07 - 06 - 2016, 06:16 PM | رقم المشاركة : ( 12971 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حاملات الطيب
بعد مضيّ السّبت و”باكراً جدًّا” في أوّل الأسبوع، أي في ما سيسمّى لاحقًا “يوم الربّ” (راجع رؤيا 10:1)، تأتي إلى القبر ثلاث نساء: مريم المجدليّة ومريم أم يعقوب وسالومة. من أين لهنّ هذه الحماسة؟ من أين أتتهنَّ هذه الجرأة؟ إنَّ شجاعة هؤلاء النسوة تأتي من قوّة الحنان، من قوّة المحبّة عندهنَّ. الرسل كانوا خائفين… في حين استحقَّتِ النسوةُ حاملات الطِّيبِ أن يكنَّ أوّل من أُعلن له خبر القيامة: “قد قام. ليس هو ههنا” (مر6:16)، فأصبحن، بذلك، مبشِّرات (رسولات) الرُّسُل: “اذهبن وبشّرن الرسل بذلك”. كيف أذوقُ قوّة القيامة منذ الآن، وقبل أن أموت، وقبل القيامة العامَّة؟ أنا أعيش في وسط القلق والمرض، أو في وسط الفقر، والعَوَز، واليأس، إنّي أحيا في وسط عدم الاستقرار في بلدي! أين يسوع القائم في كلِّ هذا؟ مَنْ يُدَحْرِجُ ليَ الحجرَ عن كلِّ هذا الضّعف والفساد؟ الدّنيا هي “وادي دموع” بحسب كاتب سفر المزامير، ولكن! يوجد تعزية، لا بل تعزيات نحصل عليها في هذا العالم: تعزية الله القائم فينا، تعزية الكنيسة، تعزية الإخوة، تعزية الكتب المقدَّسة، تعزية الإيمان والرّجاء، وخصوصاً تعزية المحبّة التي “لا تسقط أبدًا”. هذه التعزية الإلهيّة في داخلي تعطيني القوّة لأتخطَّى آلآم هذا الدّهر الحاضر، وحتى آلآم الموت. من أين تأتي هذه التعزية؟ من سُكْنَى النعمة الإلهيّة فينا. والنعمة الإلهيَّة تستقرُّ فينا متى اقتنينا الروح القدس. هذه خبرة الكنيسة وقدِّيسيها. من أراد أن يتعزّى في هذا الدهر الصعب فليسْعَ لاقتناء الطيب الروحي الذي ينسكب علينا من لدن الآب بالإبن. |
||||
07 - 06 - 2016, 06:19 PM | رقم المشاركة : ( 12972 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تعاليم آبائية حول شفاء الانغماس في الملذات
حيث أن الانغماس في الملذات هو الهوى الرئيسي الذي تنبع منه الأهواء الأخرى، فإن من يريد أن يحرر نوسه من طغيان أهواء الجسد ينبغي أن يحوّل اهتمامه في هذا الاتجاه. يعلِّم القديس نيكيتا ستيثاتوس أن الشخص الذي يباشر الجهاد من أجل التقوى وهو مبتدئ في الحرب ضد الأهواء “ينبغي عليه أن يحارب بدون توقف ومن خلال كل أنواع التجارب ضد روح الانغماس في الملذات”. جهاده الرئيسي هو ضد هوى الانغماس في الملذات إذ هنا تبدأ الحرب من أجل الحرية الداخلية. إلا أنه ليس كافياً أن نريد التحرر من هوى الانغماس في الملذات وحسب. ينبغي علينا أيضاً أن نكون خبراء في هذا النوع من الحرب فلكلّ حرب طريقة مختلفة. توجد قاعدة في هذه الحرب الداخلية وهي وجوب الجهاد ضد أسباب الأهواء. ينطبق ذلك على الانغماس في الملذات أيضاً. إننا نفحص مصدر هذا الهوى وما يثيره، ثم نحارب هذا السبب. “لأن خطايانا تُجتَث بمجرد أن نصل لبغض أسبابها ونحاربها” (القديس ثيوغنسطس). لا ينبغي علينا أن نتجنب الأسباب فقط ولكن أن نبغضها. يتحقق ذلك بالتوبة الحقيقية التي هي مصدر الشفاء الحقيقي. ينبغي علينا أيضاً، بخلاف محاربة الأمور المثيرة للذة الحسية، أن نختبر الألم. لقد ذكرنا ذلك بالفعل، بحسب تعاليم الآباء النسكية المملوءة نعمة، اللذة الحسية مرتبطة بالألم. يخلق إشباع الرغبة في اللذة ألماً، واختبار الألم يبطل اللذة. عندما نتحدث عن اختبار الألم، فإننا نعني الأحزان اللاإرادية والنسك الإرادي كالمرض، والحرمان، والموت، وضبط النفس، والصوم، والسهر، وما إلى ذلك. يعلِّم القديس مكسيموس المعترف أن “الألم هو موت اللذة الحسية”. من الضروري بالنسبة لنا أن نتألم، لأن هذه هي طريقة شفائنا من اللذة. “يتعين علينا أن نتألم لأن طبيعتنا انخرطت في اللذة الحسية”. بالإضافة إلى ذلك، يعلِّم القديس مكسيموس أن كل الخطايا تقريباً تُرتَكَب بهدف الحصول على لذة، واللذة تبطَل بالضيقة والحزن. إنه يعني بالضيقة والحزن كلاً من الشدائد الإرادية من أجل التوبة، والأحزان الآتية من خلال التدبير الإلهي “الحاصلة بواسطة عناية الله”. تشفى اللذة بالضيقة، إما الضيقة الإرادية التي للتوبة، أو الضيقة غير الإرادية الناتجة عن الصعاب التي تواجهنا في الحياة. التوبة، التي هي حزن إلهي، تحطم اللذة. “تحطيم اللذة هو قيامة النفس” (القديس ثالاسيوس). نستطيع أن نقول نفس الشيء عن التجارب في حياتنا. إننا نواجه كل المحن الآتية علينا من خلال العناية الإلهية بصبر واحتمال، مؤمنين أن هذه هي الطريقة التي تحررنا من هوى الانغماس في الملذات. إننا لا ننبذ الألم لأننا نعلم أن الألم هو جزء من التجديد. إنه يبيد اللذة الماضية ويجعلنا قادرين على أن نعى ما هو نافع لنفوسنا بحق. على كل حال، ينصح الآباء القديسون بصبر كبير في هذا الجهاد. تتطلب ممارسة النسك الصبر والاحتمال: “الجهاد المستمر ينفي محبة اللذة” (القديس ثالاسيوس). ينبغي على النفس أن تكون مجتهدة ومجاهدة، وينبغي عليها أن تحب العمل الشاق. “الاحتمال الصبور هو جهاد النفس، وحيث يوجد الجهاد يختفي الانغماس في الملذات” (القديس ثالاسيوس). يعد كل المجهود النسكي الذي للإيمان الأرثوذكسي على أنه جهاد، ويشتمل ذلك على ضبط النفس، والصلاة، والصوم، والسهر، والطاعة. يعلِّم إيليا القس أن الخضوع للأهواء يُمحى من النفس من خلال الصوم والصلاة، ويُمحى الانغماس في الملذات من خلال السهر والصمت. يقول القديس ثالاسيوس “ضبط النفس، والصبر، والمحبة المصحوبة بالألم المستمر” يجفف الملذات الحسية التي للجسد والنفس. يعلِّم القديس نيكيتا ستيثاتوس بأننا نجعل روح الانغماس في الملذات خاملاً من خلال الصوم، والسهر، والنوم على الأرض، والأعمال الجسدية، وقطع إرادتنا الشخصية “بتواضع النفس”. إننا نجعله في نفس الوقت غير متحرك وغير فعال، ونقوده إلى سجن ضبط النفس بواسطة دموع التوبة. يساعد العمل النسكي لكل من الجسد والنفس على شفائنا من هوى الانغماس في الملذات. يأتي احتقار اللذة من خلال الخوف أو الرجاء، من خلال معرفة الله أو محبته (القديس مكسيموس المعترف). تتطور المباهج الداخلية من خلال الخوف من الدينونة ومن الله، أو من خلال ترجي الفردوس، أو من خلال معرفة الله الروحية ومحبته، وبتعبير آخر من خلال شركتنا معه. عندئذ نتحرر من الملذات الخارجية. يحرر نمو حواس الإدراك الداخلية النفس. هذا هو السبب الذي يجعل التقليد الأرثوذكسي يشير باستمرار إلى تحول الملذات الحسية. يملأ الله نفس الإنسان ولا يدعها تسعى للشبع من خلال اللذة الحسية. حيث أننا جميعاً مبتدئون في هذا السياق الروحي، ولا نعرف ما ينبغي عمله في كل موقف من مواقف حياتنا، أو أين نوجه انتباهنا بالضبط، يكون من الضروري أن نطيع شيخاً مميزاً. إنه سوف يرى بخبرته الشخصية، ولكن أيضاً بواسطة نعمة الله، الأهواء الرابضة داخلنا ويشفينا. يكتب القديس يوحنا السلمي أنه عندما كان موجوداً في البرية خارج القلاية حيث كان السواح يعيشون، سمعهم يحنقون على شخص ما غير موجود. لقد كانوا يوبخونه بمرارة وغضب كما لو كان موجوداً بحق. عندئذ نصحهم أن يتركوا حياة الوحدة “لئلا يتحولوا من أناس إلى شياطين”. لقد رأى أيضاً آخرين يعيشون في جماعات رهبانية، والذين على الرغم من كونهم حسيين وفاسدين، كانوا “محبين للأخوة وللوجوه الجميلة”. لقد كانوا متأدبين من الخارج، ودودين ويصنعون الخير للآخرين. نصحهم القديس يوحنا السلمي أن يتبعوا طريقة الحياة النسكية “لئلا يتحولوا من مخلوقات عاقلة إلى حيوانات غير عاقلة”. في الحالة الأولى، كان السواح في خطر التحول إلى شياطين، وفي الحالة الثانية كان الرهبان في خطر التحول إلى حيوانات غير عاقلة. يكمل القديس يوحنا السلمي قائلاً أنه على كل حال كان يوجد آخرون أخبروه أنهم سقطوا في كل من هذين الشرين: ففي بعض الأحيان كانوا غاضبين، وفي أحيان أخرى كانوا متنعمين. لقد أوقفهم عن قيامهم بترتيب حياتهم الشخصية ونصحهم أن يعيشوا في الطاعة لشيخ مميز، وأن يفعلوا أي شيء يأمرهم به. يوضح ذلك أن الانغماس في الملذات هو هوى خطير جداً، يظهر نفسه كل مرة بشكل مختلف، وبالتالي يحتاج لطريقة مختلفة للتعامل معه في كل مرة. يساعد الهدوء في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تساعد الحياة في شركة رهبانية. يمكن تحديد ذلك من قِبَل الشيخ المميز عديم الهوى. إنه الطبيب الذي يشفى بدون خطأ جراح نفس الإنسان. ينبغي علينا أن نلقي بأنفسنا في الجهاد لكي نشفى من هوى الانغماس في الملذات الشرير، الذي يغلق علينا داخل أنفسنا و لا يدعنا نرى الأمور بوضوح أو لا يدعنا ننفتح على الله. لو كنا نحب اللذة الحسية فإننا نكون غير محبين لله. الانغماس في الملذات هو خطيئة العائشين في الأيام الأخيرة. يكتب القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس قائلاً: “ولكن اعلم هذا أنَّه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنَة صعبة، لأنَّ الناس يكونون محبين لأنفسهِم، محبين للمال، متعظِّمين، ……ممحبين للَّذّات دون محبة لله” (2تي3: 1-2، 4) لا يستطيع محبو اللذة أن يحيوا حياة روحية، أو أن يشعروا بحلاوة الحب الإلهي. إنهم لا يستطيعون، ولا يريدون، أن يروا الحياة وراء الحواس. إنهم منحصرون في محبة ذواتهم. إنهم لا يعترفون بالمرة. فهم عندما يعترفون بخطاياهم، يوجهون اهتمامهم نحو الأطراف فقط، ولا يرون المشكلة الرئيسية أبداً، وبالتالي لا يجدون أي نفع في الاعتراف. الانغماس في الملذات هو مذاقة الجحيم الذي يبدأ في هذه الحياة ويقود للمرارة غير المحتملة وألم الجحيم الآتي. ليت الله يحررنا من طغيانه. الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس |
||||
07 - 06 - 2016, 06:19 PM | رقم المشاركة : ( 12973 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح قام، حقاً قام
في التقليدين الحضاري والكتابي لإسرائيل القديم، كان الجحيم مكان استقرار الأموات، كلهم بلا تمييز. إنه المستقر الآيل إليه كل حي، على ما في سفر أيوب (30: 23). وبين ما حمله من حضارته القديمة وما فهمه من الإعلانات الإلهية، تصور إسرائيل القديم استقرار الأموات في الجحيم وجوداً ظلياً، أو شبه وجود، إذ لا قيمة له البتة وهو أشبه بالـ “لا وجود”. في عمق أعماق الأرض، حيث الجحيم، ظلام دامس يحجب وجه الله فلا يستطيع الأموات أن يسبحونه ولا حتى أن يكون لهم في أمانته رجاء. “هل يحدث أحد في القبر برحمتك أو في الهلاك بحقك، هل تعرف في الظلمة عجائبك وعدلك في أرض منسية”، يقول صاحب المزامير في مناجاة أليمة (88: 11-12). أقسى ما في مأساة الميت إذاً أنه يمسي من الله منسياً. إزاء هذا الواقع الموجع، وجد شعب إسرائيل في طول العمر على الأرض وفرضية الانضمام إلى الآباء (تكوين 25: 8) تعزية عن ما هو مصير البشرية ومسارها المحتوم. بيد أن هذا الجحيم، وفي أحيان كثيرة، ما عاد يكتفي بمجرد انتظار الوافدين إليه بل كان يباغت بشراً وهم في عز قوتهم. ففي سفر أشعياء أيضاً تفتح الهاوية فاها لتلتهم “وجهاء صهيون وعامتها وكل صرح فيها” (5: 14). التعزية التي وجدها إسرائيل لنفسه، والتي تكلمنا عنها آنفاً، ما عادت تكفي. إذذاك فهم المؤمنون أن قدرة الجحيم على اجتياح أرض الأحياء سببتها الخطيئة التي أوجدت – في أرض الأحياء – موتاً. هكذا تطورت فكرة الجحيم في وجدان شعب الله فصار (الجحيم) مكان الرقاد الذي يستيقظ منه الأبرار إلى الحياة الأبدية، والأشرار إلى العار الأبدي، في يوم القيامة العظيم على ما في سفر دانيال (12: 2). إن نزول المسيح إلى الجحيم، في إيماننا المسيحي، هو مسألة عقائدية محورية وهو من حقائق العهد الجديد الأكيدة. فالذي بشر الأرواح السجينة التي كانت قد تمرّدت قديماً كان ينبغي أن ينزل إليها، وهو نفسه الذي “قد مضى إلى السماء وملائكة وقوات وسلاطين مخضعة له”، على ما في رسالة القديس بطرس الأولى (3: 19-22). ما كان للمسيح اتصال بأسرى الجحيم لو لم يمت حقيقة كإنسان، وما كان ليمضي إلى السماء إلى يمين الله لو لم ينتصر على الموت قائماً. ما من بشارة يحملها إلى الأموات لو لم تكن خبر تحريرهم. القديس بطرس يتحدث أيضاً، في خطبة أمام اليهود في أورشليم، عن نزول المسيح إلى الجحيم (بموته) وظفره عليه (بقيامته) “بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق”، أي بتدبير إلهي، مستشهداً بصاحب المزامير الذي “سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح إنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً” (أعمال 2: 24، 31). لم يقل الرسول “لم ينزل إلى الهاوية”، بل “لم تترك نفسه في الهاوية” وهذا يعني أنه نزل إليها. وفي معرض حديثه عن سر الصعود يبين الرسول بولس، في رسالته إلى أهل أفسس، أن المسيح الرب نزل أولاً إلى “أقسام الأرض السفلى” قبل أن “يصعد فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل” (4: 9-10). هذا وفي كل مرة نتلو دستور إيماننا نعترف بأن يسوع المسيح هو الرب، وبأنه قام من بين الأموات. قلنا فيما خلا إن الظلمة كانت تحجب عن الموتى وجه الله، أي إنهم هم كان محرومين رؤيته. لكن الهاوية والهلاك كانا مكشوفين أمام الله على الدوام (أيوب 26: 6)، وأنفس الأسرى كلها محصاة. ولما أتت ساعة الغلبة ما عاد الجحيم قادراً على الاحتفاظ بواحد من أسراه لأن المسيح ابن الله اقتحمه بذاته، بسلطان سيادته على الحياة والموت. حتى موت السيد على الصليب كان الجحيم المقر النهائي لكل حي، وما كان لنفس أن تخرج منه. لذا كان ينبغي أن ينزل المسيح بنفسه، وهو الذي لا قدرة للجحيم عليه، ليفجّر ذاك السجن الدهري من داخله فاتحاً للموتى باب الولادة الجديدة، صائراً بكر القائمين من بين الأموات على ما يسميه سفر الرؤيا (1: 5). هبة الحياة الأبدية ما كانت لتتحقق لو لم تسقط – نهائياً – أبواب الجحيم. هذا هو الفداء الذي طالما انتظرته البشرية المحكومة منذ آدم بالانفصال عن وجه الله، الجحيم الذي ما بعده جحيم. أما الثمرة الأبدية لهذا الفداء واستمراره هو الكنيسة، التي لن تقوى عليها أبواب الجحيم من بعد (متى 16: 18). |
||||
07 - 06 - 2016, 06:20 PM | رقم المشاركة : ( 12974 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصلاة تقتضي الإيمان
الصلاة تستلزم مسبقاً الإيمان. الناس الذين لا يصلّون هم بلا معونة، مترددون، عميان ووحيدون. إنّهم مربوطون بالأرض لا يعلمون كيف يطيرون عالياً، ولا كيف يحترقون لامعين في السماء، ولا كيف يتمتّعون بالسند السماوي الضروري. إنهم يحاولون أن يجمعوا كنوزاً على الأرض. إنهم يطلبون اللذة بشكل دائم، لكي تجلب لهم الفرح، بالرغم من أنها بالحقيقة لا تجلب إلا المزيد من الألم. إنه لمحزن وباعث للأسى أن يُطلب الفرح في الوحل. يبدأ الصعود نحو السماء بندامة، بالتوبة الحقيقية، بتأنيب الضمير. حري التذكّر أننا لم نُخلَق للعودة إلى التراب. حياة الأهواء لا تجلب بالحقيقة الفرح والاكتفاء. الارتباط الشديد بأشياء هذا العالم هو خطأ فادح وتظهر كلفته بالنتائج المريرة. ليس من غير المجدي التقدم لتجاوز المرئي. بمقدور كل واحد أن يقوم بهذا. كل ما يحتاجه هو أن يريد ذلك، أي أن يمتلك رغبة حقيقية. في البداية نكون مترددين، خجولين، خائفين ولا نرغب بالمخاطرة بالكثير. قد نجد الأمر غير قابل للهضم، غريباً، غير طبيعي، مستحيلاً وفي كل الأحوال ليس لنا. نظن أننا نمارس لعبة مهينة آثمة وأننا خطأة جداً وما شابه. لكن الصلاة ليست للقديسين فقط. إذا صليّتَ باتضاع واحتشام يصير قلبك أكثر حلاوة، مستنيراً، معززاً وهادئاً. يحس القلب بقيمة المجهود للصلاة. إنه يشعر بالغبطة والجذل والأمان والتحصين والراحة. يدرك أن الصلاة حاجة عظيمة للنفس، حركة طبيعية، ووظيفة إلهية. تصير الصلاة عملاً صالحاً بدلاً من عادة شكلية، بهجة يومية ونعمة، تماماً كما يحتاج الجسد غذاءه اليومي لكي يصون ذاته، كذلك تطلب النفس الخالدة. من غير الممكن أن نحب الله دون أن نرتبط به ونكلّمه ونصلي إليه. علينا دائماً أن نفكّر به ونستدعيه. تذكُّر الله هو صلاة بحد ذاته. أنت تتذكر المحبوب وتفرح. استدعاء الله هو مصدر فرح وسلام وبركة. من دون الصلاة، تكون النفس ملفوظة وضعيفة ومريضة. الصلاة تمنح الصحة الروحية والتوازن والتمييز والتنوير والبركة. الصلاة تسلّحنا ضد الخطيئة. الذين يصلّون يدخلون في حوار مع الله ولا يشغلون ذواتهم في أمور تافهة. إنهم يتعلّمون الاتضاع والرزانة والبساطة والمحبة. إنهم أطفال الله المحبوبون. الصلاة نعمة عظيمة من الله لنا. الراهب موسى الأثوسي |
||||
07 - 06 - 2016, 06:21 PM | رقم المشاركة : ( 12975 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من الموت إلى القيامة
اليوم احتشد الجميع ليروا يسوع الذي أقام لعازر من بين الأموات. كانت المؤامرة قد حيكت على المعلّم لأن اليهود لم يطيقوا أن يقال بأن يسوع أقام شخصًـا من الموت، ولم يتحمّلوا أن يظهر المعلّم الجديد بقوة. ولكنه هو أراد أن يكمل طريقه، وطريقه كانت إلى الموت، إذ كان لا بد له أن يُذبح من أجل خطايانا ومن أجل محبتنا، وقد قادته محبته هذه إلى التضحية الكبرى. عاش يسوع أجمل قصة حب لأن حبه كان طاهرا بالكلية وكان كبيرا ولا يطلب ما لنفسه بل يطلب ما للآخرين. يسوع هو الإنسان الوحيد الذي عاش من أجل الآخرين في حين أن كلا منّا يعيش من أجل شهوة لنفسه صغيرة أم كبيرة. دخل إلى أورشليم قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها إذ كان لا بد أن يُقتَلَ في قلب بلاده. كان لا بد له أن يذبحه “الأتقياء” أو المعتبرون كذلك، لأن المأساة أن يسوع قتله الناموس، قتلته شريعة موسى، أو قتله غيورون على الشريعة لأنهم حسبوه انه نقض السبت ولم يحافظ على الطرق التي اصطنعوها لأنفسهم ليُظهروا تمسكهم بيهوديتهم. يسوع حُرّضَ عليه عند مطلع حياته التبشيرية، في مستهل السنوات الثلاث التي قضاها بين الناس. حُرّض عليه لأنه شفى يابس اليد في يوم سبت. ابتدأت المؤامرة لكونه أحبّ ولكون الناس لا يحبّون. لم يقبلوا أن يظهر في ما بينهم إنسان يحبّ حتى النهاية ولا يكون فيه غش ولا خداع ويكون كله صفاء من أجل الله والآخرين. يسوع كان عارفا بأن المكيدة التي دُبّرت طيلة أعوام ثلاثة كان لا بد لها أن تنفّذ في أورشليم. وجاء من الجليل إلى اليهودية مارّا ببيت عنيا حيث أقام صديقه لعازر، مُظهرا بذلك انه يستطيع هو أن يقوم. دشّن قيامته بأعجوبة أمس فرسم للعالم انه سيقوم. رسم للناس انهم سيقومون جميعا، وليس فقط في اليوم الأخير، لأنه قال لمرتا عندما أكّدت له أن أخاها سيقوم في اليوم الأخير، انه لا يتكلم عن يوم الدينونة، إنما عن قيامة حاصلة: “أنا القيامة والحياة، من آمن بي، وإن مات، يحيا” (يوحنا 11: 25). ولكنه كان لا بد له أن يموت قبل ذلك لان الحب يُميت. كان لا بد له أن ينزل إلى قاع الموت، إلى أسفل دركات الموت. كان لا بد له أن يذوق الموت حبا بالمائتين حتى لا يموت أحد في ما بعد بل نحيا جميعنا في إيماننا به ومحبتنا له، وله وحده. وإذ ذاك يقوم كلٌّ منا من خطيئته، ويقوم من كبوته، ويقوم من موته. كان يستطيع أن يدخل إلى أورشليم راكبا على حصان كالملوك والعظماء، ولكنه قال في الإنجيل: “إن الذين يُحسبون رؤساء الأُمم يسودونهم، وعظماءهم يتسلطون عليهم، أما أنتم فلا يكون فيكم هكذا. ولكن من أراد أن يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما، ومن أراد أن يكون فيكم أوّل فليكن للجميع عبدا” (مرقس ١٠: ٤٢-٤٤). أراد يسوع أن يصبح خادما وهو ملك الملوك ورب السماء والأرض. ركب على جحش ودخل دخول المتواضعين إلى مدينة الكبرياء. لامس بهيمة لكي يُعتقنا من البهيمية. مسّ حيوانا لكي لا يبقى شيء من الحيوانية في إنسان. ودخل المدينة بعد أن حيّاه بعض الصغار وبعض من أصدقائه المُخلصين. كان يعلم أن بقية الشعب سوف تُشترى، وسوف تُرشى، وسوف تنادي بقتله. دخل والصبية فرحون لكونهم أنقياء، ولكن رؤساء الشعب كانوا يريدون تنفيذ المكيدة. دخل إلى الهيكل، هيكل أبيه، إلى قلب أورشليم، وهناك رأى الصيارفة وباعة الحمام الذين يتاجرون بالدِّين، وطهّر الهيكل منهم. فيما ندخل في الأسبوع العظيم، فلنذكُر أن السيد لامسَ حمارا صغيرا لكي لا يبقى أثر من الحيوانية فينا، لكي تُمحى الخطيئة ونصبح أنقياء. وإذا سرنا على هذه الطريقة، فإننا بلا ريب واصلون إليه. وان لم نسِرْ، فليس لنا عيد حقيقي. تبقى لنا بهجة وثنيّة |
||||
07 - 06 - 2016, 06:23 PM | رقم المشاركة : ( 12976 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
“ملكوته ملكوت أبدي، وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون”
قد تبدو هذه الآية، المأخوذة من سفر دانيال (٧: ٢٧)، غريبة عن واقع حالنا اليوم. فكيفما نظرنا إلـى عالمنا الحاضر، نجـد حــكّام الشعوب وعـلى تنوّع الأطُر والأساليب التي أوصلتهم إلى حيث هم، نجدهم لا يدركون (ولعلّهم حتى لا يأبهون) أنه ما كان لهم من سلطان لو لم يعطى لهم من فوق (يوحنّا ١٩: ١١). وأنهم مؤتمنون لا على من تولّوا عليهم وحسب، بل وأيضاً على المساهمة – من حيث هم – في تحقيق ملكوت الله على الأرض. فشعوب الأرض كيفما صُنّفَت، “متطورة” أو”نامية” أو”في طور النمو” أو”متخلّفة”، نرى ثمّة من يُخضعها، ومهما تنوّعت الأساليب، إلى كلّ ما هو آيل بها إلى الابتعاد عن حقّ الله. أتضليلاً بالإيديولوجيات، أو قمعاً بالحديد والنار، أو إغراقاً في دوّامات الاستهلاك و/أو “تسميماً” بمفاهيم الحرية التي لا حرية فيها بالحقيقة ولا من يحـرّرون. طبعاً إن هذا الإخضاع، في المجتمعات المصنّفة متطورة، أشكاله وأساليبه “أذكى وأدهى” منها في تلك المصنّفة متخلّفة. فانفتاح العالم على بعضه واضمحلال المسافات، قلّص مساحات القمع الدّموي وحدّ من وهج الأيديولوجيات. هذا في الشكل. أما في المضمون فالإخضاع واحد وغايته هي هي: أن لا يبقى لله مُستَقَرّ على الأرض. يوم “اقتحم” يسوع أورشليم وهو “عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش إبن أتان” (زكريا ٩: ٩) لم يكن الواقع مختلفاً كثيراً عن واقعنا اليوم. فالذين كانوا يتآمرون على يسوع، وإن تراوحوا بين الحاسدين الخائفين على مناصبهم ومكتسباتهم الدنيوية وبين من لم يفهموا مقاصد الله ولا نبوآت الأنبياء، اشتعلوا غيظاً لما رأوا الجموع تحتشد خلف يسوع وتنادي باسمه مباركاً وآتيا باسم الرب. ولعلّ أكثر ما أغاظهم ليس كثرة المحتشدين وحسب بل فرح هؤلاء بيسوع. لعلّهم أيقنوا أن فرح الناس هذا لم يكن سطحياً أو “مهرجانياً”، وهو إن تملّك من قلوب الناس سيتحرّر الناس من سطوتهم ولن يعودوا يقبلوا أن يملك على قلوبهم ونفوسهم إلا ذاك الآتي باسم الرب. إذذاك ما عاد التآمر على يسوع بالحيلة، لاصطياده بكلمة (مرقس ١٣: ١٣-١٧) هنا وهناك، يكفي بل صار قتله مُلِحّاً لا يحتمل التأجيل: “هوذا الوارث، فلنقتله ليعود الميراث إلينا”، كما أنبأ عنهم الرب يسوع نفسه في مَثَل الكرّامين القتلة (لوقا ٩: ١٨-٢٠). فهذه الـ “ليعود الميراث إلينا” هي إذاً بيت القصيد. وكأننا بهم آنذاك، ومثلهم حكّام الأرض اليوم، يقولون “إن تركنا صاحب الميراث الأصيل يسود، سيستعذب الناس طعم عدله وسلامه وفرحه ولن تبقى لنا عروش نعتليها ولا شعوب نُخضِعها”. قلنا “مثلهم حكّام الأرض اليوم” لأننا كيفما نظرنا إلى العالم اليوم، ولا سيّما المصنّف “متطوّراً” نرى الأنظمة لا تألو جهداً ولا توفّر حيلة لإلغاء الله من العالم، وإن زالت معظم أنظمة فرض الإلحاد بالقوة. بدخوله الطوعي إلى حيث سوف يُعتَقَل ويتألم ويُصلب، أتى يسوع ليتسلّم ملكه، بل لينتزعه من أيدي مغتصبيه انتزاعاً. أي ليُعلِن حصرية مُلكه، بقوّة، مرة واحدة وإلى الأبد. هذا هو تحديداً ما فهمه الذين احتشدوا وراءه هاتفين “هوشعنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب”. وهذا هو تحديداً ما يتحقّق في المؤمنين وهم يعيّدون أحد الشعانين. ولا نغالي إن قلنا إن طابع الفرح الذي يغلب على الاحتفال بأحد الشعانين هو تماماً كفرح الذين احتشدوا وراء الرب يسوع آنذاك: فرح الذين وأخيراً وجدوا الملك المستحق المبايعة الأبدية، وفرحهم بأنّهم بايعوه. يقول سفر المزامير “من أفواه الأطفال والرضّع أسّست تسبيحاً” (٨: ٢)، في ترنيمة أحد الشعانين نقول “ونحن كالأطفال نحمل علامات الغلبة والظّفر” وفي أيقونة الشعانين نرى أطفالاً يفرشون الثياب أمام السيّد وآخرين يلوّحون بأغصان النخيل. أكيد أن من تجمهروا حول السيد وهو داخل إلى أورشليم لم يكونوا أطفالاً، وإلا لما اهتمّ لهم المتآمرون على يسوع. الإشارة إلى الأطفال في كل هذا رمزية، معناها أن يكون فهمنا لِمُلك المسيح، وفهمنا لمبايعتنا إياه سيّداً أوحد على ذواتنا، عفوياً كيانياً مثل الأطفال الذين يفهمون بقلوبهم، لا بعقولهم. ولكَي يفهم القلب، ينبغي أن يكون طاهراً، كقلب الطفل. وبمقدار ما تعوّد القلب أن لا يشتهي إلا ما هو لله، بمقدار ما تطهّر. إذذاك فقط يؤول فهمنا هذا إلى الفرح الحقيقي الذي لا يزول ولا يقوى عليه حزن. نصّ الرسالة المتلو علينا في هذا اليوم يبدأ بعبارة “إفرحوا بالرب كل حين، وأقول أيضاً إفرحوا” (فيليبي ٤: ٤). وفي موضع آخر من الرسالة نفسها يقول الرسول بولس إلى أهل فيليبي أنه قد أعطيت لهم نعمة أن يتألّموا من أجل المسيح، والنعمة مدعاة فرح طبعاً. فهل هذا يعني أن على المؤمن أن يهوى الألم ويشتهيه، لكي ينال نعمة الفرح؟ قطعاً لا، وإلا لكانت هذه مازوشية مَرَضيّة. النعمة التي يتحدّث عنها القدّيس بولس هي أن فداء المسيح أعاد لنا حرية أن نسعى إلى رفض كل ما يُبعِدنا عن الله، بمؤازرة المسيح نفسه، وصولاً إلى الامتلاء منه حتى الاتحاد الكامل معه. وهذا هو ملء الفرح، فرح اليقين بأنه قد عادت إلينا نزعة الامتداد إلى الكمال. هذا ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الفرح، ليس ظرفياً بمعنى أنه ليس حالة نفسيّة يُبلَغ إليها إثر حدث سارّ ما. هذه ما تلبث أن تزول بزوال الحدث مسبّبها.إنه فرح يتذوّقه المؤمن من لحظة التزامه المسيح سيّداً أوحد على كيانه والإنجيل قانوناً أوحد لحياته، ويمتلئ منه بمقدار ما يبقى أميناً للالتزام. حسبه أن يعي أنه من تلك اللحظة، وإن كان بعد في أول الطريق، هو آيل إلى حيث “لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت” (رؤيا ٢١-٤). الأب نكتاريوس (خيرالله)، بيروت |
||||
08 - 06 - 2016, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 12977 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مريم المصرية
السقوط حدث مستمرّ في حياة البشر. هو خروج الإنسان من ذاته الّتي خُلق عليها، هو تخلٍّ عن صورة الله الّتي فينا. كلّنا دخلنا، وندخل باستمرار، في هذا الحدث الأنطولوجيّ في حياة الإنسان الأوّل. منّا من ينزلون إلى عمق الأعماق في انحدارهم الكيانيّ الوجوديّ، تغرُّبًا عن حقيقتهم الإلهيّة المزروعة في كلّ خلايا وجود الإنسان المنظورة منها وغير المنظورة. جوهر سقوطنا هو الأنا (Ego). منه تتفرّع الإنشقاقات في شخصيّة الإنسان، مع أنّه قد يظهر أنّ الأنا يجمع الإنسان؛ هذا في الظّاهر لأنّ الأنانيّ يرُدُّ كلّ شيء إلى ذاته، أي أنّه يريده لذاته وفي ذاته. * * * مريم المصريّة، منذ طفوليّتها، سَلَبَها الأنا جرّاء ما تلقّته من تأكيد لوجودها عبر جسدها وجمالها من محيطها. بُثَّ فيها روح حبّ اللذة من خلال اعتيادها على تأكيد وجودها بحُسنها. لذلك، لمّا سنحت لها الفرصة تحرَّرت، برأيها، من قيود الأهل والمجتمع لتلحق هواها… هي، بالحقيقة، استُعبِدت في قلبها للشهوة… والقلب هو من يقود الإنسان وليس العقل كما يظنُّ الكثيرون… القلب في الإنسان هو المجهول الكبير وهو الربّان الخفيّ لحياته. أيها الإنسان أنت تجهل نفسك… إعرف نفسك لتعرف الله ولتتحرَّر… * * * كلّنا، في موقف من المواقف، كمريم المصريّة مسلوبُو الإرادة للشرّ أو، بالأحرى، مُفَعِّلون الإرادة باتّجاه الشّهوة والأنا. الأمثولة الّتي نتعلّمها من مريم هذه هي أنّ الأنا يُدمِّر صاحبه؛ وكلّما استغرق الإنسان في هوًى من الأهواء كلّما خسر ذاته وزادت الهوّة بين حقيقته الداخليّة العميقة الّتي هي صورة الله فيه وبين حقيقته الخارجيّة الّتي هي حياته في عبوديّة الأنا. فلنتب سريعًا لأنّنا غير قادرين، على الأرجح، أن نتخلّى، كمريم المصريّة، عن كلّ شيء لنربح حياتنا… |
||||
08 - 06 - 2016, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 12978 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في معرفة الله
الله لا يُعرَف. هو يعرِّف عن ذاته. لا يستطيع الإنسان أن يعرف، بقدراته البشريّة المحدودة، الله. هو يتلمّس وجوده، يتحسّس شيئاً من صفاته، يقيسه انطلاقاً من العالم المخلوق، لكنّه لا يدركه أبداً، ولا يعرفه معرفة كيانيّة، حقيقيّة، إلا بتدخل إلهيّ، بفعل كشفٍ لقدراته الإلهيّة. وهذا يحتاج إلى نفوس نقيّة وبارّة ومتواضعة، حتّى تراه وتتجاوب معه. فالله يضيء بنوره على الأخيار والأشرار، على الأبرار وعلى الذين يختارهم هو، برحمةٍ منه، لمقاصد وحده يعرفها. “الله يريد الكل أن يخلصوا وإلى معرفة الحقّ يُقبِلوا”. يستدّل الإنسان على الله، يساعده عقله على رؤية السبل التي تؤدي إليه. الله يُعرَف بالحب. برهان وجوده مرتبط ببرهان فعله فيك وفي الكون. قيل قديماً “أرني إلهك”، أرني البرهان على إلهك. صفات إلهك تُرى بواسطتك. كيف تسلك، كيف تتصرف، كيف تواجه العالم، ما هي أخلاقك؟… إن كنت مؤمناً بالله تطيعه، وتسلك بحسب وصاياه ومرضاته، فيظهر هذا في مسلكك في دنياك. المؤمن يتشبّه بإلهه. وفي المسيحيّة، الإنسان مدعوّ إلى أن يصير على صورة الله. لقد خُلق، في الأصل، على صورته. وإن كانت، هذه الصورة الإلهيّة، قد تشوّهت بسقوط الجدّيَن الأوّلَين من الفردوس، إلا أنّ آثارها ما تزال موجودة، ويستطيع الإنسان، بالمسيح، أن يرمّمها، ويرقى بها إلى جمالها الإلهيّ الأصيل. عرف المسيحيّون، منذ القدم، طريقتين لمقاربة الله، هما، في الوقت ذاته، متوازيتان ومتكاملتان. قالوا بالإثبات، عن طريق الاستدلال والقياس، وبالتنزيه، عن طريق السموّ بالله، عن كلّ صفة موجودة في الخليقة. في الطريقة الأولى، أنت، على سبيل المثال، تطلق صفة الجمال على الله، لأنّك ترى الجمال في الخليقة، التي برأها، له المجد. وهكذا ترى إلى كلّ حُسْنٍ وخيرٍ في هذه الدنيا، وتثبته في الله. ترى رحمة فائقة في مخلوق ما، فتقول إذا كان المخلوق قادراً على أن يصل إلى هذه الدرجة من الرحمة، فكم رحمة الله عظيمة إذن! هذا طريق استدلالي، منطقي، ينطلق من الخليقة إلى الخالق. سمّاه اللاهوتيّون لاهوتَ الإثبات أو اللاهوت الإيجابي. الطريقة الثانية تسمى التنزيهيّة. وهي على العكس من الطريقة الإثباتيّة. تنطلق من أنّ الله منَزَّه كليّاً عن محدوديّة خليقته. فعدل البشر، على سبيل المثال، ناقص، أمّا الله، فليس فيه نقصان، وتالياً، عدله يتجاوز العدل البشري، بما لا يمكن قياسه، ولا معرفته، ولا حدّه. لذلك وصل بعضهم إلى القول بلا عدالة الله، إذا ما قورنت أو قيست بالعدالة كما يفهمها البشر. لأنّ عدالة الله، غير المحدودة، وغير المُدرَكة، تجعلنا ننفي العدل عنه، انطلاقاً من عدلنا البشري الناقص والمحدود. تُسمّى هذه الطريق في مقاربة الله باللاهوت السلبي أو لاهوت النفي، لأنّه ينفي كلّ صفة بشريّة، مهما كانت صالحة وحسنة، عن الله، باعتباره، تعالى، يفوقها بما لا يُقاس. ولأنّ الإنسان لا يستطيع أن يفهم الله مباشرةً، تراه يستعين بالصور والرموز، على قدر ما يستوعب عقله ومخيّلته. لذلك، فإنّ كلّ كلام عن الله، في النهاية، هو كلام رمزي وغير مباشر، وبشري، يحمل النفحة واللغة البشريتين، اللتين لا يمكنهما الإحاطة بالله. جاء في سيرة المغبوط أُغُسطين، أنّ ملاكاً، بهيئة ولد، ظهر له فيما كان يتمشّى على شاطىء البحر، متفكِّراً، بتركيز وإجهاد، في سرّ الثالوث القدّوس، وعلاقة الأقانيم بعضها ببعض. كان الولد – الملاك ينقل بكفّيه ماءً، من البحر، ليضعه في حفرة صغيرة، صنعها في رمل الشاطئ. فلمّا رآه أًغُسطين، قال له: ألا ترى اتساع البحر ومداه؟ كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تتسع لكلّ هذا الماء؟ فأجابه الملاك: وكيف لعقلك المحدود أن يتسع لله اللا محدود؟!! لأنّ الرموز والصور واللغة البشريّة لا تكفي للتعبير عن سموّ الله الفائق، وكذلك عن اختلافه عنّا، ترانا نحتاج إلى استخدام أسلوب النفي، لكي نقول ما ليس هو الله، أكثر من القول ما هو الله. فطريقة إثبات الصفات في الله تتوازى وطريقة نفي هذه الصفات عنه تعالى. كلّ تعبير بشري إنّما هو تصوير قاصر، على الرغم من صدق القصد منه. ويبقى الله سرّاً. إنّه يتجاوز كلّ ما هو بشريّ. عندما نقول بالسرّ نعني، على حدّ قول المطران كاليستوس وير، أنّ أمراً ما قد استبان لفهمنا، غير أنّنا لا ندركه، البتّة، إدراكاً كاملاً. الله في المسيحيّة، هو الإله الذي عُرف، في الكتاب المقدّس، بالإله الذي لا يني يكشف عن أفعال قدرته للبشر، ليجعلهم يعرفونه على حقيقته. لذلك دعا الكثيرون المسيحيّةَ بدين الكشف الإلهي، الذي بدأ بمخاطبة إبراهيم، وانتهى بالتجسّد الإلهي، في شخص المسيح. نعرف الله بيسوع المسيح. “ما من أحد يعرف الآب إلا بي” (يو: 14،6؟). من هنا يفرِّق اللاهوت الأرثوذكسي بين جوهر الله أو طبيعته أو ذاتيّته، من جهة، وبين قدراته أو صنائعه أو أفعال قوّته، من جهة أخرى. جوهر الله لا يمكن إدراكه أبداً، لا في هذه الحياة، ولا في الأبديّة. لو عرفنا جوهر الله لما بقينا مخلوقين. هذا أمر مستحيل على الإنسان “الله في النور الذي لا يدنى منه”. لكنّه يكشف لنا عن قدراته أو أفعال قوّته. وذلك عندما يعزّينا أو يَهدينا أو يُرشدنا…إلخ. نرى قدراته في أفعاله، التي يتمّمها فينا، وفي العالم المحيط بنا: في خليقته. يقول القدّيس سمعان اللاهوتي الجديد: “أيّها العالم غير المنظور، نحن نراك، أيّها العالم غير الملموس، نحن نلمسك، أيّها العالم الممتنعة معرفته، نحن نعرفك، أيّها العالم المحتجز إدراكه، نحن نمسك بك”. هذا يستلزم عيوناً روحيّة ترى ما لا يُرى بعيني الجسد فقط. هذا يُعطى لمن لطّفت النعمة الإلهيّة أهواءهم، فاستنارت بصيرتهم الداخليّة. كيف لقاسي القلب، مثلاً، أن يتحسّس أفعال الرحمة؟ وكيف لمَن أعمت الغيرة قلبه، أن يرى الصلاح الذي في غيره، وهو يتمزّق غيرةً وتحرّقاً وحسداً وكراهية؟ لكي تعرف الله على حقيقته يلزمك حبّاً وتواضعاً وحسّاً إنسانيّاً مرهفاً. تعرفه بقدر ما تعاشره، ويكون حاضراً فيك. ولا تعاشره حقّاً إلا إذا كنت مُخلِصاً، حتّى المنتهى، لوصاياه وتعاليمه، التي كشفها لك في يسوع المسيح. آنذاك يظهر فعله فيك، وإلا فأنت تعبد ذاتك متوهّماً إيّاها إيّاه، وتغلق، بذلك، الطريق أمام فعل قدرته فيك. يقول الشيخ المستنير صفروني زاخاروف: “الله يمكن معرفته في كلّ مكان، لأنّه حاضر في كلّ مكان. وحتّى يمتلك الإنسان هذه المعرفة، فإنّ المدارس والكتابات اللاهوتيّة ليست كافية قطعيّاً. ولكن متى كان حاضراً معنا، فإنّ المعرفة الحقّة تخترق، وبشكل لا يُفسَّر، كياننا كلّه”. 13؟ |
||||
08 - 06 - 2016, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 12979 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في أي الضعفات يساعدنا القديسين؟
الكثير من العذابات والامراض تنتشر في هذا الزمن، ولكن قديسينا دائما موجودون لمساعدتنا وإخراجنا من الألم. كثر هم القديسن الذين تميزوا بهبة مميزة من الله، والذين عن طريق الصلاة الصادقة يهبون إلى مساعدتنا. هنا البعض من القديسين والهبات التي اكتسبوها: القديس كبريانوس، القديسة يوستيني والقديسة ثومياس يساعدون في محاربة التجارب الجسدية، كل أنواع السحر، وفي تبديد جميع تاثيرات الشر. القديس أندرونكوس والقديسة اثناسيا يساعدون كل من اراد ان يكتسب حياة روحية متقدمة. القديسة فوتيني تساعد على شفاء أوجاع الراس، وشفاء جميع الاعضاء الموجودة في الراس القديسة باراسكيفي، القديسة إبيفيلي والقديس إغناطيوس يساعدون في جميع الامراض البصرية. القديسة باراسكيفي تساعد على حل المشاكل الزوجية القديس يوحنا اللاهوتي يساعد في أمراض اللسان،في حالات التلعثم، والتردد، ويساعد في حالات التورمات والأرق. القديسة باراسكيفي والقديس يوحنا اللاهوتي والقديس كليارخوس يساعدون في جميع الحروق. القديس بندلايمون يساعد في حالات النزف الجسدي، واورام الثدي. القديسة ذوروثيا تساعد في أمراض الوجه وتساعد في عدم تشوه الوجه. القديسة مريم المجدلية تساعد في حالات تساقط الشعر وفي علاج أوجاع الاصابع. القديس أنديبا يساعد في علاج الاسنان. القديس بولس المعترف يساعد في حالات ألم الحلق القديس حبقوق يساعد في حالات آلام الاذن القديس خرالمبوس يساعد في حالات أمراض المعدة والقولون، وفي إبعاد الأفكار المحزنة. القديس باسيليوس الاماسي يساعد في حالات روماتزم السواعد، الأرجل، الوسط، وفي حالات الاحباط والياس القديسة كسيني تساعد في حالات امراض القلب، وأمراض الاعصاب، والطفح الجلدي، وفي حل كل انواع السحر والسعادة المصطنعة. القديسة بربارة تساعد في شفاء الامراض الجلدية، كما أنها تحمي المسافرين الذين يسافرون بالسيارة أو القطار! |
||||
08 - 06 - 2016, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 12980 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
“اليوم رأس خلاصنا، وظهور السرّ الذي منذ الدّهور”
تأمّل في حَدَث البشارة بُعَيد منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، ظهر النبي إشعياء في أرض إسرائيل وشعب الله آنذاك يعيش واحداً من أردأ أزمنته. الانحراف الديني إلى عبادة الأوثان يزداد، البغض بين الأخوة والانقسامات والانحلال الخلقي مستشرية، خطر السقوط تحت الأمم الغريبة يصبح داهماً، إلى أزمة رجاء بين القلة الباقية من الأمناء. شعب الله إذن مضطرب، بعضه ساقط وبعضه الباقي يائس مستسلم، مرعوب من يوم غضبٍ للرب يراه آتياً. رسالة الله الأولى عبر إشعياء كانت قاسية بلا شك (٦: ٩-١٢)، ولكنها مذيّلة بالرجاء ليفهم إسرائيل إن إلهه يؤدّب ولا ينتقم، ينقّي ولا يُهلك، “ولكن كالبطمة والبلّوطة التي وإن قُطعت فلها ساقٌ يكون ساقه زرعاً مقدَّساً” يقول السيّد الرب (٦: ١٣). يعود الرب فيرسل نبيّه إلى آحاز ملك يهوذا، والأعداء على أبواب أورشليم، ليقول له “احترز واهدأ، لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذَنَبَي هتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وآرام وابن رمليا”. بهذه الآية يتشدد قلب المؤمن ويتعزّز رجاؤه بالله الحاضر معه، وإن أحاطت به أو قست عليه الأعداء، خطاياه وهجمات الشرير عليه. هنا نزلت البشارة بالخلاص الكبير، التي فهمها بعض وما فهمها كثيرون، وهي أن “العذراء تلد ابناً وتدعو اسمه عمّانوئيل” (٧: ١٤)، وعمانوئيل معناها أن الله معنا. المعجز في هذه الآية أن العذراء تلد، وأن ولادة العمانوئيل في البشرية تشترط أن تهيأ له هذه رحماً نقياً، عفيفاً من الشهوات. كأننا بالله يقول لخليقته خلاصي الأكبر آت، هذا وعدي وهذا شرطي: سوف اتخذ منكم جسداً يحمل كل أوجاعكم ليشفيها، فهيئوا لي ذاك الرحم النقي. مذذاك صارت الخليقة على موعد مع الفداء الكبير الذي سوف يحصل في الزمان، وإن كان في الذهن القدوس منذ ما قبل الزمان. نأتي هنا إلى زمن تحقيق الموعد. في ناصرة الجليل فتاة صغيرة ولدت من أبوين عاقرين، خارج قوانين الطبيعة، وتربّت في بيت الله تقوتها الملائكة وتنمو على تأمل الكلمة، والله مشتهاها الوحيد. عذراء نفساً وجسداً، محفوظة في الطهر والتقوى حتى ما بعد سكناها في الهيكل، مرضية لدى الله مستعدة لتصبح “رأس خلاصنا”، وإن بغير علمها. يوم أتاها الملاك العظيم “اضطربت من كلامه وفكّرت ما عسى أن تكون هذه التحية” (لوقا ١: ٢٩). هذه التي تربّت على أن لا تكون فيها شهوة إلا فهم كلام الله والخضوع لمقاصده نست ذاتها كلياً. ما كان همّها إلا أن تفهم قول الله. هذه هي النفس النقية التي منها يولد المسيح، منبع البر الفضائل والصلاح. بهذه البساطة وهذا التجرّد، صارت العذراء كلياً في يد الله. هذا بالإضافة إلى اقتران التواضع بالتنبّه، في ردة فعل واحدة، إذ هي اضطربت تواضعاً لأن ملاك الرب يحييها، وبقيت يقظة لكي لا تقع في حيلة من حيَل الشرير. إذذاك بادرها الملاك مطمئناً بقوله “لا تخافي”، لكي لا يستحيل حذرها ريبة فما سوف يقوله لها هو أبلغ رسائل الله إلى الإنسان حساسية. من يعلم أنه وجد لدى الله نعمة يسكنه السلام، كم بالحري تلك التي استحقّت – وحدها من بين البشر – ملء النعمة؟ قلنا فيما سبق إن العذراء تربّت على الكلمة الإلهية التي صارت فيها زرعاً وحيدا”، فهي إذن تعرف الأسفار وتفقه معاني الكلمات. لأجل هذا أفصح لها الملاك قصد الله بكلمات النبي القديمة نفسه، وبالصياغة نفسها. “وها أنت (العذراء) ستحبلين وتلدين ابناً وتدعين اسمه يسوع (عمّانوئيل)”. باستعماله الكلمات القديمة نفسها يقول لها الملاك بلغة الإعلان الإلهي التي تعرفها جيداً، إن ما سوف يتحقق فيها هو ذاك الوعد الإلهي القديم عينه، لأن شرط الله الملازم لوعده أيضاً فيها تحقق. ألم يصفها الملاك بالـ”الممتلئة نعمة” قبلاً؟ ينبغي الانتباه هنا إلى أن هذه النعمة التي امتلأت منها الفتاة مريم لم تأتها بمجرّد اختيار مسبق، إنتقائيٍ، من الله بل لما استأهلته بجهادها، بحفظها لمطلق النقاوة نفساً وجسداً، بارتمائها كلياً، إلى هذا الحد، في حضن الله. وكأننا بالعذراء مريم حققت لله، في الزمان، ملء الزمان التي انتظره ليبعث فيه ابنه الوحيد متجسّدا”، فادياً، معيداً للخليقة بأسرها إلى آخر الأزمان اتصالها الحميم بالخالق. العذراء مريم لم تكن جزأً من مشروع الله الخلاصي وحسب، بل ركناً من أركان تحقيقه. لأجل هذا أعطاها الله أن تكوّن في رحمها الأطهر جسداً – بشرياً – لكلمته ابنه الوحيد، الذي “هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة، فإنه فيه خُلق الكل ما في السماوات وما على الأرض (…) الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل وهو رأس الجسد الكنيسة” (كولوسي ١: ١٥-١٨). العذراء مريم فهمت وعد الرب وشرطه في نبوءة أشعياء، فصارت تنتظر خلاص إسرائيل بشوق، حفظت إلى المنتهى نقاوتها وعفّتها بإزاء كل ما ليس من الله، وكأنها اعتبرت نفسها مسؤولة، ولو كفرد من الخليقة جمعاء، عن إتمام وعد الله. العذراء مريم ما التمست لنفسها شيئاً، لذا اضطربت عند تحية الملاك. فقط قدمت ذاتها لله كلّياً، لذا أجابت الملاك قائلة “هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك” (لوقا ١: ٣٨). في نص النبوءة التي حملها أشعياء، قرابة الثمانية قرون قبل التجسّد، أعطى الله للعذراء الموعودة أن تسمي المولود الذي سوف يجسّد حضور الله في وسط شعبه. والمعروف أن منح الاسم حق حصري للوالدين. أي أن الله أعطى العذراء مريم أن تكون أم ابنه الوحيد في بشريته، كما أنه هو أباه في لاهوته. هي رعت تكوّنه في رحمها ككل أم، ربّته وسهرت عليه ككل أم، ولكنّها ما فرضت ذاتها عليه في شيء بل “كانت تحفظ كل هذه الأمور في قلبها” (لوقا٢: ٥١). حتى في أمومتها أعطت كل شيء، ولم تطلب إلا ما لله. والدة الإله حفظت نفسها “قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة عذراء”، على حدّ تعبيرنا العقائدي، وهذا التحديد يشمل المعنى الجسدي للعذرية، لا كما يدّعي بعض المتجاوزين والمضلين، ولا يقف عنده. فكما كانت قبل بشارة الملاك لا شهوة فيها إلا لما لله، بقيت لا همّ لها سوى إتمام ما أوكل إليها من أجل تحقيق الخلاص. أكثر من ذلك، فهي بقيت طيلة حياتها على الأرض حبلى بالمسيح أي إنه بقي مالئاً أحشاءها، وولادتها له لم تنتهي في مغارة بيت لحم بل امتدت إلى ما بعد صعوده إلى السماء. في تقليدنا الشريف أن الكلية القداسة بعد الصعود هي التي حضنت الرسل، والتلاميذ الجدد، “تلد” لهم المسيح كل يوم وما زالت، لتصبح مذذاك وحتى آخر الأزمان صلة الوصل الوثيقة بين الأرض والسماء. في المعركة الأخيرة التي يرويها سفر الرؤيا “ظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً” (١٢: ١). إنها العذراء مريم التي، من حيث هي في السماء، ستبقى تلد المسيح لطالبيه حتى اليوم الأخير، يوم مجيئه الثاني الظافر المجيد. الأب نكتاريوس (خيرالله) |
||||