التدين المريض و الكآبة
والتدين المريض له أسباب وأعراض عديدة.. ولكننا نركز على النقاط الآتية:
1 - الكآبة كمنهج روحي.
2 - الصرامة في معاملة النفس والآخرين.
3 - المثاليات التي هي فوق الطاقة.
كثيرون من المرشدين الروحيين يركزون على عبارة: "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا7: 3)..
ويركزون أيضًا على قول الآباء في بستان الرهبان: [ادخل إلى قلايتك، وابك على خطاياك]. ويعظون كثيرًا عن الدموع وفوائدها. وكل هذا كلام روحي له فائدته وله وقته.
لكن الكآبة قد تصلح لوقت، ولكنها لا تكون منهجًا دائمًا للحياة.
وهؤلاء المرشدون لا يتحدثون عن الفرح، بل ربما يعتبرونه ضد التوبة.. كما يعتبرون الضحك علامة انحلال روحي!
وينسي هؤلاء قول الكتاب: " افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا (في4: 4). وقوله أيضًا إن ثمار الروح "محبة وفرح وسلام" (غل5: 22).
وقول السيد المسيح: "أراكم فتفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). وبنفس السفر الذي وردت فيه عبارة: "بكآبة الوجه يصلح القلب"، ورد فيه أيضًا:
"للبكاء وقت وللضحك وقت" ( جا3: 4).
إن التزمت الدائم، والحديث المستمر عن وجوب الكآبة، يغرسان الكآبة في أعماق النفس. وربما يسلك البعض فيها بحكمة واتزان، بينما تتحول عند البعض الآخر إلى مرض!
ويصبح كل شيء يدعو إلى الكآبة!
التوبة تدعو إلى الكآبة، لأن داود النبي كان في كل ليلة يبل فراشة بدموعه والخدمة تدعو إلى الكآبة، كما بكي نحميا على أورشليم، وكما بكي إرمياء في مراثيه، وكما قال داود في مزاميره: "الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين تركوا ناموسك" (مز119).
التواضع أيضًا لابد أن تصحبه الكآبة!
لئلا الفرح يقوده إلى ارتفاع القلب!
والصلاة أيضًا قد تكون شديدة! وتنظر إلى ملامح شخص من هؤلاء أثناء صلاته، فتجدها متجهمة جدًا متأزمة، يتعبك التطلع إليها!
حقًا هناك كآبة روحية، ولكن معها عزاء. وهناك حزن مقدس، ولكن معه رجاء. والفرح بالرب يختلط بكل تلك المشاعر.
أما الذين يركزون على الكآبة وحدها بدون عزاء، بدون رجاء، بدون فرح بالرب وعمله، فهؤلاء لم يفهموا المسيحية كما ينبغي، ولم يفهموا الإنجيل الذي هو" بشارة مفرحة".
هؤلاء يقدمون للناس قدوة كئيبة.
بل قد يهرب البعض ويخافون من التدين، لئلا يصيروا في هذه الصورة المحزنة، الدائمة التجهم، التي لا تضحك مطلقًا، وقد فقدت البشاشة والابتسامة والوجه المضيء! وأصبحت الروحيات عندها هي دموع لا تنقطع وصرامة لا تنفرج.
هؤلاء ينبغي أن يفرقوا بين الدموع الروحية التي تؤول إلى فرح، وبين الدموع التي تحرق النفس وتمزقها، وتدخلها في ظلمة محزنة!
هل العلاقة مع الله حزن دائم بلا عزاء؟! وهل الله المحب الحنون لا يود أن يرانا إلا باكين مكتئبين؟! وهل الله المحب الحنون لا يود أن يرانا إلا باكين مكتئبين؟! وهل الكآبة التي تصلح القلب، تستمر كآبة بعد أن تصلحه؟!
أم تعطي مكانها للفرح والعزاء؟
نقطة أخري وهي المثاليات...
حسن وواجب أن ندعو إلى المثاليات. ولكن يجوز أن يوصلنا هذا إلى الكآبة المستمرة، بحجة أننا لم نصل بعد إلى الكمال المطلوب، ومازلنا في الموازين إلى فوق فطريق الكمال طويل، والسلوك فيه يحتاج إلى جهاد وصبر.
ويليق بنا أن نفرح بكل خطوة نخطوها في الطريق، وليس أن نحزن ونكتئب بسبب الخطوات الباقية التي علينا أن خطوها فيما بعد..
ولا تظن أن مثل هذا الفرح، فيه كبرياء أو ارتفاع قلب، لأنه فرح بالله الذي أعاننا، وليس بقدرتنا ومجهودنا البشري.
وبدلًا من أن نكتئب على ما ينقصنا نصلي لكي يعين الله ضعفنا ويكمل نقصاتنا.
إن الكآبة لا تعالجنا، بل قد تعطلنا وقد يتخذها العدو لإلقائنا في اليأس..
هنا ونتكلم عن العلاج الروحي.