![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 101 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأنبا مكاريوس أب الأسقيط القسم الأول: سيرته أولًا: نشأته: * كان أبوه قديسًا يدعى إبراهيم كاهنًا على كنيسة منف وأمه تدعى سارة وقد حدث في زمانهما حوادث شغب ونهب وسلب اضطرتهما للهجرة إلى بلدة ششوير بالمنوفية... * كان والداه عاقرين وقد بشر الملاك والده وهو مريض ملقى في الكنيسة وفي الميعاد ولد لهما ابن دعاه مقاره ومعناه (صادق الصوت). * تربى مقاره في خوف الله وبدأ يساعد والده في عمله في فلاحة الأرض (قد اشتراها والده وعمل بها بجانب الكهنوت). * قام أبواه بتزويجه رغمًا عن إرادته ولكنه حفظ بتوليته باتفاق مع الفتاة التي اختاروها له. * تمت رسامته شماسًا تمهيدًا لرسامته كاهن. * ولكى يبتعد مقاره عن الفتاه أطول مدة ممكنة كان يذهب مع الجمالين الأجراء عند أبيه لجلب النطرون من جبل النطرون وهنا أول إشارة للعلاقة المقدسة التي بدأت بين مقاره وجبل شيهيت واستمرت إلى اليوم وإلى جيل الأجيال. ![]() ثانيًا: ظهور الشاروبيم على صورة إنسان مهيب ومنير * وفي إحدى الأسفار وهو نازل مع الجمالين إلى وادي النطرون وقد سار بالقرب من الجبل المطل على البحيرات (أسفل الجبل الذي فوق البحيرة)، وكان الكل نيامًا من التعب ومقاره أيضًا نائم، إذ رأى في نومه أمرًا مخوفًا: إنسانًا نورانيًا متشحًا باسطوانة كالبرق الساطع، وهذه الاسطوانة مكللة بالجواهر (عيون الشاروبيم) وكلمه قائلًا: "أنظر حولك وتأمل أعماق الجبل "أن الله يقول لك أنى أعطيك هذا الجبل ميراثًا لك ولأولادك، يتفرغون فيه للصلاة، ويخرج منك رؤوس ومقدمون من هذه البرية. والآن أنهض من نومك وتذكر جيدًا جميع ما قلته لك، وإذا صرت كاملًا أعود فأظهر لك، وأكلمك بما يجب من فم الله". * وكان هذا هو أول ظهور للشاروبيم للقديس مقاره، الذي صار رفيقًا ومرشدًا له طول أيام حياته حتى يوم نياحته. ![]() ثالثًا: الظروف تخضع لاشتياقاته المقدسة: *وبرجوعه إلى بلده، وجد أن فتاته البتول مريضة بالحمى، التي اشتدت عليها حتى فارقت الحياة، وكان هذا بتدبير من الله لتبدأ قصة القديسة مقاره على أروع صورها. ![]() * فما كان من الشاب مقاره إلا أن تنبه لنفسه قائلًا: "يا مقاره أحرص الآن على اغتنام هذه الفرصة لنفسك، لأنك حتمًا ستؤخذ مثل أختك التي سبقتك". * وبدأ مقاره لا يُرى في البيت إلا منتصبًا في الصلاة!! ولا يوجد خارج البيت إلا في الكنيسة!!! وظل يخدم أباه الشيخ إلى أن أسلم أبوه روحه الطاهرة. * وبموت أبيه ابتدأ يفرق مقتنياته كلها التي ورثها عنه، ولما بدأت أمه تعنفه على مسلكه، كان يحتملها بصبر، إلى أن تنيحت هي الأخرى بعد ستة أشهر من نياحة بعلها. ![]() رابعًا: اعتزال القديس مكاريوس 1- الاعتزال الأول: * وبوصية من راهب متوحد، صادفه الشاب مقاره يومًا في الكنيسة، انطلق مقاره بعيدًا عن القرية وسكن وحده وهو في سن الثلاثين. * وهذا هو الاعتزال الأول الذي دام عشرة سنوات، والذي قُرب نهايته احتال أهل القرية عليه ومازالوا يتوسلون إليه حتى رسموه قسًا وهو في سن الأربعين سنة 340 م 2- التجربة الحزينة التي دفعته إلى الاسقيط، وبدأ اعتكافه الكبير: * يقول ق. مكاريوس (لما كنت شابًا وعائشًا في قلايتي بريف مصر، جاءوا واختطفوني ورسموني قسًا على قرية. ولما لم أكن أهلًا لهذه الوظيفة، هربت إلى قرية بعيده حيث كان يتردد علىَ رجل بار يأخذ منى شغل يدي ويسد احتياجاتي. * وفي يوم من الأيام حدث أن بتولًا في ذلك المكان سقطت في الخطيئة وحملت في بطنها. فلما أُشهرت، سُئلت عمن فعل معها هذا الفعل فقالت: "المتوحد...!؟". وسرعان ما خرجوا عليه وأخذوني باستهزاء مريع إلى الضيعة، علقوا في عنقي قدورًا مُسودة وآذان جراء مسخمة، وشهروا بي في كل شارع من شوارع الضيعة وجماعة الصبيان يجرون خلفي وهم يضربونني قائلين: "أن هذا الراهب أفسد عفت أبنتنا البتول وفضحها، أخزوه". وهكذا ضربوني ضربًا موجعًا، قربتُ بسببه من الموت، إلى أن جاءني أحد الشيوخ فقال لهم: "إلى متى هذه الإهانة؟ أما يكفيه كل ذلك خزيًا؟"، ولكن دون جدوى. أما الرجل البار الذي كان يعولني، فكان يتبعهم من بعيد وهو خازي الوجه، وكان يستهزئون به أيضًا قائلين: "أنظر ماذا فعل ذلك المتوحد الذي كنت تُحدثنا عنه بكل وقار " وكانوا يواصلون ضربي قائلين أنهم لن يسكتوا عن ذلك حتى يأتيهم بضامن يتكفل بالقيام بإطعامها وتربية ولدها. فقال الشيخ لخادمي: "اضمنه"، فضمنني. ومضيت إلى قلايتي ودفعت إليه الزنابيل التي كانت عندي قائلًا: "بعها وادفع ثمنها لـ"امرأتي" لتأكل بها". وخاطبتُ نفسي قائلًا: "كِد يا مقاره، ها قد صارت لك امرأة". فكنت اشتغل ليلًا ونهارًا لأقوم بإطعامها. * فلما حان وقت ولادة الشقية، مكثت أيامًا كثيرة وهى معذبة وما استطاعت أن تلد. فقالوا لها: "ما هو هذا؟"، فقالت: "أن كل ما أصابني كان بسبب أنى ظلمت المتوحد واتهمته، وهو برئ، لأنه ما فعل بي شيئًا قط. لكن فلان الشاب هو الذي فعل بي هذا". فجاء خادمي إلى مسرورًا وقال: "أن تلك الشقية ما استطاعت أن تلد، حتى اعترفت قائلة أن المتوحد لا ذنب له في هذا الأمر مطلقًا، وقد كنت كاذبة في اتهامي له، وها هم أهل القرية كلهم عازمون على الحضور إليك، يريدون أن يتوبوا إليك ويسألوك الصفح والغفران". * فلما سمعت أنا هذا الكلام من خادمي، أسرعت هاربًا إلى الإسقيط (وهذا هو السبب الذي لأجله جئت إلى جبل النطرون). 3- الاعتزال النهائي: * ولما سمع القديس أن أهل القرية قادمون للاعتذار له ولتكريمه، فكر أن يخرج من ذلك الموضع ويمضى ويسكن في قلاية أخرى بعيدًا، وفيما هو واقف يصلى من أجل هذا الأمر أمام المذبح في الكنيسة شاهد عن يمينه كاروبيمًا ناريًا له ستة أجنحة وكله مملوء عيونًا، فلما أراد القديس أن يتفرس فيه حسنًا اشتمله الخوف فسقط على وجهه، فتقدم إليه الشاروبيم المقدس ومسكه وأقامه وقواه وقطع عنه الخوف، فلما تأيد قال له لماذا ثقل قلبك؟ أنسيت ما قلته لك؟ حسنًا الآن أنك احتملت هذه التجربة حتى تأخذ الكمال، غدًا بادر وأخرج من هنا وأمض واسكن في الموضع الذي أُريه لك: فنسى مقاره كل الضرب والتعذيب الذي ألمَّ به... ولما كان الليل وقام للصلاة كعادته أبصر بغتة نورًا عظيمًا في الموضع، فعلم القديس أنه الكاروبيم، وبقى ساعة وهو لا يخاطبه، لأنه كان مرتعدًا. وبعد ذلك خاطبه وقواه وقال له: أمشِ ورائي كما أُريك. فسار والكاروبيم أمامه، وبعد يومين دخل الجبل ودار به حوله كله، وأراه كل نواحيه وكل المواضع المزمع أن تكون مسكنًا هناك. فقال القديس مقاره للكاروبيم: أطلب إليك يا سيدي عرفني أين اسكن في هذا الجبل؟ فقال له الكاروبيم: هذه الإرادة هي لك، ها كل البرية أمامك، لأني أخشى، لئلا أعطيك وصية أن تسكن هنا أو هناك فيقاتلك الضجر أو الاضطهاد وتخرج من ذلك الموضع وتتجاوز الوصية فتخطئ!.. فليكن سكناك بسلطانك نفسك. فأينما أردت، أسكن. وجرب وكن صامتًا، وتأمل ذاتك، وتحرز حسنًا من مقاومة الشرير وحيله، أما أنا فسأكون كل وقت معك بأمر الله. 4- الرحلة الخالدة: * وتحت تأثير الفرح والنور الداخلي وبقيادة الشاروبيم، سار مقاره وحيدًا متجهًا إلى جبل النطرون يومين كاملين، وأخذ يدور في الجبل وشاهد كل ما فيه، ووصل إلى الموضع الذي يُدعى بهلس ولم يكن بعيدًا من الماء العذب، وحفر في ذلك الجبل وعمل له مغارة وسكنها أيامًا قليلة، ثم خرج يطوف البرية وجاء إلى يمين ذلك الموضع وحفر سردابًا وسكن فيه. وبعد زمان طويل وهو في ذلك الموضع حدث أن أجنادًا من الروم قام عليهم البربر وقتلوهم، مما جعله يصلح موضعًا آخر يصلى ويقرأ فيه (لا يعرفه أحد)، ومكانًا آخر يعمل فيه الضفيرة، يعرفه الجمالون الذين كانوا يبيعون له شغل يديه ويأتونه بالخبز اليابس. * والمكان هو الموضع قرب البراموس الآن، حيث تجمع حوله التلاميذ الذين صاروا باكورة شيهيت المقدسة، وأول دير في الإسقيط. ![]() خامسًا: زيارة أنبا مقاره للأب الكبير أنبا أنطونيوس * الزيارة الأولى تمت سنة 343 م. وفيها أصبح مقاره تلميذًا للأب الكبير أنبا أنطونيوس بمعنى أنه استلم منه "وصايا ورسوم خدمته" وكل "ما يليق بزى الرهبنة المقدس". * الزيارة الثانية بعد الأولى بزمان طويل وفيها سلم القديس أنطونيوس "شبوتته" أي عصاته العتيقة إلى مقاره تعبيرًا عن تسلمه أمانة التدبير الرهباني من بعده. ![]() سادسًا: نياحته: * تقدم أنبا مقاره في الأيام، وشاخ جدًا، حتى بلغ سنه 90 سنة. وفي المخطوطة القبطية يقول سيرابيون أنه عاش 97 سنة. * وكان يحمله أولاده، ويجلسونه في حوش قلايته، وما كف عن صراع الشياطين وما كفت الشياطين عن الصراع معه، حتى في هذه السن. وكانت نفسه قوية بالله وهو ضعيف أكثر من أيام صحته. وكان تلاميذه يحيطون به، وكان يعزى كل واحد على قدر رتبته. * وبعد الكلام معهم صرفهم. وكان كل الرهبان يحبونه ويخافونه كما يخافون الله، لأنه كان بينهم كقائد الجيش الذي يقوى ويعزى جنوده، وأدخله تلميذه إلى مغارته (في الداخل) واضطجع. وفي نحو الساعة السابعة ظهر شخصان قديسان مضيئان، وعليهما مجد وجلال إلهيين، وكل منهما يبتسم إلى الآخر، وتكلم واحد منهما معه قائلًا: "أما تعرف هذا الآخر؟ " أما هو فسكت، كعادته، لأنه ما كان يجاوب أحدًا بسرعة بل يتمهل ثم يجاوب، فقال له: "أنه الأب باخوم أب رهبان دوناسة، وقد أرسلنا الرب إليك لندعوك، فأهتم الآن بما تريده، فأنك بعد تسعة أيام ستخلع عنك هذا الجسد، وتأتى لتسكن معنا " ثم غابا عنه. * وظل الأب مطروحًا على الحصير، لا يستطيع أن يقوم من الوجع الصعب، لأنه كان ملتهبًا بالحمى، وفي اليوم السابع والعشرين من برمهات ظهر له الكاروبيم، الذي كان معه منذ الابتداء، ومعه جمع كثير من الروحانيين، وقال له: "أسرع وتعال فأن هؤلاء كلهم ينتظرونك" فصاح أنبا مقاره بصوت خافت قائلًا: "يا سيدي يسوع المسيح حبيب نفسي أقبل روحي إليك" وأسلم الروح. ولم يكن في هذه اللحظة معه أحد إلا تلميذه فلما تسامع الأخوة خبر نياحته، اجتمعوا من أطراف الجبل من الأربعة الأديرة، باكين من أجل شعورهم باليُتم، لأنه كان أبًا لكل واحد منهم، وتقلدوا منه جميعًا طريق مخافة الله. واحتاطوا بالجسد في الكنيسة، يتباركون منه، ويقبلونه، وصلوا جميعًا عليه، وقدموا القداس، واشتركوا جميعًا، ثم حملوا الجسد الطاهر إلى المغارة التي بجوار البيعة، التي بناها هو في حياته ووضعوه هناك، وانصرفوا إلى قلاليهم بحزن عظيم. ![]() القسم الثانى: كتاباته: * الكتابات المنسوبة للقديس أنبا مقار الكبير كثيرة، ولكن قام العلماء مؤخرًا بفحصها وتحليلها ونقدها، وقد غالى الكثيرون منهم في نقدها حتى لم يبقوا على الكتابات المنسوبة لقديسنا الكبير سوى رسالة واحدة، لا توجد إلا باللغة اللاتينية والسريانية، بعنوان "الرسالة إلى الأبناء الروحيين"، مستندين في صحتها على شهادة المؤرخ القديم جناديوس - حيث يقول عنها: "مقاريوس الراهب المصري تميز بشيئين: بمعجزاته وبفضائله. وقد ترك رسالة واحدة وجهها إلى المبتدئين من بنى طقسه، وفيها يعلمهم أن كل من يصل إلى معرفة نفسه، يستطيع أن يعبد الله، إن هو اسلم ذاته لجميع الجهادات، ضابطًا نفسه في كل شيء، على أن لا يكف في نفس الوقت عن الدعاء والتوسل، طالبًا معونة الله، فأنه يصل إلى طهارة الطبيعة، ويبلغ حالة العفة، كهبة تمنح لطبيعته". * وعدا هذه الرسالة الأصيلة توجد ثماني رسائل أخرى منسوبة للقديس أنبا مقار، وقد تضافرت آراء العلماء جميعًا على عدم صحة نسبتها للقديس أنبا مقار. * في مخطوطات دير أبو مقار وجدت للقديس رسالة هامة باللغة العربية شديدة الصلة بروح القديس أنبا مقار وأسلوبه الإنجيلي في التدبير الرهباني. ![]() أولًا: نص رسالة القديس مقاريوس الراهب إلى أولاده: 1- حينما يبدأ الإنسان يعرف ذاته، ولماذا خلق، ويبحث عن الله خالقه، فأنه يتوب أولًا عن كل ما اقترفه في زمن توانيه. وهكذا يعطيه الله الرؤوف حزنًا على خطاياه. 2- ثم يعطيه، بنفس الرأفة، أن يُتعب جسده بالأصوام والأسهار، وأن يثابر على الصلاة ويحتقر العالم، كما يمنحه أن يحتمل الإهانات، برضا، ويبغض كل نياح الجسد ويفضل البكاء على الضحك. 3- ثم يعطيه اشتياقًا للدموع والبكاء، ومسكنة في قلبه، وتواضعًا، كما يعطيه أن يرى الخشبة في عينه دون أن يحاول إخراج القذى من عين قريبه، وأن يردد باستمرار: "إني عارف بإثمي وخطيتي أمامي في كل حين" (مز 3:51)، وأن يتفكر في يوم موته وفي مثوله أمام الله، وأن يتصور الدينونة والعذاب، وأيضًا الأجر والكرامة التي تعطى للقديسين. 4- وحينما يرى الله أن هذه الأشياء تحلو له، يعرضه للتجربة، ليراه هل يرفض الشهوات وهل يثبت أمام هجمات ولاة هذا العالم الذين غلبوه من قبل، وأمام ملذات الأطعمة المتنوعة التي تضعف القلب. فتصل بها الحال (تحت التجربة) إلى أنه يعجز تقريبًا عن الصوم، ويكاد يستسلم، منهزمًا بضعف الجسد وطول الزمان، لأن أفكاره المعادية تقول له: "كم من الزمان تستطيع أن تحتمل هذه الأتعاب؟"، وأيضًا: "أنه لتعب مرير أن تستحق حلول الله فيك، لاسيما وأنك قد أخطأت بهذا المقدار"، ثم أيضًا: "هل يستطيع الله أن يغفر لك كل هذه الخطايا؟". 5- ولكن حينما يتيقن الله أن قلبه يبقى ثابتًا في مخافته، وأنه لا يترك المكان الذي جاء ليسكن فيه، بل يقاوم بشدة، فأنه يسمح بأن تأتيه أفكارًا أخرى توحي له قائلة - وهى متخذة فرصة ببره: "صحيح أنك أخطأت، غير إنك قد قدمت توبة، فقط صرت منذ الآن قديسًا"، وتذكره بخطايا بعض الناس الذين لم يتوبوا، وبذلك تزرع المجد الباطل في قلبه. 6- ثم أن الأبالسة لا تكتفي بذلك، بل تجعل أيضًا بعض الناس يمتدحونه بإفراط، ويدفعونه إلى أعمال لا يقدر أن يقوم بها، وتوحي له بأفكار، كأن يمتنع عن الأكل أو الشرب أو يغالى في السهر، وبأفكار أخرى كثيرة يطول ذكرها، بل وتعطيه سهولة للقيام بها، محاولة بكافة الوسائل أن تجتذبه إليها (أي إلى هذه الأعمال) مع أن الكتاب يحذر قائلًا: "لا تمل يمنة ولا يسرة بل أسلك في الطريق المستقيم" (راجع أم 26:4-27) 7- ولكن إن لاحظ الله أن قلبه لم يمل إلى أي من هذه التجارب، التي سبق داود فتكلم عنها قائلًا: "جربت قلبي وافتقدته ليلًا،محصتني بالنار لكن لم يوجد فيَّ إثم" (مز 3:17) حينئذ ينظر إليه الله من سمائه المقدسة ويحفظه بلا عيب. ولاحظوا جيدًا أن داود لم يقل " نهارًا " بل " ليلًا"، لأن خداعات العدو هي ليل، كما يقرر أيضًا بولس الطوباوي: إننا لسنا أولاد ظلمة بل أولاد نور. فإن ابن الله هو بالحقيقة " نهار " بينما يشبه إبليس بالليل. 8- ومتى تجاوزت النفس كل هذه المحاربات، فإن الأفكار توحي لها بشهوة الزنا (والنجاسة). وفي كل ذلك تشعر النفس بضعفها، ويذبل القلب، لدرجة أنه يتوهم أن حفظ الطهارة أمر يستحيل عليه، فإن الأفكار، كما قلت، تبين له طول الزمان، من جهة، وصعوبة الفضائل، من جهة أخرى، وكم أن حملها ثقيل لا يُحتمل، وتضيف إلى ذلك أيضًا ضعف جسده وهوان طبيعته. 9- وإن لم يكل أمام هذه المحاربات، فإن الله الرؤوف والرحوم يرسل له قوة مقدسة، ويثبت قلبه، ويعطيه الفرح والنياح والقدرة على أن يقوى على أعدائه، بحيث أن هجومهم عليه لا يخزيه، لأنهم يخافون القوة الساكنة فيه، هذه التي قال عنها القديس بولس: "جاهدوا فتنالوا قوة" (كو29:1)، والتي تعرض لها أيضًا الطوباوي بطرس في حديثه عن " الميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظ في السموات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون بالإيمان" (1بط4:1-5). 10- ومتى رأى أن الله الرؤوف المتحنن أنه قلبه قد صار أقوى من أعدائه، فإنه سحب عنه بالتدريج القوة التي كانت تسنده، ويسمح لأعدائه أن يهاجموه بنجاسات الجسد المختلفة وبشهوة المجد الباطل والعظمة، وبتجارب الخطايا الأخرى التي تجذب إلى الهلاك، حتى إنه يكاد يشابه سفينة بلا دفة، تتخبط من كل ناحية على الصخور. 11- ولكن متى صار قلبه وكأنه قد ذبل، وكاد أن يكون قد عثر في كل تجارب العدو، فإن الله محب البشر والمعتنى بخليقته يرسل فيه قوة مقدسة، ويثبته، و]ُخضع قلبه وجسده وكل أعضائه إلى نير الباراقليط، لأنه هو قد قال "احملوا نيري عليكم، وتعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب" (مت9:11). 12- وهكذا يبدأ الله الرؤوف، أخيرًا يفتح أعين قلب (الإنسان)، لكي يفهم أن (الله) هو الذي يثبته، وحينئذ يبدأ الإنسان يتعلم بالحقيقة كيف يعطى مجدًا لله بكل تواضع وانسحاق قلب، كما يقول داود: "الذبيحة لله روح منسحق" (مز 17:51)، لأنه من صعوبة ذلك الجهاد، يتولد التواضع وانسحاق القلب والوداعة. 13- ومتى تجرب بكل هذه الأنواع، فإن الروح القدس يبدأ يعلن له الأشياء السمائية، أي كل ما يعود بالاستحقاق والعدل على القديسين، وعلى الذين وضعوا رجاءهم في رحمته وحينئذ يتفكر الإنسان في ذاته ويردد قول الرسول: "إن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو18:8)، وأيضًا قول داود: "ماذا لي في السماء ومعك كم من الأشياء أردتُ في الأرض؟" (مز25:73) ومعناه: يا رب كم أعددت لي في السماء؟ وأنا كم من الأشياء طلبت معك في الحياة الفانية؟ وهكذا أيضًا تعلن له العذابات التي تنال الخطاة، وأشياء أخرى كثيرة يفهمها كل رجل قديس بدون أن أذكره 14- وبعد هذا كله يقطع الباراقليط عهدًا مع نقاوة قلبه وثبات نفسه وقداسة جسده وتواضع روحه، فيجعله يتجاوز كل الخليقة، ويعمل فيه، بحيث أن فمه لا يتكلم بأعمال الناس وأنه يرى المستقيم بعينيه، ويضع حارسًا لفمه، ويرسم طريقًا مستقيمًا لخطواته، ويقتنى بر يديه أي (بر) أعماله، والمثابرة في الصلاة مع تعب الجسد والسهر المتكرر. ولكن هذه الأشياء يرتبها الباراقليط فيه بقياس وإفراز، وليس بتشويش، بل بهدوء. 15- ولكن إن تجاسرت روحه فقاومت ترتيب الروح القدس نفسه، فإن القوة التي وُضعت فيه تنسحب، وبذلك تتولد في قلبه محاربات واضطرابات، ثم تضايقه آلام الجسد في كل لحظة بمهاجمة العدو. 16- ولكن إن تاب قلبه وتمسك بوصايا الروح القدس (من جديد)، فإن معونة الله تكون عليه. وحينئذ يفهم الإنسان أنه خير له أن يلتصق بالله في كل حين، وأن حياته هي في (الله) كما يقول داود: "صرخت إليك فشفيتني" (مز2:30)، وأيضًا: "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 9:36). 17- فمن رأيي، إذن أن الإنسان إن كان لا يقتنى تواضعًا كثيرًا، وهو قمة جميع الفضائل، وإن كان لا يضع حارسًا لفمه ولا يجعل خوف الله في قلبه، وإن كان لا يمتنع عن تزكية ذاته بسبب الأشياء التي يتوهم فيها أنه أصلح من غيره، وكأنه قد فعل خيرًا ما، وإن كان لا يحتمل، برضى، الإهانات التي تقع عليه، ولا يقدم الخد الآخر للذي يلطمه، وإن كان لا يندفع، بعزم، نحو كل عمل صالح ليقتنيه، وإن كان لا يحمل نفسه في يده كأنه يموت كل يوم، وإن كان لا يعتبر كل الأشياء التي تُرى تحت الشمس كأنها باطلة، ولا يردد في نفسه: "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح" (فى23:1)، وأيضًا: "لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 21:1): فإنه لا يستطيع أن يحفظ وصايا الروح القدس. آمين. ![]() ثانيًا: عظات القديس مقاريوس * هناك خمسين عظة منسوبة للقديس مقاريوس تشمل كثيرًا من التفسيرات المفيدة لفصول من الكتاب المقدس وموضوعات كثيرة لاهوتية وعقائدية وروحية. تعليم عظات القديس مقاريوس: توجد خمس موضوعات رئيسية في هذه العظات: 1- سمو الإنسان: يكمن سمو الإنسان في إمكانية الشركة مع الله وفي وجود علاقة حب مع الله بدلًا من علاقة الاحتياج. ومع كل عظمة الخلائق الأخرى فهي مقيدة بقوانينها -قوانين الطبيعة- فالإنسان وحده يملك حرية، فلذلك يستطيع أن يصير هيكلًا لله. وتحوى العظات أوصافًا جميلة للطبيعة وهى غالبًا من نوع تصوف الطبيعة، ولكنها تعود دائمًا لتتحدث عن السمو العظيم للإنسان فالذي يسطر داخل الإنسان في النهاية هو "العقل". إنه الاشتياق لما هو روحاني وأبدى هو حنين ينبغي أن ينضج ليصل إلى الاستبصار. ولكن العقل مهدد دائمًا بحركات متنوعة من النفس والأفكار والصور والدوافع التي تحاول أن تمسك بنا، وهى (اللوغوس = الأفكار) إذا استخدمنا الكلمة اليونانية الشائعة في كل كتابات آباء الرهبنة الأولين. 2- قوة الشر: أي اختبار وجود الشر في داخل الإنسان والصعوبات في مقاتلة الأفكار الشريرة. فبحسب هذه العظات يوجد الشر في الإنسان كقوة خفية. هذه القوة تحكم في الداخل دون أن نتحقق من الوضع الصحيح للأمور. ورغم إن الشر غريب عن طبيعتنا فقد جعل لنفسه مسكنًا فينا ولا يجد صعوبة في أن يكون مقيمًا فينا مع الروح القدس والذي نلناه بالمعمودية. والاتهام الموجه "للمصلين" بأنهم احتقروا المعمودية ربما يرجع إلى التأكيد في العظات على أن المعمودية ليست كافية لاستئصال الشر من النفس والقديس مقاريوس مولع جدًا بالصور ويصور الشر كاللصوص الذين أقاموا في البيت وحولوا أنفسهم إلى حيات تختبئ عند الضرورة ولكنها لا يزالون يتحكمون في كل ما يحدث. فميدان المعركة بين الخير والشر هو قلب الإنسان. وسقوط الإنسان وطرده من الفردوس لم تلاش الصلاح كما أن المعمودية لم تلاش الشر. ورغم إن آدم فتح الباب للشر ولكن كل إنسان مسئول عن المساحة التي يسلمها للشر في داخل نفسه ورغم إن آدم باع كل الجنس البشرى للعبودية تحت الشيطان، فإن كل واحد مسئول في عدم مقاومته للشر، ذلك الشر الذي يستمد قوته أساسًا من الدوافع والأفكار. ولذلك من الضروري أن تعرف وتفهم نفسك أنت وتتعلم كيف تقاتل الرذائل. 3- التجسد: وحينما تعالج العظات التجسد، فمن المهم أن نلاحظ كيف تتكلم غالبًا عن إن الله يولد في قلب الإنسان. التجسد الذي حدث من خلال العذراء مريم ليس فقط حقيقة تاريخية مرتبطة بزمن معين، ولكنه هو قبول الكلمة للطبيعة البشرية المستمر، فينا ومن خلالنا. فالانتصار على الموت وإنزال الشيطان من عرشه والمصالحة بين السماء والأرض كل هذه تحدث في كل إنسان له اهتمام بأن يشترك في المسيح. هذه المشاركة تأتى بواسطة سكنى الروح، الذي هو عطية، ولكنه عطية تفترض عمل تنقية للنفس الداخلية لكيما يستريح الروح في النفس. 4- روح الله: الروح القدس هو قوة مطهرة، هو قوة أقوى من الشر. ويرد ذكر سكنى الروح في هذه العظات أكثر من 125 مرة. وكثيرًا ما نجد حديث عن الامتزاج، امتزاج روح الإنسان مع روح الله وهذه الطريقة في التعبير توجد أيضًا عند أوريجينوس. وتخبرنا العظات عن كيف إن الحواس الخمس هي مثل خمس عذارى حكيمات عندهن زيت حتى يستطعن أن يضيئن مصابيحهن حينما يأتي العريس والزيت هو عطية من الله، ولكن بدون يقظة وبصيرة ورغبة صادقة لا يستطيع أن يفعل شيئا. فنشاط الإنسان أمر لا غنى عنه، ولكن منح إكليل النصرة هو دائمًا عمل الله. هدف النسك هو -مثلما جاء في رسائل القديس أنطونيوس أيضًا- يوصف بأنه "الراحة". وهى حالة من الحرية الكاملة ولكنها أيضًا هدوء كامل بدون ألم الاختبار وهى تسمى أحيانًا -كما عند القديس غريغوريوس النيصى- سكر أو انجذاب. وتشير العظات إلى الاتحاد بالله ولكنها تؤكد أيضًا على الاختلاف بين الخالق والمخلوق. هذه الراحة يمكن تذوقها في هذه الحياة، وإن كان ليس بصفة دائمة. والإشارة المستمرة في العظات إلى الشعور والاختبار هي ربما أحد الأسباب التي جعلت المجموعة التي استعملت العظات كمرجعها الوحيد، تصير ضيقة الفكر ومتعصبة، ولكنها أيضًا هي أحد الأسباب التي جعلت العظات محبوبة جدًا مع "التقويين". والكتاب المقدس يشار إليه في العظات على أنه رسالة عظيمة من الملك. أنه خطاب دعوة. وتمتلئ العظات باقتباسات من الكتاب رغم أن المؤلف قد تعلم من الكتاب المقدس كثيرًا من أوريجينوس ومن الآباء المصريين والكابادوكيين فأنه لا يقتبس أي نص أخر سوى من الكتاب المقدس. وتفسير الاقتباس يوجه مباشرة إلى الشخص، كما لو أن تاريخ الخلاص هو التاريخ الشخصي لكل أحد. لذلك فالتفسير المحوري للكتاب في العظات ليس هو عادة التفسير المجازى بل بالحري "التفسير بالأنماط". 5- معنى الصلاة: وكما هو متوقع من نص مرتبط ببدعة "الميساليانيز"، أي أولئك الذين يصلون، فالصلاة هي محورية بالنسبة للعظات والأمثال التي تشير للصلاة تذكر باستمرار. ومن الواضح أن المؤلف عنده اختبارات شخصية عميقة في الصلاة. فالصلاة في العظات هي بصفة أولية صرخة لطلب المعونة، هي صوت العبد الذي يطوق للتحرر. لذلك فإن استجابة الصلاة ينظر إليها على أنها استعادة سمو الإنسان من جديد واستعادة الحرية الخاصة به. الصلاة وحدها هي التي تجعل الروح القدس يحل القيود ويهزم الشر. لذلك يحاول الشيطان دائمًا أن يمنعنا من الصلاة بأن يشتت تركيزنا بأفكار متنوعة. الصلاة بغير تشتت هي هبة من الله ولكنها تستلزم تعاوننا. ![]() تأثير العظات: والعظات كان لها تأثير هائل على مدى التاريخ. ففي التقليد الروحي اليوناني كان لها أهمية كبيرة عن سمعان اللاهوتي الجديد وغريغوريوس بالاماس وهكذا امتدت هذه الأهمية إلى كل التقليد "الهدوئي" وحفظت أجزاء من العظات مع الخطاب الكبير أيضًا في الفيلوكاليا، وهى المجموعة التي صارت محورية بالنسبة للتقليد الروحي في روسيا. ولكن توجد أيضًا أمثلة لكتاب روحيين داخل البروتستانتية الغربية كانوا مدينين كثيرًا للعظات المقارية. وأهم هؤلاء الكُتَّاب هما: جوهان ارندت وجون وسلى. والمجلدات الأربعة التي وضعها جوهان أرندت مؤسس "الحركة التقوية" والتي تسمى "أربعة كتب حول المسيحية الحقيقة" هذه المجلدات مملوءة بإشارات لهذه العظات، ويقال إن "أرندت" حفظ هذه العظات عن ظهر قلب. ![]() ثالثًا: من أقواله وتعاليمه: * سأل الأب إشعياء آبا مقاريوس قائلًا قل لي يا أبى كلمة، فأجاب الشيخ أهرب من الناس. فقال آبا إشعياء وماهر الحروب من الناس. فأجاب الشيخ هو جلوسك في قلايتك وبكاؤك على خطاياك. * سأل أخ الآنبا مقاريوس الكبير قائلًا قل لي كلمة للمنفعة فقال له أجلس في قلايتك ولا تكن بينك وبين أحد خُلطة وابك على خطاياك، وأنت تخلص. * كان الآبا مقاريوس يقول للإخوة إذا سُرحت الكنيسة فروا يا إخوة فروا. فقال أحد الآباء أيها الأب إلى أين نقر أكثر من هذه البرية، فضرب (الشيخ) بيده على فمه وقال من هذا فروا.. وكان إذ دخل القلاية أغلق الباب بوجهه وجلس. * وعندما سُئل الآبا مقاريوس ما هي الطريقة الصالحة التي يسلك بها أخ مبتدى يسكن في قلايته؟ أجاب يجب على الراهب -عند ما يكون في قلايته- أن يبعد عن عقله تذكار أي إنسان. لأنه لا ينتفع شيئًا من كبح جماح مشاعره عن محادثة الناس، ما لم يكن حريصًا في ضبط أفكاره عن المحادثة الخفية معهم (بفكره). هذا هو معنى كلمات أهرب وأصمت وتأمل في صمت. * أعتاد آبا مقاريوس أن يقول للإخوة بخصوص برية الإسقيط عندما ترون قلالي قد اتجهت نحو الغاية أعرفوا أن النهاية قريبة. وعندما ترون الأشجار قد غرست إلى جوار الأبواب اعلموا أن النهاية على الأبواب. وعندما ترون شبانًا يسكنون في الإسقيط، أحملوا أمتعتكم وارحلوا. * وقال القديس بلاديوس عن القديس أبا مقاريوس: *... وإذ كان تضايق لأن عددًا كبيرًا من الناس كانوا يأتون إليه ليتباركوا منه لذلك دُبر الخطة التالية: حفر سردابًا في قلايته... وصنع فيه مخبأ ذا طول مناسب، يمتد من قلايته إلى يُعد نصف ميل. وعند نهايته حفر مغارة صغيرة وعندما كانت تأتى إليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته، كان يترك قلايته سرًا، ويمر عابرًا في السرداب دون أن يراه أحد، ويختبئ في المغارة حيث لا يقدر أحد أن يجده. وقد أعتاد أن يفعل هذا كلما كان يرغب في الهروب من المجد الباطل الذي يأتي من الناس * وقد قال لنا واحد من تلاميذه الغيورين إنه في تركه القلاية إلى المغارة كان يتلو 24 ربعًا (استيخن)، وفي رجوعه 24 أخرى. وحينما كان يذهب من قلايته إلى الكنيسة كان يصلى 24 صلاة في عبوره إلى هناك و24 أخرى في رجوعه. * قال القديس مقاريوس: يجب على الراهب أن يكون في سكون كل حين، ولا يسمع لأفكاره التي توعز إليه بكثرة الكلام الذي يُضعف النفس. بل ليمُسك عن الكلام، حتى لو نظر أناسًا يضحكون أو يتحدثون بكلام لا منفعة له وذلك لجهلهم. لأن الراهب الحقيقي يجب أن يتحفظ من لسانه كما هو مكتوب في المزمور اللهم أجعل لنفسي حافظًا وعلى شفتي سترًا حصينًا فالراهب الذي يسلك هكذا لا يعثر أبدًا بلسانه * وسأله أخ مرة قائلًا ماذا أصنع والأفكار توعز إلى بأن أمضى وأفتقد المرضى، فإن هذه هي الوصية؟ فأجابه الشيخ قائلًا: إن كلمة النبوة لا تسقط أبدًا، فإنه يقول حيد للرجل أن يحمل النير منذ صباه. يجلس وحده صامتًا (مر 26:31). أما قول ربنا يسوع المسيح كنت مريضًا فزرتموني، فقد قاله لعامة الناس. وإني أقول لك يا أخي إن الجلوس في القلاية أفضل من افتقاد المرضى لأنه يأتي زمان يُضحك فيه على سكان القلالي فتتم كلمة البار أنطونيوس يجئ زمانًا يُحن فيه جميع الناس وإذ أبصروا واحدًا لم يُحن يذيعون عنه أنه يحنون لأنه لا يشبههم. وإني أقول لك يا ولدى إن موسى النبي العظيم لو لم يبتعد عن مخالطة الناس ويدخل في الضباب وحده، لما تسلم لوحي العهد المكتوبين بإصبع الله. * وقال... أحفظوا أسماعكم من كلام النميمة، لتكون السلامة والمحبة بينكم. * وقال.. فالآن يا رجل الله، إن وضعت في قلبك أن تفتني الوحدة، فهيئ ذاتك لها واصبر على المسكنة. فإن الوحدة والمسكنة عظيمتان، وليس شيء من المواهب يساومهما في القدر والكرامة لأنهما يقربان إلى الله، كما لا تحصى المواهب الموجودة داخلهما لأنهما تسودان جميع الفضائل. وهما في وسط جميع الفضائل تتلألآن لأنهما مصدر أعمال القديسين وجميع القديسين وحدوا الله فيهما، وكُشفت لهم الأفكار، فوهبهم الله قلوبًا نقية وهم في المسكنة والوحدة جياع عطاش. هؤلاء الذين لم يستحقهم العالم، تائهين في البراري والقفار والمغارات وشقوق الأرض. هؤلاء الذين لهم هذه الشهادة الجليلة، قد وحدوا الله في الوحدة وبالمسكنة والصبر. لأن مجد الوحدة غير محدود، وفرحها هو الله، وهى العزاء في الفقر والمسكنة. غذاؤها الصبر، وخدمتها الكاملة هي الطهارة، وفرحها هو الاتضاع. هي التي لا يفسدها سوس ولا يتدنس لها ثواب، لأنها ساكنة في الطهارة. * سأل الأخ الآبا مقاريوس عن الوحدة فأجاب وقال: إن كنت حقًا تريد السُكنى في الوحدة، فأصبر لها، ولا تؤد عملك يومًا في الداخل ويومًا في الخارج. ولكن تصبر لها باتضاع، والله الصالح يؤازرك، لا تُوجد سببًا للخروج عن الوحدة حتى ولو ليوم واحد، بل أثبت في مسكنك لتذوق حلاوتها، ولا تبطئ خارج قلايتك لئلا أتعابك تقاومك عند رجوعك، فتتعب جدًا في حربك ويصعب انتصارك. يا رجل الله حتى متى تدوم لك هذه الأتعاب؟ أصبر للمسكنة وعزاء الوحدة بأتباعك من قبل الله. لا تُضيع يومًا واحدًا لك، ونعمة الوحدة وحلاوة المسكنة تصيران عزاء، ويعطيك الله سعادة في مسكنك. * وقال... الوحدة هي حفظ العينين والأذنين واللسان والاشتغال بالقراءة والصلاة. والوحدة هي مرآه تبين للإنسان عيوبه. * وكان أبا بفنوتيوس (ببنوده) تلميذ أبا مقاريوس، يقول لقد رجوته قائلًا يا أبى قل لي كلمة فقال لي لا تؤذ أحد ولا تحكم على أحد احفظ هذه الكلمات وأنت تخلص. * قيل عن القديس مقاريوس إنه كان يوصى تلاميذه قائلًا أهربوا من كلام النساء المؤدى الهلاك. وكان يقول أحذروا ألا تكون بينكم وبين صبى دالة. لأن الصبي إذا رأيته صاعدا إلى السماء فهو سريع السقوط. فما عليكم إلا أن تطلبوا من المسيح إلهنا أن يعينه. * وبصدد الابتعاد عن العالم، قال البار إشعياء إني في أحد الأوقات كنت جالسًا بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبان من الإسكندرية ليمتحنوه قائلين قل لنا كيف نخلص؟ فأخذت أنا دفترًا وجلست بمعزل عنهم لأكتب ما يتحاورون به. أما الشيخ فإنه تنهد وقال كل واحد منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاص. فأجابوه كثيرًا ما أردنا الخلاص، إلا أن الأفكار الخبيثة لا تفارقنا. فماذا تعمل؟ * فأجابهم الشيخ إن كنتم رهبانا، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين؟! إن الذي قد هجر العالم ولبس الزى الرهباني وهو في وسط العالم، فهو لنفسه يخادع. فمن كانت هذه حالة، فقد صار تعبه باطلًا. لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياح الجسد، وحيث نياح الجسد لا يوجد خوف الله. لاسيما إن كان راهبًا ممن يدعون متوحدين، لأنه ما دُعي متوحدًا إلا لكي ينفرد ليله ونهاره مناجاة الله. فالراهب بين العلمانيين هذه تصرفاته. * فلنقر نحن أيها الإخوة من العالم كما نقر من الحية، لأن الحية إذا نهشت فبالكاد تبرأ عضتها. كذلك نحن أيضًا إن شئنا أن نكون رهبانا فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الإخوة أن تكون لنا حرب واحدة بدلًا من قتالات كثيرة. قولوا لي يا إخوتي ويا آبائي في أي موضع أقتنى آباؤنا الفضائل، أفي العالم أم في البراري؟ إذن. كيف نقتضى الفضائل ونحن في العالم؟ لن نستطيع ذلك ما لم نجع وما لم نعطش، وما لم نساكن الوحوش... * ماذا يكون جوابنا أمام السيد المسيح، وقد هجرنا العالم وها نحن نعاود الطواف فيه؟! إن طقسنا ملائكي لكننا جعلناه علمانيًا. لا يكون هذا منا يا إخوتي. إيانا أن نعلمه بل لنهرب من العالم. لأنه إن كنا بالكاد نخلص في البرية، فكيف يكون حالنا بين العلمانيين؟!.. * أرأيتم عظم المنفعة من الهروب من العالم؟ لأنه نافع لنا جدًا وموافق لأن مجالس العلمانيين ليس فيها شيء سوى البيع والشراء وما يتعلق بالنساء والأولاد والزرع والدواب،فهذه المخالطة تفصل الراهب عن الله، فمؤاكلتهم ومشاربتهم تجلب الكثير من الضرر. ولسنا نعنى بهذا أن العلمانيين أنجاس. معاذ الله! لكنهم يسلكون في الخلاص طريقًا آخر غير طريقنا. فهروبنا هو هروب من مخالطتهم. فلتطلب سبهم فينا أكثر من مديحهم لنا. لأن سبهم لنا لن يُفقدنا شيئا، أما مديحهم فهو سبب عقوبتنا. فما منفعتي إذا أنا أرضيت الناس وأغضبت ربى وإلهي، لأنه يقول لو كنت أرضى الناس فلست عبدًا للمسيح. إذًا فلنبتهل أمام ربنا قائلين: يا يسوع إلهنا نجنا وافتقدنا من مخالطتهم. * قال القديس مقاريوس: أحفظوا ألسنتكم وذلك بألا تقولوا على أخوتكم شرًا. لأن الذي يقول على أخيه يغضب الله الساكن فيه. فإن ما يفعله كل واحد برفيقه، فبالله يفعله. * وقال أيضًا: نفسي الإنسان الكامل في الفضائل تجدها نقية كالشمس من قبل أن تلحقه كلمة رديئة. فإذا سمع كلمة رديئة أو نميمة فللوقت تغطى الشياطين عقله، وتحجب عنه النور وتصيره شقيًا، وتكون نفسه متزعزعة وفضائله ناقصة. روى بلاديوس القصتين الآتيتين: * قيل إنه في إحدى المرات كان الآبا مقاريوس عابرًا في الطريق عندما قابله الشيطان وأراد أن يقطعه بمنجل كان ممسكًا به في يده. ولمنه لم يستطيع أن يفعل هذا، وقال له يا مقاريوس إنك تطرحني على الأرض بقوة عظيمة، وأنا لا أستطيع أن أغلبك. لكن أنظر هوذا كل عمل تعمله أنت، أستطيع أنا أيضًا أن أعمله. أنت تصوم وأنا لا أكل أبدًا. أنت تسهر وأنا لا أنام مطلقًا. ولكن هناك شيئًا واحدًا به تغلبني حينئذ قال له مقاريوس وما هو هذا؟ فقال الشيطان إنه تواضعك لأنه من أجل هذا لا أقدر عليك. فبسط مقاريوس يديه للصلاة وحينئذ اختفى الشيطان. * وفي إحدى المرات أمسك الشيكان سكينًا، ووقف على الآبا مقاريوس مريدًا أن يقطع رجله. ولما لم يقدر أن يفعل هذا من أجل تواضع الشيخ، أجاب وقال له كل شيء تملكه، ونملكه نحن أيضًا ولكنك بالتواضع فقد تتفوق علينا، وبه وحده تغلبنا. * والقطعة الأولى من هاتين موجودة في بستان الرهبان باختصار. * سئل الآبا مقاريوس أي الفضائل أعظم؟ فأجاب وقال إن كان التكبر يعتبر أشر الرذائل كلها حتى أنه طرح طائفة من الملائكة من علو السماء، فبلا شك يكون التواضع أكبر الفضائل كلها، لأنه قادر أن يرفع المتمسك به من الأعماق حتى لو كان خاطئًا. من أجل ذلك أعطى الرب الطوبى للمساكين بالروح. * ومن أمثلة تواضع القديس استرشاده بمن هو أصغر منه كما يتضح من القصتين الآتيتين: * قال الآبا مقاريوس: ضجرت وقتًا وأنا في القلاية، فخرجت إلى البرية وعزمت على أن أسأل أي شخص أقابله من أجل المنفعة. وإذا بي أقابل صبيًا يرعى يقرأ، فقلت له ماذا أفعل أيها الولد فإني جائع؟ فقال لي كل فقلت له أكلت ولكنى جائع أيضًا. فقال لي كُلْ دفعة ثانية فقلت له إني أكلت دفعات كثيرة وما أزال جائعًا. فقال الصبي لست أشك في أنك حمار يا راهب، لأنك تحب أن تأكل دائمًا. فانصرفت منتفعًا ولم أرد له جوابًا. * قيل سأل الآبا مقاريوس الكبير مرة زكريا -وهو ما يزال في حداثة سنة- قائلًا أخبرني ما هو عمن الرهبان؟ فقال له زكريا أتسألني أنا يا أبي؟! فقال له الشيخ أتوسل إليك يا ابني زكريا فإن نفسي متيقنة بالروح القدس الذي فيك، أن هناك شيئًا ينقصني، يلزم أن أسألك عنه. فقال له الشاب يا أبى، أقول -حسب رأيي- إن عمل الرهبان هو أن يقمع الإنسان نفسه في كل شيء. * وقال بلاديوس: إن مقاريوس الطوباوي كان يتصرف مع جميع الإخوة بدون أي ظن سيئ. وقد سأله بعض الناس لماذا تتصرف هكذا؟ فأجابهم أنظروا، إنني ابتهلت إلى الرب مدة أثنى عشر سنة من أجل هذا الأمر أن يمنحني هذه الموهبة فهل تنصحونني بأن أتخلى عنها؟! * قيل أن أبا مقاريوس المصري ذهب في إحدى المرات من الإسقيط إلى نتريا. ولما اقترب من مكان معين قال لتلميذه تقدمني قليلًا. ولما فعل (التلميذ) هذه قابله كاهن وثنى كان يجرى حاملًا بعض الخشب، وكان الوقت حوالي الظهر فصرخ نحوه الأخ قائلًا يا خادم الشياطين، إلى أين أنت تجرى فاستدار الكاهن وانهال عليه بضربات شديدة، وتركه ولم يُبق فيه سوى قليل نفس. ثم حمل ما معه من خشب وسار في طريقه. * ولما ابتعد قليلًا، قابله الطوباوي مقاريوس في الطريق وقال له فلتصحبك المعونة يا رجل النشاط. فاندهش الكاهن واقبل نحوه وقال أي شيء حسن أريته في حتى حبيتني هكذا؟ فقال له الشيخ إني أرى إنك تكد وتسرع، وإن كنت لا تدرى لماذا. فأجاب الكاهن وأنا إذ تأثرت بتحيتك عرفت أنك تنتمي إلى الإله العظيم ولكن هناك راهبًا شريرًا صادفني قبلك ولعنى فضربته ضربة الموت. فعرف الشيخ أنه تلميذه. أما الكاهن فامسك بقدمي مقاريوس الطوباوي وقال له لي أدعك تمضى حتى تجعلني راهبًا. وإذا سار معًا وصلًا إلى المكان الذي كان فيه الأخ مطروحًا، وحملاه وأتيا به إلى كنيسة الجبل. ولكن الإخوة عندما رأوا الكاهن الوثني مع المغبوط مقاريوس تعجبوا كيف تحول عن الشر الذي كان فيه. وأخذه الآبا مقاريوس وجعله راهبًا، وعن طريقه صار كثيرون من الوثنيين مسيحيين. وكان مقاريوس الطوباوي يقول إن الكلمات الشريرة والمتكبرة تُحول الناس الأخيار إلى أشرار. ولكن الكلام الطيب المتواضع يحول الأشرار أخيارًا. * قيل عن الآبا مقاريوس إنه عندما كان يقترب إليه الإخوة في خوف -كما إلى شيخ عظيم وقديس- لم يكن يجبهم بكلمة. وعندما كانوا يتقدمون إليه بدالة ومحبة كان يجيب على كل سؤال يوجه إليه. * كان الشيخ مقاريوس يقول إن لم تكن لك صلاة الروح فجاهد في الصلاة والجسد، وعند ذلك ستُعطى أيضًا الصلاة بالروح. وإن لم يكن لك اتضاع الروح، جاهد من أجل الاتضاع الذي بالجسد وعندئذ ستُعطى أيضًا الاتضاع الذي بالروح. لأنه كُتب اسألوا تعطوا. * أتى الآبا مقاريوس يومًا من الإسقيط إلى نبرس فقال له الشيوخ قل كلمة للإخوة أيها الأب فأجابهم قائلًا أنا لم أصر بعد راهبًا، لكنى رأيت رهبانا.. * قال بلاديوس: كان الآب تادرس الفرمي يقتنى ثلاثة مصاحف جميلة جدًا (3 كتب مقدسة مخطوطة). فذهب إلى آبا مقاريوس وقال له عندي يا أبى ثلاثة كتب، وأنا أنتفع منها والإخوة كذلك يستعيرونها وينتفعون منها. فاخبرني الآن ماذا ينبغي أن أصنع؟ (هل استبقيها لمنفعتي ومنفعة الإخوة، أم أبيعها وأفرق ثمنها على المساكين؟) فأجاب الشيخ قائلًا إن أعمال الرهبنة جميلة، ولكن أعظمها جميعًا هو الفقر الاختياري. ولما سمع الأب تادرس هذه الكلمات، مضى فباع الكتب وأعطى ثمنها للفقراء. * وقيل عن الآبا مقاريوس إنه كان يوصى تلاميذه بألا يقتنوا شيئًا البتة. وكان يقول إن محبي المسيح الذين أرادوه قد تركوا نعيم الدنيا ولذاتها، وصارت منزلة العالم عندهم كمنزلة العودة الصغير، لا يتألمون على فقد شيء منه. إن الإنسان الذي يأسف على فقدان شيء منه ليس كاملًا بعد. إن كنا قد أمرنا أن نرفض أنفسنا وأجسادنا، فكم بالحرى المقتنيات؟! إن الشياطين تحترق بهذه الفضيلة وأمثالها، عندما يرون إنسانًا غير ملتفت إلى الأشياء وليس بمتأسف عليها إذا فقدها... إذا رأت الشياطين إنسانًا قد شُتم أو أهين أو خسر شيئا، ولم يغتم بل احتمل بصبر وجلد فإنها ترتاع منه، لأنها تعتقد وتعلم أنه قد سلك في طريق الله. * وردت القصة التالية في الرسالة الثانية والعشرين للقديس جيروم (إيرونيموس) التي أرسلها إلى تلميذته يوستوخيوس قال: سأقص علك حادثًا وقع منذ سنوات ليست بكثيرة في نتريا: * حدث أن أخا -عن طريق التدابير والاقتصاد، وليس عن طريق البخل- نسى أن المسيح قد بيع بثلاثين من الفضة، فترك هذا الأخ وراءه عند موته مائة قطعة من الذهب ربحها من نسج الكتان. فعقد الرهبان مجمعًا ليقروا ماذا يُعمل بخصوصها إذ كان هناك خمسة آلاف منهم يعيشون في المنطقة المجاورة له في قلالي منفردة. فقال البعض أن المال يجب أن يوزع على الفقراء. وقال آخرون يجب أن يعطى للكنيسة. وقال غيرهم يجب أن يرسل إلى أبويّ الأخ المتوفى. * ولكن مقاريوس وبموا وابسوذوروس وآباء آخرين يتكلم الروح القدس بواسطتهم، قرروا أنه يجب أن تُدفن القطع الذهبية مع صاحبها قائلين ليهلك ما لك معك. * وينبغي ألا يفكر أحد في أن ذلك القرار كان قاسيًا، لأن خوفًا عظيمًا وقع على كل الذين في مصر. حتى أنها تعتبر جريمة الآن إن ترك أحد وراءه قطعة ذهب واحدة * قال الآبا مقاريوس إذا ما حسبت (أو تقبلت) التحقير كالإكرام، واللوم كالمذبح، والفقر الشراء؛ فإنك لا تموت أتى أخ إلى الآبا مقاريوس المصري وقال له يا أبى قل لي كلمة لأحيا. فقال له الآبا مقاريوس أذهب إلى المقابر واشتم الموتى فذهب وشتمهم ورجمهم بالحجارة ورجع فأخبر الشيخ بأنه قد فعل هكذا. فقال له الشيخ هل قالوا لك شيئا؟ فأجابه الأخ لا. فقال له الشيخ أمض غدًا وأمجدهم وقال لهم يا رسل يا قديسون يا أبرار. فمض الأخ ومدحهم وعاد فقال للشيخ لقد مدحتهم. فقال له الشيخ وهل أجابوك بشيء؟ فقال لا فقال له الشيخ ها أنت ترى أنك مدحتهم فلم يقولوا لك شيئا، وإنك شتمتهم فلم يردوا لك جوابًا فلتكن أنت هكذا أيضًا. إذا رغبت في أن تحيا. كن ميتًا، حتى أنك لا تهتم بشتيمة الناس ولا بمدحهم، لأن الميت لا يهتم بشيء،. بهذا الطريقة تستطيع أن تحيا. ملاحظة: العبارة الأخيرة وردت في هكذا في بستان الرهبان (إن كنت حقًا مت مع المسيح ودفنت معه، فأصنع هكذا مثل أولئك الأموات. لأن الميت لا يحس بكرامة ولا بإهانة، وبذلك تستطيع أن تخلص فانتفع الأخ بذلك. * قال أحد الحكماء مضيت دفعة إلى الآبا مقاريوس بالنهار ظهرًا وقد عطشت لدرجة كبيرة جدًا كبيرة جدًا فطلبت منه قليل ما لكي أشرب، فقال لي يكفيك هذا الظل الذي أنت واقف فيه. لأن كثيرين يسلكون الآن في المسالك والوهاد في العراء لا يجدون ظلًا مثل هذا. فسألته بعد ذلك أن يقول لي كلمة عن النسك فقال لي قَّو قلبك يا ابني فإني أقمت عشرين سنة لم أشبع من خبز ولا من ماء ولا من نوم. وكنت أكل خبزي بقانون. أما من جهة النوم، فإني كنت استند إلى الحائط واختطف يسيرًا منه. * قال القديس مقاريوس لا تُنعموا أجسادكم في هذا الزمان أليسير بالطعام والشراب والنوم، لئلا تعدموا الخيرات الدائمة التي لا يوصف. فمن ذا الذي تكلل قط بدون جهاد؟! ومن اغتنى بدون عمل؟! * وقال أيضًا لا تكملوا شهوة الجسد لئلا تُحرموا من خيرات الروح، فإن الرسول يقول إن اهتمام الجسد هو موت واهتمام الروح هو حياة. * وقال كذلك إن أول العصيان كان من آدم أبينا في الفردوس بسبب شهوة الطعام وأول الجهاد هو سيد المسيح كان في البرية في الصيام. وتعلمنا التجربة أن الراحة والطعام هما أسباب الطغيان، والصوم من سبب الغلبة والنصرة فصوموا مع المخلص لتتمجدوا معه وتغلبوا الشيطان. والصوم بدون صلاة واتضاع يشبه نسرًا مكسوًا الجناحين. * قيل عن الآبا مقاريوس إنه جعل لنفسه قانونًا، وهو أنه إذ قدَّم له الإخوة نبيذًا كان لا يمتنع عن شربه. لكنه عوضًا عن كل قدح نبذ بشربه كان يصوم عن شرب الماء يومًا كاملًا. أما الإخوة فلكي ما ينيحوه كانوا يعطونه، وهو لا يمتنع بدوره إمعانًا في تعذيب ذاته. فلما رأى تلميذه هذه قال للإخوة أتوسل إليكم من أجل الرب ألا تعطوه نبيذًا ليشرب، لأنه إن شرب يذهب إلى قلايته ويعذب بسبب هذا. فلما علم الإخوة بالأمر لم يعودا يعطونه نبيذًا مرة أخرى ليشرب. * قال بعض الآباء للآبا مقاريوس المصري سواء لديك إن أنت أكلت أو صمت، لأن جسدك قد حفَّ فقال لهم الشيخ إن قطعة الخشب التي اشتغلت وأفنتها النار، هي قد احترقت بالكلية وهكذا أيضًا قلب الإنسان إذ ما تطهر بخوف الله، فإنه يفنى الشهوات من الجسد ويجفف عظامه. _____ (*) المراجع: 1- دراسات آبائية ولاهوتية السنة الأولى: العدد الثاني يوليو 1998 م. مركز دراسات الآباء بالقاهرة 2- سيرة الثلاث مقارات للقديسين دير السريان 3- مؤتمر الأسرة السادس مار جرجس القللي 4- سيرة القديس أبو مقار دير أبو مقار |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 102 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأنبا مكاريوس أب الأسقيط القسم الأول: سيرته أولًا: نشأته: * كان أبوه قديسًا يدعى إبراهيم كاهنًا على كنيسة منف وأمه تدعى سارة وقد حدث في زمانهما حوادث شغب ونهب وسلب اضطرتهما للهجرة إلى بلدة ششوير بالمنوفية... * كان والداه عاقرين وقد بشر الملاك والده وهو مريض ملقى في الكنيسة وفي الميعاد ولد لهما ابن دعاه مقاره ومعناه (صادق الصوت). * تربى مقاره في خوف الله وبدأ يساعد والده في عمله في فلاحة الأرض (قد اشتراها والده وعمل بها بجانب الكهنوت). * قام أبواه بتزويجه رغمًا عن إرادته ولكنه حفظ بتوليته باتفاق مع الفتاة التي اختاروها له. * تمت رسامته شماسًا تمهيدًا لرسامته كاهن. * ولكى يبتعد مقاره عن الفتاه أطول مدة ممكنة كان يذهب مع الجمالين الأجراء عند أبيه لجلب النطرون من جبل النطرون وهنا أول إشارة للعلاقة المقدسة التي بدأت بين مقاره وجبل شيهيت واستمرت إلى اليوم وإلى جيل الأجيال. ![]() ثانيًا: ظهور الشاروبيم على صورة إنسان مهيب ومنير * وفي إحدى الأسفار وهو نازل مع الجمالين إلى وادي النطرون وقد سار بالقرب من الجبل المطل على البحيرات (أسفل الجبل الذي فوق البحيرة)، وكان الكل نيامًا من التعب ومقاره أيضًا نائم، إذ رأى في نومه أمرًا مخوفًا: إنسانًا نورانيًا متشحًا باسطوانة كالبرق الساطع، وهذه الاسطوانة مكللة بالجواهر (عيون الشاروبيم) وكلمه قائلًا: "أنظر حولك وتأمل أعماق الجبل "أن الله يقول لك أنى أعطيك هذا الجبل ميراثًا لك ولأولادك، يتفرغون فيه للصلاة، ويخرج منك رؤوس ومقدمون من هذه البرية. والآن أنهض من نومك وتذكر جيدًا جميع ما قلته لك، وإذا صرت كاملًا أعود فأظهر لك، وأكلمك بما يجب من فم الله". * وكان هذا هو أول ظهور للشاروبيم للقديس مقاره، الذي صار رفيقًا ومرشدًا له طول أيام حياته حتى يوم نياحته. ![]() ثالثًا: الظروف تخضع لاشتياقاته المقدسة: *وبرجوعه إلى بلده، وجد أن فتاته البتول مريضة بالحمى، التي اشتدت عليها حتى فارقت الحياة، وكان هذا بتدبير من الله لتبدأ قصة القديسة مقاره على أروع صورها. ![]() * فما كان من الشاب مقاره إلا أن تنبه لنفسه قائلًا: "يا مقاره أحرص الآن على اغتنام هذه الفرصة لنفسك، لأنك حتمًا ستؤخذ مثل أختك التي سبقتك". * وبدأ مقاره لا يُرى في البيت إلا منتصبًا في الصلاة!! ولا يوجد خارج البيت إلا في الكنيسة!!! وظل يخدم أباه الشيخ إلى أن أسلم أبوه روحه الطاهرة. * وبموت أبيه ابتدأ يفرق مقتنياته كلها التي ورثها عنه، ولما بدأت أمه تعنفه على مسلكه، كان يحتملها بصبر، إلى أن تنيحت هي الأخرى بعد ستة أشهر من نياحة بعلها. ![]() رابعًا: اعتزال القديس مكاريوس 1- الاعتزال الأول: * وبوصية من راهب متوحد، صادفه الشاب مقاره يومًا في الكنيسة، انطلق مقاره بعيدًا عن القرية وسكن وحده وهو في سن الثلاثين. * وهذا هو الاعتزال الأول الذي دام عشرة سنوات، والذي قُرب نهايته احتال أهل القرية عليه ومازالوا يتوسلون إليه حتى رسموه قسًا وهو في سن الأربعين سنة 340 م 2- التجربة الحزينة التي دفعته إلى الاسقيط، وبدأ اعتكافه الكبير: * يقول ق. مكاريوس (لما كنت شابًا وعائشًا في قلايتي بريف مصر، جاءوا واختطفوني ورسموني قسًا على قرية. ولما لم أكن أهلًا لهذه الوظيفة، هربت إلى قرية بعيده حيث كان يتردد علىَ رجل بار يأخذ منى شغل يدي ويسد احتياجاتي. * وفي يوم من الأيام حدث أن بتولًا في ذلك المكان سقطت في الخطيئة وحملت في بطنها. فلما أُشهرت، سُئلت عمن فعل معها هذا الفعل فقالت: "المتوحد...!؟". وسرعان ما خرجوا عليه وأخذوني باستهزاء مريع إلى الضيعة، علقوا في عنقي قدورًا مُسودة وآذان جراء مسخمة، وشهروا بي في كل شارع من شوارع الضيعة وجماعة الصبيان يجرون خلفي وهم يضربونني قائلين: "أن هذا الراهب أفسد عفت أبنتنا البتول وفضحها، أخزوه". وهكذا ضربوني ضربًا موجعًا، قربتُ بسببه من الموت، إلى أن جاءني أحد الشيوخ فقال لهم: "إلى متى هذه الإهانة؟ أما يكفيه كل ذلك خزيًا؟"، ولكن دون جدوى. أما الرجل البار الذي كان يعولني، فكان يتبعهم من بعيد وهو خازي الوجه، وكان يستهزئون به أيضًا قائلين: "أنظر ماذا فعل ذلك المتوحد الذي كنت تُحدثنا عنه بكل وقار " وكانوا يواصلون ضربي قائلين أنهم لن يسكتوا عن ذلك حتى يأتيهم بضامن يتكفل بالقيام بإطعامها وتربية ولدها. فقال الشيخ لخادمي: "اضمنه"، فضمنني. ومضيت إلى قلايتي ودفعت إليه الزنابيل التي كانت عندي قائلًا: "بعها وادفع ثمنها لـ"امرأتي" لتأكل بها". وخاطبتُ نفسي قائلًا: "كِد يا مقاره، ها قد صارت لك امرأة". فكنت اشتغل ليلًا ونهارًا لأقوم بإطعامها. * فلما حان وقت ولادة الشقية، مكثت أيامًا كثيرة وهى معذبة وما استطاعت أن تلد. فقالوا لها: "ما هو هذا؟"، فقالت: "أن كل ما أصابني كان بسبب أنى ظلمت المتوحد واتهمته، وهو برئ، لأنه ما فعل بي شيئًا قط. لكن فلان الشاب هو الذي فعل بي هذا". فجاء خادمي إلى مسرورًا وقال: "أن تلك الشقية ما استطاعت أن تلد، حتى اعترفت قائلة أن المتوحد لا ذنب له في هذا الأمر مطلقًا، وقد كنت كاذبة في اتهامي له، وها هم أهل القرية كلهم عازمون على الحضور إليك، يريدون أن يتوبوا إليك ويسألوك الصفح والغفران". * فلما سمعت أنا هذا الكلام من خادمي، أسرعت هاربًا إلى الإسقيط (وهذا هو السبب الذي لأجله جئت إلى جبل النطرون). 3- الاعتزال النهائي: * ولما سمع القديس أن أهل القرية قادمون للاعتذار له ولتكريمه، فكر أن يخرج من ذلك الموضع ويمضى ويسكن في قلاية أخرى بعيدًا، وفيما هو واقف يصلى من أجل هذا الأمر أمام المذبح في الكنيسة شاهد عن يمينه كاروبيمًا ناريًا له ستة أجنحة وكله مملوء عيونًا، فلما أراد القديس أن يتفرس فيه حسنًا اشتمله الخوف فسقط على وجهه، فتقدم إليه الشاروبيم المقدس ومسكه وأقامه وقواه وقطع عنه الخوف، فلما تأيد قال له لماذا ثقل قلبك؟ أنسيت ما قلته لك؟ حسنًا الآن أنك احتملت هذه التجربة حتى تأخذ الكمال، غدًا بادر وأخرج من هنا وأمض واسكن في الموضع الذي أُريه لك: فنسى مقاره كل الضرب والتعذيب الذي ألمَّ به... ولما كان الليل وقام للصلاة كعادته أبصر بغتة نورًا عظيمًا في الموضع، فعلم القديس أنه الكاروبيم، وبقى ساعة وهو لا يخاطبه، لأنه كان مرتعدًا. وبعد ذلك خاطبه وقواه وقال له: أمشِ ورائي كما أُريك. فسار والكاروبيم أمامه، وبعد يومين دخل الجبل ودار به حوله كله، وأراه كل نواحيه وكل المواضع المزمع أن تكون مسكنًا هناك. فقال القديس مقاره للكاروبيم: أطلب إليك يا سيدي عرفني أين اسكن في هذا الجبل؟ فقال له الكاروبيم: هذه الإرادة هي لك، ها كل البرية أمامك، لأني أخشى، لئلا أعطيك وصية أن تسكن هنا أو هناك فيقاتلك الضجر أو الاضطهاد وتخرج من ذلك الموضع وتتجاوز الوصية فتخطئ!.. فليكن سكناك بسلطانك نفسك. فأينما أردت، أسكن. وجرب وكن صامتًا، وتأمل ذاتك، وتحرز حسنًا من مقاومة الشرير وحيله، أما أنا فسأكون كل وقت معك بأمر الله. 4- الرحلة الخالدة: * وتحت تأثير الفرح والنور الداخلي وبقيادة الشاروبيم، سار مقاره وحيدًا متجهًا إلى جبل النطرون يومين كاملين، وأخذ يدور في الجبل وشاهد كل ما فيه، ووصل إلى الموضع الذي يُدعى بهلس ولم يكن بعيدًا من الماء العذب، وحفر في ذلك الجبل وعمل له مغارة وسكنها أيامًا قليلة، ثم خرج يطوف البرية وجاء إلى يمين ذلك الموضع وحفر سردابًا وسكن فيه. وبعد زمان طويل وهو في ذلك الموضع حدث أن أجنادًا من الروم قام عليهم البربر وقتلوهم، مما جعله يصلح موضعًا آخر يصلى ويقرأ فيه (لا يعرفه أحد)، ومكانًا آخر يعمل فيه الضفيرة، يعرفه الجمالون الذين كانوا يبيعون له شغل يديه ويأتونه بالخبز اليابس. * والمكان هو الموضع قرب البراموس الآن، حيث تجمع حوله التلاميذ الذين صاروا باكورة شيهيت المقدسة، وأول دير في الإسقيط. ![]() خامسًا: زيارة أنبا مقاره للأب الكبير أنبا أنطونيوس * الزيارة الأولى تمت سنة 343 م. وفيها أصبح مقاره تلميذًا للأب الكبير أنبا أنطونيوس بمعنى أنه استلم منه "وصايا ورسوم خدمته" وكل "ما يليق بزى الرهبنة المقدس". * الزيارة الثانية بعد الأولى بزمان طويل وفيها سلم القديس أنطونيوس "شبوتته" أي عصاته العتيقة إلى مقاره تعبيرًا عن تسلمه أمانة التدبير الرهباني من بعده. ![]() سادسًا: نياحته: * تقدم أنبا مقاره في الأيام، وشاخ جدًا، حتى بلغ سنه 90 سنة. وفي المخطوطة القبطية يقول سيرابيون أنه عاش 97 سنة. * وكان يحمله أولاده، ويجلسونه في حوش قلايته، وما كف عن صراع الشياطين وما كفت الشياطين عن الصراع معه، حتى في هذه السن. وكانت نفسه قوية بالله وهو ضعيف أكثر من أيام صحته. وكان تلاميذه يحيطون به، وكان يعزى كل واحد على قدر رتبته. * وبعد الكلام معهم صرفهم. وكان كل الرهبان يحبونه ويخافونه كما يخافون الله، لأنه كان بينهم كقائد الجيش الذي يقوى ويعزى جنوده، وأدخله تلميذه إلى مغارته (في الداخل) واضطجع. وفي نحو الساعة السابعة ظهر شخصان قديسان مضيئان، وعليهما مجد وجلال إلهيين، وكل منهما يبتسم إلى الآخر، وتكلم واحد منهما معه قائلًا: "أما تعرف هذا الآخر؟ " أما هو فسكت، كعادته، لأنه ما كان يجاوب أحدًا بسرعة بل يتمهل ثم يجاوب، فقال له: "أنه الأب باخوم أب رهبان دوناسة، وقد أرسلنا الرب إليك لندعوك، فأهتم الآن بما تريده، فأنك بعد تسعة أيام ستخلع عنك هذا الجسد، وتأتى لتسكن معنا " ثم غابا عنه. * وظل الأب مطروحًا على الحصير، لا يستطيع أن يقوم من الوجع الصعب، لأنه كان ملتهبًا بالحمى، وفي اليوم السابع والعشرين من برمهات ظهر له الكاروبيم، الذي كان معه منذ الابتداء، ومعه جمع كثير من الروحانيين، وقال له: "أسرع وتعال فأن هؤلاء كلهم ينتظرونك" فصاح أنبا مقاره بصوت خافت قائلًا: "يا سيدي يسوع المسيح حبيب نفسي أقبل روحي إليك" وأسلم الروح. ولم يكن في هذه اللحظة معه أحد إلا تلميذه فلما تسامع الأخوة خبر نياحته، اجتمعوا من أطراف الجبل من الأربعة الأديرة، باكين من أجل شعورهم باليُتم، لأنه كان أبًا لكل واحد منهم، وتقلدوا منه جميعًا طريق مخافة الله. واحتاطوا بالجسد في الكنيسة، يتباركون منه، ويقبلونه، وصلوا جميعًا عليه، وقدموا القداس، واشتركوا جميعًا، ثم حملوا الجسد الطاهر إلى المغارة التي بجوار البيعة، التي بناها هو في حياته ووضعوه هناك، وانصرفوا إلى قلاليهم بحزن عظيم. ![]() القسم الثانى: كتاباته: * الكتابات المنسوبة للقديس أنبا مقار الكبير كثيرة، ولكن قام العلماء مؤخرًا بفحصها وتحليلها ونقدها، وقد غالى الكثيرون منهم في نقدها حتى لم يبقوا على الكتابات المنسوبة لقديسنا الكبير سوى رسالة واحدة، لا توجد إلا باللغة اللاتينية والسريانية، بعنوان "الرسالة إلى الأبناء الروحيين"، مستندين في صحتها على شهادة المؤرخ القديم جناديوس - حيث يقول عنها: "مقاريوس الراهب المصري تميز بشيئين: بمعجزاته وبفضائله. وقد ترك رسالة واحدة وجهها إلى المبتدئين من بنى طقسه، وفيها يعلمهم أن كل من يصل إلى معرفة نفسه، يستطيع أن يعبد الله، إن هو اسلم ذاته لجميع الجهادات، ضابطًا نفسه في كل شيء، على أن لا يكف في نفس الوقت عن الدعاء والتوسل، طالبًا معونة الله، فأنه يصل إلى طهارة الطبيعة، ويبلغ حالة العفة، كهبة تمنح لطبيعته". * وعدا هذه الرسالة الأصيلة توجد ثماني رسائل أخرى منسوبة للقديس أنبا مقار، وقد تضافرت آراء العلماء جميعًا على عدم صحة نسبتها للقديس أنبا مقار. * في مخطوطات دير أبو مقار وجدت للقديس رسالة هامة باللغة العربية شديدة الصلة بروح القديس أنبا مقار وأسلوبه الإنجيلي في التدبير الرهباني. ![]() أولًا: نص رسالة القديس مقاريوس الراهب إلى أولاده: 1- حينما يبدأ الإنسان يعرف ذاته، ولماذا خلق، ويبحث عن الله خالقه، فأنه يتوب أولًا عن كل ما اقترفه في زمن توانيه. وهكذا يعطيه الله الرؤوف حزنًا على خطاياه. 2- ثم يعطيه، بنفس الرأفة، أن يُتعب جسده بالأصوام والأسهار، وأن يثابر على الصلاة ويحتقر العالم، كما يمنحه أن يحتمل الإهانات، برضا، ويبغض كل نياح الجسد ويفضل البكاء على الضحك. 3- ثم يعطيه اشتياقًا للدموع والبكاء، ومسكنة في قلبه، وتواضعًا، كما يعطيه أن يرى الخشبة في عينه دون أن يحاول إخراج القذى من عين قريبه، وأن يردد باستمرار: "إني عارف بإثمي وخطيتي أمامي في كل حين" (مز 3:51)، وأن يتفكر في يوم موته وفي مثوله أمام الله، وأن يتصور الدينونة والعذاب، وأيضًا الأجر والكرامة التي تعطى للقديسين. 4- وحينما يرى الله أن هذه الأشياء تحلو له، يعرضه للتجربة، ليراه هل يرفض الشهوات وهل يثبت أمام هجمات ولاة هذا العالم الذين غلبوه من قبل، وأمام ملذات الأطعمة المتنوعة التي تضعف القلب. فتصل بها الحال (تحت التجربة) إلى أنه يعجز تقريبًا عن الصوم، ويكاد يستسلم، منهزمًا بضعف الجسد وطول الزمان، لأن أفكاره المعادية تقول له: "كم من الزمان تستطيع أن تحتمل هذه الأتعاب؟"، وأيضًا: "أنه لتعب مرير أن تستحق حلول الله فيك، لاسيما وأنك قد أخطأت بهذا المقدار"، ثم أيضًا: "هل يستطيع الله أن يغفر لك كل هذه الخطايا؟". 5- ولكن حينما يتيقن الله أن قلبه يبقى ثابتًا في مخافته، وأنه لا يترك المكان الذي جاء ليسكن فيه، بل يقاوم بشدة، فأنه يسمح بأن تأتيه أفكارًا أخرى توحي له قائلة - وهى متخذة فرصة ببره: "صحيح أنك أخطأت، غير إنك قد قدمت توبة، فقط صرت منذ الآن قديسًا"، وتذكره بخطايا بعض الناس الذين لم يتوبوا، وبذلك تزرع المجد الباطل في قلبه. 6- ثم أن الأبالسة لا تكتفي بذلك، بل تجعل أيضًا بعض الناس يمتدحونه بإفراط، ويدفعونه إلى أعمال لا يقدر أن يقوم بها، وتوحي له بأفكار، كأن يمتنع عن الأكل أو الشرب أو يغالى في السهر، وبأفكار أخرى كثيرة يطول ذكرها، بل وتعطيه سهولة للقيام بها، محاولة بكافة الوسائل أن تجتذبه إليها (أي إلى هذه الأعمال) مع أن الكتاب يحذر قائلًا: "لا تمل يمنة ولا يسرة بل أسلك في الطريق المستقيم" (راجع أم 26:4-27) 7- ولكن إن لاحظ الله أن قلبه لم يمل إلى أي من هذه التجارب، التي سبق داود فتكلم عنها قائلًا: "جربت قلبي وافتقدته ليلًا،محصتني بالنار لكن لم يوجد فيَّ إثم" (مز 3:17) حينئذ ينظر إليه الله من سمائه المقدسة ويحفظه بلا عيب. ولاحظوا جيدًا أن داود لم يقل " نهارًا " بل " ليلًا"، لأن خداعات العدو هي ليل، كما يقرر أيضًا بولس الطوباوي: إننا لسنا أولاد ظلمة بل أولاد نور. فإن ابن الله هو بالحقيقة " نهار " بينما يشبه إبليس بالليل. 8- ومتى تجاوزت النفس كل هذه المحاربات، فإن الأفكار توحي لها بشهوة الزنا (والنجاسة). وفي كل ذلك تشعر النفس بضعفها، ويذبل القلب، لدرجة أنه يتوهم أن حفظ الطهارة أمر يستحيل عليه، فإن الأفكار، كما قلت، تبين له طول الزمان، من جهة، وصعوبة الفضائل، من جهة أخرى، وكم أن حملها ثقيل لا يُحتمل، وتضيف إلى ذلك أيضًا ضعف جسده وهوان طبيعته. 9- وإن لم يكل أمام هذه المحاربات، فإن الله الرؤوف والرحوم يرسل له قوة مقدسة، ويثبت قلبه، ويعطيه الفرح والنياح والقدرة على أن يقوى على أعدائه، بحيث أن هجومهم عليه لا يخزيه، لأنهم يخافون القوة الساكنة فيه، هذه التي قال عنها القديس بولس: "جاهدوا فتنالوا قوة" (كو29:1)، والتي تعرض لها أيضًا الطوباوي بطرس في حديثه عن " الميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظ في السموات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون بالإيمان" (1بط4:1-5). 10- ومتى رأى أن الله الرؤوف المتحنن أنه قلبه قد صار أقوى من أعدائه، فإنه سحب عنه بالتدريج القوة التي كانت تسنده، ويسمح لأعدائه أن يهاجموه بنجاسات الجسد المختلفة وبشهوة المجد الباطل والعظمة، وبتجارب الخطايا الأخرى التي تجذب إلى الهلاك، حتى إنه يكاد يشابه سفينة بلا دفة، تتخبط من كل ناحية على الصخور. 11- ولكن متى صار قلبه وكأنه قد ذبل، وكاد أن يكون قد عثر في كل تجارب العدو، فإن الله محب البشر والمعتنى بخليقته يرسل فيه قوة مقدسة، ويثبته، و]ُخضع قلبه وجسده وكل أعضائه إلى نير الباراقليط، لأنه هو قد قال "احملوا نيري عليكم، وتعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب" (مت9:11). 12- وهكذا يبدأ الله الرؤوف، أخيرًا يفتح أعين قلب (الإنسان)، لكي يفهم أن (الله) هو الذي يثبته، وحينئذ يبدأ الإنسان يتعلم بالحقيقة كيف يعطى مجدًا لله بكل تواضع وانسحاق قلب، كما يقول داود: "الذبيحة لله روح منسحق" (مز 17:51)، لأنه من صعوبة ذلك الجهاد، يتولد التواضع وانسحاق القلب والوداعة. 13- ومتى تجرب بكل هذه الأنواع، فإن الروح القدس يبدأ يعلن له الأشياء السمائية، أي كل ما يعود بالاستحقاق والعدل على القديسين، وعلى الذين وضعوا رجاءهم في رحمته وحينئذ يتفكر الإنسان في ذاته ويردد قول الرسول: "إن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو18:8)، وأيضًا قول داود: "ماذا لي في السماء ومعك كم من الأشياء أردتُ في الأرض؟" (مز25:73) ومعناه: يا رب كم أعددت لي في السماء؟ وأنا كم من الأشياء طلبت معك في الحياة الفانية؟ وهكذا أيضًا تعلن له العذابات التي تنال الخطاة، وأشياء أخرى كثيرة يفهمها كل رجل قديس بدون أن أذكره 14- وبعد هذا كله يقطع الباراقليط عهدًا مع نقاوة قلبه وثبات نفسه وقداسة جسده وتواضع روحه، فيجعله يتجاوز كل الخليقة، ويعمل فيه، بحيث أن فمه لا يتكلم بأعمال الناس وأنه يرى المستقيم بعينيه، ويضع حارسًا لفمه، ويرسم طريقًا مستقيمًا لخطواته، ويقتنى بر يديه أي (بر) أعماله، والمثابرة في الصلاة مع تعب الجسد والسهر المتكرر. ولكن هذه الأشياء يرتبها الباراقليط فيه بقياس وإفراز، وليس بتشويش، بل بهدوء. 15- ولكن إن تجاسرت روحه فقاومت ترتيب الروح القدس نفسه، فإن القوة التي وُضعت فيه تنسحب، وبذلك تتولد في قلبه محاربات واضطرابات، ثم تضايقه آلام الجسد في كل لحظة بمهاجمة العدو. 16- ولكن إن تاب قلبه وتمسك بوصايا الروح القدس (من جديد)، فإن معونة الله تكون عليه. وحينئذ يفهم الإنسان أنه خير له أن يلتصق بالله في كل حين، وأن حياته هي في (الله) كما يقول داود: "صرخت إليك فشفيتني" (مز2:30)، وأيضًا: "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز 9:36). 17- فمن رأيي، إذن أن الإنسان إن كان لا يقتنى تواضعًا كثيرًا، وهو قمة جميع الفضائل، وإن كان لا يضع حارسًا لفمه ولا يجعل خوف الله في قلبه، وإن كان لا يمتنع عن تزكية ذاته بسبب الأشياء التي يتوهم فيها أنه أصلح من غيره، وكأنه قد فعل خيرًا ما، وإن كان لا يحتمل، برضى، الإهانات التي تقع عليه، ولا يقدم الخد الآخر للذي يلطمه، وإن كان لا يندفع، بعزم، نحو كل عمل صالح ليقتنيه، وإن كان لا يحمل نفسه في يده كأنه يموت كل يوم، وإن كان لا يعتبر كل الأشياء التي تُرى تحت الشمس كأنها باطلة، ولا يردد في نفسه: "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح" (فى23:1)، وأيضًا: "لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 21:1): فإنه لا يستطيع أن يحفظ وصايا الروح القدس. آمين. ![]() ثانيًا: عظات القديس مقاريوس * هناك خمسين عظة منسوبة للقديس مقاريوس تشمل كثيرًا من التفسيرات المفيدة لفصول من الكتاب المقدس وموضوعات كثيرة لاهوتية وعقائدية وروحية. تعليم عظات القديس مقاريوس: توجد خمس موضوعات رئيسية في هذه العظات: 1- سمو الإنسان: يكمن سمو الإنسان في إمكانية الشركة مع الله وفي وجود علاقة حب مع الله بدلًا من علاقة الاحتياج. ومع كل عظمة الخلائق الأخرى فهي مقيدة بقوانينها -قوانين الطبيعة- فالإنسان وحده يملك حرية، فلذلك يستطيع أن يصير هيكلًا لله. وتحوى العظات أوصافًا جميلة للطبيعة وهى غالبًا من نوع تصوف الطبيعة، ولكنها تعود دائمًا لتتحدث عن السمو العظيم للإنسان فالذي يسطر داخل الإنسان في النهاية هو "العقل". إنه الاشتياق لما هو روحاني وأبدى هو حنين ينبغي أن ينضج ليصل إلى الاستبصار. ولكن العقل مهدد دائمًا بحركات متنوعة من النفس والأفكار والصور والدوافع التي تحاول أن تمسك بنا، وهى (اللوغوس = الأفكار) إذا استخدمنا الكلمة اليونانية الشائعة في كل كتابات آباء الرهبنة الأولين. 2- قوة الشر: أي اختبار وجود الشر في داخل الإنسان والصعوبات في مقاتلة الأفكار الشريرة. فبحسب هذه العظات يوجد الشر في الإنسان كقوة خفية. هذه القوة تحكم في الداخل دون أن نتحقق من الوضع الصحيح للأمور. ورغم إن الشر غريب عن طبيعتنا فقد جعل لنفسه مسكنًا فينا ولا يجد صعوبة في أن يكون مقيمًا فينا مع الروح القدس والذي نلناه بالمعمودية. والاتهام الموجه "للمصلين" بأنهم احتقروا المعمودية ربما يرجع إلى التأكيد في العظات على أن المعمودية ليست كافية لاستئصال الشر من النفس والقديس مقاريوس مولع جدًا بالصور ويصور الشر كاللصوص الذين أقاموا في البيت وحولوا أنفسهم إلى حيات تختبئ عند الضرورة ولكنها لا يزالون يتحكمون في كل ما يحدث. فميدان المعركة بين الخير والشر هو قلب الإنسان. وسقوط الإنسان وطرده من الفردوس لم تلاش الصلاح كما أن المعمودية لم تلاش الشر. ورغم إن آدم فتح الباب للشر ولكن كل إنسان مسئول عن المساحة التي يسلمها للشر في داخل نفسه ورغم إن آدم باع كل الجنس البشرى للعبودية تحت الشيطان، فإن كل واحد مسئول في عدم مقاومته للشر، ذلك الشر الذي يستمد قوته أساسًا من الدوافع والأفكار. ولذلك من الضروري أن تعرف وتفهم نفسك أنت وتتعلم كيف تقاتل الرذائل. 3- التجسد: وحينما تعالج العظات التجسد، فمن المهم أن نلاحظ كيف تتكلم غالبًا عن إن الله يولد في قلب الإنسان. التجسد الذي حدث من خلال العذراء مريم ليس فقط حقيقة تاريخية مرتبطة بزمن معين، ولكنه هو قبول الكلمة للطبيعة البشرية المستمر، فينا ومن خلالنا. فالانتصار على الموت وإنزال الشيطان من عرشه والمصالحة بين السماء والأرض كل هذه تحدث في كل إنسان له اهتمام بأن يشترك في المسيح. هذه المشاركة تأتى بواسطة سكنى الروح، الذي هو عطية، ولكنه عطية تفترض عمل تنقية للنفس الداخلية لكيما يستريح الروح في النفس. 4- روح الله: الروح القدس هو قوة مطهرة، هو قوة أقوى من الشر. ويرد ذكر سكنى الروح في هذه العظات أكثر من 125 مرة. وكثيرًا ما نجد حديث عن الامتزاج، امتزاج روح الإنسان مع روح الله وهذه الطريقة في التعبير توجد أيضًا عند أوريجينوس. وتخبرنا العظات عن كيف إن الحواس الخمس هي مثل خمس عذارى حكيمات عندهن زيت حتى يستطعن أن يضيئن مصابيحهن حينما يأتي العريس والزيت هو عطية من الله، ولكن بدون يقظة وبصيرة ورغبة صادقة لا يستطيع أن يفعل شيئا. فنشاط الإنسان أمر لا غنى عنه، ولكن منح إكليل النصرة هو دائمًا عمل الله. هدف النسك هو -مثلما جاء في رسائل القديس أنطونيوس أيضًا- يوصف بأنه "الراحة". وهى حالة من الحرية الكاملة ولكنها أيضًا هدوء كامل بدون ألم الاختبار وهى تسمى أحيانًا -كما عند القديس غريغوريوس النيصى- سكر أو انجذاب. وتشير العظات إلى الاتحاد بالله ولكنها تؤكد أيضًا على الاختلاف بين الخالق والمخلوق. هذه الراحة يمكن تذوقها في هذه الحياة، وإن كان ليس بصفة دائمة. والإشارة المستمرة في العظات إلى الشعور والاختبار هي ربما أحد الأسباب التي جعلت المجموعة التي استعملت العظات كمرجعها الوحيد، تصير ضيقة الفكر ومتعصبة، ولكنها أيضًا هي أحد الأسباب التي جعلت العظات محبوبة جدًا مع "التقويين". والكتاب المقدس يشار إليه في العظات على أنه رسالة عظيمة من الملك. أنه خطاب دعوة. وتمتلئ العظات باقتباسات من الكتاب رغم أن المؤلف قد تعلم من الكتاب المقدس كثيرًا من أوريجينوس ومن الآباء المصريين والكابادوكيين فأنه لا يقتبس أي نص أخر سوى من الكتاب المقدس. وتفسير الاقتباس يوجه مباشرة إلى الشخص، كما لو أن تاريخ الخلاص هو التاريخ الشخصي لكل أحد. لذلك فالتفسير المحوري للكتاب في العظات ليس هو عادة التفسير المجازى بل بالحري "التفسير بالأنماط". 5- معنى الصلاة: وكما هو متوقع من نص مرتبط ببدعة "الميساليانيز"، أي أولئك الذين يصلون، فالصلاة هي محورية بالنسبة للعظات والأمثال التي تشير للصلاة تذكر باستمرار. ومن الواضح أن المؤلف عنده اختبارات شخصية عميقة في الصلاة. فالصلاة في العظات هي بصفة أولية صرخة لطلب المعونة، هي صوت العبد الذي يطوق للتحرر. لذلك فإن استجابة الصلاة ينظر إليها على أنها استعادة سمو الإنسان من جديد واستعادة الحرية الخاصة به. الصلاة وحدها هي التي تجعل الروح القدس يحل القيود ويهزم الشر. لذلك يحاول الشيطان دائمًا أن يمنعنا من الصلاة بأن يشتت تركيزنا بأفكار متنوعة. الصلاة بغير تشتت هي هبة من الله ولكنها تستلزم تعاوننا. ![]() تأثير العظات: والعظات كان لها تأثير هائل على مدى التاريخ. ففي التقليد الروحي اليوناني كان لها أهمية كبيرة عن سمعان اللاهوتي الجديد وغريغوريوس بالاماس وهكذا امتدت هذه الأهمية إلى كل التقليد "الهدوئي" وحفظت أجزاء من العظات مع الخطاب الكبير أيضًا في الفيلوكاليا، وهى المجموعة التي صارت محورية بالنسبة للتقليد الروحي في روسيا. ولكن توجد أيضًا أمثلة لكتاب روحيين داخل البروتستانتية الغربية كانوا مدينين كثيرًا للعظات المقارية. وأهم هؤلاء الكُتَّاب هما: جوهان ارندت وجون وسلى. والمجلدات الأربعة التي وضعها جوهان أرندت مؤسس "الحركة التقوية" والتي تسمى "أربعة كتب حول المسيحية الحقيقة" هذه المجلدات مملوءة بإشارات لهذه العظات، ويقال إن "أرندت" حفظ هذه العظات عن ظهر قلب. ![]() ثالثًا: من أقواله وتعاليمه: * سأل الأب إشعياء آبا مقاريوس قائلًا قل لي يا أبى كلمة، فأجاب الشيخ أهرب من الناس. فقال آبا إشعياء وماهر الحروب من الناس. فأجاب الشيخ هو جلوسك في قلايتك وبكاؤك على خطاياك. * سأل أخ الآنبا مقاريوس الكبير قائلًا قل لي كلمة للمنفعة فقال له أجلس في قلايتك ولا تكن بينك وبين أحد خُلطة وابك على خطاياك، وأنت تخلص. * كان الآبا مقاريوس يقول للإخوة إذا سُرحت الكنيسة فروا يا إخوة فروا. فقال أحد الآباء أيها الأب إلى أين نقر أكثر من هذه البرية، فضرب (الشيخ) بيده على فمه وقال من هذا فروا.. وكان إذ دخل القلاية أغلق الباب بوجهه وجلس. * وعندما سُئل الآبا مقاريوس ما هي الطريقة الصالحة التي يسلك بها أخ مبتدى يسكن في قلايته؟ أجاب يجب على الراهب -عند ما يكون في قلايته- أن يبعد عن عقله تذكار أي إنسان. لأنه لا ينتفع شيئًا من كبح جماح مشاعره عن محادثة الناس، ما لم يكن حريصًا في ضبط أفكاره عن المحادثة الخفية معهم (بفكره). هذا هو معنى كلمات أهرب وأصمت وتأمل في صمت. * أعتاد آبا مقاريوس أن يقول للإخوة بخصوص برية الإسقيط عندما ترون قلالي قد اتجهت نحو الغاية أعرفوا أن النهاية قريبة. وعندما ترون الأشجار قد غرست إلى جوار الأبواب اعلموا أن النهاية على الأبواب. وعندما ترون شبانًا يسكنون في الإسقيط، أحملوا أمتعتكم وارحلوا. * وقال القديس بلاديوس عن القديس أبا مقاريوس: *... وإذ كان تضايق لأن عددًا كبيرًا من الناس كانوا يأتون إليه ليتباركوا منه لذلك دُبر الخطة التالية: حفر سردابًا في قلايته... وصنع فيه مخبأ ذا طول مناسب، يمتد من قلايته إلى يُعد نصف ميل. وعند نهايته حفر مغارة صغيرة وعندما كانت تأتى إليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته، كان يترك قلايته سرًا، ويمر عابرًا في السرداب دون أن يراه أحد، ويختبئ في المغارة حيث لا يقدر أحد أن يجده. وقد أعتاد أن يفعل هذا كلما كان يرغب في الهروب من المجد الباطل الذي يأتي من الناس * وقد قال لنا واحد من تلاميذه الغيورين إنه في تركه القلاية إلى المغارة كان يتلو 24 ربعًا (استيخن)، وفي رجوعه 24 أخرى. وحينما كان يذهب من قلايته إلى الكنيسة كان يصلى 24 صلاة في عبوره إلى هناك و24 أخرى في رجوعه. * قال القديس مقاريوس: يجب على الراهب أن يكون في سكون كل حين، ولا يسمع لأفكاره التي توعز إليه بكثرة الكلام الذي يُضعف النفس. بل ليمُسك عن الكلام، حتى لو نظر أناسًا يضحكون أو يتحدثون بكلام لا منفعة له وذلك لجهلهم. لأن الراهب الحقيقي يجب أن يتحفظ من لسانه كما هو مكتوب في المزمور اللهم أجعل لنفسي حافظًا وعلى شفتي سترًا حصينًا فالراهب الذي يسلك هكذا لا يعثر أبدًا بلسانه * وسأله أخ مرة قائلًا ماذا أصنع والأفكار توعز إلى بأن أمضى وأفتقد المرضى، فإن هذه هي الوصية؟ فأجابه الشيخ قائلًا: إن كلمة النبوة لا تسقط أبدًا، فإنه يقول حيد للرجل أن يحمل النير منذ صباه. يجلس وحده صامتًا (مر 26:31). أما قول ربنا يسوع المسيح كنت مريضًا فزرتموني، فقد قاله لعامة الناس. وإني أقول لك يا أخي إن الجلوس في القلاية أفضل من افتقاد المرضى لأنه يأتي زمان يُضحك فيه على سكان القلالي فتتم كلمة البار أنطونيوس يجئ زمانًا يُحن فيه جميع الناس وإذ أبصروا واحدًا لم يُحن يذيعون عنه أنه يحنون لأنه لا يشبههم. وإني أقول لك يا ولدى إن موسى النبي العظيم لو لم يبتعد عن مخالطة الناس ويدخل في الضباب وحده، لما تسلم لوحي العهد المكتوبين بإصبع الله. * وقال... أحفظوا أسماعكم من كلام النميمة، لتكون السلامة والمحبة بينكم. * وقال.. فالآن يا رجل الله، إن وضعت في قلبك أن تفتني الوحدة، فهيئ ذاتك لها واصبر على المسكنة. فإن الوحدة والمسكنة عظيمتان، وليس شيء من المواهب يساومهما في القدر والكرامة لأنهما يقربان إلى الله، كما لا تحصى المواهب الموجودة داخلهما لأنهما تسودان جميع الفضائل. وهما في وسط جميع الفضائل تتلألآن لأنهما مصدر أعمال القديسين وجميع القديسين وحدوا الله فيهما، وكُشفت لهم الأفكار، فوهبهم الله قلوبًا نقية وهم في المسكنة والوحدة جياع عطاش. هؤلاء الذين لم يستحقهم العالم، تائهين في البراري والقفار والمغارات وشقوق الأرض. هؤلاء الذين لهم هذه الشهادة الجليلة، قد وحدوا الله في الوحدة وبالمسكنة والصبر. لأن مجد الوحدة غير محدود، وفرحها هو الله، وهى العزاء في الفقر والمسكنة. غذاؤها الصبر، وخدمتها الكاملة هي الطهارة، وفرحها هو الاتضاع. هي التي لا يفسدها سوس ولا يتدنس لها ثواب، لأنها ساكنة في الطهارة. * سأل الأخ الآبا مقاريوس عن الوحدة فأجاب وقال: إن كنت حقًا تريد السُكنى في الوحدة، فأصبر لها، ولا تؤد عملك يومًا في الداخل ويومًا في الخارج. ولكن تصبر لها باتضاع، والله الصالح يؤازرك، لا تُوجد سببًا للخروج عن الوحدة حتى ولو ليوم واحد، بل أثبت في مسكنك لتذوق حلاوتها، ولا تبطئ خارج قلايتك لئلا أتعابك تقاومك عند رجوعك، فتتعب جدًا في حربك ويصعب انتصارك. يا رجل الله حتى متى تدوم لك هذه الأتعاب؟ أصبر للمسكنة وعزاء الوحدة بأتباعك من قبل الله. لا تُضيع يومًا واحدًا لك، ونعمة الوحدة وحلاوة المسكنة تصيران عزاء، ويعطيك الله سعادة في مسكنك. * وقال... الوحدة هي حفظ العينين والأذنين واللسان والاشتغال بالقراءة والصلاة. والوحدة هي مرآه تبين للإنسان عيوبه. * وكان أبا بفنوتيوس (ببنوده) تلميذ أبا مقاريوس، يقول لقد رجوته قائلًا يا أبى قل لي كلمة فقال لي لا تؤذ أحد ولا تحكم على أحد احفظ هذه الكلمات وأنت تخلص. * قيل عن القديس مقاريوس إنه كان يوصى تلاميذه قائلًا أهربوا من كلام النساء المؤدى الهلاك. وكان يقول أحذروا ألا تكون بينكم وبين صبى دالة. لأن الصبي إذا رأيته صاعدا إلى السماء فهو سريع السقوط. فما عليكم إلا أن تطلبوا من المسيح إلهنا أن يعينه. * وبصدد الابتعاد عن العالم، قال البار إشعياء إني في أحد الأوقات كنت جالسًا بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبان من الإسكندرية ليمتحنوه قائلين قل لنا كيف نخلص؟ فأخذت أنا دفترًا وجلست بمعزل عنهم لأكتب ما يتحاورون به. أما الشيخ فإنه تنهد وقال كل واحد منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاص. فأجابوه كثيرًا ما أردنا الخلاص، إلا أن الأفكار الخبيثة لا تفارقنا. فماذا تعمل؟ * فأجابهم الشيخ إن كنتم رهبانا، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين؟! إن الذي قد هجر العالم ولبس الزى الرهباني وهو في وسط العالم، فهو لنفسه يخادع. فمن كانت هذه حالة، فقد صار تعبه باطلًا. لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياح الجسد، وحيث نياح الجسد لا يوجد خوف الله. لاسيما إن كان راهبًا ممن يدعون متوحدين، لأنه ما دُعي متوحدًا إلا لكي ينفرد ليله ونهاره مناجاة الله. فالراهب بين العلمانيين هذه تصرفاته. * فلنقر نحن أيها الإخوة من العالم كما نقر من الحية، لأن الحية إذا نهشت فبالكاد تبرأ عضتها. كذلك نحن أيضًا إن شئنا أن نكون رهبانا فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الإخوة أن تكون لنا حرب واحدة بدلًا من قتالات كثيرة. قولوا لي يا إخوتي ويا آبائي في أي موضع أقتنى آباؤنا الفضائل، أفي العالم أم في البراري؟ إذن. كيف نقتضى الفضائل ونحن في العالم؟ لن نستطيع ذلك ما لم نجع وما لم نعطش، وما لم نساكن الوحوش... * ماذا يكون جوابنا أمام السيد المسيح، وقد هجرنا العالم وها نحن نعاود الطواف فيه؟! إن طقسنا ملائكي لكننا جعلناه علمانيًا. لا يكون هذا منا يا إخوتي. إيانا أن نعلمه بل لنهرب من العالم. لأنه إن كنا بالكاد نخلص في البرية، فكيف يكون حالنا بين العلمانيين؟!.. * أرأيتم عظم المنفعة من الهروب من العالم؟ لأنه نافع لنا جدًا وموافق لأن مجالس العلمانيين ليس فيها شيء سوى البيع والشراء وما يتعلق بالنساء والأولاد والزرع والدواب،فهذه المخالطة تفصل الراهب عن الله، فمؤاكلتهم ومشاربتهم تجلب الكثير من الضرر. ولسنا نعنى بهذا أن العلمانيين أنجاس. معاذ الله! لكنهم يسلكون في الخلاص طريقًا آخر غير طريقنا. فهروبنا هو هروب من مخالطتهم. فلتطلب سبهم فينا أكثر من مديحهم لنا. لأن سبهم لنا لن يُفقدنا شيئا، أما مديحهم فهو سبب عقوبتنا. فما منفعتي إذا أنا أرضيت الناس وأغضبت ربى وإلهي، لأنه يقول لو كنت أرضى الناس فلست عبدًا للمسيح. إذًا فلنبتهل أمام ربنا قائلين: يا يسوع إلهنا نجنا وافتقدنا من مخالطتهم. * قال القديس مقاريوس: أحفظوا ألسنتكم وذلك بألا تقولوا على أخوتكم شرًا. لأن الذي يقول على أخيه يغضب الله الساكن فيه. فإن ما يفعله كل واحد برفيقه، فبالله يفعله. * وقال أيضًا: نفسي الإنسان الكامل في الفضائل تجدها نقية كالشمس من قبل أن تلحقه كلمة رديئة. فإذا سمع كلمة رديئة أو نميمة فللوقت تغطى الشياطين عقله، وتحجب عنه النور وتصيره شقيًا، وتكون نفسه متزعزعة وفضائله ناقصة. روى بلاديوس القصتين الآتيتين: * قيل إنه في إحدى المرات كان الآبا مقاريوس عابرًا في الطريق عندما قابله الشيطان وأراد أن يقطعه بمنجل كان ممسكًا به في يده. ولمنه لم يستطيع أن يفعل هذا، وقال له يا مقاريوس إنك تطرحني على الأرض بقوة عظيمة، وأنا لا أستطيع أن أغلبك. لكن أنظر هوذا كل عمل تعمله أنت، أستطيع أنا أيضًا أن أعمله. أنت تصوم وأنا لا أكل أبدًا. أنت تسهر وأنا لا أنام مطلقًا. ولكن هناك شيئًا واحدًا به تغلبني حينئذ قال له مقاريوس وما هو هذا؟ فقال الشيطان إنه تواضعك لأنه من أجل هذا لا أقدر عليك. فبسط مقاريوس يديه للصلاة وحينئذ اختفى الشيطان. * وفي إحدى المرات أمسك الشيكان سكينًا، ووقف على الآبا مقاريوس مريدًا أن يقطع رجله. ولما لم يقدر أن يفعل هذا من أجل تواضع الشيخ، أجاب وقال له كل شيء تملكه، ونملكه نحن أيضًا ولكنك بالتواضع فقد تتفوق علينا، وبه وحده تغلبنا. * والقطعة الأولى من هاتين موجودة في بستان الرهبان باختصار. * سئل الآبا مقاريوس أي الفضائل أعظم؟ فأجاب وقال إن كان التكبر يعتبر أشر الرذائل كلها حتى أنه طرح طائفة من الملائكة من علو السماء، فبلا شك يكون التواضع أكبر الفضائل كلها، لأنه قادر أن يرفع المتمسك به من الأعماق حتى لو كان خاطئًا. من أجل ذلك أعطى الرب الطوبى للمساكين بالروح. * ومن أمثلة تواضع القديس استرشاده بمن هو أصغر منه كما يتضح من القصتين الآتيتين: * قال الآبا مقاريوس: ضجرت وقتًا وأنا في القلاية، فخرجت إلى البرية وعزمت على أن أسأل أي شخص أقابله من أجل المنفعة. وإذا بي أقابل صبيًا يرعى يقرأ، فقلت له ماذا أفعل أيها الولد فإني جائع؟ فقال لي كل فقلت له أكلت ولكنى جائع أيضًا. فقال لي كُلْ دفعة ثانية فقلت له إني أكلت دفعات كثيرة وما أزال جائعًا. فقال الصبي لست أشك في أنك حمار يا راهب، لأنك تحب أن تأكل دائمًا. فانصرفت منتفعًا ولم أرد له جوابًا. * قيل سأل الآبا مقاريوس الكبير مرة زكريا -وهو ما يزال في حداثة سنة- قائلًا أخبرني ما هو عمن الرهبان؟ فقال له زكريا أتسألني أنا يا أبي؟! فقال له الشيخ أتوسل إليك يا ابني زكريا فإن نفسي متيقنة بالروح القدس الذي فيك، أن هناك شيئًا ينقصني، يلزم أن أسألك عنه. فقال له الشاب يا أبى، أقول -حسب رأيي- إن عمل الرهبان هو أن يقمع الإنسان نفسه في كل شيء. * وقال بلاديوس: إن مقاريوس الطوباوي كان يتصرف مع جميع الإخوة بدون أي ظن سيئ. وقد سأله بعض الناس لماذا تتصرف هكذا؟ فأجابهم أنظروا، إنني ابتهلت إلى الرب مدة أثنى عشر سنة من أجل هذا الأمر أن يمنحني هذه الموهبة فهل تنصحونني بأن أتخلى عنها؟! * قيل أن أبا مقاريوس المصري ذهب في إحدى المرات من الإسقيط إلى نتريا. ولما اقترب من مكان معين قال لتلميذه تقدمني قليلًا. ولما فعل (التلميذ) هذه قابله كاهن وثنى كان يجرى حاملًا بعض الخشب، وكان الوقت حوالي الظهر فصرخ نحوه الأخ قائلًا يا خادم الشياطين، إلى أين أنت تجرى فاستدار الكاهن وانهال عليه بضربات شديدة، وتركه ولم يُبق فيه سوى قليل نفس. ثم حمل ما معه من خشب وسار في طريقه. * ولما ابتعد قليلًا، قابله الطوباوي مقاريوس في الطريق وقال له فلتصحبك المعونة يا رجل النشاط. فاندهش الكاهن واقبل نحوه وقال أي شيء حسن أريته في حتى حبيتني هكذا؟ فقال له الشيخ إني أرى إنك تكد وتسرع، وإن كنت لا تدرى لماذا. فأجاب الكاهن وأنا إذ تأثرت بتحيتك عرفت أنك تنتمي إلى الإله العظيم ولكن هناك راهبًا شريرًا صادفني قبلك ولعنى فضربته ضربة الموت. فعرف الشيخ أنه تلميذه. أما الكاهن فامسك بقدمي مقاريوس الطوباوي وقال له لي أدعك تمضى حتى تجعلني راهبًا. وإذا سار معًا وصلًا إلى المكان الذي كان فيه الأخ مطروحًا، وحملاه وأتيا به إلى كنيسة الجبل. ولكن الإخوة عندما رأوا الكاهن الوثني مع المغبوط مقاريوس تعجبوا كيف تحول عن الشر الذي كان فيه. وأخذه الآبا مقاريوس وجعله راهبًا، وعن طريقه صار كثيرون من الوثنيين مسيحيين. وكان مقاريوس الطوباوي يقول إن الكلمات الشريرة والمتكبرة تُحول الناس الأخيار إلى أشرار. ولكن الكلام الطيب المتواضع يحول الأشرار أخيارًا. * قيل عن الآبا مقاريوس إنه عندما كان يقترب إليه الإخوة في خوف -كما إلى شيخ عظيم وقديس- لم يكن يجبهم بكلمة. وعندما كانوا يتقدمون إليه بدالة ومحبة كان يجيب على كل سؤال يوجه إليه. * كان الشيخ مقاريوس يقول إن لم تكن لك صلاة الروح فجاهد في الصلاة والجسد، وعند ذلك ستُعطى أيضًا الصلاة بالروح. وإن لم يكن لك اتضاع الروح، جاهد من أجل الاتضاع الذي بالجسد وعندئذ ستُعطى أيضًا الاتضاع الذي بالروح. لأنه كُتب اسألوا تعطوا. * أتى الآبا مقاريوس يومًا من الإسقيط إلى نبرس فقال له الشيوخ قل كلمة للإخوة أيها الأب فأجابهم قائلًا أنا لم أصر بعد راهبًا، لكنى رأيت رهبانا.. * قال بلاديوس: كان الآب تادرس الفرمي يقتنى ثلاثة مصاحف جميلة جدًا (3 كتب مقدسة مخطوطة). فذهب إلى آبا مقاريوس وقال له عندي يا أبى ثلاثة كتب، وأنا أنتفع منها والإخوة كذلك يستعيرونها وينتفعون منها. فاخبرني الآن ماذا ينبغي أن أصنع؟ (هل استبقيها لمنفعتي ومنفعة الإخوة، أم أبيعها وأفرق ثمنها على المساكين؟) فأجاب الشيخ قائلًا إن أعمال الرهبنة جميلة، ولكن أعظمها جميعًا هو الفقر الاختياري. ولما سمع الأب تادرس هذه الكلمات، مضى فباع الكتب وأعطى ثمنها للفقراء. * وقيل عن الآبا مقاريوس إنه كان يوصى تلاميذه بألا يقتنوا شيئًا البتة. وكان يقول إن محبي المسيح الذين أرادوه قد تركوا نعيم الدنيا ولذاتها، وصارت منزلة العالم عندهم كمنزلة العودة الصغير، لا يتألمون على فقد شيء منه. إن الإنسان الذي يأسف على فقدان شيء منه ليس كاملًا بعد. إن كنا قد أمرنا أن نرفض أنفسنا وأجسادنا، فكم بالحرى المقتنيات؟! إن الشياطين تحترق بهذه الفضيلة وأمثالها، عندما يرون إنسانًا غير ملتفت إلى الأشياء وليس بمتأسف عليها إذا فقدها... إذا رأت الشياطين إنسانًا قد شُتم أو أهين أو خسر شيئا، ولم يغتم بل احتمل بصبر وجلد فإنها ترتاع منه، لأنها تعتقد وتعلم أنه قد سلك في طريق الله. * وردت القصة التالية في الرسالة الثانية والعشرين للقديس جيروم (إيرونيموس) التي أرسلها إلى تلميذته يوستوخيوس قال: سأقص علك حادثًا وقع منذ سنوات ليست بكثيرة في نتريا: * حدث أن أخا -عن طريق التدابير والاقتصاد، وليس عن طريق البخل- نسى أن المسيح قد بيع بثلاثين من الفضة، فترك هذا الأخ وراءه عند موته مائة قطعة من الذهب ربحها من نسج الكتان. فعقد الرهبان مجمعًا ليقروا ماذا يُعمل بخصوصها إذ كان هناك خمسة آلاف منهم يعيشون في المنطقة المجاورة له في قلالي منفردة. فقال البعض أن المال يجب أن يوزع على الفقراء. وقال آخرون يجب أن يعطى للكنيسة. وقال غيرهم يجب أن يرسل إلى أبويّ الأخ المتوفى. * ولكن مقاريوس وبموا وابسوذوروس وآباء آخرين يتكلم الروح القدس بواسطتهم، قرروا أنه يجب أن تُدفن القطع الذهبية مع صاحبها قائلين ليهلك ما لك معك. * وينبغي ألا يفكر أحد في أن ذلك القرار كان قاسيًا، لأن خوفًا عظيمًا وقع على كل الذين في مصر. حتى أنها تعتبر جريمة الآن إن ترك أحد وراءه قطعة ذهب واحدة * قال الآبا مقاريوس إذا ما حسبت (أو تقبلت) التحقير كالإكرام، واللوم كالمذبح، والفقر الشراء؛ فإنك لا تموت أتى أخ إلى الآبا مقاريوس المصري وقال له يا أبى قل لي كلمة لأحيا. فقال له الآبا مقاريوس أذهب إلى المقابر واشتم الموتى فذهب وشتمهم ورجمهم بالحجارة ورجع فأخبر الشيخ بأنه قد فعل هكذا. فقال له الشيخ هل قالوا لك شيئا؟ فأجابه الأخ لا. فقال له الشيخ أمض غدًا وأمجدهم وقال لهم يا رسل يا قديسون يا أبرار. فمض الأخ ومدحهم وعاد فقال للشيخ لقد مدحتهم. فقال له الشيخ وهل أجابوك بشيء؟ فقال لا فقال له الشيخ ها أنت ترى أنك مدحتهم فلم يقولوا لك شيئا، وإنك شتمتهم فلم يردوا لك جوابًا فلتكن أنت هكذا أيضًا. إذا رغبت في أن تحيا. كن ميتًا، حتى أنك لا تهتم بشتيمة الناس ولا بمدحهم، لأن الميت لا يهتم بشيء،. بهذا الطريقة تستطيع أن تحيا. ملاحظة: العبارة الأخيرة وردت في هكذا في بستان الرهبان (إن كنت حقًا مت مع المسيح ودفنت معه، فأصنع هكذا مثل أولئك الأموات. لأن الميت لا يحس بكرامة ولا بإهانة، وبذلك تستطيع أن تخلص فانتفع الأخ بذلك. * قال أحد الحكماء مضيت دفعة إلى الآبا مقاريوس بالنهار ظهرًا وقد عطشت لدرجة كبيرة جدًا كبيرة جدًا فطلبت منه قليل ما لكي أشرب، فقال لي يكفيك هذا الظل الذي أنت واقف فيه. لأن كثيرين يسلكون الآن في المسالك والوهاد في العراء لا يجدون ظلًا مثل هذا. فسألته بعد ذلك أن يقول لي كلمة عن النسك فقال لي قَّو قلبك يا ابني فإني أقمت عشرين سنة لم أشبع من خبز ولا من ماء ولا من نوم. وكنت أكل خبزي بقانون. أما من جهة النوم، فإني كنت استند إلى الحائط واختطف يسيرًا منه. * قال القديس مقاريوس لا تُنعموا أجسادكم في هذا الزمان أليسير بالطعام والشراب والنوم، لئلا تعدموا الخيرات الدائمة التي لا يوصف. فمن ذا الذي تكلل قط بدون جهاد؟! ومن اغتنى بدون عمل؟! * وقال أيضًا لا تكملوا شهوة الجسد لئلا تُحرموا من خيرات الروح، فإن الرسول يقول إن اهتمام الجسد هو موت واهتمام الروح هو حياة. * وقال كذلك إن أول العصيان كان من آدم أبينا في الفردوس بسبب شهوة الطعام وأول الجهاد هو سيد المسيح كان في البرية في الصيام. وتعلمنا التجربة أن الراحة والطعام هما أسباب الطغيان، والصوم من سبب الغلبة والنصرة فصوموا مع المخلص لتتمجدوا معه وتغلبوا الشيطان. والصوم بدون صلاة واتضاع يشبه نسرًا مكسوًا الجناحين. * قيل عن الآبا مقاريوس إنه جعل لنفسه قانونًا، وهو أنه إذ قدَّم له الإخوة نبيذًا كان لا يمتنع عن شربه. لكنه عوضًا عن كل قدح نبذ بشربه كان يصوم عن شرب الماء يومًا كاملًا. أما الإخوة فلكي ما ينيحوه كانوا يعطونه، وهو لا يمتنع بدوره إمعانًا في تعذيب ذاته. فلما رأى تلميذه هذه قال للإخوة أتوسل إليكم من أجل الرب ألا تعطوه نبيذًا ليشرب، لأنه إن شرب يذهب إلى قلايته ويعذب بسبب هذا. فلما علم الإخوة بالأمر لم يعودا يعطونه نبيذًا مرة أخرى ليشرب. * قال بعض الآباء للآبا مقاريوس المصري سواء لديك إن أنت أكلت أو صمت، لأن جسدك قد حفَّ فقال لهم الشيخ إن قطعة الخشب التي اشتغلت وأفنتها النار، هي قد احترقت بالكلية وهكذا أيضًا قلب الإنسان إذ ما تطهر بخوف الله، فإنه يفنى الشهوات من الجسد ويجفف عظامه. _____ (*) المراجع: 1- دراسات آبائية ولاهوتية السنة الأولى: العدد الثاني يوليو 1998 م. مركز دراسات الآباء بالقاهرة 2- سيرة الثلاث مقارات للقديسين دير السريان 3- مؤتمر الأسرة السادس مار جرجس القللي 4- سيرة القديس أبو مقار دير أبو مقار |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 103 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس مكاريوس الاسكندري * وُلد في الإسكندرية في أوائل القرن الرابع من والدين فقيرين ولهذا اشتغل خبازًا بضع سنين وكان يصنع الفطائر ويبيعها لينفقها في ما يحتاج ولما كان الله قد انتخبه إناء مقدسًا له لبث بين الموعوظين الغير المعمدين ثلاثين سنة. إلا أنه بعد ما اعتمد وتقوى بالنعمة لم تطب له عيشة أهل العالم فكان يتوق إلى سماع أخبار النساك والسياح العائشين في البراري والقفار وعزم على الاقتداء بهم قائلًا " إن قيمة نفسي توازى قيمة نفوس أولئك القديسين فلما لا أنسج على منوالهم". * ثم انطلق إلى القديس أنطونيوس وتتلمذ له وترهب بوادي النطرون في أيام الأنبا مكاريوس الكبير وبعد ذلك توجه إلى برية متوحشة وأقام يعبد فيها سبع سنين بغاية التعنف أقتصر في الثلاث السنين الأخيرة على أكل الحشيش والعروق النيئة المُرة. وقد انتهى أخيرًا إلى حد الإمساك فكان لا يأكل إلا مرة في الأسبوع لاعتقاده أن جسده هذا هو عدوه الألد ويقول عنه أنه شريك الشيطان في الإضرار بي فينبغي أن أذله وأُضعفه حتى لا يقوى على محاربتي. * وكان يصرف نهاره في الترتيل وليله في الصلاة وإذا غلب عليه النعاس كان يعذب نفسه بحيث يبقى أيامًا وليالى بدون أن ينام وقد ألزم نفسه بأن لا ينام في كل ليلة أكثر من ساعتين واستمر هكذا طول حياته. ولكنه في صوم الأربعين المقدسة كان يزداد في تقشفه وقد قضى مرة هذا الصوم واقفًا لم يجلس ولم ينم بل كان يصلى واقفًا أم جاثيًا ولم يأكل ولم يشرب إلا في أيام الآحاد. ![]() * وذات يوم لسعته نحلة فقتلها ولكنه ندم فيما بعد على قتلها وأراد الشيطان أن يدخل في عقله الأفكار النجسة فمضى وسكن في مكان مملوء بالزنابير لا تقدر الحيوانات أن تسكن فيه خوفًا من لسعاتها فأقام هو فيه ستة أشهر يتحمل لسع الزنابير السامة ولما ترك ذلك المكان كانت هيئته قد تغيرت إلا أنه أنتصر على الأفكار الشريرة. * وبعد كل ذلك الجهاد الطويل لم يكن يشعر بأنه عمل شيئًا يؤهله لنيل الحياة الأبدية وما كان يظن أنه ابتدأ بالسير في طريق الفضيلة ولهذا عزم على الذهاب إلى بعض السياح ليسألهم عن كيفية العبادة الحقيقية ومن ثم قام إلى برية الصعيد وتنكر بلبس أثواب خادم لئلا يعرفه أحد وقصد مجمع القديس باخوميوس بصفته عاميًا يريد أن يترهب فلما رآه رئيس الدير شيخًا منعه لعدم اقتداره على العيشة المتعبة أما هو فألح عليه بدموع ليقبله فقبله ودفع له جانبًا من الخوص لكي يضفره فأنفرد في مكان وظل يشتغل واقف على قدميه ثلاث أيام بلا أكل ولا شرب حتى قال أحد الآباء للقديس باخوميوس "أخرج عنا هذا الرجل لأن ليس له جسد". * أما القديس باخوميوس فقد عرفه بإرشاد إلهي فأستقبله باحتفال عظيم فشق عليه هذا الأمر وخرج من تلك البرية ولجأ إلى مكان فوق جبال نيترياولم يلبث في هذا الموضع طويلًا حتى بلغ خبره إلى البطريرك الإسكندري فأرسل إليه أناسًا أتوا به ورسمه كاهنًا فلما رأى نفسه قد اكتسب درجة كهنوتية أراد أن يزداد في تقشفه واكتساب الكمال فترك كل البراري المعروفة وانفرد في أخوف براري ليبيا التي أطلق عليها فيما بعد اسم برية القلالي نظرًا لكثرة القلالي التي ابتناها القديس هناك لتلاميذه الكثيرين. * وكان قد ألتف حوله أكثر من 5000 راهب ومتوحد فكان يرشدهم ويدفعهم فضلًا عن قيامه بواجبات عبادته الشاقة فكان يصلى في النهار مائة مرة ويقضى أكثر الليل في الصلاة المتوالية. وروى أنه بقى مرة يومين كاملين يصلى دون أن يتوه عقله دقيقة واحدة. أما موضوع تأملاته فما كان إلا يسوع المصلوب. فكان يقطع كل أوقاته بالتأمل في آلامه ويرثى لحال أمه التي كانت واقفة تحت صليبه ولهذا أوصى تلاميذه بإكرامها والتشفع بها. * وقد أتاه يومًا الأنبا بيلاديوس واعترف عليه بأن الأفكار الباطلة تزعجه وبين له ميله لترك رياضات الصلاة فقال له القديس إياك أن تغلب بهذه التجربة الشديدة الخطر وإنى أشير عليك بأن تطيل الصلاة كل ما تبلبلت بتلك الهواجس وإياك أن تنقص منها شيئًا البتة وقل للعدو إن كنت لا أقدر أن أصلى كما يجب فإنى استمر في مخدع الصلاة حبًا بالمسيح. * وكان لهذا القديس قوة إخراج الشياطين بمجرد إشارة الصليب. وقد أتى إليه أحد الكهنة مرة وهو يشكو من آكله مريعة وخر قدامه طالبًا عونه فتحنن عليه القديس وشفاه ثم قال لها إنما أصابك هذا المرض لأنك تجاسرت على أن تقدم ذبيحة القداس الإلهي في حال الخطيئة المميتة ثم أمره أن لا يقدس قبل أن يتوب لله توبة صادقة. * واضطهد فالنص الأريوسى هذا القديس ونفاه مع القديس مكاريوس المصري كما سبق معنا. وحدث بينما كان القديس مسافرًا في النيل مع أثنين من قواد جيش الملك دنا منه أحدهما وقال له طوبى لكم أنتم الذين تستهزؤن بالعالم فأجابه القديس مكاريوس حقًا ما قلت ويا لسوء حظكم أنتم الذين لا تدرون أن العالم يستهزئ بكم. * ولما رجع من منفاه سكن بريته الأولى ثم مات في 6 بشنس سنة 112 ش و391 م. وكان عمره 89 سنة. وقد ذكر بلاديوس الذي عاشر القديس زمانًا مديدًا أنه كان قصير القامة وضعيف المزاج. وله قوانين كثيرة طبعة في باريس سنة 1637 م. ورسالة في نفوس الأبرار بعد الموت طبعة في أوترخت بسويسرا سنة 1696 م. ![]() إن كل عبادة اهتمت بها، أكملتها. فجاءت على قلبي شهوة عبادة أخرى: أن أقيم خمسة أيام وفكري ملتصق بالله دون أن ألتفت إلى شيء من اهتمامات هذا الدهر. فعاهدت قلبي ودخلت إلى قلايتي -تلك التي في البرية الجوانية، التي ليست لها طاقة البتة، وليس فيها شيء من النور- لكي ما لا يجدني إنسان ولا يجيء إليَّ أحد، ووقفت على الحصيرة في الخزانة (أي في المحبسة أو في الغرفة الداخلية). وقررت هكذا مع أفكاري قائلًا أحرص ألا تنزل من السماء. لك هناك البطاركة والأنبياء والرسل والتلاميذ وطغمات الملائكة، القوات العلوية والكاربيم والسيرافيم، الآب والابن والروح القدس الثالوث السماوي إله الآلهة وملك الملوك. وتعلق بالصليب، وألتصق بالله الابن والذي في السماء لا تنزل من الفكر القوى. ولما أكلمت هكذا ويومين وليلتين، جعل الشياطين يخبطون ويخدشون بأظفارهم رجليَّ، وتارة يصيرون مثل لهيب نار، واحرقوا كل ما في القلاية حتى الحصيرة التي كانت تحت رجليَّ احرقوها، إلا موضع قدميّ فقط. وظنوا أنه قد احترقت أنا أيضًا وآخر ذلك مضت النار والخيالات. وفى اليوم الخامس لم أقو أن أضبط الفكر بغير تشاغل وبغير اهتمام أهل العالم. فعلمت أيضًا أنه لو اتفق لي أن أكمل هذه الأيام الخمسة، لكان قلبي يتعظم، فلأجل هذا استرحت على اهتمامات العالم في فكرى، لئلا أسقط في كبرياء القلب. وقال إنني تعبت في النسك خمسين سنة، ولم تكن مثل هذه الأيام الخمسة. _____ (*) المراجع: 1- سيرة الثلاث مقارات للقديسين دير السريان 2- تاريخ الكنيسة القس منسى يوحنا |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 104 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس كيرلس الأورشليمي : سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: سيرته: 1- ميلاده: * وُلد كيرلس من أبوين تقيين مستقيمي الإيمان فأرضعاه إياه. ويمكننا أن نلتمس ذلك من مقالاته حيث يتحدث عن شعوره بالدين تجاه والديه وشوقه إلى رد الجميل لهما. * أما عن عائلته، فلا نعرف منها أحدًا بالاسم اللهم إلا ابن أخته الأنبا جلاسيوس أسقف قيصرية، الذي أشار إليه عند موت أكاسيوس سنة 366 م. * ويرجح البعض أنه ولد في أورشليم أو على الأقل نشأ فيها وهو طفل. 2- تكريسه:* لم يكن يخرج من منزله إلا للاشتراك مع المؤمنين في الصلاة مكرسًا نهاره وليله للخلوة مع سيده، حتى قال مختبرًا: "هل يوجد أنفع من الليل ليصير الإنسان حكيمًا؟! فقد اختبر حياة السهر والجهاد في الصلاة مع القراءة والتأمل ليتعلم الحكمة السمائية. 3- كيرلس الكاهن:* أن الأنبا مكاريوس أسقف أورشليم رسمه شماسًا. وغالبًا ما يكون هذا في أواخر حياته على الأرض إذ تنيح حوالي أخر سنة 334 م. أو على الأكثر بداية سنة 335 م. * وبعد نياحة الأنبا مكاريوس خلفه الأنبا مكسيموس المعترف أسقفًا على أورشليم وقد أحب كيرلس جدًا ووثق فيه، فرسمه كاهنًا سنة 343 م.، وأوكل إليه تعليم الموعوظين، وكان ذلك حوالي سنة 347 م. أو 348 م.، والتي تكاد أن تكون كل ما وصل إلينا من مؤلفاته. 4- كيرلس رئيس أساقفة أورشليم: * في أواخر عام 350 م. سيم أسقفًا على أورشليم، وكان ذلك بمساعدة أكاسيوس أسقف قيصرية بفلسطين وبتروفليس الذين كانت لهما ميول أريوسية ويبغضان الأنبا مكسيموس. ![]() القديس كيرلص الأورشليمي * وقد بدأ عهده بحادث مفرح، وذلك أنه في 7 مايو سنة 351 م. حوالي التاسعة صباحًا في يوم صحو مُشمس، ظهر صليب منير في السماء أكثر لمعانًا من الشمس، تعلق فوق جبل الجلجثة وأمتد إلى جبل الزيتون، وبقى ساعات طويلة حتى رآه جميع سكان أورشليم المواطنون والغرباء، المسيحيون واليهود والوثنيون، الشيوخ والصغار، فتدفق الكل نحو الكنيسة وكانوا يسبحون الله ويمجدونه، إذ تأكد لكثيرين صحة الديانة المسيحية. ارتجت المدينة كلها لهذا المنظر، وبادر الأنبا كيرلس بكتابة رسالة إلى الإمبراطور يصف له ما حدث، ويُشتم من رسالته أن هذا الأمر كان في بدء أسقفيته. 5- رعايته:* نستطيع أن نلتمس مدى ما اتسمت به شخصية الراعي كيرلس مما ذكر عنه المؤرخ سوزومين. إذ حدثت مجاعة في أورشليم والبلاد المجاورة لها، وقد تكدس الفقراء في البطريركية يتضورون جوعًا رافعين أنظارهم إلى أسقفهم المملوء حبًا. وإذ كان الراعي يعيش في حياة نسكية تقشفية لا يملك في بطريركيته شيئا، لم يجد مفرًا من أن يبيع بعض أواني الكنيسة ويوزعها على أولاده الفقراء. 6- كيرلس والآلام:* وقع صدام بين كيرلس وأكاسيوس ربما كان سبب رغبة الثاني في خضوع الأول له في آرائه الأريوسية، الأمر الذي جعل كيرلس يقوم بمقاومته علناَ، مفندًا الآراء الأريوسية ومنددًا بها. * ولما كان قسطنس يحتضن الأريوسيين، أسرع أكاسيوس بعقد مجمع أتهم فيه كيرلس أنه مبدد لأموال الكنيسة. ولكي يقوى مركزه أسند الاتهام باتهام لاهوتي مدعيًا أن كيرلس يخلط بين الأقانيم الثلاثة، وبهذا صدر الحكم بتجريده من أسقفيته ونفيه. * لم يبال كيرلس بهذا، بل قام من جانبه بعقد مجمع يبرئه من الاتهامات الموجهة ضده لكن أكاسيسوس المتقرب من الإمبراطور جاء ومعه شرذمة من الجنود، وطردوا كيرلس، وأقام أسقفًا أريوسيًا عوضًا عنه. * نُفى كيرلس إلى أنطاكية، وبعد ذلك إلى طرسوس، فقبله أسقفها سلفانوس كزميل له يشاركه أعمال أسقفيته. لكن للأسف كان هذا الأسقف من أتباع الهومانيين الأمر الذي عرض الأنبا كيرلس للنقد. * أسرع أكاسيوس بتحذير سلفانوس ألا يشرك كيرلس معه في الخدمة، لكن الثاني لم يبال من أجل محبته لكيرلس، ومن ناحية أخرى كان الشعب قد أُعجب بالأسقف الجديد وتعلق به. * وفي عام 359 م. انعقد بسبب أودكسيوس مجمع في سلوكية بغرب أرمينيا. وإذ أثير موضوع نفى الأنبا كيرلس فحدث شقاق حاول البعض إقناعه بالانسحاب، لكن بفضل الهومائيين بقى وانسحب أكاسيوس. وبانسحابه استطاع هو وأتباعه من الالتقاء بعظماء القسطنطينية المتصلين بالقصر الإمبراطوري، وعن طريقهم توصلوا إلى الإمبراطور حيث أثاروا غضبه ضد مجمع سلوكية، مقدمين شكوى أكاسيوس ضد كيرلس التي تتلخص في اتهامه انه باع لإحدى الراقصات الثوب المقدس الذي أهداه قسطنطين إلى الأنبا مكاريوس الأورشليمي تكريمًا لكنيسة أورشليم، لكي ما يلبسه أثناء خدمته طقس العماد المقدس، وهو منسوج بالذهب، وقد اُستخدم في المسارح. * هذا الاتهام كان بمثابة عينة قُدمت للإمبراطور لإثارته ضد كل أعضاء المجمع. * وقد قام رجال البلاط بإقناع الإمبراطور ألا يستدعى المجمع كله، بل يكتفي بعشرة من قادته منهم: أوسطاسيوس الأرمني وباسيليوس الغلاطي وسلفانوس الطرسوسي وإيليسوس من Cyzicus. نفيه الثاني:* مع بداية عام 360 م. انعقد مجمع في القسطنطينية اُتهم فيه كيرلس ودين بسبب مشاركته لأوسطاسيوس الأرمنى وباسيليوس من انقرا وجورج من لاودكية. هؤلاء الثلاثة ليسوا على مبدأ واحد ولا هم مثقفين في شيء، بل منهم من هو أريوسى المذهب كأكاسيوس لكنه كان يبغضهم لدوافع شخصية، خاصة بعدما قبلوا كيرلس عدوه. * انتهى المجمع بالحكم على الأنبا كيرلس بالنفي للمرة الثانية، وإن كنا لا نعلم عن مكان نفيه شيئًا. كيرلس في عهد يوليانوس:* لم يبق كيرلس في النفي أكثر من سنتين، إذ في 3 نوفمبر من سنة 361 م. مات قنسطنس وهو يستعد لمحاربة ابن عمه يوليانوس، الذي بعدما تولى الحكم أصدر أمرًا بعودة جميع الأساقفة المنفيين إلى كراسيهم. ويقول المؤرخ سوزومين انه لم يكن الدافع هو الإشفاق عليهم ولا حبًا فيهم، لكنه كان يلذ له أن يرى الكنيسة منقسمة متنازعة في داخلها. * عاد كيرلس إلى إيبارشيته مارًا على أنطاكية حيث استقبله أسقفها القديس ميليتوس استقبالًا حارًا. * وفي سنة 363 م. قرب يوليانوس الجاحد جماعة اليهود إليه. لا محبة فيهم بل إثارة للمسيحيين ولإغاظتهم. ذكر لنا سقراط ثلاث معجزات حدثت في ذلك الوقت:أ- حدثت بالليل زلزلة عنيفة جدًا أرعبت العمال اليهود. ب- جاءت نار، أحرقت مواد البناء استمرت من الصباح حتى المساء. ج- في الليلة التالية ظهرت انطباعات لصلبان منيرة على ثيابهم، باطلًا حاولوا التخلص منها. ومع هذا كله، فقلوبهم الغبية المظلمة لم تقدر أن تؤمن! * وبعد موت يوليانوس قاد الابن أباه طريق الحق. * أما يوليانوس ففي 26 يونيو من ذات العام (363) الذي حاول فيه بناء هيكل اليهود قُتل في حربه ضد الفرس وهو يقول: "غلبتنى أيها الجليلى". نفيه الثالث:* بعد يوليانوس خلفه جوفنيان صاحب الإيمان المستقيم، الذي في عهده استراحت الكنيسة، لكنه لم يبق سوى 7 شهور، إذ مات في فبراير 364 م.، وخلفه فالنتنيان الأرثوذكسي المبدأ في شهر مارس. وقد سلم الولايات الشرقية إلى أخيه فالنز معضد الأريوسية. * مضى العامان الأولان دون أن نسمع شيئًا عن الأنبا كيرلس، وفي عام 366 م. مات أكاسيوس، وعلى أثر ذلك قام خلاف بين كيرلس والأريوسيين بخصوص ترشيح خلف له وانتهى الأمر بنفي كيرلس وذلك بمعاونة الإمبراطور الأريوسي. * بقى كيرلس منفيًا أحد عشر عامًا حيث عاد إلى كرسيه ليرى كنيسته متألمة مجروحة من الأريوسيين وأتباع أبوليناريوس. * على أي الأحوال عاد الراعي إلى رعيته يتفقدها ويهتم بشئونها،وقد اشترك في مجمع القسطنطينية المنعقد سنة 381 م. بناء على أمر الإمبراطور ثيؤدوسيوس. * وفي عام 388 م. تنيح القديس كيرلس بعدما قضى 38 عامًا أسقفًا على كرسي أورشليم. ![]() أهم أعماله: 1- مقالاته لطالبي العماد * سجلها الأب كيرلس وهو بعد كاهن عندما أنابه الأنبا مكسيموس المعترف لتعليمهم سنة 347 م. أو 348 م. وتُعتبر هذه المقالات فريدة في نوعها، إذ هي مجموعة كاملة للتعاليم التي تقدمها الكنيسة الأولى للموعوظين طالبي العماد. يعلق Quasten على هذه المقالات قائلًا: "ألقى أغلبها في كنيسة القبر المقدس، وهى إحدى أعظم الكنوز المسيحية القديمة الثمينة. 2- مقالاته عن الأسرار للمعمدين حديثًا: * وهى خمس مقالات، تُعتبر تكملة للمقالات السابقة، ولها أهمية خاصة، إذ سجلت لنا الكثير من طقوس الكنيسة الخاصة بأسرار المعمودية والميرون والإفخارستيا ومعانيها في القرن الرابع. 3- رسالة إلى الإمبراطور قنسطنس بمناسبة الظهور العجيب لصليب ضخم من النور في 7 مايو 351 م.، نظروه في أورشليم فوق جبل الجلجثة المقدس ويمتد حتى جبل الزيتون المقدس. * لم ينظره شخص أو اثنان، وإنما رأته الجماهير كلها في المدينة بكل وضوح، ليس إلى لحظات، بل إلى عدة ساعات. وكل نوره يغطى على نور الشمس. فجأة اندفعت الجماهير إلى الكنيسة في خوف ممتزج بالفرح، وكانوا يسبحون ربنا يسوع المسيح. (رسالة إلى الإمبراطور قنسطنس 4). 4- عظة على مفلوج بركة بيت صيدا (يو5:5): غالبًا ألقاها وهو كاهن، إذ أشار إلى الأسقف التابع له. 5- مقتطفات من عظات على معجزة تحويل الماء خمرًا، وعلى (يو28:16). 6- مقال عن حضور المسيح في الهيكل ومقابلته مع سمعان... وينسبها البعض إلى القديس كيرلس السكندري. 7- رسائل ومقتطفات وردت في الطبعة البندكتية. لم يقم الدليل بعد على صدق نسبتها إليه ![]() * إذ قام أكاكيوس مطران قيصرية بسيامته، وهو أريوسى، اتهمه البعض أنه قدم تنازلات للأريوسية مقابل هذه السيامة. * لم يشر القديس إلى الأريوسية أو الأريوسيين بالاسم، كما أشار إلى بعض الهرطقات والهراطقة، لكنه هاجم أفكار الأريوسيين بكل وضوح، نذكر على سبيل المثال العبارات التالية: * (عندما تسمع "ابن" لا تحسبه أنه مُتنبي، بل ابنًا بالطبيعة، الابن الوحيد، ليس له أخ من أجل هذا دعى "الوحيد الجنس"، إذ ليس له أخ من جهة شرف اللاهوت ونسبته للآب. ونحن لا ندعوه "ابن الله" من عندياتنا بل الآب دعى المسيح (دون غيره) ابنه وما يدعوه الآباء لأبنائهم هو اسم حق) مقال 2:11. * (مرة أخرى أقول عند سماعك عن الابن لا تفهم هذا في معنى غير لائق بل هو ابن بالحق. أنه ابن بالطبيعة بلا بداية، لم يأت من حالة العبودية إلى التبني، أي انتقل إلى حالة أعظم، بل هو ابن أبدى مولود بنسب لا يُفحص ولا يدرك. وبنفس الطريقة عند سماعك "البكر" لا تفكر في هذا الأمر بمستوى بشرى، لأن البكر في الشر له إخوة آخرون) مقال 4:11. _____ (*)المراجع: القديس كيرلس الأورشليمي - القمص تادرس يعقوب |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 105 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس يوحنا ذهبي الفم سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: نشأته: * وُلد عام 344 م. في أنطاكية، وهى العاصمة الكبرى آنذاك *ربته أمه "انثوسا" لأن والده الذي كان قائدًا في الجيش مات مبكرًا. * وحينما أنهى يوحنا دراسته الابتدائية، أرادت أمه أن يتابع دروسه العليا على يد أشهر أستاذ وهو المعلم ليبانوس. * نبغ يوحنا وانتزع إعجاب أستاذه وزملائه حتى أن ليبانوس كتب له يقرظه على فصاحته وبلاغته وصفاء فكره، بل وفكر أن يخلفه يوحنا في إدارة مدرسته الفلسفية، لولا أن يوحنا أدار ظهره فيما بعد لأستاذه الوثني، بعد أن تعمد وانضم لكنيسة الله في سن الثامنة عشرة. وقيل إن ليبانوس سئل مرة عمن سيخلفه في إدارة مدرسته فأجاب: "يوحنا لو لم يسرقه منى المسيحيون". * تعمد يوحنا وهو في الثامنة عشرة من عمره، ولم تمض سنوات ثلاث على عماده (وكان قد أنهى دراسته العامة)، إلا وكان قد رسم أغنسطسًا أي قارئًا إنجيليًا في الكنيسة ولعل هذه الرسامة كانت بداية لشوط خدمته الدينية الكبرى، لكنها كانت مجرد بداية. ![]() * اتجاهان اثنان أثرا وشكلا شخصية القديس يوحنا ذهبي الفم: الرهبنة، التي كانت قد ضربت بجذور عميقًا في سوريا، والمدرسة اللاهوتية العظيمة لدراسة الكتاب المقدس في أنطاكية. ![]() * لقد اعتزل يوحنا في ضواحي أنطاكية ليعيش كراهب، وكرس حياته للرياضات الروحية والعمل اللاهوتي الجاد. * يقول القديس يوحنا ذهبي الفم شارحًا أصل فكرة رهبنته: "قرأت الإنجيل وأدركت أن أسلم الطرق لبلوغ الكمال هو أن يبيع الإنسان كل ما له ويوزعه على أخوته المحتاجين وينعتق من كل الاهتمامات العالمية فتنجو النفس من الاضطراب الناشئ عن التعلق بالأشياء الحاضرة". * حال دخوله الرهبنة، كرس يوحنا نفسه لمبادئ الرهبنة بإخلاص وحماس. لقد كانت الوصية الإنجيلية في نظره هي مصارعة الشهوات الأرضية السفلى، وضبط النفس بالمحبة اللاأنانية الموجهة نحو الله، والاستجابة بأمانة لممارسات النسك من صوم ومكابدة زمهرير الشتاء، والصلاة، والتقشف الذي ترك إيذاء صارخًا في صحته طوال حياته. ومن المعروف أنه قضى كل حياته، حتى وهو بطريرك القسطنطينية، في عيشة نسك الرهبنة هذه لم يتزحزح عنها قيد أنمله. * قد وضع القديس يوحنا دراسة بعنوان: "مقابلة حياة الملك بحياة الراهب" أوضح فيها أن مجد الراهب أكبر بما لا يقاس من مجد الإمبراطور. ![]() * سنة 380/381 سامه الأسقف شماسًا إنجيليًا، قبل أن يغادر البلاد إلى القسطنطينية لحضور المجمع المسكوني الثاني. ونعلم أن هذا الأسقف توفى أثناء انعقاد المجمع. * وفي سنة 386 سامه الأسقف فلافيانوس بطريرك أنطاكية، خليفة ميليتيوس، على درجة القسوسية، فانفتح أمامه مجال جديد للعمل في الكرازة بالإنجيل. ![]() * وقيل إنه بسبب الممارسات النسكية المفرطة التي كان يمارسها إبان فترة اعتكافه في مغارة الجبل، كان قد قارب على الانهيار الصحي حيث صار موشكًا على الموت. * وهنا نراه ككاهن ينظم أعمال الخير ويحث المؤمنين على إتيانها والمشاركة فيها. * وحدث عام 387 م.، فقد كان ذهبي الفم مرة يلقى سلسلة من المواعظ حول "التمثيل" وحدث أنه في هذه الفترة، وبسبب ازدياد الضرائب أن قام الناس بشغب مفاجئ شوهوا فيه تمثال الإمبراطور، وصار ينتظرهم عقاب مريع. وفعلًا تم تنفيذ حكم الإعدام في بعض الناس، وشلت المدينة من الخوف وصارت مثل (قلعة مهجورة) وخرج ذهبي الفم يزور السجون، وذهب بنفسه إلى قائد الشرطة: وحاول جهده أن يعزى الناس ويهيئهم لأي احتمال. ![]() * أصبح قس أنطاكية الأعزل هو الأسقف المتقدم في الشرق، أي بطريرك القسطنطينية، المدبر الروحي للقسطنطينية، والواعظ الذي كان من بين أهم واجباته أن يعظ أمام الإمبراطور والعائلة المالكة. * وغنى عن القول، أن ذهبي الفم نفسه لم يكن راغبًا في حدوث مثل هذا التحول في الأحداث، لكنه ما دام قد اختير، فلم يتردد لحظة واحدة في أن يأخذ المهام الجديدة الموكولة إليه. * لقد كان في القسطنطينية فقراء ومرضى كثيرون. فمن أجلهم بدأ ذهبي الفم يدبر الأموال. * أما ما استطاع أن يدبره من أموال بحسب تدبيره، فقد استخدمه في بناء المستشفيات لمعالجة المرضى، ومنازل الغرباء، ووضع على رأس كل منها كاهنين لائقين. * وسرعان ما انتشرت شعلة هذه الخدمة المسيحية بين صفوف الشعب، فبدأت محبة القريب تنشر دفء أشعتها بين أفراد الشعب بعضهم البعض وبينهم وبين راعيهم المحبوب. * وأخيرًا، فقد انشغل ذهبي الفم بعمله المعتاد، أي الدراسة والصلاة، لدرجة أن المساء كان يحل وقد نسى نفسه فلم يتناول طعام غذائه. ![]() * في البداية قوبل ذهبي الفم بالعطف الشديد وبحسن النية. فإن أركاديوس الملك الذي كان معتبرًا ملكًا تقيًا بدرجة فائقة، استقبل البطريرك الجديد ذا شهرة القداسة ذائعة الصيت بحرارة وفرح شديدين، لكنه للأسف كان فاقد التأثير على قرارات مستشاريه وحكومته. * وكان أمرًا بالغ الأهمية أن يعقد الأسقف الجديد أواصر الصداقة مع الإمبراطورة ذات النفوذ القوى "إفدوكسيا"، وهكذا رحبت الإمبراطورة بالأسقف الجديد متوسمة فيه الكثير من الصفات وعاقدة عليه الكثير من الآمال. * وفي أحد الاحتفالات الدينية المبكرة التي نظمها القديس ذهبي الفم، وكان الاحتفال بمناسبة استلام رفات القديس فوكا أسقف سينوبى (في بنطس)، تلطفت الإمبراطورة وحملت رفات القديس واخترقت به شوارع المدينة في موكب احتفالي أقيم في المساء. وفي العظة التي أعقبت الاحتفال لم يفت على الأسقف أن يلفت الأنظار إلى هذا الفعل التقوى العظيم الذي أتته الإمبراطورة. * وحينما دعت الحاجة، كان في إمكان ذهبي الفم أن يوفى دواعي الخطابة حقها داخل القصر، فلم يكن يألو جهدًا في أن يمدح التقوى ومحبة المسيح اللتين يظهرهما أهل البيت الإمبراطوري. وهكذا كان واضحًا أن مركز ذهبي الفم في القصر الإمبراطوري لا بأس به. بداية السحب:* ثم قامت ضد يوحنا ذهبي الفم بعض المشاعر المضادة من النساء الغانيات، وبدت في الأفق سحب العداوة مع إفدوكسيا الملكة. فإن بعض مروجي الإشاعات المغرضين لم تعوزهم الحيلة ليعوجوا تفسير بعض ما ورد في عظات ذهبي الفم ويؤولوها إلى الشر فقد أشاعوا عنه أنه جلب أذى على نفسه باهتمامه بأرملة كانت الملكة إفدوكسيا قد صادرت أموالها خطأ، وأنه سبب هذه العلاقة فمن الممكن أن يكون قد شبه إفدوكسيا بالملكة إيزابل الواردة قصتها في الكتاب المقدس (سفر الملول الأول إصحاح 21). وقد أدت هذه الشائعات إلى كارثة وعلى الأخص حينما تحالف أعداؤه من رؤساء الكهنة مع أعدائه داخل القصر. ذهبي الفم في موضع الاتهام بسبب الأخوة طوال القامة:* ثم التجأ إلى القديس ذهبي الفم رهبان من أديرة مصر يقودهم من كانوا يسمون "الأخوة طوال القامة". هؤلاء اتهمهم أسقفهم البابا ثيئوفيلس الأسكندري (البابا الثالث والعشرون في عداد بطاركة الإسكندرية) بأنهم هراطقة لأنهم يدرسون كتابات أوريجانس، وكانت الخلافات حول صحة كتابات هذا العلامة الإسكندري مازالت متأججة في الإسكندرية في ذلك الوقت، ونفاهم من مصر، فلجأوا إلى القديس ذهبي الفم يطلبون الغوث. * لكن القديس ذهبي الفم لم يكن ساهيًا عن أخطار الموقف، فبدأ يهدئ من غضبهم تارة ويهدئ من غضب أسقفهم البابا الأسكندرى تارة أخرى، وكتب له رسالة تجيش بالأدب ورقة الألفاظ محاولًا قدر جهده أن يضيق شقة الخلافة. وحتى لا تثور حوله الشبهات لم يعطهم سكنًا في منزل الغرباء التابع للكنيسة، بل خارجًا وبعيدًا عنه حتى يفوت الفرصة على من ينتقدونه بأنه آوى في الكنيسة أناسًا مطرودين من قبل أسقفهم * لكن توسلاته كلها رفضت، فأعلن لهؤلاء الرهبان عجزه عن حل مشكلتهم، الأمر الذي دفع بهؤلاء الرهبان إلى الاتصال بالحكومة الإمبراطورية التي قبلتهم وقبلت شكواهم وأمرت بعقد مجمع لتسوية المسألة، يكون فيها القديس ذهبي الفم قاضيًا. * ولما انعقد المجمع واستدعى البابا ثاؤفيلس، حدث ما حدث من مهاترات واتهامات للقديس ذهبي الفم، بحيث سرعان ما انقلبت ساحة المحكمة، ليصير القاضي (ذهبي الفم) متهمًا، والمدعى عليه (البابا ثاؤفيلس) قاضيًا. ![]() * وفي سبتمبر عام 403 م. عقد البابا ثاؤفيلس مجمعًا يضم الأساقفة الذين يؤيدونه، عقده في مقر خارج أبواب مدينة القسطنطينية في دير عند شجرة سنديانة، دعا بطريرك القسطنطينية ليمثل أمامهم. * ولم يحتج القديس ذهبي الفم وإن كان قد رفض المثول وترك الأمور تجرى في مجراها. وفي تواضع مذهل وبراءة ضمير أبدى استعداده للمثول أمام المجمع بشرط أن ينحى أعداؤه من المجمع الذين يضمرون له حكمًا مسبقًا دون انتظار دفاعه. وقرئت الادعاءات في غياب القديس ذهبي الفم، واتخذ بسرعة قرار الحكم في أقل مدة ممكنة، وبأكثر عدد من الاتهامات الملفقة من أساسها. * وصدق الإمبراطور الساذج على الحكم. ومع سخط الشعب وغضبه، كان يمكن لهم أن يقاوموا لو كان ذهبي الفم أراد ذلك. ولكنه بهدوء سلم نفسه للجنود واستسلم لنقلهم إياه من المدينة في ظلام الليل الدامس. إن صفات الوداعة والتسليم لمشيئة الله لا يمكن أن يعرفا إلا من خلال قديس مثل ذهبي الفم. تراجع ثم استمرار:* لكن تنفيذ الحكم توقف فجأة، لأن إفدوكسيا التي كانت تمسك بخيوط الموقف كله من وراء الكواليس خلال كل هذه المراحل، أصابتها حالة إجهاض مفاجئ كادت أن تموت بسببها، وفي فزعها أتاها اعتقاد بان ذلك هو حكم السماء، فأصدرت أوامرها بإعادة ذهبي الفم على الفور ولكن دون صدور قرار بإبطال الحكم. * ولكن لم تمر أسابيع قليلة أخرى إلا وبلغ التوتر مرة أخرى إلى حد ينذر بالخطر وبدأت كارثة أخرى تلوح في الأفق. * ففي أثناء الاحتفال بتدشين تمثال على شرف الإمبراطورة، علت أصوات تهليل الجماهير المحتشدة في الخارج، وأفسدت خدمة القداس الإلهي داخل الكنيسة الإمبراطورية القريبة من مكان الاحتفال حيث كان ذهبي الفم يقوم بالخدمة الليتورجية * وأتت تعليقات ذهبي الفم اللاذعة على هذه الضوضاء عفوًا، فبلغت إلى مسامع الإمبراطورة إفدوكسيا،ثم بعد ذلك، وفي الاحتفال بعيد يوحنا المعمدان، بدأ القديس ذهبي الفم عظته بذكر قصة هيروديا التي طلبت رأس يوحنا المعمدان "مرة ثانية" حسب تعبير ذهبي الفم. وسواء قيلت هذه الكلمة بنية صافية أو بقصد آخر، فإن بلوغها إلى مسامع الإمبراطور مع تفسيرات جاهزة لها، بدت على أنها غمز ولمز على الإمبراطورة، وعلى حقيقة مشاعر ذهبي الفم تجاهها، بينما الجروح القديمة لم تندمل. * ومرت الأحداث بسرعة، وما أكثرها من أحداث، وأجبر الإمبراطور مرة أخرى على تنفيذ القرار بنفي الأسقف ذهبي الفم. الرحيل:* ودعا ذهبي الفم كهنته والأساقفة شركاءه، لصلاة وداعية، حث الشماسان والخادمات الأمينات ألا تفتر غيرتهن الروحية، واتخذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث أي ارتباك في العمل أثناء غيابه. وللمرة الثانية مضى هادئًا إلى منفاه ومحل أسره محاطًا بحراسة عسكرية * وكان ذهبي الفم مجبرًا في النهاية على أن ينهزم بسبب وداعته وعدم مقاومته، بالرغم من أن القدر بدا مرتين وكأنه يعطيه الفرصة للانتصار، ولكن كان عليه أن يكمل الطريق الذي سمح به الله له لخلاصه، لا كرئيس على الكنيسة، بل كشهيد الرتبة الكهنوتية والإيمان. ![]() * لقد ظن الإمبراطور أنه بنفي القديس ذهبي الفم يكون قد أنهى على الموقف اليائس المتردي، ولكن دون أن يؤذى لا ذهبي الفم ولا أيًا من اتباعه. لكن أعداء ذهبي الفم لم يروا في هذه الخطوة نهاية المشكلة. * وبعد رحيله مباشرة اشتعلت النيران في كاتدرائيته لأسباب لم يوضحها أحد، لكن التهمة ألصقت طبعًا بأتباعه. أما أتباعه فقد رفضوا التعامل مع الأسقف الجديد الذي عينه الإمبراطور بدلًا من ذهبي الفم واسمه أرساكيوس، ولهذا السبب اُضطهدوا بمنتهى القسوة. * كان ذهبي الفم يحس بالضعف الشديد ومنها نعرف أنه عانى كثيرًا من سوء المعاملة وقلة النوم والبرد ونقص الأدوية. * وحينما بلغ مكان نفيه، في كوكوز (أو كوكوسوس) في جبل طوروس في شمال أرمينيا، وهو غير المؤهل للسُكنى أو المأوى بطبيعته بدأ حاله يتحسن قليلًا. * لقد أهتم القديس ذهبي الفم وهو في النفي بكل شيء فكان يعطى النصيحة ويبعث بالتحذيرات. * وقيل إن الشرق كان يتلقَّى إرشاده من كوكور القرية الجبلية في أرمينيا. ونصائحه كان يلتمسها الجميع من شتى الجهات، ولم يكن إجراء كنسي هام يُتخذ بدون استشارته أولًا. وكما قال " حيوان " مؤرخ الإمبراطورية الرومانية " إن السنوات الثلاثة التي قضاها في كوكوز كانت أمجد أيام حياته. * وهو في الأسر ابتدأ يولى عنايته إلى بلاد فارس القريبة، وبدأ يفكر مليًا في إمكان إرسال بعثه تبشيرية مسيحية قوية إلى هذه البلاد، وهذا الموضوع لم يلتفت إليه أي أب من آباء الكنيسة من قبل. * وفي صيف عام 405، أجبر على ترك كوكوز التي كان يهددها البربر. وأتى إلى أرابيسوس، حيث تبعه جمهور عظيم من السائحين الذين أرادوا أن يروه ويزوروه ويتكلموا معه. وفي نهاية صيف عام 407 م. وردت التعليمات بنقله إلى أبعد ركن في الإمبراطورية. أي إلى بتيوس على البحر الأسود. * وبحسب تقريره هو، لم يكن شيء يرهقه أكثر من السفر والترحال، وواضح أن الهدف كان قَتْله بجعله يُعيا من السير في المسالك الوعرة. وكانوا يرفضون إعطاءه أية فرصة للراحة. هذا الرجل الكهل المعتل صحيًا كان يتعرض لقيظ الشمس وبلل المطر؛ ولم يكن يُسمح له بأيَّة فرصة للراحة؛ كان يًساق للسير بلا أدنى شفقة. * وحتى عندما أشرف على الموت، أُجبر على السير، وكانت الحمى تُلهب جسده وكانت المسافة إلى "كومان" حيث سيرحل 5 أميال. وهناك تلقاه أهل الكنيسة القابلون في العدد بمحبة شديدة لكنه كان لابد أن يرحل في صباح اليوم التالي مباشرة. * وبعد 5 أميال من السير، أنهار تمامًا فأعيد إلى كومان، ملفوفًا في كفن أبيض وأعطى الأسرار المقدسة للمرة الأخيرة. ورشم ذاته بعلامة الصليب وهو ينطق بكلمة التسبيح التي ما كانت تفارق شفتيه. ![]() 1 في عام 438 م. أمر الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني بأن يوارى جثمانه في كنيسة الرسل بالقسطنطينية 2 في عام 417 م. أعاد بطريرك القسطنطينية اتيكوس ذكر أسمه في لوحة تذكارات البطاركة القديسين 3 في عام 419 م. أعاد البابا كيرلس الكبير في لوحة تذكارات البطاركة القديسين وصار يذكر حتى الآن في القداس الإلهي. * أما الكرامة التي نالها ذهبي الفم بعد انتقاله كانت عظيمة جدًا وحتى اليوم يتمتع بمحبة وتكريم كل الطوائف المسيحية فالرجل الذي تمررت حياته من أعدائه أثناء حياته.... لا أعداء له الآن على الإطلاق. ![]() * كمعلم وواعظ كرس كل جهوده تمامًا للخدمة العملية للكنيسة. كما تفانى في عمله الأدبي أي الكتابة التي تزايدت يومًا بعد يوم. كتب مقالة لتعزية المعتلين عقليًا وأخرى لأرملة شابة، وثالثة في تربية الأطفال، وأخرى ضد الزيجات الثانية. * وفي سلسلة من المحاضرات الدفاعية قدم البراهين لليهود وللوثنين على السواء، على أن المسيح هو ابن الله. وبناء على طلب خاص وعظ ذهبي الفم حول المشاكل اللاهوتية التي يدور حولها النقاش، لكن القسم الأكبر من عظاته كان عبارة عن تفسيرات مبسطة عملية للنصوص الإنجيلية. وكان ذهبي الفم يقدم العظة على أسفار بأكملها. ثم كانت العظات بعد ذلك تراجع وتكتب وتدرج ضمن كتاب الميامر الخاص به. السمات العامة لوعظ القديس يوحنا ذهبي الفم: * كان ذهبي الفم الواعظ الذي لا يكل، الذي أفاد جيله والأجيال اللاحقة سواء بسواء: (لا يمكن أن أدع يومًا يمر دون إشباعكم بكنوز الأسفار) * لقد أطلق عليه لقب "ذهبي الفم" في القرن السادس الميلادي، لكن الإعجاب بوعظه فاح عبيره في زمانه وهو بعد حي، إذ لم يمضِ طويل زمن حتى أصبح هو أكثر الوعاظ شعبية في أنطاكية. 1 وقد كان جمهوره يتكون من كل الطبقات التي تعيش في أنطاكية. فمعظم مستمعيه كانوا من غير ذوى التعليم العالي. كان منهم العبيد والإماء المتهالكون، والصناع، والخدم هؤلاء كانوا يحيطون وقوفًا بالمنبر حيث كان يعظ، كل الذين تعبوا وكدوا خلال الأسبوع كل يوم وهم يعملون في مصالح الدولة والمباني والحمامات العامة أو في بيوتهم الخاصة. ولكن كان من بينهم أيضًا رجال المسارح والسيرك، والتجار الصغار وأصحاب الصناعات اليدوية الصغيرة والجنود والبحارة والكتاب والأساتذة والموظفون الرسميون، إلى جانب التجار الكبار الأغنياء، وملاك القصور والفيلات، ولا ننسى إخوته ورفاقه الروحيين، بل كان البطريرك نفسه يحضر أحيانًا هذه العظات والأساقفة الآتون من خارج البلاد ليزوروه، كل هؤلاء كانوا ضمن مستمعي عظات ذهبي الفم. 2 لقد قيل عن ذهبي الفم إنه ولد خطيبًا، وبنعمة الله صار كارزًا. لقد جلس القديسان باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزى تحت أقدام أئمة الخطباء في عصرهما والتحقا بأعظم المدارس في أثينا، أما ذهبي الفم فقد فاق كليهما كخطيب المنبر والواعظ الشعبي، وهو لم ينتقل من مسقط رأسه ليدرس فن الخطابة في أي مكان. * وقد كان كثيرون يدونون عظاته وهو يلقيها، حتى وهو يلقى العظات الارتجالية (أي غير المدونة مسبقًا في ورقة أمامه). وكانت عظاته تتسم بالغيرة والجدة والبساطة ما جعلها جذابة. وفي مظهره كان يبدو بسيطًا وأنيسًا. وصوته لم يكن جهورًا، بل كان ينم عن صحته العليلة. إن الوعظ كان ضرورة حيوية له. وعلى قدر ما كان الناس نهمين في الاستماع كان هو نهمًا في التعليم (الوعظ يجعلني في أتم صحة. حالما أفتح فمي يتبدد كل تعب) 3 كان ذهبي الفم يتكلم اليونانية الأتيكية صحيحًا وبنبرة جلية، وبالرغم من كونه خطيبًا متمرسًا لكنه كان يتكلم ببساطة إذ أراد أن يفهمه الكل 4 وقد كان ذهبي الفم لا يخشى أن يوبخ مستمعيه إذا كانوا مستحقين للتوبيخ وكان يقول لهم: * (هذه شرائع الله وليست شرائعنا، ونحن بها نكرز، ولا يمكننا أن نكرز بإحداها ونترك الأخرى بحسب هوانًا. نحن المراقبون الذين علينا أن نكشف اقتراب العدو. ولذلك فلابد لنا أن نعلن غضب الله المعلن على كل متعد لناموس الله وهو لا يريد أن يصنع توبة. 5 المشاكل العملية والسلوكية للمسيحيين كانت واضحة في تفسيرات ذهبي الفم وتطبيقاته للإنجيل. فقد كانت عظاته تحوى قدرًا كبيرًا من التعزية والتوجيه السلوكي الروحي لشعبه، لكنه في الوقت نفسه كان يعرف متى يشجعهم ويمدحهم ومتى يوبخهم. 6 وكان من بين موضاعاته المتعددة: شكواه المرة من شهوة الشعب الجارفة إلى المتعة ذلك الهوس القديم لمشاهدة السيرك والمسرح (الذي هو مدرسة الفساد العام) و(ساحة التدريب عل عدم العفة) و(مصدر الوباء والبلاء) كل هذه كانت بتقرير ذهبي الفم مازالت (متفشية في شعبنا). ![]() 1 بدون المحبة الكلام اللاهوتي لا يعدو أن يكون قبرًا. 2 محبة الغنى شهوة غير طبيعية في الإنسان. 3 الكنيسة ليست مكانًا لصياغة الذهب والفضة بل هي مكان اجتماع الملائكة. 4 أريد أن اطرد لا الهراطقة بل الهرطقة. 5 المسيح كان منتصرًا وهو مصلوب وليس وهو صالب. 6 جسد الرب هو مذبحك ومثل هذا المذبح يمكنك أن تراه أينما سرت سواء في الطريق أو الميادين العامة ويمكنك أن تقدم ذبائحك عليه في كل وقت. 7 المحبة هي هدف ومعنى المسيحية. 8 لقد أعطيت كلمة الله حتى لا يعلمك احد مشيئة الله 9 المسيح أتى لا ليحطم الطبيعة البشرية بل ليصحح إرادتنا. 10 قوة المسيحية تكمن في الوداعة والاحتمال وليس في القهر. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 106 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مار أفرام السرياني سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: سيرته: 1- ميلاده: * وُلد افرآم السرياني في نصيبين في ما بين النهرين (تركيا حاليًا) على الأرجح سنة 306 م. ![]() * ويذكر أيضًا أن اللذين ولداه بالجسد ثقفاه في الإيمان المسيحي وربياه على مخافة الرب وحدثاه عما سبق فكابده آباؤه من العذاب في سبيل الحفاظ على الإيمان وحب السيد المسيح. ![]() * إن افرآم في مطلع شبابه، طارد يوما بقرة رجل فقير دخلت حقل أبيه فاختفت في الغابة. * ولما جاء صاحب البقرة المسكين يفتش عنها، أهانه افرآم ووبخه على تركه بقرته ترعى في حقل غيره، فتقبل الفقير الإهانة ومضى. * وجرى بعد أيام قليلة أن سُرق من قطيع أحد الرعاة بعض الأغنام، فاتهم افرآم، ورفعت عليه الدعوى، فزُج به في السجن وهو برئ، وذُل كثيرًا، وحزنت نفسه ورفع قلبه لله بصلاة حارة طالبًا مساعدته لإظهار الحق، وإنقاذه من سجنه. * وفي تلك الليلة، حلم افرآم، وكأن ملاكًا من السماء ظهر له، قائلًا "حقًا، إنك برئ من هذه التهمة، ولكنك لست بريئًا من كل جريرة". * ولما استيقظ من نومه، أخذ يفكر في قول الملاك، فتذكر حادثة مطاردته البقرة وندم كثيرًا على ذلك، وخاصة على سوء معاملته لصاحبها الفقير. فتفجرت عيناه بدموع التوبة السَخينة، وأنتحب على ذنبه، وطلب المغفرة من الرب. * وفي تلك اللحظات، نذر نفسه لخدمة الله تعالى، ووعد أن يهجر العالم حالما يخرج من سجنه... وهكذا كان. * ويسرد مار افرآم هذه الحادثة في إحدى كتاباته التي نقلت إلى اليونانية في عهده ثم نقلت إلى العربية بعدئذ، حيث يقول: أنه مكث في السجن ثمانية يومًا، وأن القاضي أعلن براءة ساحته وأطلق سراحه. ![]() * احتذى مار افرآم حذو مار يعقوب في فضائله، واعتمد على يديه وهو ابن ثماني عشر سنة، وأحبه ماريعقوب كثيرًا، واتخذه تلميذًا وكاتبًا في آن واحد، ورسمه شماسًا. * ودأب مار افرآم على الدرس والتحصيل ومطالعة الكتاب المقدس والتعمق فيه. كما أتقن اللغة السريانية وآدابها، حتى عُدُ في الرعيل الأول بين أقطابها. * وقد اصطحبه مار يعقوب إلى مجمع نيقية سنة 325 م. وعلى أثر عودتهما، أسس مار يعقوب في نصيبين مدرسة، وكانت مزدهرة حتى القرن السابع وحازت شهرة واسعة حيث أنه أسلم زمام التعليم فيها إلى مار افرآم. * وقد توفد عليها الطلاب من بلاد ما بين النهرين السفلى التي كانت ترزح حينذاك تحت نير الحكم الفارسي، فاحتضنتهم مدرسة نصيبين وأرضعتهم العلوم الروحية، ولذلك دعيت بمدرسة الفرس، وكان لها مار افرآم. "المدير الحكيم، والمعلم الصالح والشاعر المجيد، والكاتب القدير واللاهوتي الدقيق العميق والفيلسوف الروحاني والمتمرس في الحياة النسكية." * وفي سنة 328، رقد مار يعقوب في الرب، ودفُن في الكنيسة التي شيدها في نصيبين. وقد أبَنّ مار أفرام السرياني مار يعقوب تأبينا مؤثرًا قال فيه: "كان يعقوب حبرا نبيلا، أحرز انتصارا باهرًا في جهاده إذ قرن المحبة بالغيرة في سبيل رعيته وتدرع بسلاح "التقو"، وامتاز بعطفه على أبنائه." * تسلم مار افرام إدارة المدرسة، وكانت اللغة السريانية هي لغة التدريس الرسمية في المدرسة. ![]() * قيل أنه على أثر تلمذة مار افرآم على مار يعقوب النصيبينى الناسك الزاهد، الذي كان يتشح بجلد الماعز كما مر آنفا، ألبس الثوب الرهباني. * وارتأى بعضهم أنه أخذ النسك عن يوليان الناسك الشيخ في جبل الرها، وهو الذي وشحه بالإسكيم الرهباني. * وكان مسكنه بقرب المغارة التي كان مار افرآم يتنسك فيها، وكان مار افرآم شديد الزهد إذ لم يأكل خبز الشعير والبقول المجففة، ولم يشرب سوى الماء حتى أصبح هيكلًا عظميًا بل تمثالا من الفخار كما وصفه غريغوريوس النوسى. أما لباسه فكان ثوبًا خلقا أو أطمارًا بالية. * وقد وصف فلسفته الرهبانية بقصيدة نفيسة جدًا خماسية الوزن يخاطب فيها نفسه التي روضها على شظف أعمال التقشف القاسية جاء فيها: * كم مرة جعت. * وكان جسدي بحاجة إلى الطعام. * ولكنى امتنعت عن تناوله. * لكي أستحق الطوبى التي سينالها الصائمون. * عطش جسدي الذي جُبلَ من طين. * ورغب في الماء ليرتوي، * فأهملته ناضبًا لكي يستحق التلذذ بندى النعيم. * وإذا كان الجسد دائمًا يكثر مراودتي. * فإني كنت أروضه يومًا فيومًا حتى النهاية. * في مساء كل يوم أتصور أنى لا أكون في الوجود صباحًا. * فأقوم للصلاة والعبادة حتى شروق الشمس وبزوغها. * عندما سألني الجسد غفوة. ![]() * استهويته بالطوبى التي منحها الرب للإيقاظ. * قد صار ذهني مذبحًا. * وأرادني كاهن * وكمثل حمل لا عيب فيه ضحيت بذاتي قربانًا. * تحملت عذاب الجوع منتصرا عليه. * إذ رأيتك بين اللصين تذوق المرارة لأجلى. * اعتبرت ضيق العطش وكأنه لم يكن. * إذ رأيت سيدي بسبب خطيتي يمتص الخل. * لم أعر للأطعمة أهمية. * إذ وضعت نصب عينيّ وليمة ملكوتك. * هذه كانت طريقة حياة مار افرآم كراهب... ولم تكن الرهبانية لديه تصوفًا وانقطاعًا عن العالم وصومًا وصلاة فحسب، بل كانت أيضًا خدمة للإنسانية ووسيلة لحفظ التراث. ![]() * جاء في سيرة مار افرآم أنه تاق إلى زيارة مصر، موطن النسك والزهد والتقشف وإلى مشاهير النساك المصريين وخاصة الأنبا بيشوي، وكان في شوقه هذا مدفوعًا بقوة معجزية. ![]() * مازال أثره باقيا حتى الآن ببرية شيهيت، إذ توجد بدير السيدة العذراء (الشهير بدير السريان) شجرة ضخمة تعرف باسم شجرة القديس مار أفرام السرياني، ولهذه الشجرة قصة عجيبة فقيل أن القديس كان يتوكأ على عكاز (عصا) من فرط النسك الذي أنهكه، فظن رهبان الإسقيط أنه يتظاهر متشبهًا بالشيوخ، فعرف بالروح ما كان يجول بخاطرهم، وغرس عكازه هذا في الأرض فأراد الله إظهار بره وتقواه فنما هذا العكاز الجاف، وأزهر كعصا هارون قديمًا، حتى أصبح شجرة ضخمة الآن، وهى من فصيلة التمر هندي، ويشرب الكثيرون من زهرها وثمرها لنوال بركة قديسها البار. ![]() * بعد اكتساب القديس خبرات الرهبنة الكثيرة من آباء أسقيط مصر، بدأ يكمل رحلته إلى قيصرية الكبادوكية، وكان تواقا أن يكون التقاؤه بالقديس باسيليوس في عيد الظهور الإلهي (عيد الغطاس المجيد)، وفعلًا وصل في اليوم السابق للعيد، وكان ذلك نحو أوائل عام 371 م.، فدخل القديس مار افرآم الكنيسة وكان القديس باسيليوس يرتدى ملابس رئيس الأساقفة الفاخرة، وحوله الكهنة بملابسهم الفاخرة أيضًا وعندما رأى ذلك، قال في فكره: إن هذا لا يمكن أن يكون عمود النار الذي أعلن لي في الرؤيا! * ووقت العظة، وقف القديس باسيليوس يعظ الشعب، وإذ بمار أفرام يرى وكأن ألسنة نارية تخرج من فيه وتستقر في قلوب السامعين فللوقت، سرعان ما تغير فكره وأظهر علامات الاستحسان لسماعه. ولأنه لم يفهم اليونانية التي كان يتكلم بها القديس باسيليوس، فقد كان برفقته تلميذ يترجم له ما يقول. * شعر القديس باسيليوس بالروح بوجود القديس مار افرآم إذ رأى ملاكين على جانبيه.. وبعد التناول استدعاه، فتقدم القديس بثوبه البسيط البالي صامتًا، مطرقًا بنظره إلى أسفل... فنهض رئيس الأساقفة (باسيليوس) عن كرسيه واستقبله بقبلة أخوية وأحنى رأسه أمام ذلك الراهب المتواضع، وقال له: "هل أتيت لتزور إنسانًا خاطئًا؟ الرب يكافئك عن عملك هذا " ثم انفرد به وقال له: "لماذا شككت؟ " وكشف له عن ملابسه، وإذ به يلبس مسحا من الداخل... قائلًا له: "هذه الملابس الفاخرة الخارجية فهي من أجل كرامة الخدمة الكهنوتية فقط." * استغرقت زيارة مار افرآم للقديس باسيليوس أسبوعين، حاول خلالها أن يرسمه قسًا، لكنه اعتذر في اتضاع ومسكنه متعلّلا بكثرة خطاياه. * ويقول المؤرخ "سوزومين" في هذا الصدد: "إن مار أفرام السرياني لم ينال رتبة كهنوتية أكثر من رتبة شماس، لكن ما بلغه من الفضيلة أعطاه شهرة مساوية لأولئك الذين قد نالوا أعلى درجات الكهنوت في الكنيسة. كما أن حياته المقدسة ونبوغه في العلم، موضع إعجاب الجميع". * كما يقول أيضًا هذا المؤلف: "لقد غدا باسيليوس من كبار المعجبين بافرآم ونبوغه فلقد تأثر كثيرًا بشخصيته وبكلامه وتعاليمه، كما أورد ذلك في بعض كتاباته التي كتبها عنه. ![]() * لما شعر ما افرآم بدنو أجله، أخذ يسدى نصائحه الأخيرة لرهبانه وتلاميذه. * وكانت وصيته الكبرى لهم، حملهم على التواضع، وحذرهم من البدع، وشدد عليهم بشأن ممارسة الكمالات الإنجيلية. وكتب لهم وصيته الأخيرة فإذا به يمنع أن يقول أحد منهم فيه مديحة وألا يقدموا لجسده من بعد موته كرامة وأوصى أن لا يدفنوه في مقبرة الأبرار والشهداء، بل في مقبرة الغرباء، وأن لا يلبسوا جثته ثوبًا ثمينًا، بل يتركوا له ثوبه الرهباني البالي، ويغطوه بردائه من غير أن يطيبوه بالطيب ولا أن يحنطوه بحنوطٍ ما. * ورجاهم أن تكون حفلة جنازته في غاية من البساطة كما لو أنها لجنازة رجل حقير، لأنه هو بالفعل أحقر الناس -هكذا قال لمن التفوا حوله- وطلب من هذه الجماهير التي اجتمعت حوله لما سمعوا بمرضه، أن يجمعوا الدراهم التي عزموا على إنفاقها في سبيل حفلة دفنه، لكي توزع على الفقراء، محذرًا إياهم أن يعملوا كما حنانيا وسفيرة امرأته مع الرسول بطرس، فيخبئوا جزءًا مما كانوا قد وعدوا أنفسهم بتقديمه فينالهم العقاب الإلهي. * وفيما هو يتكلم بذلك ويوصى بمحبة القريب وبالإحسان إلى الفقراء، إذا برجل غنى من الحاضرين قد اعترته هزة عصبية، وصار يرعد كمن اعتراه الشيطان فأدنوه من افرآم ورجوا منه أن يصلى لأجله ويباركه لكي يشفى. * فطلب منه افرآم أن يعترف بحقيقة ما جرى له بينه وبين ضميره، فأقر ذلك الغنى بالحقيقة، وقال إنه كان قد عزم على تقديم لباس ثمين لجسم افرآم بعد موته، وأنه لما سمعه يمانع في ذلك، عقد النية على الاحتفاظ بثمن ذلك الثوب بدل أن يقدمه للفقراء بحسب وصية افرآم... وطلب إلى القديس أن يصفح عنه ويصلى لأجله. * فصفح عنه افرآم وباركه فشفى، وقدم ثمن ذلك الثوب إلى مجموع ما تبرع به المحسنون للفقراء. * ورقد افرآم في الرب مملوءًا نعمة وقداسة سنة 379 م... فدفن باحتفال بسيط بحسب إرادته ووصيته الأخيرة. ![]() 1- مؤلفاته ضد الهراطقة: * عندما عاد القديس مار افرآم إلى مدينة الرها بعد غيبة وجيزة وجد المدينة مغمورة بأصحاب هرطقات كثيرة. * كان أشهر هذه الهرطقات هي هرطقة "برديسان السرياني" وكان هذا الرجل وثنيا، وُلد بالرها، وقيل أنه اعتنق المسيحية اسمًا لا فعلًا ومات عام 222، وخلفه ابنه الذي ناهضه مار افرآم. * وضمت هذه الهرطقة عديد من الأثرياء، فبدأ مارأفرام يكتب ضد هذه الكتابات، وأعطته كتاباته شهرة واسعة في عالم الكتابة. كما نظم أناشيد كثيرة تضمنت عقائد كنيسته الأرثوذكسية. * ودخل في نقاش مع أصحاب هذه الهرطقات لردهم، والعجيب أن تدفق هذه الينابيع الشافية من ذلك القديس كان سببها التعاليم الفاسدة التي لهؤلاء الهراطقة. فقد وضع هرمونيوس بن برديصان في تلك الهرطقات 150 نشيدًا تنافس مزامير داود النبي، كما أنه وضع لها أنغاما جذابة جعلت أهل الرها يذهبون وراء وقعها الموسيقى! ![]() * وللحال وضع القديس العظيم مار افرآم 150 نشيدًا على نسق ووزن وموسيقى وإنشاد هرمونيوس متضمنة العقائد المسيحية السليمة، كما أنه أعد خورسا لتلك الإنشاد يرنمونها صباحًا ومساء كل يوم في الكنيسة. * وهكذا استطاعت تعاليمه المستقيمة بنعمة الروح القدس وبقوة الحق الذي ينطق منها، وجمال أسلوبها الأدبي، أن توقف تيار هرطقة هرمونيوس وغيرها من هرطقات ذلك العصر التي كادت تكون سببًا في غرق الكثيرين. ![]() أشهر قصائده هي: * القصائد الثلاثة التي نُظمت بعد حصار الفرس لمدينة نصيبين للمرة الثالثة. * قصائد من 35-42 عن آلام المسيح. * قصيدة القصة اليوسيفية " أي قصة يوسف الصديق. * كما كتب أيضًا عدة ميامر عن الصلوات لحاجة الكنيسة، ومنها صلاة الرجاء لسقوط الأمطار. ![]() * الذي يتأمل في شخصية مار افرآم، يلاحظ أن شخصيته كشاعر أشهر وأقوى بكثير من شخصيته كناثر، حيث أن كتاباته المنظومة أكثر جدًا من كتاباته النثرية، ومن الواضح أن كتاباته في الرها كانت كثيرة جدًا. * لقد ترك مار افرآم من الكتابات بوجه عام، ما لا يقل عن ثلاث ملايين من الأسطر أي مائة وعشرون ألفا من الصفحات تقريبًا. * ولمار افرآم كتابات منشورة، إذ المعروف أنه قد استعمل النثر في شرح الكتاب المقدس بعهديه، وفي الجدل الديني، وفي مقالاته ورسائله. * ولمار افرآم شروحات كثيرة في عدد من أسفار الكتاب المقدس ومحاربته للبدع وبعض الكتابات اللاهوتية وسير القديسين كما يلي: أ- شرح سفر التكوين وجزء كبير من سفر الخروج، محفوظ في مخطوط في مكتبة الفاتيكان ب- مختصر لشرحه للعهد القديم صنفه الراهب ساويرس الرهاوى سنة 861 م. ج- شرحه لرسائل بولس الرسول مع الأناجيل. د- كتابات كثيرة عن محاربته لتعاليم ابن ديصان ومانى ومرقيون بعنوان. * الرد على المارقين. * وإلى هيباتيوس. * كتابات أخرى مثلها: "إلى دومنوس". ه الكتب الخمسة الأولى يبتدئ كل واحد منها بحرف من حروف اسمه (ا ف ر ا م). و- ميمر نثرى عنوانه "عن سيدنا" مجّد فيه الألوهية والأعمال الخاصة على يد السيد المسيح. ز- خمس مقطوعات عن "الرحيم العلى". ح - سيرة لأبراهام قيذ ونيايا تظهر فيه بوضوح قوة مار افرآم الأدبية. * وقد ذكر في بعض المصادر أن مار افرآم ألف في النشر شرحًا لكل العهد القديم ما عدا سفر القضاة. * هذا ويتبع مار افرآم في تفسيره منهج المدرسة الأنطاكية متناولًا النص تاريخيا وعلميا، ولكنه في التسابيح والخطب يستعمل الطريقة الرمزية. ![]() * ما قدمه من خطب ومواعظ، كما يلي: أ- 56 مقالة " ضد الهراطقة ب- 80 مقالة " ضد الباحثين " أي ضد محرّفي العقيدة في الثالوث الأقدس وتجسد الكلمة. ج- 7 مقالات " في اللآلئ". د- 3 مقالات " في الإيمان". ه 2 مقالة " ضد اليهود الهراطقة. و- مقالة تفسيرية في آيات مختلفة من العهد القديم. ز- 22 مقالة " في ميلاد الرب". ح- 12 مقالة في الظهور الإلهي. ط- 41 مقالة " شهادة المخلّص". ى- 4 مقالات " عن مبادئ الأخلاق وحرية الإنسان". ك- 85 مرثاة وخطبة، كان يرتلها في مناسبات مختلفة، وفيها أناس مختلفين. ل- مقالات خاصة ذات مضمون نسكي وأخلاقي. م- مواعظ " ضد اليهود " و" في مخلصنا يسوع المسيح أي التجسد". ![]() أ- رسالة إلى رهبان جبال الرها. ب- جزء من رسالة كتبت إلى يويليوس. ![]() 1- مار أفرام وأقوال القديس يوحنا ذهبي الفم: * افرآم، ذلك العظيم، منهض الكسالى والخاملين.... * ومعزى المحزونين ومثقف الشبان.... * المعلم والمرشد... * دليل التائبين.... * سيف العقيدة ضد الهراطقة.... * وعاء الفضائل..... * وشاح الروح القديس ومظلته. ![]() * إن مار افرآم كيثار (قيثارة) الروح القدس، ضرع موسى الكليم وأخته مريم بتلقينه العذارى والفتيات، ولفيف المؤمنين، أنغاما محكمة بث فيها تعاليم الكنيسة الحقة وأحرز بواسطتها إكليل الظفر والانتصار على أعدائه". ![]() * افرآم، شماس كنيسة الرها، ألف كتبا كثيرة، وقد وصل من الشهرة والتوفير إلى أن بعض الكنائس تتلو ما كتبه على الشعب بعد تلاوة منتخبات الأسفار المقدسة. وقد طالعت في اليونان كتابه عن الروح القدس مترجمًا عن السريانية، ووجدت فيه قمة الذكاء." ![]() * لما كان مار افرآم لا يسر بمدائح، كان ذلك زيادة في فضله وتصنيفا لفضيلته. * كيف لا تقبل الكنيسة ذكر مثله بسرور، وهو ذاك الإنسان الذي أفواه جماعة النصارى لا تشبع من ذكره والثناء عليه. * هذا افرآم السرياني فإني لا أستحي من ذكر جنسه، إذا كنت أتجمل بأخلاقه. * افرآم هو نهر فرات معقول منه يشرب جميع المؤمنين. * أبانا هذا، ومعلم المسكونة، افرآم. * ما كان افرآم يخلو له وقت، من هطل الدموع، لا في ليل ولا في نهار، ولا في ساعة ولا في لحظة، ولا أبصرت عيناه قط ناشفة، بل كان يبكى دفعة جهرًا ودفعة سرًا. * كان (افرآم) منقادًا إلى أوامر الله في كل معنى، وانقيادا لا يساوى فيه غيره، فمن ههنا لما أمرِ أن يترك وطنه، مثلما أمرِ إبراهيم أب الآباء، أجاب إلى ذلك وقصد مدينة الرها. * كان افرآم يتناول من الطعام مقدار الكفاف لحفظ الحياة لئلا ينقلب نظام الطبيعة بالكلية فيرد على الجسم الانحلال. * كان افرآم يستعمل من الطعام ما ليس فيه لذة، ويمزج كأسه بالبكاء. * مار افرآم سكن البرية مثل المعمدان وصارت عليه كلمة الله، فكان مناديًا بالتوبة. تعلم القادمين إليه أن يعترفوا بخطاياهم. * لقد انصرف (افرآم) إلى ميناء الملكوت الدهري، الذي لا موت فيه ولا اضطراب وأحصى مع القديسين الذين كانوا منذ الدهر.. * هذا لك منا، يا أفضل الآباء. ويا معلم المسكونة، قد جسر اللسان أن يهديه هديه لا تفي بالاستحقاق. * وإن كان قولي هذا جسارة، إلا أنك كما هربت من المديح في حياتك كذلك حملك التواضع بعد انتقالك على أن تفوق من يقصد مديحك. * وأنت يا افرآم مع ذلك، في وقوفك على المذبح الإلهي وخدمتك الثالوث المقدس المحيي مع الملائكة تذكر جماعتنا وتسأل الصفح عن خطايانا ووصولنا إلى نعيم الملكوت الدهري بيسوع المسيح ربنا الذي له المجد مع أبيه الذي لا ابتداء له، والروح القدس المحيي الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين. _____ (*) المرجع: مار أفرام السرياني ومار اسحق السرياني - ملاك لوقا |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 107 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس أفراهاط أولًا: سيرته: 1- ميلاده: * وُلد في أواخر القرن الثالث أو بداية القرن الرابع الميلادي ببلاد فارس، وكان والداه من سلالة المجوس من عبدة الأوثان، أما هو فمنذ صبوته لم يسترح لفكر آبائه وحياتهم المملوءة بالرجاسات. 2- قبوله الإيمان:أ- لا يزال الجدال قائمًا بخصوص أصله إن كان وثنيًا أم مسيحيًا. فالبعض يعتمد على عباراته عن الوثنيين حيث يقول: "نحن". والآخرون يرون في معرفته الواسعة للكتاب المقدس بعهديه واقتباساته الكثيرة دليلًا على انه من أصل مسيحي. ب- اعتمد ودُعى يعقوب إما في عماده أو رهبنته أو سيامته أسقفًا. مما سبب خلطًا بينه وبين يعقوب من نصيبين المتوفى سنة 338 م. 3- وحدته:* رأى أفراهاط أن يترك بلده كإبراهيم ويذهب إلى أديسا (الرها) فيما بين النهرين ليتشدد بإيمان المسيحيين هناك. وإذ كان يميل لحياة الوحدة سكن في مكان قريب من المدينة، ففاحت فيه رائحة المسيح الذكية وجاء الكثيرون يسترشدون به ويطلبون صلواته. بعد فترة ذهب إلى أنطاكية وقاوم الأريوسية. * يبدو أنه ترك موضعه وذهب إلى منطقة أخرى بسوريا حيث ازداد في نسكه. فلم يكن يأكل إلا خبزًا ويشرب ماء مرة في اليوم مع بعض الخضراوات غير المطبوخة عندما كبر في السن. 4- أفراهاط الأسقف:* يبدو أنه كان أسقفًا، كما يظهر من حديثه الذي وجهه إلى الرعاة (مقال 14). 5- أفراهاط والاضطهاد:* سجل المقالة 21 عن الاضطهاد في تلك الحقبة لكي يشجع المؤمنين في مواجهة الاضطهاد. 6- حكمته:ܐܦܪܗܛ * افتقده تارة أنثيموس والى أنطاكية الذي صار فيما بعد سفيرًا في فارس. في طريقه عبر بأنطاكية عام 405 م.، وقدم للقديس أفراهاط ثوبًا جديدًا جاء به من بلاد فارس كهدية من بلد هذا المتوحد. وإذ كان بطبعه لطيفًا وبشوشًا تقبل الهدية وشكره عليها. وبعد قليل سأله أفراهاط: "إني أستشيرك في قضية تحيرني وتبلبل فكرى، وهى إنني منذ حوالي 16 عامًا عزمت أن يكون لي صديقًا واحدًا اخترته ليرافقني ويعيش معي. وكان هذا الصديق يعجبني جدًا ويعزيني ولم يحزنني قط، لكن جاء آخر من بلد بعيد وأراد أن يحتل مكانه، فأي الاثنين أقبل؟! أجاب الوالي: "الأول". ابتسم أفراهاط وقال له: "إن الصديق القديم هو ثوبي يلازمني هذه السنوات الطوال فكيف استبدله بآخر؟"! حينئذ ابتسم الوالي وأدرك أن أفراهاط يود الاعتذار عن قبول هديته بلطف، فاسترد الثوب وهو متعجب من حكمته ولطفه، إذ لم يرد أن يجرح إحساساته حتى في رفضه للهدية. 7- صراع ضد الأريوسية* إذ نفى الإمبراطور فالنس ملاتيوس أسقف أنطاكية، وأثار الاضطهاد على الكنيسة بسبب فكره الأريوسى، دخل أفراهاط مدينة أنطاكية، وكان يشجع المؤمنين ويشددهم على الإيمان المستقيم، مبرهنًا لهم على لاهوت السيد المسيح. وكان الأريوسيون يعجزون عن مقاومته أو مجادلته من أجل النعمة التي وُهبت له خلال كلماته وحياته والعجائب التي كان الله يجريها على يديه. لذا كان الأريوسيون يهابونه ويريدون التخلص منه. * يصف لنا ثيؤدورت قصة لقاء البار أفراهاط مع الإمبراطور فالنس حيث كتب: "على شمال نهر الأورنت يقع القصر. وعلى الجنوب يوجد رواق من دورين فسيحين، مبنى على سور المدينة، وبه أبراج عالية من كل جانب. وبين القصر والنهر يوجد طريق عام مفتوح للمارة القادمين من المدينة، يقود الباب في هذا الحي إلى البلدة في ضواحيها. * حيث أن كان البار أفراهاط عابرًا هذا الطريق العام في طريقه إلى ساحة تدريب الجنود ليقوم بعمل رعوي لشعبه. وإذ كان الإمبراطور يتطلع إلى أسفل من بهو القصر ورآه سائرًا مرتديًا عباءة عادية من جلد الماعز ويسير بسرعة بالرغم من تقدم سنه، أدرك أنه أفراهاط الذي التصقت به كل المدينة، فصرخ الإمبراطور: "أين أنت ذاهب؟ أخبرني". بمهارة وسرعة بديهة أجاب "لأصلي من أجل الإمبراطورية". * قال الإمبراطور: "كان الأفضل أن تبقى في مسكنك وتصلى وحدك كراهب". * قال الرجل القديس: "نعم، إني ملتزم بالعمل هكذا، وأنا دومًا أفعل هذا حتى الآن مادام قطيع المسيح في آمان. لكن الآن إذ القطيع مرتبك وفي خطورة ومحنة عظيمة يتعرض للافتراس بالوحوش، يلزمني ألا أترك وسيلة لأعمل بها على إنقاذ الرضيع. أخبرني يا سيد، لو أنني كنت فتاة أجلس في حجرتي وأنظر وإذا بوهج لهيب يسقط على البيت واشتعلت النار في بيت أبى، فماذا يلزمني أن أفعل؟ أخبرني هل أبقى جالسًا في الداخل ولا أبالى بالبيت وقد اشتعلت فيه النيران وأنتظر حتى تقترب إلى النار؟ أم أترك موضعي وأجرى هنا وهناك وأحضر ماءً وأحاول إطفاء النار؟ حتمًا ستقول لي الأمر الأخير، فإن هذا ما يليق أن تفعله الفتاة الجادة الشجاعة وهذا هو ما أفعله الآن يا سيد. إنك تشعل النار في بيت أبينا، ونحن نسرع ساعين لإطفائها". هكذا قال أفراهاط هذا، فهدده الإمبراطور، لكنه لم يعد بعد يتكلم. * هدد أحد حجاب القصر الإمبراطوري البار بعنف شديد، فكان مصيره الآتي: كان موكلًا إليه الاهتمام بالحمام. في الحال بعد المناقشة نزل ليهيئ الحمام للإمبراطور. وعند دخوله فقد صوابه ونزل في المياه المغلية قبل مزجها بالماء البارد فلقى مصرعه. * جلس الإمبراطور منتظرًا إياه ليخبره بأن الحمام مُعد ليدخله. ولكن إذ طالت مدة انتظاره، أرسل بعض رجاله ليخبروه عن سبب التأخير. دخلوا وصاروا يبحثون عنه في الحجرة فاكتشفوا أن الحاجب ميتًا في الماء المغلي. * عرف الملك ذلك وعرف من معه قوة صلوات أفراهاط، لكنهم لم يتخلوا عن تعاليمهم الشريرة، إذ تقست قلوبهم مثل فرعون. وإذ عرف الإمبراطور المخبول لم يتعظ من المعجزة بل هاج جنونه ضد التقوى. * لم يمض إلا وقت قليل ومات فالنس في حريق، فاستراحت الكنيسة من مقاومته. 8- نياحته:* عاد القديس إلى توحده واختلى بها مقدما صلواته عن العالم حتى تنيح حوالي عام 345 م. * تعيد له الكنيسة اليونانية في 29 يناير، واللاتينية في السابع من أبريل. ![]() 1- عدد المقالات: * ترك لنا القديس أفراهاط 23 مقالة سُميت المقالات أو البراهين، وهى تضم ثلاث مجموعات: * المجموعة الأولى: تتكون من عشرة مقالات كُتبت حوالي عام 336/337 م. عن الإيمان، والمحبة، والصوم، والصلاة، والحروب، والرهبان، والتائبين، وقيامة الموتى، والتواضع، والرعاة. * المجموعة الثانية: تتكون من اثنتي عشرة مقالة، كُتبت حوالي سنة 343/344 م. أثناء الاضطهاد. موضوعاتها هي: الختان، الفصح والاحتفال به في الرابع عشر من نيسان، السبت، الابتعاد عن الخصام، تمييز الأطعمة، دعوة الأمم، يسوع المسيا، البتولية، العطاء، الاضطهاد، الموت والأزمنة الأخيرة. * المجموعة الثالثة: تتكون من مقالٍ واحد، كتبت عام 345، عنوانها خصلة العنب. 2- إلى من وُجهت المقالات؟* وجَّه أفراهاط مقالاته إلى من دعاهم "أبناء العهد" أو "جماعة القيامة". يبدو أن هذه الجماعة تعود إلى أصل يهودي، وبالأخص إلى رهبان قمران الذين عاشوا بالقرب من البحر الميت. وهم يضمون مجموعة من الإكليروس أساقفة وكهنة وشمامسة بل ومنهم من هم من الشعب. هم جماعة بتوليون ناسكون يكرسون حياتهم للعبادة ولا يمارسون أعمالًا تجارية أو زراعية أو أية وظيفة تدر مالًا، ذابوا فيما بعد في التنظيمات الرهبانية. 3- سمات كتاباته:أ- جاءت هذه المقالات إجابة على أسئلة موجهة إليه من صديق له أو جماعة من الإخوة يعانون من الضيق ويستفسرون عن بعض المسائل الإيمانية والروحية. ب- لم يذكر الكاتب اسمًا لأحد ولا موضعًا ما، ولا انتقد الرئاسات الدينية، حتى لا تحمل أي تحيز شخصي. ج- لما كان أصل الجماعة التي كتب إليها يهوديًا فلا نعجب من اقتباسه الكثير من العهد القديم، وقيامه بمقابلات بين شخص وآخر مثل تقدمة هابيل وتقدمة قايين، وصوم موسى والصوم الذي فرضته إيزابيل. لكن ما يشغله بالأكثر المقابلة بين شخصية يسوع مخلصنا وكثير من شخصيات العهد القديم. د- في اقتباساته من الكتاب المقدس لم يلتزم بالنص، إنما غالبًا ما كان يكتب النص من ذاكرته. وقد أحصت مارى جوزيف بيار هذه الاقتباسات سواء الصريحة أو بالتلميح فوجدت أنها 2691 أما Wright فأحصى 794 نصًا من العهد القديم و446 من العهد الجديد. ![]() المقالة الأولى في الإيمان: * يقدم الإيمان بكونه بناءً، حجره الأساسي هو السيد المسيح، يكتمل هذا البناء ليصير هيكلًا للآب ومسيحه. أما مواد البناء فهى الأعمال الصالحة. يقدم أمثلة لإيمان شخصيات من العهدين القديم والجديد، وفاعلية الإيمان في حياتهم وخدمتهم. المقالة الثانية في المحبة:* يوضح ارتباط الناموس والأنبياء بوصية المحبة، مؤكدًا أن الله إله الحب والرحمة والمغفرة. ويطالبنا بالمحبة نحو إخوتنا، مقتبسًا تسبحة المحبة التي أوردها الرسول بولس (1كو13)،قدم السيد المسيح محبته لنا عمليًا قبل أن يدعونا لمحبة الله والقريب. المقالة الثالثة في الصوم:* الصوم الطاهر مقبول، وهو ليس مجرد الامتناع عن الطعام، بل عن الشر. قدم أمثلة لأصوام أناسٍ قديسين وأخرى لأشرارٍ وردوا في الكتاب المقدس. وأوضح عظمة صوم يسوع، لأنه إن كان صوم دانيال أنقذ الشعب كله، فماذا يكون صوم السيد المسيح. المقالة الرابعة في الصلاة:* تتميز المقالة الرابعة لأفراهاط. بأنها من أقدم الرسائل المسيحية الموجودة عن الصلاة. وتتميز بالآتي: أ- غنية بالأمثلة الإنجيلية التي تؤكد ضرورة نقاوة القلب كشرط لقبول الصلاة. ب- الصلاة هي تقدمة داخلية أو ذبيحة لله. يقبلها الله خلال نقاوة القلب ويعلن عن قبوله لها بنزول ملاك ناري يحملها كتقدمة مقبولة لدى الله، وقد كشف الله عن ذلك خلال نزول نيران من السماء تلتهم تقدمات مؤمنين الأبرار في العهد القديم. بهذا قدم لنا القديس أفراهاط التفسير التقليدي الجذاب ليشرح لنا كيف أن هابيل عرف قبول ذبيحته بنزول نار من السماء عليها، وعرف قايين رفض ذبيحته إذ لم تلمس النار السماوية ذبيحة قايين. وواضح أنه استعار هذه العلامة من العبارات الكتابية مثلما ورد عن ذبيحة داود (1أى 26:21) وذبيحة سليمان (2أى1:7) حيث ذكر الكتاب المقدس نزول النار. ج- ليست هذه النقطة هي فقط التي تربط التقليد اليهودي بما كُتب في هذه المقالة. لكن مفهوم الصلاة كبديل لذبائح الهيكل، الأمر الذي كان منتشرًا في اليهودية بعد تدمير الهيكل الثاني سنة 70 م. د- الصلاة هي سلم يعقوب، إذ بالصليب (السلم الإلهي) نلتقي بمخلصنا، ونتمتع بالسماويات، ونختبر الإلهيات. ه الصلاة هي عمل داخلي يترجم خلال السلوك. فأكد ضرورة الاستعداد للصلاة بأن يهتم الإنسان بالسلوك الداخلي، وخصوصًا مسامحة الآخرين. و- كل حياتنا صلاة، هذا لن يتعارض مع تخصيص أوقات للصلاة (صلوات السواعي) تسندنا لكي نحيا كل نسمات عمرنا صلاة دائمة. ز- صلاة المحبة التي تتحقق باجتماع اثنين أو ثلاثة باسم ربنا يسوع مستجابة. لكن أن وُجد المؤمن وحده كما كان دانيال في الجب ويونان في الحوت... فقد لا نجتمع مع الغير جسديًا لكننا نجتمع معهم بمشاعر الحب! ح- مقالة أفراهاط عن الصلاة أوضحت كيف شهد القديس عن غنى التقليد الشرقي عن روحانية نقاوة القلب وقدم عدة أفكار صارت مشهورة فيما بعد. المقالة الخامسة في الحروب:* في المقالة الخامسة عالج الأب أفراهاط موضوع (الحرب) وقد قدم أمثلة كثيرة للحروب على كل المستويات منذ أيام قايين قاتل أخيه حتى رؤى دانيال عن الحروب بين الممالك المتوالية إلى مجيء السيد المسيح، وأيضًا مقاومة ضد المسيح للكنيسة. وقد استطرد في شرح رؤى دانيال النبي. * ركز الأب أفراهاط على الكبرياء كعلة الحروب، وأن هذه الحروب لن تتوقف حين يتم مُلك السيد المسيح -ابن الإنسان- في مجيئه الأخير. المقالة السادسة عن الرهبان* إذ يكتب عن الرهبان بكونهم مسيحيين جادين ومثاليين في التمتع بالعهد الجديد والحياة المقامة، يركز الأب أفراهاط على النقاط التالية: أ- التوبة هي طريق الملكوت، لذا يليق بالراهب أن يمارس التوبة في جانبها الإيجابي والسلبي، كالسهر ومحاربة الشر وممارسة أعمال المحبة والوحدة. ب- أوضح أن الرهبنة هي حياة عرس مُفرح لا ينقطع، يليق بالراهب أن يحفظ ثوب العرس طاهرًا. ج- الرهبنة هي معركة مستمرة ضد قوات الظلمة، وضد الشهوات الجسدية، لذا يليق بالراهب ألا يختلط بالنساء، فقد سقط جبابرة خلال التهاون في هذا الأمر. د- للمرأة دورها الإيجابي في الخلاص، ويليق بالراهبات أن يتشددن في جهادهن. ه يحتاج الراهب إلى روح التمييز، فيميز كل روح ويتعرف على حيل إبليس. و- يقدم مقارنة بين آدم الأول وآدم الأخير واهب القيامة. المقالة الثالثة والعشرون عن بركة في عنقود: * في المقالة الثالثة والعشرين يتحدث عن "بركة في عنقود". فالصديقون هم بركة العالم، إن زالوا منه زال العالم. وإن كانت صلوات الأبرار أحيانًا لا تُستجاب في بعض الظروف، لكن يبقى دومًا أبرار في العالم كغنى له. بموت السيد المسيح انتزعت الخصلة من العنقود، فدُمرت أورشليم، وانتقلت البركة إلى الشعوب بالمسيح. هذه هي البركة الإلهية أو عطية الله للشعوب ألا وهى حضور المسيح واهب السعادة الحقيقية. _____ (*) المرجع: القديس أفراهاط - القمص تادرس يعقوب |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 108 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأسقف هيلارى أسقف بواتييه سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: سيرته: * كان "إيلارى" ينتمي لأسرة عريقة ومعروفة في فرنسا. ونشأ وثنيًا كما قال عن نفسه، ولكن النعمة الإلهية قادته للإيمان المسيحي، وذلك فيما كان يقوم بدراسته بحماسة عن الله، اكتشف خلالها حماقة الاعتقاد بتعدد الآلهة، واقتنع بأنه لا يوجد سوى إله واحد. ولابد أن يكون هذا الإله أبديًا وغير متغير، وكلى القوة، وهو العلة الأولى والخالق لكل الأشياء. * وهكذا بعد أن عرف إيلارىالإيمان، اعتمد وهو متقدم في السن. ![]() * كان إيلارى أسقفًا متزوجًا قبل عماده، وكانت ابنته وتدعى أبرا، على قيد الحياة عندما اختير أسقفًا على بواتييه نحو سنة 350 م.. عمل كل ما في وسعه للهروب من درجة الأسقفية، لكن صفاته جعلت الناس يتمسكون به أكثر.. وكانت توقعات الناس بالنسبة لشخصية إيلارى في محلها، لأن صفاته البارزة أضاءت متألقة، لا لتجذب انتباه فرنسا فحسب، بل الكنيسة كلها. ![]() * بسبب دفاع إيلارى القوى عن الإيمان، ومقاومته للأريوسيين، ورفضه إدانة القديس أثناسيوس، حيث قال مقولته الخالدة: "إني لو خيرت بين الموت ومخاصمة أثناسيوس لفضلت الأولى على الثانية". ![]() * بسبب موقفه المشرف هذا، نفى القديس إيلارى في منتصف عام 356 م. ![]() 1- مؤلف الثالوث: * " إن عمل القديس هيلارى الرئيسي هو "عن الثالوث"، ويقع في اثني عشر كتابًا، وقد كتب هذا العمل أثناء سنوات النفي (ثلاث سنوات). ![]() * هو كتاب تمهيدي، يشرح القديس هيلارى في مقدمته سمو الطبيعة الإلهية عن الفهم البشرى، ثم يقدم ملخصًا منظمًا ومفصلًا للعمل كله كتابًا كتابًا، والعمل في حقيقته يتكون من الكتب 12:2، وهذه مقسمة إلى ثلاثة أجزاء: ![]() * يشمل الكتب 3:2، ويحوى مقدمة عامة عن العلاقة بين الآب والابن والطبيعة الإلهية للابن، وفي الكتاب الثاني، يدافع القديس هيلارى عن موقف الكنيسة الجامعة تجاه الهرطقات المختلفة، ويؤكد على حقيقة وأزلية ميلاد الابن الإلهي، وكذلك يتحدث عن الروح القدس. أما الكتاب الثالث فيخصصه القديس هيلارى لتفنيد ودحض ادعاءات الأريوسيين القائلة بان الابن أقل من الآب، ويختم هيلارى هذا الكتاب بحديث طويل عن عجز وقصور الحكمة البشرية، فلا يمكن لأي أحد أن يدرك الكلام الإلهي إلا الإنسان الذي يسعى وينفى قلبه بالطهارة والنقاوة والنسك، فاللاهوت ليس مجرد نتيجة لجهد العقل. معتبرًا أن معرفة الله هبه روحية ومعرفة حية، معرفة محبة وشركة وتقديس، فلا فرق بين طريق المحبة وطريق المعرفة، إذ أن المعرفة الحقيقية تقترن بالمحبة والإفراز الواعي والصلاة بمواظبة، فالقلب هو الذي يصنع اللاهوتي، إذ أن المعرفة اللاهوتية السرية على النقيض من كل معرفة بشرية تأتى من عقل الإنسان. لذلك اللاهوتي الحقيقي هو من له شركة مع الله. ![]() (كتاب 4): * يثبت هيلارى بأمثلة كثيرة، أغلبها من سفر التكوين "الظهورات الإلهية" ومن الأنبياء، أن العهد القديم قد علم فعلًا بوجود الابن كإله مع الآب. (كتاب 5):* بعد أن درس العهد الجديد، يوضح هيلارى أن الابن ليس فقط إله، بل إله حقيقي كما الآب، رغم أنه ليس إلهًا ثانيًا. (كتاب 6 من الفصل 23 وما يليه):* يقدم نفس الموضوع، لكن يناقشه هذه المرة في ضوء صفحات العهد الجديد، ويخلص إلى أن المسيح هو حقًا ابن الله. (كتاب 7):![]() * يختم هيلارى إثباتاته وبراهينه اللاهوتية، بأن يؤكد -مستعينًا بنصوص من العهد الجديد- أن المسيح هو إله حقيقي مثل الآب، وهو معه إله واحد. * وداخل هذه البنية الحسنة التركيب، تمثل الفصول من 23:1 من الكتاب السادس نوعًا من الملحق أو التذييل. ويذكر هيلارى للمرة الثانية النص الكامل لاعتراف أريوس الهرطوقي، ويعقب عليه بتفنيد مختصر شامل، ولا يذكر الكاتب الدوافع التي جعلته يذكر نص أريوس للمرة الثانية. ![]() * يتضمن الكتب 12:8، في الكتاب الثامن يدحض العقيدة الأريوسية المنحرفة التي ترى أن الوحدة بين الآب والابن هي مجرد وحدة أخلاقية. في الكتاب التاسع يناقش المؤلف بعض النصوص الكتابية حتى يتحدث فيها السيد المسيح عن نفسه كما لو كان أقل من الآب، ويشرح هيلارى هذه الآيات في ضوء تدبير الخلاص والتجسد والكتاب العاشر يناقش آلام وموت المسيح، التي رأى الآريوسيون فيها دليلًا على عدم كمال ألوهية المسيح. ويفسر هيلارى الآلام والموت بأن يميز بين اللاهوت غير المائت وبين الناسوت المتخذ. في الكتاب الحادي عشر يشرح عقيدة القيامة والصعود إلى الآب (1كو26:15). وأخيرًا يخصص الكتاب الثاني عشر لتفسير (أم22) وهى آية أساسية في الفكر الآريوسي، وينتهي هذا الكتاب بملحق يتكون من الفصلين 55، 56 يتحدثان عن الروح القدس. * من هذا الملخص، يتضح أن كتاب الثالوث يعالج أكثر من موضوع، ولكي تتم كتابة هذا العمل الضخم، استعان القديس هيلارى بمراجع عديدة، ونجد نوفاتيان في العديد من الإثباتات في الكتابين الرابع والخامس، وأيضًا في مواضع أخرى،ومن الواضح أيضًا، أن القديس هيلارى لديه معرفة بكتاب ترتليان "ضد براكسيات" وبسبب عبقرية وكمال هذا العمل، صار عنصرًا جديدًا في الأدب اللاهوتي اللاتيني، وكان له أثره القوى على الكتاب المجاهدين ضد الأريوسية المعاصرين واللاحقين له. * وفي هذا الكتاب اللاهوتي الثالوثي القوى الحجة، رد القديس هيلارى، وفسر بعض المعضلات الواردة بالكتاب المقدس، فتكلم عن مغزى الاسم السرمدى "أنا هو الكائن بذاتي" (خر3) "أهيه الذي أهيه" قائلًا: "إني مندهش حقًا من هذا التعريف الواضح لله، الذي يعبر عن المعرفة الفائقة عن الإدراك للطبيعة الإلهية لكلمات ملائمة تمامًا للفهم البشرى، لأنه لا توجد صفة من صفات الله أكثر تمييزًا له ويمكن بها إدراكه مثل وجوده، فهو كائن من ذاته ولا صله له بتلك الأشياء التي لها بداية، فمن غير الممكن لذلك الذي يجمع بين الخلود والقدرة اللانهائية، أن يكون في وقت ما غير كائن.. لأن كل ما هو إلهي، غير معرض للفناء أو الإنشاء، وخلود الله لا ينفصل عنه بأي حال من الأحوال، إذ هو خلود لا نهائى". * وفسر القديس هيلارى ما قبل لموسى: "أنا جعلتك إلهًا لفرعون"، فالمقصود أنه عندما أزال عنه ضربة الحشرات الضارة، وعندما أوقف البرد، وأبعد الجراد.. فهو الذي جعله يرتعد ثم يتوسل، يعاقب ثم يُشفى. فهناك فرق بين أن يدعى الشخص إلهًا وبين أن يكون إلهيًا، فقد جعل الله موسى إلهًا لفرعون، ولم يكن له الطبيعة ولا الاسم الذي يختص بالله. وقد كُتب: "أنا قلت أنكم آلهة" (مز 6:82) لأنها مجرد منحة وامتياز، فقوله: "أنا قلت"، يبين أنه ليس تعريفًا، وإنما هو وصف فقط لمن اختار أن يقول ذلك، فالتعريف يعطينا معرفة الشيء الذي يعرف، أما الوصف فيعتمد على الإرادة المطلقة للقائل.. ![]() * وعن تسمية الرب ملاكًا في العقلية المشتعلة، وهو في نفس الوقت إله إبراهيم واسحق ويعقوب المتكلم معه موسى، يقول: "لقد استعلن كملاك"، وهذا هو عمله، ولكن ليس طبيعته، فالاسم الذي يعبر عن طبيعته قد أعطى لكم على أنه هو الله.. فحديث الله بدا كأنه حديث الملاك لكي يكشف عن سر خلاص البشرية بالابن، ثم بعد ذلك ظهر أنه إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، لكي نعرف اسمه الذي هو طبيعته، وأخيرًا هو الله " الذي هو كائن بذاته " الذي أرسل موسىلإسرائيل لكي نتأكد بيقين أنه هو الله بكل ما تعنيه الكلمة. * فتجسد المسيح وآلامه قد صارا تتميمًا لمشيئة الله، وخلاصًا للعالم، وهذا أمر يعلو على المنطق البشرى أن الإله يولد من الإله، والابن مساوٍ للآب في الجوهر، ومع هذا يتجسد، ويخضع بحسب بشريته، وأخيرًا بعد ثلاثة أيام يقوم من الموت إلى الحياة، ويصعد إلى السماء بجسده الذي اتخذه، فكل ما أنبأ به الأنبياء من أقوال قد تحقق وتثبت فعلًا بالأعمال". ![]() * لقد ألف القديس إيلارى اثني عشر كتابًا "ضد الآريوسيين"، بسبب الجدل الذي كان محتدمًا في ذلك الوقت. وقد حاول الأريوسيين وأنصاف الآريوسيين عقد مجمع لإلغاء قانون الإيمان النيقاوى، وحاولوا استمالته إلى صفهم معتبرين كسبه نصرًا كبيرًا لهم. لكن همته لم تثبط، ودافع بشجاعة نادرة عن هذا الإيمان. أخيرًا بعد أن سئم الجدل، ذهب إلى القسطنطينية، وقدم التماسًا للإمبراطور قسطنيطينوس، طالبًا السماح بعقد مناقشة علنية مع ساتورنينوس الذي كان سببًا في نفيه. لكن الآريوسيين خشوا هذا اللقاء، واتصلوا بالإمبراطور الذي أعاده ثانية إلى فرنسا.. وظل يناضل ضد الآريوسية والآريوسيين بلا كلل أو ملل، لذا يعد بحق أثناسيوس الغرب. ![]() *في عام 357 م. "كتبت إليه ابنته الوحيدة "أبرا" تخبره أن شابًا "ابن حاكم المدينة" تقدم إليها للزواج وكان عمرها أربعة عشر عامًا.. فأرسل إليها في الحال يسألها أن تركز أفكارها على المكافآت التي وعد بها ربنا يسوع العذارى اللواتي يكرسن حياتهن بالكامل لعريسهن السماوي، ولا يرتبكن بشباك الحب الزمني، فقبلت نصيحته التقوية، وعند عودته من النفي، أخذ الله نفسها دون ن تشعر هي بمرض أو ألم. ![]() * في عام 363 م. قام بزيارة إيطاليا بصحبة القديس أوسابيوس فرشيللى. وفي خريف السنة التالية كان الاثنان في ميلان، حيث كان قد وصل الإمبراطور فالنتيان هناك، وقد امتنع المؤمنون عن دخول الكنيسة حتى لا يشتركوا مع الأسقف الآريوسي أوكسنتيوس. * وإذ دخل القديس إيلارى مع أوكسنتيوس في حوار حول العقيدة، شعر الأخير بالهزيمة، فطلب من الإمبراطور أن يأمر القديس هيلارى بترك ميلان، وبالفعل تركها، وقد سجل قبيل سفره رسالة للأساقفة والشعب المجاورين، يحثهم على الثبات على الإيمان النييقوى. ![]() * يا لعظمة نعمة ربنا يسوع المسيح. هذا الرجل، الذي عاش في الوثنية سنى عمره الأولى، وارتشف منها، ولكن أضاء له الحق الإلهي، فارتمى في أحضان المسيحية. ذلك الرجل الذي جاء من كورة بعيدة، استطاع أن يترك لنا ثروة من الكتب كذخيرة تسلم من جيل إلى جيل. ولعل أبرز أعماله: ![]() * لعل أشهر كتبه على الإطلاق، هو كتابه "عن الثالوث" الذي يقع في اثنتي عشر كتابًا. وقد بدأ في كتابة أعماله اللاهوتية قبيل نفيه، وكتب معظمه في سنوات النفي ومن خلال هذه الكتب، أبرز لاهوت الرب يسوع المسيح، وواجه الأريوسية بطريقة حاسمة وقاطعة. ![]() * وجه هذا الكتاب إلى أساقفة فرنسا وأساقفة الشرق. ![]() * رسالة إلى قسطينوس، وهى عبارة عن شذرات تاريخية. ![]() الرسالة الثانية إلى قسطنطينوس: * والرسالة ضد قسطنطينوس. ![]() * تفسير إنجيل متى. * تفسير لمعظم أجزاء المزامير. * كتاب عن الأسرار. * كتاب تسابيح. * كتاب عن نشيد الأنشاد. ![]() * لا تحاولوا أن تبنوا رأيًا حول موضوع.. أو تصدروا فيه حكمًا قاطعًا.. قبل أن تصلوا إلى نهايته. * الإنسان الروحي لابد أن يتحد بربنا يسوع المسيح الذي هو الحق المطلق، لأن كثيرين يتعبون أجسادهم بالأصوام، ويشهدون لثباتهم بتوزيع ممتلكاتهم على الفقراء ولعفتهم بحفظ البتولية، ولكن ما لم يكونوا مؤمنين بالمسيح في ملء ألوهيته، فهم غير كاملين، ولكن يجب أن لا يعترفوا بربنا يسوع المسيح كما هو حقًا فقط، بل لابد أن يخضعوا إلى متطلبات الحق في حياتهم اليومية. * إنى لو خيرت بين الموت ومخاصمة أثناسيوس، لفضلت الأولى على الثانية. * كل ما هو إلهي غير معرض للفناء. * في دفاعه عن أثناسيوس قال: "إننا نقاوم قسطنطينوس عدو المسيح، الذي يداعب البطون قبل أن يلهب الظهور بالسياط". * ابن الله المولود من العذراء لم يكن " ابنين " ابن الله مع ابن للإنسان (وكأنهما ابنان) بل ابن الله صار هو بنفسه ابنًا للإنسان، وذلك لكي يجعل الإنسان ابنًا لله فيه. فقد أخذ في نفسه الطبيعة الجسدية بشمولها (أى الجنس البشرى كله)، وبذلك صار هو الكرمة الحقيقة، وصار يحتوى في نفسه كل الأغصان العتيدة أن تولد. * الغصن الذي يثبت في الكرمة، تكون له حتمًا طبيعة الكرمة الحقيقية. هذه هي أسرار المشورة السمائية التي تحددت قبل إنشاء العالم. كان ينبغي أن ابن الله الوحيد يصير إنسانًا بإرادته لكي يستوطن الإنسان في الله إلى الأبد.. قد ولد الله -تسجد- في الواقع لكي يأخذنا في نفسه. * عن الروح القدس قال: "لا أستطيع أن اصف ذاك الذي لا أقدر على وصف أناته من أجلى". * يا الله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف. * إن بولس دفن مع المسيح في المعمودية، وعرف أنه هو غاية وتحقيق وكمال الناموس، لأن ذاك الذي هو نهاية وغاية الناموس قد بذل من أجل تحقيق النبوات والآلام البشرية. * يجب ألا نبتعد عن قانون الإيمان الذي تسلمناه.. ولن نترك هذا الإيمان الذي استلمناه عن طريق الأنبياء من الله الآب، بالابن ربنا وبفضل تعليم الروح القدس، في الأناجيل وفي كتابات الرسل، الإيمان الذي أقره تقليد الآباء، متبعين التسلسل الرسولي إلى أن تمت صياغته في نيقية، وكتب ضد البدعة التي قامت في ذلك الوقت، وستبقى هذه الصيغة. * ونحن نؤمن أنه يجب أن لا يضاف أي شيء آخر إلى هذا، ولا يمكن بالطبع أن ينقص منه شيء، إذ أننا لا نريد أن نقدم أية ابتداعات أو استحداثات، لأن الكلمات المكتوبة على أذهاننا من صفحات عديدة من الأسفار المقدسة، وأيضًا حقيقة المضمون (أى مضمون هذه الصفحات)، يجب أن تظل ثابتة راسخة، والكنيسة الجامعة لم تكف عن الإقرار والاعتراف بهذه الحقيقة في اتفاق مع التعليم الإلهي. ![]() * لأن الرجاء واحد، والله واحد، والرب واحد، ومعمودية التجديد واحدة، فإن كان هؤلاء في وحدة إرادة، لأنهم مولودين من جديد، وفي طبيعة واحدة، وأبدية واحدة فهم لهذا أيضًا واحد في القلب، وفي النفس، واحد في الفكر والاتفاق. * ربنا يسوع المسيح يريدنا أن نؤمن أنه في الآب بالطبيعة لأنه الله بينما نحن فيه بسبب تجسده، وهو فينا من خلال الإفخارستيا، وهكذا تصير لنا شركة مع الآب القدوس بابنه القدوس. * " كون ربنا يسوع المسيح قد حبل به من الروح القدس، وولد من العذراء مريم، فهذا أمر معروف وواضح إنه كان تحقيقًا للنبوات التي سبقت مجيء الرب. ولكن عديدًا من الناس قد يتسرعون ويسيئون الظن فيما يختص بدوام بتولية العذراء مريم، بسبب عدم فهمهم لهذه العبارة: "قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس". وأيضًا: "لا تخف أن تأخذ امرأتك " وكذلك: "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" إن كل هذه الآيات لا يراد بها إلا التنبيه على أنها كانت مخطوبة، وعلى أن هذا الاستعلان الذي أوحى به ليوسف، كان لأنه أراد تخليتها، فلكونه رجلًا بارًا، لم يرد أن يتصرف معها إلا في حدود مقتضى الشريعة، ولكي لا يكون عنده أي ارتياب من جهة الميلاد البتولي، اتخذ هو نفسه شاهدًا على أن المسيح قد حُبل به بالروح القدس عندما كانت أمه لا تزال بعد مخطوبة، قبل أن يتخذها له زوجة. * وبعد الولادة، عرفها بمعنى أنها دعيت زوجة بحسب الشريعة، حتى تكون الأم العذراء في رعايته وحمايته، إلى أن يتم التدبير الإلهي دون أية شبهة. * لقد عرفته كزوجة، إلا أنها لم تعاشره كزوجة (حز 1:44) فهي لم تكن زوجة ليوسف قط بالمعنى الطبيعي.. وقد استودع الرب أمه للرسول يوحنا لتكون بمثابة أمه فلم يكن لها أولاد.. دلالة أيضًا على دوام بتوليتها". * أما عن النقاوة الداخلية، فيقول القديس إيلارى: "نحن مطالبون أن نتخلص ليس فقط من عيوبنا الشخصية، بل أيضًا من تلك التي تلحقنا من الخارج، فالعاطفة المؤذية تورث نار جهنم، وقبول الإغراء يحول الشهوات المحرقة إلى أفعال". ![]() * القديس إيلارى هو المعلم والمحمس للشعب ضد الهرطقة الآريوسية. * القديس إيلارى من ألمع وأشهر آباء الكنيسة، وقد استغنت به في مقاومة البلاجيين الهراطقة. * القديس إيلارى هو الصوت العالي ضد الأريوسيين. * لقد غرس الرب شجرتى صنوبر جميلتين خارج العالم داخل الكنيسة إنهما وإيلارى. (القديس جيروم). * بعد جولاته الدفاعية المجيدة، وعندما عاد إلى فرنسا بعد نفسه، كان استقباله حافلًا يليق بمناضل من أجل الحق، أليس أنه تصدى للأريوسية بحزم، حتى أنه قام ومعه يوسابيوس أسقف رساى بمحاولة خلع أوكسنتيوس الأسقف الآريوسى الذي جلس على كرسي أسقفية ميلان. * ودأب القديس إيلارى على دعوة الأساقفة الأريوسيين وأنصاف الآريوسيين، إلى الرجوع إلى قانون الإيمان الذي وضعه مجمع نيقية. * وظل إيلارى يدافع بقوة عن الإيمان القويم، حاملًا مشعل الأرثوذكسية في الغرب المسيحي، إلى أن تنيح بسلام في سنة 367 م. _____ (*)المرجع: أسقف بواتية أثناسيوس الغرب - ملاك لوقا |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 109 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس أمبروسيوس أسقف ميلان سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: سيرته: 1- نشأته: * وُلد عام 340 ميلادية من أسرة نقية، فقد كان والده حاملًا لبلاد الغال (فرنسا) في عهد قسطنطين الصغير، مقره تريف. وكانت أخته مارسيلينا التي تكبره بحوالي 10 سنوات إنسانة تقية قامت بدور فعّال في حياته كأم أكثر منها أختا، أما أخوه ساتيروؤس الأكبر منه فمتقارب معه في السن. * يروى لنا سكرتير أمبروسيوس أنه لما كان طفلًا مضطجعًا في مهده في بهو القصر رأت المربية أسراب نحل تدخل فم الطفل أمبروسيوس وتخرج فاضطربت، لكن والديه وأخته اقتربوا منه ولم يزعجوه، وبعد برهة طار المنحل وارتفع عاليًا حتى غاب عن الأنظار، وعندئذ قال الآب: "هذا الطفل سيكون عظيم" * وإذ كان في الثالثة عشرة من عمره أقام ليبريوس أسقف روما مارسيلينا مكرسة للعبادة والخدمة.. وإذ تنيح الوالد. انتقلت الوالدة بالولدان إلى قصرهم بروما حيث عاشت معهم العذراء المكرسة مارسيلينا وصديقة لها عذراء... فكان القصر ديرًا يضم أسرة تتسم بالوداعة والبساطة مع الحب المتبادل في الرب. * كان أمبروسيوس وأخوه يدرسان معًا اللغة اليونانية والقانون والروماني والبيان والبلاغة. ![]() * إذ كان أمبروسيوس منطلقًا من روما إلى ميلان ليتسلم عمله كحاكم ميلان، أوصاه صديقه بترونيوس بروياس: "لا تعمل كقاض بل كأسقف"، وكان يقصد ألا يطلب السلطة بل يقدم أبوة حانية وحبًا لكل إنسان... وكان ذلك الصوت نبوة وهو لا يروى * جاء أمبروسيوس إلى ميلان ليجدها ميدانًا مضطربًا بالمجادلات الأريوسية، إذ كانت تابعة للأسقف الأريوسي أو أكسنيتوس، الذي لم يمض عام على مجيء أمبروسيوس لينتقل الأسقف، فتحولت المدينة إلى صراعات مرة حول اختيار الأسقف الجديد. * علت المجادلات حول اختيار الأسقف في وسط الكاتدرائية فأضطر أمبروسيوس أن يحضر بصفته حاكم المدينة... وعند دخوله سمع الكل صوتًا واضحًا يقول: "أمبروسيوس هو الأسقف"، وتكرر الصوت، فاندفع الكل يطلب سيامته، أما هو فقاوم وهرب لكنه تحت إلحاح الشعب رضخ أخيرًا. ![]() ![]() * اعتمد أمبروسيوس على يدّي صديقه القديم الكاهن سمبليكيان الذي قال: "قد تكون ى صداقة مع كثيرين، وأما صداقتي مع أمبروسيوس فهي صداقة الآب مع ابنه". هو ذاك الكاهن الذي استطاع أن يجتذب فيكتريانوس الأستاذ الوثني الذي ترجم كتابات أفلاطون وعلّم شباب أشراف روما المسيحيين، الأمر الذي كان له أثره في رجوع أغسطينوس وتوبته. * أرسل إليه القديس باسيليوس الكبير بهيئة على قبوله مسئولية الرعاية. وجاءت إليه أخته مارسيلينا من روما لتعيش معه... وحتى حين كانت تتركه للخلوة في منزل بريف ميلان، كانت على اتصال به خلال الرسائل. كانت تشاركه صلواته ودراساته وخدمته للفقراء. كما جاء إليه أخوه ساتيروس الذي تولى إدارة شئون الأسقفية وتدبير الأمور المادية، بقلب نقى ونفس زاهدة ولم يكن بعد قد نال سرّ العماد (وهذه نقطة ضعف في حياته أي تأخره في العماد). * وفي عام 378 سافر ساتيروس إلى أفريقيا فغرقت السفينة وأنقذه الرب بأعجوبة حتى نال سرّ المعمودية وتنيح في ميلان بين يدي أخيه وأخته... فرثاه القديس أمبروسيوس، قائلًا: "لماذا أبكيك يا أخي الحبيب؟!.. لقد تغير المكان فقط، ومن الآن ستكون أرواحنا معًا".... وبعد ثمانية أيام ألقى القديس عظته المشهورة عن " الإيمان بالقيامة". ![]() * كان جهاد القديس أمبروسيوس لا يتوقف فمن الداخل كانت الأريوسية قد بثت بعض التفاسير المتحررة والغريبة، كما كانت الوثنية لا تزال تحارب المسيحية وتدرس فيها بعض المفاهيم الخاطئة كتحويل أعياد القديسين إلى مهرجانات عالية، وأيضًا كان عليه إصلاح ما يعم المجتمع من فساد وظلم... * دخل الأسقف مع الشعب في صراع ضد الإمبراطورة يوستينة الأريوسية التي استسلمت أخيرًا للواقع حينما وجدت حتى الجند لا يقبلون الأريوسية. ![]() * كان موقف القديس أمبروسيوس لا يُحسد عليه حينما استشاط الإمبراطور غضبًا على أهل تسالونيكي لأن عامة الشعب قتلوا أحد ضباطه، فدعي الشعب لمشاهدة المباريات في الساحة، وإذ جمعهم أصدر أمره للجنود بقتلهم فهلك الألوف وصار فزع في كل المملكة. * كان ثيؤدوسيوس مقتنعًا أن ما فعله كان من قبيل العدالة، وإذ أراد دخول الكنيسة منعه القديس أمبروسيوس حتى يقدم توبة عملية وعلنية ويصلح ما أمكن من أثار هذه المذبحة هنا يقف الأسقف لا موقف صاحب سلطان أو منازع للسلطة وإنما كأب روحي، كان حازمًا كل الحزم مع الإمبراطور وكان أيضًا يفتح له أبواب الرجاء بكل حب وحنو، لذلك حينما حاول المحيطون بالإمبراطور أن يصوروا الأسقف بالشخص المتسلط العنيف لم يقبل الإمبراطور... وإنما بعد فترة قدم دموع توبة وانسحاق حقيقيًا وسجد حتى الأرض ليقبل الله توبته. هنا طالبه الأسقف بسن شرائع لحماية الضعفاء، منها عتق الأبناء الذين باعهم الآباء بسبب الفقر، وإصدار قانون يحمى الشعب من قسوة بعض الرجال الرسميين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، ألا ينفذ حكم الإعدام على أحد إلا بعد 30 يومًا من صدور الحكم. حتى تُعطى فرصة للحاكم أن يراجع نفسه... * انتهت القصة بصداقة حميمة بين الإمبراطور والأسقف لم تنفصم عراها حتى الموت حتى إنه عندما انتصر الإمبراطور في موقعة أكويلا أرسل إلى الأسقف رسالة يقول له فيها إنه مدين له بانتصاره، فحمل الأسقف الرسالة إلى المذبح، وكتب إلى الإمبراطور يقول له: "لقد وضعت رسالتك مع الذبيحة حتى يتكلم إيمانك أمام الله في نفس الوقت الذي انطلق فيه أنا بالصلاة. * ظهرت أبوة أمبروسيوس حين شفع في المأسورين من الوثنيين باكويلا حتى لا ترتاع جماهير الوثنيين بميلان أو غيرهم من البلاد، وقد قبل الإمبراطور الأمر الذي كان له أثره في حياة الوثنيين. * وفي 19 يناير سنة 395، أي بعد خمس سنوات من توبة الإمبراطور، وبعد بضعة أسابيع من نصرته في أكويلا رقد الإمبراطور وهو مستند على صدر الأسقف، وكان يناديه باسمه في اللحظة الأخيرة. مع أغسطينوس:* لقد أعجب أغسطينوس وهو بعد مانيًا بالأسقف من أجل البلاغة والبيان... ولكن الأسقف استطاع أن يسحبه للإيمان... وكان الأسقف يعزى القديسة مونيكا، كما كان معجبًا بإيمانها ودموعها التي لا تجف بسبب أغسطينوس، وقد تم عماد أغسطينوس على يديه في أبريل عام 387 م. ![]() * بعد عامين من وفاة الإمبراطور توقف أمبروسيوس عن الكتابة بسبب المرض، وقد استمر في قراءاته وتأملاته، حتى قال عنه سكرتيره بولينوس إنه إذ كان يتأمل دفعة توهج وجه كالنور. ![]() * حدث أنه في أحد الأيام بينما كان يصلى مع صديقه سمبليكيان الذي كان يلازمه الظل أن رأى أمبروسيوسالسيد المسيح يقترب منه بابتسامه إلهية ويدعوه لمرافقته في السماء، فعلم أن وقت رحيله قد أزف..... * وفي يوم الجمعة الكبيرة، في 4 أبريل عام 397، مدّ القديس ذراعيه على هيئة صليب ولم يغير هذا الوضع لمدة ساعات حتى اسلم روحه. * في اللحظات الأخيرة إذ تجمع الكل حول الراعي الأمين وقف جماعة من الشمامسة في ركن من الغرفة يتهامسون عمن يخلف القديس أمبروسيوس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. اقترح البعض سمبليكيان، وأجاب البعض إنه كبير السن... وإذ بالقديس يفتح شفتيه ليقول: "إن كبير السن لكنه فاضل"! أرتاع الشمامسة وخجلوا حتى تركوا الحجرة.... وتحققت كلمات الأسقف. ![]() * بالرغم من اهتمامه الشديد بعمله الرعوي والمتاعب التي لاحقته، فقد ترك القديس أمبروسيوس تراثًا ثمينًا. فمن جانب أهتم بتنظيم العبادة الليتورجية العامة في إيبارشيته، فقدم تدبيرًا ليتورجيًا جميلًا يعتز به أهل ميلان، كما أدخل نوعًا من الموسيقى الكنسية دعيت بالأمبروسية، أما كتاباته وعظاته فتضم كتابات عقيدية، وتفسيرية، ونسكية - أخلاقية، وعظات، ورسائل. 1- من كتاباته العقيدية كتاب عن الثالوث القدوس يشرح فيه عقيدة التثليث، يؤكد لاهوت السيد للربد على الأريوسيين، وآخر عن الروح القدس، وعن سر التجسد الإلهي ضد الأريوسيين والأبوليناريين، وعن الأسرار، وعن التوبة ضد اتباع نومانيان ليؤكد سلطان الكنيسة في حل الخطايا وضرورة الاعتراف وأهمية الأعمال الصالحة، وكتاب يرثى فيه أخاه يحوى حديثًا عن عقيدة القيامة. 2- من كتاباته التفسيرية 6 كتب عن أيام الخلقة السنة "هكسامبرون" وتعليقات على "قايين وهابيل"، "فلك نوح"، "إبراهيم"... الخ. _____ (*)المرجع: قاموس آباء الكنيسة وقديسيها حرف (أ) - مار جرجس سبورتنج |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 110 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس جيروم (ايرونيموس) سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: سيرته 1- ميلاده: * وُلد حوالي عام 342 م.، ![]() * يعتبر القديس إيرونيموس أو إيرينيموس أو جيروم St. Jerome من أعظم آباء الغرب في تفسيره للكتاب المقدس، له تراث عظيم في هذا المجال مع مقالات نسكية وجدلية ضد الهراطقة ورسائل. في مدينة ستريدون Stridon على حدود دلماطية وبانونيا وإيطاليا، من أسرة رومانية غنية وتقية. ولما بلغ الثانية عشرة من عمره أرسله والده إلى روما، فبرع في الفصاحة والبيان، وقد شغف بكبار شعراء اليونان والرومان. أهتم أيضًا بنسخ الكثير من الكتب كنواة لإنشاء مكتبة خاصة به. في هذا التيار انجرف إيرونيموس عن الحياة التقوية، لكنه عاد فتاب ثم نال سرّ العماد وإن كان قد بقي زمانًا يصارع ضد الشهوات فكريًا. ![]() * بعد ثلاثة سنوات قرر مع صديقه بونوسيوس أن يرحلا إلى تريفا للتفرغ للعبادة. هناك بدأ يدرس اللاهوت بدراسة الكتاب المقدس، ثم عاد إلى وطنه وأقام في أكيلية سبع سنوات، حيث توثقت علاقته بصديقه الحميم روفينيوس الذي سبق فصادفه في روما. في إنطاكية إذ كان يحث أخته على حياة البتولية والنسك هاج أقرباؤه عليه فاضطر إلى الرحيل إلى الشرق، مارًا على اليونان فآسيا، ليستقر في إنطاكية عام 374 م. حيث استضافه القديس أوغريس. أحب جيرومأوغريس، وكان للأخير أثره القوي عليه إذ سحب قلبه نحو الشرق والحياة النسكية. تعرف أيضًا على أبوليناريوس أسقف اللاذيقية الذي وقف القديس ضده بعد ذلك، حينما انحرف عن الإيمان. تفرغ قديسنا لدراسة الكتاب المقدس مع ممارسة الحياة النسكية، فانفرد في برية خليكس جنوب شرقي إنطاكية لحوالي أربع سنوات تعلم فيها العبرية. وقد تعرض في هذه البرية لمتاعب جسدية كثيرة، كما يظهر مما كتبه إلى القديسة أوستخيوم يصف حاله بصراحة كاملة، فيقول: "كانت حرارة الشمس الحارقة شديدة ترعب حتى الرهبان الساكنين فيها، لكنني كنت أُحسب كمن في وسط مباهج روما وازدحامها... في هذا النفي أي السجن الذي اخترته لنفسي، حتى أرهب الجحيم. كنت في صحبة العقارب والوحوش وحدها فكنت أحسب كمن هو بين الراقصات الرومانيات. كان وجهي شاحبًا من الصوم الإرادي فكانت نفسي قوية في الجهاد ضد الشهوة. جسدي البارد الذي جف تمامًا، فصار يبدو ميتًا قبل أن يموت يحمل فيه الشهوة حيّة، لذا ارتميت بالروح عند قدمي يسوع أغسلهما بدموعي، مدربًا جسدي بالصوم الأسبوع كله، ولم أكن أخجل من كشف التجارب التي تحل بي... ولا أكف عن قرع صدري ليلًا ونهارًا حتى يعود إلىّ السلام". عاد من البرية إلى إنطاكية عام 377 م.، فظهرت مواهبه، لذا ضغط عليه البطريرك بولينوس ليقبل الكهنوت، وإن كان قد اشترط إيرونيموس عليه ألا يرتبط بكنيسة معينة، ليتفرغ لكلمة الله أينما شاء الله أن يدعوه. ![]() * سمع إيرونيموس عن القديس غريغوريوس النزينزي، فذهب إليه والتصق به لمدة عامين، وفي مجمع القسطنطينية المسكوني عام 381 م. لمع نجمه. وفي سنة 382 م. رافق بولينس بطريرك إنطاكية وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلى روما، فاتخذه داماسيوس أسقف روما كاتبًا له، وأوكل إليه ترجمة الكتاب المقدس إلى اللاتينية، وتسمى بالفولجاتا La Vulgate.. امتزج عمله بحياة النسك مع الفكر الروح المتقد، فألتف حوله كثيرون، من بينهم شريفات قديسات مثل باولا وبنتاها بلوزلا واستوخيوم، ومرسيليا وأمها ألبينا، وأسيلا البتول الشهيرة. ![]() * إذ تنيح أسقف روما هاجمه منافسوه إذ كانت الأنظار تتجه إلى سيامته، فأثاروا ضده افتراءات كثيرة، بسبب علاقته بهؤلاء الشريفات، واضطر أن يعود إلى الشرق مع أخيه بولنيانس وبعض الرهبان، يحمل معه مكتبته الضخمة ومؤلفاته، وقد كتب رسالة إلى بناته الشريفات مؤثرة للغاية، جاء فيها: "أشكر الله الذي وجدني مستحقًا أن يبغضني الناس... نسبوا إلىّ أعمالًا شائنة لكن أبواب السماء لا تُغلق وتُفتح بأقاويل الناس وأحكامهم". ![]() * لحقت باولا وأستوخيوم قافلته في إنطاكية، وانطلق إلى يافا ثم بيت لحم، وإذ جال في فلسطين ذهب إلى مصر حيث الحياة الرهبانية في أوج عظمتها. في مصر التقي بالقديس ديديموس الضرير الذي كان يحبه، وقيل أنه سبق فتتلمذ على يديه لمدة شهور، وسأله عن بعض معضلات في الكتاب المقدس فوجد إجابات شافية، ومن شدة إعجابه به حينما سبق فطلب منه داماسوس أسقف روما أن يكتب له بحثًا في الروح القدس، لم يجد أفضل من أن يترجم له ما كتبه القديس ديديموس إلى اللاتينية. زار كثير من الأديرة والتقى بعدد كبير من نساك منطقة الأشمونين بمصر الوسطى (التابعة لطيبة) ومنطقة وادي النطرون، وسجل لنا كتابه "تاريخ الرهبان" عن آباء رآهم والتقي بهم شخصيًا أو سمع عنهم من معاصرين لهم يعتبر من أروع ما سُجل عن الحياة الرهبانية في ذلك الزمن. ![]() * عاد إلى فلسطين يحمل في جعبته خبرة آباء نساك كثيرين، وهناك بنت له باولا ديرين في بيت لحم عام 386 م. أحدهما للنساء تسلمت هي إدارته، والآخر للرجال يرأسه القديس إيرونيموس قرابة 35 عامًا، تزايد فيه حبه للدراسة والكتابة. قال عنه سالبسيوس ساويرس: "تراه على الدوام غائصًا في كتبه". أُعجب بالعلامة أوريجينوس الإسكندري الذي حسبه هبة الله للكنيسة، فعكف على ترجمة الكثير من كتابته ومقالاته إلى اللاتينية، وكان يلقيها على الرهبان والراهبات، حتى جاء القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس إلى فلسطين وألقى عظته على الجماهير وهاجم أوريجينوس بعنف... فأصطاد القديس إيرونيموس ليحوّله من العشق الشديد لأوريجينوس إلى العداوة المرة، فيحسبه كأبيفانيوس أنه علّة كل هرطقة، بل حسبه شيطانًا رجيمًا. وبسبب هذا التحوّل خسر القديس جيروم صديق صباه روفينوس، ودخل معه في صراعات مرة وقاسية. وقد حاول القديس أغسطينوس التدخل بأسلوب رقيق للغاية، لكن القديس جيروم دخل معه في صراع شديد وبلهجة قاسية. تصدَّى أيضًا القديس جيروم لكثير من الهرطقات. ![]() ![]() * في أواخر أيامه هاجم البيلاجيون ديره وأحرقوا جزءًا كبيرًا منه وقتلوا ونهبوا. تنيح القديس في بيت لحم عام 420 م. في مغارة المهد، وقد نُقل جسده إلى روما. يُعيِّد له الغرب في 30 من سبتمبر. يصوره الغرب وأمامه أسد رابض، إذ قيل أنه شفى أسدًا وقد لازمه في الدير. وربما لأنه كان يمثل الأسد في البرية، يزأر بشدة من أجل استقامة الإيمان، لا يستريح ولا يهدأ بسبب الهرطقات. ![]() 1- مؤلفات القديس جيروم * حياة بولا الراهب: * كتاب رسائل إلى أشخاص عديدين. * نصائح إلى هوليود ورس * موجز تاريخ الأحداث العالمية * ثمانية وعشرون تأمل لأوريجانوس عن نحميا وزكريا. * مقالات عن السرافيم * تأملات في نشيد الأنشاد * دوام عذراوية القديسة كلية الطهر مريم * كتاب رسائل إلى مارسيل * كتاب تعزية بولا في موت أبنته * ثلاثة كتب تفاسير لرسالة بولس الرسول إلى غلاطية * تفسير رسالة أفسس * تفسير رسالة تيطس * تفسير رسالة فيلمون. * تفاسير عن سفر الجامعة * أسئلة العبرانيين عن التكوين * الأسماء العبرية * الروح القدسلديديموس السكندرى * تأملات في إنجيل لوق * تأملات في سفر المزامير * من الإصحاح العاشر إلى السادس عشر * حياة هيلاريون * شرح سفر ميخا * شرح سفر ناحوم * كتابات عن حبقوق * تأملات في سفر زكريا * تأملات في سفر حجى * من أعظم أعماله: مشاهير الرجال مشاهير الرجال* وقد كتبه جيروم في بيت لحم بأورشليم سنة 392 م.، أي في السنة العاشرة من حكم الأمبراطور الروماني قيؤدوسيوس. * وقد كتبه بناء على رغبة صديقه دكستر، وهو في هذا الكتاب يرصد سيرة حشد هائل من آباء الكنيسة. * ويعد هذا العمل بشابة رد قاطع على الوثنيين والهراطقة الذين يتهمون المسيحيين وينعتونهم بقلة الذكاء وبانهم سطحيين وليس بينهم علماء..!! فلهذا يرد جيروم بالذات على من عاصروه منهم، أمثال: كلسس وبرووفرى ويوليان. * وقد كتب سيرة 135 من كبار المسيحيين والذين يعتز بهم الأدب والفكر واللاهوت المسيحي، سواء كانوا أقباطا أو سريانا أو رومانيين أو لاتينيين، بل وبعض العبرانيين أمثال يوسيفوس و"قيلو" وبعض الفلاسفة مثل سينكا. * يقول القديس جيروم، تعليقًا على السبب الذي جعله يقوم بتأليف هذا الكتاب مشاهير الرجال. * لقد دفعني دكستر أنأكتب، كما كتب، تراتكيليوس، شذرات قليلة عن الكتبة الكنسيين وسيكون كتابنا هذا على منواله، ولكنى سأكتب أولًا عن هؤلاء الرجال المشاهير ورسائلهم إلى الأمم، وعن كل الذين لهم مؤلفات وتأملات عن الإنجيل المقدس،بداية من آلام السيد المسيح إلى السنة الرابعة عشرة من عهد الأمبراطور ثيؤدوسيوس. ![]() أ - قام بترجمة الكتاب المقدس "الفولجاتا": * ترجمته الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية، وهى الترجمة المعروفة بالفولجاتا، والتي ما تزال، إلى يومنا هذا، النص الرسمي، وقد كانت هذه الترجمة حتى عصر الإصلاح هي النص الوحيد للكتاب المقدس * ترجمة الملك جيمس الانجليزية في القرن السابع عشر، تعكس بعض استخدامات الفولجاتا والإفادة منها. وهناك نحو ثلاثمائة وخمسين كلمة لاهوتية وكتابية -مستخدمة حتى اليوم- كان جيروم قد صاغها في أثناء قيامه بالترجمة. ب- كما قام بترجمة 78 عظة لأوريجينوس، كتب أوريجينوس الأربعة "عن المبادئ"،ج- الرسائل الفصحية للبابا ثاؤفيلس الإسكندري. د- ورسالة فصحية للقديس أبيفانيوس. و- ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية من النص العبري ه ومقال القديس ديديموس السكندري "عن الروح القدس"... الخ. ![]() أ- التفاسير * أهتم بتفاسير الكتاب المقدس، فُقد بعضها. * فسّر سفر الجامعة، وبعض رسائل القديس بولس، وإنجيل متى، والرؤيا، واهتم بأسفار الأنبياء، أروعها تفسيره لسفر أشعياء… الخ. * في تفاسيره حمل المنهج الإسكندري، مستخدمًا أسلوب العلامة أوريجينوس وطريقته الرمزية حتى بعد مقاومته له. * بعض تفاسيره كتبها بسرعة شديدة، فسجل تفسيره لإنجيل القديس متى في 14 يومًا. 2. ب- التاريخ* كتب في التاريخ: "مشاهير الرجال" ويعتبر الكتاب التاريخي الثاني بعد كتاب أوسابيوس القيصري، ضم 135 فصلًا، مقدمًا في كل فصل عرض لسيرة كاتب مسيحي وأعماله الأدبية، -* كتب أيضًا في سير الرهبان، كما سجّل حياة القديس بولا الطيبي وغيره... ج- كتابات جدلية* كتابات جدلية ضد يوحنا أسقف أورشليم، واحتجاجه ضد روفينوس، وآخر ضد هلفيديوس (بخصوص دوام بتوليه العذراء مريم)، وضد جوفينيان، وضد البيلاجيين... الخ. د- رسائله:بعث رسائل عن الرهبنة وعن الأمهات وعن موضوعات كثيرة ثارت تراس روحي هام. ![]() * اكتسب جيروم أهمية خاصة كمفسِّر للكتاب المقدس، فإنَّ مهارته اللغوية جعلتهُ يدرس النصوص المقدسة بلغاتها الأصلية. لقد كان يهتم بالتفاصيل الصغيرة أكثر من اهتمامهِ بالقضايا الكبرى. وقد تبع في تفسيره المعنى التاريخي الأدبي للنص ومنهُ كان يشتق المعنى الروحي * لقد قيل بأن جيروم قد أخذ عن أوريجانوس المعنى الثلاثي للكتاب المقدس. إلا أنه في الحقيقة يميّز بين معنيين: "المعنى الأدبي" و"المعنى الروحي"، هذا الأخير كان يدعوه أيضًا المعنى الرمزي، الأخلاقي والصوفي. * لقد كان جيروم متزنًا في تحليله للنص الكتابي ولم يقع في فخ الانحياز لأحد المعنيين على حساب الآخر. إن محبتهُ العظيمة لكلمة الله جعلتهُ يؤكد بأن "جهل الكتاب المقدس يعني جهل المسيح". |
||||
![]() |
![]() |
|