من ناموسك". هكذا يُعلن لنا عن المسيح4. القديس كيرلس الإسكندري إذ يدرك المرتل أن حياته هي مكافأة أو هبة من عند الله، يشعر بالالتزام أن يكرس هذه الحياة لحساب الله، لخدمته ونمو ملكوته. كلمة اكشف unveil هنا تعني رفع البرقع عن العينين "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك" [18]. لقد وُجد الناموس بين يدي اليهود لكنهم لم يتمتعوا بعجائبه، أي بالسيد المسيح الذي "يدعى اسمه عجيبًا" إش 6:9، لأنه كما يقول عنهم الرسول بولس: "اغلظت أذهانهم، لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يبطل في المسيح... ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجهٍ مكشوفٍ كما في مرآة نتغير إلي تلك الصورة عينها من مجدٍ إلي مجدٍ كما من الرب الروح" 2كو14:3، 18. وكأن الرسول يطلب نزع برقع الحرف لنفهم وصايا العهد القديم ورموزه ونبواته، كما يطلب رفع برقع الخطية حتى ندخل في حياتنا الجديدة من مجدٍ إلي مجدٍ ونتأهل لرؤية الله. بمعنى آخر يطلب المرتل وهو بعد تحت ظلال العهد القديم أن يتمتع بالاستنارة، أي ينزع الرب عن عينيه النظرة الحرفية لكلمات الله، ويهبه حياة دائمة النمو في الروح... بهذا يعاين مجد السيد المسيح، أي "عجائب ناموسه". الكبرياء الذي حجب أعين اليهود عن إدراك شخص المسيا بالرغم من وضوح النبوات عنه هو أيضًا يُفقد الإنسان المسيحي إدراك قوة الإنجيل في حياته العملية. * أظهر النبي أن عينيه كانتا محتجبتين ببرقعٍ، وذلك مثلما يكون في داخلنا شر وفساد بسبب "الشيخوخة" التي للإنسان العتيق (كو9:3). لا يقدر أحد أن ينزع الفساد إلا واحد، وهو كلمة الله، فقد "أرسل كلمته فشفاهم، وخلصهم من فسادهم" مز20:106. جاء كلمة الله وكشف عن العيون، ورفع البرقع: "عندما نرجع إلي الله يُرفع البرقع" 2كو16:3؛ خر34:34. يعرف النبي أنه إذ تملك الوصية تجعلنا نمارس الأعمال الصالحة، لهذا يحاول أن يعرف بركة الوصية لا بطريقة اليهود (الحرفية) وإنما بقوة وروحانية، لهذا يقول: "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك". وإذ يصير لنا الوجه المكشوف يُعلن مجد المسيح كما في مرآة، ونتحول إلي هذه الصورة، ونتأمل عجائب الله وناموسه. * للإنسان الخارجي عينان، وأيضًا للإنسان الداخلي، إذ قيل: "أنر عيني لئلا أنام نوم الموت" مز 13 (12):3... بحفظ وصايا الرب لا يصير لنا النظر الحاد جسمانيًا، وإنما بحفظ الوصايا الإلهية يصير لنا بصر الذهن الحاد. ترى عينا إنساننا الداخلي بأكثر كمال: "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك"... يسوع وحده له أن يكشف عنهما، فيمكننا أن نفهم الكتب المقدسة، ونتأمل ما عُبِّر عنه بطريقة غامضة1. العلامة أوريجينوس لنصرخ دومًا ونحن في أرض غربتنا ليهبنا روح الاستنارة، فنرى وصايا الله في أعماقها، وندرك أسرار عمل الثالوث في حياتنا، فترتفع نفوسنا كما بجناحي الروح، وتتلامس مع عربون المجد المُعد لنا؛ عندئذ نقول: "أقامنا معه وأجلسنا معه في السمويات" أف6:2. لقد طلب المرتل في غربته عون الله كي يحيا، والآن يطلب الاستنارة، لأنه ماذا ينتفع بحياته إن كان في ظلمة، لا يري فيها فيض نعم الله وإحساناته عليه؟! يستخدمالقديس أغسطينوس هذه العبارة [ع18] ثم يقول: [أنت تعرف عدم مهارتي وضعفاتي! علمني! اشفني!2] إننا في حاجة إلي عمل الله - المعلم الفريد - القادر أن يُقدم تفاسير للكتاب لا لإشباع الذهن فحسب، وإنما يفتح عن البصيرة الداخلية للتمتع بقوة الكلمة وبهجتها وغناها. * ليتنا نسأل ذاك "الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح" رؤ7:3، لكي يفتح لنا حجرات الإنجيل فنقول أيضًا مع داود: "افتح عيني فأتأمل عجائب من ناموسك" [18]... إننا نتوسل إلي الرب لكي يدخل بنا إلي أسراره، ويُحضرنا إلي حجاله، ويسمح لنا أن نقول مع عروس نشيد الأناشيد: "أدخلني الملك إلي حجاله" نش4:1(LXX) يقول الرسول إن برقعًا قد وُضع على عيني موسى (2كو13:3-17)، وأنا أقول أنه ليس فقط يوجد برقع على الناموس، بل وأيضًا على الإنجيل لمن لا يفهمه... إذن لنترك الحرف الذي لليهود، ولنتبع الروح الذي ليسوع، لا بمعنى أننا نحتقر حرف الإنجيل، وإنما كل شيء قد جاء كي يعبُر - كما هو مكتوب - وإنما بالصعود درجات معينة نتسلق إلي الأماكن العلوية3. القديس جيروم 3. الوصية رفيق في الغربة "غريب أنا على الأرض، فلا تخفِ عني وصاياك" [19]. كان داود النبي والملك والمرتل إنسانًا له شهرته، وله إمكانياته وخبراته، ومع هذا حسب نفسه غريبًا، محتاجًا إلي وصايا الله لتكون له قائدًا ومرشدًا ورفيقًا ومعزيًا له في غربته. عمل الوصية الإلهية الأساسي هو تهيئة الإنسان للمواطنة السماوية؛ بها يدرك حقيقة موقفه كغريبٍ ونزيلٍ فينضم إلي رجال الإيمان (عب 13:11-16). وفي نفس الوقت شعوره بالغربة يدفعه إلي الالتصاق بالوصية كي تسنده كل زمان غربته وترفعه إلي الحياة السماوية. * من يحب الأرضيات وشهواتها لا يفكر في أن يكون مع المسيح بعد انتقاله، ولا يقدر أن يقول: "غريب أنا على الأرض"، إذ هو مهتم بما للأرض. أما من يقول: "لا تخفِ عني وصاياك" فهو قديس... لذلك يطلب النبي من الله أن يكشف له عظائم وصاياه للحياة السماوية. العلامة أوريجينوس * يحتاج الغرباء على الأرض إلي وصايا الله لكي تحميهم من أعمال الجسد ومحبة العالم. من يتبع هذه الوصايا تعتاد نفسه عليها، ولا يقدر العالم أن يغلبه. لكن توجد وصايا كثيرة مكتوبة برموز مثل: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من أمتعته شيئًا" (مت 17:24؛ مر15:13؛ لو31:17)؛ "دع الموتى يدفنون موتاهم" (مت 22:8)... كل هذه ليست واضحة في المعنى، كذلك الوصايا الخاصة بالذبائح والأعياد والحيوانات الطاهرة والنجسة... لهذا يليق بالغريب على الأرض أن يطلب من الله أن يضيء له وصاياه ولا يخفيها عنه، لكي يتممها ويحبها ويصير بلا لوم. يوسابيوس القيصري * إننا أجراء أو غرباء على الأرض، إذ نجد مدينتنا فوق، حيث ننال هنا العربون، وإذ نبلغ ذلك لا نرحل (عنها). * أولئك الذين محادثتهم في السماء، فإنهم إذ يقطنون هنا بمهارة هم في الحقيقة غرباء. القديس أغسطينوس المؤمن الحقيقي يرى في وصية الرب رفيقًا له في غربته، أشبه بصديقٍ حميمٍ يسنده في مواجهة الحياة. إنها مصدر تعزية له وسط الآلام، ومصدر لذة روحية، تحول وادي الدموع إلي حياة فردوسية مفرحة، لهذا لا يمارس الوصية عن إكراهٍ بل بلذة. يقول المرتل: "اشتاقت نفسي إلي اشتهاء أحكامك في كل حين" [20] يقولالقديس هيلاري أسقف بواتييه أن المرنم لم يجسر أن يقول بأنه يريد أحكام الله بل يشتاق أن يكون له نقاوة القلب مع الأعمال حتى يتقبل أحكام الله في كل حين. سبق فطلب المرتل من الله أن يفتح وصاياه له لكي يتمتع بها، كما طلب أن يفتح عينيه الداخليتين لكي يدرك أسرارها ويتمتع بمعرفتها، الآن يطلب منه أن يفتح نفسه لكي تحمل أرادة نارية ملتهبة بالشوق نحو وصايا الرب. هكذا تصير الوصية مفتوحة والبصيرة مفتوحة والأعماق مفتوحة للتمتع بالوصية في لذةٍ روحية. * أعني أن نفسي قد تمنت حفظ أحكامك، وأن تصنعها بشهوة لا بضجرٍ ومللٍ، وإنما بإرادة وموالاة دائمًا. أنثيموس أسقف أورشليم * لماذا لم يقل: "اشتاقت نفسي إلي أحكامك" بل "اشتاقت نفسي إلي اشتهاء"؟ أليس في استطاعتنا اشتهاء أحكام الله...؟ ليس في إمكانية الجميع اشتهاء أحكام الله في كل حين. فإن البعض لا يرتكبون الخطية في وقت ما ويرتكبونها في وقت آخر، هؤلاء عندما يشتهون الأحكام يشتهون المكافأة. أما الإنسان الكامل فهو القادر أن يشتهي الأحكام في كل حين. العلامة أوريجينوس * لا يقل "فرائضك" بل "أحكامك"، لنفهم أن أحكام الله تنجي بحنانه الإلهي. لذلك يرغب النبي في اشتهائها في كل حين، إذ لا يريد أن يتممها عن حزنٍ أو اضطرارٍ، وذلك مثل أولئك الذين يتممونها خوفًا من العقاب؛ بل أن يتممها عن حبٍ ورغبةٍ. بهذا يتحمل بمثابرة ليس فقط الأحكام المريحة بل والمتعبة، سالكًا بكل قوة في كل عملٍ صالحٍ. القديس ديديموس الضرير * بكونه غريبًا على الأرض صلى ألا تُخفي عنه وصايا الله، حيث يتمتع بالحب كأمرٍ فريدٍ أو رئيسيٍ، الآن يُعلن أنه يشتهي أن يكون له الحب من أجل أحكامه. هذه الشهوة تستحق المديح لا الدينونة... القديس أغسطينوس * هكذا هي محبة القديسين في كل الأزمنة، فإنهم لم يتوقفوا قط عن تقديم ذبيحة دائمة للرب بلا عائق، بل كانوا يعطشون على الدوام ويسألون الرب أن يشربوا كما ترنم داود قائلًا: "اشتاقت نفسي إلي اشتهاء أحكامك في كل حين" [20]1. القديس أثناسيوس الرسولي 4. الوصية والغلبة على الأشرار إن كانت الوصية تبعث لذة في النفس، فهي من جانب آخر تعطي قوة على الجهاد ضد خطط المتكبرين الذين حادوا على وصايا الرب، كما تعطي قوة للغلبة على روح الكبرياء الذي يحاربنا كي نحيد عنها. "انتهرت المتكبرين، ملاعين الذين حادوا عن وصاياك" [21]. انتهر الله الشيطان المتكبر وطرده من السماء، كما انتهر فرعون وشاول الملك ونبوخذنصر الخ... فهو ينتهر المتكبرين ويقاومهم (يع6:4؛ 1بط5:5) ويبطل تعظمهم (إش11:13) ويشتتهم بفكر قلوبهم (لو51:1)، ويعطي نعمة للمتواضعين. * لا يوجد عائق عن نوال أحكام الله، إلا عدم الرغبة فيها... فإن نورها واضح ومشرق. القديس أغسطينوس * الكبرياء هو سبب الأنحراف عن وصاياك يا رب. لذلك انتهرت (يا رب) المتكبرين، بقولك في إرميا النبي إن الإسرائيليين في كبريائهم قالوا: انصرفنا ولا نعود إليك، ووضعت لعنات في شريعة موسى ليس فقط على الذين يخالفون وصاياك بل وأيضًا للذين يميلون عن استوائها المستقيم. أنثيموس أسقف أورشليم * يضل المتكبرون عن وصايا الله. فإن عدم إتمام وصايا الله عن ضعف أو جهل شيء، والضلال عن الوصايا خلال الكبرياء شيء آخر... القديس أغسطينوس * متى لا يكون للشرير قوة في معركته معنا...؟ يحاربنا الشرير ليس فقط لكي نفعل الخطية بإصرار...، وإنما لكي نتكبر ونشعر أننا كاملون. لكن الله يقاوم المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين (أم34:3؛ يع6:4ح 1بط5:5). لذلك كلما تتضع ترتفع وتجد رحمة عند الله (سيراخ18:3)... من يحيد عن الوصية لا يتبعها ما دامت وصية الله مستقيمة. "ملاعين الذين حادوا عن وصاياك"، ليس فقط الذين لا يعملون بها، وإنما حتى الذين ينحرفون عنها ولو قليلًا. العلامة أوريجينوس مع كل ما يتمتع به المرتل من بركات في طريق غربته بسبب التصاقه بالوصية ينال اتضاعًا صادقًا لكن بغير خوف من الأشرار المتكبرين. ينال روح الوداعة الغالبة، وذلك كسيده الحمل المبذول من أجل البشرية والأسد الخارج من سبط يهوذا في مقاومته لإبليس وكل جنوده. 5. الوصية ترفع عنا العار "دحرج عني العار والخزي، فإني لشهاداتك ابتغيت" [22]. أي عارٍ يريد المرتل من الله أن ينتزعه منه إلا عار الخطية، إذ يجلب الإثم إهانة حقيقية في عيني الله وخزي. فإن الخاطي المصرّ على خطيته يهين ابن الإنسان ويستحي منه، حاسبًا صليبه حرمانًا وعارًا وخزيًا، لهذا فإن ابن الإنسان أيضًا يستحي منه (لو26:9)، أما المؤمن التقي الحقيقي فيقول مع الرسول: "لست أستحي بإنجيل المسيح" رو16:1، كما يقول مع المرتل: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخزَ" مز46:119. من أجل هذا يطلب المرتل أن ينزع الله عنه الخجل والعار لكي يشهد لإنجيله حتى أمام مقاوميه، بإيمانه الحق وتوبته الصادقة ونموه الروحي. يرى المرتل أن الأشرار قد وضعوا عليه حجرًا ضخمًا، كأنهم حسبوه قبرًا يجب إغلاقه بحجر، وها هو يشعر بالعجز التام على دحرجة هذا الحجر، طالبا التدخل الإلهي. * تستوجب الخطايا العار والخزي، ففي يوم الدينونة يقوم الخطاة إلي الخزي والعار الأبدي (دا 2:12)... يوجد نوعان من العار: فمن جهة "اختار الله أدنياء العالم والمزدرى" 1كو 28:1، ومن جهة أخرى: "فاعل الشر مرذول أمامه (الرب)" مز4:15. إني أبغض "الإهانة" التي يهينني بها البشر في جهل، فإنهم يهينون من يستحق الكرامة لا من يستحق الإهانة... إنني أقول: "دحرج عني العار والخزي فإني لشهاداتك ابتغيت" [22]. لا تحسبني مستحقًا العار والخزى لأنني حفظت شهاداتك التي قيل عنها: "طوباهم الذين يحفظون شهاداتك" [2]. العلامة أوريجينوس * إذ يوجد من يجلب على العار والخزي لأنني حفظت وصاياك، "دحرج" أيها الرب "عني العار" (الذي يجلبه على الأشرار). كيف يُنزع هذا العار وهذا الخزي؟ عندما يأتون إلي معرفة الحق، هؤلاء الذين يهينونني ويعيرونني ويعتبرونني كلا شيء، فإنهم هم أيضًا سيحفظون وصاياك معي. القديس ديديموس الضرير * في وقت الاضطهاد يغطيني الكفرة بالعار ويخزونني، حينئذ أطلب الحماية حتى يبطل العار الذي يوجهونه إليّ. القديس أثناسيوس الرسولي لعل طلبة المرتل هنا إنما تشير إلي دور الآب في قيامة السيد المسيح فقد دحرج الأشرار الحجر على قبر المخلص وطلبوا من بيلاطس حراسته وختمه حتى يطمئنوا أنه لن يقوم. حسبوا أنهم قد دحرجوا عليه عارًا وخزيًا مع أنه لم يرتكب شيئًا إنما اشتهي شهادات الآب، أي الشهادة لحبه الفائق نحو البشرية ببذل ذاته عنهم. إذ دخل الشعب أرض الموعد أُقيمت الخيمة في "الجلجال" وتعني "دحرجة" وقال الرب ليشوع: "اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر" يش9:5. هكذا ترافقنا الوصية حتى تخرج بنا من عبودية إبليس (فرعون مصر) وتدخل بنا في استحقاقات الدم إلي أرض الموعد، أي إلي الحياة الجديدة المقامة في المسيح يسوع. يتطلع داود النبي إلي الكلمة الإلهي (الوصية) الذي يدحرج عنا العار، ولا يبالي بمؤامرات الأشرار الظاهرة والخفية التي تعمل على دحرجة العار عليه... إن الجلوس مع الكلمة الإلهي أعظم من الانشغال بمؤامرات الأشرار. * تدعى الشهادات في اليونانية "مارتيريا" μαρτύρια، وتستخدم نفس الكلمة الآن في اللاتينية، حيث أن هؤلاء الذين من أجل شهادتهم للمسيح قد انسحقوا بآلام كثيرة، ويصارعون حتى الموت من أجل الحق، يدعون باليونانية شهداء Martyrs... لذلك عندما تسمعون هذا التعبير الذي صار شائعًا ومبهجًا لنحسب كلمات (المرتل) هنا كما لو كانت: "دحرج عني العار والخزي، لأني ابتغيت أن استشهد من أجلك". عندما ينطق جسد المسيح هكذا فهل يُحسب ذلك عقوبة عندما ينتهره الأشرار والمتكبرون ويجعلونه في خزي، إن كان بهذه الوسائل ينال الإكليل؟ اُنظروا فإن الاستشهاد باسم المسيح... ليس فقط عارًا بل هو زينة عظيمة، ليس فقط في عيني الرب بل حتى في أعين البشر: "كريم هو موت قديسيه". أُنظروا فإن شهداءه ليس فقط لا يُحتقرون بل ينالون كرامات عظيمة. القديس أغسطينوس 6. الوصية ومؤامرات الأشرار "جلس الرؤساء وتقاولوا على، أما عبدك فكان يهتم بحقوقك" [23]. يرى البعض في جلوس الرؤساء هنا مطابقًا لما حدث قبل السبي البابلي حيث جلس النبلاء والمشيرون مع ملوك بابل وتحدثوا بالشر على اليهود لإثارتهم ضدهم1. إنها صورة واقعية تتكرر في كل الأجيال حيث يجلس العظماء للإثارة ضد الأتقياء بلا سبب حقيقي. إنها مقاومة للحق الإلهي نفسه في أشخاص الأتقياء. لقد تحقق هذا مرة ومرات في حياة المرتل داود، فقد جلس شاول الملك وحوله مشيروه يتقاولون عليه ويخططون لقتله، وتكرر الأمر مع ابنه المتمرد أبشالوم ومعه مشيره أخيتوفل... ولم يكن داود قد أساء إليهم في شيء، إنما دحرجوا عليه العار والخزي لعلة واحدة هي عدم قدرتهم على قبول اهتمامه بحقوق الله. في هذا كان داود النبي رمزًا للسيد المسيح الذي تقاول عليه الرؤساء أو القيادات الدينية مع المدنية ودحرجوا على قبره حجرًا ليبقى في خزيٍ وعارٍ، أما هو فكان يهتم بحقوق الآب، أي تحقيق عدالته وحبه لخلاصنا بتقديم ذاته ذبيحة!؟ ما تحقق في موت السيد المسيح ودفنه إنما يتم كل يوم في حياة الكنيسة التي هي جسده. لهذا يصرخ المؤمن طالبًا من الله أن يدحرج عنه حجر العار ليهبه الحياة المقامة في المسيح يسوع... لأن ما حلّ به من ضيق إنما هو من تخطيطات الأشرار ومشوراتهم. * يحمل هذا النص معنى أعمق وهو أن رؤساء هذا العالم (1كو6:2) يسلطون أنظارهم على الأبرار، كما كُتب عن المسيح: "قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا، على الرب وعلى مسيحه" مز2:2. نعم، هذا هو ما أستطيع أن أقوله أن رؤساء هذا العالم قد اجتمعوا، هؤلاء الذين لهم حكمة هذا الدهر (1كو6:2) يجلسون ويسلطون أعينهم على الأبرار كي ينصبوا لهم الشباك. ليتكلم هؤلاء الرؤساء أيا كانوا، فإن البار لا يفعل شيئًا سوى التحدث بفرائض الرب؛ هذه الفرائض التي ينطق بها البار ليست كلمات بشرية! العلامة أوريجينوس * يعاتبونني تارة عن أخطاء ماضية عارضة وأخرى يهينونني إذ يحسبونني كلا شيء، كمن هو بلا أدنى اعتبار. لكنني أنا جالس على انفراد وتتجه روحي نحو الكلمات الإلهية... كانت فرائضك هي مشوراتي. يوسابيوس القيصري * تذكر أنه ليس بين أحكام الله ما هو أصعب وما هو مستحق بالأكثر الإعجاب من أن يلتزم الإنسان بمحبة أعدائه. القديس أغسطينوس 7. الوصية واللذة الروحية "لأن شهاداتك هي درسي، وحقوقك هي مشورتي" [24]. كأن المرتل يقول وإن كان الأشرار أصحاب السلطان الزمني قد اجتمعوا على ليدخلوا بي إلي قبر العار والخزي ويختموا عليه كي لا أقوم، إلا أنني لا أبالي بمشوراتهم ولا بتصرفاتهم، إذ انشغل بأمرٍ واحدٍ هو دراسة شهاداتك والتلذذ بوصاياك. فإن "شهاداتك هي درسي وحقوقك هي مشورتي" أو كما جاء في ترجمة أكيلا: "شهاداتك هي لذتي مثل أهل مشورتي" أو ترجمة سيماخوس: "لكن بالأكثر شهاداتك هي سبب سروري، كالإنسان القريب من قلبي". كأنه يقول: ليهاجمني كل الأشرار بكل فكرهم وقدراتهم ولتبقى وصيتك هي الصديق الأوحد القريب جدًا إلي قلبي، بل في داخلي، هي مصدر قوتي ونصرتي ولذتي وشبعي! * يغتاب رؤساء هذا العالم عبيد الله ويتقاولون عليهم، أما هم فلا يبالون، بل يهتمون بدراسة حقوق الله، مواظبين عليها. أنثيموس أسقف أورشليم إذ أدرك المرتل أنه في أرض الغربة طلب من الرب: 1. أن يحسبه ولو كأجيرٍ ليهبه أجرة فيعيش، إذ أوشك أن يموت جوعًا بين الخنازير، وقد وعده ألا يعود بعد إلي عصيان وصيته [17]. 2. لا يكفيه في غربته أن يعيش وإنما يحتاج إلي استنارة [18]، فيعاين عجائب الله، فإنه ماذا ينتفع بكنوز ثمينة وثروات طائلة وهو لا يقدر على معاينة ما هو حوله أو ما في داخله؟! 3. تكشف الوصية للمؤمن عن حقيقة موقفه أنه غريب على الأرض [19]، وتذكره بهذا التغرب حتى يطلب المواطنة في السماء، وترافقه في غربته فلا يشعر بالعزلة، وتسنده في طريقه، وترفعه إلي السماء! إنها رفيق عجيب يدخل أعماق القلب ليلازمه كل الطريق بلا توقف، يلهبه بالشوق نحو المجد الأبدي [20] 4. تهب الوصية الغريب شبعًا داخليًا وسندًا في جهاده، كما تعطيه قوة على مقاومة الشر دون تخوف من الأشرار المتكبرين. تهبه روح الوداعة فيصير كسيده الحمل الوديع المبذول لأجل الآخرين وأيضًا كأسدٍ يقاوم الشر ويحطمه [21]. 5. ترافقنا الوصية في غربتنا حتى تدخل بنا كما إلي الجلجال (دحرجة)، إلي أرض الموعد، أو إلي الحياة الجديدة، فتدحرج عنا عار الخطية. 6. التصاقه بالوصية في أرض غربته تشغله عن مؤامرات الأشرار الذين يبذلون كل الجهد ليدحرجوا عليه العار والخزي [23]. 7. عوض مقابلة مؤامرات الأشرار وخططهم بالمؤامرات ينشغل المرتل بدراسة كلمة الله وطلب المشورة الإلهية [24]. من وحي المزمور 119(ج) وصيتك هي سندي في غربتي * في غربتي كثيرًا ما أتحسس أعماقي فلا أجد حياة. هب لي وصيتك، فأتمتع بحياتك في داخلي. أتمتع بالعمر الحقيقي، إذ تختفي أنت في أعماقي. * وصيتك تهبني حدة النظر، لا نظر البصيرة الخارجية، بل بصيرة القلب، وأسراره مُعلنه في داخلي، فأرى مخلصي متجليًا في أعماقي، والسماء ليست ببعيدة عني. تنزع عني برقع الحرف فأرى ملكوتك بقوة الروح. لتفتح عن عينيَّ فأتمتع برؤية أسرارك! لتفتح أمامي حجرات كتابك المقدس، فأدخل واستريح واستقر فيه. هناك أَنعمُ بك في حجالك أيها العريس السماوي! لتفتح نفسي بالحب ،فتشتهي وصيتك على الدوام، وترتفع إلي سمواتك! * غريب أنا على الأرض، وصيتك هي رفيقي ومعزيَّ وقائدي. تكشف لي عن مواطنتي السماوية فأنهض مسرعًا نحوها. * وصيتك غريبة عن المتكبرين، هب لي الاتضاع فالتصق بها في غربتي، ولا أسقط في اللعنة مع الحائدين عنها. * يعيرني المتكبرون ويتهمونني بالخزي، لأقبل العار والخزي من أجل وصيتك، ولا أسقط تحت عار الأنحراف عنها، ولا يليق بي خزي الكاسرين لها، وضع الأشرار حجرًا ضخمًا علىّ كما على فم قبرٍ. دحرج هذا العار عني، واعلن قوة قيامتك وبهجتها فيّ! اكشف لهم عن الحق، فيعرفون وصيتك! عوض إهانتي يكرمونك فيَّ أيها الفائق في مجده! * ليقف المتكبرون ضدي من أجل شهاداتك، فإنني أشتهي أن استشهد من أجلك. تتحول مضايقاتهم لي إلي أكليل مجد أشتهيه! وتصير تعييرات الأشرار لك عند الصليب خلاصًا لنا، فهب لنا أن تحول تعييراتهم لنا إلي تمجيد لك فينا! وصيتك هي مجدي في غربتي حتى في وسط ضيقتي! |
||||
21 - 03 - 2014, 05:40 PM | رقم المشاركة : ( 124 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة د - تفسير سفر المزامير 4 - د أحيني ككلمتك[25-32] في القطعة السابقة أدرك المرتل حاجته إلي الوصية الإلهية وسط غربته في هذا العالم، كي تحفظه من الخطايا خاصة الكبرياء، وتسنده من الأشرار الذين لا يطلبون أقل من حياته، يريدون أن يدخلوا به إلي القبر، ويدحرجون على فمه حجر العار والخزي، بلا سبب حقيقي سوى ارتباطه بالوصية. وقد وجد المرتل في عزلته هذه الوصية عزاءه وسلواه؛ هي الصديق الحقيقي الذي يسنده ضد الشر والأشرار تحول تعييراتهم إلي أمجاد. الآن إذ دخل إلي القبر يصرخ إلي الله طالبًا ألا يحرمه من كلماته الواهبة الحياة (يو 63:6). 1. الوصية والحياة المُقامة 25. 2. الوصية والاعتراف المفرح 26،27. 3. الوصية والتحرر من الحزن القاتل 28. 4. الوصية والتحرر من روح الكذب 29-31. 5. الوصية والقلب المتسع 32. الوصية واهبة الحياة من وحي المزمور 119 (د) 1. الوصية والحياة المُقامة لقد تآمر الرؤساء الروحيون في الشر، أي الشياطين، على المرتل داود، ونصبوا له الشباك فسقط في خطية تلو خطية، لكنه إذ أدرك أن الذبيحة التي يُسر بها الله هي القلب المنكسر والمنسحق (مز 19:51) انحنى بانسحاق حتى التراب، قائلًا: "فإن نفسنا قد اتضعت حتى التراب، ولصقت في الأرض بطوننا" مز25:44. عرف المرتل أنه لا خلاص لنفسه بجهاده الذاتي، إنما يحتاج إلي "كلمة الله" ونعمته لكي يُنتشل من تراب القبر وتتمتع نفسه بالحياة المُقامة، لهذا يقول: "لصقت بالتراب نفسي، فأحيني ككلمتك" [25]. كلمة الله هي حياة تتفاعل مع نفس الإنسان فيحيا بالله، خلالها يتمتع المؤمن باتحاد سري مع الله مصدر حياته. يطبق البعض هذه العبارة على شخص رب المجد يسوع في لحظات آلامه، حيث حمل خطايانا وقبل أن يدخل إلي الموت لحسابنا، قائلًا: "نفسي حزينة حتى الموت". ويرى البعض أن المتحدث هنا هو داود النبي حيث اضطربت نفسه فيه، فجلس على الأرض، وغطى نفسه بالتراب كعادة بعض الشرقيين قديمًا، كما فعل أيوب (أي20:1) وأصدقاؤه وقت الضيق. إذ قيل: "ورفعوا أعينهم من بعيد ولم يعرفوه فرفعوا أصواتهم وبكوا ومزقوا كل واحدٍ جبته وذروا ترابًا فوق رؤوسهم نحو السماء" (أي12:2). ربما شعر المرتل أنه قد التفَّت حوله حبال الخطاة، واشتدت به التجربة جدًا وأن خطيته هي السبب، أحدرته كما إلي التراب، وكأنه يردد كلمات الرسول بولس: "ويحي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت؟!" رو24:7. فكشفت ضيقته الخارجية عن ضعفاته الداخلية. ولعل صرخة المرتل هنا هي من أجل الضيقتين معًا، ضيقة الضعف الداخلي مع الضيقة الخارجية. يعترف المرتل قائلًا: إن نفسه لم تعد بعد ملتصقة بالرب كما كانت قبلًا. إذ وجد نفسه ساقطًا في الخطية، التصقت نفسه بالتراب بفعل الخطية. لقد دمرت الخطية مكانتها وحطمت علوها الطبيعي. حقًا أن كل نفسٍ خاطئة تكون "ملتصقة بالتراب". (لذا قيل) "وراء الرب إلهك تسير، وتلتصق به" تث4:13؛ 13:6؛ 30:10؛ هذا ما قيل في الشريعة. يرى المرتل نفسه وقد انحدرت نحو القبر لتلتصق بالتراب فتصير مأكلًا للحية القديمة، إبليس، إذ قيل: "على بطنكِ تسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك" تك14:3، لذلك صرخ إلي الكلمة الإلهية لكي يحمله بروحه القدوس من القبر، وينفض عنه التراب، ويهبه الحياة الجديدة المرتفعة نحو السماويات، فلا تقدر الحية أن تقتنصه وتبتلعه! من يقدر أن ينفض عنا الالتصاق بتراب هذا العالم إلا كلمة الله واهب الحياة والحرية؟! لقد وعد الله: "أنا أميت وأحيي" (تث 39:32). ويقول السيد المسيح: "أنا قد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو 10:10). التمتع بهذه الحياة المقامة تحتاج إلي صراحة ووضوح وانفتاح من جانبنا، فبقدر ما ينفتح قلبنا على كلمة الله ونعترف بطرقنا المنحدرة إلي الهاوية يفتح الله عن بصيرتنا فننعم بأسراره وعجائبه معنا. * إن كنا نتطلع إلي العالم كبيتٍ واحدٍ عظيم، فإننا نرى السماوات تمثل القبو، والأرض تمثل الممر. إنه يريد أن ينقذنا من الأمور الأرضية، لنقول مع الرسول: "مواطنتنا هي في السماء". فالالتصاق بالأرضيات هو موت للنفس، عكس الحياة التي يصلي من أجلها قائلًا: "أحيني"! القديس أغسطينوس يروي لنا ثيؤدورت كيف استخدم الإمبراطور ثيؤدوسيوس هذه العبارة عندما أصدر قانونًا كان الكثيرون ضحية له، وجاء إلي الأسقف إمبروسيوس يقدم التوبة. فقد أخبرالأسقف إمبروسيوس روفينيوس أنه قد عزم على منع الإمبراطور ثيؤدوسيوس من الدخول إلي المقدسات ولو كلّفه الأمر تسليم حياته للموت، وكان الإمبراطور قد تحرك بالفعل... إذ أبلغ روفينيوس رسالة الأسقف إمبروسيوس قال الإمبراطور: "ساذهب وأقبل العار الذي استحقه..." وإذ التقى بالأسقف قال: "إنني لا انتهك القوانين الموضوعة، ولا اطلب أن أعبر إلي المقدسات، لكنني اطلب منك الحِل، واضعًا في اعتبارك مراحم ربنا جميعًا، ولا تغلق أمامي باب سيدنا المفتوح لكل التائبين. طلب الأسقف منه تأجيل القانون ثلاثين يومًا حتى يُدرس الأمر جيدًا، ولا يسقط ضحايا بلا ذنب، وإذ نفذ الإمبراطور يقول ثيؤدريت: [الأن جاء الإمبراطور الأمين بجسارة إلي داخل الهيكل المقدس، لكنه لم يُصل لإلهه واقفًا، ولا حتى راكعًا، بل كان منبطحًا على الأرض وهو ينطق بصرخات داود: "التصقت نفسي بالتراب فأحييني حسب كلمتك"1. 2. الوصية والاعتراف المفرح مارس داود النبي الاعتراف بِشقَّيه كعادته: اعترافه بخطيته أو بضعفه الشديد حتى بلوغه تراب القبر، واعترافه بعمل نعمة الله الواهبة الخلاص العجيب. في سرّ التوبة والاعتراف نعلن عن موتنا بخطايانا وقيامتنا بعمل الله العجيب، أو بمعنى آخر سلوكنا في طريقنا الذاتي هو انطراح في تراب القبر، وقبولنا طريق الرب هو تمتع بعجائبه. لهذا يعترف داود النبي، وقد فتح أعماق قلبه أمام الله، قائلًا: "أخبرت بطرقي فاستجب لي، علمني حقوقك، وطريق عدلك فهمني، فأتلو عجائبك" [26،27]. يقدم المرتل قضيته بكاملها أمام الله، فهو وحده القادر إن يسمع لشكواه ويستجيب، ويحول حياته إلي عجائب. ربما يقصد بالعجائب هنا تقبله تعزيات إلهية لا يُنطق بها، وتعزيات سماوية لا يُعبر عنها؛ هذه التي تحول حياته كما إلي أعجوبة... حيث تتجدد حياته باستمرار. يقدم المرتل كل تفاصيل أموره أمام الله لكي يتعرف على أرادته الإلهية. * من يسلك بمشيئات جسده في طريق شهواته فذاك يمشي حسب طرق إرادته، وأما من يتجنب المعاصي فهو يمشي طريقًا مؤدية إلي الله، فيستجيب له الرب عند طلبه المغفرة، ويهديه إلي عدله، ويعلمه بره، ويفهمه طريق وصاياه، ويجعله مفكرًا بعجائبه. أنثيموس أسقف أورشليم * عندما نسلك حسب شهوات جسدنا وحسب أفكارنا (أف 3:2)، فإننا نسلك حسب طرقنا. وبالعكس عندما ننفصل عن الخطية، ونكرس أنفسنا للرب طالبين منه أن ينقينا، وأن نسلك في طرقه (تث12:10)، عندئذ لا نسلك قط في طرقنا الخاصة، بل نسير في طرق الرب، ونتقدم فيها. يوجد ذات الفكر في الكلمات: "قلت اعترف لك بذنبي" مز 5:32. بهذا أوضح طرقي (الخاصة)، معترفًا إنني مذنب إليك (أم 17:18)، لهذا سمعتني وقبلت توبتي. أتوسل إليك أيضًا أن تكون سيدًا تحكم فيّ بأحكامك، لأنه لا يستطيع أحد أن يتممها بدقة إلا أنت يا رب هذه الأحكام وسيدها. العلامة أوريجينوس * "أوضحتُ (أخبرت) طرقك"، أي الطرق التي تقود إليك، الطرق التي تقود إلي الفضائل. لقد أوضحتها يا سيد بأعمالي، وبالنية المملوءة غيرة، والأعمال التي تتناسب مع هذه النية وهذا المقصد. "فسمعتني"، وأقول للذي سمعني: "علمني حقوقك". القديس ديديموس الضرير * جاء في بعض النسخ "طرقك"، لكن النص الأصح اليوناني جاء "طرقي"، أي طرقي الشريرة. يبدو لي أنه يقول هكذا: أعترف بخطاياي، وأنت تسمع لي حيث تغفرها لي. هكذا علمني أن أعمل، وليس فقط أن أعرف ما ينبغي أن أعمله. فكما يُقال عن الرب إنه لا يعرف خطية، ويفهم من ذلك أنه لا يفعل خطية، هكذا يليق بالحق أن يقال أن من يفعل البر يعرف البر. هذه هي صلاة من هو ينمو في تقدم. القديس أغسطينوس إذ نرفض طرقنا الذاتية ونقبل مسيحنا "الطريق" الملوكي ننال عطية المعرفة أو الفهم، التي تنمو دائمًا بطلبنا إياها وبحفظنا إياها أو سلوكنا فيها. وكأنه بقول المرتل: "وطريق عدلك فهمني، فأتلو (احفظ) وصاياك" [27] يعلن عن حاجتنا إلي الطلبة المستمرة لنوال الفهم وإلي تقدير الموهبة بحفظ الوصية أو ممارستها عمليًا. لأن ممارستها يحمل شهادة لها أمام الغير كما يعطينا فرصة للنمو فيها. إذ تمتع الرسول بولس بالفهم تحدث عن البر والدينونة العتيدة، لا حديث الفلسفة النظري، وإنما حديث الخبرة الحية، لذلك ارتعب أمامه الوالي (أع25:24). هذا ويترجم أكيلا كلمة "أتأمل" "احفظ" أما سيماخوس فيترجمها "أقص" أو "أتلو". * لنفهم هذا النص هكذا: "تعلموا فعل الخير" إش 17:1، بعد تعلم الوصايا، فإن هذا يليق بمن أدرك طرقها، أي أن العمل بالوصية يتلاحم مع فهم مقاصدها. القديس ديديموس الضرير * أستطيع إدراك "طريق" أسرار وصاياك، إذ نلت منك "الفهم"، وذلك لكي أسلك هذا الطريق واتمتع بفهم "العجائب". بهذا أخبر بوصاياك وأتحدث عنها خلال حفظي مقاصدها. العلامة أوريجينوس 3. الوصية والتحرر من الحزن القاتل "نعست نفسي من الحزن، فثبتني في أقوالك" [28]. إن كانت الوصية تسند الإنسان حتى في لحظات ضعفه، فيعترف بخطاياه ويخبر بنعمة الله الواهبة برَّ المسيح العجيب، فإنها تسند النفس في لحظات نعاسها أو فتورها أو رخاوتها أو حزنها لكي تتيقظ وتتشجع وتقوى على الجهاد، وقد جاءت كلمتا "نعست نفسي" بترجمات متباينة. لعله قد عانى المرتل من حالة إحباط شديدة في فترة معينة، لهذا صرخ إلي الله ليهبه الرجاء المفرح لمواعيده الإلهية وأقواله. * يعلم (المرتل) أننا لا نستطيع أن نطرد روح "الحزن" إلا عن طريق التأمل في التعاليم الإلهية، لهذا يجب أن نكون يقظين كما قال: "اسهروا وصلوا" مت 41:26. البابا أثناسيوس الرسولي * "نعست نفسي من الحزن"، "قطرت نفسي من الحزن" تقول الترجمتان الخامسة والسادسة: "قطرت نفسي بقطرات" ويترجمها سيماخوس: "سالت نفسي بقطرات"... فهو يريد القول بأنه إذ تكون النفس في حالة حزن وأسى وألم تفقد يقظتها، وتسقط في النعاس المُنهي عنه في القول: "لا تعطي عينيك نومًا، ولأجفانك نعاسًا" أم4:6. أما من يأخذ بالنص الذي يشهد له أغلب المترجمين: "سالت نفسي بقطرات من الحزن" فيؤكد أن نفس الصديق هي منيعة وشديدة الاحتمال، لا تسمح أن تسيل منها قطرة، أما نفس الشرير فتختلف تمامًا عن نفس الصديق، إذ لا تقدر أن تخفي بداخلها كلمة الرب التي نثقفها بها. يمكننا القول بأنها تسيل "بقطرات". توجد هذه الفكرة أيضًا في سفر الأمثال: "يا ابني، لا تسيل جانبًا؛ لا تبرح هذه من عينيك" أم21:3. وفي رسالة بولس الرسول إلي العبرانيين: "يجب أن ننتبه أكثر إلي ما سمعنا لئلا نُسأل جانبًا" عب1:2. من جهة أخرى يصلي قائلًا: "أقمني حسب كلامك"، أي اجعلني راسخًا، ثابتًا في أقوالك وأن أكون غير مزعزع ولا متغير بأية وسيلة. العلامة أوريجينوس * بما أن النعاس هو بدء النوم، أي فتور في الحواس وتراخي لها، لذا استخدمه النبي تشبيهًا لبدء الخطية .. أنثيموس أسقف أورشليم * ماذا يعني "نعست"؟ إلا أنه قد يرد الرجاء الذي يود أن يبلغ إليه. القديس أغسطينوس * في تعبير يثير الإعجاب يوجز داود كل مضار ذلك المرض في عبارة واحدة: "نعست نفسي من الحزن"، أي من النكبة. حقًا لا يقول أن جسده بل نفسه قد نعست، لأنه في الحقيقة النفس التي تُجرح بثقل الهوى تنام وسط التأمل في الفضائل1. القديس يوحنا كاسيان * من يحب الحق ولا يتفوه قط بكلمة كذب يمكنه القول: "اخترت طريق الحق"، ومن يضع أحكام الرب أمام عينيه ويتذكرها في كل كلماته يقول: "أحكامك لم أنسَ". يوسابيوس القيصري * الاسترخاء هو بداية النوم، هكذا نقول عن النفس عندما تبدأ أن تخطئ بأنها قد استرخت. كما لو كانت النفس قد انجذبت إلي نعاس الخطية، وعليها أن تقوم وتستيقظ بتذكرها الصلاح. يوسابيوس القيصري 4. الوصية والتحرر من روح الكذب إن كانت الوصية تسند النفس الخائرة التي استسلمت للنعاس أو صارت تسيل كما بقطرات، فمن جانب آخر تحفظها من روح الكذب الذي هو روح إبليس، وتهبها روح الحق الذي هو روح المسيح، فلا تخزى. "طريق الكذب ابعد عني، وبشريعتك ارحمني" [29]. * كان في استطاعته أن يقول: "ابعدني عن طريق الكذب". لم يقل هذا بل قال: "طريق الكذب ابعد عني"، لأن هذا الطريق هو في داخلي، هو كائن فيّ. حقًا كلما كنا أشرارًا يكون "طريق الكذب" في داخلنا. يلزمنا أن نبذل كل الجهد حتى نترك هذا الطريق خارج نفوسنا، طالبين على وجه الخصوص معونة الرب. عندئذ يمكننا القول: عندما تبعده عنا "بشريعتك ارحمني"، طالبين رحمة الله بالشريعة التي وهبنا إياها. وذلك كما نقول لطبيب: لتعمل حسبما يستلزم الفن الخاص بالطب الذي يقودني إلي الصحة ويهبني الشفاء، سواء باستخدام المشرط أو الكي أو أية وسيلة مؤلمة يتطلبها الطب وقوانينه (تشريعاته)... مادام طريق الكذب لم يُبعد عنا بعد لن نحصل على رحمة الله حسب شريعته. العلامة أوريجينوس * من يبتعد عن طريق الكذب ويقترب من "شريعة" الله بإرادته، يكون كمن يريد أن تكون عوارضه سليمة تمامًا ومؤيدة بالرب. هذه هي الشريعة التي تقود إلي إتمام كل الخيرات. من يبغض الجهل تصير فيه رغبة مضادة لذلك الطريق وهو العلم. من يعجز بنفسه أن يبتعد عن الجهل فليستند على الإيمان (الحق)، طالبًا من معلمه: أبعدني عن الجهل، وبعلمك وشريعتك ارحمني. القديس ديديموس الضرير لقد تكررت كلمة "الكذب" ثمان مرات، وهي سمة الحياة الخاطئة. لا يكفي الجانب السلبي وهو انتزاع طريق الكذب أي إبليس ومملكته من القلب، إنما يلزم الجانب الإيجابي وهو التمتع بالسيد المسيح حيث مملكته: "طريق الحق" وفي بعض الترجمات: "طريق الإيمان". "اخترت طريق الحق (الإيمان) وأحكامك لم أنسَ" [30]. كلمة "حق emunah" جاءت مشتقة من aman، تعني "يثبت، لا يتغير، يستقر، يثق، يؤمن". فالناموس الإلهي مستقر وثابت وأكيد ومدبر كل الأمور وذلك بسلطان الله الذي لا يكذب ولا يخدع1. * ينطق بهذا من يحتقر الأمور المنظورة أي الأمور الزمنية الزائلة، ويتطلع إلي غير المنظورات كأمورٍ أبدية (2كو18:4)؛ فلا يتكلم إلا عنها، وإليها يريد أن يذهب. فإن "طريق الحق" ليس بالطريق الذي يختاره من ينشغل هنا على الأرض بالغنى والمجد الأرضي. من يختار أن يسلك في "طريق الحق" بالمعنى الذي فسرناه، لا ينسى أحكام الله ولا مكافأته. العلامة أوريجينوس اختياره طريق الحق وتذكره الدائم لأحكام الرب يثبته في شهادات الرب. إن كانت الوصية تدفعنا إلي الصراحة مع أنفسنا، فنعترف بطرقنا ونتوب عن خطايانا، فإنها تكشف عن نعمة الله العجيبة التي تحول ضعفنا إلي قوة، وانشغالنا بالتراب إلي التأمل في الإلهيات. بهذا تنتشلنا الوصية من الخطية المحطمة للنفس بالغم وتحررنا من الحزن القاتل، وكأنها تقيمنا من حالة النوم والرخاوة إلي بهجة العمل في ملكوت الله. "لصقت بشهاداتك يا رب، فلا تخزني" [31]. إذ سبق فصرخ المرتل يشكو نفسه، قائلًا: "لصقت بالتراب نفسي" [25] طالبًا من الله أن يقيمه من تراب القبر، ويهبه الحياة المقامة. الآن يطلب الالتصاق بشهادات الرب لكي يثبت في هذه الحياة الجديدة التي في المسيح يسوع. * من يتحد بالكلمات المُسلمة من أجل شهادة السماء والأرض (لله)، ولا يبتعد عنها قط تصير له ثقة أنه مهما ارتكب من تصرفات تستوجب الخزي (بسبب ضعفه البشري) يطلب من الله المغفرة، قائلًا: "يا رب لا تخزني". مثل هذا يستحق أن يسمع الله قائلًا له: "أنظر، قد محوت كغيمٍ ذنوبك، وكسحابةٍ خطاياك” إش22:44. إنه لن يمتلئ خزيًا، لأن الكلمة الإلهية (الفضيلة) الحالة في نفس الإنسان الذي أخطأ تمحو كل الخطايا السابقة تمامًا، وتمنحها الغفران من الخطايا. يحل العدل عوض الظلم، والزهد والعفة عوض النجاسة، والشجاعة عوض الجبن، والتعقل عوض الجنون، وبهذا يتحقق غفران الخطايا الذي من أجلها جاء ابن الله لكي يهبنا إياها. العلامة أوريجينوس 5. الوصية والقلب المتسع إن كانت الخطية تحدر النفس إلي تراب القبر [25]، فتصير النفس كما في نعاسٍ دائم [28]، تسلك في طريق الظلم والموت [29]، ويحل بها الخزي والعار [31]، فإن عمل الكلمة الإلهي هي الإقامة من تراب القبر، وتقديم المعرفة السمائية وتحقيق عجائب إلهية، فتحيا النفس في طريق الحق بالإيمان وتنتقص من العار، وتتسع بالحب لله وخليقته السماوية وأيضًا الأرضية. إنه يدخل بها إلي الطريق الضيق بقلبٍ متسعٍ، على عكس الخطية التي تدخل بنا إلي الطريق الرحب المتسع بقلب ضيق. "في طريق وصاياك سعيت (جريت) عندما وسعت قلبي" [32]. * إن طريق وصايا الله ضيقة، وأما قلب من يجري فيها فرحب ومتسع، لأنه مسكن الآب والابن والروح القدس، يسلكها جاريًا بقلب متسع... وأما طريق مساوئ الأشرار فمتسعة وقلوبهم ضيقة، لأنه لا موضع لله فيها. أنثيموس أسقف أورشليم * الطريق الذي يؤدي إلي الحياة ضيق وكرب (مت 14:7)، وأما القلب الذي يطوف فيه بجولة حسنة، أي في طريق وصايا الله، فمتسع ورحب بالكلمة الإلهية، وهو مقدس ويرى الله. وعلى العكس الطريق "الواسع والرحب يقود إلي الهلاك" (مت 13:7). أما القلب (الذي يسلكه) فضيق، لا يقبل أن يقيم فيه منزلًا للآب والابن (يو 23:14)، بل يتجاهل الله بسبب جهالته. هذا الإنسان يجعل قلبه ضيقًا بسبب قساوته. لنتأمل أيضًا كيف يعلمنا سليمان أن نسجل الكلمات الإلهية على لوحي قلبنا (أم 4:3؛ 3:7؛ 20:22)، معلنًا بأن "الحكمة تنادي في الخارج، في الشوارع تعطي صوتها" (أم 20:1). بقوله "الخارج" لا يقصد الحديث عن الشوارع بل عن القلوب، لكي يوسعها الله... العلامة أوريجينوس * يليق بقلوبنا أن تتسع وتنفتح قدر الإمكان حتى لا تضيق عليهم في حدود الجبن الضيقة وتمتلئ بطاقة الغضب الهادر، فنصير عاجزين عن نوال ما يدعوه النبي "الطريق الرحب" لوصية الله في قلوبنا الضيقة، أو أن نقول مع النبي: "في طريق وصاياك سعيت عندما وسعت قلبي"1. الأب يوسف * ما كان يمكنني أن أجري (في طريق وصاياك) لو لم توسع قلبي... أتستطيع أن تفعل ذلك بنفسك؟ يجيب: "لا أستطيع" إنه ليس خلال إرادتي الذاتية كما لو كانت ليست في حاجة إلي معونتك، بل لأنك وسعت قلبي. توسيع القلب هو بهجة ننالها في برٍ. هذه عطية الله، أثرها أننا لا نتضايق من وصاياه خلال الخوف من العقوبة، بل يتسع القلب خلال الحب والبهجة التي لنا في البرّ. القديس أغسطينوس الوصية واهبة الحياة إذ يشعر المرتل أن الخطية قد نزلت به ليلتصق بالتراب في قبرٍ مظلمٍ، يطلب الوصية الإلهية ليلتصق بالمخلص كلمة الله واهب الحياة. 1. يستنجد المرتل بالوصية لكي تُرفع نفسه من التراب [25] حتى لا تبتلعه الحية (تك 14:3). 2. التوبة والاعتراف هما الطريق الآمن بقبول عمل الكلمة واهب الحياة [26]. إذ نتحدث مع الله في صراحة عن ضعفاتنا يحدثنا بصراحة عن عجائبه وأسراره، بانفتاح قلبنا نكشف ما لدينا، وبانفتاح قلبه يكشف لنا ما لديه من جهتنا. 3. يرافق التوبة حزن لكنه يهب سلامًا داخليًا وفرحًا بالرب، أما الخطية فتحطم النفس بالغم الداخلي واليأس... فالوصية الإلهية تنزع عنا الحزن القاتل وتحررنا منه. 4. بالوصية نتحرر من روح الكذب أو طريق الكذب الذي ثبت جذوره فينا، ليحتل طريق الحق موضعه [29، 30]، نتحرر من عبودية إبليس لنقبل ملكوت المسيح. 5. بالوصية تتحرر النفس من الالتصاق بالتراب لتلتصق بشهادات الرب [31]. 6. بالوصية نقبل الطريق الضيق باتساع قلبٍ عوض قبولنا بالخطية الطريق الرحب بقلب ضيق. من وحي المزمور 119(د) وصيتك هي حياتي! * دخلت بي خطيتي إلي القبر وهناك دفنتني، كلمتك ترفعني من التراب، وتهبني الحياة الخالدة. بوصيتك اكتشف موتي واعترف به. وبها أدرك ما يجب أن أعمله، وتهبني قوة للعمل، وبها أعترف بقوة قيامتك يا واهب الحياة! * فقدت حياتي إذ حلّ بي حالة إحباط، نعست نفسي من شدة الحزن.من يقدر أن يهبني الحياة إلا الرجاء المفرح الذي تبعثه وصيتك؟! استرخت نفسي ونامت نوم الخطية، لتيقظها وصيتك وتقمها بالبهجة يا أيها القيامة! * حطمني الكذب، طريق الباطل والجهالة،لتقترب مني شريعتك، طريق الحق والمعرفة. من يرتبط بطريق الباطل يصير باطلًا، ومن يلتصق بطريق الحق يحيا بالحق إلي الأبد! * بالخطية صارت نفسي قبرًا ضيقًا،بوصيتك المتسعة تتسع نفسي بالحب لتسع الكل! طريق الخطية واسع، لكنه يهب قلبي ضيقًا بالآخرين، وطريق وصاياك ضيق، يهب نفسي اتساعًا للجميع. |
||||
21 - 03 - 2014, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 125 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ه - تفسير سفر المزامير 5 - هـ اهدني في سبيل وصاياك[33-40] كلمة الله الواهبة الحياة المُقامة بعد موت الخطية هي القائد الحقيقي للقلب. فالكلمة الإلهي وحده قادر أن يدخل إلي أعماق النفس، يهبها الاتساع والرحابة وسط ضيق هذا العالم، ويقودها في طريق الحب عوض الظلم، والحق عوض الباطل، ومخافة الرب عوض خوف الناس، ومجد برّ المسيح عوض عار الخطية، وعذوبة أحكام الله عوض ملذات الزمنيات.يقود الكلمة الإلهي النفس الداخلية ويوجه كل طاقاتها، لكن المؤمن لا يقف في سلبية، إنما يتجاوب مع عمل الكلمة فيتبعه ويهواه ويتجاوب معه. 1. الرب واضع الناموس 33. 2. الرب واهب الفهم 34. 3. الرب هادي النفس 35. 4. يخرجها من طريق الظلم 36. 5. ينير العينين بالأبديات 37. 6. يهبها المخافة الإلهية 38. 7. ينزع عنها عار الخطية 39. 8. يهبها عذوبة الروح 40. من وحي المزمور 119 (ه) 1. الرب واضع الناموس "ضع لي يا رب ناموسًا في طريق حقوقك، فأتبعه كل حين" [33]. لماذا يطلب المرتل من الرب أن يضع له ناموسًا في طريق حقوقه؟ أما تكفي الشريعة التي بين يديه التي سلمها الرب لموسى النبي؟ إنه يقدم صلاة لكي يتسلم الله قيادة حياته، قيادة شخصية، قادرة أن تهب النفس حرية الحركة وتقدم لها عذوبة في تنفيذ الوصية. أ. لقد سلم الرب البشرية ناموسه خلال كنيسته سواء في العهد القديم أو العهد الجديد، لكن تبقى هناك حاجة أن يتمتع كل عضو بناموس الله بصفته الشخصية، كرسالة تمس حياته دون انفصاله عن الجماعة، لهذا يقول المرتل: "ضع لي". كأنه يقول: "لتخصني يا رب بناموسك عاملًا فيَّ أنا شخصيًا". ب. لعل المرتل كان يتطلع إلي ناموس المسيح، ناموس العهد الجديد، بكونه ناموس الحرية القادر أن يطهر الداخل، ويحقق الحياة المُقامة للإنسان الداخلي. ج. لا يعني بكلمة "ضع" هنا أن يُشرِّع قوانين جديدة وإنما يدخل بوصيته عاملة في حياته، فيصير ناموس الرب بالنسبة له قانون حياته الداخلية الطبيعي والعذب. بمعنى آخر تصير الوصية ليست أمرًا ونهيًا إنما عطية ووعدًا حينما يضع الرب ناموسه بنفسه في النفس إنما يهبها القوة على الحياة به. لهذا يقول المرتل: "اتبعه كل حين"، إذ يصير الناموس الإلهي قانون حياته، فلا تنحرف حياته قط عنه! * يعلمنا (المرتل) أن طريق الحق يحتاج أن يضعه الله ويفحصه (يتأمله) الناس. يطلبه لا لمدة قصيرة بل "كل حين"، كل أيام حياته... أنثيموس أسقف أورشليم * للذين يؤمنون بالمسيح ويكونون تحت قيادته طرق كثيرة يلزمهم أن يسلكوها قبل الدخول إلي الأرض المقدسة، فإنهم بعد أن يخرجوا من مصر ويعبروا كل هذه المراحل الواردة في الكتاب المقدس يستريحون. "هذه رحلات بني إسرائيل... حسب قول الرب" (عد 1:33، 2). من الذي نظَّم السبل التي يجب أن يسلكها بنو إسرائيل في هذه المراحل؟ من إلاَّ الله؟ لقد نظمها بعمود النار والسحابة المضيئة... الأن، تأمل فإن نفس الشيء يحدث روحيًا في مسيرتك، إذا خرجت من مصر، وكنت قادرًا أن تتبع المخلص يسوع (يشوع) الذي يدخل بك إلي الأرض. يبدو أن موسى (الناموس) هو القائد لكن كان يشوع متواجدًا بجانبه دون أن يقود علأنية. انتظر لكي يقود موسى إلي اللحظة التي فيها يكمل زمانه، عندئذ يأتي ملء الزمان (غل 4:4) ويقود يسوع... يتسلم يسوع تعلىم الشعب ويقدم وصاياه علنًا. إذن فلنسلك فيها ونصلي قائلين: "ضع لي يا رب ناموسًا، في طريق حقوقك، فاتبعه كل حين" [33]. إنني أسعى (اتبعه) مادام يوجد "طريق الحقوق". إنه ليس بالطريق السهل، ولا يحتاج إلي يومين أو ثلاثة أيام أو حتى عشرة أيام، إنما في الواقع إلي كل أيام الحياة لعلى أجد طريق حقوقه. وبنفس الكيفية أحتاج أن أجد "طريق الشهادة": "فرحت بطريق شهاداتك مثل كل غنى" [14]؛ كما يوجد "طريق الوصايا": "في طريق وصاياك سعيت عندما وسعت قلبي" [32]. كل هذه الطرق هي في أصلها طريق واحد، وهو ذاك الذي يقول: "أنا هو الطريق" (يو 6:14). لنسلك إذن في كل هذه الطرق حتى نبلغ غايتها وهو "المسيح". العلامة أوريجينوس * ماذا يعني "كل حين"...؟ هل تعني كل حين، "مادمنا نحيا هنا"، حيث ننمو في النعمة على الدوام، أم بعد هذه الحياة فمن كان قد عاش في حياة فاضلة يصير كاملًا هناك...؟ * هنا يُفحص ناموس الله مادمنا نتقدم فيه، ذلك بتعرفنا عليه وبحبنا له، أما هناك فننال كماله لمتعتنا، لا لامتحاننا. هناك لا نطلب أن نبحث عن وجه الله، إذ نراه وجهًا لوجه. هنا يُبحث عنه لكي نتمسك به، أما هناك فلا نجاهد لئلا نفقده. القديس أغسطينوس كثيرون يقومون بدور التعلىم والهداية، لكن واحدًا يقدر أن يدخل أعماق القلب ويقدم له ناموس الحب ويهبه إمكانية العمل، لهذا صرخ إليه المرتل طالبًا أن يقوم بهذا الدور فيتبعه قلبه في طاعة كاملة. يتعامل المعلم مع تلاميذه لا على مستوى الأمر والنهي، وإنما على مستوى الحب والتقدير... يطلب الطاعة لوصيته وفي نفس الوقت يعطي فهمًا حتى نقبل الوصية بفرحٍ، عالمين بركاتها وفاعليتها في حياتنا. 2. الرب واهب الفهم إن كان الرب هو نفسه الطريق، يدخل بنا إليه، ويثبت فينا كي نتبعه كل أيام حياتنا بلا تراخٍ، فإننا نحتاج إليه ونحن فيه أن يهبنا "الفهم" لنلهج في الوصية ونتأملها ونفحصها نهارًا وليلًا بفكر مستنير وقلب متسع بالحب. "فهمني (اعطني الحكمة) فافحص ناموسك، واحفظه بكل قلبي" [34]. يهبنا الرب نفسه الفهم لندرك أسراره، والقدرة لنحفظه في قلوبنا بلا انحراف. كأنه يقول مع أليهو: "هوذا الله يتعإلي بقدرته، من مثله معلمًا؟!" أي 22:36. وفي نفس الوقت يعد المرتل بأنه سيكون تلميذًا أمينًا لمعلمه الإلهي إذ يحفظ ناموسه بكل قلبه ولا ينقسم بين تلمذته لمعلمه وحبه للعالم، بل يكرس كل طاقات قلبه لله. * اعطني الحكمة حتى أستطيع أن اختبر شريعتك عمليًا بانتباه لائق بها، وهكذا يمكنني أن أستلم من هذه الشريعة الممارسة العملية. اعطني الفهم الذي يخص العمل والتأمل، بهذا أستطيع أن "أحفظها بكل قلبي"، واقترب إليها دون ترددٍ. إن كان يلزم الحكمة لفهم الشريعة، فأية حكمة يلزم أن يهبها الرب للمرتل حتى يكتشف فيها غايتها وهدفها؟ العلامة أوريجينوس * لكي نعرف ناموس أعماق الله، والأسرار المختبئة فيه يلزمنا أن يكون الرب معلمًا. يلزمنا أن نتجه نحو الرب ونطلب منه: "اعطني الحكمة فأفحص ناموسك"، وأن نعده في نفس الوقت: "وأحفظه بكل قلبي". يوسابيوس القيصري كثيرًا ما كان يلجأ العلامة أوريجينوس إلي الشعب لكي يشتركوا معه في الصلاة فيهبه معلمه السماوي روح الفهم، بروحه القدوس واهب الاستنارة. * بخصوص هذا السؤال، إذا ما استجاب الرب صلواتكم فوهبني الفهم، وإن كنا على الأقل مستحقين لقبول معنى الرب، عندئذ سأتحدث معكم بكلمات قليلة...1 العلامة أوريجينوس * الرب هو الروح. يلزمنا أن نصلي إليه ليرفع عنا برقع الحرف ويزهر لنا بهاء روحه2. العلامة أوريجينوس ربما يمكن للإنسان أن يحفظ الناموس في شكله الحرفي أو الظاهري، لكن الله وحده القادر أن يغير القلب ليحفظ الناموس بالروح في الأعماق بكمال حبه. 3. الرب هادي النفس "اهدني إلي سبيل وصاياك فإني إياها هويت" [35]. لا تكتفي النفس بالتمتع بالفهم الإلهي لفحص ناموس الرب ولا بالقوة لحفظه بكل القلب [34] إنما تحتاج أن يمسك الله بيدها ويقودها بنفسه إلي سبيله الذي تُسر به هي. إنه لا يقودها بغير أرادتها، لكنه يقودها كطلبها ومسرتها. لعله كان يصلي إلي الله لكي يريد وأن يعمل الصلاح. وكما يقول الرسول بولس: "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته" في 13:2. * هذا يعني أنه يريد الشريعة والطريق، إذ يوجد "سبيل الوصايا"... سبيل السلوك، هذا الذي سلكه كثير من الأبرار قبلنا، لكن ما لم نأخذ الرب مرشدًا لنا لا نستطيع أن نسلك حسب وصاياه. يلزمنا أن نقتدي بالمسيح (أف1:5؛ 1تس6:1) وأن نحمل صليبنا ونتبعه (مت 38:10؛24:16). العلامة أوريجينوس * رغبتي لا حول لها ولا قوة ما لم أنت بنفسك تسير بي حيثما أرغب. هذا بالتأكيد هو السبيل، أي سبيل وصايا الله الذي سبق فقال عنه أنه جرى فيه عندما وسَّع الرب قلبه. هذا دعاه "سبيلًا"، لأن الطريق ضيق الذي يؤدي إلي الحياة؛ ومادام ضيقًا لا يستطيع أن يجري فيه إلا بقلب متسع...القديس أغسطينوس لقد صرخ الرسول بولس: "لأن الأرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد" رو18:7. كأنه يقول: لقد جعلتني مشتاق إلي طريقك، أريد أن أدخله وأتحرك فيه، احملني بنفسك فيه وامسك بيدي لأن إمكانياتي عاجزة عن تحقيق حتى ما أريده من صلاح. يعلن المرتل رغبته الصادقة في الحياة المقدسة، واستعداده للعمل، لكنه لا يقدر أن يبدأ الطريق ولا أن يسلك فيه بدون نعمة الله، ليقول مع الرسول: "الله هو العامل فينا"، "لكي نريد ونعمل من أجل مسرته". 4. الرب يخرجنا من طريق الظلم والطمع "أمل قلبي إلي شهاداتك لا إلي الظلم (الطمع)" [36]. إن كان المرتل قد سبق فأعلن أنه إنما يهوى سبيل أو طريق الرب [35] لكنه لا يأتي بنفسه أو قلبه، طالبًا من هاديه الإلهي أو مرشده، ليس فقط أن يمسك به وإنما أن يلهب قلبه حبًا، مجتذبًا إياه إلي شهاداته، حتى قبول الموت شهادة لبرّ الله ووصاياه، حافظًا إياه من محبة الأباطيل والزمنيات والطمع والظلم. * بقوله "أمل قلبي إلي شهاداتك" [36] وأردد عيني عن النظر إلي الباطل، يعلمنا اجتناب السوء والتمسك بالخير. نعم، إن هذا في سلطاننا واقتدارنا، لكننا في حاجة إلي معونة الله ومؤازرته. بهذا المعنى يقول ربنا: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 5:15). أنثيموس أسقف أورشليم * ينسب القديسون كل شيء إلي الرب. فلنتعلم أننا لا نستطيع أن نصنع شيئًا بدون الرب؛ يقول الرب: "إن لم تثبتوا فيَّ لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (راجع يو6:15 ،5). ربما يعترض أحد على ذلك، قائلًا: إذ أنسب كل شيء للرب، فماذا يخصني أنا؟ لنفحص في كل موضع ما يخصنا حتى لا يمتزج مع ما يأتي من قبل الرب. يقول: "ضع لي يا رب ناموسًا في طريق حقوقك" [33]. ما يخصنا نحن "أطلبه في كل حين" [33]. مرة أخرى أطلب من الله: "اعطني حكمة فأفحص ناموسك" [34]. مرة ثالثة أطلب: "اهدني في سبيل وصاياك" [35]، ماذا يخصني؟ يشير إلي ما يخصني بالكلمات: "فإني إياها هويت" [35]... لنطلب ما يأتينا من الله لكي نحصل عليه، ولنعده أيضًا بما يعتمد علينا نحن، ولا نتخلى عن وعدنا، حتى لا ننقض الميثاق الذي يربطنا بالرب. هذا ما يقوله المرتل "أمل قلبي إلي شهاداتك لا إلي الطمع" [36]، عالمًا بأن الطمع هو رذيلة ذات نفوذ قوي تؤله مكاسب الأشرار، وقد دعاها الرسول: "عبادة الأوثان" كو3:5. هذا ونتعلم من هذه العبارة أن الطمع لا يتفق مع شهادات الرب. العلامة أوريجينوس يقول أبوليناريوس [إذ يتمسك قلب الإنسان بقوة الشر منذ حداثته (تك 12:8) يحتاج إلي الرب كي يحول قلبه إلي البرّ، بمعنى أن الرب يوجه قوة عزمنا بالطريقة التي بها ينظم الأحداث وذلك بعمل الروح القدس (فينا).] * إن كان قلبنا لا يميل إلي الطمع فإننا نخاف الله وحده لأجل الله، فيكون هو وحده مكافأتنا عن خدمتنا له. لنحبه لأجل ذاته، لنحبه في داخلنا، ونحبه في أقربائنا الذين نحبهم كأنفسنا، سواء كان لهم الله أو من أجل أن يكون لهم الله... * "أملْ قلبي إلي شهاداتك لا إلي الطمع"، لأن قلبنا وأفكارنا ليست تحت سلطاننا. عندما تُصاب بالعمى فجأة تجعل الذهن والروح في ارتباك وتقودهما في موضع آخر غير ما تقصده أنت، تدعوهما إلي العالميات وتدخل بهما إلي الزمنيات وتحضرهما إلي الملذات وتمزجهما بالإغراءات. في نفس الوقت الذي فيه نستعد لنرفع عقولنا إلي فوق تقتحمنا الأفكار الباطلة وننطرح بالأكثر نحو الأمور الأرضية1. القديس أغسطينوس * إنني سأتكلم بما هو نافع، فاقتطف كلمات النبي: "أمل قلبي إلي شهاداتك لا إلي الطمع" [36]، فإن نعمة الكلمة نافعة لا تثير فينا محبة المال2. القديس أمبروسيوس 5. الرب ينير العينين بالأبديات "أردد عيني لئلا تعاينا باطلًا، وفي طريقك أحيني" [37]. يقول القديسالبابا أثناسيوس الرسولي: [اعطيت لنا العيون لكي نري خالقنا في المخلوقات]، لا أن نركز أنظارنا على الأمور الزمنية الباطلة. لأن تركيز أعيننا على الأمور الزمنية المؤقتة تسحب القلوب إليها، فتحبها وترتبط بها، بهذا تتغرب عن الله والإلهيات. لهذا يصرخ المرتل كي يهبه الله بعنايته أن يسحب عينيه بعيدًا عن الزمنيات، وذلك بعمل نعمته الإلهية. إنه لا يغمض أعيننا عن رؤيتها لكنه يهبها أن تعبر عليها سريعًا ولا تركز عليها. * الباطل هو جنون المناظر (الخادعة)، هو التأمل فيما لا يليق، تخيل الفكر الفاسد والمشوش. عرّفه بولس الرسول بوضوح عندما قال: "ببُطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله" أف17:4،18 . لنلاحظ ما يدعى بالذهن الباطل، فإنه إذ ينال الإنسان الذكاء والفطنة فإنه عوض استخدام هذا الذكاء في التأمل في الحق يسلمه لإبليس الذي يقيده... هذا إذًا ما يصلي من أجله المرتل، قائلًا: "أردد عيني لئلا تعاينا باطلًا"، فإن هذا أيضًا هو نعمة من قبل الرب أن يحدث تحول في ذهنه... ويحيا في طريق (الرب)... لأنه هو نفسه الطريق وهو الحياة، إذ يقول المخلص: "أنا هو الطريق والحياة" يو6:14. العلامة أوريجينوس * كل من يصرف وجهه عن الباطل يحيا في طريق الاستقامة الذي هو ربنا القائل: "أنا هو الطريق والحياة"... من يلفت نظره ناحية (الزمنيات) يسلك طريق الموت، ويغترب عن حياة الله كقول السليح (بولس)، ويصيبه ما أصاب امرأة لوط التي التفتت إلي الخلف نحو الباطل. أما من يرد عينيه لئلا تعاينا الأباطيل فيحيا في طريق الله ويسلم من الموت كما سلم لوط. أنثيموس أسقف أورشليم * الباطل والحق يناقضان بعضهما البعض مباشرة. شهوات هذا العالم باطلة، وأما المسيح الذي يحررنا من العالم فهو الحق. هو الطريق أيضًا الذي فيه يرغب هذا الإنسان أن يحيا، لأنه هو أيضًا الحياة. كلماته هي: "أنا هو الطريق والحق والحياة". القديس أغسطينوس * ما هو هذا الباطل، ما لم يكن هو التكريس للغنى والجري وراء الملذات العالمية؟ هذا ما أكده سليمان القائل: "باطل الأباطيل، الكل باطل" جا2:1.1 الأب فاليريان * الآن أيها الإخوة الأحباء، قد استعدنا في المسيح عيون القلب التي فقدناها في آدم. لنقدم الشكر لذاك الذي تنازل لينيرنا فنراه دون استحقاقات من جانبنا. لنجاهد بكل طاقاتنا وقوتنا فبمساعدته نفتح عيوننا على الخير ونغلقها على الشر، حسبما طلب النبي من الرب حيث قال: "أردد عيني لئلا تعاينا باطلًا"2. الأب قيصريوس أسقف آرل * ثم تقول "وكل أباطيلك"؛ والآن كل أباطيل الشيطان هي جنون المسارح وسباق الخيل والصيد وكل أمثال هذا الباطل؛ يطلب القديس من الله أن ينقذه منها فيقول: "حول عيني" عن النظر إلي الباطل" [37]1. القديس كيرلس الأورشليمي لنسلم حواسنا في يديْ معلمنا الإلهي كما نسلمه قلوبنا، فخلال النظر سقط آدم في العصيان وفسد قلبه بالباطل، لهذا يصرخ المرتل طالبًا تقديس عينيه حتى لا تعاينا الباطل، فيتسلل إلي القلب. 6. الرب يهبنا المخافة الإلهية "ثبت قولك لعبدك في داخل خوفك" [38]. إذ تتحول بصيرتنا الداخلية عن الأباطيل إلي الطريق الحق أو إلي الرب "الطريق والحياة"، نطلب من الله أن يثبتنا فيه وفي مواعيده بتثبيت مخافته فينا، لا مخافة العبيد المذنبين والمضطربين، وإنما خوف الابناء الذين يخشون جرح مشاعر أبيهم. * لا تتأسس كلمة الله في أولئك الذين ينزعونها عنهم ويعملون بما يناقضها، إنما تتأسس بواسطة الذين يثبتونها فيهم. القديس أغسطينوس * أريد أن يكون لي خوف مناسب مؤسس على العقل والإدراك... فلا يكون لنا خوف دون إدراك، ولا إدراك دون خوف. العلامة أوريجينوس يقولالقديس أمبروسيوس أنه يمكن بناء بيت الحكمة فقط إن تأسس خوف الله بعمق في النفس. 7. الرب ينزع عني عار الخطية "وانزع عني العار الذي ظننته، فإن أحكامك حلوة" [39]. سبق لنا الحديث عن نوعين من العار: عار الخطية الذي يلحق بنا أمام الله، وعار الصليب الذي يلحق بنا أمام الناس. الأول يعطي غمًا والثاني يبعث في النفس حلاوة! هنا يطلب المرتل أن ينزع عنه عار الخطية، لا تعييرات الناس الباطلة! هذا العار يفقده سلامه مع الله، كما يعثر الآخرين، فيجدفون على الله بسببه. أما نزع العار فيتحقق بإحلال عذوبة الوصية الإلهية في القلب عوض لذة الخطية. * إذ ارتكب النبي الخطية بكونه إنسانًا رأي العار يصاحبه أمام المحاكمة الإلهية بعد القيامة، لهذا يتجه نحو الرب مقدمًا هذه الطلبة... بقوله هذا لا يريد القول: "انزع عارك". حقًا عندما احتمل العار بسبب المسيح (عب 26:11) لا يُحسب هذا عاري بل هو عار المسيح، لكنني عندما أعاني من العار بسبب خطاياي ولا أرجع، يلزمني القول: "انزع عاري الذي ظننته، فإن أحكامك حلوة". العلامة أوريجينوس * إنني واثق أنك تنزع الخزي الذي أخشاه، فإنني متأكد أن أحكامك تزخر بالصلاح والحب للإنسان. القديس ديديموس الضرير يقول المرتل: "أحكامك حلوة"، فإن كلمة الله مشبعة للنفس، هي غذاء مشبع وحلو لها. لهذا يعاتبالعلامة أوريجينوس الشعب الفاتر في سماعه للكلمة، قائلًا: [الكنيسة تئن وتحزن عندما تحضرون إلي الاجتماع لتسمعوا كلمة الله. تذهبون إلي الكنيسة بصعوبة حتى في أيام الأعياد، وحتى في حضوركم هذا لا توجد رغبة في سماع الكلمة... لقد عهد إليّ الرب تقديم نصيب الطعام لأهل بيته، أي خدمة الكلمة، في الوقت المعين... ولكن كيف يمكنني فعل ذلك؟ أين ومتى أجد وقتًا لتصغوا إليَّ؟ تقضون النصيب الأكبر من وقتكم، تقريبًا كل وقتكم في الأمور العالمية غير الروحية، في الأسواق والمتاجر... لا يوجد من يهتم بكلمة الله، بالكاد نجد أحدًا يهتم بها... ولماذا أشتكي غير الحاضرين؟ فحتى الذين هم حاضرون، أنتم لا تصغون1.] العلامة أوريجينوس 8. الرب يهبنا عذوبة الروح "هأنذا قد اشتهيت وصاياك، وبعدلك أحيني" [40]. لم يقف الأمر عند حبه للوصية بل التهاب الحب في القلب ليصير شهوة مقدسة للتعرف عليها وممارستها وتعلىمها. * يقول: إنني إذ اشتهيت وصاياك، فلهذا أحيني حسب عدلك، وكافئني، لا لأني أكملت وصاياك، وإنما لأنني اشتعلت بحب وصاياك... حيث أن عدل (برّ) الآب هو الابن، فإن من يريد أن يحيا في الابن يلزمه أن ينطق بهذه الكلمات: "فيه مُعلن بر الله بإيمان لإيمان" رو17:1. العلامة أوريجينوس * عدل الله كقول السليح بولس هو ربنا يسوع المسيح، لهذا من يحفظ وصايا الله باشتهاء يجد حياة أبدية بواسطة مخلصنا يسوع المسيح. أنثيموس أسقف أورشليم الله القائد والمعلم والهادي 1. الله الذي خلق القلب وحده قادر أن يدخل فيه، ويقدم له ناموسه، ويقوده في طريقه الملوكي [33]، هو قادر أن يهبه الطاعة والأرادة الصالحة، حتى يبلغ النهاية. 2. يهبنا الفهم [34] فندرك أسرار الوصية ونتجاوب معها بتعقلٍ ووعيٍ، بفرحٍ وبهجة قلبٍ. 3. الله وحده يمسك بالقلب ويهديه ويقوده بنفسه إلي سبله التي يُسر المؤمن بها، فهو الذي يهب الأرادة الصالحة كما يعطي العمل الصالح لكن ليس في تراخٍ منا أو تهاون [35]. 4. الله يقودنا في طريق العدل والحب لا الظلم والطمع [36]. 5. الله هو مقدس حواسنا خاصة العينين [37]، فالعين المقدسة تحفظ القلب أيضًا مقدسًا، والعين المتهاونة تتسلل خلالها محبة الأباطيل. 6. الله واهب المخافة رأس كل حكمة حقة [38]. 7. الله يعطي عذوبة للنفس في قبولها أحكام الله حتى إن عيرّها الكل! من وحي المزمور 119 (ه) من مثلك معلمًا يا كلمة الله؟! * قدمت أيها المعلم الإلهي ناموسك لكل شعبك، فلتقمه بنفسك في أعماقي، فأدرك أنه رسالة شخصية موجهة إلي! لتكن أنت قائدي ومهذب نفسي في تنفيذ ناموسك، تظللني كسحابة في النهار، وتضيء على نارًا في الليل. * يوجد معلمون كثيرون ومرشدون بلا حصر، لكن من يقدر أن يدخل إلي قلبي سواك يا كلمة الله؟ من يستطيع أن يحوّل الوصية إلي عمل إلا أنت؟! من يهب قلبي فهمًا فيفحص ناموسك نهارًا وليلًا غيرك؟ من مثلك معلمًا يا كلمة الله؟! * لأصلي من أجل كل كارز بالكلمة ليهبه المعلم السماوي فهمًا، وليصلي كل كارز للمعلم السماوي ليهب شعبه فهمًا. كلمة الله هو معلم الكارز ومهذب السامعين. يعطي للكارز كلمة الحق، وللسامع عذوبة الاستماع. * إمكانياتي ضعيفة تمامًا عاجزة عن تنفيذ وصيتك. أنت معلمي السماوي، تعمل فيَّ أن أريد وأن أعمل لأجل مسرتك. تمسك بيميني فتبعث فيَّ شهوة أحكامك، وتوسع قلبي فأتمم وصاياك. * الطمع يقتلني، ومحبة العالم تهلك نفسي. أمل قلبي إلي شهاداتك، فاستشهد وأموت عن العالم، لأصلب معك لأحيا بك يا معلمي الصالح. * أنر عينيّ فلا تركزان على الزمينات الباطلة، بل تتأملأن صليبك وتبتهجان بقيامتك. افتح عينيّ لا على الشر كما حدث لأبوينا الاولين، بل على معاينة خلاصك. حوَّل ذهني عن العالم إلي ملكوتك. فلا أنظر إلي الوراء وأصير كامرأة لوط عمود ملح. حقًا باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح. |
||||
21 - 03 - 2014, 05:50 PM | رقم المشاركة : ( 126 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة و - تفسير سفر المزامير الشهادة لكلمة الله[41-48] وجد المرتل في الرب نفسه القائد والمرشد، يغرس في داخله ناموس العهد الجديد [33]، ويهبه حكمة وفهمًا [34]، وقوة لحفظه بكل القلب [34]، يميل قلبه إليه لا إلي محبة العالم [36]، ويفتح بصيرته على الحق عوض الباطل [37]، ويهبه المخافة الإلهية، وينزع عنه عار الخطية [38]. الأن ما هي استجابة المرتل لهذا المعلم الإلهي؟ إنه يختبر الخلاص الإلهي النابع عن مراحم الله ونعمته المجانية، لا الصادر عن بره الذاتي، وحمل الشهادة الحقة لإنجيل المسيح حتى أمام معيريه ومضايقيه. يشهد بفمه الذي لا ينطق إلا بالحق، وبحياته كلها حيث يحفظ ناموس الرب في كل حين. يشهد بسعة قلبه وحبه للجميع جنبًا إلي جنب مع شجاعته للشهادة حتى أمام الجميع. وفي هذا كله يرفع يديه على الدوام نحو الوصية التي دخل معها في حالة ودّ، أي صارت له صديقًا حميمًا تسنده في حياته الروحية وتعينه على الشهادة للحق الإنجيلي. 1. الخلاص والشهادة 41. 2. الشهادة والمعيرون 42. 3. الشهادة والثبات في الحق 43. 4. الشهادة وحفظ الوصية 44. 5. الشهادة والحب 45. 6. الشهادة والشجاعة 46. 7. الشهادة والصداقة مع الوصية 47،48. من وحي المزمور 119 (و) 1. الخلاص والشهادة تقوم شهادة المؤمن لعمل الله على تمتعه الشخصي بخلاصه العجيب القائم على حب الله الباذل ومراحمه اللأنهائية. لهذا يبدأ تسبحته هنا الخاصة بالشهادة بطلب الرحمة أو التمتع بالمسيا المخلص. لقد اختبر المرتل مراحم الله الجديدة كل صباح، لكنه كان يترقب بشوقٍ مجيء ابن داود الذي يعلن المراحم الإلهية اللأنهائية خلال عمل الصليب، لذا يناجي الله قائلًا: "ولتأتِ على رحمتك يا رب، وخلاصك كقولك" [41]. ليس هناك من أمان للإنسان أكثر من اتضاعه أمام الله العلى طالبًا مراحمه الإلهية ليتمتع بالخلاص الأبدي. هذا الخلاص الذي يهبه الرجاء في غفران خطاياه الماضية، ويقين في مساندة الله في الحاضر ليسلك في الطريق الملوكي، ويتمتع بعربون المجد الأبدي، مع قوة لمقاومة الشر. * بعد أن ذكر "رحمتك" أضاف على الفور "خلاصك". فإنه إذ تشملني رحمتك أتمتع بعد ذلك بالخلاص. تعبير "رحمة الرب" في حقيقته يعني "الخلاص الذي يعطيه". كان المرتل محقًا إذ لم يبدأ في صلاته بطلب الخلاص الذي يهبه الرب ويلي ذلك رحمته، وإنما أخذ الموقف المضاد. إن كنت قد خلصت فذلك حسب رحمة الرب لا حسب أعمالي الذاتية. العلامة أوريجينوس * يليق بنا أن نتساءل إن كان من الممكن أن يعود هذا كله على كلمة الله المرسل "المسيح"، لأنه هو رحمة الرب وخلاصه. لهذا يلزمنا أن نطلب في الصلاة أن تأتينا رحمة الرب، وخلاصه الذي بحسب رحمته، وهكذا إذ تشملنا الرحمة نخلص. إننا نجيب على الذين سبقوا فعيّرونا بأننا كنا أناسًا محرومين من رحمة الرب وخلاصه. القديس ديديموس الضرير * تُقال الرحمة والخلاص عن ربنا يسوع المسيح الذي لأجل وفرة رحمته تجسد لكي يصنع خلاصًا لجنس البشر. لما أُوحي إلي النبي بأنه سيأتي ابن الله متجسدًا لأجل خلاص العالم صار كما من قِبَلْ الطبيعة البشرية يلتمس ذلك بصيغة التمني، قائلًا: "لتأتِ على رحمتك يا رب وخلاصك كما قلت لأنبيائك". أنثيموس أسقف أورشليم * عما يصلي هنا سوى أنه خلال المراحم المملوءة حبًا لذاك الذي قدم الوصايا يمكنه أن يتمم الوصايا التي يشتهيها؟ القديس أغسطينوس الأن وقد جاء كلمة الله المتجسد وأعلن الرحمة في كمالها، مقدمًا لنا الخلاص المجاني، هل لنا أن نردد ذات الطلبة: "لتأتِ على رحمتك..."؟ لقد جاء السيد المسيح إلي العالم مرة لتقديم الخلاص للعالم كله، وهو يأتي دائمًا ليحل في قلوب مؤمنيه، معلنًا ذاته مخلصًا لكل مؤمنٍ. لهذا يؤكد المرتل "لتأتِ على رحمتك"، فأنا بصفتي الشخصية محتاج إلي رحمتك وإلي التمتع بخلاصك عاملًا فيَّ. مع كل صباح يكون للمخلص دوره الشخصي في حياة المؤمن، حتى ليحسب في كل يوم كأنه يتعرف عليه للمرة الأولى... لكي يشهد المرتل لعمل الله لخلاصي يحتاج إلي الله لا كمعلمٍ وقائدٍ فقط [33-40]، إنما يطلبه كمخلصٍ شخصيٍ له، وذلك من قبيل المراحم الإلهية. لقد شعر المرتل بالجهل فطلب من الله معلمه الفهم والقيادة لأعماقه، وإذ شعر بالخطية يطلب منه المراحم والخلاص المجاني، لا عن استحقاقه الذاتي وإنما حسب قوله، أي حسب وعوده الإلهية التي نطق بها الأنبياء. تمتعه بالمراحم والخلاص يثير عدو الخير عليه لهذا يسأل أيضًا قوة للشهادة في هذا الجو الرهيب. 2. الشهادة والمعيرون كما أن مراحم الله جديدة في كل صباح (مرا 23:3) كذلك يوجد مقاومون ومعيرون في كل يوم، ويحتاج المؤمن إلي الاختفاء في كلمة الله المصلوب، فهو وحده قادر أن يفحم العدو إبليس ويفسد كل حيله الشريرة. يشعر المرتل أن كلمة الله هي سلاحه ضد العدو، وسرّ قوته، وغناه الذي يتمتع به بالإيمان خلال خبرة الخلاص الذي ينعم به بمراحم الله. يقول المرتل: "فأجاوب الذين يعيرونني بكلمة، لأني اتكلت على أقوالك" [42]. * إذ تأتيني رحمتك وخلاصك حسب قولك، أكون قد خلصت، فيصير لديّ كلام به أجيب على معيِّريّ، مظهرًا لهم أن من ينال هذه العقائد لا يكون بحقٍ في عارٍ. يتطلع "الغرباء عن الإيمان" إلي هذه العقائد أنها حماقة، لكنني سأثبت لهم أنها مملوءة فطنة وحكمة. العلامة أوريجينوس * إذ أهلتني لنعمة رحمتك وخلاصك أنقض أقوال الذين يعيرون إيماننا ويمزحون لأجل اتكالنا عليك واستنادنا على أقوالك، ونجاوبهم بكلمة، أي ببرهانٍ واضحٍ. أنثيموس أسقف أورشليم * هؤلاء الذين يحسبون المسيح المصلوب عثرة أو جهالة يعيروننا به، وهم يجهلون أن "الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا" وأن الكلمة الذي هو من البدء كان مع الله، وكان هو الله. ليتك لا ترتعب ولا ترتبك بتعييراتهم. القديس أغسطينوس يقدم المؤمن براهينه لا خلال سفسطة الحوار العقيم، وإنما خلال قوة الروح، فإن بهجة خلاصه، وثمر الروح المتكاثر فيه، وشبع نفسه، وتهليل قلبه الخ. أمور لا يقدر الملحدون أن يقاوموها. إذ اختبر المرتل عذوبة الخلاص أدرك أنه قادر بالرب أن يحطم افتراءات العدو، لكن ما يشغله بالأكثر هو الشهادة الداخلية للمخلص بثباته في الحق إلي النهاية، مطالبًا الله مخلصه ألا ينزع من فمه قول الحق ولا من حياته خبرة الخلاص. 3. الشهادة والثبات في الحق لئلا يظن الإنسان أنه إذ يختبر مراحم الله مرة يتمتع بالخلاص نهائيًا، لذلك يؤكد ضرورة المثابرة على الثبوت في المسيح، أي الجهاد المستمر متكئًا على النعمة المجانية، لذلك يكمل المرتل طلبته، قائلًا: "فلا تنزع من فمي قول الحق، لأني توكلت على (انتظرت) أحكامك" [43]. يطلب من الله أن تستقر كلمته في فمه، فيحمل الحكمة والشجاعة مع القداسة ليشهد بكلمة الله لبنيان إخوته، وتبرير إيمانه الحيّ. إن كان قد اشتهي أن يخفي كلمة الله في قلبه لكي يحبها ويحفظها ويتأملها الأن يرددها بفمه ليكرز بها بلسانه كما بحياته المقدسة. * ينطق بهذه العبارة، لأن الذي سبق فتلقى "قول الحق" يتعرض لفقدانها. ينزعها الله من فم من تلقاها متى صار غير مستحقٍ لها. قيل أيضًا: "لا تهمل الموهبة التي فيك" 1تي14:4. يحدث الإهمال ليس فقط في زرع الموهبة أو عدم تركها تنمو وإنما بجعلها لا تطابق حياته (العملية). من جهة أخرى يمكن أن نتساءل عما إذا كان قول الحق يُنزع عن الفم فقط دون القلب حتى يتأكد التغير (التوبة) بفضل وجود "قول الحق" في الداخل، هذا الذي تلقاه الإنسان مرة واحدة. قيل: "وللشرير قال الله: مالك تتحدث بفرائضي، وتحمل عهدي على فمك" مز16:49. إنه لم يقل: "مالك تفكر في فرائضي". ربما إذا استمر الخاطيء في خطيته على الدوام يُنزع قول الحق من قلبه، إذ يكون قد اظلمَّ، وأُصيب بالعمى عن معرفة الحق... أيضًا يلزمنا شرح ماذا يعني "النزع إلي الغاية جدًا". النص غامض جدًا، فقد يعني أنه حتى وإن نزعت من فمي قول الحق فلا تنزعه تمامًا بالكلية؛ ربما تعني أن الكلمة التي هي فيَّ بالفعل، هذه احفظها في داخلي ولا تنزعها من فمي. بما إنني "انتظرت أحكامك" ووضعت فيها أمالي، لذلك يزداد رجائي باستمرار، لأن كلمة الحق التي هي في أعماقي، تجعلني انتظر أحكامك. العلامة أوريجينوس * إن حدث يوم ما أنني أجد صعوبة من جهة (تفسير) العناية الإلهية أو ما يشابه ذلك من هذا النوع، ولا أستطيع أن اعطي إجابة تزيل تناقضات هؤلاء الذين أقاموا المشكلة، اعطني بلطفك كلمتك التي تشرح الحق عند افتتاح فمي، فلا تنزع قول الحق من فمي. ولكي أستطيع أن أتحدث بطريقة أو أخرى من جهة هذه الأمور الصعبة "انتظرت أحكامك"، أي انتظرت كلماتك المتزنة والمختبرة جدًا عند التجربة. هذه الأحكام التي من خلالها تحكم البشر وتمارس عنايتك بهم. القديس ديديموس الضرير يرىالقديس أغسطينوسأن المتحدث هنا هو السيد المسيح الذي لن يُنزع من فمه قول الحق، وأيضَا الكنيسة التي هي جسده فإنها تنطق بالحق في هذا العالم وفي العالم الآتي أيضًا، وهكذا يفعل جماعة القديسين كأعضاء في جسد المسيح. * هذه الشريعة يجب أن تُفهم كقول الرسول "المحبة هي كمال الناموس". لهذا فهي تُحفظ بواسطة القديسين، الذين لا يُنزع من فمهم قول الحق، أي أنه بواسطة كنيسة المسيح نفسها، ليس فقط في هذا العالم، ولا حتى عند انقضاء الدهر، وإنما في العالم الآتي الذي بلا نهاية. القديس أغسطينوس 4. الشهادة وحفظ الوصية من ينتظر أحكام الله، مدركًا عنايته الإلهية حتى في لحظات الضيق، يحفظ الوصية متمسكًا بها عمليًا على الدوام. بهذا تكون شهادته حق وعملية ودائمة. لهذا يقول المرتل: "واحفظ شريعتك في كل حين إلي الأبد وإلي الدهر" [44]. * يقول: "احفظ شريعتك"، فهو لا ينفذها حينًا ويتركها حينًا آخر، بل وأكثر من هذا يقول إنني أُنفذها في الحياة الحاضرة والحياة المستقبلة. القديس أثناسيوس الرسولي * هكذا يمكن فعلًا حفظ شريعتك على الدوام، ليس فقط في هذا العالم بل وإلي الأبد أيضًا، حيث أن كلام يسوع لا يزول (مت24:35). على أي الأحوال نحن نحفظ شريعة الله خلال صورة الحقائق (عب1:10)؛ هذه الشريعة التي كانت محفوظة بواسطة اليهود من خلال الظل، والتي يلزمنا أن نحفظها خلال الخيرات العتيدة إلي الأبد. العلامة أوريجينوس الشهادة لكلمة الله لكي يشهد المؤمن الحقيقي لكلمة الله يلزمه الآتي: 1. التمتع الشخصي بكلمة الله الواهبة الخلاص، أو التمتع بالسيد المسيح الذي أعلن المراحم الإلهية خلال عمله الخلاصي الذي سبق فوعد به بالأنبياء [41]. 2. مساندته ضد عدو الخير وجنوده بتمتعه ببهجة الخلاص وثمره المفرح، وبقوة الروح [42]. 3. استمرارية التمتع بخلاص الله حتى النهاية [34] تسنده في الشهادة لعمل المخلص. 4. تتحقق الشهادة بالبهجة الداخلية بالخلاص، وبالحديث عن عمل الله، وأيضًا باتساع القلب ورحابته [45]، والشجاعة حتى أمام الملوك [41]، متحررًا من كل خوف. 5. بالدخول في صداقة وود مع كلمة الله ورفع ذراعيه إليه للصلاة مع السلوك العملي. 5. الشهادة والحب إن كانت الوصية أبدية لذا يتممها المؤمن الحقيقي على الدوام، شاهدًا لها أمام نفسه وأمام الغير بسلوكه العملي، فإن هذه الوصية طريقها صعب وضيق لكنها تعطي رحابة القلب واتساعه للجميع، حتى للمضايقين. وكما سبق فرأينا أن طريق الوصية ضيق لكنه يهب القلب اتساعًا وحبًا، أما طريق الشر فمتسع جدًا لكنه يعطي القلب أنانية وضيقًا. "كنت أسلك في السعة، لأني لوصاياك ابتغيت" [45]. * من يحب الله لا يكون متلجلجًا في مواجهة أنواعٍ من الضيقات والأحزان، لا يتضايق لكنه يكون في سعة ورحابة قلب فرحًا، لأن المحبة تتمهل، وتطلب الصلاح. المحبة لا تحسد ولا تطرد ولا توبخ، ولا تقبح، ولا تطلب حقوقها، ولا تحتد ولا تفتكر بالشر، ولا تُسر بالظلم بل تفرح بالحق، تحتمل كل شيء، تصدق كل شيء، وتترجى كل شيء، وتصبر على كل شيء... لأجل هذا كتب بولس الرسول إلي أهل رومية: "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين، متحيرين لكن غير يائسين، مُضطهَدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين، حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا ..." 2كو 8:4-10. أنثيموس أسقف أورشليم * يسلك "في رحب" حتى وإن كان متضايقًا، إذ قيل: "في الضيق رحبت لي" مز2:4، كما قيل: "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين" 2 كو 8:4 ... يقول بولس الرسول من جهة نفسه: "لستم متضايقين فينا" 2 كو 12:6، وفي اتهامه لأهل كورنثوس يقول: "بل متضايقين في أحشائكم" 2كو 12:6، فإن الشرير يتضيَّق في نفسه بأعماله الشريرة، وعلى العكس منه يقول (المرتل): "اسلك في الرحب"، موضحًا السبب الذي لأجله يسلك في الرحب وهو "لأني لوصاياك ابتغيت". العلامة أوريجينوس 6. الشهادة والشجاعة خلال سعة القلب التي يتمتع بها المرتل بالنعمة الإلهية يمارس الوصايا ببهجة قلب، بل ولا يجد حديثًا ممتعًا حتى في حضرة العظماء مثل الشهادة لوصية الرب وعمله الخلاصي، وذلك لنفعه ونفعهم. بعدما تحدث عن اتساع القلب بالحب حتى في وقت الضيق يعلن المرتل عن شجاعته في الشهادة للوصية أمام الملوك دون خزي؛ فإن الشجاعة دون الحب تصير تهورًا، كما أن الحب يدفع نحو الشهادة للحق بلا خوف. والمثل الحي لهذا هم الثلاثة فتية في أرض السبي الذين وُجه إليهم الاتهام: "لم يجعلوا لك أيها الملك اعتبارًا، آلهتك لا يعبدون، ولتمثال الذهب الذي نصبت لا يسجدون" دا12:3؛ أما هم ففي شجاعة قالوا للملك: "هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلاَّ فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته" دا13:8، 19. وكما قال بطرس ويوحنا الرسولأن: "لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" أع20:4. "وتكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" [46]. في خطاب للقديس إمبروسيوس يوجهه إلي الإمبراطور ثيؤدوسيوس لكي يصغي إليه، قائلًا أنه لا يستطيع أن يصمت وإلا كان هذا فيه خطر على كليهما. فيه أشار أن ثيؤدوسيوس وإن كان خائف الله لكن يلزمه ألا ينحرف... * ليس من جانب الإمبراطور أن يرفض حرية الكلمة، ولا للكاهن ألا ينطق بما يفكر فيه. فإنه ليس شيء فيكم أيها الأباطرة معروف عنكم مثل تقديركم للحرية، حتى بالنسبة للخاضعين لكم في طاعة عسكرية. فإن هذا هو الفارق بين الرؤساء الصالحين والطالحين، أن الصالحين يحبون الحرية، والطالحين يطلبون العبودية. وليس شيء في الكاهن خطير مثل عدم إعلأنه بحرية عما يفكر فيه من جهة الله وذلك من أجل الناس. فقد كُتب: "أتكلم بشهاداتك أمام الملوك ولا أخجل" [46]. وفي موضع آخر: "يا ابن الإنسان جعلتك رقيبًا لبيت إسرائيل"، لكي "إن رجع البار عن بره وعمل إثمًا... لأنك لم تنذره"، أي لم تخبره لتحفظه في تذكار بره، فإنه يموت "أما دمه فمن يدك أطلب. وإن أنذرت أنت البار وهو لم يخطئ فإنه حياة يحيا لأنه أُنذر، وأنت تكون قد نجيت نفسك" حز17:3،20، 21.1 القديس أمبروسيوس * بعد ذلك وجهت حديثًا واضحًا للإمبراطور ثيؤدوسيوس الكلي الرأفة، ولم أتردد في الحديث معه مواجهة... إنه لم يتضايق لأنه عرف أنني لم أفعل ذلك لمصلحتى الخاصة إنما لم أخجل عن أن أتكلم في حضرة الملك ما هو لنفعه ولنفع نفسي [46].1 القديس أمبروسيوس * هكذا تكون جسارة من يحمل الصليب. لنتمثل بهذا؛ فإنه وإن كان ليس الوقت زمن حرب، لكنه زمن الشجاعة في الحديث، إذ يقول أحدهم: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك، ولم أخزَ". إن صرنا وسط وثنيين فلنغلق أفواههم بلا غضب ولا عنف3. القديس يوحنا الذهبي الفم * الجهاد من أجل الحق حتى الموت، دون الخجل من الحديث عنه حتى أمام الملوك. القديس أغسطينوس * علامة محبة الله هي... أن تتكلم بشهاداته قدام الملوك جهرًا وبشجاعة، كما تكلم الرسل والشهداء... لا نخزَ إن كانت أعمالنا وأقوالنا لائقة بملك الملوك المتكلم فينا، وأن نهذ بوصاياه بالمحبة والثقة، لا بضجر أو تهاون. أنثيموس أسقف أورشليم * من لا يستمد الكلمة لإعلأن البشارة المفرحة بقوة عظيمة يتكلم بخزي، أما من يقول: "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" ينطق بما يستحق المجد لا الخزي. العلامة أوريجينوس * يمكننا تطبيق هذا النص بحق على من يُساق أمام ولاة وملوك كشاهد لاسم المسيح (مت18:10). كما يمكننا تطبيقه على من يفتح فمه أمام القديسين (الذين هم بالحقيقة ملوك في أرواحهم)، متحدثًا بشهادات الله... إذ رفض الالتصاق بالتراب وأراد أن يعيش حسب كلمة الرب، أي حسب الكتاب المقدس الإلهي الموحى به، يطلب العون الإلهي لكي يحيا. من يهتدي ينطق بكلمات الرب، فتظهر أعماله وسيرته الصالحة. العلامة أوريجينوس * لقد بلغت آخر درجات الضيق، إذ صرت مطرودًا بواسطة الطغاة، لذلك أطلب أن أخلص حسب وعد الله لنا: "ولا تحيط بكم السيول" 2مل5:22؛ مز5:17. القديس أثناسيوس الرسولي 7. الشهادة والصداقة مع الوصية أخيرًا فإن المرتل في شهادته يلجأ إلي الوصية لا كأوامر ونواهٍ وإنما ككائن يتعامل معه، يناجيه، ويرفع ذراعيه إليه (يصلي إليه)، ويدخل معه في ودٍ أو صداقة، إذ يقول: "هذذت بوصاياك التي أحببتها جدًا. ورفعت أذرعي إلي وصاياك التي وددتها جدًا. وتلوت في حقوقك" [47،48]. واضح أنه يتحدث عن الوصايا بكونها "كلمة الله" الحيّ، الذي يدخل معه في علاقة حب، يصلي إليه، ويوده. رفع الذراعين [48] هو طقس قديم وطبيعي يشير إلي التضرع، كما يشير إلي العمل وتنفيذ الوصية بالذراع اليمنى كما بالذراع اليسرى، أي في عبادتنا الروحية وسلوكنا اليومي؛ أو في الفرج والضيق. وكأن المرتل يوجه قلبه نحو الوصايا الإلهية بالصلاة الدائمة مع الجهاد المستمر، وكما يقول في مزمور آخر: "استمع صوت تضرعي إذ استغيث بك وأرفع يديّ إلي محراب قدسك" مز2:28. * غاية التلذذ بوصايا الله هو وضعها موضع التنفيذ والعمل... من يتلذذ بالحق أولًا، قائلًا: "أتلذذ بوصاياك التي أحببتها جدًا"، يقول بعد ذلك: "ورفعت أذرعي إلي وصاياك التي وددتها جدًا". ما أجمل أن نتلذذ بالوصايا ونفهم معانيها ثم نرفع أذرعنا إلي الأعمال التي تتفق مع الوصايا. لا نتمم عمل الوصايا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2كو 7:9)، وإنما بفرح. إذ نتلذذ بها وننفذها يلزمنا أن ننطق بها (تث7:6)، لهذا يضيف "وتلوت (أناجي) في حقوقك"، بمعنى أنه من أجل حبي لوصاياك لا أتوقف عن الحديث عنها، وإنني أتلو وأنا متلذذ جدًا بكل ما يمس حقوقك. العلامة أوريجينوس إذ يُعلق القديس أغسطينوس على هاتين العبارتين يقول: [لقد أحب (المرتل) وصايا الله لأنه كان يسير في حرية، أي بالروح القدس، الذي خلاله ينتشر الحب وتتسع قلوب المؤمنين. لقد أحب بالفكر والعمل. بالنسبة للفكر يقول: "هذذت"، وبالنسبة للعمل يقول: "رفعت أذرعي"]. * من يصنع وصايا الله تلتصق بالله نفسه، وأما من يخالفها فتلتصق بالتراب نفسه، وتتمرغ في الأرضيات وتصير ترابية. لذلك جاء في الأصحاح العاشر من سفر التثنية قوله: "الرب إلهك تتقي، إياه تعبد، وبه تلتصق" تث20:10. أنثيموس أسقف أورشليم الذي يغتني بعد فقرٍ مدقعٍ لا يمكن ألا أن يتأمل خزائنه، عينا قلبه لا تفارقانها، هكذا يتأمل الشاب وصايا الله التي يخفيها في قلبه، وفي تأمله الدائم يتفهمها يومًا فيومًا بأعماق جديدة، فتصير موضوع لهجه ولذته ليلًا ونهارًا؛ إنه لن ينساها! بمعنى آخر إذ يكتشف الشاب غناه بالوصية يمارس حياة الهذيذ الدائم التي لا تنفصل عن حياته العملية: أ. التأمل في الوصية. ب. تفهمها بروح الله الساكن فيه. ج. لهجه فيها بلذة فائقة. د. الشهادة للوصية بشجاعة دون خوف. هـ. لن ينساها قط، أي لا يمكن لأحدٍ ما أو لشيءٍ ما أن يسحب فكره وذاكرته عنها. من وحي المزمور 119(و) بوصيتك أشهد لرحمتك وخلاصك! * رأيتك معلمي الصالح تهبني الفهم مع الأرادة المقدسة، الأن أراك الرحيم مخلص الخطاة، ارحمني وخلصني حسب وعودك الصادقة لي. * يقاومني الأشرار الذين لا يطيقون خلاصك. لكنني بوصيتك العاملة فيّ أفحمهم. لا تنزع عن فمي قول الحق، ولا عن حياتي خبرة خلاصك، * فأحطم افتراءات العدو بالقول والعمل معًا. وصيتك التي أخفيها في قلبي، تُعلن الآن بفمي كما بحياتي. فما أنطق به يشهد عما أحياه وأسلكه. * أشهد بحفظي لوصيتك على الدوام وإلي الأبد، إنها دستوري الدائم، في الحياة الحاضرة وفي العالم العتيد. لا أتمسك بها حينًا وأتجاهلها حينًا آخر، لأن كلامك ثابت غير متغير إلي الأبد. * شهادتي لوصيتك لا بالحوار العقلأني،بل باتساع القلب بالحب للجميع. إني أسلك في السعة لأحمل الجميع في قلبي، لأني ابتغيت وصاياك! * هب لي أن أشهد بوصاياك بشجاعة أمام العظماء.ولتمزج شجاعتي بالحب فلا أكون متهورًا. * هب لي أن أحب وصاياك،وأدخل في ودٍ معها. أرافقها وترافقني. لا يستطيع أحد أو شيء ما أن يحطم صداقتي معها! بهذا أشهد لها، شهادة صديقٍ لصديقه الحميم! |
||||
21 - 03 - 2014, 05:52 PM | رقم المشاركة : ( 127 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ز - تفسير سفر المزامير 7 - ز كلامك عزَّاني في مذلتي[49- 56] في القطعة السابقة تحدث المرتل عن شهادته للوصية أو لكلمة الله، بالصلاة والكلمات كما بالعمل، خاصة باتساع قلبه أو حبه لمقاوميه بروح الشجاعة لا الخنوع. وقد ختم حديثه بالكشف عن لذته بالوصية وتمتعه بالصداقة والود الشديد معها. الآن إذ يدرك المرتل أنه غريب على الأرض، وساقط تحت المذلة والضعف فإنه يجد في الوصية الإلهية عزاءه. يجد في كلمة الله موضع استقرار له وسط الضيقات، ويجدها تسابيح لبيت غربته! 1. عزاء وسط الموت 49،50. 2. عزاء وسط الشدائد 51،52. 3. عزاء في الخدمة 53. 4. عزاء في العبادة الخاصة 54-56. تعزيات كلمة الله من وحي المزمور 119(ز) 1. عزاء وسط الموت "أُذكر كلامك لعبدك الذي عليه اتكلتني. هذا الذي عزاني في مذلتي، لأن قولك هو أحياني" [49،50]. إن كنت أعيش في عالم الغربة وسط ضيقات شديدة، فإن سرّ تعزيتي هو وعودك التي ترفع المؤمن من المذلة وتهبه الحياة، إذ يفتح له الرب باب الرجاء في الحياة الأبدية. * لقد قلت أنك تعطي حافظي وصاياك خلاصًا، وتجازي مخالفيها بعقوبات. ونحن أيضًا نقول أنك يا ربنا قد وعدت أن تكون معنا إلي انقضاء الدهر. وبقولك هذا فديت همتنا واتكالنا. أذكر الآن وعدك لعبدك، وأُوفِ بما قد وعدتنا به. كنت أتعزى بهذا الوعد وقت شدائدي، وقولك أحياني. لأن قول الله إذا حفظه الإنسان وتممه بالعمل تحيا نفسه تلك الحياة الخاصة بالنفس، أعني الحياة الأبدية. أنثيموس أسقف أورشليم * عندما ذكرت "كلام" الوعد، اعطيتنا أجنحة تسندنا فلا نبالي بالعالم الحاضر، لأنني اشتهيت الأمور السماوية وطلبت الأبديات. لقد جاهدت وقاومت مطالبًا بإصرار كلام هذا الوعد.العلامة أوريجينوس * ما هو "الكلام" الذي يطلب من الله أن "يتذكره" إلا الوعد الذي أعطاهم إياه أنه يكون معهم (مت20:28)، والذي كان بالنسبة لهم تعزية وسط الاضطهادات؟!القديس أثناسيوس الرسولي * ماذا يقصد ب "هذا" (الذي عزاني)؟إنه الرجاء الذي نشأ فيَّ بكلامك. لقد عزاني وشجعني حتى إذا ما حلَّت بي شدة أو خطر أو توقع موت أو مرض أو فقدان رؤوس الأموال أو اضطهاد أو ما يُعتبر ضيقات بأي نوع، يكون رجائي فيك هو "تعزيتي". في اختصار يدعو كل هذه الضيقات: "في مذلتي". إنه زمن الضيقات والتجارب، حيث مذلة النفس المتروكة والمستسلمة للمجرب لكي تجاهد ضد القوة المضادة، لذلك فإن "قولك هو أحياني". ليس ما يحيي النفس مثل كلام الله، فقدرما يدرك الإنسان كلام الله وتتقبله نفسه تنمو فيه الحياة، يقصد الحياة الصالحة هنا، بعدها يعطي الله الحياة الأبدية. العلامة أوريجينوس بدأ المرتل تضرعه إلي الله واهب التعزية بتذكيره بوعوده الإلهية. فإن الله لن ينسى كلمته، لكنه يطلب منا أن نُذكِّره، ففي هذا تجديد لثقتنا فيه، وإيماننا بصدق مواعيده، وتجاوب مع محبته. إننا لا نُذكِّره بخدمتنا ولا بجهادنا ولا ببرنا وإنما بوعوده الصادقة وميثاقه معنا. بهذا الروح صرخ اللص التائب وهو على الصليب: "أُذكرني يا رب متى جئتَ في ملكوتك". هي صرخة الإنسان الواثق في حب مخلصه والمعترف بعدم استحقاقه الذاتي. وبنفس الروح يصلي داود النبي قائلًا: "والأن أيها الرب ليثبت إلي الأبد الكلام الذي تكلمت به عن عبدك وعن بيته وافعل كما نطقت" أي23:17. وكأنه يقول له: "أنا أعلم أنك أمين في مواعيدك، ولا تنقض كلمتك، فلتعمل فيَّ حسب وعودك فإنني مؤمن بها ومتكل عليها. أنت وعدت، وأنا مملوء رجاءً في مواعيدك أنتَ قادر أن تخلص حتى الموت، وها أنا أحيا بكلمتك".يجد المرتل شبعًا لكل احتىاجاته في محبة الله ووعده الصادق، الذي يقيم من الموت، واهبًا الحياة. خارج الوعد الإلهي يشعر المرتل بالمذلة، إذ يقول: "هذا الذي عزاني في مذلتي"... ليس ما يرفع عني المذلة إلا وعدك الإلهي! ولعله يشير هنا إلي المذلة، لأن الله ينظر إلي المتواضعين ويرفع النفوس المتذللة. * إننا نتسلم الرجاء من الله الذي نقول له: "الذي جعلت فيَّ رجاء" [49]1. * أعني ذاك الرجاء الذي يُعطى للمتواضعين كما يقول الكتاب المقدس: "يقاوم الله المتكبرين ويُعطي نعمة للمتواضعين". القديس أغسطينوس 2. عزاء وسط الشدائد إذ كانت الخطية تفقدني الرجاء في الحياة الأبدية، جاء كلمة الله يهبني الحياة الأبدية، لذلك لا أهاب متاعب هذا الزمان الحاضر وضيقاته. أجد في كلامك تعزيتي، لكن المتكبرين يسخرون بي لأنهم يحسبون رجائي في وعدك واتكالي على قولك وإيماني بك أمورًا خادعة وواهية. إنني أكمل رحلة غربتي ولا أتوقف كمن يسير بقافلته ولايبالي بنباح الكلاب. "إن المتكبرين تجاوزوا الناموس جدًا إلي الغاية، وأنا عن ناموسك لا أملْ. تذكرت أحكامك يا رب منذ الدهر فتعزيت" [51، 52]. * عندما كان المتكبرون يتجاوزون ناموسك يا رب إلي الغاية، كانوا ليس فقط يأثمون بل ويهزأون بحافظيه، فكنت أنا بالأكثر أعتصم به، متذكرًا أنك منذ القديم تسمح عادة بسقوط (مؤمنيك) في المحن، لكنك تسرع إلي نجاتهم منها، وتمجدهم بالأكثر؛ بهذه الذكرى تعزيت. أنثيموس أسقف أورشليم * استهزأ المتكبرون بناموسك، بل واستهزأوا به إلي الغاية، أما أنا فلم أملْ عن ناموسك قط. وأنت دبرت حياتي، وحفظت روحي، حتى لا يكون مع قلبي كلام لئيم مختبئ مضاد للشريعة (راجع تث9:15)...* لنتأمل أيضًا سلوك البار، فإنه يقول بأنه يتذكر أحكام الله التي هي منذ الدهر وإلي الدهر تظهر لكل واحدٍ فتعزيه، فلا يعود يعرف الحزن ولا القلق، إذ يقول: "إن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" رو18:8. العلامة أوريجينوس * أراد أن يُفهم المتكبرون أنهم مضطهدوا الأتقياء، لذلك أضاف "وأنا عن ناموسك لم أمل"، لأن المضطهدين المتكبرين حاولوا أن يلزموه بذلك.القديس أغسطينوس * يصنع الهراطقة لأنفسهم مجدًا بمخالفتهم للناموس، لكنني لهجت في حفظه كله دون أن أضعف ولو جزئيًا، وفي قبولي له بدون تردد.القديس ديديموس الضرير * تذكرت الأحكام التي اتخذتها قديمًا ضد مضطهدي إسرائيل فتعزيت، إذ عرفت أنني لن أصير متروكًا في الاضطهادات، وأن كل ما يحدث للإنسان إنما هو وفق أحكام الله.القديس أثناسيوس الرسولي لم يطلب المرتل إبادة المتكبرين المقاومين له من أجل حفظه وصايا الله، إنما يطلب أن يحفظه الله كي لا ينحرف بسببهم أو يميل عن الطريق الملوكي يمينًا أو يسارًا، بل ينشغل بتعزية الروح له، ويهتم بأحكام الله. كأنه يقول: لا أريد أن أنشغل بالسلبيات، أي بالهجوم الموجه ضدي، وإنما أهتم بالإيجابيات أي بالتأمل في أحكامك والتمتع بتعزياتك. بهذا لا يعطى للأشرار فرصة تحقيق رغبتهم من جهته.لقد حاول سنبلط وجشم الشريرين أن يشغلا نحميا عن العمل الإيجابي في مجادلات نظرية، وأن يفسدا وقته في الحوار عوض بناء السور، "فأرسل إليهما رسلًا قائلًا: إني أنا عامل عملًا عظيمًا فلا أقدر أن أنزل؛ لماذا يبطل العمل بينما أتركه وأنزل إليكما؟! نح3:6. فأرسلا إليه بمثل هذا الكلام أربع مرات وجاء بهما بمثل هذا الجواب. ليفعل الأشرار ما يريدون، وليستخدموا كل طرق العنف الظاهر أو التهديدات أو الخداع والكلمات المعسولة. ففي هذا كله يبقى المؤمن في طريقه الملوكي، طريق الوصية لا يحيد عنها. أما سنده في هذا فهو معاملات الله مع أولاده منذ بداية التاريخ البشري: "تذكرت أحكامك يا رب منذ الدهر فتعزيت" [52]. منذ طفولتنا لم يتخلَّ الله عنا، بل ومنذ وُجد الإنسان بقى الله أمينًا في مواعيده ووعوده لشعبه ومؤمنيه، وأيضًا لم يدع عصا الأشرار تستقر على نصيب الصديقين. لقد أغرق الأشرار بالطوفان، وبلبل ألسنة أهل بابل، وأغرق فرعون وجنوده في البحر الأحمر... وباختصار: "الساكن في السموات يضحك بهم، والرب يستهزئ بهم؛ حينئذ يكلمهم بغضبه وبرجزه يرجفهم" مز4:2، 5؛ وأيضًا يقول المرتل: "أسنان الخطاة سحقتها" مز7:3. التأمل في معاملات الله في العهدين القديم والجديد وفي تاريخ الكنيسة عبر كل الأجيال يعطي تعزيات ليست بقليلة، فلا نخاف من مؤامرات المتكبرين وتهديداتهم. 3. عزاء في الخدمة أحكام الله ضد المتكبرين المصرّين على اضطهاد خائفي الرب المتمسكين بتنفيذ وصيته تملأ قلب المرتل تعزيات إلهية، لكنه لا يقف موقف الشامت بل موقف الحزين على نفوسهم الساقطة. إنه يئن في كآبة لأنهم يهينون الله مصدر الخلاص ويمجدون إبليس المضل والمهلك كما يحطمون أنفسهم. في كآبته يترجى لعلهم يرجعون بالتوبة إلي الله، لذلك يقول: "الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين تركوا عنهم ناموسك" [53]. * إذا رأي الصديقون إنسانًا من أبناء الشريعة يخالفها يغتمون ويكتئبون، لأن ألم عضوٍ واحدٍ يجعل جميع الأعضاء تتألم. أنثيموس أسقف أورشليم * يوجد بين الخطاة من يخطئ بدون الناموس (رو12:2)، لأنهم لم يعرفوا الناموس، وآخرون يخطئون في الناموس لأنهم إذ يخالفونه يستهينون به. فالكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين تركوا عنهم ناموسك. حقًا إن كان عضو يتألم (بتركه الناموس) فجميع الأعضاء تتألم معه؛ وإن كان عضو واحد يُكرم فجميع الأعضاء تفرح معه" 1كو26:12. إذن يليق بنا أن نتألم من أجل إخوتنا الخطاة لأنهم يخطئون، وأن نتخذ نفس موقف هذا القديس (المرتل).القديس ديديموس الضرير * من يسكب دموعًا ساخنة على أخطاء قريبه يبرأ بحزنه على أخيه1.القديس باسيليوس الكبير * لنبكِ عليهم لا يومًا ولا يومين، بل كل أيام حياتنا2.القديس يوحنا الذهبي الفم 4. عزاء في العبادة الخاصة كلما تطلع المرتل إلي المتكبرين المصرّين على عدم التوبة يمتلئ قلبه حزنًا وكآبة، ليس خوفًا منهم بل عليهم. إنه يشتاق أن يتمتعوا معه بالمجد الداخلي وتعزيات كلمة الله وعذوبتها. وسط هذه الآلام التي تجتاز نفسه الخادمة لكل إنسان، والمشتاقة إلي خلاص الكل. يدرك المرتل أن الدخول إلي أعماق الوصية يرد له فرحه وتهليله وسط شعوره بالغربة. يجد الوصية تتحول إلي تسبحة حب تقوده إلي الفرح الداخلي مع تهليلات القلب وتسابيح الفم. ربما يقصد بالمزامير هنا رثاءً مملوء رجاءً، كما يقول في المزمور 39: "لا تسكت عن دموعي، لأني أنا غريب عندك، نزيل مثل جميع آبائي" مز12:39. على أي الأحوال لم يشعر داود الملك أنه في قصر ملوكي فخم، بل في موضع غربته يترقب رحيله من هذا العالم. هذا الشعور يحول آلامه إلي مزامير. "حقوقك كانت لي مزامير في موضع غربتي" [54]. * يُدعى هذا العالم موضع غربة بالنسبة للصديقين، لأنهم يعيشون فيه كغرباء يهتمون برجوعهم إلي الوطن الحقيقي في الآخرة حيث يرتلون حقوق الله. أنثيموس أسقف أورشليم يرى القديس أغسطينوسأن هذه العبارة ينطق بها المؤمن وهو في أرض الغربة حيث رحل من الفردوس ومن أورشليم العلىا ونزل إلي أريحا فسطا عليه اللصوص وجرحوه. لكن مسيحنا "السامري الصالح" عبر به وقدم له الوصايا الإلهية تسبحة مراحم إلهية تفرح قلبه وهو في بيت غربته. فمع حزنه على الذين يتركون ناموس الله لكن نفسه تتهلل وتترقب يوم المكافأة، حيث تُفصل الحنطة عن الزوان.يفرح الأشرار بأذية الغير ويتهللون إلي حين، لكن فرحهم يتحول إلي مرارةٍ. أما القديسون فيحزنون لهلاك الأشرار ويترنمون لعمل الله معهم وتحويل الضيق إلي أمجاد. إن كانت حياتنا الزمنية إن قورنت بالحياة الأبدية تُحسب ليلًا مظلمًا، بسبب ما نعانيه من ضيقات وضعفات وعدم تلاقينا مع الرب - شمس البر - وجهًا لوجه، فإن تذكّرنا لوصية الله ووعوده وأحكامه يبعث فينا البهجة الداخلية، حيث ننعم ببرّ المسيح. "ذكرت في الليل اسمك يا رب، وحفظت شريعتك. هذه كانت مسرة لي، لأني لحقوقك ابتغيت" [55،56]. بينما كان الكل نائمين بالليل اعتاد داود النبي أن يسهر متذكرًا اسم الرب كسندٍ له وموضوع بهجته. إن كان العالم الشرير قد حوَّل حياة داود إلي ليلٍ مظلمٍ خلال الألم لكنه عرف كيف يجتاز هذا الليل بسلام بتمسكه باسم الرب. بينما ينشغل الأشرار بوضع خطط ومكائد في الظلام، يهتم داود النبي باسم الرب المخلص من كل تجربة. * في الواقع نحتاج أن نتذكر تعاليم الله في كل وقت، خاصة عندما تكون الظلمة حولنا والحوائط تسترنا (ابن سيراخ26:23)؛ أي عندما تدخل شهوة دنسة إلي نفوسنا، وتفقدنا صوابنا، عندئذ يلزمنا أن نتذكر تعاليم الله الخاصة بضبط النفس. من جهة أخرى يلزمنا تقديم تفسير رمزي لما سبق، فنحسب الأوقات المناسبة (أوقات الفرح) نهارًا والضيق ظلمة. العلامة أوريجينوس * الليل هو حالة انحطاط حيث متاعب الفساد. الليل بالنسبة للمتكبرين هو ممارسة الشر بمبالغة. الليل هو الخوف على الأشرار الذين يتركون شريعة الرب. أخيرًا الليل هو بيت الغربة، حتى يأتي الرب وينير خفايا الظلام ويعلن مشورات القلوب ويكون لكل إنسان مدحه من الله. لذلك ففي هذا الليل يليق بالإنسان أن يذكر اسم الرب حتى من يفتخر فليفتخر بالرب. القديس أغسطينوس * لا يكفي لمنفعتكم الروحية أن تنصتوا إلي الدروس الإلهية في الكنيسة بل أيضًا وسط جماعتكم في البيت تشتركون في القراءات المقدسة، لعدة ساعات ليلًا حيث النهار مقصر، حتى أنكم في مخازن قلوبكم تقدرون أن تجمعوا الحنطة الروحية، وتخزنوا جواهر الكتاب المقدس في كنوز نفوسكم. وحينما نأتي أمام المحكمة التي يعقدها الديان الأبدي في اليوم الأخير كما يقول الرسول: "نوجد لابسين لا عراة!"1الأب قيصريوس أسقف آرل تعزيات كلمة الله 1. لا تقوم على استحقاقاتنا الذاتية بل على وعود الله وكلمته الواهبة الحياة [49،50]، قائلين مع الرسول: "لأنني عالم بمن آمنت" 2تي12:1، واثقين في قول المخلص: "لا أترككم يتامى" يو18:14. 2. لا نرتبك بمقاومة الأشرار المتكبرين بل في إيجابية نهتم ألا نميل عن أحكام الله يمينًا (بالبر الذاتي) أو يسارًا (بالسقوط في الخطايا)، بل نفكر في تعزيات الله المفرحة [51]. 3. لا نحزن على هزء المتكبرين الأشرار بنا، إنما نحزن لإدراكنا مصيرهم وهلاكهم [53]. أما من جهة أنفسنا فنحن ندرك أن سخريتهم تتحول لمجدنا، لهذا تصير أحكامه بالنسبة لنا تسابيح مفرحة، تسندنا في أيام غربتنا [54]. 4. إذ صار العالم كليلٍ مظلمٍ بسبب الظلم الذي يبثه الأشرار، فإنه يليق بنا أن نستيقظ ولا ننام كالآخرين، نذكر اسم الرب ونحفظ شريعته [55]. بينما يلهو الأشرار في حفلات صاخبة طوال الليل، يتعزى القديسون بالسهر الروحي والشركة مع الله وحياة التسبيح المستمر. من وحي المزمور 119(ز) لتعزيني مواعيدك في كربتي! * أذكرك يا إلهي بوعودك أنك تكون معي إلي انقضاء الدهر. وعودك هي أجنحة تطير بها نفسي لاستقر في سمواتك، لا أبالي بالضيقات، بل واتعزى بالموت، فانني أشتاق إلي الالتقاء معك. ماذا يمكن أن يذلني مادمت تحقق وعودك لي؟! * تعزياتك تشغلني، تسندني فلا أشتهي للأعداء شرًا، وترفعني فوق كل الأحداث. لا أطلب انتقامًا للخطاة، بل تئن نفسي لأجل خلاصهم. أبكيهم لا يومًا ولا أيامًا بل كل أيام حياتي. * تعزياتك تؤكد لي غربتي،فلا استقر تمامًا حتى أجد لي مكانًا في الأحضان الإلهية. إني جريح في الطريق، تعال أيها السامري الصالح واحملني على منكبيك، اعبر بي إلي كنيستك التي هي فندقك. هناك تهتم بكل احتياجاتي حتى تجيء في اليوم العظيم. * لأذكر اسمك بالليل فتتعزى نفسي،في الليل يضع الأشرار خططهم للظلم، وفي الليل أترقب مجيئك يا سرّ تعزيتي. باسمك القدوس يعبر ليل حياتي لأدخل في نهار بلا ليل، وأتمتع بأورشليم المستنيرة بشمس البرّ بلا غروب! بينما يلهو المستهترون بحفلاتهم في الليل، أجد فيه فرصة السهر وترقب مجيئك أيها العريس الأبدي. |
||||
21 - 03 - 2014, 05:57 PM | رقم المشاركة : ( 128 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ح - تفسير سفر المزامير 8 - ح نصيبي أنت يا رب[57- 64] إن كانت الوصية هي عزاء الإنسان في أرض غربته، فهي من جانب آخر تهيئ النفس كعروسٍ تلتقي بعريسها، تتقبله نصيبًا لها، وتقدم حياتها نصيبًا للرب. هنا يختبر المرتل أعماقًا جديدة لغنى نعمة الله التي تربطه به، لا لينال من فيض عطاياه أو يتمتع بنصرات متوالية فحسب، إنما ينال الله نفسه نصيبًا له. فيكون من خاصته، يسمع القول الإلهي: "لا تنال نصيبًا في أرضهم، ولا يكون لك قسم في وسط بني إسرائيل" عد5:16. فيترنم قائلًا: "الرب نصيب قسمتي وكأسي" مز5:16؛ "نصيبي هو الرب قالت نفسي؛ من أجل ذلك أرجوه؛ طيب هو الرب للذين يترجونه، للنفس التي تطلبه" مرا 24:3، 25. 1. بالوصية نتقبل الله نصيبنا 57. 2. بالوصية نعاين عريسنا السماوي 58. 3. بالوصية نسلك طريق العريس 59. 4. بالوصية نتهيأ للعُرس 60،61. 5. بالوصية تُمارس حياة العُرس المفرحة 62. 6. بالوصية نمارس حياة العرس الجماعية 63. 7. بالوصية ننتظر يوم العريس الديان 64. نصيبي هو الرب من وحي المزمور 119(ح) 1. بالوصية نتقبل الله نصيبنا غاية وصية الرب أن تقدم لنا الرب عريسًا لنفوسنا، نتحد معه، وننال شركة الطبيعة الإلهية، أي ننعم بسماته فينا، فنتهيأ للعرس الأبدي. سمته الرئيسية هي "الحب"، يقدم ذاته عطية لمحبوبته، يقدم حياته مبذولة كعطاءٍ ثمينٍ أو كعربونٍ للعرس أو كمهرٍ لنا، لذا يقول المرتل: "حظي (نصيبي) أنت يا رب، أن أحفظ ناموسك" [57]. * قال الرب لهرون وللاويين: لا ترثوا من أرضهم شيئًا، ولا يكون لكم نصيب معهم، لأني أنا نصيبكم وميراثكم... (عدد18:23). قيل هذا عن جميع الذين يرفضون الأمور العالمية، ويتركون الأرضيات ولا يشتهونها. هؤلاء حظهم (نصيبهم) هو الرب، وهم يحفظون ناموسه القائل: لا تهتموا بما تأكلون ولا بما تشربون، ولا بما تلبسون. أنثيموس أسقف أورشليم * الإنسان الذي ترك أمور هذه الحياة، ولم يعد له أي نصيب في الأرض وليس لديه أية شهوة إليها، بل يكتفي بالرب وحده عوضًا عن الكل، مثل هذا يقول: "الرب هو نصيبي". وبالتالي يقول: "أن أحفظ ناموسك"، أي أحفظ الناموس الروحي الذي يقول عنه بولس الرسول: "فإننا نعلم أن الناموس روحي" رو14:7 الخ. فكيف إذًا يستطيع هؤلاء أن يتخذوا الرب نصيبًا لهم ما لم يحفظوا ناموسه؟العلامة أوريجينوس كثيرا ما رأى داود النبي الغنائم وصياح الغالبين كل حسب نصيبه، أما هو فكانت صرخات قلبه أعظم وأقوى لأنه وجد في الرب نفسه ميراثًا له وغنيمة عظيمة، بل خالق الكل. وصار من هو أعظم من كل كنوز العالم ملكًا له وهو أيضًا في ملكيته، الأمر الذي لم يتحقق ما لم يتنقَ قلبه بحفظ الوصية أو الناموس الروحي الذي يكمل بالحب. وقد قال السيد المسيح: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" يو23:14. 2. بالوصية نعاين عريسنا السماوي إن كانت الوصية الإلهية تدفعنا إلى طلب الرب نصيبًا لنا عوض الزمنيات، فإنه إذ يلتهب قلبنا شوقًا إليه نطلب رؤيته بالبصيرة الداخلية، أي بالقلب، حتى ننال رحمة فنراه فيما بعد وجهًا لوجه. وكأن حبنا له يزيد شوقنا إليه فلا نستريح حتى نراه أبديًا! "توسلت إلى وجهك بكافة قلبي، ارحمني كقولك" [58]. * وجه الله الآب هو ابنه كما سبق فقلنا، وذلك كقول الرسول إنه شعاع مجده وصورة أقنومه. إذًا نتوسل نحن المسيحيون إليه، وذلك بكل قلوبنا في طهارة، لأن طاهري القلب يعاينون الله؛ كما نلتمس الرحمة حسب قوله، أي كوعده. أنثيموس أسقف أورشليم * وجه الله هو رسم جوهره (عب3:1). من يشتهي وجه الله بكل قلبه، فيستطيع أن يتأمله بقلب نقي، ويثبت نظره ه يُرحم كقول الرب. مثل هذا الإنسان يستطيع أن ينطق بالكلمات التي أمامنا.يا لعظمة ذاك الذي يرى وجه الله. ليعلمك الرب يسوع عظمته، إذ يقول: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" مت8:5. القديس ديديموس الضرير * "ارحمني كقولك" [58]، يلزم أن تأتي الرحمة حسب قوله وليس في مخالفة الناموس... الله نور (إش60:19)، ونار أكلة (تث24:4)؛ هو نور للأبرار، ونار للخطاة.هكذا إذ يعرف داود النبي أنه ليس أحد طاهرًا من دنس، عاد يطلب الرحمة بعدما أخطأ، يطلبها لا عن خطايا حاضرة بل سابقة، لأن "قول" الرب يعلن المغفرة للخطاة بشرط حدوث تغير كلي في النفس، وعدم إبقاء أي أثر للخطية فيها. بدون رحمة الله ومعونته لن يقدر أحد أن يعاين وجهه، لأن الله يظهر ذاته لذاك الذي يطلب الرحمة. أي الأحوال لم يذكر الكتاب المقدس أن أحدًا رأى الله (يو18:1)، إنما قيل إن الله يتراءى للأبرار. العلامة أوريجينوس * لقد عرف أنه يستحيل عليه في الوقت الحاضر أن يرى ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر قلب إنسان (1كو9:2). إنه يعرف أن مجد الله غير منظور للأعين الجسدية1.القديس هيلاري أسقف بواتييه هكذا لا يكف المرتل عن التوسل إلى الله لرؤية وجهه، وهو في هذا لا يتكل بره الذاتي أو قدراته إنما وعود الله الرحيم، لهذا يصرخ: "ارحمني كقولك". كأنه يقول: يبقى قلبي معذبًا حتى يختبر رحمتك التي وعدتني بها، هذه التي تحملني إلى التمتع بوجهك.كلمة "ارحمني" هنا تعني وجود إحساس بألم الحرمان الذي لن يزول إلا بمراحم الله، تاركًا لها الوسيلة لتحقيق ذلك. فقد تُعلن مراحم الله خلال طول أناته وترفقه وقد تُعلن خلال تأديباته. فإنه لا تشغلني ما هي الوسيلة، إنما أن أكون في دائرة رحمتك التي تدخل بي إلى نور وجهك. * يمكن للمريض أن يقول لطبيبه: "ارحمني كقولك"، أي عالجني حسبما تقرر مهنتك. فإن من يسأل الطلبة يعرف الوسيلة التي بها تُمارس الرحمة.حقا يؤكد الله خلاصنا بالتأديب، ويحل التأديب لأن الله يحب الآنسان. الأب ثيؤدورت 3. بالوصية نسلك طريق العرس إذ نراه بالإيمان خلال نقاوة القلب لا نفكر إلا في طريقه الملوكي، فنرد أقدامنا إلى طريق شهاداته، حتى نسرع إليه بلا تراخٍ، ونجعل من شهاداته قانون سيرنا وسلوكنا الذي لا ننحرف عنه. "تفكرت في طرقك، رددت قدمي إلى شهاداتك" [59]. يرى البعض أن التشبيه هنا في عبارة "تفكرت في طرقك" مأخوذ عن التطريز حيث يهتم الشخص بالثوب بدقة شديدة من كل جوانبه، فتسير الأبرة في خط مرسوم لها دون انحراف عنه. * أعني إنني دائمًا أفتكر في أعمالك، وأرتب سيرتي حسب وصاياك بكونها حق وجيدة للذين يفكرون فيها. أنثيموس أسقف أورشليم * "تفكرت في طرقي"، هذا هو ما يريد أن يقوله: إنني لم أنطق قط بتهورٍ أو طياشةٍ أو بغير أن أفتكر إن كان يليق أن أتكلم أم أصمت. لم أسلك بطياشةٍ أو بدون تروٍ مفكرًا ما إذا كان سلوكي مناسبًا.تتكون طرقنا من أفكارٍ وأعمالٍ، وكأنه يود أن يقول: لقد فعلت كل شيء بتحفظٍ، لهذا وأنا أسلك "رددت قدمي إلى شهاداتك"، حتى لا أسلك خارج شهاداتك، بل تكون كل أرادتي ملتصقة بوصاياك. العلامة أوريجينوس * رددتهما عن طرقي الذاتية التي تسرني، حتى تتبعا شهاداتك، وهناك تجدا لهما سبيلًا... هذا بالحري يُنسب إلى نعمة الله، ككلمات الرسول: "الله هو العامل فينا" (في13:2).القديس أغسطينوس عجيب هو داود النبي الذي لا يتردد عن أن يراجع نفسه بين الحين والآخر، ليرد قدميه إلى شهادات الرب، فإنه مادام في الجسد يحيا هذه الأرض يتعرض إلى الآنحراف ولو قليلًا. حقًا امتاز داود النبي بالقلب اليقظ والمتضع، الذي لا يتوقف عن تصحيح موقفه من يومٍ إلى آخر. فالخلاص هو طريق التوبة المستمرة والرجوع إلى النفس تحت قيادة الروح، والتجديد اليومي فتُرد القدمان إلى شهادات الرب. 4. بالوصية تتهيأ للعُرس الآن وقد دخلت العرس الملوكي تعمل وصيتك فيّ فتهيئني للعرس، تحت كل الظروف، حتى القاسية. إنني أسرع إليك بغير توانٍ، محتملًا كل ألم لملاقاتك، حافظًا وصيتك. * جعلت نفسي مستعدًا لاحتمال التجارب التي قد تفاجئني بغتة، وتمنعني عن حفظ وصاياك. أنثيموس أسقف أورشليم * "تهيأت ولم أتوان عن حفظ وصاياك" [60].إن كنا منجذبين (للعريس)، وإن كنا متأهبين ومستعدين كما ينبغي فإننا لن نتوانى ولا تعوقنا القوات المضادة التي تحاربنا لكي تمنعنا عن حفظ الوصايا الإلهية. في هذا يقول الرسول: "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد؟!" رو35:8. العلامة أوريجينوس قدرما أتهيأ للعرس يبذل عدو الخير إبليس كل طاقاته، مستخدمًا كل وسائله ليفسد حياتي في الرب ويحرمني من التمتع بالعرس، لهذا يصرخ المرتل، قائلًا:"حبال الخطاة التفت ، ولناموسك ما نسيت" [61]. يقول القديس أغسطينوس أن حبال الخطاة أو أربطتهم هي مقاومة الأعداء، سواء الروحية مثل إبليس وجنوده أو الجسديين مثل أبناء المعصية الذين يعمل فيهم الشيطان، الذين يلفونها حول الأبرار، وهي رباطات قوية وخشنة وهكذا يعاني الأبرار منها وذلك بسماح إلهي. * أي أمر يحدث دون توقع يكون خطيرًا، إذ يدفع حتى الشجعان من الناس للاضطراب والآنذار، وأحيانًا أهوال لا تحتمل. لكن إذا ما ذُكرت أنها ستحدث فإن توقعها يخفف وطأة هجومها، وهذا ما اعتقد معنى عبارة "تهيأت ولم أضطرب". لهذا السبب فإن الكتاب المقدس الموحى به من الله، يقول حقًا للذين يبغون المجد بسلوكهم المقدس "يا بني إن اقتربت لتخدم الرب هيء نفسك للتجربة ووجه قلبك واحتمل" (ابن سيراخ1:2). وهو لا يتحدث ليوجِد في البشر تكاسلًا واستهتارًا... لهذا فإن مخلص الجميع لكي يهيء مسبقًا التلاميذ أخبرهم أنه سيتألم الصليب ويموت جسديًا ما أن يبلغ أورشليم (مز60:120)1. القديس كيرلس السكندري * ما هي هذه الحبال إلا تلك الأفكار الشريرة والقوات الشريرة التي تحارب البار وتحاول إبعاده عن ثباته في الله؟ لكن تصير حبال هؤلاء الذين يلفونها حول البار باطلة مادام يضع البار كل اهتمامه في حفظ الوصايا.بنفس الطريقة فإن الضيقات التي يسقطها الأشرار البار تُحسب حبالهم، هذه يحتملها الآنسان البار بشجاعة عندما لا ينسى الناموس الإلهي. أيضًا الذين يحثونه الخطية بكلمات مخادعة يلفونها كالحبال، لكنه متى كان حذرًا لا ينسى ناموس الله. القديس ديديموس الضرير ليلقي الأشرار بحبالهم حولي، فإنهم لن يستطيعوا أن يمنعوا عني منافذ النجاة، لأن الذي معي أعظم وأقوى من الذين ! مخلصي هو سندي في كل الطريق!5. بالوصية نمارس حياة العُرس المفرحة إن كان عدو الخير يبذل كل الجهد ليحول حياتنا الزمنية إلى ليلٍ دامسٍ، باذلًا كل الجهد لتحطيمنا بالأفكار الشريرة وإثارة الشهوات وإلقاء حبال الخطاة علينا، ونصب الشباك في طريقنا، لكننا إذ ننعم ببرّ المسيح يتحول ليلنا إلى شكر وتسبيح وفرح. "في نصف الليل نهضت لأشكرك أحكام برك" [62]. لا يقف الأمر عند الصلاة والتضرع والطلبة، لكن داود النبي يحرص حياة الشكر وسط ليل الضيقات والمتاعب. إنه لا يشكره لأنه ينجيه من التجارب، وإنما لأجل أحكام بره، إذ يحول التجارب إلى بركاتٍ مقدسة. لا يشكر الله وسط شعبه فحسب في العبادة الجماعية وإنما يشكره قبل النوم، كما يقوم في وسط الليل من نومه - ربما وسط البرد - ليقدم تشكرات نابعة من القلب تكشف عن علاقة شخصية خفية مع الله مخلصه. في نصف الليل خرج موسى من مصر (خر4:11) حيث قُتل أبكار المصريين وخلص موسى وشعبه. وفي نصف الليل سبَّح بولس وسيلا الله في السجن الداخلي (أع25:16). كما يقول داود النبي: "إذا ذكرتك فراشي، في السَحَر ألهج بك" مز6:36. قدم لنا القديس جيروم كلمات المرتل هنا كمثال للالتزام بالسهر، قائلًا بأن السيد المسيح أوصانا أن نسهر لكي لا ندخل في تجربة (مت40:26،41) وأنه هو نفسه كان يقضي ليالٍ كاملة في الصلاة (لو12:6)، وكان الرسل يقضون لياليهم في السجن ساهرين يسبحون بالمزامير (أع25:16-38). وقد طالبنا الرسول بولس أن نصلي بلا انقطاع في سهرٍ دائمٍ (كو2:4)، كما تحدث عن نفسه قائلًا: "في أسهار" 2 كو27:11. وقد لام فيجلأنتيوس Vigilantius لأن اسمه يعني "السهر" وهو يرفض تمامًا السهر ويقاومه: [في هذا بالتأكيد يسلك عكس اسمه... لينمْ فيجلأنتيوس إن أحب ذلك وربما يغط في نومه، فيهلك بواسطة ذاك الذي أهلك مصر والمصريين. أما نحن فنقول مع داود: "هوذا حارس إسرائيل لا ينعس ولا ينام" مز4:121. هكذا ليأتِ إلينا القدوس الساهر. وإن كان بسبب خطايانا ينام فلنقل له: "قم، لماذا تنام يا رب؟" مز23:44. وعندما تُضرب سفينتنا بالأمواج نوقظه، قائلين: "يا سيد خلصنا، فإننا نهلك" مت25:8؛ لو24:8]1. * هذه الحقيقة عينها الخاصة بكون رباطات الخطاة تلتف حول الأبرار هي إحدى أحكام الله البارة، بسببها يقول الرسول بطرس: "لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الرب" 1بط4:17. يقول هذا عن الاضطهادات التي تعاني منها الكنيسة عندما تلتف حبال الخطاة حولها. لهذا أظن أن قوله "نصف الليل" يُقصد به الأزمنة الصعبة للمتاعب. لهذا يقول: "نهضت"، وكأن الضيق لم يُحطمه بل أنهضه، حيث ينمو ويقدم اعترافًا أفضل في نفس وقت الضيق؟ القديس أغسطينوس * هذا يعلمنا أن نتلو نحن المسيحيون صلاة نصف الليل، لأن العريس المذكور في الآنجيل يأتي إلى العذارى في نصف الليل، ويدخل بهن إلى الخدر السماوي.يعني القول هنا بأن العمر مثل ليلة مظلمة؛ حيث يأتينا الرب في ساعة لا نعرفها. سبيلنا إذن أن نكون مستيقظين، ننتظر حضوره بمصابيح الطهارة والرحمة، ولا نغفل لئلا نلبث خارج ملكوت الله. لأجل هذا كان الرسولأن بولس وسيلا يصليان في نصف الليل وهما في السجن. أنثيموس أسقف أورشليم * أراد النبي أن يوضح في كلامه أنه لا يهمل الصلاة الليلية أبدًا، حتى أنه يقوم في منتصف الليل أو من عمق نومه. وإننا نجد في سفر الأعمال أن الرسل كانوا يصنعون هكذا: "ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله، والمسجونون يسمعونهما" أع 25:16. لأنه في هذا الوقت بالذات تنشط القوات المضادة، وفيه أيضًا قُتل أبكار المصريين يد المهلك (خر23:12). والعكس في وقت الظهيرة تنشط القوات المقدسة، فنحو الظهر رفع إبراهيم نظره وإذا به يرى ثلاثة رجال واقفين لديه، استقبلهم كضيوف عنده (تك 1:18-5). ويمكنك أن ترى في الأحداث الواردة هنا رمزًا.حقًا، متى يمكن أن يتحقق الظهور الإلهي إلا في أوج النهار؟ وفي المفهوم الروحي الذين يقتنون روح المسيح ويشرق عليهم النور الحقيقي هم نهار، أما الذين يسقطون في الشر ويسيطر عليهم الفساد فهم ليل. لهذا فإن النهوض يكون في نصف الليل. بما أن القوات الشريرة تختار نحو نصف الليل بالذات لكي تعمل، لذلك نهضت - بجسدي كما بروحي- لأشكرك أحكام عدلك. أقول إن وقت التجارب هو الليل، أما النهار فلا أُجرب فيه ولا أكون فيه في خطر. أيضًا لم استسلم للتجارب في شدتها، وإنما كلمتك التي أيقظت روحي لتشكرك، فأعترف لك بخطاياي أو أحمد نعمتك. فإن هذه الكلمة (اعترف) تُستخدم في الحالتين. يلزمنا كل حال أن نشكر أعمال عدل الله، لأن كل شيء إنما يأتي بحكم من الله، سواء في هذه الحياة أو الدهر الآتي. حقًا، إن كل أحكام الله تعبر عن عدله. يليق بنا أن نشكر الله أحكامه في كل وقت، ليس فقط في النهار، وإنما في الليل أيضًا. العلامة أوريجينوس * من هو صديق لنا أعظم من ذاك الذي بذل جسده لأجلنا؟منه طلب داود في نصف الليل خبرات (لو5:11-8) ونالها، إذ يقول: "في نصف الليل سبحتك أحكام عدلك" [62]. نال هذه الخبرات التي صارت غذاءه... لقد طلب منه في الليل... (مز7:6)، ولا يخشى لئلا يوقظه من نومه، إذ عارف أنه دائم السهر والعمل. ونحن أيضًا فنتذكر ما ورد في الكتب ونهتم بالصلاة ليلًا ونهارًا مع التضرع لغفران الخطايا، لأنه إن كان مثل هذا القديس الذي يقع عاتقه مسئولية مملكة كان يسبح الرب سبع مرات كل يوم (مز164:119) ودائم الاهتمام بتقدماتٍ في الصباح والمساء، فكم بالأحري ينبغي نا أن نفعل نحن الذين يجب نا أن نطلب كثيرًا من أجل كثرة سقطاتنا بسبب ضعف أجسادنا وأرواحنا حتى لا ينقصنا لبنياننا كسرة خبز تسند قلب الآنسان (مز14:104،15)، وقد أرهقنا الطريق وتبعنا كثيرًا من سبل هذا العالم ومفارق هذه الحياة1. القديس أمبروسيوس * لا تسيطر كم محبة المجد الباطل، كيف يكون ذلك والكل نائمون لا ينظرون إليكم (وأنتم تصلون في نصف الليل)؟ لا يحل بكم الكسل ولا التراخي؛ كيف يحل بكم ونفوسكم مستيقظة في هذه الأمور العظيمة؟! فبعد مثل هذه الأسهار يحل بكم النوم اللذيذ والاستعلأنات العجيبة. ليفعل هذا ليس فقط السيدة بل والرجل. ليكن البيت كنيسة تجمع الرجال والنساء2. القديس يوحنا الذهبي الفم * يجب أن يشمل وقت الصلاة الحياة كلها. لكن إذا كانت هناك ثمة حاجة ملحة في فترات معينة لأن نتوقف عن السجود والترنم بالمزامير، فإنه يلزمنا مراعاة الساعات المحددة للصلاة بواسطة القديسين. يقول داود القوي: "في نصف الليل أقوم لأحمدك أحكام برك". ونجد بولس وسيلا يقتديان به لأنهما سبَّحا الله في السجن في منتصف الليل (أع25:16). ويقول نفس النبي: "مساءً وصباحًا وظهرًا" مز6:5.3.القديس باسيليوس الكبير * لا ينبغي أن يتحول النوم لإضعاف الجسد كلية لكن لراحته واسترخائه، وأقول لا ينبغي أن يحل بنا لغرض الاسترخاء (التساهل)، لكن لنستريح من العمل. لهذا يليق بنا أن ننام نومًا يسهل معه استيقاظنا (لو35:12-37)... لأنه لا فائدة من إنسان نائمٍ كمن هو ميت. لهذا ينبغي نا دائمًا أن نستيقظ ليلًا ونبارك الله. لأنه طوبى للذين يطلبونه ومن ثم يصيرون أنفسهم كملائكة، فندعوهم "المراقبين" لكن إنسانًا نائمًا لا يساوي شيئًا، فهو لا يعدو أن يكون أكثر من ميت4.القديس إكليمنضس الإسكندري يرى القديس أثناسيوس الرسولي أن حياة القديسين أشبه بعيد لا ينقطع، حياة فرح داخلي، وقد وجد داود النبي في الصلاة الدائمة عيدًا مفرحًا.* بمثل هذه الاتجاهات والسلوك كان القديسون بحياتهم يشبهون أناسًا في حالة عيدٍ. وُجد واحد راحته في الصلاة للَّه، كما فعل الطوباوي داود، الذي كان يقوم في منتصف الليل ليفعل هكذا [62]. آخر عُرف بتسابيح الحمد مثل موسى، الذي سبح أغنية الحمد من أجل نصرته فرعون ورجاله (خر15). آخرون عبدوا بفرحٍ دائمٍ مثل العظيم صوئيل والطوباوي إيليا1. البابا أثناسيوس الرسولي 6. بالوصية نمارس حياة العرس الجماعيةجيد أن يمارس الآنسان حياة الشكر والتسبيح في نصف الليل في مخدعه، لكنه أينما وجد -سواء في المخدع أم في الكنيسة- فهو عضو حيّ في الجماعة المقدسة. ما يمارسه إنما باسم الجماعة كلها، لأنه شريك مع خائفي الرب وحافظي وصاياه. "شريك أنا لكافة الذين يخافونك، وللحافظين وصاياك" [63]. وجد داود النبي لذته في شركة القديسين "خائفي الرب"، إذ يشعر بالآنتماء إليهم. إنه شريك لكافة خائفي الرب: الأغنياء والفقراء، العظماء والعامة، الرجال والنساء، الشيوخ والشباب والأطفال جميعًا. يقول: "القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم" مز3:16. يحدثنا الرسول بولس عن شركة القديسين في الضيق، قائلًا: "من جهة مشهورين بتعييرات وضيقات، ومن جهة صائرين شركاء الذين تُصرف فيهم هكذا" عب33:10. * من كان كاملًا وبارًا، يتحد في مشاعره مع كل إخوته في الإيمان، ولا ينفصل عنهم بأية حال من الأحوال... يمكنه أن ينطق بالعبارة التي نفسرها. يُوجد بعد "الذين يخافونك" "حافظوا وصاياك"، هؤلاء الذين هم أغنياء بالأكثر في الحب لأنهم شركاء في محبة الله. العلامة أوريجينوس * يمكن القول بأن الآنسان الكامل هو "شريك" للمسيح كقول العبارة: "لأننا قد صرنا شركاء المسيح" عب 14:3. لكن المرتل يقول في بداية كلامه: "شريك أنا لكافة الذين يخافونك"، ليس فقط لأجل الذين يخافونك، بل والذين في خوفهم يحفظون الوصايا الإلهية. علامة مخافة الرب هي أن نحفظ وصاياه.القديس أثناسيوس الرسولي * نفهم أيضًا من كلمة "شريك" الصديق الرفيق والشريك، وذلك بالمعنى الذي جاء في سفر الجامعة: "لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه" جا 10:4.لعله أراد القول: إني صديق وشريك لكل الذين يخافون الله ويحفظون وصاياه لأني أنا أيضًا أخافه وأحفظ وصاياه. القديس ديديموس الضرير * يرى القديس أغسطينوس أن المتحدث هنا هو السيد المسيح الذي جعلنا إخوة له وأصدقاء وشركاء وأعضاء جسده خلال عمله الخلاصي.* إنها تخص الرأس نفسه كما جاء في الرسالة التي وردت في العبرانيين: "لأن المُقدِس والمقدَّسين جميعهم من واحدٍ فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة" عب11:2. لذلك يتحدث يسوع نفسه في هذه النبوة عن أمورٍ تخص أعضاءه ووحدة جسده، كما في إنسان واحدٍ منتشر في كل العالم، وقام بالتتابع خلال العصور، وعن أمورٍ تخص نفسه رأسنا. لهذا إذ صار في صحبة إخوته، الله مع البشرية، غير المائت مع المائت، بهذا سقطت البذرة في الأرض لكي بموتها تأتي بثمرٍ كثيرٍ. تحدَّث بعد ذلك عن هذا الثمر عينه قائلًا: "من رحمتك يا رب امتلأت الأرض" [64]... متى يتحقق هذا، إلا عندما يتبرر الخاطي؟ إذ ننموا في معرفة هذه النعمة يقول: "علمني برك" [64]. القديس أغسطينوس 7. بالوصية ننتظر يوم العريس الديانأخيرًا وقد تمتع المرتل بالرجاء في دخول طريق العُرس وتهيأ للعرس بحياة الشكر والعبادة بروح الحب الجماعي، يشارك خائفي الرب تسابيحهم وضيقاتهم، ويشاركونه أيضًا بهجته بالرب وأتعابه. يعلن أنه قد اختبر رحمة الله التي ملأت الأرض كلها، رحمته التي تحققت بالكرازة بالصليب، وها هو ينتظر يوم عدله، أي يوم الدينونة العظيم. "من رحمتك يا رب امتلأت الأرض، فعلمني عدلك" [64]. تمتلئ السموات بمجد الله، وتمتلئ الأرض برحمته التي يسكبها الجميع لكن قليلين هم الذين يدركونها ويعرفون أسرارها، لذلك يصرخ: "علمني عدلك". * إن قوله "من رحمة الرب امتلأت الأرض"، إنما لأنه يشرق شمسه الأبرار والأشرار ويمطر الصالحين والطالحين، وأيضًا لأن تجسد ابنه قد ملأ الأرض من رحمته. أنثيموس أسقف أورشليم * يعلن عن المستقبل (أي عن العهد الجديد) بالنبوة، قائلًا: "من رحمتك يا رب امتلأت كل الأرض" بأناس يخافونك. هذا لا يتحقق إلا بسبب رحمتك، عندما تقدم نفسك معلمًا للبشرية (بالصليب).البابا أثناسيوس الرسولي * إن اعتبرنا كل الأشرار كافرين، إذ يبررون الظلم في حديثهم (مز72:8)، وإن نظرنا إلى طول أناة الله أمام هذه الشرور الكثيرة جدًا، يشرق شمسه الأشرار والأبرار، ويمطر الصالحين والطالحين" مت45:5، نقول: "من رحمتك يا رب امتلأت الأرض فعلمني عدلك"...الله لا يتردد في تم الذين يطلبونه، فهو الذي يعلم الآنسان المعرفة. العلامة أوريجينوس إن كانت الأرض تشير إلى الجسد، فإن المرتل وقد أدرك أنه حتى جسده بكل أحاسيسه وعواطفه وإمكانياته قد تقدس خلال مراحم الله، لهذا فهو يطلب يوم الرب العظيم العادل، الذي يقيم هذا الجسد في المجد مع النفس.نصيبي هو الرب كلمة الرب هو عزاؤنا في طريق غربتنا، فإننا نقبله كعريسٍ يهبنا ذاته: 1. يُسر الرب بالقلب النقي حافظ الوصية، فإليه يأتي وعنده يصنع منزلًا (يو23:14)، ويقدم ذاته للقلب الذي يهب ذاته له. حب متبادل! 2. خلال الملكية المتبادلة بين الله وعروسه - النفس التقية - يلتهب القلب شوقًا إليه فلا يستريح حتى يراه وجهًا لوجه أبديًا [58]. 3. لنحفظ أقدامنا في طريق العريس الملوكي، أي في طريق التوبة بالرجوع إلى النفس تحت قيادة الروح ورد الأقدام إلى شهادات الرب [59]. 4. يليق بنا أن نسرع في الطريق الملوكي ولا نتوانى [60]. 5. لا نبالي بحبال الأشرار التي تحيط بنا لتمنع عنا كل منافذ الخلاص، فإن كلمة الله قادرة حفظنا وحمايتنا في كل الطريق. 6. طريق العريس مفرح، فإن حوَّله الأشرار إلى ليلٍ دامسٍ، نقوم في نصف الليل ونسبح عريسنا بأنشودة الحب وتهليل الروح [62]. 7. طريق العرس جماعي فيه يختبر الآنسان علاقته الشخصية مع عريس نفسه، بكونه عضوًا حيًا في الكنيسة [63]. 8. هذا الطريق ليس مستحيلًا، لأن رحمة الله قد ملأت الأرض [64]. من وحي المزمور 119(ح) نصيبي أنت يا عريس نفسي، ومعك لا أطلب شيئًا! * كل ما هو حولي يشهد لرعاية الله لي وعنايته بي، لكن وصيتك تقدم لي ما هو أعظم. تقدمك لي عريسُا سماويًا، أنت نصيبي وحظي، أنت لي وأنا لك. ماذا أطلب وقد اقتنيت واهب العطايا؟! * أطلب أن أرى أيها الآب وجهك، أرى كلمتك المتجسد، وجهك وبهاء مجدك. لن استريح يا عريس نفسي حتى أراك بعينيْ قلبي. * إذ أراك بقلبي أطلب طريقك الملوكي، أرد قدميّ إلى طريق شهاداتك، الذي رسمته لي. أسرع في السير ولا أتباطأ حتى أنعم بأحضانك. في كل خطواتي أتفكر لكي لا انحرف عن طريقك. مادمت في الجسد لا أتردد عن مراجعة نفسي، ازن أفكاري وكلماتي وأعمالي بميزان وصاياك. اعترف كل يوم بضعفاتي وخطاياي لتعمل أنت فيّ. بهذا أتهيأ ليوم عرسي! * لم تخدعني أيها العريس، سبق فأخبرتني عما يحل بي من الأعداء بهذا هيأتني لكي لا أضطرب. ليلقوا بحبالهم حولي، فأنت أعظم وأقوى منهم! * إذ تشتد الضيقات بي جدًا أحسب نفسي في نصف الليل، أصرخ إليك لا لأطلب انتقامًا، بل لأشكرك أحكام عدلك، لأن هذا هو طريق أكليلي ومجدي! * في نصف الليل حين يستريح الكل وينامون، أجد فرصتي للالتقاء معك يا من لا تنعس ولا تنام! التقي بك خلال حياة الشكر والتسبيح! في نصف الليل حيث لا يراني أحد قط، التقي بك خفية بعيدًا عن كل مجدٍ بشريٍّ باطلٍ! هب لي أن أتشبه بالملائكة إن أمكن لا أنام. هب لي أن أكون شريكًا لخائفيك، حافظي وصاياك! * إن كان الأشرار قد حولوا حياتي إلى ليلٍ دامسٍ، ففي نصف الليل أسبحك يا شمس البر. تتحول حياتي إلى نهارٍ بهيٍّ. أخيرًا ها أنا أترقب مجيئك، تعال يا عريس نفسي! |
||||
21 - 03 - 2014, 06:01 PM | رقم المشاركة : ( 129 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ط - تفسير سفر المزامير 9 - ط خير لي أنك أذللتني [65 - 72]إن كانت الوصية -في عينيْ المرتل- تهيئ المؤمن للعرس السماوي، وتحول كل زمانه -حتى نصف الليل- إلى حياة شكرٍ وتسبيحٍ، فإنه يحتاج إلى يدّ الله المترفقة والمؤدبة في نفس الوقت لكي تدفعه إلى طلب وصاياه. في هذا الاستيخون يرى المرتل تناغمًا بين لطف الله وتأديباته، ففي رعايته الفائقة لأولاده يحول مضايقات الأشرار إلى بنيان نفوس أولاده، ويحسبها تأديبات لنموهم. 1. غاية لطف الله 65،66. 2. التأديب الإلهي وحفظ الوصية 67. 3. التأديب والشكر 68. 4. بين تأديبات الله وظلم المتكبرين 69-72. من وحي المزمور 119 (ط) 1. غاية لطف الله "خيرًا صنعت مع عبدك يا رب بحسب قولك. صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني، فإني قد صدقت وصاياك" [65-66]. كانت إحساسات النبي أن الله يصنع معه خيرًا، حتى إن بدى له كأنه في مرارة. فهو الله صانع الخيرات، يقدم لنا أفضل مما نستحق، يحبنا ويرعانا حتى إن بدت رعايته حازمة، ويخطط دائمًا لخلاصنا ونمونا ومجدنا. يرىالقديس أغسطينوس أن الكلمة اليونانية المترجمة "خيرًا" تعني "عذوبة" أو "حلاوة"، حيث يعطي الرب عذوبة للنفس عند ممارستها للخير وطاعتها للوصية. يمكننا القول أن ما يصنعه الله مع عبده، حتى السماح بالضيقات والمذلة يحمل عذوبة روحية لم يدرك ثمارها وغايتها. لكن بعض المترجمين فضلوا كلمة "خيرًا"، لأن العذوبة يُمكن استخدامها حتى للملذات الجسدية والشهوات الشريرة. * أظن أنه لا يُفهم من هذه الكلمات: "تتعامل بعذوبة مع عبدك" سوى: "جعلتني أشعر بلذة فيما هو صالح". عندما ابتهج بالصلاح، هذا عطية عظيمة من قبل الله. أما عندما يُمارس العمل الصالح الذي تأمر به الشريعة، خوفًا من العقاب، لا بسبب عذوبة البرّ، أي عندما يخاف الإنسان الله ولا يحبه، فهو يمارس عمل العبيد لا الأحرار (يو35:8؛ 1يو18:4). القديس أغسطينوس * الله إله لطيف وصارم كما يقول الرسول بولس (رو 22:11). اللطف نحو الذين يظلون ثابتين في الإيمان، والصرامة تجاه الذين يبتعدون عن الإيمان.إذ كان القديس ثابتًا في الإيمان، قال: "خيرًا صنعت مع عبدك". بقوله: "مع عبدك" يريد أن يوضح أن لطف الله وصلاحه لا يتمتع بهما أحد مصادفة، وإنما الذي يخدمه، وبقوله "حسب قولك" يوضح أن لطف الله إنما يقدم للإنسان بهدفٍ وباعثٍ رشيدٍ. لرغبته في معرفة العلامة الحكيمة والرشيدة لهذا اللطف لا يطلب معلمًا آخر سوى الله الذي يعلمه... "صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني" [66]. إنه يدعو الفضائل الأدبية (كالتواضع والعفة والقناعة) أدبًا. ويدعو الفضيلة العقلية معرفة، كقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "خذوا تأديبي لا الفضة، والمعرفة أكثر من الذهب المختار" أم 10:8. هكذا ينتفع بمكاسبٍ عملية (أدبًا) وعقلية (معرفة). العلامة أوريجينوس * ترجم سيماخوس "خيرًا صنعت..." "حسنًا صنعت مع عبدك"... ليدرك الإنسان المثقف بالإلهيات العمل الإلهي معه فيعرف أن لطف الرب إنما يأتي على الذين يجعلون الرب أمامهم، فيتأهلون لحمل لقب "عبيد" الرب.يوسابيوس القيصري لخص المرتل كل خبرة حياته في العبارة: "خيرًا صنعت مع عبدك" حياته من كل جوانبها الروحية والأسرية وفي العمل حتى الجسدية يتلمس فيها يدّ الله صانع الخيرات، الذي لا يكف عن أن يحوِّل كل شيء حتى مقاومات الأعداء إلى خيرنا، لنقول مع يوسف الحكيم: "أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا" تك20:50.إذ سبق فرأى في الله عريسًا لنفسه، ونصيبها الأبدي، الآن يراه صانع خيرات معه، يتعامل معه شخصيًا، محولًا شدائده إلى ما هو لخيره، فصارت مراثيه تسابيح مفرحة. مرة أخرى يؤكد أن ما يتحقق إنما يقوم على وعود الله الصادقة: "بحسب قولك صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني، فإني قد صدقت وصاياك" [66]. من جهتنا إن فعلنا كل ما أُمرنا به نقول "إننا عبيد بطالون" لو10:17، أما ما نناله من بركات فهي لأمانة وعود الله السخية. خشي المرتل لئلا يظن في الله إنه قاسٍ أو عنيف حينما يسمح له بتجربة قاسية، لهذا مع تصديقه وصايا الله ووعوده، يطلب منه ألا يكف عن أن يعلمه: "صلاحًا وأدبًا ومعرفة" [66]. كأنه يقول: أراك وسط ضيقاتي الله الصالح المؤدب واهب المعرفة! أية معرفة تمتع بها المرتل وسط ضيقاته؟ عرف أن الله صالح، أنقذه من التراخي والكسل والآنحراف بالتأديبات أو دخوله في حالة تذلل. لقد هزته عواصف التجارب لا لتحطمه بل لترده إلى صوابه بحفظ الوصية. يرى القديس إكليمنضس الإسكندري في هذه العبارة سمو المعرفة بشكل واضح: [سمو المعرفة واضح كما وضعه النبي في الكلمات: "صلاحًا وأدبًا ومعرفة"، حيث يقدمها كما في درجة عالية كأساس يقود إلى الكمال1.] * "فلهذا حفظت وصاياك". إذ انهمكت وتأملت بحكمة في الوصايا التي وهبتني إياها آمنت بها حتى حفظتها. امنحنى إذن الحكمة بتعليمي الصلاح والأدب والمعرفة. تتفق هذه الطلبة مع القول: "يا ابني إن رغبت في الحكمة احفظ الوصايا، فيهبها لك الرب" ابن سيراخ 33:1. القديس ديديموس الضرير أدرك المرتل أن الفهم هو عطية إلهية، إذ يقول: "عبدك أنا، فهمني" [125]. لهذا لا يكف عن الصراخ إلى الله كي يعلمه ويهبه معرفة متزايدة، كما يقول "صلاحًا وأدبًا ومعرفة علمني" [66].* يصلي من أجل هذه الأمور لكي تزداد وتكمل. فإن الذين قالوا "يا رب زد إيمإننا "لو5:17 كان لهم إيمان. مادمنا نعيش في هذا العالم فإن هذه الكلمات تعطينا تقدمًا. لكنه يضيف كلمة "فهمًا" أو كما وردت في أغلب النسخ "أدبًا2 discipline". الآن فان كلمة "أدبًا" كما جاءت في اليونانية... تُستخدم في الكتاب المقدس حينما يُفهم التعليم من خلال الضيق، وذلك مثل: "الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله" عب 6:12. في أدب الكنيسة يُدعي "أدبًا". تُستخدم هذه الكلمة في اليونانية في الرسالة إلى العبرانيين حيث يقول المترجم (اللاتيني): "ولكن كل تأديب discipline في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن" عب11:12. لذلك ذاك (المرتل) الذي يتعامل معه الله بعذوبة، بمعنى الذي برحمته يبث فيه البهجة في عمل الصلاح لا يكف عن الصلاة باستمرار حتى تنمو فيه هذه العطية، فتهبه أن يحتقر كل الملذات الأخرى بالمقارنة بها، بل ويكون مستعدًا لاحتمال أي نصيب من الآلام من أجلها. هكذا بطريقة صحية يُضاف التأديب إلى العذوبة. هذا التأديب يلزم ألاَّ يُرغب فيه ويُصلي من أجله لأجل قياس قليل من النعمة والصلاح، أي من الحب المقدس، بل من أجل قياس عظيم هكذا حتى لا ينطفئ بواسطة التأديب... القديس أغسطينوس 2. التأديب الإلهي وحفظ الوصية "قبل أن أتواضع (أذلل) أنا تكاسلت، فلهذا حفظت أنا كلامك" [67]. كثيرون يتذللون أثناء الضيق فيعرفون أنفسهم، ويدركون ضعفهم، ويتضعون أمام الله، ويمارسون عبادته بإخلاص وفي جدية. وربما بغير الضيق ما كانوا يتمتعون بهذا كله. لقد اختبر داود النبي نفسه ذلك، ففي فترات ضيقه كان ملتصقًا جدًا بالله، وكان قلبه أيقونة حيَّة لقلب الله. أما وقد بنى له قصرًا وترك قيادة المعركة لغيره وتمشى على السطح انحرف إلى سلسلة من الخطايا وكاد يهلك لو لم يُرسل له الله ناثان النبي لإيقاظه، ثم لحقته المتاعب والضيقات بلا توقف. * يقول إنه بسبب الخطايا التي سبق فارتكبتها يذلني الله بتأديبه، لهذا احتاج أنا الذي سُلمت إلى التأديب إلى التعلم لكي أفهم أن ما لحق بي من مذلة إنما كان لأجل الصلاح والتأديب. البابا أثناسيوس الرسولي * يوجد سببان لحكم الله عليه هكذا، إذ يوقع على البعض عقوبة بسبب أخطائهم، وعلى آخرين لكي يمتحنهم ويعلن استحقاقهم. إذ يعلم المرتل موقفه السيء يعترف إنه قد أخطأ، ومع هذا يقول: "حفظت أنا كلامك". فمع أنني تذللت بسبب ارتكابي الخطية، إلا أنني تخلصت من المذلة لأنني حفظت قولك وأنجزته باستقامة.القديس ديديموس الضرير * يقول أوريجينوس وثاؤدورس: إننا نخطئ بفكرنا قبل سقوطنا في المعصية التامة التي تذلنا وتخضعنا للشيطان، فنتصور الخطية في خيالنا، ونقبلها في ذهننا... بهذا نفتح المجال لدخولها.أنثيموس أسقف أورشليم * من الصالح لأواني الرحمة أن تشعر أنه بطرح الكبرياء تُحب الطاعة، ويهلك البؤس ولا يعود مرة أخرى.القديس أغسطينوس يبدو أن الأوريجانيين قد أساءوا فهم هذه العبارة وغيرها مثل قول المرتل: "اخرج نفسي من الحبس" مز7:142 فقالوا إن النفس أخطأت وضلت لذلك دُفنت في جسد بشري كعقوبة لها1. 3. التأديب والشكر مادام تأديب الله لنا نابع عن صلاحه وحبه لنا، كي يدفعنا إلى حفظ وصاياه عوض عصياننا، لهذا نشكره على كل ما يحل بنا، حاسبين تأديباته عطية من قبل عنايته الإلهية. عوض التذمر نقدم شكرًا له، وعوض الاعتراض على أحكامه نطلب أن يعلمنا حكمته. "صالح أنت يا رب، فبصلاحك علمني حقوقك" [68]. * يقول البعض "حلو أنت يا الله" [68] أو "صالح أنت يا الله"، كما سبق لنا معالجة هذه الكلمة، "فبعذوبتك علمني أحكامك". بالحق يرغب أن يمارس برَ الله، إذ يرغب في ذاك الذي يقول له: "حلو أنت يا رب". القديس أغسطينوس * بفحصي لذاتي أعرف أنني أخطأت فعلًا، وبإدراكي لصلاحك أعرف أنك صالح وعندك الصلاح، لذلك أطلب أن أتعلم منك حقوقك وأحكامك أنت لا أحكام آخر غيرك.القديس ديديموس الضرير يرى يوسابيوس القيصري أن الكلمة اليونانية لا تعني أن الصلاح مجرد سمة وإنما تمس جوهر الله بكونه هو الصلاح في ذاته. يعرف المرتل ذلك جيدًا، أن الله هو الصلاح، ومع هذا فهو يحتاج إلى الله لكي يرشده بنفسه ويعلمه أحكامه وحقوقه ويتفهم الصلاح.شتان بين المعرفة العقلية المجردة أن الله صلاح وحب، وبين أن يكشف الله لنا عن صلاحه وحبه ولطفه، فنذوق ونختبر الله عمليًا في حياتنا. الله الكلي الصلاح يُحول نفوسنا الفاسدة إلى شركة طبيعته! هذا ما يبعث فينا روح الشكر والتسبيح لله "الصلاح". بمعنى آخر لسنا نسبحه بأفواهنا ونشكره بألسنتنا، إنما تسبحه قلوبنا وتتغنى به طبيعتنا بشركتها في حياته وتمتعها بخبرة صلاحه فيها! مع كل معرفة صادقة يمتلئ القلب فرحًا واللسان تسبيحًا، ومع كل جهالة تمتلئ النفس تذمرًا ويضيق القلب جدًا... لهذا لا يخجل المرتل من أن يطلب على الدوام: "علمني". 4. بين تأديبات الله وظلم المتكبرين تسبح نفوسنا صلاح الله الذي يجدد طبيعتنا بعمل نعمته مستخدمًا اللطف كما الحزم، الحنو كما التأديب. فإن معاملاته معنا غير معاملات الناس، خاصة معاملات المتكبرين معنا. الرب يؤدب خلال أبوته الحانية أما المتكبرون فيبثون روح الظلم. "كثر على ظلم المتكبرين، وأنا بكل قلبي أبحث عن وصاياك" [69]. إن كان ظلم المتكبرين قد انهال على المرتل حتى صار ككومة عظيمة، لكن هذا كله لم يفقده البحث عن وصايا الله بكل قلبه، علة هذا خبرته بعذوبة الوصية. * يقول: على أي الأحوال إذ يتزايد الظلم لا تبرد فيَّ المحبة (مت12:24). كأنه يقول: الذي فيه عذوبة الله يتعلم برّ الله. فبالنسبة لوصايا ذاك الذي يعيننا بقدر ما تكون عذبة يحب الله ويطلبها، لكي يتممها عندما يتعرف عليها، ويتعلمها بممارسته إياها، فإنها تُفهم بأكثر كمالٍ عندما تُمارس. القديس أغسطينوس * كلما اصطف إنسان بار إلى جانب الله امتلأ فيه سلام الرب، وفي نفس الوقت يكثر ضده المتكبرون كمصارعين أقوياء؛ هؤلاء يبتغون له الشر، سواء كان هؤلاء بشرًا أو قوات شريرة. على أي الأحوال، عندما يحدث هذا لا يمتنع البار عن حفظ وصايا الله بكل قلبه حتى يمكنه أن يفهمها ويتممها. يتحول قلب هؤلاء المتكبرين من اللطف والحنان إلى القساوة. وكما يقول المرتل: "تجبن مثل اللبن قلبهم، وأنا لهجت بناموسك" [70]. قبل الكبرياء كان قلبهم لينًا ووديعًا وصالحًا حتى يمكن مقارنته باللبن الذي يغذّى. لكنهم إذ لبسوا الكبرياء تصلب قلبهم وتقسى، وتحول اللبن إلى "جبن" (في صدرهم). وكما يقول المرتل: "قلبهم السمين قد أغلقوا، بأفواههم قد تكلموا بالكبرياء" مز 10:17. ويقول إشعياء النبي: "غلظ قلب هذا الشعب" إش 10:6. ربما أراد هذا النص القول بإننا كما نستخدم ثدييْ الأرض كأكثر الأعضاء خصوبة وجمالًا هكذا قلب الحكماء مثل ثديين مملوئين لبنًا يغذى من يرغب فيه. "اللبن العقلي العديم الغش" 1بط 2:2. لكن إذا ما تحول هذا الإنسان إلى الشر يتجبن فيهم ما كان لهم من لبن جيد، لذلك يقول المرتل: "تجبن مثل اللبن قلبهم" [70]. وإذ يحدث هذا لدى المتكبرين يقول البار: "كثر على ظلم المتكبرين، وأنا بكل قلبي أبحث عن وصاياك... وأنا لهجت بناموسك". العلامة أوريجينوس * الذين يظهرون الكبرياء يدبرون ضدي كل أنواع المكائد، ومع هذا لم أنجذب إلى الفساد والطغيان معهم، لأنني اتبعت وصاياك.الأب ثيؤدوريت * كثير من الماكرين الذين سخطوا على وصاياك، والذين يستخدمون كلمات كثيرة ليحطموا وصاياك (في حياة مؤمنيك)، هؤلاء اتعبونى بسبب ظلمهم، مستخدمين كلمات مخادعة، قادرة أن تبعد غير الثابتين في الرب عن وصاياك، لكنني في غيرتي واشتياقي نحو هذه الوصايا بكل قلبي حفظتها. لهذا فإنني إذ تأملت خلال هذه التجربة القاسية جمال وصاياك أدنت جميع الذين يريدون إبادة هذه الوصايا.القديس ديديموس الضرير * يقول لقد بلغت عجرفتهم وكبرياؤهم إلى الحد الذي فيه غلظ قلبهم وتجبن بسبب طابعهم المادي.البابا أثناسيوس الرسولي * بعدما سقاهم معلموهم "اللبن العقلي العديم الغش" 1 بط 2:2، لم يستطيعوا أن يهضموه، بل تراكم وتخثر وتجبّن فيهم... أما أنا فأتلذذ بشريعتك. أُظهر كل غيرتى حتى أفهمها، لأن حكمتها ليس فقط تبدد الضباب، وإنما تحطم أيضًا غلاظة الطبيعة المادية.القديس ديديموس الضرير إن كان الأشرار المتكبرون يبذلون كل الجهد ليحطموا ارتباطي بالوصية، مستخدمين كل خداعٍ وظلمٍ، لكنهم يفقدون اللبن العديم الغش ليتجبّن في صدورهم ويفسد، أما بالنسبة لي فتصرفاتهم تدخل بي إلى المذلة والآنسحاق فأتعلم بالأكثر فرائض الله."خير لي إني تذللت لكي أتعلم فرائضك" [71]. ربما كان الأشرار يستهزئون به قائلين إنهم يعيشون في رفاهية، ينجحون في كل طرقهم، أما هو فحياته كلها متاعب وضيقات، مع ذلك كان يحبهم، عالمًا بأن طريق الضيق يدخل به إلى المعرفة الإلهية. * إذ يتقبل التجارب القاسية والصعوبات التي اعتاد أن يطلق عليها "تذللًا" يقول هذه الكلمات (خير لي إني تذللت) التي تعني: "لذلك أُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (أنظر 2 كو 10:12)، حتى انني إذ احتمل هذه الآلام أتأهل لتعلم فرائضك. فإنه لن يستطيع أحد أن يعرف فرائضك ما لم يتذلل، محتملًا آلامًا عديدة. العلامة أوريجينوس * هذه الضيقات نافعة للقديسين حتى يمارسوا الاعتدال والاتضاع، فلا ينتفخون بصنعهم المعجزات والآيات الصالحة، لهذا يسمح الله بها لتحقيق هذا الهدف. إننا نسمع داود النبي وبولس يقولأن نفس الشيء. الأول يقول: "خير لي أن أكون في تعبٍ لكي أتعلم فرائضك" [71]، والأخير يقول: "اختطفت إلى السماء الثالثة"، وذهبت إلى الفردوس... "لئلا أفتخر من فرط الإعلأنات أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني" (2كو 2:12، 4، 7). القديس يوحنا ذهبي الفم * إن كان التأديب للعظماء والصالحين عظيمًا (صالحًا)، كم بالأحرى يكون بالنسبة لنا2؟! القديس يوحنا الذهبي الفم * إذا ما انتاتبنا الضيقات، فلنشكر، فهذا يقربنا لله كما لو كان مدينًا لنا. لكن حينما نشكر ونحن في ترف نكون نحن المدينين ومطالبين بإيفاء الدين... حينما نال حزقيا بركات وتحرر من النكبات ارتفع قلبه عاليًا، وحينما ألمّ به المرض تذلل واتضع فصار قريبًا من الله1. القديس يوحنا الذهبي الفم يختتم المرتل حديثه عن التأديب بتقديره العظيم للشريعة الإلهية أو الوصية التي نتعلمها خلال دخولنا في الضيق والألم، يدعوها "ناموس فمه"، لأن عذوبة الوصية مصدرها أنها حديث شخصي بين الله والمؤمن، يتحدث معه كما لو كان فمًا لفمٍ. يقول المرتل: "ناموس فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة" [72]. يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم: هل كان القديس بطرس فقيرًا حينما لم يكن له ذهب ولا فضة ليعطي المقعد؟ * هذا يعنى خير لي الناموس الصادر عن فمك؛ الذي هو المسيح. إني أستهين بالقطع الذهبية والفضية المتألقة لكي أتلذذ بناموس فمك وأتنعم به. يمكننا القول بأن "ناموس الفم" هو ترتيب الكلمات الصادرة عن فم الله: الكلمات الأولى قيلت للمبتدئين، بينما الكلمات التالية قيلت لمن تسلم الأولى حتى يبلغوا الكمال. العلامة أوريجينوس * يقول النبي أنه بالنسبة له خير له شريعة فم الله أكثر من كل شهوات العالم، مشيرًا إلى الشهوات بالقطع الذهبية والفضية المتألقة. القديس أغسطينوس * بالتفسير الرمزي، الفضة تمثل العقل، والذهب يشير إلى الروح، فمع وجود آلاف من القطع الذهبية والفضية التي يستخدمها المجادلون بحكمة العالم في مدارس الفلسفة، إلا أن الذي يعيش الحكمة الإلهية والحق الإلهي يقول: "ناموس فم الرب خير لي". حقًا إن الناموس الصادر عن فم الله هو وحده الذي يمكنه أن يقدم المكسب الحقيقي للذين يتمسكون به.القديس ديديموس الضرير ألوف الذهب أو الفضة قد تضيع أو تسرق أو تمثل خطرًا على حياة صاحبها أما ناموس فم الرب فيقدم غِنى ثابتًا إلى الأبد، لا يستطيع أحد أن ينتزعه منا. بين مضايقات الأشرار وتأديبات الله قلنا أن الأشرار يلقون بحبالهم على أولاد الله لكي يمنعوا عنهم كل منفذ للخلاص، لكن الله في اهتمامه بأولاده يحول هذه المتاعب إلى بركة لنموهم، يحولها إلى تأديبات إلهية لبنيانهم. 1. ملخص حياة المؤمن كلها هي "خيرًا صنعت مع عبدك" [65]؛ هذا هو حكم القلب النقي الذي يعبّر عن شكره لله في كل الأحوال، واثقًا "أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" رو 28:8. 2. يستخدم الله التأديبات لينزع عنا الكسل ويحثنا على حفظ الوصية [67]، وقد طلب المرتل مع ثقته في صدق أحكام الله أن يعلن الله عن صلاحه كمؤدبٍ وأن يقدم له معرفة وسط الضيقات [66]. 3. خلال المعرفة الصادقة الإلهية لا نتذمر بسبب الضيقات بل نشكر الله على رعايته، واثقين في حكمته، قائلين له: "حلو أنت يا رب!" [68]. 4. لا تخف من مضايقات المتكبرين، فقد قيل: "كل آلة صُورت ضدكِ لا تنجح، وكل لسان يقوم عليكِ في القضاء تحكمين عليه" إش 17:54. من وحي المزمور 119(ط) يدك تترفق بي حتى في تأديبي! * في تأديبك لي تقدم لي معرفة بناءة، فأتعرف على صلاحك الفائق، تستخدم تأديباتي لبنيان نفسي والدخول إلى الكمال! * إن كان التأديب نافعًا كدواء للعظيم في الآنبياء، فكم يكون نافعًا لضعفي؟! * بتأديبباتك تكشف عن خطاياي فأتذلل أمامك، فاعترف بها وأقدم توبة. بتأديباتك تسندني فأحفظ وصاياك. * حلو أنت يا الله وصالح حتى عند تأديبك لي. تأديباتك لي تبعث فيَّ حياة الشكر لا التذمر. أسبحك لا بلساني فحسب بل وبكل قلبي. * إذ أشكرك ياإلهي وقت الضيق تحسبني دائنًا، فترد الشكر ببركات لا حصر لها . وإذ أشكرك وقت الترف إنما أرد ما عليّ من دين! |
||||
21 - 03 - 2014, 06:04 PM | رقم المشاركة : ( 130 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ي - تفسير سفر المزامير 10 - ي أحكامك عادلة[73 - 80] عندما نتحدث عن تأديبات الله لمؤمنيه وأيضًا موقف الأشرار المتكبرين منهم تُثار بعض الأسئلة حول عدالة الله: أين هي العدالة الإلهية؟ أين هي عنايته بقديسيه؟ لماذا يسمح لأولاده بالضيق؟ أما المرتل فيقدم نفسه وحياته إجابة حية للمتسائلين: 1. إني خليقتك موضع حبك 73 2. إني مثال عملي يجيب على التساؤلات 74 3. لقد وهبتني عدالة أحكامك 75 4. برحمتك تعزيني 76 5. برأفتك تهبني الحياة 77 6. حطمت افتراءات المتكبرين 78 7. ليجتمع بي خائفوك 79 8. كمِّل عملك معي 80 تساؤلات حول عناية الله من وحي المزمور 119(ي) 1. إني خليقتك موضع حبك "يداك صنعتاني وجبلتاني، فهمني فأتعلم وصاياك" [73]. في كل الأجيال تثور الأسئلة السابقة حول عدالة الله وعنايته خاصة عندما تحل بالآنسان ضيقات لا ذنب له فيها، أما المرتل فعوض تقديم الأسئلة يُعلن عن حاجته إلى إدراك أسرار أحكام الله والتعرف عليها، لأننا خليقته التي لا تشك قط في عدالة خالقها وحبه اللانهائي ورعايته. فالضيقة لا تدفع المرتل إلى التساؤلات بروح الشك واليأس وإنما بالأحرى إلى طلب كشف حكمة الخالق والآب السماوي له، أي إلى الرغبة في التعلم. إنه واثق أن الله الذي خلقه يهتم به ويدبر أمور حياته. وكما يقول موسى النبي: "أليس هو أباك ومقتنيك، هو عملك وأنشأك؟!" تث 6:32. يقول أيوب: "أذكر أنك جبلتني كالطين، أفتعيدني إلى التراب؟!" (أي 9:10). إن كان الفخاري يعتز بالآناء الخزفي الذي يشكّله من الطين فبالأولى الله الذي أقام آدم من التراب، وقد صوّره على صورته ومثاله، ووهبه عطية العقل والإدراك... أما يقدم له علمًا وفهمًا متزايدًا ليدرك أسرار حكمة الله فيشكر ويسبح؟! يقول الله لإرميا النبي: "قبلما صورتك في البطن عرفتك" إر 5:1 ليعلن عن مدى اهتمامه به ورعايته... إن كان الله يعرفنا قبل أن نولد، فهو يطلب منا أن نعرفه ونتعرف على سماته وحكمته، فنلتقي معه على مستوى الحب الحق المتبادل والقائم على المعرفة الصادقة الفائقة. بقوله "يداك" يرى البعض أنه يشير إلى ابن والروح القدس، إذ يقول الله في صيغة الجمع: "نعمل الآنسان على صورتنا كشبهنا" تك 26:1. * يُقال إن يديْ الله الآب هما ابن الوحيد والروح القدس، إذ هما (مع الفارق) واردتان عن مصدرٍ واحد ولا تفارقانه أبدًا، ولا ينحل اتحادهما، لكنهما متلاصقتان مع الجسد ومتمايزتان فيما بينهما. كذلك ابن الوحيد والروح القدس صادران عن الآب وحده ومتصلان به وببعضهما في وحدة اللاهوت، ومتمايزان من جهة الأقانيم... لذلك كتب أيوب الصديق في الأصحاح العاشر بإلهام إلهي: "يداك كونتاني وصنعتاني، أفتبيدني؟!" (انظر أي 8:10). لقد استعار داود المغبوط هذا القول من أيوب المطوّب. أنثيموس أسقف أورشليم يرى القديس أغسطينوسأن تعبير "يديْ الله" يشير إلى السيد المسيح وحده أو إلى ابن والروح القدس. * يدا الله هما قوة الله... لنفهم يديْ الله قوة الله وحكمته، أعُطي اللقبان للمسيح الواحد (1كو 24:1)، حيث يُفهم أيضًا تحت رمز "ذراع الرب" إش 1:53 إذ نقرأ: "لمن اُستعلنت ذراع الرب؟". أو ليفهموا يديْ الله: ابن والروح القدس؛ حيث أن الروح القدس يعمل مع ابن..." القديس أغسطينوس * أخيرًا ربما يقرر أن أحد القديسين تقبل التقديس من ابن والروح القدس، قائلًا: "يداك صنعتاني وجبلتاني" [73]1.القديس أمبروسيوس أما تكراره "صنعتاني" و"جبلتاني" فيرى البعض أنه يشير إلى خلقة الجسد والنفس، وكأن الله خالق الآنسان بكليته يهتم أيضًا بكل احتىاجاته الجسدية والروحية، فإن كان يهتم ببنيان النفس وخلاصها فهو أيضًا يمجد معها الجسد الذي يقوم في يوم الرب العظيم... يهتم به في هذا الزمان الحاضر كما في الدهر الآتي، يهتم حتى بعدد شعور رؤوسنا. * تشكَّل هيكل أجسادنا ونفوسنا بيد الفنان الإلهي نفسه2. القديس قيصريوس أسقف آرل ويرى البعض في هذا التكرار إشارة إلى خلقة الآنسان وتجديده في مياه المعمودية على صورة خالقه.مادام الله هو الخالق والمجدد لخلقتنا لذلك لا يشك المؤمن قط في عناية الله به، إنما في دالة البنوة يصرخ: "فهمني فأتعلم وصاياك" [73]. * أنت يا رب صنعتني إنسانًا فهيمًا. إذن فهمني، وكمِّل ما نقص مني من الفهم. أنت جبلتني لكي أكون من خاصتك، وهذه الخصوصية لا تصير إلا بعمل وصيتك. لأنك في الابتداء فرضت على وصية واحدة، لكن الآن إذ صارت سقطاتي كثيرة احتاج إلى وصايا كثيرة. لك أن تُفهمني فأتعلمها، حتى إذا ما أفهمتني إياها أتممها. أما الأشرار فيغتمون ويقولون: هذا غير نافع لنا، ومقاوم لأعمالنا ويجعلنا في عار بعصياننا للشريعة". أنثيموس أسقف أورشليم * "فهمني فأتعلم وصاياك" [73]... عندما علم مخلصنا تلاميذه قال في البشارة بحسب القديس متى الآنجيلي: "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجلٍ عاقلٍ" مت 24:7. إذن هل يمكن العمل بهذه الوصايا دون أن أفهمها؟!العلامة أوريجينوس يقول أبوليناريوس: [عن هذا الإدراك يقول بولس الرسول أيضًا: "افهم ما أقول، فليعطك الرب فهمًا في كل شيء" 2تي 7:2. هذه الطلبة موجهة إلى الخالق، وهي طلبة منطقية، تعني: تعهد خليقتك، كمِّل الكائن المفكر وهبه التعقل والإدراك والفهم. ذاك الذي أعددته ليحيا في حبك، اجعله يعيش في حبك بمعرفته إرادتك، لأنه منذ البدء احتاج الآنسان إلى التعلم...]يقول القديس أغسطينوس أنه يمكنه أن يقدم لشعبه ما يستمعون إليه من كلمات، أما الفهم فهو عطية إلهية. يقدم الكلمات للآذان، أما الله فيقدم الفهم للقلوب. * يتحقق الاستماع بواسطتي، لكن من يقدم الفهم؟ إني أتحدث مع الأذن لكي تستمع، لكن من يتحدث مع قلبك للفهم؟ بلاشك يوجد من ينطق بشيء من الحق يدخل قلبك، فلا يقف الأمر عند ضجيج الكلمات التي تضرب أذنك، بل يوجد شيء من الحق يدخل قلبك. يوجد من يتحدث مع قلبك وأنت لا تراه. إن كان لكم فهم يا إخوة فالحديث موجه إلى القلب. الفهم هو عطية القلب. إن كان لكم فهم، من ينطق بهذا في قلوبكم إلا ذاك الذي يُوجه إليه المزمور: "فهمني فأتعلم وصاياك"1؟ القديس أغسطينوس 2. إني مثال عملي يجيب على التساؤلات تساؤل المرتل داود ينبع عن ثقته في الله خالقه، الذي أقامه كائنًا عاقلًا، ولا يبخل عليه بالكشف عن إرادته الإلهية، واهبًا له المعرفة والفهم. لهذا إذ يتطلع خائفوا الرب إلى داود يجدون فيه مثلًا حيًا للحوار مع الله وسط الآلام فيفرحون ويطمئنون، مشاركين إياه ثقته في الرب. "الذين يخافونك يبصرونني ويفرحون، لأني بكلامك وثقت" [74]. علامة الشركة الحقيقية أنه إذ يتعزى عضو في وسط آلامه يفرح معه خائفوا الرب ويتعزون، وما يتمتع به أحدهم يحسبونه عطية للجميع. وكما يقول داود النبي: "يسمع الودعاء فيفرحون، عظموا الرب معي ولنعلِ اسمه معًا" مز 2:34. "الصديقون يكتنفونني لأنك تحسن إليّ" مز 7:142. * يبصر أتقياء الله أعمالي الحسنة ببصيرة حسية، وفضائل نفسي ببصيرة عقلية، ويفرحون لثقتي في كلامك. أنثيموس أسقف أورشليم * يأخذونني قدوة عندما ينظرونني، كيف؟ "بكلامك وثقت"، وينتظرون أن ينالوا ذات المنافع.يوسابيوس القيصري * ليس كل الذين يرون البار يفرحون، فإنه بالنسبة (للأشرار) حتى التطلع إلى البار يكون ثقيلًا، لأن حياته لا تشبه حياة الآخرين، وسُبله مختلفة عن سبلهم (الحكمة 14:2-15)، لهذا يرون البار في غير نقاوة. وبقدر ما يكون التطلع إلى البار ثقيلًا بالنسبة لهم يكون مفرحًا بالنسبة للإنسان التقي.يمكن أن تفهم كلمة "يبصر" إما بطريقة حسية، وتعني الإنسان الظاهر، وإما بمفهومٍ روحي ويعني نفسه (الإنسان الداخلي)، أي أفكاره وعقله وحكمته؛ بهذا نرى البار فنبتهج به ونفرح بمعرفته. العلامة أوريجينوس * يمكن أن نفهم ذلك هكذا أن خائفي الرب كاملون، ولا يعوزهم شيء (مز 1:34)، وأبرار... يريدون أن يتقدم الكل ويستفيدون، وهم يبتهجون بكل ما يرضى الله، متشبهين بسكان السماء الذين يفرحون بالتائبين (لو 7:15).ويمكن أيضًا أن تعني بأن (خائفي الرب) هم أقل تقدمًا، يبصرونني فيفرحون لأني بكلامك وثقت. يرونني أرغب الحياة في اتحاد كامل مع كلامك هذا، لكيما تتفق أفكاري وأفعالي مع تعليمك، وبسبب خوفهم من السقوط تحت طائلة العقاب الخاص بالأشرار والخطاة حسب أحكامك، يمتنعون عن الشر. إنهم يخافونك بطريقة بها يبصرونني فيفرحون، خلال امتناعهم عن الخطية، لا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2كو 7:9)، وإنما بغيرة كي يستعيدوا القوة، لأنهم هم أيضًا يثقون في كلامك. القديس ديديموس الضرير يرىالقديس أغسطينوس أن خائفي الرب هنا هم الكنيسة التي هي جسد المسيح، تبصر ذاك الذي وثق في كلام الله فيفرحون... أي يبصرون أعضاء في جسد المسيح فيفرحون من أجل ثقتهم في كلمات الرب. وكأن المؤمنين يرون إخوتهم المشاركين لهم في الإيمان يفرحون بهم من أجل إيمانهم بكلمة الله. 3. لقد وهبتني عدالة أحكامك "قد علمت يا رب أن أحكامك عادلة، وبحق أذللتني" [75]. ثقتي في كلامك تثير الأشرار وتفرح خائفيك [74]، أما من جهة نفسي فإنني أدرك عدالة أحكامك وأن ما تسمح به لي من تأديبات أو ضيقات أو ظلم الأشرار إنما عن استحقاق، فأنا خاطئ ومحتاج إلى المذلة كسندٍ لي. إنني خلال المصاعب أتمتع بعونك دون أن أفقد رجائي فيك؛ وخلالها أتدرب على الجهاد الروحي فأتمتع بسلسلة من النصرات. بنعمتك التمس عنايتك وسط الآلام فأثبت بالأكثر فيك. * كل ما يحدث هو بحكمة الله. والمؤمن يعتقد بأن "أحكام الله عادلة"، لكنه ما لم يحصل على "علم" فإنه لا يعرفها. أما غير المؤمن، فعلى العكس، ليس فقط ليس لديه هذا الإيمان وإنما يتجنى أيضًا على العناية الإلهية بخصوص هذه الأحكام. إذن يوجد من يؤمن بها وأيضًا من لا يؤمن بها. من يبلغ إلى حالة أفضل لا يقف عند الإيمان فقط بل و"يعلم"، أي تصير له معرفة أحكام الله وكل ما يحدث للإنسان، فقد قبل النبي هذه المعرفة. "قد علمت" تختلف عن "قد آمنت" [66]. فإن من يؤمن قد لا تكون له المعرفة بذات القدر. قال يسوع للذين آمنوا به: "إن ثبتم في كلامي فإنكم تعرفون الحق والحق يحرركم" يو 32:8. قال "تعرفون" للذين آمنوا، حيث لا يُعطى الإيمان بالضرورة المعرفة؛ لذلك يميز الرسول بولس بين الإيمان والمعرفة، وبين الإيمان والحكمة، وذلك في قائمة مواهب الروح (1كو 8:12،9). "قد علمت يا رب أن أحكامك عادلة، وبحق أذللتني"، تعني أذللتني حسب الحق وحسب حكمك. كثيرًا ما أُلاحظ في كثير من المواضع في الكتاب المقدس، خاصة في المزامير، إن كلمة "أذللتني" تشير إلى "طرحتني في التجارب". العلامة أوريجينوس عجيب هو الله أبونا في محبته لنا، فإنه ليس مثل عالي الكاهن الذي لم يردع ابناءه عندما أخطأوا (1صم 13:3)، إنما يؤدب ومع تأديبه يعطينا "معرفة" و"علمًا" إن سألناه. قد يسبب التأديب مذلة مؤقتة، لكن المعرفة واكتشاف حكمة الله تحول المذلة إلي شكر وفرح وتسبيح مع تعزيات سماوية فائقة. 4. برحمتك تعزيني بالحق دخل المرتل إلى المذلة [75]، وها هو بالرحمة يتمتع بالتعزية الإلهية [76]. يبدأ بالحق ويليه الرحمة وقد ارتبط الاثنان معًا كقول المرتل "كل سبل الرب رحمة وحق لحافظي عهده وشهاداته" مز 10:25. إنه لم يطلب من الله أن يرفع عنه عصا التأديب، إنما طلب مع ما ناله من معرفة إلهية وسط الضيق ألا يُحرم من رحمة الله التي قدمها وعدًا عامًا لكل البشر، وخاصًا بكل مؤمنٍ، إذ يقول: "فلتأتِ على رحمتك لتعزيني، نظير قولك لعبدك" [76] * من كان ضعيف الرأي وقليل الإيمان لا يتحقق أن الله يسمح بالمحن والشدائد بحكم عادل فيتضجر، وأما الواثق بالإيمان الكامل يعرف أنها تحدث بحقٍ واجب، فيطلب التعزية من رحمته، أي من كلمته أو ابنه الوحيد، الذي جاء ليعزي المحزونين حسبما وعد بلسان إشعياء النبي أنه من قبل ابن تأتي الرأفة التي تحيي دارسي ناموس الله، أعني به المقدس، دراسة عملية. أنثيموس أسقف أورشليم * تعلم النبي كمناضل أن يحتمل كل ما يصيبه، فلا يطلب في صلواته أن تبعد عنه الآلام التي تحزنه، إنما يطلب في وقت الحزن من الله كلمة تعزية قوية تسمح له أن يحتمل الآلام بفرحٍ كاملٍ وسلامٍ.ؤعندئذ يقول: ارحمني فأختبر التعزية وأجد الشجاعة.إنه مثل الرسول بولس الذي كان يطلب التعزية عندما جُرب، فكان ينعم بها، لذلك قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا" 2كو3:1-4. فإنني أستطيع بعد نوالي هذه التعزية أن أعزي من هم في حزنٍ أو ضيقةٍ. طوبى لمن يستطيع القول: "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" مز19:94. العلامة أوريجينوس * رحمة الآب هي (بتجسد) ابن، الذي يعزي قلوبنا الساقطة تحت سلطان (طغيان) إبليس... تحنن على عبيدك كما وعدت بالتعزية.القديس أثناسيوس الرسولي * لتأتِ على رحمتك لتعزيني وتشجعني؛ فإن كثيرين إذ ينالون تعزية ينخدعون، حاسبين أنهم نالوها من حكمتهم وبعقلهم، أما أنا فلكي لا أضل مثلهم، فالنسبة لي، أنا عبدك "لتأتِ على رحمتك نظير قولك".العلامة أوريجينوس * حقًا يبدأ هنا أولًا بالحق الذي به نتذلل حتى الموت، وذلك بحكم ذاك الذي أحكامه هي برّ، بينما نتجدد للحياة وذلك بوعد ذاك الذي بركاته هي نعمة من عنده. لهذا يقول: "نظير قولك لعبدك" [76]، أي حسب ما وعدت به عبدك. سواء كان ذلك هو التجديد الذي به صار لنا التبني بين أبناء الله، أو الإيمان والرجاء والمحبة، حيث يُبني الثلاثة فينا، وهي تأتي من مراحم الله؛ مع هذا فإنه في هذه الحياة المملوءة بالعواطف والمتاعب توجد تعزيات البؤساء لا أفراح المطوبين. القديس أغسطينوس 5. برأفتك تهبني الحياة "ولتأتني رأفتك فأحيا، فإن ناموسك هو درسي" [77]. إن كان المرتل ينسب كل تعزية إلى نعمة الله السخية المجانية لا إلى قدراته الفكرية أو إرادته القوية، فإنه يشعر بالدين بحياته كلها لرأفات الله؛ بها يحيا، وبناموسه أو وصيته يتأمل ويدرس ويتلذذ. * الطبيعة الآنسانية بكاملها في حاجة إلى "رأفات الله" حقًا، فإنها ما لم تأتِ لا نستطيع أن نحيا الحياة الحقيقية، الحياة المستترة "مع المسيح في الله" كو 3:3. لنتعلم أيضًا القول: "ناموسك هو درسي"، ولنكرس أنفسنا لدراسة الأسفار المقدسة. العلامة أوريجينوس * في كثير من المواضع الأخرى، وليس هنا فقط، نجد ذكر "رأفات" الله، لهذا يلزمنا أن نتأمل أن ابن الوحيد الجنس والروح القدس الواهبا الحياة هما رأفات الله.يُدعى الله - حسب تعليم الرسول المملوء حكمة - "أبو الرأفة" 2كو 3:1. القديس ديديموس الضرير إذ تقيم مراحم الله ورأفاته المؤمن -وهو في وسط ضيقاته- كما من الموت فيحيا ويلهج في ناموس الرب بلذة، يعكف على دراسته ولا ينشغل بافتراءات المتكبرين، يترك الأشرار في شرهم يسكبون عليه العار والخزي. ينشغل المؤمن بوعود الله اللذيذة الواهبة الحياة ويرتبك الأشرار في خزيهم. يتمتع المؤمن بثمر كلمة الله اللذيذة وينال الأشرار ثمر مخالفة الوصية. 6. حطمت افتراءات المتكبرين "وليخزَ المتكبرون، لأنهم خالفوا الشرع على ظلمًا. وأنا كنت مثابرًا على وصاياك" [78]. أدرك المرتل عدالة أحكام الله، ففي عينيْ نفسه يرى أنه مستحق كل تأديب، لكن خلال مراحم الله ينعم بالتعزيات الإلهية وسط الضيقات، وخلال رأفاته يتمتع بالحياة، إذ ينعم بالشركة مع الآب في ابنه بروحه القدوس. والآن ما هو موقف المتكبرين الذين يفترون على المرتل ويضيقون عليه؟ بينما هم منهمكون في تدبير المؤامرات ونصب الشباك الخفية إذ بالله يخزى خططهم، بينما ينهمك المرتل في الجهاد في تنفيذ الوصية الإلهية بغير ارتباك. * إذ أحصل على عونك يخزى الأشرار والبشر أعداء الحق، وبينما هم في عارٍ وخزيٍ إذ بي لا انتفخ بل أناجي بوصاياك. القديس أثناسيوس الرسولي * لا ينطق النبي بهذه الصلاة ضد المتكبرين الذين ظلموه أو افتروا عليه، وإنما لصالحهم. فإنه طالما لا يعي الخاطي خطيته لا يخجل منها، أما إن صار في وعي بها فإنه يشعر بالخجل... لأتعلم أنهم إنما افتروا على زورًا، أما أنا فلا أفعل شيئًا إلا أن أثابر على وصاياك.العلامة أوريجينوس * حينما تسمعون الخطاة يُلعنون في الكتاب المقدس، فلتدركوا أن ذلك يخص المتكبرين كما قلت، أي الذين يدافعون عن خطاياهم. أيضًا كلما سمعتم المساكين يطوّبون لا تحسبون هذا يحدث مع كل المسيحيين، بل فقط مع المسيحيين الودعاء والمتضعين بقلوبهم1. الأب قيصريوس أسقف آرل 7. ليجتمع بي خائفوك "وليرجع إليّ الذين يتقونك ويعرفون عجائبك"[79]. يطلب المرتل للمتكبرين الخزي، أي الشعور بالخطية، لتوبتهم؛ كما يدعو خائفي الرب كي يجتمعوا معه في الإيمان فينعموا بتعزيات الله ورأفاته. يرى البعض أن داود النبي نطق بهذه الكلمات ليعلن رغبته في التمتع بصداقة القديسين، هؤلاء الذين تركوه بعد قتله أوريا الحثي، إذ حسبوا ذلك عارًا، لا يليق بخائفي الرب2. إنه يطلب من الله أن يرجعوا إليه ليعيش بين أتقيائه، فقد رجع هو بكل قلبه إلى الله وصار بلا عيب بهذا يعرف متقوا الرب كيف صارت حياة داود أعجوبة. * يريد النبي من متقي الرب أن يتجهوا إليه ويقتربوا منه حتى ينالوا النعمة التي صار هو فيها. العلامة أوريجينوس 8. كمّل عملك معي "وليصر قلبي بلا عيب في عدلك، لكي لا أخزى" [80]. إذ يطلب للمتكبرين التوبة ولخائفي الرب التمتع بذات النعمة التي نالها لا ينسى في النهاية نفسه، طالبًا النمو في الحياة التي بلا عيب، أي البارة. لقد قدم الخطاة أولًا للتمتع بالتوبة ثم المؤمنين للشركة معًا في الحياة الإيمانية الحية، وأخيرًا يطلب من أجل نفسه كي يتوب عن خطاياه، وينمو لعله يبلغ قمة الكمال، فلا يلحقه قلق أو خزي. * كيف يمكن لقلب الآنسان أن يصير بلا عيب، أو حسب المترجمين "كاملًا"؟ بفرائضك! وما هي ثمرة ذلك؟ إننا لا نخزى، لأن كل الخطايا تستوجب الخزي. العلامة أوريجينوس تساؤلات حول عناية الله يجيب المرتل على التساؤلات حول عدل الله وعنايته: 1. الآنسان هو خليقة الله موضع حبه، لا يليق به أن يتشكك في صلاح الله وعنايته به. عوض التساؤلات يلزم طلب المعرفة والتعلم [73]. 2. أبدع الله في خلقة الآنسان بكل كيانه الجسدي والنفسي والروحي... فهل يهمله بعد الخلقة؟ 3. حبك يتطلب حزمك معي وتأديبك لي وإذلالي إلى حين [75]. 4. يهب الله مع التأديب "معرفة" لمن يسألها، تحول المذلة إلى تسبيح. 5. يطلب المؤمن مراحم الله بكونها وعدًا شخصيًا له من قبل إلهه [76]، تقيمه كما من الموت إلى الحياة [77]. 6. يتهلل قلب المؤمن بعطايا الله ووعوده بينما يخزى الأشرار المتكبرون بمخالفتهم الوصية [78]. 7. بينما ينشغل المتكبرون بالمؤامرات يتمتع المؤمن بشركة مع خائفي الرب [79]، ويتنقى قلبه فيصير بلا عيب [80]. من وحي المزمور 119(ي) أنت خالقي... فهمني عدلك! * أنت جابلي، هل للجبلة أن تسألك عن عدلك؟ خلقتني كائنًا عاقلًا، فهب لي عطية الفهم عوض التساؤلات الكثيرة. إنني كإنسان أقدم تفاسير وكلمات للآذان، أما أنت فتهب القلوب فهمًا، فتدرك عدلك! * كثيرون يتساءلون عن عدالتك؟ هؤلاء يرونني فرحًا في أحزاني، لثقتي في مواعيدك وكلماتك، فيقتدون بي ويطمئنون ويفرحون! هكذا أنت تعزيني، فأعزي من هم حولي! * ثقتي في وعودك تثير الأشرار وتفرح خائفيك. لقد تأكدت أن كل المتاعب هي لخيري، نعمتك أكيدة حتى في أمرّ لحظات حياتي! أحكامك عادلة، ورعايتك فائقة على الدوام. أما الأشرار فيتجنون على عنايتك. * تسمح لي بالتجارب فأتذلل إلى حين، لكن مع المذلة تهبني علمًا ومعرفة، هكذا تحول حكمتك تذللي إلى شكر وتسبيح مع تعزيات سماوية. لست أطلب رفع عصا التأديب، بل أطلب أن تقدم لي معرفة وسط الضيق ورحمة مع التأديب! * هب للمتكبرين الخزي، هؤلاء الذين صبوا الظلم عليّ. لا أطلب نقمة لنفسي، إنما أطلب أن تفضحهم أمام أعينهم فيرجعون إليك. أنني اشتهي خلاصهم لا هلاكهم! * بالحب اشتهي توبة المتكبرين، وبالحب أطلب شركة خائفيك! ليجتمعوا معي، وأنا معهم... فنصير واحدًا فيك!هب لي نقاوة القلب فأصير بلا عيب! |
||||
|