الكآبة المرضية
إن حرب الكآبة حرب معروفة، ومشهورة، على أننا نريد أن ننتقل إلى النوع الرابع منها وهو الكآبة المرضية.
كما أن الشك المسبب للكآبة، إذ تطور قد يتحول إلى مرض، كذلك الكآبة قد تتحول إلى مرض.
إذ تضغط الأفكار فيها على الإنسان حتى تحطم كل معنوياته، وتزيل منه كل بشاشة.
فكر الكآبة يلصق بالمريض ولا يفارقه.. يكون معه في جلوسه وفي مشيه في نومه وفي صحوه، بأفكار سوداء كلها حزن وقلق وخوف، وصر كئيبة أمامه، بلا حل ولا رجاء.
كآبة تضيع حياته، وروحياته، ونفسيته وعقله، باقتناع داخله أنه قد ضاع وانتهي..
1 - كإنسان يظن مثلًا أن خطيته لن تغفر وأنه وقع في التجديف على الروح القدس (مت12: 31).
وربما يكون الشيطان هو الذي ألقي في ذهنه هذا الفكر، حتى يوقعه في الكآبة، ثم في اليأس، على اعتبار أنه قد فقد أبديته، وأنه لا سبيل إلى الخلاص حسب تعليم الكتاب.
أو قد يوصله إلى نفس الفكر ونفس الكآبة بأن يذكره بما قيل عن عيسو أنه:
"لم يجد للتوبة مكانًا، مع أنه طلبها بدموع" (عب12: 17).
ويخفي عنه كل الآيات الخاطئة بقبول الله للخطاة مثل قوله: "من يقبل إلى لا أخرجه خارجًا" (يو6: 37). ومثل قول الرسول إن: "الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون " (1تى2: 4). أو يضع أمامه تلك الآية:
"وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها: ولم تتب" (رؤ2: 21). ويشعره الشيطان بأن التوبة لها زمان محدد، وأن زمانه قد فات.
وهكذا يقطع رجاءه من الخلاص، حسبما قال داود في المزمور: "كثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهة" (مز3). يضع أمامه ما ورد في (عب6: 4-8) ويدقق على عبارة: "لا يمكن تجديدهم للتوبة".
وهذه هي طريقة الشيطان، قطع الرجاء، ليوقع في الكآبة واليأس.
وطبعًا كل الآيات السابقة لها تفسير ومثل هذا الإنسان يحتاج إلى من يفهمه معني الكلمات، ويكلمه عن محبة الله التي لا حدود لها، وإنه قبل اللص في آخر حياته دون أن يحدد له زمانًا..
وكآبة اليائس ليست هي كآبة الوجه التي يصلح بها القلب (جا7: 3).
2 - وقد يكون سبب الكآبة المرضية هو عقدة الذنب.
كأن يموت له أب أو ابن، فيشعر أنه السبب في موته، ويظل هذا الأمر يتعبه، ويجلب له حزنًا لا ينقطع.
ويظل يقول: ربما أكون قد قصرت في حقه، ولولا تقصيري ما مات. ويظل الشيطان يذكره بمناسبات للتقصير وإن قال له أحد إنك لم تقصر، وجلبت له الأطباء والدواء، يقول في كآبته المرضية، ربما لو أحضرت له طبيبًا أكثر شهرة، ما مات.. ربما لو سافر إلى الخارج.. وهكذا تطوف به الأفكار وكلها كآبة.
3 - وربما سبب الكآبة هو مرض له، يظن أنه بلا شفاء..
أو يتوقع له نتائج خطيرة يصورها له الوهم بأسلوب يتعب نفسيته..
وما أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الكآبة المرضية، والتي تصيب الإنسان بحزن لا يتخلص منه، ولا يعطي نفسه فرصة للشفاء منه.