19 - 11 - 2012, 08:42 PM | رقم المشاركة : ( 101 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الشهيد بطرس البوهي نشأة الأنبا إبشاي البوهي ولد من أبوين مسيحيين تقيين بفاو هما ثيؤبسطس وزوجته خاريس، لم ينجبا لمدة سبع عشر سنة فكانا مُرَّي النفس. وإذ كان ثيؤبسطس مداومًا على الصلاة، رأى إنسانًا نورانيًا يبشره بميلاد طفل يُدعى إبشاي، يكون إناءً مختارًا لله ويتأهل لنوال إكليل الاستشهاد، ففرح الوالدان جدًا. في ذلك الوقت أنعم الله على مريم أخت خاريس بولد دُعي بطرس (والده يُدعى سدراك)، توفت والدته وقامت خاريس بتربيته مع ابنها إبشاي الذي كان يصغر بطرس. عماده قيل إنه إذ دخل الوالدان بابنهما إبشاي لينال سرّ المعمودية كان كاهن الكنيسة بفاو رجلاً شيخًا فقد بصيرته وكان مصابًا بمرض شديد؛ حمل الكاهن الطفل، وصلى عليه طويلاً وباركه، ثم أخذ يد الطفل ووضعه على وجهه وعينيه وصدره، فانفتحت عينيْ الكاهن وقام من سرير مرضه في الحال، وبدأ يصلي على جرن المعمودية، ثم تنبأ أن هذا الطفل وقريبه بطرس ينالا إكليل الشهادة، ويحقق الله أعمالاً عجيبة خلالهما. سلم الكاهن ميخائيل الطفل لوالديه بعد أن قبّله، ثم رقد ليسلم روحه في يديْ الله. إذ بلغ ابشاي سبع سنوات أحضر له والداه معلمًا شيخًا فاضلاً من أخميم لتعليمه مع ابن خالته بطرس، فكان يدربهما على قراءة الكتاب المقدس وممارسة العبادة الكنسية. وإذ أظهر الصبيان شوقًا شديدًا للكنيسة سامهما الأسقف شماسين. وهب الله الشماس إبشاي عمل المعجزات وهو بعد صبي صغير. ارتبط الشابان إبشاي وبطرس بصداقة روحية، فكانا يداومان معًا على الصلوات والأصوام، وكانت يد الرب معهما، فصارا موضوع حديث المدينة كلها. إذ بلع إبشاي الثلاثين من عمره تنيح والداه، فحزن عليهما الشابان، وكانا يعزيان نفسيهما بما جاء في الكتب الإلهية عن الميراث الأبدي. اضطهادهما بعد ثلاث سنوات من نياحة الوالدين، أصدر دقلديانوس أمره باضطهاد المسيحيين، وكان أريانا أشر الولاة وأقساهم يعذب المسيحيين من أنصنا حتى أسوان. استدعى أريانا الشماسين إبشاي وبطرس وصار يهددهما ثم أمر باعتقالهما في السجن إذ كان منطلقًا إلى قفط ليعيد بناء هيكلٍ سقط على كهنة وثنيين وقتلهم. تحول السجن إلى كنيسة مقدسة تُرفع فيها الصلوات ويأتي الشعب بالمرضى ليبرأوا كما ظهر لهما رئيس الملائكة جبرائيل يشجعهما على احتمال العذابات. وبعد خمسة شهور في السجن جاء أريانا إلى فاو واستدعاهما، ثم أمر بقتل بطرس بحد السيف وتعليقه على خشبة في موضعٍ عالٍ لتأكله طيور السماء، وبالفعل قُطعت رأسه، لكن إبشاي قدم مالاً لرجل غني ليُنزل الجسد ويحمله إلى المدينة. بقى إبشاي في السجن يمارس عبادته ويشفي المرضى القادمين إليه حتى استدعاه أريانا ثانية، وأمر بربطه بالقيود وحمله إلى السفينة معه بلا طعام ولا شراب متجهًا نحو مصر، هناك عذبه أريانا وألقاه في السجن. وكان في السجن متهللاً فرحًا يخدم المسجونين ويشفي المرضى، أخيرًا أطلقه الوالي. ذهب إبشاي إلى الإسكندرية، وصار يبشر باسم السيد المسيح، ويصنع باسمه عجائب، حتى ألقى والي الإسكندرية القبض عليه وصار يعذبه متهمًا إياه بالسحر. وكان إذ سأله الوالي عن صناعته يجيبه: "أنا رجل تاجر جئت لأبيع دمي وأشتري ملكوت السماوات هذه التي حرمت نفسك من خيراتها أنت وملكك المنافق". احتمل آلامًا كثيرة وكان الرب يرسل ملاكه ليشفيه. قيل إن الوالي نفسه أصيب بمرض واضطر أن يستدعيه من السجن ليشفيه، وبمحبة دون مقابل صلى لأجله وأعطى الرسول زيتًا ليدهن به الوالي فيبرأ ممتنعًا عن ترك اخوته في السجن ليذهب إلى بيت الوالي، مفضلاً البقاء مع المتألمين يشاركهم تسبيحهم لله، هذا وقد شفي أيضًا ابنة تيموثاوس نائب الوالي وأمها. حضر الأمير مكسيميانوس إلى الإسكندرية، وروى له الوالي كل ما حدث مع إبشاي، ومع كراهيتهما الشديدة للمسيحيين لكنهما كانا يدهشان لعمل الله مع الشهداء، وما اتسموا به من حياة مفرحة، وما كان لهم من قوة بالرب لعمل الأشفية. تظاهر مكسيميانوس بالغضب وطلب أن يأخذ إبشاي ومن معه إلى الملك بإنطاكية لقتلهم هناك، وكان في قلبه يود أن يأخذه إلى بيته ليشفي ابنه المريض. حُمل إبشاي ومن معه في السجن إلى إنطاكية، وهناك أخرج الشيطان من ابنه. وقيل أن الخبر انتشر في كل إنطاكية فاغتاظ الملك وهدد الأمير بالقتل كما قُتل الأمراء تادرس المشرقي وأقلوديوس وبقطر وأبالي وتادرس بن واسيليدس ... الخ. هناك استشهد إبشاي بأمر دقلديانوس، بقطع رأسه في 4 بؤونة. |
||||
19 - 11 - 2012, 08:43 PM | رقم المشاركة : ( 102 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
بطرس الثاني البابا الحادي والعشرون سيامته بابا الإسكندرية (21) نشأ بالإسكندرية وتتلمذ على يدي البابا أثناسيوس الرسولي (20)، فتشرب منه الحياة الإيمانية المقدسة والغيرة المتقدة على وديعة الإيمان المستقيم، فأحبه البابا وسامه كاهنًا بالإسكندرية. وعندما طلب القديس باسيليوس من يسنده في مقاومة الأريوسية التي تنكر لاهوت المسيح، أرسله البابا أثناسيوس ومعه من يعاونه، فقاموا برسالتهم بروح الغيرة الحقة وعادوا إلى الإسكندرية. أسند إليه البابا السكرتارية، وكأنه كان يعده كخلفٍ له. وبالفعل إذ اشتد المرض بالبابا وشعر بقرب رحيله أشار لشعبه وكهنته عليه كخلفٍ له. تنيح البابا أثناسيوس، وكان الأريوسيون يطمعون في الكرسي، لكن الشعب مع الكهنة أسرعوا بتحقيق أمنية باباهم الراحل، فسيم بطريركًا سنة 373م في عهد فالنس الأريوسي، الذي امتلأ غضبًا وحنقًا على الأقباط بسبب هذه السيامة. مقاومة فالنس له وجد الأريوسيون أن فرصتهم قد ضاعت بسيامة البابا بطرس الثاني بطريركًا، لكن وجود فالنس الإمبراطور الأريوسي شجعهم على الشكوى ضد البابا بأنه لا يستحق هذا المركز، فوجد فالنس فرصة للانتقام، وبعث إلى والي الإسكندرية "بلاديوس" يأمره بنفي البابا بطرس وإقامة لوسيوس الأسقف الأريوسي بدلاً منه. كان لوسيوس هذا مصريًا نال الأسقفية بطريقة غير شرعية خارج البلاد، طمع في الكرسي المرقسي، وإذ دخل الإسكندرية ذهب إلى بيت والدته، وقد ثار المؤمنون ضده، وخشي الوالي من قيام ثورة فقام بطرده خارج مصر لينجو بحياته. الآن، بأمر الإمبراطور فالنس انطلق لوسيوس إلى مصر ومعه كتيبة ضخمة تحت قيادة ماجينوس أمين خزينة الملك وأوزوسيوس البطريرك الدخيل. هجم القائد بجنده على الكنيسة، وقد حال المؤمنون دون بلوغ الجند إلى باباهم، وتحت ضغط المؤمنين ولسلامهم اضطر إلى الهروب والاختفاء في قصر مهجور على شاطئ البحر، حيث كتب من هناك رسالة رعوية لشعبه يثبتهم على الإيمان المستقيم، بينما فتك الجند ببعض المؤمنين منتهكين المقدسات الإلهية. أبلغ الوالي الإمبراطور بهروب البابا فكان رده هو إلزام الأساقفة بالخضوع للوسيوس والتعاون معه، ومن يخالف الأمر يُنفي. قيل للوالي إن الأسقف ميلاس يقاوم لوسيوس والأريوسية، فانطلق الجند إلى إيبارشيته، وكانت على حدود مصر مع لبنان (من جهة الشام)، فذهبوا إلى رينوكرورا عاصمة أسقفيته، وإذ دخلوا الكنيسة وجدوا شخصًا بسيطًا يُعد السرج فسألوه عن الأسقف، فقادهم إلى دار الأسقفية وقدم لهم طعام العشاء وخدمهم بنفسه، وأخيرًا قال لهم انه هو الأسقف، فدُهش الكل من محبته وكرمه واتضاعه. سألوه أن يهرب حتى لا يُنفي، أما هو فبابتسامة أجابهم: "إني أفضل النفي في سبيل الإيمان عن الحرية في ظل الأريوسية". في روما انطلق البابا الإسكندري إلى روما حيث قوبل بحفاوة بالغة، إذ كانوا يذكرون البابا أثناسيوس سلفه ودفاعه المجيد عن الإيمان. التقى بأسقف روما داماسوس، وشجعه على عقد مجمع لحرم الأريوسيين وأرسل القرارات إلى الأسقف الشرعي لإنطاكية ميليتوس، ولم يرسل إلى أسقف إنطاكية الأريوسي الدخيل. وقام ميليتوس بعقد مجمع بدوره حضره 146 أسقفًا وافقوا بالإجماع على قرارات المجمع الروماني. وبهذا أعاد البابا الإسكندري علاقات الود بين روما وإنطاكية. انهيار لوسيوس اقتحم لوسيوس الكرسي المرقسي بالسلطة الزمنية، لكنه لم يستطع أن يقتحم القلوب، فهجره جميع المؤمنين، وإذ مُنعوا بالقوة الإجبارية من الصلاة بدونه لزموا بيوتهم، رافضين مشاركة هذا المبتدع الدخيل. قام لوسيوس بعملية تخريب وبطش في الكنيسة، لا في داخل المدينة فحسب، وإنما أرسل الجند إلى البراري يفتكوا بالنساك، حتى الشيوخ منهم. سام هذا البطريرك الدخيل أساقفة أريوسيين ليحتلوا مراكز الأساقفة المنفيين، فكانوا أساقفة بلا شعب! لم يترك الله كنيسته وسط هذا الضيق الأريوسي الشديد، فقد عمل بطرق كثيرة منها أن بعض القبائل العربية التي على حدود مصر والشواطئ الأسيوية تكتلت معًا وأقامت دولة تحت قيادة ملكة اسمها موفيا، لم تكن مسيحية، لكنها أرادت إرضاء شعبها الذي ضم مسيحيين كانوا على علاقة طيبة بمصر، وكان من بينهم راهب متوحد قبطي يدعى موسى، أرادوا سيامته أسقفًا عليهم. وإذ انهار فالنس أمام هذه القبائل طلب عقد معاهدة صلح فاشترطت سيامة موسى هذا على يدي الأساقفة في الإسكندرية، فوافق. ذهب الراهب المتوحد موسى إلى الإسكندرية ومعه نواب الإمبراطور، وإذ عرف أن لوسيوس الأريوسي اقتحم الكرسي رفض السيامة على يديه، وعبثًا حاول نواب الإمبراطور إقناعه. طلب الراهب أن يعود إلى بريته ولا يُسام على يد هرطوقي، الأمر الذي يسبب مخاطر بين فالنس والقبائل هناك. أخيرًا اضطر النواب أن يأتوا بأساقفة أرثوذكس من المنفى لسيامته وسط فرح الإسكندريين وتهليلهم. وقد استطاع الأسقف موسى أن يكسب الملكة موفيا من الوثنية إلى المسيحية، كما قام بدورٍ هام بالنسبة لكنيسة الإسكندرية بكونها الكنيسة الأم بالنسبة له. أيضًا وسط هذا الضيق بعث الله بالقديسة ميلانيا ابنة قنصل أسبانيا في البلاط الإمبراطوري التي زارت مصر، ونالت بركات النساك فيها، وكانت تسند الأساقفة المنفيين وتهتم باحتياجاتهم. نذكر أيضًا بفخر دور الناسك جلاسيوس الملقب بالمحارب، الذي رعى جماعة من النساك في برية شيهيت قاموا بدور كبير في خدمة الكنيسة وسط الاضطهاد الأريوسي، خلال شعورهم بالالتزام بالعمل في كنيسة اللَّه المتألمة. أخيرًا إذ انشغل فالنس بالحرب مع الفرس رجع البابا بطرس من رومية بعد أن قضى بها حوالي خمس سنوات، فاستقبله الشعب بكل حفاوة وطردوا لوسيوس الدخيل الذي انطلق إلى فالنس يشتكي شعب الإسكندرية، وفي نفس العام قُتل فالنس وخابت آمال لوسيوس. دوره في القسطنطينية إذ كانت القسطنطينية قد تمزقت بسبب الهرطقات أرسل الإمبراطور ثيؤدوسيوس إلى البابا الإسكندري بطرس الثاني ليهتم بها. وبالفعل بذل كل جهدٍ لإصلاح شأنها حتى تسلم القديس غريغوريوس النزينزي هذه الإيبارشية كطلب شعب القسطنطينية يعاونه في ذلك البابا بطرس، وقد قبل غريغوريوس اللاهوتي الأمر بعد ضغط شديد. طمع مكسيموس الكلبي في كرسي القسطنطينية فذهب إليها وتظاهر بمصادقته للقديس غريغوريوس، وكان هدفه بث دسائس ضده. بعد ذلك ذهب إلى الإسكندرية واستطاع بمكره أن يخدع البابا لترشيحه للبطريركية عوض القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس (النزينزى). وإذ سمع القديس بذلك وكان مريضًا على الفراش قام ليحضر سيامة مكسيموس، إذ كان هو زاهدًا في كل شيء، وكان يحسب مكسيموس صديقًا له. ثار الشعب القسطنطيني على ذلك ورفضوا سيامته بل وطردوه طالبين القديس غريغوريوس بطريركًا. تظلم مكسيموس لدى الإمبراطور ثيؤدوسيوس الذي رفض إقامة أسقف دون رغبة الشعب. وعندما فشل ذهب إلى البابا بطرس ليسنده، وإذ اكتشف حيلته رفض مساندته ضد الشعب، وطلب من الوالي أن ينفيه لتصرفاته الخاطئة. أراد البابا إزالة ما حدث من لبس في الأمر وتوضيح موقفه أمام شعب القسطنطينية لكنه رحل سريعًا في 20 أمشير (سنة 380م) |
||||
19 - 11 - 2012, 08:43 PM | رقم المشاركة : ( 103 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
القديس بطرس الثالث البابا السابع والعشرون سيامته بطريركًا كان الأب بطرس كاهنًا بمدينة الإسكندرية، تلميذًا للقديس ديسقورس وصديقًا لخلفه الأنبا تيموثاوس الثاني، وإذ تنيح الأخير اُنتخب الأب بطرس بابا للإسكندرية (27) عام 477م، وقد حمل غيرة معلمه البابا ديسقورس على استقامة الإيمان. موقف زينون منه اغتصب زينون عرش القسطنطينية من الإمبراطور باسيلكوس، وإذ كان مناصرًا للخلقيدونيين لم يحتمل سيامة البابا بطرس الثالث بكونها تمت دون تصريحٍ منه، خاصة وأن البابا بدأ عمله البابوي بعقد مجمع بالإسكندرية فيه جدّد حرمان لاون وطومسه، فحسب زينون ذلك تحديًا شخصيًا له، وللحال أصدر أمره بنفيه، وإقامة بطريرك دخيل يحتل الكرسي. اختفي البابا لمدة خمس سنوات، كان خلالها يسند شعبه بالرسائل بينما قاطع الشعب البطريرك الدخيل تمامًا. بين البابا ويوحنا التلاوي فكر بعض المصريين في المناوشات التي كثيرًا ما تحدث بين الأباطرة والكنيسة المصرية بسبب تدخل الأباطرة في أمور الكنيسة الدينية الداخلية، وفي جرأة تقدم وفد منهم تحت رئاسة رجل يدعى يوحنا التلاوي ( نسبة إلى تلا بالمنوفية ) وسار إلى الإمبراطور يرجوه ترك الحرية للأقباط في اختيار بطريركهم. التقى الوفد بالإمبراطور، فحسب الأخير أن يوحنا التلاوي فعل ذلك ليختاروه بطريركًا، فأقسم يوحنا أنه لا يقصد ذلك، وأنه لا يقبل ذلك حتى إن طلب الكل منه ذلك، عندئذ استجاب لطلبة الوفد. غير أن الوفد عاد وبعد قليل مات الدخيل فرشح يوحنا نفسه للبطريركية وبعث رسائل للأساقفة والإمبراطور يعلمهم بذلك، وبتدبير إلهي وصلت الرسالة إلى أسقف روما قبل وصولها إلى أكاكيوس أسقف القسطنطينية وإلي الإمبراطور، فغضب الإمبراطور ومعه أكاكيوس كيف أخطر يوحنا أسقف روما قبلهما، واتفق الاثنان على إعادة البابا بطرس إلى كرسيه. أرسل أسقف روما خطابًا للإمبراطور يعلن فيه سروره باعتلاء يوحنا الكرسي، فأجابه الإمبراطور، قائلاً: "ان هذا الإنسان لا يستحق هذه الكرامة السامية لأنه حنث بيمينه"، وأصدر الإمبراطور أمره بإعادة البابا الشرعي واستبعاد يوحنا عن الإسكندرية. بين البابا وأكاكيوس اتصل البطريرك أكاكيوس بأصدقاء البابا بطرس الذين في القسطنطينية يعلن رغبته في عودة الشركة بين كنيستي الإسكندرية والقسطنطينية، ففرح البابا بطرس جدًا، وتبادل مع أكاكيوس 14 رسالة قبل أن تتم المصالحة، وكان البابا بطرس حريصًا على التمسك بوديعة الإيمان، موبخًا إياه على انحيازه للخلقيدونية. جاء في رسالة لأكاكيوس: [أشرق علينا يا سراج الأرثوذكسية، وأنر السبيل لنا نحن الذين ضللنا عن الإيمان المستقيم. كن لنا مثل استفانوس أول الشهداء (أع 7 : 60)، واهتف نحو مضطهديك، قائلاً : "لا تحسب لهم يا رب هذه الخطية"]. وجاء في إحدى رسائل البابا بطرس : [صلِ وصمّ بكل اجتهاد، وأنا أصوم وأصلي معك ومن أجلك، فنرفع كلانا طلبتنا إلى الله باسم الكنيسة الجامعة.]، وقد جاء رد أكاكيوس: [الآن يتهلل قلبي لأنك قبلت أن تشاطرني ما أحمله من أعباء ثقيلة، وإنني أشكر الله الذي هيأ لي فرصة التوبة بصلاتك ومنحني القوة بأصوامك معي وعني. وأنا فرحٌ لأنني سأحظى بالدخول معك إلى الحضرة الإلهية، فأرجو منك الآن أن ترسل إلينا بعض آباء الصحراء وبعض العلمانيين الموثوق بأرثوذكسيتهم لكي يرافقونا في زيارة نزمع أن نقوم بها للإمبراطور لنتحدث إليه بشأن إبرام الصلح بين جميع الكنائس، فنسعد بتثبيت السلام في كنيسة ملك السلام]. وقد تحقق ذلك بإرسال بعض آباء البرية والأراخنة الأتقياء ليحضروا مجمعًا انعقد في القسطنطينية أصدر منشورًا يسمى " منشور زينون " أو " هيوتيكون " أي " كتاب الاتحاد"، يعلن العقيدة الأرثوذكسية. في هذا المنشور أُعلن جحد تعاليم أريوس ونسطور وأوطيخا، وقبول تعاليم مجامع نيقية والقسطنطينية وأفسس، وتعاليم القديس كيرلس الكبير. تم تبادل الرسائل بين البابا بطرس ومار أكاكيوس وكاد مشروع " كتاب الاتحاد" ينجح ويرد للكنيسة في العالم وحدتها، لولا تصرف البعض، ففي مصر تزعم يعقوب أسقف صا ومينا أسقف مدينة طاما حملة ضد البابا بطرس حاسبين في هذا التصالح تراجعًا عن الإيمان وتساهلاً مع الخلقيدونيين، لكن البابا عقد مجمعًا بالإسكندرية وأقنع الغالبية العظمى من الأساقفة بقبول هذا المنشور، ولم يشذ إلا قلة يدعون الأسيفايين أي "الذين بلا رأس" لأنهم انفصلوا عن قائدهم الروحي. أما الذي حطم هذا المنشور فهو فيليكس أسقف روما الذي لام أكاكيوس على اشتراكه مع البابا بطرس، وقد أثار زوبعة ضد أكاكيوس، وعقد مجمعًا حرم فيه البابا بطرس ومارأكاكيوس. إذ تنيح أكاكيوس جاء خلفه أوفيميوس الذي قطع علاقته مع الإسكندرية. لكنها عادت من جديد علانية في أيام بطاركة القسطنطينية: أفراويطاوس سنة 491م، وتيموثاوس الأول سنة 511م، وأنتيموس سنة 535م، وسرجيوس سنة 608م، وبيروس سنة 639م، وبولس سنة 643م، وبطرس سنة 652م، وتوما سنة 656م، وثيودورس سنة 666م، ويوحنا سنة 712م. نياحته قضى بقية أيامه يهتم بالعمل الرعوي في هدوء واستقرار حتى تنيح في 2 هاتور سنة 490م، وبعد أن قضى على الكرسي المرقسي ثمان سنوات وثلاثة شهور. القس منسي يوحنا، ص294 - 298 ، إيريس حبيب المصرى، ج2، ص 99- 11. |
||||
19 - 11 - 2012, 08:48 PM | رقم المشاركة : ( 104 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
بطرس الجميل الأسقف الأنبا بطرس الملقب بالجميل، أسقف مليجٍ في بابوية الأنبا بطرس الخامس (القرن الـ14)، لا نعرف عن حياته شيئًا، إنما وضع ثلاثة كتب عقيدية: 1. كتاب "البيان" في خمسة فصول للرد على جمال الدين بن محمد المصري. 2. "في بدع الطوائف"، ليدلل على صحة العقيدة الأرثوذكسية. 3. "الإشراق"، ردّ به على الأرمن. قيل أنه أكمل سير الشهداء والقديسين التي كان يجب إضافتها إلى السنكسار. |
||||
19 - 11 - 2012, 08:48 PM | رقم المشاركة : ( 105 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
بطرس الرابع البابا الرابع والثلاثون ظروف سيامته نفي الإمبراطور يوستنيان البابا الإسكندري ثيؤدوسيوس الأول (33)، وأقام بطريركًا دخيلاً لم يجد من الشعب القبطي إلا كل مقاومة. عاد فأمر بسيامة أبوليناريوس في مدينة القسطنطينية ليعتلي الكرسي الاسكندري، وقد انطلق إلى الإسكندرية ليدخل الكنيسة في زي قائد حربي. هناك خلع ثيابه ليعلن المرسوم الإمبراطوري بتنصيبه بطريركًا وقبول الإيمان الخلقيدوني، فبدأ السخط على الوجوه وحدثت احتجاجات، فصدر أمره للجند بالمقاومة والقتل داخل الكنيسة، واستشهد الكثيرون، ودُعي ذلك اليوم "المذبحة". وجد أبوليناريوس كل مقاطعة من الأقباط بينما كان البابا الشرعي في أحد سجون القسطنطينية حيث قضى فيه 28 عامًا حتى تنيح. مات يوستنيان ليتولى يوستين الثاني العرش، ويسلك على منوال سلفه حارمًا الأقباط من أبيهم الروحي الشرعي، محاولاً أن يسند أبوليناريوس رغم إصرار الأقباط على مقاطعته. تنيح البابا الشرعي في السجن وظن أبوليناريوس أن الأقباط يستسلموا ويخضعوا بعد سنوات هذه مدتها عاشها البابا في السجن، لكن على العكس شعر الأقباط باليتم، طالبين سيامة بابا شرعي لهم. وإذ شعر أبوليناريوس أن نياحة البابا زادت الجو سوءًا على غير ما توقع طلب من الحاكم نفي كل أسقف أرثوذكسي فلا يجد من يعاونهم على اختيار بطريرك، وإن اختار الشعب فلا يوجد أساقفة يقومون بسيامتهم. هذا من جانب ومن جانب آخر أقام وليمة ضخمة دعي فيها الكهنة وأراخنة الأقباط لكي يكسب ودّهم، لكن الأقباط لم يكسرهم العنف ولا أغراهم التملق، إذ أصروا على سيامة بابا شرعي لهم. بتدبير إلهي استبدل الإمبراطور والي الإسكندرية بآخر يدعى أريستوماخوس، أظهر عطفًا على المصريين ومودة شديدة، فسألهم أن يقصدوا أحد الأديرة القريبة من الإسكندرية ليقوموا بسيامة من ينتخبوه بابا لهم. بحث الأقباط عن أقرب ثلاثة أساقفة مستبعدين عن كراسيهم مع بقائهم في داخل البلاد، وفي هدوء تمت سيامة البابا بطرس الرابع في دير الزجاج الذي كان راهبًا فيه، وامتلأ الكل فرحًا وتهليلاً. أتعابه لم يكن ممكنًا لأبوليناريوس أن يقف متفرجًا على هذا الحدث الذي هزّ أعماقه وحطم نفسه تمامًا، فأرسل إلى الإمبراطور يستغيث به من جسارة المصريين. مُنع البابا من دخول الإسكندرية، وبقى يتنقل من ديرٍ إلى ديرٍ، لكن سرعان ما مات أبوليناريوس لتخف حدة التوتر بين الإمبراطورية البيزنطية والمصريين إلى حين إذ استبدل الإمبراطور الوالي أريستوخاموس بوالٍ آخر، كان عنيفًا مع المصريين فحرم على البابا دخوله الإسكندرية. أما البابا فصار يتنقل بين الأديرة بقلب مملوء حبًا واتساعًا وبهجة داخلية، ممارسًا عمله الرعوي خلال رسائله مع شعبه ومع بعض أساقفة الشرق. كانت الأديرة المحيطة بالإسكندرية تبلغ حوالي 600 ديرًا فكان الشعب المصري والأثيوبي ومن النوبة يقدمون إلى الأديرة ليلتقوا بباباهم الساهر على رعايتهم. في إنطاكية كان الكرسي الإنطاكي شاغرًا بعد نياحة القديس ساويرس الإنطاكي بمصر، وإذ سمعوا أن الأقباط قاموا بسيامة بابا لهم تشجعوا هم أيضًا وقاموا بسيامة راهب ناسك مملوء حكمة يسمى ثيؤفانيوس، يشارك البابا الإسكندري آلامه إذ كان هو أيضًا يعيش في دير خارج مدينة إنطاكية كمطرودٍ من أجل الإيمان، وتلاقى الاثنان معًا على صعيد الألم خلال الرسائل المتبادلة بينهما، وكانت هذه الرسائل سبب تعزية للشعبين. رحلات رعوية بعد موت أبوليناريوس الدخيل استطاع البابا أن يخرج من عزلته إلى حد ما فكان يتنقل بين المدن والقرى، وقد قام بسيامة أسقف لجزيرة فيله، كما صار يبحث عن سكرتير خاص به يسنده في عمله الرعوي، فاختار راهبًا شماسًا من دير بجبل طابور غرب الإسكندرية يدعى دميانوس، عُرف بالحكمة والعلم مع التقوى والورع، كما كان كاتبًا ومصورًا ماهرًا، محبًا لحياة الوحدة والعزلة. أخذ البابا تلميذه هذا الذي لم يستطع أن يرفض طلب أبيه لعلمه بما يتحمله الأب من مرارة وما تعانيه الكنيسة من آلام. ودخل الاثنان الإسكندرية، ولم يدم البابا على كرسيه كثيرًا إذ تنيح سنة 570م، أي بعد عامين من سيامته، مملوءة آلامًا في الرب. في أيامه وفد إلى مصر أيوب البرادعي، وقد دعى كذلك لأنه لا يلبس إلا خرق البرادع، نشأ في دير بجوار الرّها يسمى دير الشقوق، وقد سيم أسقفًا على الرّها عام 541م. القس منسي يوحنا، ص329، 330، إيرس حبيب المصرى، جـ 2، ص 154 – 162. |
||||
19 - 11 - 2012, 08:51 PM | رقم المشاركة : ( 106 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
القديس بطرس الخامس البابا الثالث والثمانون بعد نياحة البابا بنيامين الثاني (82) ظل الكرسي خاليًا قرابة عام، وأخيرًا اُختير الأب بطرس داود الذي ترهب بدير الأنبا مقاريوس ثم صار كاهنًا لدير شهران، وأخيرًا البابا 83، وذلك في أواخر حكم الملك الناصر بن قلاوون، عام 1340م. امتاز بوداعته وتقواه مع علمه. في أيامه عانى شعبه من ضيق شديد حلّ بالأقباط بسبب قاضي في أحد المدن كان قد سجن قبطيًا بدعوى أن جده غير مسيحي وأراد أن يلزمه بإنكار الإيمان، وإذ رفض أخرجه الأقباط من السجن فتحولت المدينة إلى العنف ضد الأقباط، حيث تعرض الكثيرون للعذابات، بل ونُبشت القبور لإحراق جثث الأموات. وإذ ساد الارتباك الشديد المدينة قدم الحاكم شكوى لسلطان مصر، الذي قام بعزل القاضي. قام بطبخ الميرون بدير أبي مقار ومعه اثني عشر أسقفًا، ثم عاد وعانى من المرارة التي عاشها الشعب الذين اضطروا إلى ملازمة منازلهم مدة، حتى بدوا وكأنهم قد انقرضوا. لم يكف البابا عن الصلاة من أجل شعبه حتى رفع الله هذه الضيقات وتمتعت الكنيسة بجوٍ من الهدوء والراحة ما كاد يتمتع به البابا حتى طُلبت نفسه في 8 يوليو 1348 (14 أبيب 1064ش) |
||||
19 - 11 - 2012, 08:52 PM | رقم المشاركة : ( 107 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
القديس بطرس الراهب يروى لنا القديس بالاديوس عن راهب شيخ كان له تلميذ ممتاز يُدعى بطرس. لسبب ما تسرع الشيخ وثار على تلميذه وطرده، وأغلق باب قلايته. وفي صمت مملوء وداعة وسلامًا داخليًا جلس بطرس عند الباب خارجًا حتى فتح له الشيخ. عندئذ ندم الأخير على ما صنع قائلاً: "يا بطرس، لقد غلبت وداعتك وطول أناتك غضبي المتسرع، لهذا فأنت اليوم الشيخ وأبي، وأنا أكون لك خادمًا وتلميذًا. بعملك الصالح غيّرت شيخوختي". |
||||
19 - 11 - 2012, 08:53 PM | رقم المشاركة : ( 108 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
بطرس الرهاوي الأسقف ولد في مدينة الرُها في أوائل الجيل الثالث من أبوين غنيين شريفين، وإذ بلغ العشرين من عمره قدمه والده للملك ثيؤدوسيوس ليكون معه. لكنه عاش في البلاط الملكي كما في ديرٍ يزهد أمجاد العالم وأباطيله ويمارس الحياة النسكية والعبادة بتقوى جذبت الكثيرين إليه. كان يحتفظ برفات بعض الشهداء الفارسيين معه. ترك البلاط الملكي والتحق بأحد الأديرة ليكرس كل وقته للعبادة، ولم يمضِ إلا وقت قليل حتى سيم أسقفًا على غزة بغير رضاه. وقد قيل إن في أول قداس إلهي يصليه فاض دم من الجسد ملأ الصينية إلى حين. إذ ملك مرقيان الخلقيدوني صار يضطهد الأساقفة الأرثوذكس، فحمل هذا الأب رفات القديس يعقوب المقطع من أحد أديرة الرُها وجاء إلى البهنسا بمصر، حيث أقام بأحد أديرتها، هناك اجتمع بالقديس إشعياء المصري، وبعد زمن مرقيان عاد إلى فلسطين. قيل إنه إذ كان يصلي القداس الإلهي كان بعض العظماء يتحدثون معًا فلم ينههم، فظهر له ملاك وأمسك به من وسطه وانتهره. اشتهى الملك زينون أن يراه، لكن القديس امتنع بسبب عدم انشغاله بمجد العالم. ذهب إلى بلاد الغور (بين أورشليم ودمشق)، وإذ كان يصلي في عيد القديس بطرس السكندري ظهر له القديس وأعلن له أن السيد يدعوه ليكون معهم، فاستدعى الشعب وثبتهم على الإيمان ثم بسط يديه وأسلم الروح في الثاني من كيهك. |
||||
19 - 11 - 2012, 08:53 PM | رقم المشاركة : ( 109 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
بطرس السادس البابا المائة والرابع كان يُدعى مرجان، من مدينة أسيوط، عاش في جوٍ عائلي تقوي، وكانت نعمة الله حالة عليه منذ صغره. لمحبته في الزهد والعبادة انطلق إلى دير القديس أنبا أنطونيوس بدير العربة، حيث لبس الشكل الرهباني، فكان يُجهد نفسه في الصلوات والقراءة مع النسك بروحٍ وديعٍ متضعٍ، فسيم قسًا على يديْ البابا يوأنس السادس عشر (103) في كنيسة السيدة العذراء والدة الإله بحارة الروم. بعد تعمير دير الأنبا بولا أقامه البابا رئيسًا للدير. بعد نياحة البابا يوأنس أُختير خلفًا له مع بعض الكهنة، وإذ صام الأساقفة والأراخنة وأُقيمت القداسات لمدة ثلاثة أيام وقعت القرعة الهيكلية عليه فسيم باسم البابا بطرس في 17 مسرى 1434ش (21 أغسطس 1718م) في أيام السلطان أحمد الثالث العثماني، وقد حضر الاحتفال كثير من الأوربيين ومن الأرمن وأيضًا العسكر، وكانت بهجة عظيمة وسط الشعب. قام بزيارة الوجه البحري، وأجّل زيارته للمدينة العظمى الإسكندرية بسبب الفتنة التي قامت بين الصنجق إسماعيل بك والصنجق محمد جوكس. في عهده استشهد المعلم لطف الله من أجل اهتمامه بتعمير الكنائس. قام البابا بزيارة الإسكندرية حيث أخفي رأس القديس مارمرقس في موضعٍ أمين مع جملة رؤوس البطاركة خشية سرقتها. وقام بزيارة رعوية لشعبه بالصعيد، كما أرسل مطرانًا لأثيوبيا هو الأنبا خرستوذولوس أسقف القدس. |
||||
19 - 11 - 2012, 08:54 PM | رقم المشاركة : ( 110 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
بطرس السابع البابا المائة والتاسع يعرف باسم بطرس الجاولي، إذ وُلد بقرية الجاولي التابعة لمنفلوط بالصعيد. نشأ في جوٍ عائلي تقوي، محبًا لحياة العبادة مع الدراسة. انطلق إلى دير القديس أنبا أنطونيوس ليبذل كل جهده في حياة نسكية ممتزجة بروح العبادة والدراسة، إذ كان منكبًّا على طلب العلم والمعرفة، ففاحت رائحة فضائله، وسامه البابا قسًا بالدير باسم الأب مرقوريوس. في سنة 1808 حضر إلى مصر وفد إثيوبي يطلب من البابا مرقس الثامن (108) سيامة مطران لهم خلفًا للمتنيح الأنبا يوساب. وقع الاختيار على الأب مرقوريوس، فاستدعاه البابا لسيامته لكن عناية الله سمحت بسيامته مطرانًا عامًا على الكرازة المرقسية باسم الأنبا ثاؤفيلس حيث أقام مع البابا في الدار البطريركية يعاونه في أعمال الرعاية بينما سيم لإثيوبيا الأنبا مكاريوس عوضًا عن الأنبا ثاؤفيلس. تنيح البابا مرقس فأجمع الكل على إقامته بابا وبطريرك الكرازة المرقسية باسم الأنبا بطرس، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من نياحة سلفه، وكان ذلك في عهد الخديوي محمد علي باشا في 16 كيهك سنة 1526 ش (1809م). تمت السيامة في كنيسة مارمرقس الإنجيلي بالأزبكية بمصر، وقد امتلأ الكل فرحًا عظيمًا. حياته النسكية والدراسية سيامته بطريركًا لم تزده إلا نسكًا وتقشفًا، كما عُرف بحبه للسكون والصمت، كان قليل الكلام جدًا، مملوء مهابة! يقضي أغلب وقته في الصلاة مع دراسة الكتاب المقدس وكتب الآباء وقوانين الكنيسة وتاريخها. كثيرًا ما كان ينكب على النسخ فينسى أكله وشربه. وقد جمع في البطريركية مكتبة ثمينة، كما وضع مجموعة كتب منها: "نوابغ الأقباط ومشاهيرهم"، "مقالات في المجادلات"، "في الاعتراضات ردًا على المعاندين"، ومجموعة مواعظ ورسائل. اشتهى يومًا طعامًا ما، فأبقاه حتى أنتن، وصار يأكل منه بالرغم من اشمئزاز نفسه، تعنيفًا لنفسه وتبكيتًا لها. كان لباسه من الصوف الخشن، يلبس "مركوبًا أحمر"، لا يجلس إلا أرضًا أو على "أريكة خشبية قديمة"، ينام على حصير من القش. دخل عليه أحد أحبائه فوجده منكبًا على الصلاة يبكي بدموع غزيرة، فأمر ألا يدخل أحد قلايته مادام منفردًا. محبة المسئولين له اتسم بالحكمة والوداعة، حليمًا في تصرفاته، فأحبه الكل، وكان رجال الدولة يعتزون به، كما نال حظوة لدى الوالي، وبسببه تولى الأقباط مراكز مرموقة في الدولة، وأُعطيت للكنيسة حرية العبادة، وسُمح له بعمارة دير مارمرقس بالإسكندرية. خلال هذه العلاقة الطيبة سام أسقفين على النوبة أرسلهما بالتعاقب، ومع كل منهما خدام يعاونون الأسقف في رعايته هناك. في عهده أرسل يوعاس الثاني ملك إثيوبيا رسالة إلى الوالي محمد علي باشا وأخرى للبابا يطلب سيامة مطران لإثيوبيا بعد نياحة المطران أنبا مكاريوس، كما قدم الوفد الإثيوبي هدية لمحمد علي باشا، وقد طلب الأخير من البابا سرعة السيامة، فقام بسيامة الراهب القس مينا باسم الأنبا كيرلس (سنة1816)، بعد أن قيدوه بسلاسل حديدية حتى لا يهرب من السيامة. بعد نياحة الأنبا كيرلس سام آخر باسم الأنبا سلامة سنة 1841م. حكمته في التصرف تعرض أقباط قرية الجاولي، مسقط رأسه، لمتاعبٍ شديدةٍ للغاية، وبحكمة أرسل يستدعي كبار القرية الأقباط وطلب منهم تقديم 200 فدانًا من أفضل أراضيهم هدية لشريف باشا، الذي بدوره عين بإيعاز من البابا المعلم بشاي مليوشى من أسيوط كمسئول عن هذه الأرض بعد أن قدم له الباشا 36 فدانًا من المائتين ليعيش منها. وبهذا استراح أقباط القرية من المتاعب. وطنيته العميقة إذ كان محمد علي يتقدم في فتوحاته وغزواته خشيت روسيا لئلا يحول ذلك دون تحقيق مآربها في الشرق وفي المملكة العثمانية فأرسلت أحد أمرائها ليلتقي ببابا الإسكندرية، رئيس أكبر كنيسة مسيحية في الشرق الأوسط ليطلب حماية قيصر روسيا. من خلال خبرة الأمير الذي عاش وسط الكنيسة الروسية بما عُرف عنها من فخامة مظاهر أساقفتها حسب أنه سيدخل قصرًا عظيمًا ويلتقي بحاشية البابا، ويسلك ببروتوكول معين، لكنه فوجئ بأنه يقف أمام إنسانٍ بسيطٍ بجلباب من الصوف الخشن يظهر عليه القدم، وقد تناثرت حوله بعض الكراسي القديمة. لم يصدق الأمير نفسه حتى أجابه البابا أنه بطريرك الأقباط. أمام هذه البساطة انحنى يلثم يديه ويطلب بركته، وصار يسأله عن سرّ هذه الحياة البسيطة فأجابه أنه يليق بالأسقف أن يتمثل بالسيد المسيح سيده الذي افتقر لأجل الخطاة. عاد ليسأله عن حال الكنيسة القبطية فأجابه أنها بخير ما دام الله يرعاها. عندئذ أظهر الأمير أنه متضايق لما تعانيه الكنيسة القبطية من متاعب. سأله البابا في بساطة: "هل ملككم يحيا إلى الأبد؟" أجابه الأمير: "لا يا سيدي الأب، بل يموت كما يموت سائر البشر". عندئذ قال البابا: "إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، وأما نحن فنعيش تحت رعاية ملك لا يموت وهو الله". لم يعرف بماذا يجيب الأمير سوى أن ينحني أمام البابا يطلب بركته. وقد تأثر جدًا به حتى عندما سأله محمد علي باشا عن رأيه في مصر، قال: "لم تدهشني عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات وكتابتها، ولم يهزني كل ما في هذا القطر من العجائب، بل أثر في نفسي زيارتي للرجل التقي بطريرك الأقباط". روى الأمير لمحمد علي باشا الحوار الذي دار بينه وبين البابا، فانطلق محمد علي باشا إلى البابا بفرح يشكره على وطنيته العميقة، قائلاً له: "لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك، فليكن لكم مقام محمد علي بمصر". أما هو فأجابه انه لا شكر لمن قام بواجب يلتزم به نحو بلاده. أعمال الله معه حدث جفاف ولم يفض نهر النيل، فطلب منه الوالي أن يصلي من أجل مياه النهر، فأخذ بعض الأساقفة والكهنة والشعب، ورفع القرابين على ساحل النيل، وبعد نهاية الصلاة ألقى بالمياه التي غُسلت بها أواني المذبح في النيل، فارتفع للحال منسوبه حتى بلغ موضع الصلاة وأسرعوا برفع خيمة الصلاة. نور القيامة كانت علاقة إبراهيم باشا بالبابا بطرس يسودها الحب والصداقة والاحترام المتبادل، وعندما احتل إبراهيم باشا بلاد القدس وشى البعض (غالبًا من اليهود) أن ما يدعيه المسيحيون بأن النور يظهر من القبر المقدس هو غش وخداع. وإذ كان إبراهيم باشا يثق في البابا بطرس أرسل إليه يستدعيه من مصر وقد استقبله بحفاوة مع قواده وحاشيته ثم أخبره عن سبب استدعائه له، طالبًا منه أن يظهر النور على يديه لا على يديْ بطريرك الروم. وإذ شعر إبراهيم باشا أن هذا يسبب نزاعًا وانشقاقًا، خاصة وأن بطريرك الروم جاء يستقبل البابا بطرس بمحبة كبيرة طلب أن يكون الاثنان معًا، وكان هو معهما وقد وقف الجند في الخارج ليتأكدوا من حقيقة الأمر. صام بطريرك الروم وبطريرك الأقباط بروح المحبة ثلاثة أيام كالعادة ودخلوا القبر يصلون ومعهم الباشا وإذ بالنور يشع، فبُهر الباشا وارتمى على صدر البابا، وإذ كان الكثيرون خاصة الفقراء في الخارج بسبب الازدحام الشديد، ظهر النور في نفس الوقت خلال أحد الأعمدة ليراه الكل، ولا يزال العمود المشقوق إلى يومنا هذا. هذا الحادث أضاف إلى صداقة الباشا للبابا حبًا أكثر وتكريمًا. عدم محاباته للأغنياء جاءه رجل يشتكي زوجته، قائلاً له إنه تزوج بعروسه وفي اليوم الثاني من الزواج اضطر أن يتركها لمدة خمسة أشهر دون أن يقترب إليها بسبب ظروف عمله، ولما عاد وجدها حُبلى، ولما سألها عن سرّ حبلها استهانت به واستخفت لعلمها بمقام والدها ومركزه وغناه. استدعى البابا السيدة وصار يسألها فأصرت أن الحمل من زوجها، ولم يكن أمامه إلا القول: "الذي من الله يثبت والذي من الشيطان يزول". وبالفعل ما أن تركت دار البطريركية في الدرجة الأخيرة من السلم حتى سقط الجنين، فعرف أمرها وحكم للرجل بالطلاق بسبب علة الزنا. وإذ تقدم والدها للبابا، قال له: "ليس بينكم أحد أقوى من الضعيف متى كان معه الحق، ولا أضعف من القوى متى كان معه الباطل". طهارته وعفته جاءه إنسان يشكو له أنه تزوج فتاة، وقد اكتشف أنها ليست بكرًا، فلم يفهم البابا ماذا يقصد بذلك، ولما كرر له القول ولم يدرك جاء إليه بلبن عليه طبقة من "القشطة" لم تُمس، ثم وضع إصبعه في هذه الطبقة ليوضح له الفارق بين العذراء بغشاء بكوريتها ومن فقدت بكوريتها، عندئذ قال البابا: "لعن الله اليوم الذي عرفت فيه الفارق بين البكر وغير البكر"، ثم طلب أن يُنظر في دعواه |
||||
|