![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 101 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الخجل والخزي الخجل والخزي يصاحبان التوبة، متى شعر التائب ببشاعة الخطية. وكأنه يقول لنفسه: كيف أمكن أن أسقط إلى هذا المستوى؟ أين كان عقلي؟ وأين كان ضميري؟ حين فعلت هذا.. كيف ضعُفت هكذا؟ وكيف استسلمت؟ وكيف نسيت صورتي الإلهية، ووضعي الروحي؟! إنه يخجل من خطيته، التي تقف أمامه كل حين (مز 50). تُطارده صور الخطية كأنها سياط من نار تُلهب ضميره، فيشعر بخجل من نفسه. وقد يخفي وجهه ويضع يديه على عينيه، كأنه لا يريد أن يرى. هو أمام نفسه إنسان قد ضُبِط في ذات الفعل. ![]() ولا يستطيع أن يرفع وجهه إلى الله من شدة خجله. مثل العشار الذي قيل عنه إنه "وقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء" (لو 18: 13). بل قرع صدره معترفا بخطيته طالبا الرحمة. ومثال الإبن الضال، الذي من فرط خجله قال لأبيه "لست مستحقا أن أدعى لك ابنا" (لو 15: 19). وكلما يتذكر خطيته، يقول مع المرتل في المزمور: "اليوم كله خجلي أمامي، وخزي وجهي قد غطاني" (مز 44: 15). وكأنه يقول مع دانيال النبي "لك يا سيد البر. أما لنا فخزي الوجوه" (دا 9: 7). إنه يخجل من عار الخطية ومن فضيحتها. ويخجل من دنس الخطية ومن نجاستها. ويخجل من هزيمته أما الخطية، كما لو كان جنديا سَلَّمَ سلاحه للعدو وأُخذ أسيرا.. ويخجل من محبة الله له، ومن قدسية الله.. يخجل كلما قارن معاملته لله، بمعاملة الله له. وكيف أنه قابل محبة الله بالجحود والنكران، بل وبالخيانة أيضا.. وكيف أن الله كان يراه في سقطاته، الله الكلي القداسة والكمال.. ويخجل من طول أناة الله عليه، وكيف صبر عليه حتى تاب. ويخجل من أرواح القديسين والملائكة. الذين كانوا يرونه في سقطته ويتعجبون، ويُصَلّون من أجله لكي يقوم.. بل يخجل أيضا من أرواح أقربائه وأصدقائه الذين انتقلوا، وكيف إنهم لابد تعجبوا إذ رأوا أن حالته هكذا..! كيف يواجههم فيما بعد. بل يخجل من أعدائه الذين يشمتون به إن عرفوا سقطاته. هو يخجل من كل هؤلاء، بل يخجل أيضا من الكنيسة وقدسيتها، ويخجل من الهيكل والمذبح ومن التقدم للتناول. ويخجل من صلواته التي فيها عبارات عن محبة الله والالتصاق به، وهو الذي فصل نفسه عن هذه المحبة.. ويخجل من وعوده التي وعد بها الله قبلًا. وكيف أنه حَنَثَ بكل عهوده، حتى تلك التي كلَّم الله فيها بجدية كبيرة، وربما كان ذلك أمام المذبح، أو وهو واضع يده على الإنجيل، أو في مناسبات روحية.. ويخجل أيضا في اعترافاته، كلما يذكر بشاعة خطاياه. نفسه تصغر في عينيه. ويشعر باحتقار لهذه النفس في حالة سقوطها وضعفها، وكأنه يريد أن يتبرأ من ماضيه كله. ويخزى من نسبة هذا الماضي إليه.. ومع هذا كله، فالخزي من الخطية علامة صحية. إنها تدل على أن الإنسان رافض لها ومُشمئز منها. وهذه علامة على نقاوة القلب، وتختلف عن حالة السقوط التي كان فيها قابلا للخطية أو راضيا عنها أو ملتذا بها.وإن بقى معه هذا الخزي من الخطية، فإنه يساعده على عدم السقوط في المستقبل. وهناك أنواع من الناس تحاول الهروب من الخزي والخجل. وذلك بأعمال خاطئة تدفعهم إلى التمادي في الخطية. إذ قد يستغل الشيطان خجلهم من خطاياهم السابقة، ويدفعهم إلى تغيير الوسط الديني الذي يعيشون فيه، والذي يخجلون من مقارنة سقطاتهم بنقاوته، أو يدعوهم إلى تغيير أب الاعتراف، إذ يخجلون من سرد خطاياهم أمامه، أو إلى ترك الاعتراف كله، أو ترك الكنيسة وحياة التدين. أو إنهم يهربون من خجلهم، بالاستغراق في حياة الترفيه واللهو والضحك.. وكل هذه تصرفات يائسة ضد حياة التوبة. لذلك نحن نطوّب التائبين الذين يشعرون بالخزي من خطاياهم. ويرافق هذا الخزي أيضا الندم والدموع ووخز الضمير. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 102 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الندم والألم والدموع الألم بسبب الخطية، علامة من علامات التوبة الحقيقية. وعنه قال داود النبي في المزمور السادس: "لأن عظامي قد اضطربت، ونفسي قد انزعجت جدا" (مز 6). حقا إن السيد المسيح قد تألم عن خطايانا، ولكن يجب أن ندخل معه في "شركة آلامه" (في 3: 10). وألم التائب بسبب الخطية، يتوازن مع لذته السابقة بها. هذه اللذة التي حصل عليها قبلا، يردها في التوبة أربعة أضعاف، بتحمل آلام وخز الضمير وتبكيته. بل إن عبارة "البكاء وصرير الأسنان" يقاسيها حرفيًا في توبته بمقياس ما، في جحيم يجوزه هنا على الأرض، كالمحرقة التي تجتاز النار إرضاء لقلب الله (لا 1). وقد يُبَكِّتْ نفسه تبكيتا شديدا، ويؤدبها ويعاقبها بعنف. بل قد يطلب من أب الاعتراف عقوبات روحية، لعل ضميره يستريح ولو قليلا. فبالعقوبات يعلن احتجاجه على خطاياه. ![]() الذي يتوب حاملا عاره، يقبل نوعين من العقوبة. النوع الأول هو العقوبات التي يفرضها على نفسه، سواء بالتوبيخ المر، أو بحرمان من أشياء تحبها نفسه، لتزهد هذا العالم الذي أحبته قبلا. والنوع الثاني هو كل عقوبات تأتيه من الخارج، سواء من الله أو من الناس. فيقبل كل تلك العقوبات برضى، وبغير تذمر ولا شكوى، وهو مقتنع بها وشاعر أنها أقل مما يستحق. حتى العقوبات التي تصيبه ظلما، يقبلها أيضا برضى. مثلما حدث للقديس مار افرام السرياني الذي سُجِنَ مرة ظُلما، فقَبِلَ هذا وقال إنه يستحقه عن خطية قديمة لا علاقة لها بهذا الموضوع. ومثلما قَبِلَ داود النبي تعيير وشتائم شمعي بن جيرا (2 صم 16: 5-10). ومثلما قَبِلَ القديس موسى الأسود طرده يوم سيامته قسا وقال لنفسه "حسنا فعلوا بك يا أسود اللون يا رمادي الجلد..". الذين لا يحتملون الأدب ولا العقوبة، هم بعيدون عن التوبة. لأن التائب الحقيقي يشعر باستحقاقه لكل ما يأتي عليه. ولا يرفض مطلقا ما تجلبه الخطية من مرارة، بل يقبلها بشكر، حاملا عاره. والألم نتيجة واضحة للخطية، كما حدث لآدم وحواء (تك 3: 16، 17).لا يجوز الهروب منها. وكلما استمرت العقوبة فترة أطول، يتنقى القلب بالأكثر. مثل الغسيل الذي يستمر في الغَلْي فترة طويلة، يُصبح أكثر نظافة. ومثل الذهب الذي يبقى في النار فترة مناسبة، يتنقى من الشوائب. وعلى عكس هذا فإن الذي ينال المغفرة بسهولة، هاربا مما تجلبه الخطية من ألم.. هذا ما أسهل أن يرجع إلى الخطية مرة أخرى، إذ لا يشعر ببشاعة نتائج الخطية..!. لا تَقُلْ: الرب حمل عني كل الآلام، وأنا أستريح! لا تنظر إلى آلام المسيح بهذه اللامبالاة، مُفكرا في ذاتك وحدك. وتذكر أن الذين تناولوا الفصح، إنما أكلوه على أعشاب مُرّة (خر 12: 8). فما مركز الأعشاب المُرّة في حياتك؟ وما مدى دخولك في شركة آلام المسيح؟ إن رأيت المسيح يحمل الصليب فداء لخطاياك، اجر وراءه وقُل له: "أعطني أن أحمله معك كالقيرواني" (لو 23: 26). أو قُل له في ألم: "أنا يا رب صليبك، حملتني هذا الزمان الطويل كله. أنا يا رب الأشواك التي وضعوها حول رأسك. أنا المسامير التي ثقبوا بها يديك وقدميك. ليتني اُصلَب معك مثل اللص اليمين. أو ليتني أقول مع بولس الرسول "مع المسيح صُلِبت.." (غل 2: 20). ولا تدع آلام المسيح عنك تدعوك إلى الاستهتار وأنت تنظر إلى خطاياك بغير ألم. وإن كان يجب علينا أن نخرج مع الرب خارج المحلة حاملين عاره (عب 13: 13)، فعلى الأقل: لنحمل عار أنفسنا، في مذلة وفي دموع. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 103 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الدموع الدموع أنواع كثيرة. ولكننا هنا نتكلم عن نوع واحد منها، وهى دموع التوبة، التي يبكي بها الإنسان على خطاياه. لا تظنوا أن البكاء على الخطايا، هي درجة للمبتدئين. فكثير من القديسين الكبار كانوا يبكون على خطاياهم. بل كان هذا هو منهج روحي معروف لآباء البرية.. ولعل أبرز الأمثلة للبكاء على الخطية، داود النبي. هذا الذي قال "في كل ليلة أعوم سريري، وبدموعي أبِّل فراشي" (مز 6: 6). كم كانت كمية بكاء هذا النبي التائب، الذي كان يعوم سريره بدموعه؟ فهل كان يبكي على خطاياه، حينما يعود إلى بيته فقط في نهاية كل يوم عند المساء؟ كلا، فهو يقول "صارت دموعي لي خبزا نهارا وليلا" (مز 42: 3). حتى أثناء أكله وشربه، يقول "أكلت الرماد مثل الخبز، ومزجت شرابي بالدموع" (مز 102: 9). أي أنه فيما هو يشرب، تتساقط دموعه في كوب شرابه، فيَمْزِج شرابه بالدموع. وكانت دموعه غزيرة، على الرغم من العظمة المحيطة به. إذ كان مَلِكَا، وقائدا للجيش، وقاضيا للشعب، ورب أسرة كبيرة. ومع ذلك، فهو لا يهتم بكل هذه العظمة وهذا الترف حتى يقول للرب "أنصِت إلى دموعي" (مز 39: 12). ويقول له "اجعل دموعي في زق عندك" (مز 56: 8). ![]() ولعل إنسان يسأل: لماذا أبكي وخطيتي قد غفرت؟ فنقول له: إن داود بكى على خطيته بعد أن غُفرت، وليس قبل ذلك. فقبل المغفرة ما كان يحس بخطورة سقطته وبشاعتها، إلى أن نبهه ناثان النبي إلى ذلك، فاعترف بخطيته، وغفر له الله على لسان ناثان النبي الذي قال له "الرب قد نقل عنك خطيئتك. لا تموت" (2 صم 12: 13). وبعد ذلك بكىداود كل ذلك البكاء.. فلماذا بكى؟ هل كان ذلك خوفا من عقوبة أو طلبا لمغفرة؟ كلا. إن العبد يبكي خوفا من العقوبة. أما الابن فيبكي من حساسية قلبه تجاه أبيه. فمن مِنّا بكى مثل بكاء داود؟ من مِنّا عَوّم سريره بدموعه ليلة واحدة، وليس في كل ليلة مثله؟ لقد ظل داود يبكي على خطيته طول حياته. ولم يسترح من بكائه إلا عند موته. فحينما اقترب من الموت قال: "ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك فإن الرب قد أحسن إليَّ. وأنقذ نفسي من الموت، وعينيّ من الدموع" (مز 114). أنقذه من الموت الأبدي بقبول توبته.وأنقذ عينيه من الدموع، لأنه نقله إلى "الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد". وأنقذه الرب من الدموع هناك، لأنه بكى ههنا بما يكفي. يذكرنا هذا بقصة القديس أرسانيوس الذي بكى كثيرًا. بكى وهو في حالة القداسة، وهو عمود في البرية. بكى حتى تساقطت رموش عينيه من كثرة البكاء. وكان في الصيف يبلل خوصه بالدموع. وكان يضع منشفة على حِجْرَهُ وهو جالس يستقبل فيها الدموع.. وساعة موته بكي كثيرا. فقال له تلاميذه "حتى أنت يا أبانا تخاف من هذه الساعة"؟! فقال لهم: "إن خوف هذه الساعة ملازم لي منذ دخلت إلى الرهبنة".. فإن كان هذا القديس يبكي، على الرغم من فضائله الكثيرة، وعلى الرغم من تواضعه ومن حكمته وصمته، وسهره طول الليل في الصلاة، وعلى الرغم من أن البابا كان يطلب زيارته ملتمسا منه كلمة منفعة.. فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟! لذلك حينما سمع القديس الأنبا بيمن عن نياحة القديس أرسانيوس قال: "طوباك يا أبانا أرسانيوس لأنك بكيت على نفسك في هذا العالم". وتابع عبارته قائلًا: "لأن الذي لا يبكي على نفسه في هذا العالم، لابد سيبكي إلى الأبد في العالم الآخر. أما بُكاؤه ههنا فباختياره. ولكن هناك بسبب العذابات التي سينالها. ومن المستحيل على إنسان أن يفلت من البكاء هنا وهناك".. وكان هذا البكاء هو نصيحة القديس مكاريوس قبل وفاته. قال القديس بِلاديوس: سمعت أن الشيوخ الذين في نتريا، أرسلوا إلى أبا مقاريوس الكبير الذي كان يسكن في الإسقيط، وتوسلوا إليه قائلين: "نرجوك يا أبانا أن تأتي إلينا حتى نراك قبل أن ترحل إلى الرب، لكيما لا ينتقل كل الناس إليك". ولما ذهب إليهم تجمعوا كلهم معا إليه. وطلب إليه الشيوخ متوسلين أن يقول للأخوة كلمة منفعة. فبكى الرجل القديس وقال لهم: "فلنَبْكِ يا إخوتي، ولتَفِضْ عيوننا بالدموع، قبل أن نذهب إلى المكان الذي تَحْرِقْ فيه دموعنا أجسادنا". فبكوا كلهم، وسقطوا على وجوههم قائلين: "صَلِّ عنا أيها الأب". ماذا فعل القديسون من خطايا، حتى بكوا هكذا؟!.. وحتى كانت النصيحة المألوفة التي يقولها كل شيخ لمن يأتي طالبا إرشاده: "اجلس في قلايتك، وابكِ على خطاياك".. إن كان هذا هو منهج القديسين، فكم بالأولى نفعل نحن، ولنا خطايا لا تحصى.. انظروا أيضا إلى بكاء رجل شيخ مثل بطرس الرسول، هذا الذي لما أحس بنكرانه للرب: "خرج وبكى بكاء مُرًا" (متى 26: 75). إن بكاء الشيوخ أكثر تأثيرا في النفس من بكاء الصغار والأحداث. ومن الذين اشتهروا بالبكاء أيضا، القديس ايسيذوروس. إنه قس القلالي العظيم، الذي كان تحت إرشاده الروحي حوالي ثلاثة آلاف راهبا. وكان هو أب اعتراف القديس موسى الأسود. وكان رجل رؤى وعجائب، وكان الشياطين يخافونه ويهابونه جدا ويهربون منه.. ومع ذلك كان هذا القديس يبكي بدموع غزيرة، ويَجْهَشْ بالبكاء بصوت عالٍ. لدرجة أن تلميذه الذي يسكن إلى جواره سمعه مَرَة يبكي، فدخل إليه وسأله: "لماذا تبكي يا أبي؟" فأجابه: "أنا يا ابني أبكي على خطاياي". فقال التلميذ: "حتى أنت يا أبانا، لك خطايا تبكي عليها؟!" فأجابه القديس: "صدقني يا ابني، لو أن الله كشف لي كل خطاياي، ما كان يكفي ثلاثة أو أربعة يبكون معي عليها..!". إنها حساسية في القلب المرهف، والضمير الدقيق. يبكي لأنه أغضب الله المُحِب، ولأنه نزل عن المستوى الروحي اللائق به كصورة الله، ولأنه سقط وما كان ينبغي أن يسقط. ويبكي خجلا من حاله. ومهما غُفِرَت الخطية، هذا لا يمنع أنها حدثت.. لقد غفر الله نكران بطرس، ولكن التاريخ لا يزال يتحدث عن ذلك النكران. وغفر الله لراحاب، ومع ذلك فالكتاب المقدس يتحدث عنها بلقب "راحاب الزانية" (عب 11: 31). |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 104 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الانسحاق والاتضاع التائب الحقيقي يعيش بنفس منسحقة، يعصره الخجل والندم، ويشعر بمذلة الخطية. ويسلك بهذه المذلة داخل نفسه، وأمام الله. ويظهر ذلك في معاملاته للناس. وهو في انسحاقه يبكت ذاته باستمرار على ما اقترفته. يبكتها على أيام حياته التي ضاعت بلا ثمر، ويبكتها على ضعفها وسقوطها وخيانتها للرب. ويقول لها "كثيرون غيرى سبقونى من زمان، ووصلوا إلى علاقات حب عميقة مع الله.. وأنا ما زلت أجاهد لأتوب..! فإلى متى هذا التواني والكسل"؟! ينوح هذا التائب على ذاته التي سقطت، متذكرًا قول مار اسحق "التائب الذي لا ينوح في كل يوم بسبب خطاياه، فليعرف أنَّه أضاع ذلك اليوم، ولو صنع فيه كل خير".. ![]() وتبكيته لذاته، يجعلها تتضع، مهما تغيرت حياتها في التوبة. ومهما فعلت في توبتها من حسنات، فإنَّها لا ترتفع، لأنَّ خطيتها أمامها في كل حين. والإنسان يُذكِّر نفسه بسقطاتها حتى لا ترتفع، وحتى لا تدفعها ثمار التوبة إلى أفكار المجد الباطل. وكما قال مار اسحق أيضًا "إذا حوربت بأفكار المجد الباطل فلا تقبلها. إنما ذكِّر مريم بزناها، وإسرائيل بانغلابه".. وبلومك لنفسك ومعرفتك لضعفك، تقتنى اتضاع الفكر. والتائب المتضع يرى أنَّه مستحق لكل حزن يصيبه. لذلك فإنَّه يقبل كل ما يأتي عليه في هدوء ورضى، وبغير تذمر ولا تعب ولا شكوى، شاعرًا في أعماقه أنَّه يستحق أكثر من هذا بكثير. بل يرتل مع داود قائلًا "خير لي يا رب أنَّك أذللتني، حتى أتعلم حقوقك" (مز 119). وكلما طالت فترة انسحاق التائب، تزداد توبته عمقًا. لأنَّه يدرك مذلة الخطية، وبشاعتها، ونتائجها داخل نفسه. كما يدرك أيضًا ضعفه، فيتعوَّد في حياته الاحتراس والتدقيق. ومسكين هو الإنسان الذي في التوبة، يرى أنَّ حياته قد تغيرت، فيظن أنَّه لم يعد في حاجة إلى جهاد وإلى احتراس، ناسيًا ضعفه السابق..! خطورة على التائب، أنْ يترك الانسحاق بسرعة إلى الفرح. فالخطية التي لم تأخذ في التوبة حظها من الانسحاق والمذلة، ما أسهل أنْ يعود الإنسان إليها، لأنَّ خطورتها وبشاعتها لم تنغرس طويلًا في أعماقه. إنَّ داود لم يسرع في توبته إلى الفرح، بل بقى منسحقًا تشهد مزاميره على انسحاقه. ومريم القبطية استمرت سنوات طويلة في انسحاق نفسها. ويعقوب المجاهد استمر حوالي 18 سنة يبكى على خطاياه.. وفى حياة التوبة، ما أخطر الذين ينتقلون بسرعة من الخطية إلى الخدمة، أو إلى اشتهاء المواهب. وقد يقف إنسان حديث التوبة على منبر الكنيسة، ليحكى خبراته الروحية، فيقول في بساطة "حينما كنت خاطئًا "أو "حينما كنت أعيش في الخطية"..كما لو كان حاليًا لا علاقة له بالخطية، التي هي من أخبار الماضي وحده..! وتسأل مثل هذا الإنسان "والآن، ألا تخطئ؟ "فيقول لك "الآن نشكر المسيح "يقصد أنَّه يشكره على البر الذي يعيش فيه.. بل قد يتحدث بكل جرأة عن النور الذي يضئ في قلبه حاليًا، والحب الذي يملأ قلبه من نحو الله.. ما أخطر عبارة "حينما كنت خاطئًا".. إنَّها خالية من الاتضاع. بل تدل على عدم معرفة حقيقية للنفس. وهى لا تتفق مع توبة العشار وصلاته في الهيكل، ولا مع قول بولس الرسول "الخطاة الذين أولهم أنا". ولا تتفق مع كل قصص التوبة في سير القديسين. أنت يا أخي كنت خاطئًا، وما زلت خاطئًا. والفرق بين حالتك السابقة، وحالتك الآن: أنَّك كنت خاطئًا ومستمرًا في الخطية، وربما ما كنت تدرى بنفسك. أمَّا الآن فأنت خاطئ، وتشعر أنَّك خاطئ، وتجاهد بنعمة الرب معك أنْ تتوب. والتوبة قد تستمر معك طول الحياة، إلى أنْ تصل إلى النقاوةإنَّ الذي لا يشعر أنَّه خاطئ، إنَّما يرتكب بهذا خطية أكبر. لأنَّه لا يوجد أحد بلا خطية، ولو كانت حياته يومًا واحدًا. كلنا نخطئ، في كل يوم. وكلنا نقف في كل ساعة أمام الله كخطاة. وفى الصلاة الربية التي نصليها باستمرار، نقول "اغفر لنا خطايانا..". ونردد هذا في باقي صلواتنا. حتى لو كنت صديقًا، هوذا الكتاب يقول "الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ" (أم 16:24). ربما أنت الآن تائب. ولكنك لست معصومًا. ولن تصل إلى نقاوة القلب إلاَّ بانسحاق النفس. والذى لا يقتنى الانسحاق، ليس هو تائبًا بالحقيقة. إنَّه لا شك لا يعرف نفسه. وهو إنَّما يبنى على أساس خاطئ يقوده إلى العجرفة. ما أجمل تلك المديحة التي نقول فيها للرب "الخطية دي طبعي. وأنت طبعك الغفران". اقرأ عن القديسين الذين تابوا، واحتفظوا بمسكنة قلوبهم. بل احتفظوا أيضًا بمذلة نفوسهم. وإنْ جاءهم فكر إنَّهم تابوا، كانوا يرجعون الفضل إلى الله "الْمُقِيمِ الْمَسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ الرَّافِعِ الْبَائِسَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ" (مز 113). ويصرون على اعتبار أنفسهم خطاة طول أيام حياتهم. مثل القديس العظيم الأنبا شيشوي الذي شاهدوه في ساعة موته يطلب فرصة لكي يتوب. لذلك مهما نموت في النعمة، الأفضل لك أنْ تقول: أريد أنْ أبقى في مشاعر التوبة طول عمري. عش في انسحاق القلب، لأنَّه "قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِن منسحقي القلب" (مز 34). وإنْ حاربك الشيطان أنْ تصعد إلى الدرجات العليا، وأنْ تجلس في السماويات، وأنْ تحصل على المواهب.. فقل: أنا لم أصل بعد إلى شيء من هذا. كل ما أعرفه عن نفسي أنَّني خاطئ يريد أنْ يتوب. وإنْ دخلت في الخدمة، لا تجعلها تنسيك خطيتك. ولا تجعل نجاحك في أي عمل روحي، ينسيك دموعك وانسحاقك. بل على العكس وبخ نفسك وقل: مَنْ أنا حتى أخدم. أنا لم أصل إلى روحيات الخادم، مهما كانت لي من معلومات.. والمعلومات ليست هي التي تخلص النفس.. إنَّ بولس الرسول ظل منسحقًا حتى بعد الرسولية. ظلت خطيته أمامه، حتى بعد الرؤى والاستعلانات والعجائب، وحتى بعد أنْ صعد إلى السماء الثالثة، وبعد أنْ تعب أكثر من جميع الرسل (1كو 10:15). ففي حديثه عن ظهور الرب لتلاميذه بعد القيامة، يقول "وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا. لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا لأَنْ أُدْعَى رَسُولًا لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ" (1كو 9،8:15). ثم يقول في رسالته الأولى إلى تلميذه تيموثاوس "أنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إيمَانٍ" (1تى 13:1). ولعلنا نقول له: لست أنت أيها القديس العظيم بولس الرسول، إنَّه شاول الطرسوسي. أمَّا أنت فشخص جديد في المسيح يسوع، كارزًا ومبشرًا ورسولًا وبانيًا للملكوت. ولكن هذا القديس يظل في انسحاقه ويقول "أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا لأَنْ أُدْعَى رَسُولًا..". خطيته القديمة انتهت من جهة العقوبة، وليس من الذاكرة. ما زالت في ذاكرته، تمنحه الانسحاق، والشعور بعدم الاستحقاق. وعلى الرغم من السنوات الطويلة في الخدمة، يحيا فيها كمبتدئ، كأصغر الرسل، كأول الخطاة.. عِش أنت أيضًا كمبتدئ، كل أيام حياتك. وكأنَّك لا تزال طفلًا في حياة الروح. ويكفيك أنَّ "الرب يحفظ الأطفال" (مز 115). ولا تظن مطلقًا أنَّك وصلت إلى هدفك الروحي. فبولس الرسول العظيميقول "لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ.. وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ.. لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ" (فى 13،12:3). بل إنَّ القديس العظيم الأنبا أرسانيوس كان يصلى قائلًا "هبني يا رب أن أبدأ".. كأنَّه لم يبدأ بعد..! الانسحاق علامة من علامات التوبة، ومن علاماتها أيضًا: إصلاح نتائج الخطأ. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 105 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() إصلاح نتائج الخطأ لا يكفى مطلقًا أنْ تترك الخطية وتتوب عنها، وتعترف بها وتنال الحل.. إنَّما يجب أنْ تصلح نتائج خطيتك على قدر ما تستطيع.. وسنضرب لذلك بعض أمثلة: لنفرض أنَّ إنسانًا سرق، هل يكفى أنْ يعترف بالسرقة؟ هل اعترافه يكفى للمغفرة، بينما لا يزال يوجد عنده مال حرام حصل عليه بالسرقة؟ كلا. بل على قدر طاقته يُعيد الشيء المسروق إلى أصحابه، إنْ كان بإمكانه أنْ يفعل هذا، ولو بطريقة غير مكشوفة.. وإنْ كان قد ظلم أحدًا، يحاول معالجة هذا الظلم. ![]() وهوذا أمامنا مثل واضح لتعليمنا هو زكا رئيس العشارين. هذا لما تاب، قال للرب علانية "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ" (لو 8:19). فإنْ كنت لا تستطيع أنْ تفعل مثل زكا وترد أربعة أضعاف، فعلى الأقل ردّ المسروق نفسه، أو ردّ الظلم وعالجه، بدون أضعاف.. إنَّك تشعر بجمال التوبة، إنْ كنت فيها ترد الحق لأصحابه. ألعلك تشعر بخجل في ذلك، إذ تعترف عمليًا أنَّك ظلمت وسرقت. هذا خير لك، لأنَّ مثل هذا الخجل يكون كحصن لك يمنعك من ارتكاب هذه الخطية مرة أخرى.كما أنَّك في داخلك، ستشعر بأنَّ توبتك مبنية على قيم لها احترامها، فيفرح قلبك ويتعزى.. كذلك إنْ كنت قد شهَّرت بأحد، وأسأت إلى سمعته. أليس من حقه في توبتك أنْ تردّ إليه اعتباره، ما دمت قد ظلمته وأسأت إليه، وبخاصة مَنْ يشيع على أحد كلام كذب تكون له نتائج سيئة في حياته.. فماذا إنْ كان إصلاح نتائج الخطية غير ممكن؟ إنْ كان بالحق غير ممكن، فعلى الأقل تنسحق نفسك لهذا السبب، أنَّك ارتكبت خطايا من الصعب علاجها..! علامة أخرى من علامات التوبة وهى: الإشفاق على المخطئين. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 106 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الإشفاق على المخطئين قال مار اسحق "الذي ينوح على نفسه، ليس يعرف سقطات غيره، ولا يلوم أحدًا على إساءة". إنْ تاب إنسان، ففي شعوره بالانسحاق وعدم الاستحقاق، لا يفكر مطلقًا في خطايا غيره، ولا يدين أحدًا، إذ هو نفسه واقع تحت الدينونة بسبب خطاياه. وكما قال السيد للذين أرادوا رجم المرأة الخاطئة "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ" (يو 7:8). ![]() حقًا إنَّ المشغول بإخراج الخشبة التي في عينه، لا يستطيع أنْ يدين القذى الذي في عين أخيه (متى 5:7). وكلما يأتيه فكر إدانة لأحد، يقول لنفسه: أنا سقطت في كذا وكذا. وهذا الإنسان أبرّ منى، لأنَّ خطاياي أكثر منه بكثير.. إنَّ الانسحاق ينزع من قلب التائب كل قسوة، ويعطيه رحمة على كل أحد مهما أخطأ.. وتذكره لخطاياه يجعله يشفق على المخطئين ولا يدينهم، بل يبكى لأجلهم كما كان يفعل القديس يوحنا القصير في اتضاع قلبه. إذ كان حينما يرى أحدًا في خطية يبكى ويقول: إنْ كان الشيطان قد أسقط أخي اليوم، فقد يسقطني غدًا. وقد يفسح الرب لأخي فيتوب. وربما أسقط أنا ولا أتوب.. (ويبكى). ما أروع الكلمات التي قالها في ذلك بولس الرسول: "اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ.." (عب 3:13). "وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ". إنَّ الذي لم يخطئ، قد يدين الخطاة بنزعة من الكبرياء. أمَّا الذي أخطأ، وجرب ضعف الطبيعة البشرية، فإنَّه يشفق عليهم. ولنا مثال واضح في سيرة القديس موسى الأسود. هذا الذي لما دُعي إلى مجمع رهباني لإدانة أخ أخطأ، ذهب إلى هناك وهو يحمل خلفه زنبيلًا مثقوبًا مملوءًا بالرمل. فلما سألوه عن هذا، أجاب: هذه خطاياي وراء ظهري تجرى وأنا لا أبصرها. وقد جئت إلى ههنا لأدين أخي.. التائب لا يذكر خطايا غيره، حتى لو كانت ضده. ذكر القديس الأب أموس أنَّه من علامات التوبة "الصفح عن خطايا القريب، وترك دينونة الآخرين، وتمسكن القلب". ويقول مار اسحق "إنَّ التائب يكون له صبر كامل على الإهانة والملامة". ويقول القديس العظيم الأنبا أنطونيوس "إذا لامك أحد من الخارج، عليك أن تلوم نفسك من الداخل. فيكون هناك توازن بين خارجك وداخلك".. التائب يغفر لغيره، كما غفر الرب له. أو كي يغفر الرب له، حسب قوله الإلهي "اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ" (لو 37:6).ولما علمنا الرب الصلاة الربية، لم يُعلق إلاَّ على طلبة واحدة منها وهى الخاصة بطلب المغفرة، فقال "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَّتِكُمْ" (متى 15،14:6). ولتكن هذه المغفرة في حب، تتفق مع وصية "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ" (لو 27:6). وتتفق مع حياة الاتضاع اللائقة التوبة. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 107 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مشاعر أخرى تصاحب التوبة ![]() الإنسان التائب الباكي على خطاياه، يكون دائمًا وديعًا هادئًا، لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (أش 3،2:42). والتائب يشعر برغبة في الصمت، إذ يرى أنَّه ليس أهلًا للكلام، وإنَّه من الخير له أنْ يسمع. فالاستماع أفضل من التكلم. وهكذا فإنَّ التائب يبعد عن التعليم، متذكرًا قول يعقوب الرسول "لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!. لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا" (يع 2،1:3). ويقول لنفسه: مَنْ أنا حتى أُعلم غيري. التعليم درجة فوق مستواي.. ما هي خبراتي الروحية، حتى أُعلم الآخرين أيضًا؟! التائب يشعر أنَّ آفاقًا روحية، قد فتحها الله أمامه، وأنَّه بدأ يدخل في مذاقة الملكوت، لذلك غالبًا ما نرى التائبين يتصفون بالحرارة الروحية. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 108 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الحرارة الروحية إنَّ التوبة حرارة تسرى في الإنسان، تشعله بالرغبة في تغيير حياته إلى أفضل. وصدق الشيخ الروحاني في قوله عن التوبة "كل مَنْ وُلد منها، أنبتت له أجنحة من نار، ومع الروحانيين يطير إلى العلاء".. والتوبة تلد داخل القلب محبة جبارة نحو الله. لأنَّنا كلما تأملنا في الحمل الثقيل الذي رفعه عنا، وحمله عنا. وكلما نتأمل في بشاعة الخطايا الكثيرة والمريرة التي غفرها لنا.. حينئذ تزداد محبتنا له بالأكثر. مثل تلك المرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها، وقال عنها إنَّها أحبت كثيرًا، لأنَّه غفر لها الكثير (لو 7). إنَّ الخطاة الذين يشعرون بثقل خطاياهم ومغفرة الرب لها، هم الذين يحبون الله بالأكثر، وهم الذين يفهمون عمق الصليب وعمق الفداء. ![]() وفى هذا الحب يكون مستعدًا لبذل نفسه من أجل الله. تملكه حرارة عجيبة، تدفعه إلى قدام بشدة.. هذا الدفع الذي حوّل كثيرين من الخطاة إلى قديسين، مثل بيلاجية ومريم القبطية وأوغسطينوس. هؤلاء هم الذين تابوا، وشعروا بلذة هذه الحياة، ونموا فيها. مشكلة كثيرين إنَّهم يفقدون حرارة التوبة التي بدأوا بها. الحرارة التي كانت تشعل قلبهم بالحب، والتي تدفعهم إلى تعويض كل ما سبق من ضياع في حياتهم.. هذه الحرارة، إنْ لم يحتفظ بها التائب، ويشعلها باستمرار، ما أسهل أنْ يفقدها، ويتطور إلى الفتور، وربما تبرد مشاعره بعد أنْ ينسى خطاياه ويبعد عنها بعض الوقت..! التائب يشعر أنَّ عينه قد تفتحت على حياة جديدة. كأنَّ باب الفردوس قد فتح أمامه، ورأى هناك ما لم يره من قبل.. وهذه الحياة الجديدة تجذبه إليها بشدة، حتى أنَّ بعض آباء الاعتراف يخافون على أبنائهم المعترفين من تطرف الاندفاع في تلك الفترة. وما أكثر الذين ينذرون أنفسهم لله في حرارة توبتهم. مثل القديسة بيلاجية والقديسة مريم القبطية، وآخرين. لأنَّ هؤلاء في توبتهم وندمهم على خطيتهم شعروا بزهد في العالم كله، ولم يعد فيه شيء يغريهم بعد أنْ ذاقوا محبة الله. وفى الحرارة الروحية التي تصاحب التوبة: يشعر التائب بقوة فيه، ما كانت عنده قبلًا. كان في خطيته ضعيفًا أمام الشيطان وحروبه، أمَّا في توبته فإن روح الله يعطيه نعمة خاصة، وقوة على حياة التوبة.يُذكرنا بالمريض الذي من ضعفه نقلوا له دمًا، فتقوى بهذا الدم الجديد. أو أنَّ الله أعطى هؤلاء التائبين قلوبًا جديدة، يجرى منها دم جديد قوى، مشبع بمحبة الله. فتنطبق عليهم نبوءة أشعياء: "يُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ.." (أش 31:40). "يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ" وقوله أيضًا "يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً" (أش 29:40). أتراك يا أخي لمست هذه القوة في توبتك، وشعرت كيف أنَّ يمين الرب قد انتشلتك إلى حياة النور، وأنَّ الله "يجدد مثل النسر شبابك" (مز 5:103). فتغنى مع داود قائلًا "يمين الرب صنعت قوة، يمين الرب رفعتني. يمين الرب صنعت قوة، فلن أموت بعد بل أحيا" (مز 118). وبهذه القوة تحيا حياة فاضلة. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 109 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() السير في الحياة الفاضلة ![]() لا توجد توبة بدون تغيير في الحياة. فالتوبة ليست مجرد اعتراف وتناول، إنَّما هى ترك للخطية للسير إيجابيًا في حياة البر. وبهذا ينال التائب المغفرة، حسب قول القديس يوحنا الرسول: "إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ" (1يو 7:1). إذن سلوكنا في النور شرط أساسي لتطهيرنا من الخطية. هو إذن من علامات التوبة. ويعبر القديس بولس الرسول عن هذا السلوك، الذي يُطهر من الخطية، ويرفع الدينونة، فيقول إنه "لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ" (رو 1:8). إذن من شروط هذه الحياة الجديدة، أنْ تسلك في النور، وأنْ تسلك حسب الروح. أو كما قال القديس بولس "أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا" (أف 1:4). وقال "لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ.. مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ" (كو 10:1). "اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ، اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ" (أف 8،2:5). إذن التوبة ليست مجرد ارتماء عند قدمي المسيح، كما يقول البعض.. إنَّما هي تتميز بسلوك روحي خاص، ويحفظ وصايا الرب. قال القديس يوحنا الرسول "مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ، يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هَكَذَا يَسْلُكُ" (1يو 6:2). |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 110 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() النقاوة ![]() إنَّها العنصر الإيجابي في حياة التوبة، ثمر تغيير الحياة. فيها تختفي شهوة العالم والجسد والخطية، وتصبح شهوة القلب مقدسة في حياة البر ومحبة الله. ولا يعود التائب ينفعل مرة أخرى بمحبة الخطية. ومن علامات النقاوة أنَّ الإنسان يعمل الفضيلة بدون جهاد، بدون تعب، بدون صراع. لأنَّه لا يوجد داخله ما يقاومها. إنْ كنت تجد صراعًا في داخلك بين الخير والشر، فأنت لم تصل إلى النقاوة بعد، ولكنك تجاهد لكي تصل. وإنْ كنت تتعب من أجل الوصول إلى حياة البر، فأنت ما تزال في فضيلة الجهاد، ولم تصل إلى النقاوة بعد. بالنقاوة يملك السلام على قلبك، ويبطل الصراع بانتصار الخير. بالنقاوة تصبح راحتك في الله، وشهوتك في الله، وسعادتك فيه. وتشمل النقاوة كل حياتك: ألفاظك، حواسك، جسدك، قلبك، أفكارك.. وتصير مسكنًا للروح القدس، تظهر منه ثمار الروح.. إنَّ موضوع النقاوة موضوع طويل، نظلمه إنْ جعلناه مجرد فصل من هذا الباب، كعلامة من علامات التوبة. لذلك أستأذنك في أنْ نفرد له بابًا خاصًا. نحدثك فيه عن النقاوة، وكيف تكون، وكيف تُختبر؟ وما هي عناصرها؟ وإلى أيّ حد تصل النقاوة على الأرض؟ وما هي النقاوة التي ننالها في الأبدية؟ |
||||
![]() |
![]() |
|