![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 91 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البابا أثناسيوس القسم الأول: أعداء الإيمان في عصر اثناسيوس نورد هنا نبذة مختصرة عن أعداء الإيمان في عصر أثناسيوس وهم: أولًا أريوس 1- ظهر أريوس ودخل التاريخ فجأة، رجل متوقد الذكاء حاضر البديهة لكنه مملوء مكرًا وخداعًا يظهر خلاف ما يبطن ويتقن الدسائس والوقيعة. كان في أول أمره مجهول الذكر حتى أننا لا نعرف عن حياته سوى أنه ولد بإحدى مدن ليبيا (270-236 م.) ووفد إلى الإسكندرية في حبرية البابا ثاؤنا (البابا 16) وقد التحق بالمدرسة اللاهوتية وتبحر في العلوم الدينية والمدنية وتبحر في دراسة الفلسفة المسيحية وكان أريوس مصابًا بداء الكبرياء والغطرسة ومن غرائزه حبه للجدل والمقاومة. 2- في عام 308 م. رسم شماسًا ثم كاهنًا في عام 310 م. وفي عام 313 م. عين كاهنًا لكنيسة بوكاليا بالإسكندرية ومن المعروف أن البابا بطرس خاتم الشهداء أسقط أريوس من رتبته ثم جاء البابا ارشيلاوس وأعاده إلى الشركة! وكان أريوس يطمع بدخوله السلك الكهنوتي إلى الوصول إلى البطريركية ولكنهم خذلوه ورسم ألكسندروس الذي قام بحرم أريوس وناهض بدعته. 3- كان أريوس ذا منظر مهيب يوحى بالصرامة والنسك وكان عذب الحديث ولكن كل ذلك كان ستارًا لنفس مملوءة خبثًا ودهاءًا وغرورًا. 4- ونظرًا لما كان يظهر على وجهه الشاحب من مسحة الجمال وما كان يظهره من تقشف وتواضع وما في كلماته من قوة وما في صوته من نبرات جذابة، كل ذلك كان يبدو كأنه أعد خصيصًا للخداع فقد جذب إليه كثيرًا من العذارى. كما جذب إليه الجماهير بوعظه القدير وفصاحته ومنطقه القوى. وذلك لم يكن بمستغرب أن ينتشر أريوس كما أنه أكتسب فيما بعد إلى جانبه الأباطرة لأنه كان يخدم أطماعهم السياسية. 5- كان مزيجًا عجيبًا من النقائص التي صهرت في بوتقة الغرور والتي يتميز بها دائمًا كبار الهراطقة وأن السر الأعظم الذي يكمن وراء هرطقة أريوس وكفره وعناده الشنيع يمكن تلخيصه واختصاره في أن أريوس كان يملك معرفة دينية ولكن لم يكن يملك أخلاقًا دينية. 6- كان فصيحًا ماكرًا ونزل بالقضية اللاهوتية إلى الشارع وصار يبسطها لعامة الناس والأطفال فشوه الرأي الأرثوذكسي بصورة جعلته يبدو لأكثر الناس لا يمكن قبلوه. 7- وضع ثاليات (قصائد وأناشيد) وحشاها من أرائه الهرطوقية... وصار الناس يرددونها لحلاوة أنغامها. 8- كان يدخل الشوارع والأندية والمجتمعات ويعمل مظاهرات فانضم إليه كثير من الشعب. 9- أحدث بلبلة بين البسطاء فكان يسأل الناس "هل أنت أكبر أم أبوك"... ومن ردود أثناسيوس في هذا "الماء من النبع... ولكن منذ أن كان النبع نبعًا فالماء فيه لم تمر لحظة من الزمان يكون فيها نبع ولا يكون ماء... وإلا كيف يكون نبع". ![]() ثانيًا: تلاميذ أريوس وأتباعه 1- كل إنسان في الدنيا يجد من يمدحه ويجد من يحبه ويدافعوا عنه أكثر مما يدافع عن نفسه... وأحيانًا يكون تلاميذ الإنسان أخطر عليه من أعدائه. 2- هذا الموقف تعرض له يوحنا المعمدان... أتى إليه تلاميذه قائلين "هوذا الذي أنت شهدت له "المسيح" يعمد والجميع يذهبون إليه"؛ أي بعد ما كنت أنت كل شيء أصبحت بلا شيء. ![]() ثالثاَ: يوسابيوس النيقوميدي ذئب نيقوميديا: 1- صديق أريوس فقد كانا معًا يتلقيان دروس اللاهوت في مدرسة لوسيان بأنطاكيا. 2- كان يحسد كنسية الاسكندرية بتميزها ومكانتها الرفيعة الأولى وسط الكنائس. 3- هو المسئول الأول أمام الله والكنيسة في جميع العثرات والقلاقل التي حدثت لها من هرطقة أريوس... 4- استغل صداقته للإمبراطور قسطنطين وكذلك الإمبراطور قسطنطيوس وكذلك قربه للبلاط الملكي ليعرض قضية أريوس الفاسدة على الساحة العالمية. 5- هو الذي عمد الإمبراطور قسطنطين قبل موته. * كان يوسابيوس النيقوميدى غير عظيم في شيء ولا كان نير الفكر "جواتكن". ![]() رابعًا: الميليتن 1- هم أتباع مليتيس أسقف أسيوط سقط مع جماعة كبيرة في التبخير للأوثان أيام دقلديانوس 303 م. فقطعته الكنيسة من شركتها في مجمع خاص برئاسة البابا بطرس... 2- فتزعم ميليتيس جماعة إكليروس (أساقفة كهنة) وشعب.... ليس هذا فحسب بل قام برسامات متعددة من (أساقفة كهنة ورهبان) حتى زادت شيعته جدًا. 3- رفع أمرهم إلى مجمع نيقية... وأتخذ المجمع قرارًا متخاذلًا بقبولهم في الكنيسة على أن يكونوا خاضعين للبابا ألكسندروس وأن يعطى لأساقفتهم الكراسي التي تشغر بنياحة أساقفتهم الأصليين (الأرثوذكس) وبعد موافقة البابا، أما ميليتيس نفسه فاحتفظ له المجمع بلقب أسقف ولكن لم يصرح له المجمع بإيبارشية بعد إسقاطه من كرسيه... وقد ظل ضعيفًا محدود السلطان حتى نال من يوسابيوس التشجيع والمعونة والسلطان الإمبراطوري. 4- وصل عددهم إلى 35 أسقف... وقد انخدعوا بإغراءات يوسابيوس. 5- بعد نياحة ميليتيس تولى بعده يوحنا اركاف وكان أشد منه وطأة. ![]() خامسًا: البلاط الإمبراطوري كان مسرحًا للوشايات الدنيئة والمؤامرات ضد الإيمان. 1 الإمبراطور قسطنطين: أ- احتار فيه الجميع هل هو مسيحي مستقيم أم ماذا؟ ب- لم يحترم كلمته في ضبط الخارجين على مجمع نيقية الذي ظل يفتخر به طول حياته ففي ظرف 3 سنوات بدأ يتذبذب هو نفسه بين الأريوسية والمسيحية الحقة وبدأ يسهل استعادة كراسيهم وسلطانهم. ج- عنده شعور دنيئ بالحقد على البابا بسبب بروز شخصيته.. لدرجة أنه قيل عنه (أن شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين). ![]() 2 قسطنطيا (أخت الإمبراطور): * استغل إشبينها الكاهن يوستانيوس علاقته بها وهو أريوسى وأقنعها أن تطلب من أخيها أن يفرج عن الأريوسيين ونجحت بالفعل في التأثير عليه لأنها كانت على فراش الموت 325 م. ![]() 3 الأمبرطور قسطنطيوس: ![]() * قال يومًا ما عن أثناسيوس "إن أروع الانتصارات التي حققتها... وتلك التي أحرزتها على ماجنتيوس وسلقانوس لا تعادل عندي طرد هذا الوغد من رئاسة الكنيسة". ![]() سادسًا: اليهود 1- كان لهم جالية ضخمة ونفوذ كبير ومعروف أن بطليموس حاكم مصر أراد أن يكسب ود اليهود بترجمة كتابهم المقدس من العبرية إلى اليونانية 282 م. (الترجمة السبعينية) وهذا وحده يبين مدى نفوذهم في مصر بالإضافة أنهم يمثلون أغلبية في الجيش وموظفي الدولة والتجار... 3- يمثلون قطاع مسلحًا بالمال والدهاء والجواسيس. 3- تعاطفوا مع الأريوسيين لأن إيمانهم مشترك وهو ضد لاهوت المسيح. 4- وكذلك لأن هذا يزيدهم تقرب من الإمبراطور والسلطات الحاكمة المحلية. ![]() سابعًا: الوثنيين 5- كانوا خصمًا رسميًا لأثناسيوس من جهة العقيدة الوثنية التي كرس البابا نفسه لهدمها من الأساس وعمد الآلاف منهم. 6- وجدوا في التفكير الأريوسي ما يتمشى مع منطق فلاسفتهم بل أن أريوس لم يأت في هرطقته بجديد... بل تبنى الأفكار الوثنية وصاغها صياغة مسيحية.. وساق نصوص الكتاب المقدس في تأييدها بتفسيرات ملتوية لذا قال أثناسيوس (أن أراء أريوس أراء وثنية). ![]() القسم الثانى: جهاد أثناسيوس قبل مجمع نيقية(319 م.-325 م) أولًا: بداية الصراع: 1- سنة 318 م. عندما كان البابا ألكسندروس يلقى عظة عن الثالوث ويؤكد فيها أن الله الابن يسوع المسيح الكلمة المتجسد كائن مع الآب منذ الأزل فاعترض أريوس عليه وأصر على أن الله وحده هو الأزلي أما جميع الكائنات الأخرى بما فيها الابن لابد وأن تكون مخلوقة بفعل من أفعال الإرادة الإلهية وحاول البابا أن يشرح لأريوس تعاليم الكنيسة ولكنه أبى أن يسمع فعقد البابا مجمعا بالإسكندرية وأصدر بيانا فيه توبيخًا شديدًا لأريوس ودعاه إلى التوبة. 2- فبينما كان ألكسندروس يعظ يومًا عن سلطان السيد المسيح له المجد في إقامة الموتى مبينًا أن الكلمة ابن الله مساو للآب وله طبيعة وذاتًا واحدة مع الآب وإذ بأريوس يعظ في مكان آخر على الآية القائلة "أبى أعظم منى" (يو 28:16) مقاومًا بذلك رأى ألكسندروس ومناديًا بأن السيد المسيح غير مساو للآب في الجوهر بل هو مخلوق بإرادة الآب وأخذ يروج بدعته وينظم مقطوعات شعرية ملحنة ولقنها لأتباعه الذين أذاعوها بين العامة. 3- ولكن أريوس ازداد تعنتا وضرب بعرض الحائط كل الفرص التي أعطته إياها الكنيسة لكي يعترف بخطئه ويعلن توبته... ولذلك عقد البابا مجمعا ثانيًا بالإسكندرية سنة 321 م. حضره 100 أسقف وأصدر حكمًا بتجريد أريوس من رتبته الكهنوتية وكل أتباعه. ![]() ثانيًا: تصعيد المشكلة: 1- ترك أريوس الإسكندرية إلى فلسطين وأسيا الصغرى وهناك خدع بعض الأساقفة من أصدقائه بآرائه وسمحوا له بنشرها وعقد الأساقفة مجمعين متتاليين في عام 222 م.-223 م. قرروا فيهما إلغاء حكم البابا ألكسندروس. 2- عاد أريوس للإسكندرية مرة ثانية. سرعان ما كون لنفسه حزبًا من معتنقي تعاليمه الفاسدة وشاركه كثير من الرجال ذوى المكانة السامية دينيا ومدنيا ليس من بلدته فقط بل من أنحاء الإمبراطورية الرومانية وأخذ ينفث سموم تعاليمه بمنتهى العناد والضلال فما كان من البابا ألكسندروس إلا أن يقوم بطرده مرة ثانية من الإسكندرية من حيث كان. 3- وعندما أخذت البدعة الأريوسية تأخذ طريقها إلى الانتشار في العالم بأسره شمر أثناسيوس عن ساعد الجد وبدأ في محاربتها ودحضها وأخذ يثبت صحة الإيمان القويم في نفوس المؤمنين. ![]() ثالثًا: تدخل الأمبراطور: 1- تفاقمت المشكلة... وتمكن يوسابيوس أن يستميل الإمبراطور قسطنطين بواسطة أخته قسطنطيًا لمناصرة أريوس... فأرسل رسالة مع هوسيوس أسقف قرطبة (بأسبانيا) وكان شيخًا وقورًا يهابه الجميع بما فيهم قسطنطين إلى البابا ألكسندروس... وعقدت المباحثات الثنائية وتبين مدى خطورة الأريوسية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخر... فأعلن هوسيوس تأييده لحرم أريوس وأتباعه. 2- وافق هوسيوس على مبادرة ألكسندروس بضرورة عقد مجمع مسكوني. 3- موافقة الإمبراطور على عقد المجمع وأصدر مرسومًا إمبراطوريًا يدعوا أساقفة العالم لعقد مجمعًا كنسيًا في نيقية. ![]() القسم الثالث جهاد أثناسيوس في مجمع نيقية 20 مايو 325 م. - 25 أغسطس 325 م أولًا: أين ومتى انعقد المجمع؟ * إن سر نصرة أثناسيوس في مجمع نيقية كان يكمن بصورة أساسية في ثقته بالمسيح الفادي الذي كان يدافع عنه فكان أثناسيوس يملك الحقيقة لا في عقله ولا في لسانه فحسب بل في قلبه في شخص يسوع المسيح إلهنا الذي كان يتكلم فيه بروحه القدوس عند افتتاح فمه. 1- انعقد هذا المجمع في مدينة نيقية القريبة من القسطنطينية. 2- كان الانعقاد رسميًا في 20 مايو 325 م. 3- وقام المجمع بإسناد منصب الرئاسة إلى هوسيوس أسقف قرطبة وكان شيخًا وقورًا مهيبًا حاز ثقة الإمبراطور وفاز باحترام الجميع. 4- وكان أعظم الحاضرين شأنًا هو البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية وهو البابا الوحيد الذي كان يحمل هذا اللقب داخل المجمع في ذلك العصر وكان معه رئيس شمامسته وسكرتيره الخاص أثناسيوس كما حضر معه الأنبا بلامون أسقف هرقلية بأعالي النيل والأنبا بفنوتيوس أسقف طيبة الذين قلعت عيناهما وكويت حواجبهما بالحديد المحمى بالنار في أيام الاضطهاد. 5- وكان معظم الأساقفة الحاضرين للمجمع من الشرق وعددهم 310 أسقف وثمانية أساقفة فقط من الغرب ليصبح المشاركين في أعمال هذا المجمع هو 318 أسقف. ![]() * وكان بين الحاضرين للمجمع نساك من الصحراء ورجال ذاقوا مرارة الاضطهاد والتعذيب، كذلك كان هناك بعض الفلاسفة الوثنيين الذين ساقهم حب الاستطلاع إلى هذا المحفل العظيم. * وحضر أريوس المبتدع الكافر وكان وقت انعقاد المجمع يناهز الستين من عمره وكان معه أنصاره ومنهم يوسابيوس أسقف نيكوميديا. ![]() ثانيًا أسباب انعقاد المجمع: * يمكننا أن نحدد الدواعي والبواعث التي قام على أساسها مجمع نيقية في الأمور الآتية: 1- وضع حد نهائي للخلاف الذي قام بين كنيسة الإسكندرية من جهة وبين أريوس وأتباعه من جهة أخرى حول لاهوت السيد المسيح. 2- تحديد يوم عيد القيامة. 3- قضية إعادة معمودية الهراطقة. 4- قضية انشقاق ملاتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط). 5- زواج رجال الإكليروس. ![]() ثالثًا: الجلسة الإفتتاحية للمجمع: 1- تم عقد المجمع في قاعة من قاعات قصر الملك وهو بناء من الأبنية الرومانية الفخمة. 2- افتتحت الجلسات رسميًا يوم 20 مايو 325 م. 3- ثم بعد ذلك أخذ المجمع يزاول قضاياه وموضوعاته فنظر في قضية أريوس المبتدع الكافر وحدثت مجادلات كثيرة ونقاش حاد ورفعت الجلسة الأولى دون الوصول إلى قرار ما. ![]() رابعًا: جدول أعمال مجمع نيقية وأحكامه: 1 هرطقة أريوس (Arius): * قدم أريوس المبتدع الكافر أفكاره ومعتقداته في اليوم التالي لانعقاد المجمع المقدس وفتح فمه الدنس وافترى على السيد المسيح له المجد بأنه لم يقم منذ الأزل إلهًا بل هو كائن وسيط بين الله والإنسان. أخرجه الله من العدم لكي يخلق به بقية الخلائق وانه كابن ليس مساويًا للآب في الأزلية وليس من جوهره. * وقد حبك دعواه في عبارات خلابة وقرأ على المجمع بعض أبيات من قصائده وبعض أناشيده وما أن سمع الأساقفة هذه الأقوال حتى هاج الجميع لما حوته من بدع وأضاليل وإذ أخذ أريوس يدافع عن معتقده زاد سخط المجمع بانقضاض البعض منهم على الأوراق التي كانت تحتوى على الترانيم وتمزيقها ليس من أجل المغالطات اللاهوتية التي تضمنتها فقط بل أيضًا لاستخفاف أريوس بالحقائق الدينية عامة. * وهنا انبرى أثناسيوس وأفحم أريوس بردوده القوية وحججه الدامغة التي أظهرت فساد وضلال آرائه. * وأخذت الدهشة الأساقفة من موقف أثناسيوس العظيم الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره وفرحوا فرحًا عظيمًا لفصاحته وبلاغة عباراته ونبوغه وقدرته العظيمة على إثبات الإيمان المستقيم. ليس ذلك فحسب بل نظر إليه الإمبراطور قسطنطين مندهشًا من علمه وبلاغته وقال له "أنت بطل كنيسة الله" ودعى الإمبراطور الجميع للهدوء. * وعندما بدأ الآباء في تحديد العقيدة السليمة رأوا أن أريوس وأتباعه يقبلون الألفاظ الموضوعة لكنهم يعنون بها أمرًا آخر ويؤولونها بما يكون لصالح عقيدتهم الفاسدة. وهنا كان لابد وأن أثناسيوس يتدخل واقترح أن تضاف على العقيدة هذه العبارة (Homo-ousion) ومعناها جوهر لإثبات أن المسيح من جوهر الله ومعادل له. * وعارض الأريوسيون هذه الإضافة واقترحوا استبدالها بعبارة (Homoi-ousion) ومعناها مشابه في الجوهر وترك للمجمع الفصل أي العبارتين أصح. * ورغم أن العبارة الأخيرة لا تزيد سوى حرفًا واحدًا على الأولى. إلا أنها تختلف عنها معنويًا اختلافًا كبيرًا وبعد مجادلات وحوارات ونقاش كبير أخذ المجمع بعبارة أثناسيوس. * بعد توالى الجلسات اقترحت غالبية الأعضاء وضع قانون الإيمان وتم وضعه فعلًا ابتداء من عبارة "نؤمن بإله واحد" إلى عبارة "ونؤمن بالروح القدس" ووقع بالموافقة عليه 318 أسقفًا عن رضى تام وقبول وارتياح. ورفض التوقيع أريوس ومن شايعوه فقرر المجمع إيقاع الحرم عليهم ونفى أريوس إلى الإليريكون بجوار بحر الأدرياتيك وحرق جميع كتبه. * وانتخب الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًا ثلاثة لوضع دستور الإيمان (قانون الإيمان) منهم اثنان مصريان هما البابا ألكسندروس وسكرتيره الخاص أثناسيوس أما الثالث فكان ليونيتوس أسقف قيصارية الكبادوك. فكان هذا الانتخاب بمثابة اعتراف صريح بثقة هؤلاء الآباء في مقدرة أبناء مصر وفي رسوخ إيمانهم وحسن تعبيرهم عن هذا الإيمان. * بعد الانتهاء من مناقشة بدعة أريوس وإعلان قانون الإيمان بدأ المجمع في مناقشة بقية القضايا المعروضة. 2- تحديد عيد القيامة المجيد: قرر المجمع أن يعيد جميع المسيحيين في موعد واحد هو يوم الأحد الذي يلي الفصح اليهودي وأسند لبابا الإسكندرية مسئولية إبلاغ أساقفة العالم عن موعد عيد القيامة. 3- في مسألة ملاتيوس أسقف أسيوط: قرر المجمع حفظ حقوق بابا الإسكندرية الواجبة في رئاسته على الأساقفة الذين في إقليم مصر. 4- في مسألة معمودية الهراطقة: أيد المجمع رأى الكنائس الشرقية في عدم إعادة معمودية من هرطق عند رجوعه.. بينما لابد من إعادة معمودية من عمدهم الهراطقة. 5- زواج الكهنة: قرر المجمع السماح لمن يريد من الكهنة أن يتزوج مع الاحتفاظ ببتولية الأساقفة وعدم زواج الكهنة المترملين. ![]() خامسًا: حوادث هامشية حدثت في نيقية: * اثبت المؤرخون بعض الحوادث في سياق حديثهم عن مجمع نيقية ندونها لعلها تعطينا فكرة متكاملة عن هذا المجمع المقدس. * دون المؤرخ دين ستانلى في كتابة Lectures on History of the Eastern church). ![]() هاتين الحادثتين الطريقتين: 1- كان ضمن الآباء الذين اهتموا بالذهاب لحضور المجمع الأسقف اسبريدون اليوناني نائبًا عن جزيرة قبرص وكان هذا الأب مشهورًا بسذاجته وبساطته الكاملة، وفي الطريق مال إلى فندق ليستريح، فوجد هناك عددًا ليس بقليل من الأساقفة الذين جاءوا لنفس الغرض وكان هذا الأسقف البسيط يحمل أمتعته على بغلين أحدهما أحمر والآخر اسود. 2- وعندما رأى الأساقفة الأنبا أسبريدون خافوا لئلا يخدعوه الأريوسيون لبساطته إذا ذهب إلى نيقية وفكروا فيما بينهم في الطريقة التي تأخره عن متابعة سيره وأخيرًا قرروا ذبح البغلين! وبعد أن نفذوا ذلك قاموا مبكرين وساروا في طريقهم إلى مقر انعقاد المجمع! ولما قام الأسقف سبريدون أمر خادمه بإعداد العدة وإحضار الدابتين بمتابعة السير وكم كانت دهشة الأسقف عظيمة عندما عاد إليه الخادم بعد قليل يقول في رعب. * "لقد ماتت الدابتان! ذبحهما الأريوسيون!" وهنا ذهب مع خادمه إلى الحظيرة وكان الظلام باقيًا وأمره أن يلصق الرأسين المقطوعتين بالجثتين ثم صلى ورسم علامة الصليب فنهضت الدابتين سليمتين كما كانتا!! ثم استأنف سيره وما أن أشرق النور حتى أبصر الأسقف فإذ برأس البغل الأسود قد صارت على جسد الأحمر ورأس الأحمر لصقت بجسد الأسود، فسجد لله شاكرًا ولما وصل إلى نيقية استقبله الأساقفة الذين عملوا معه هذه الحادثة كي يعيقوه عن الحضور وتأكدوا من قداسته عندما رأوا اختلاف اللونين في الدابتين. 3- عندما وقف أريوس وأعلن عقيدته الفاسدة غضب الأساقفة واندفع القديس نيقولا أحد الآباء اليونان وضرب المبتدع على فمه. * ولما شكا أريوس أمره للإمبراطور حكم الآباء باستبعاد هذا القديس من المجمع وسجنه بعد أن أخذوا قلنسوته وإنجيله! ولكن ما أن ذهب نيقولا إلى السجن حتى ظهرت له السيدة العذراء ليلًا ممسكة بذراع يسوع المسيح ابنها الحبيب الذي اقترب من الأسقف وسلمه الإنجيل مبتسمًا كما وضعت العذراء القلنسوة على رأسه! * وعندئذ خرج من الحبس فرحًا وذهب لآباء المجمع حيث أراهم الإنجيل والقلنسوة فتعجبوا وباركوا غيرته وأبطلوا الحكم الذي أصدروه قبلًا. * كذلك حادثتين أخريتين ذكرتا أثناء الحديث عن مجمع نيقية في كتابات المؤرخين عن موقف الإمبراطور. 4- رأى الإمبراطور أحد الأساقفة، المسمى أكاكيوس جالسًا وحده فسأله عن سبب ذلك ولماذا يرفض الجلوس مع بقية الأساقفة، فقال أكاكيوس "أنه لا يجوز ليَ أن اشترك مع الذين يقبلون الساقطين في الخطية المميتة إذ لا غفران لهم" فنظر إليه الإمبراطور وقال له: "أنصب سلمًا يا أكاكيوس وأصعد وحدك إلى السماء". 5- انتهز البعض فرصة قدوم الإمبراطور للمجمع وقدموا إليه بعض العرائض والشكاوى في حق بعض الأساقفة، وكم كان موقف الإمبراطور عظيمًا عندما احضر موقدًا وأحرق فيه كل ما تسلم من العرائض والشكاوى قبلما يقرأها ثم قال للجميع: "لو نظرت بعيني أحدًا من ذوى الكهنوت في ريبة لسترته بإرجوانتى". ![]() القسم الرابع: فترات النفي الخمس أولًا: أثناسيوس بطريركًا 1- بعد انتهاء مجمع نيقية وعودة الأساقفة رجع البابا ألسكندروس وتلميذه أثناسيوس إلى الإسكندرية بمجد عظيم. 2- لكن لم تمض على ذلك سوى خمسة شهور وتنيح المغبوط القديس العظيم البابا ألكسندروس في (22 برمودة 17 إبريل 328 م) وكان ذلك أثناء الصوم الكبير الذي لمخلصنا الصالح. 3- وقبل نياحة البابا وهو في النزع الأخير وكل الإكليروس مجتمعون حوله يتباركون منه أوصى البابا بانتخاب أثناسيوس خليفة له ليجلس على الكرسي المرقسي إلا أن أثناسيوس حاول الهرب من عبء هذه المسئولية المملوءة بالمخاطر والمشقات وعندما تأكد للبابا أن أثناسيوس قد هرب قال: "وهل تظن أن بهروبك يمكنك أن تفلت........ لا يمكن". ومن هنا بدأ الشعب البحث عن أثناسيوس حتى وجدوه وأحضروه من البرية حيث كان مختبئًا بها وتمت رسامة أثناسيوس بطريركًا في (8 يونيو 328 م) وبالفعل تم تنصيب أثناسيوس بطريركًا على الإسكندرية ليكون ترتيبه العشرون في عداد البطاركة العظماء وكان عمره وقتئذ لم يتجاوز الثلاثين. 4- ولأول مرة يجتمع 50 أسقفًا لرسامته ووضعوا الأيدي عليه وقد قام الأريوسيون بمحاولة لمنع انتخابه خوفًا من شخصيته القوية ومقاومته لهم، ولكن هيهات فلم يفلحوا وباءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع. ![]() بداية أعمال البابوية: 1- لم يكد أثناسيوس يرتقى كرسي العظيم مار مرقس حتى قام الأريوسيون وحاولوا إسقاطه وفي الجانب الآخر كان كثير من الأرثوذكسيين يقفون بكل قوة مدافعين عن الرسامة القانونية التي لأثناسيوس ومنهم القديس باخوميوس الناسك المصري الذي عندما جلس أثناسيوس على الكرسي البابوي رأى رؤيا يخاطبه روح الله قائلًا: "إني قد أقمت أثناسيوس عمودًا ونورًا لكنيستي وستناله شدائد وتلقى عليه تهم كثيرة لأجل مناضلته عن حق الديانة إلا انه بالقوة الإلهية يظفر بكل التجارب ويبشر الكنائس بحق الإنجيل. 2- وفي بداية أعماله البابوية تم تبشير الحبشة بالإنجيل المقدس على يد فرومنتيوس. 3- وانتهز البابا أثناسيوس فرصة السلام والهدوء فأخذ ينشر الكرازة داخل القطر وخارجه فبدأ بزيارة رعوية لأنحاء البطريركية مبتدءًا من الإسكندرية مارًا بالصعيد حتى أسوان. ![]() ثانيًا: مراحل النفي الخمس الشدائد والاضطهاد ونفيه خمس مرات: * إن انتصار أثناسيوس في مجمع نيقية وجلوسه على عرش مار مرقس كان له أثر كبير في تألب أريوس وأتباعه عليه حتى أنهم أقسموا على التخلص من أثناسيوس بأي شكل لأجل هذا قضى القديس أثناسيوس الرسولي أكثر سني حياته في جهاد رسولي مضني ضد الأريوسية والأريوسيين كما انه في سبيل كل هذا احتمل الكثير من الآلام والاضطهادات بل لقد نفى وأبتعد عن كرسيه خمس مرات. * وهكذا كان جهاد أثناسيوس ونفيه يتعلقان بتاريخ كل من مصر والكنيسة والإمبراطورية الرومانية بوجه عام وكانت التهم التي وجهت إليه كانت ذات طابع طائفي وسياسي وكانت تستهدف الأضرار به شخصيًا لأنه من يستطيع أن يحارب أثناسيوس في العقيدة. ![]() النفي الأول: إلى تريف Treves: * انتهز الحاقدون من الأريوسيين انتقال البابا ألكسندروس إلى فردوس النعيم وبدأوا العمل في إعادة أريوس من منفاه مستغلين في ذلك أخت الإمبراطور قسطنطين وتدعى كونسطاسيا التي أوصت أخاها وهى على فراش الموت بقبول أريوس وتمكنوا من إقناع الإمبراطور بذلك واستدعاه سنة 328 م. حيث قام بإدعاء التوبة وكتب قانون إيمانه بصيغة ملتوية أقنعت الإمبراطور الذي أصدر أمرًا بتبرئته والعفو عن الأساقفة الأريوسيين الذين نفوا قبلًا. * وما أن جلس هؤلاء الثعالب على كراسيهم حتى عقدوا مجمعًا في أنطاكية سنة 329 م. وأصدروا حكمًا بعزل بعض الأساقفة الأرثوذكسيين كما أخذوا توصية من الملك مع إقرار إيمان أريوس وأرسلوهما إلى أثناسيوس يبلغانه بقرار المجمع ويطلبان منه قبول أريوس. * أما أثناسيوس رفض هذه التمثيلية رفضًا تامًا وقام بطرد أريوس من الإسكندرية وسارع بالكتابة للإمبراطور قائلًا: "إنني لا يمكنني أن اقبل في كنيستي رؤوس الهراطقة المحرومين من المجمع النيقاوي وإن الكنيسة عمومًا لا تقبل في شركتها أناسًا ينكرون ألوهية يسوع المسيح". ومنذ تلك اللحظة قام الأريوسيون بإعلان الحرب صراحة على أثناسيوس. أولًا: وشوا به لدى الإمبراطور قائلين انه وضع على مصر ضريبة جديدة لزيادة أرباح الكنيسة وعمل توانى بيضاء من الكتان للإكليروس وهذا معناه أن أثناسيوس اغتصب حقًا من حقوق الحكومة الرومانية وهى فرض الضرائب ولكن الله سخر لأثناسيوس كاهنين كانا مع الملك فبرأه من هذه التهمة. ثانيًا: وشوا أيضًا بأن أثناسيوس ساعد أحد أعداء المملكة يدعى فيلومينوس الذي كان عازمًا على أن يملك بلاد مصر وأن يشق عصا الطاعة على الإمبراطور إلا أن أثناسيوس قام بتبرئة نفسه أمام الإمبراطور من هذه التهمة أيضًا * ولم يكتف الأريوسيون بذلك بل قاموا بتلفيق بعض التهم الأخرى لأثناسيوس للإضرار به وتشويه سيرته العطرة وعقدوا مجمعًا في صور عام 334 م. وطلبوا أثناسيوس ليدافع عن نفسه ونظرًا لأن البابا كان يعلم أغراضهم الخبيثة امتنع عن الحضور ولكن اضطر للحضور بأمر الملك إلا أن البابا لم ينل الاحترام اللائق نظرًا لأن كل أعضاء المجمع كانوا من الأريوسيين وتعددت التهم وافتراءاتهم الدنيئة. ثالثًا: ادعوا عليه أنه قام بكسر كأس القس اسخيراس الهرطوقي وهدم مذبحه وحرق كتبه ولكن رغم اتفاقهم مع هذا القس سرًا لإثبات تهمتهم، فإنه ندم على موافقتهم وحضر إلى المجمع بنفسه وبرأ القديس أثناسيوس!! ثم وقع بخط يده وثيقة تفيد ذلك رابعًا: ادعوا عليه أنه ارتكب الفحشاء مع بتول راهبة وأدخلوا امرأة زانية ادعت في مجمعهم أن أثناسيوس اغتصبها وأفسد بكارتها. فقام القس تيموثاوس تلميذ البابا أثناسيوس موهمًا إياها بأنه هو أثناسيوس إذ لم تكن تعرفه وقال لها "أنا أيتها المرأة التي زنيت بك كرهًا"، فأجابت تلك الفاجرة بجسارة أهل الشر "نعم أنت يا أثناسيوس الذي أغويتني وأفقدتني عفتي التي نذرتها للرب"، ثم تظاهرت بالبكاء طالبة من المجمع أن ينتقم لها ممن أفسد عفتها الأمر الذي أضحك الأرثوذكسيين وأخجل الأريوسيين. خامسًا: ادعوا عليه أيضًا أنه قام بقتل الأسقف أرسانيوس أسقف هبسيل (الشطب) وقطع ذراعه واستخدمها في السحر والشعوذة. وكان هذا الأسقف مازال على قيد الحياة لكنهم اتفقوا معه على الاختفاء في الصعيد لحين الانتهاء من دعواهم وقاموا بإحضار ذراع أحد الموتى كدليل على التهمة أمام المجمع. واستطاع أثناسيوس وأتباعه القبض على أرسانيوس الذي أعترف أمامهم بكل شيء فأخفاه البابا لحين انعقاد المجمع ولما عرضت التهمة على المجمع قال أثناسيوس من منكم يعرف الأسقف أرسانيوس؟ فقالوا "كلنا نعرفه فأحضره البابا وسطهم ولما اعترفوا انه هو أرسانيوس بعينه أنزل البابا أثناسيوس الرداء عن ارسانيوس واظهر يديه صحيحتين ثم قال لهم ولمن اليد الثالثة المقطوعة؟ وهنا شعر الأريوسيون بالخزي والعار وهاجوا مضطربين مبررين موقفهم المخزي قائلين "إن أثناسيوس ساحر" وأرادوا الفتك به وقتله غير أن أحد الأمراء يدعى ديونيسيوس كان حاضرًا المجمع خلصه من أيديهم وأنقذ حياته.. ![]() * وبعد ذلك ترك أثناسيوس مدينة صور متوجهًا للإمبراطور لعرض أمره عليه ولكن لم يتمكن من مقابلته وأخيرًا انتهز أثناسيوس فرصة خروج الإمبراطور قسطنطين للنزهة فاعترض شارحًا له اضطهاد الأساقفة المجتمعين في صور له. وقد أثر الحديث الذي دار بينهما في نفس الإمبراطور تأثيرًا جعله يبعث بخطاب إلى جميع الآباء في صور طالبًا إليهم الحضور إلى القسطنطينية فورًا. * ونظرًا لأن كل التهم السابقة قد فضحت أفكارهم إلا أنهم اتفقوا على تلفيق تهمة أخرى ضد أثناسيوس وعندما مثلوا أمام قسطنطين الملك لم يعيدوا سرد القصص التي ناقشوها في المجمع والتي تتعلق بالكأس والمرأة الساقطة وبأرسانيوس إذ وجدوا أن الإمبراطور لن يقبل هذه الأمور. سادسًا: لذا اتهموا أثناسيوس باستغلال نفوذه وصمم على منع تصدير القمح من الإسكندرية للقسطنطينية ولقد كانت لتلك التهمة أفظع الأثر في نفس قسطنطين حتى انه أمر بنفي أثناسيوس من القسطنطينية إلى تريف (وهى مدينة تقع جنوب غرب فرنسا على الحدود الفرنسية البلجيكية وهى تابعة لفرنسا الآن) وعندئذ قال القديس للملك "أن الله سيقوم ديانًا بيني وبينك أنت الذي قبلت شكوى أعدائي وصدقتها" وكان هذا أول نفى ذاقه حامى الإيمان وكان الموكب الذي أقل البابا أثناسيوس من القسطنطينية إلى تريف حافلًا بكل الاحترام اللائق حيث استقبله مكسيميانوس أسقف تريف وأبدى له كل الإعجاب بشخصيته الفريدة ودفاعه المجيد عن الإيمان الأرثوذكسي كما كان في استقبال البابا وأساقفته الأرثوذكسيين قائد جنود المملكة الرومانية في الغرب قسطنطين الصغير وكان ذلك في 5 فبراير 335 م. حيث قوبل البابا وأساقفته بحفاوة بالغة وإجلال عظيم. ![]() النهاية البشعة لأريوس: * عندما نجح الأريوسيون في إبعاد أثناسيوس عن كرسيه الإسكندري ونفيه إلى تريف سعوا لإرجاع أريوس إلى حظيرة الكنيسة فتوسطوا لدى الإمبراطور مدعيين أن أريوس قد تاب فصدق إدعاءهم وأمر بعودة أريوس وأتباعه إلى الإسكندرية لكن الشعب الأرثوذكسي في الإسكندرية أغلق في وجهه أبواب الكنائس وأجبره الوالي على ترك المدينة خشية حدوث ثورة حقيقية فلما أخبروا الإمبراطور قسطنطين بموقف أريوس أرسل يستدعيه للقسطنطينية. * عندئذ أرسل الإمبراطور إلى ألكسندروس أسقف القسطنطينية يطلب إليه قبول أريوس في كنيسته غير أن أسقف القسطنطينية أرسل للإمبراطور قائلًا إن الذي حرم أريوس مجمع مسكونى فلا يحله الا مجمع مسكونى لكن هذا الرد أهاج قسطنطين الذي أمر الأسقف الجليل بالسماح لأريوس بأن يقيم الصلاة في كنيسته أول يوم من أيام الآحاد. ولعل أعظم وصف لهذه المأساة ذكرها سقراط المؤرخ في (ك1 ف68) فكتب يصف هذا المشهد المؤثر بتفصيلاته يقول: * (" وكان الكسندر أسقف القسطنطينية... رجلًا ذا تقوى صادقة،.. هذا لما واجه هذه الأعمال دخلت نفسه في ضيقه وخصوصًا لما هدده يوسابيوس النيقوميدى بعنف أنه سيسقطه عن كرسيه إن لم يقبل أريوس وكل شيعته في شركة الكنيسة. * أما ألكسندر فلم يرعبه التهديد بخلعه من كرسيه بقدر ما أرعبه الخوف على الخراب الذي سيحل بمبادئ الإيمان. الأمر الذي كان يسعى إليه هؤلاء الأريوسيون باجتهاد فاعتبر نفسه إزاء هذا الموقف أنه معين ليكون حارسًا للعقيدة المسلمة إليه بكل مقررات مجمع نيقية، فبدأ يجاهد بكل قوته ليمنع عن الإيمان أي تحريف أو فساد وعندما حصر نفسه في هذا الهدف اعتزل كل محاجاه ومنطق وجعل الله ملجأه وكرس نفسه للصوم المتواصل ولم يكف قط عن الصلاة وأغلق على نفسه الكنيسة المدعوة "إيريني" وصعد إلى المذبح وانطرح على أرضه أمام المائدة المقدسة وسكب دموعًا حارة بصلوات وبكاء وبقى على هذا الحال عدة أيام وليالي متوالية...") * ويستأنف المؤرخ سقراط حديثه فيعطينا تفصيلات أكثر فأكثر عن نهاية أريوس البشعة إذ يقول: * (كان الوقت يوم سبت، وكان أريوس يتوقع أن يجتمع بالكنيسة (ودخول الشركة) في اليوم الثاني ولكن النقمة الإلهية أخذت حقها تجاه جرائمه لأنه حالما خرج من قصر الإمبراطور تحيط به زمره من شركاء يوسابيوس كحراس، صار يستعرض نفسه بعظمة وسط المدينة وهو يجتذب أنظار الشعب كله فلما اقترب من القصر المسمى " محكمة قسطنطين " أخذته رعدة وفزع من الضمير فأصابه إسهال عنيف فطلب مكانًا يقضى فيه حاجته فاقتادوه إلى (مرحاض) خلف "المحكمة" وفي الحال أفرغ أحشاؤه فخرجت أمعائه مع نزيف حاد وأصابه إغماء ومات. ولا يزال موقع هذه النقمة يرى إلى هذا اليوم في القسطنطينية... وبسبب هذا الحادث المرعب امتلأ يوسابيوس النيقوميدي وكل شيعته من الخوف والرعب وخرجت الأخبار بسرعة لتملأ المدينة كلها وكل العالم). ![]() النفي الثاني: إلى روما: * ظل الكرسي الإسكندري شاغرًا طوال نفى أثناسيوس لأن الشعب المسيحي لم يسمح بجلوس غيره عليه وكان الأقباط الأرثوذكس يكررون مطالبهم برجوع أسقفهم وراعيهم وخرجوا في مظاهرة للمطالبة به في الكنائس والتجأوا إلى الأنبا أنطونيوس الذي كتب رسائل في ذلك الموضع إلى الإمبراطور ولكن كل هذا ذهب سدى. لأن العناية الإلهية لم تمهل قسطنطين عمرًا أطول فمات عام 337 م. وقسمت مملكته بين أولاده الثلاثة وكانت مصر تحت حكم قسطنطيوس أما فرنسا والغرب فكانت من نصيب قسطنطين الصغير الذي كان يحب أثناسيوس وتوثقت بينهما صداقة متينة وقد أرسل قسطنطين الصغير رسالة إلى أخيه يطلب فيها إعادة البابا أثناسيوس إلى كرسيه لأن هذه كانت رغبة أبيه قسطنطين الكبير قبل وفاته وبالفعل عاد أثناسيوس على الفور مبجلًا معظمًا عام 338 م. كذلك عاد معه جميع الأساقفة الأرثوذكسيين من منفاهم ووصل أثناسيوس إلى الإسكندرية في نفس السنة بعد غيبه سنتين وأربعة أشهر وأحدى عشر يومًا وقد خرجت الإسكندرية كلها فرحة برجوع باباها العظيم واحتفوا برجوعه احتفاءًا عظيمًا وأقاموا لذلك احتفالًا أقرب إلى الاحتفال باستقبال الملوك والقياصرة ووصف هذا الاحتفال بأنه كان احتفالًا مصريًا بحتًا ومن الاحتفالات التي كلما يجود الزمان بمثلها والتي تبقى صورتها حية في آذان من شاهدها كأنها أبدع ما كان. * وفي غمرة هذه الأحداث المبهجة لم يترك الأريوسيون البابا أثناسيوس ليستريح ولو لفترة قصيرة إذ سرعان ما قرروا تعيين بطريرك أخر على الإسكندرية هو غريغوريوس الكبادوكي إلا أن الشعب قاوم ذلك مقاومة عنيفة. الأمر الذي جعل الأريوسيين يهجمون على الكنائس مع بعض الجنود واتفقا أن كان ذلك يوم جمعة الصلبوت وقاموا بقتل من كان في الكنيسة واعتدوا على حرمة الفتيات والسيدات اعتداءًا وحشيًا كل ذلك بدون أي سبب إنما لإجبار الشعب على الانضمام للأريوسيين. * وهنا بعث البابا برسائل إلى أساقفة العالم كله يستنجد بهم من فظاعة هذه الأحداث ويقول: "استغيث بكم وبالأرض وبالسماء مما حل بكنيستي أنى أستغيث بكم استغاثة ذلك اللاوي أفرام الذي عندما ماتت زوجته بعد أن اغتصبها منه أعداؤه قسم جثتها إلى أثنى عشر قسمًا وبعث بكل قسم منها إلى كل سبط من أسباط يهوذا الاثني عشر ليجتمعوا جميعًا ويأخذوا بثأر تلك الزوجة التي تمثل الأسباط كلها..." * فهو يحذرهم في هذا النداء بأن كلا منهم مهدد باغتصاب كرسيه بهذه الطريقة ويختم كلامه قائلًا فلا تتركوا الأمور تصل إلى هذا الحد ولا تسمحوا أن تداس كنيسة الإسكندرية المجيدة بأقدام الهراطقة... * وإذ لم تجد الرسائل أي صدى عزم البابا أثناسيوس على عرض قضيته أمام العالم كله فسافر إلى روما وهناك قوبل بحفاوة بالغة من أسقفها يوليوس وعقدا مجمعًا سنة 347 م. في سرديقيا (صوفيا) مكون من 170 أسقفًا (100 من الغرب، 70 من الشرق) ورأس المجمع هوسيوس أسقف قرطبة وقرروا الآتي: 1- براءة القديس البابا أثناسيوس الرسولي حامى الإيمان مما نسب إليه زورًا وبهتانًا. 2- حرم جميع الأساقفة أتباع أريوس. 3- التأكيد على قانونية مجمع نيقية المسكونى الأول. 4- خلع وعزل وطرد غريغوريوس الكبادوكي الذي عين بطريركًا على الإسكندرية بواسطة الأريوسيين. * ووافق على هذه القرارات حاكم رومية الإمبراطور قسطنطس وطلب من شقيقه قسطنطيوس حاكم الشرق تنفيذها ووافقه قسطنطيوس ورجع البابا أثناسيوس إلى كرسيه دون أي شروط وفي هذه الأثناء قامت ثورة في الإسكندرية ضد غريغوريوس الكبادوكي الأخير أدت إلى قتله الذي عزز من عودة القديس أثناسيوس إلى كرسيه بكل قوة وهكذا رفرفت أجنحة السلام على ربوع كنيسة الله في الإسكندرية مرة أخرى. ![]() النفي الثالث إلى البرية: * تعتبر الفترة من (24 بابة 21 أكتوبر سنة 346 م) حتى (13 أمشير - 8 فبراير سنة 356 م) وهى حوالي تسع سنوات وثلاثة أشهر وتسعة عشر يومًا - تعتبر أطول فترة سلام قضاها أثناسيوس على كرسي مارمرقس بدون اضطرابات أو قلاقل وكان وقتها قد بلغ الثامنة والأربعين من عمرة المبارك وكان الإكليروس وكان الشعب ينظرون إليه كأحد الشهداء المعترفين لما لاقاه من اضطهاد وظلم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وانتهز أثناسيوس هذه الفرصة فقام برسامة بعض الأساقفة وحرر رسالة دورية لجميع الكنائس المسيحية كما دون الكثير من الرسائل العقائدية القيمة. لذلك نستطيع أن نعتبر كل هذه المدة أي العشر سنوات كفترة عمل هيأها الله للعمل والبناء والتعليم والرعاية. * وعاد الأريوسيون لمناصبة العداء مرة أخرى لأثناسيوس منتهزين فرصة قتل قسطنطوس قيصر روما (إمبراطور الغرب وصديق أثناسيوس) في انقلاب عسكري عند سفح أحد الجبال (كان خبر موته صدمة أليمة لأثناسيوس لدرجة أنه لم يحتمل الخبر عند حضور مبعوثي قسطنطيس فبكى) وإنفراد قسطنطيوس الأريوسي بالحكم فأوغروا صدر الإمبراطور ضد أثناسيوس وأخذوا يكيلون لأثناسيوس الاتهامات حتى كانت القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون عندما افتتح أثناسيوس كنيسة السيزاريوم يوم عيد القيامة بالصلاة فيها نظرًا لاتساعها للشعب الذي نما كثيرًا ولا تسعه كنيسة أخرى (كانت وقتئذ توجد تسعة كنائس أخرى) وذلك عوضًا عن الانتظار إلى أن يفتتحها الإمبراطور نفسه فجعلوا منها جريمة عيب في الذات الملكية فأمر الإمبراطور نتيجة لذلك بعقد مجمع من الأساقفة الأريوسيين في مدينة أرل وأصدروا حكمًا بنفي أثناسيوس وعقد مجمع أخر في مدينة ميلان حيث صادق على قرار النفي السابق. * وذهب والى مصر سريانوس إلى البابا أثناسيوس يخبره بحكم النفي شفويًا. إلا أن أثناسيوس رفض هذا الأمر ما لم يكن هناك أمر رسمي من الإمبراطور كتابيًا وعندئذ اغتاظ الوالي جدًا وعاد بعد ثلاثة أسابيع على رأس خمسة ألاف جندي مسلحين حيث حاصروا كنيسة السيدة العذراء التي بناها البابا ثاؤناس وكان البابا يصلى صلاة الغروب مع شعبه وإذ بقائد هؤلاء الجنود يدفع الأبواب بقوة ويدخل جنوده ومعهم بعض المشاغبين إلى داخل الكنيسة. ويصف لنا أثناسيوس ما حدث في هذه الواقعة فيقول: * كنت جالسًا على الكرسي المرقسي، وأمرت الشماس أن يتلوا المزمور 136 وكان الشعب يجاوب قائلًا: "لأن إلى الأبد رحمته" ولما حان وقت الانصراف طرق الجنود جميع الأبواب طرقًا عنيفًا! واندفع العساكر في الكنيسة كالسيل الجارف وهرعوا قاصدين أياى. أما أنا فوقفت وأمرت الشعب بالفرار. ولكن بعضهم اعترض العساكر في طريقهم فذبحهم الجنود وداسوهم تحت أقدامهم عندما كانوا يرقدون نحو ردهة الكنيسة للقبض على الفارين!! ولما انصرف أكثر الشعب جاءا الرهبان مع الذين تخلفوا من القسوس وحملوني خارجًا!! * وغادر الإسكندرية متوجهًا إلى البرية باختياره حيث بقى مع الآباء الرهبان ما يقرب من ستة سنوات تقابل فيها مع الأنبا أنطونيوس كوكب البرية وكم كانت سعادة البابا بوجوده مع الرهبان وعلى رأسهم الأنبا أنطونيوس الذي كانت بينهما صداقة قوية جد * وهكذا استمر أثناسيوس في إدارة كنيسته من البرية ولم يتوان قط عن تشجيع شعبه بالرسائل لكي يثبت على الإيمان المستقيم. بالحقيقة كان أثناسيوس كما يلقبه البعض "بالبطريرك غير المرئي". * استغل الأريوسيون فترة ابتعاد أثناسيوس وعينوا رجلًا كبادوكيًا يدعى جورجيوس بطريركًا بدلًا منه على الإسكندرية فرفضه الشعب الأرثوذكسي فأمعن جورجيوس في اضطهاد الشعب بكافة الطرق والوسائل وارتكب أفظع الجرائم كما سجن أثنى عشر أسقفًا لعدم خضوعهم له إلا أن الوثنيين الذين اضطهدهم جورجيوس قاموا بقتله واحرقوا جثته والقوها في البحر!! * ولم يستمر الحال هكذا فمات الإمبراطور قسطنطيوس وتملك بدلًا منه يوليانوس الجاحد (كان مسيحيًا ولكن أنكرها منذ شبابه خفية وعاد إلى الوثنية) وكان يريد أن يجذب قلوب الشعب فطلب إرجاع أثناسيوس وهكذا عاد القديس أثناسيوس مرة أخرى إلى كرسيه بالإسكندرية. ![]() النفي الرابع: إلى طيبه * انتهز أثناسيوس فرصة عودته للإسكندرية وبدأ في إصلاح ما أفسده الأريوسيون وبذل أقصى جهد لاستتباب أمور الكنيسة ليس في مصر فقط بل خارج مصر أيضًا. * وأول عمل قام به أثناسيوس هو إقامة مجمع في الإسكندرية سمى (بمجمع القديسين والمعترفين) لأن كلهم حضروا إما من نفى أو تعذيب!! وحضرا هذا المجمع 21 أسقفًا في صيف سنة 362 م. كما قام بتبشير الوثنيين وعمد عددًا كبيرًا منهم الأمر الذي كان سببًا في غضب الإمبراطور يوليانوس الجاحد لأنه كان يميل إلى الوثنية فطلب القبض على أثناسيوس وعندما سمع القديس بهذا ترك الإسكندرية راكبًا مركبًا إلى طيبة في الصعيد فتبعه والى الإسكندرية في مركب أخر ولما اقتربت من مركب البابا سأل أتباع الوالي عن مركب البابا فقال لهم أثناسيوس بشجاعة عجيبة نادرة "أنها كانت متجهة ناحية طيبة أسرعوا وراءه هو لا يزال أمامكم ليس ببعيد عنكم". فأسرع الوالي بمركبه في طريقه ولم يعثر على أثناسيوس لأنه كان قد اختفى في مكان أخر حتى وصل إلى طيبه وهناك استقبله بعض الرهبان الباخوميين. * ولم تمض فترة طويلة حتى كان يوم 26 يونيو سنة 363 م. حيث أتم يوليانوس الجاحد حملته وأتجه نحو بلاد الفرس واجتاح جزءًا كبيرًا منها أمامه هادمًا القلاع والحصون واستولوا على مدن كثيرة وعندما دعاه كبرياؤه وصلفه أن يتقدم بجيشه تقدمًا راكبًا على حصانه بدون دروع وإذ بسهم يصيبه في ذراعه وينغرس في جنبه فأخذ ينزف حتى مات!! وقبل أن يموت مباشرة أخذ يوليانوس الجاحد حفنة من دمه وقذفها نحو السماء قائلًا قد غلبتني أيها الجليلي". * وجلس من بعده "جوفيان" ونادوا به إمبراطورًا لروما فأطلق حربة الأديان وقرر إلغاء الأمر الصادر من يوليانوس الجاحد ضد أثناسيوس فعاد القديس إلى كرسيه بعد أن أرسل إليه الإمبراطور جوفيان خطابًا خاصًا مشجعًا إياه ويدعوه فيه للعودة إلى كرسيه وتدبير شئون الكنيسة. ![]() النفي الخامس والأخير في مقبرة أبيه: * بعد ثمانية أشهر فقط من تعيين الإمبراطور جوفيان الطيب القلب الذي أحبه جميع ضباطه وكل الهيئات المدنية والسياسية بالإضافة إلى الكنيسة مات في يوم 17 فبراير سنة 364 م. وتنصب بدلًا منه فالنس الأريوسي أمبراطورًا على الشرق. * ولم يكد يجلس أثناسيوس على كرسيه ليلتقط أنفاسه ويتراءى وسط شعبه الذي تعلق به وأحبه وذلك في الفترة من فبراير 364 م. إلى مايو 365 م. حتى وصل إلى الإسكندرية منشور من الإمبراطور الجديد فالنسى الأريوسي يأمر جميع الأساقفة الذين كانوا في النفي في حكم يوليان بأن يعودوا إلى منفاهم مهددًا إياهم بالغرامة الثقيلة. * وبالفعل لم يقاوم أثناسيوس الذي تجاوز عمره 67 عامًا وانسحب تاركًا الإسكندرية والاختفاء في مقبرة أبيه في اليوم الخامس من أكتوبر سنة 365 م. ولمدة أربعة أشهر. * ولكن الشعب لم يحتمل هذا الأمر فقام بثورة في الإسكندرية عظيمة جدًا لم تستطع قوات الإمبراطور إخمادها وأمام غليان الشعب وثورته أصدر الإمبراطور مرسومًا في أول فبراير سنة 366 م. بإرجاع أثناسيوس إلى كرسيه وبالفعل قام مندوب الإمبراطور بنفسه مع قوة خاصة إلى حيث كان أثناسيوس وأرجعوه بكل كرامة حتى كنيسة ديونيسيوس التي اتخذها أثناسيوس مقرًا له. ![]() ثالثًا: انتقاله * أخذ السلام يعم أعوامًا قليلة استراح خلالها حامى الإيمان الأرثوذكسي من الصراع الدائم الذي دخله اضطرارًا طوال سني حياته. * وهكذا وفي هدوء الملائكة قد طويت صحيفة حياته بعد أن جاوز من العمر 77 عامًا كانت فترة أسقفيته منها نحو 46 عامًا قضاها بطريركًا للإسكندرية وبحق لا نستطيع أن نقول أنها كانت للإسكندرية أو لمصر بل كانت للعالم المسيحي كله!! ![]() القسم الخامس: الدور الشعبي في مساندة أثناسيوس أولًا: دور أمه في تحفيظه الإيمان * كفلته أمه وأرسلته إلى مدرسة مسيحية وهكذا مهدت السبيل لتحقيق الإرادة الإلهية في حياة ابنها العظيم الذي لم يلبث أن صار الحصن الشامخ المنيع للإيمان المسيحي. * ولما بلغ أثناسيوس الخامسة عشر من عمره ساورت أمه المخاوف عليه إذ رأته منشغلا بالكتب أثناء الليل وأطراف النهار ففكرت في أن تزوجه لتشغله عن المطالعة والاستذكار غير أن محاولاتها جميعا ذهبت أدراج الرياح ولما كانت أم أثناسيوس سيدة حكيمة أخذت تفكر في نفسها قائلة "لو تماديت في محاولة إخضاعه لرغبتى لفقدت مودته ألا يحتمل أن يهرب مني إلى الصحراء أو قد ينطوي على نفسه فلا يبوح لي بما في سريرته فخير لي أن أسايره في ميوله لأحتفظ بمحبته وأستطيع أن أسانده وأشاركه أمانيه فأعاونه بذلك على إتمام دراسته". وما أن انتهت إلى هذا القرار حتى استصحبت أثناسيوس إلى الأنبا ألكسندروس وقدمته إليه ليكرس حياته في خدمه الله. ومن ذلك اليوم عاش أثناسيوس برفقه البابا العظيم يهيئ نفسه للجهاد الذي ينتظره. ![]() ثانيا: دور الشعب في حفظ الإيمان 1- إن مصر بمزاجها الروحاني حفظت التقليد الرسولي من جهة الإيمان بالمسيح منذ القرن الأول بصورة عملية وبإيمان حي ملتهب ومارس شعب مصر من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب جوهر الإيمان المسيحي بسر الفداء والخلاص بصورة تفوق كافة أرجاء العالم. 2- لقد كانت حياة وتراث الآباء والعلماء والشهداء (بالأخص استشهاد البابا بطرس خاتم الشهداء) هي الينبوع الذي استقى منه الشعب حتى الشبع ونما عليه وترعرع وجدانه الروحي والإيماني واللاهوتي، إن هذا الشعب هو أولاد الشهداء وتلامذة المعترفين وشركاء آلام المسيح عن جدارة ,لقد رأوا بأعينهم أن آباءهم قبلوا التعذيب والموت معلنين اعترافهم بلاهوت المسيح المصلوب. 3- لذا كان هذا الشعب شبعان باللاهوت وأصبح حياته كلها تنصب فيه لذا استطاعوا أن يميزوا الإيمان الحقيقي ويدافعوا عنه. 4- كثيرا ما كانوا يحفظون الإيمان في صورة ترانيم, وكثيرا ما كانوا يتجادلون مع الأريوسين في الشوارع والأماكن العامة ويفحمونهم بالآيات والشواهد والمنطق , لقد كانوا رائعين في حماية الإيمان في الجبهة الداخلية والتي ارتكز عليها أثناسيوس وأستطاع أن ينتصر في الجبهات الخارجية. ![]() ثالثا: اختيار الشعب له 1- "إنه بأصوات الشعب كله وتشفعاته -وليس بالعنف وإراقة الدماء- بل في وقار رسولي وروحاني أقيم أثناسيوس على عرش مارمرقس" ق. اغريغوريوس النزينزى. 2- "انه قد اختير بأغلبيتنا العظمى في مرآي من جميع الشعب وباستحسانه ونحن الذين أقمناه نشهد بذلك" أساقفة الإسكندرية ومصر وطيبة والخمس مدن وليبيا. ![]() رابعا: الضغط على الإمبراطور 1- أحداث ثورات: ومن أمثلة ذلك * ثورة حين عاد أريوس للإسكندرية جعلت الإمبراطور يأخذه في الإسكندرية. * ثورة على غريغوريوس الكبادوكي. * ثورة على جورج الدخيل أدت إلى موته. * ثورة عند النفي الخامس أرغمت الإمبراطور بعودة أثناسيوس 366 م 2- إرسال احتجاجات وشكاوى للإمبراطور للضغط على الإمبراطور لإرجاع أثناسيوس وكان من مظاهر الضغط : * أن الإمبراطور أرسل رسالة للشعب يوضح فيها موقفة من أثناسيوس في النفي الأول. * أرسل الإمبراطور قسطنطيوس اثنين من أمناء سره بتكليف شفوي لإعلام السلطات المحلية بأمر نفيه وليس (مكتوبا) خوفا من الشعب. ![]() خامسا: رفض الشعب لأريوس 1- في النفي الأول في سنة 336 فيما عاد أريوس وأتباعه إلى الإسكندرية انقلبت المدينة كلها لأن شعب الإسكندرية كان في أشد حالات السخط فلم يجعلوا أريوس يهدأ يومًا واحدًا وأغلقوا الكنائس في وجهه وصارت الإسكندرية في ثورة حقيقية مما أضطر الوالي أن يسحبه من المدينة.... بل أن ثورتهم هذه جعلت الإمبراطور قسطنطين يستدعى أريوس في الإسكندرية على عجل. 2- فرحة الشعب فور سماعه خبر موت أريوس. ![]() سادسًا: رفض البطاركة الدخلاء 1- فرض الأريوسيين "غريغوريوس الكبادوكي" بطريركًا للإسكندرية أ - قام الشعب بالاعتصام في الكنائس لمساندة أثناسيوس ب - كما رفضوا الصلاة معه... ج- بل وفي الأعياد تركوا الكنائس خاوية له... وصلوا في الصحراء. 2- رفض جورج الدخيل بطريركًا للإسكندرية.... وانتهت بقتله. ![]() سابعًا: تحمل الآلام 1 - من غريغوريوس الكبادوكي البطريرك الدخيل أ - قام بذبح كثير من الشعب ب- وضرب بعضهم ضربًا مبرح ج - ألقى كثير منهم في السجن د - ونفى آخرين.. ه وجر النساء من شعورهن وألقاهن في السجن و - جلد في ساعة واحدة 34 عذراء وسيده ورجال من علية القوم 2 - هجوم 5000 جندي على الكنيسة وارتكاب فظائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى وذلك على شعب أعزل يصلى.... (سنشرحها بالتفصيل). ![]() ثامنًا: مظاهر الفرح في إستقبال أثناسيوس 1- في النفي الأول... بعد موت الملك قسطنطين الكبير عمل أولاده على إعادة أثناسيوس إلى الإسكندرية وكم كان يومًا رائعًا هذا الذي عاشته الكنيسة وهى تستقبل راعيها عائدًا إلى كرسيه بعد نفى دام ثلاث سنوات حتى إن القديس إغريغوريوس النزينزي شبهه بيوم دخول السيد المسيح مدينة أورشليم. 2- في رجوعه من النفي الثاني استقبله جموع غفيرة من الشعب وقد خرجوا لملاقاته في الطريق من فلسطين إلى الإسكندرية على بعد 100 ميل. ![]() تاسعًا: شهادة الآباء والنقاد 1- شهادة أنبا باخوميوس: إن معاناة المحن لا تضرنا بل تنفعنا جدًا إذا قبلناها بالشكر لأنها تكون لغسل الذنوب 2- شهادة يوليوس أسقف روما: إيمانكم قد سبق وفاق كل ما يمكن أن أقوله لكم وبهذا الإيمان نلتم كل الرجاء المنتظر كثمرة لصلواتكم. 3- شهادة النقاد: المؤرخ الانجليزي جواتكن أكثر من نقد وافترى على أثناسيوس.... ومع ذلك يقول شهادة رائعة عن دور الشعب....."كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى وخطابًا وراء خطاب كتب أثناسيوس من منفاه الذي كان محوطًا بالكتمان والذي كان لا يرقى إلى معرفته أحد حيث كانت الأيدي المخلصة والأمينة تحمل رسائله هذه بصورة سرية إلى أبعد حدود البلاد " ![]() القسم السادس: الدور الرهباني في مساندة أثناسيوس * راجع الباب الثالث (أعمال الرهبنة) من القسم الثالث لترى الدور الرهباني في مساندة القديس أثناسيوس. ![]() القسم السابع مؤلفات وكتابات القديس أثناسيوس * على الرغم من المشاكل الكثيرة التي كانت تعوق القديس أثناسيوس في الكتابة إلا أنه كان ذو إنتاج وفير حيث مكث 16 سنة منفيًا ولكن حياته كان في جهاد متواصل مع الكنيسة ضد الأريوسية... وقد بدأ الكتابة في سن صغيرة (25 سنة) وظل ينتج حتى سن (78 سنة).. وقد ترك التراث الأتي: م المؤلفات محتواها م المؤلفات محتواها 1 الدفاعات * ضد اليونانيين (الوثنيين).. * حول التجسد.. 7 التفاسير * إلى ماركيللنيوس.. * تفسير المزامير.. * شروحات تفسيرية للعهدين القديم والجديد. 2 الرسائل * الرسائل الاحتفالية (الفصحية) * رسائل خريستولوجية.. * رسائل عن الروح القدس إلى (سرابيون - أبكتيتون - أدولفون). * رسائل دورية بخصوص موضوعات كنسية.. * رسائل مجمعية (رسالة إلى الأنطاكيين، وإلى أساقفة أفريقيا). 8 المقالات (العظات) * آلام الرب وصلبه.. * مقالة عن الآية " كل شيء دُفع إلىّ من أبى".. (لو 22:10) (مت 27:11) 9 كتابات منسوبة للقديس أثناسيوس * نصوص تحمل اسمه في زمنه.. وأخرى في زمن لاحق له وذلك لكي يضمن كاتبيها شهرة ومعرفة أكثر لمحتوياتها فنسبت له.. 3 رسائل ضد الأريوسيين * 3 رسائل ضد الأريوسيين.. * حول ديونيسيوس الإسكندري * إلى أساقفة مصر وليبيا * بقايا من مخطوطات لأعمال له ضاعت نصوصها اليونانية وبقيت في نصوص قبطية وسريانية وأرمنية ولاتينية كثير منها تشير إلى أنه كتبها أثناء فترة النفي 4 تاريخ مقاومة الأريوسية * حول نيقية (دفاع عن إيمان نيقية). * الدفاع الثاني ضد الأريوسيين. * حول مجمع أرمينو وسيلوكيا. 10 التراث العربي للقديس أثناسيوس * هو تراث مترجم إما عن القبطية أو عن اليونانية * في أواخر القرن 18 اهتمت الكنيسة القبطية بترجمة جميع كتابات أثناسيوس من اليونانية إلى العربية.. * إضافة بعض الكُتاب من شروحاته على كتبهم مثل (بولس البوشى). * مساهمة المعلم جرجس الجوهري بالمال في ترجمة أعماله.. 5 دفاعات عن نفسه * دفاع إلى الملك كونستاتتيون * دفاع لأجل هروبه 6 النسكيات * حياة القديس أنطونيوس الكبير * إلى الرهبان * إلى أمون * نصوص قبطية عن البتولية ومتنوعات. ![]() القسم الثامن: مفهوم الاصطلاحات "غير المخلوق" و"المخلوق" في التعاليم اللاهوتية للقديس أثناسيوس بروفيسور بنايوتيس خريستوس " أستاذ علم الآباء بجامعة تسالونيكى - اليونان" مقالة في مجلة دورية (دراسات آبائية ولاهوتية) للمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية السنة الثانية العدد الثالث يناير 1999 * وفي الواقع لا يمكن ابرير الانطباع العام بأن الصراع بين الأرثوذكسية والأريوسية في القرن الرابع والتعاليم اللاهوتية التي أنتجها، كان يدور فقط حول الاصطلاحات " من نفس الجوهر"، "من نفس جوهر مشابه"، "مشابه"، "غير مشابه". وهذا يتضح ليس فقط من عدم استقرار استخدام هذه التعبيرات بواسطة هؤلاء الذين صاغوها، بل أيضًا تحير القديس أثناسيوس بين التعبيرين الأولون منهما... فالقديس أثناسيوس، البطل الأول للأرثوذكسية ضد الأريوسية، ولكي لا يسبب ردود أفعال فإنه بالفعل أفضل أولًا تعبير " من جوهر مشابه " بدلًا من تعبير " من نفس الجوهر " الذي كان يتسبب في انضمام المسيحيين. لكن عندما أدرك أن أنصاف الأريوسيين أعطوا لتعبير "من جوهر مشابه"، معنى يخالف المعنى الذي قصده هو، اختار التعبير الآخر " من نفس الجوهر " والذي هو تعبير نيقاوى أصيل، وذلك لكي يصل في النهاية إلى الوضع الذي أكد منه أن هذين التعبيرين مناسبين التعبير عن العلاقة بين الأقانيم لذلك يهمنا فقط أن نفهمهما بطريقة صحيحة ونفسر معناهما بطريقة مستقيمة. * وليس ما أشرنا إليه فقط أدلة أخرى كثيرة تظهر أن هذه التعبيرات والتي تدور حولها تساؤلات كثيرة، لم تحظى حينذاك بهذه الأهمية الكبيرة التي نعطيها نحن اليوم لها. * وبالرغم أن هذا الاصطلاحات تعكس بالتأكيد بعض وجهات النظر اللاهوتية، وبالأكثر طالما أنها مثلت نقاط مناقشة في المجامع المسكونية التي وضعت قوانين الإيمان، إلا أنها في الواقع كانت بالأكثر " شعارات " في الصراع الدائر، كل كلمة منها تحوى معاني لاهوتية كثيرة كان من الممكن التعبير بها بطريقة كاملة عن التعاليم اللاهوتية الخاصة بعقيدة الثالوث لكل من الأطراف المتصارعة. * وعلى وجه الخصوص، فإن القديس أثناسيوس لم يعط أهمية كبرى للألفاظ وهذا يتضح في كتابات كثيرة له نذكر منها ما جاء في رسالته الأولى إلى سرابيون عن الروح القدس: "أنه يكفى أن نعرف أن الروح ليس مخلوقًا". وليس هناك حاجة إلى أمور أكثر. إن هذا يوضح أين يوجد بالضبط أساس الخلاف اللاهوتي بين الأطراف المتصارعة: ماهية الروح، مخلوق أم غير مخلوق؟ ماهية الابن مخلوق أم غير مخلوق؟ وتتوقف على إجابة هذه الأسئلة كل باقي الموضوعات اللاهوتية والخلاصية. * ومن ناحية أخرى نجد أن القديس أثناسيوس يبنى أساس تعاليمه اللاهوتية، بصفة عامة، على محارب اصطلاحات أريوس الآتية: "من العدم"، "كان وقت لم يكن فيه موجودًا، "طبيعة متغيرة"، "مخلوق"، "مصنوع"، وذلك لأن تلك الاصطلاحات لها علاقة واضحة بعملية الخلق... * إن القطبين المتناقضين في الكون هما "غير الفاني"، "الفاني" وهما يقابلان طريقين للوجود "غير المخلوق"، "المخلوق". وهذا التمييز له علاقة مباشرة بقدرة الله العلاقة، والتي تربط غير المخلوق بالمخلوق. فإن إحضار كائنات مخلوقة إلى الوجود بواسطة القدرات الخلاقة للكائن غير المخلوق تمثل عنصر أساسي للنظرة المسيحية للأشياء فالمسيحيون يربطون الفكرة عن الله بفكرة الخالق. * مع أن نفس الشيء لا يحدث بين الفلاسفة اليونانيين، ومن غير الممكن ألا تذكر هنا التفسير الخاطئ الذي يقال دائمًا في هذه النقطة. وإنه لموقف غريب لكثير من الباحثين الذين يظهرون المسيحية كعدو للهلينية، غير أنه لا مجال ف\هنا الآن لمناقشة هذه الأمر. * على أي حال، فإن الإدعاء المعتاد بلأت رأى الفلسفة اليونانية في هذا الموضوع هو على العكس تمامًا من الرأي المسيحي هو إدعاء يستند على سطحية في البحث غير ميررة. لأن الفلاسفة اليونانيين كانوا يعرفون ليس فقط معنى مصطلح " غير الصائر " كما كان يعرفه أثناسيوس، بل وأيضًا مصطلح "خلق". فبالنسبة لكل النظام الفلسفي اليوناني القديم تقريبًا كان هناك فرق بين الواحد، الكائن غير المتغير، وبين الأشياء الأخرى، المتغيرة والوقتية. * ورغم تأكيدهم على هذا الفرق وقناعتهم الثابتة به، إلا إن فكر الخالق لم تكن موجودة باستمرار في هذه النظم الفلسفية، وإن وجدت فإنها لا تظهر الخالق مؤديًا عمله ولا بنفس القوة، كما هو الحال في الفكر المسيحي. * وسوف نقصر الكلام هنا عن أهم لأثتيت يمثلان الفكر اليوناني. أولًا: أفلاطون يميز بين غير المخلوق والذي هو أزلي، وبين المخلوق والذي هو قابل للفداء. غير أنه يضيف بعد ذلك شيء ثالثًا: وهو "الخاص بالمكان" والذي ربما نستطيع أن نطابقه مع ما يسميه أرسطوطاليس بالمادة. فال "المكان" عند أفلاطون هو المادة التي لا شكل لها والتي يمارس فيها الله فعله. * أما عند أرسطوطاليس فإن المادة تمثل الضرورة والفداء، وهى تمتد أحد معين ومن بعدها يوجد "عالم غير المتغير"، وهو القدرة، فالقدرة فقط هي الفاعل الأول هي الله والذي عن طريق قدرته الفائقة تجبل المادة مرة أخرى متخذة شكلًا ويخلق عالم الفانيات. * وبالتالي فإن فكرة الخالق ترد عند كل من أفلاطون وأرسطوطاليس. لكن الخليقة عند الاثنين تظهر وكأنها خلقت من مادة موجودة. * فالمادة بالتأكيد هي " تقريبًا العدم". فالمادة إذن ليس لها نوع ولا مقدار أو أي شيء آخر من الأشياء التي تحدد الوجود، القائم. * فعند هؤلاء الفلاسفة، وحسب مسلماتهم، فإن الخليقة كان من الممكن أن تعتبر مخلوقة من العدم، لو كانت المادة هي العدم، أي لو كانت هي "غير الموجود". * غير أن المادة -حسب اعتقادهم- ليست هي بالعنصر السلبي فقط، بل هي عنصر إيجابي أيضًا. لأن داخلها الميل نحو التشكل، نحو الإمكانية في حدوث شيء، المادة هي قدرة. وهنا بالضبط يمكن أن الفرق بين هذه الآراء الفلسفية والتعاليم المسيحية التي تنادى بأن الخليقة خلقت من العدم، أي من " لا شيء". فالخالق -حسب الفلسفة اليونانية- قد قام بعمل محدد بعناصر موجودة خارجة وفي هذا فإن الخليقة لا توصف كما توصف في المسيحية. ولقد كان من الطبيعي أن الفلاسفة اليونانيين في فكرتهم عن الله لا يصلون بالضرورة ولا مباشرة إلى الخالق. ![]() * وكان مناسبًا لهم استخدام مصطلحات "غير الصائر" بدلًا من مصطلحات "غير المخلوق"، و"المخلوق". * ومع هذا، وكما أتضح مما سبق فإن معاني المصطلحات "غير المخلوق"، "المخلوق" بكل خصائصها توجد ليس فقط في التعاليم اللاهوتية المسيحية بل أيضًا في الفلسفة اليونانية وهنا ما يهمنا في بحثنا الآن. * وبسبب الأهمية الكبر لمعنى الخليقة في الفكر اللاهوتي المسيحي، فإن القديس أثناسيوس يفضل استخدام مصطلحات "خالق"، "بارى" بدلًا من "غير الصائر" وذلك لأن الأخير يشمل معنى سلبيًا ولا يستطيع وصف القدرة الخلاقة لله. ومع هذا فإن القديس أثناسيوس لا يرفض هذا المصطلح "غير الصائر" بل وأحيانًا يستخدمه طالما أنه كان يمثل شغلرًا على شفاء الأريوسيين في محاولاتهم في التمييز بشدة بين الابن المخلوق والصائر والله غير الصائر". ويستخدم القديس أثناسيوس هذا المصطلح الأخير عادة بتحفظ وفي النادر بغير تحفظ. ومن الجيد أنه يوجه الانتباه إلى أن استخدام هذا المصطلح هو غير مناسب لبيان التميز بين الآب والابن طالما أن هذا المصطلح يدل فقط على التميز بين الخالق والخليقة". * إن الاصطلاحات "صائر"، "غير صائر" تشير إلى وجود فجوة بين الله والعالم وعدم إمكانية إدراك الله. * إن الله الذي يوجد بالأكثر في كل جوهر صائر، هو غير مدرك وذلك لأنه هو غير صائر من جهة، بينما الإنسان جاء من العدم وبالتالي فلا تكون هناك "أي شركة أو أي تشابه بين المخلوق والخالق". * وحسب هذا التمييز فإن القديس أثناسيوس يصف الله مستخدمًا تعبيرات أفلاطون بأنه "غير متغير على كل وجه". بينما توصف المخلوقات على أنها "متغيرة " وذلك لأنها جاءت من العدم عن طريق التغير. * وبسبب طريقة نشأة هذه المخلوقات فليست هناك وجه شبه حسب الجوهر بينها وبين الخالق. إنما لديها ميل طبيعي نحو الفناء، ميل للنقصان، فطالما أنها أتت من العدم فحتمًا تميل للعودة إلى العدم. * والعودة هذه ستتم عن طريق الفناء، فالفناء هو نتيجة. هذه النتيجة يمكن التغلب عليها عن طريق إمداد الإنسان بالمشابهة الكبيرة مع الله وحتى إن احتفظ بها بدون تشوه يتمكن من التغلب على حالة الفساد الطبيعي ولأصبح في حالة عدم فساد (عدم فناء). * لقد أعطى أريوس اهتمامًا زائدًا لموضوع الخلق واضعًا أمامه مدافعي القرن الثاني الميلادي كنماذج له، والمنارخيون المتشددون وبالأكثر أوريجينوس. فليس من السهل تحديد أي مدى استطاع المدافعون عن يميزوا بين مراتب الكيان الإلهي والكشف الإلهي، لكن من المؤكد على أي حال أنهم ربطوا الله (الكلمة) بعمل الخلق بطريقة لا يمكن فصلها. * فلقد ربط كل من أريوس وأوريجينوس وبطريقة حاسمة ميلاد الابن بصيرورة العالم وإن لم يبنوا على هذا الأساس مفهومهم عن كل من ميلاد الابن، وصيرورة العالم. * فأوريجينوس وهو يتبع الخط اللاهوتي المسيحي لم يستطع أن يفكر في الله بدون أن ينتقل حالًا إلى فكرة الخلق. ولكنه أخطأ عندما أراد أن يحدد الأمور تحديدًا دقيقًا حينما ركز بشدة على تطابق فكرة الله مع كونه الخالق، وذلك لمواجهة الآراء الغنوسية التي نادت بالفصل التام بين الفكرتين. وبناء على مبدأ أن الخالق لابد وأن يكون هو الله، استنتج أن الله لابد وأن يكون خالقًا. غير أن هذا الاعتقاد قاد إلى أن الله لابد وأن يكون خاضعًا لضرورة ما، بمعنى أن الله كان دائمًا خالق وأن الخليقة هي نتاج أزلي له وانعكاس طبيعي له بشكل ما. لكن إن كانت الخليقة أزلية - وطبيعي أن الكلمة أيضًا أزلي - إذن فكيان الكلمة يرتبط بالخليقة. ولأن أوريجينوس كان يدرك بالتأكيد الخطر المحدق باللاهوت المسيحي من جراء التعليم بأن العالم هو أزلي مثل الله، فقد نسب أزلية العالم ليس إلى طبيعة الله بل إلى إرادته. غير أن أوريجينوس في هذا الشأن، وفي عثرة ثانية له وبسبب العلاقة النظامية القوية (لله) الكلمة بالعالم حسب ما علم، فقد اعتبر أن الكلمة هو أيضًا مولود من الآب حسب الإرادة. ورفض بذلك الرأي بأن الكلمة مولود من الآب حسب الطبيعة وكأنه انسلق وراء تعاليم الغنوسيين عن الله، بدون أن يعلم أنه في تعليمه هذا يجرد الابن من ألوهيته. حيث أن ولادة الابن من الآب بحسب الإرادة لا تعنى أنه من نفس جوهره لكن فقط حسب النعمة.. * إن فكرة أريوس، التي لا تهتم إلا بإيضاح قدرات الله الخلاقة لها أساس من "التعاليم عن العالم" (كوزمولوجيا) وبدلًا من أن يرفع الخليقة إلى الأزلية كما فعل أوريجينوس، أنزل الكلمة إلى دائرة الزمن. فحقيقة أنه قد وضع وجود الكلمة " قبل الأزمنة وقبل الدهور"، انتفت باستخدامه كل تلك التعبيرات والتي أدت إلى وصف الابن على أنه مخلوق. وبالتالي فإن العبارة " قبل الأزمنة وقبل الدهور " هي مجرد تعبير طالما أن الابن في صيرورته وخلقته حدث فيه مثل هذه الصيرورة. وهذه الصيرورة يمكن أن تفهم داخل حدود الزمن فقط والفرق الوحيد في هذه الحالة هو أن خلق (الكلمة) حدث فقط قبل صيرورة باقي الكائنات الأخرى ومن أجل خلقة باقي الكائنات بصفته وسيط ضروري للخلق. * وهكذا فحسب اعتقاد أريوس، فإن عدم المخلوقية الفريدة قد حُفظت بالنسبة لله الآب فقط. فالله الآب وحده هو غير المخلوق، غير المبتدئ الأزلي. وبهذا وضع أريوس خطًا فاصلًا لا بين الله والمخلوقات، بل بين الله وبين كلمته مع باقي المخلوقات فالكلمة كمخلوق لا يشابه الآب، فهو متحول ومتغير بالرغم من أن ألوهيته أصيلة والفرق بين خط التفكير الأريوسي هذا والخط الأرثوذكسي يكمن في أن هذا الخط الأخير يرسم لنا صورة أعمق وأشمل عن الله فالله هو بالتأكيد خالق، لكنه ليس فقط هذا، لأنه كائن خارج طاقاته الخلاقة هذه، فالشيء الآخر الذي يكون في كيان الله هو الطبيعة، فالله بحسب الخط الأرثوذكسي، هو طبيعة وإرادة في نفس الوقت. والأولى تفوق الثانية "إن في الله شيء أعلى من مشيئته، فهو معًا كيان وإرادة وعندما نستخدم الاصطلاحات اللاهوتية اللاحقة فهو جوهر وطاقة، ونحن هنا بصدد تمييز أساسي وليس اسمي في كيان الله. هذا التميز لم يستطع أن يدركه لا الفلاسفة اليونانيين ولا المدافعين ولا أوريجينوس ولا أريوس. * ويقابل هذين النوعين من الكيان الإلهي: الجوهر، والإرادة، تميز مماثل، ففي الجوهر هناك تمايز في الكيان أو بعبارة أكثر دقة، تمايز الأقانيم الثلاثة التي لها نفس الجوهر الإله من الداخل، ومن ناحية أخرى يوجد في الإيرادة تمايز في العلاقات الخلاقة أي التي تتكشف لنا من الخارج (أي خارج الجوهر الإلهي). * فما يناسب الجوهر الإلهي من الداخل هو الولادة، وما يناسب الجوهر الإلهي من الخارج هو الخلق. * ومن ثم فإن الله هو في نفس الوقت أب وخالق. فينما الآب هو أب طبيعيًا أي يُحسب الضرورة الطبيعية، فإنه خالق حسب الإرادة الحرة. وبالتالي كان من الممكن الا يكون خالقًا وبالتالي كان يكمن أن العالم المخلوق لا يوجد بالمرة. * فالخط الفاصل في المسيحية، وفي اللاهوت الأرثوذكسي هو بين الله والمخلوقات، هو بين غير المخلوق والمخلوق. فإن أصل كلمة لوغوس هو أمر خاص بالطبيعة أو الجوهر. * لقد "اتخذ الله قرارًا" بشأن المخلوقات التي كانت في وقت ما غير موجود حيث إنها هي نتاج لإرادته، أما كلمته المولود طبيعيًا من ذاته فلم يجرى بشأنه طبعًا أي تفكير مسبق. فوجود الكلمة لا يرتبط بالخليقة بشكل مباشر فإن كان الكلمة خالقًا كما هو في الحقيقة فهذا لا يرجع إلى أنه اُستخدم كأداة ضرورية للخلق، بل لأن الكلمة هو الصورة غير المتغيرة لله. ومن ناحية أخرى فإن الله لا يحتاج إلى وسيط أو كما يقول أثناسيوس "لأن كلمة الله لم يصر من اجلنا بل بالحرى نحن قد صرنا من أجله وبه خُلقت كل الأشياء. وليس بسبب ضعفنا نحن كان هو قويًا وصائرًا من الآب وحده. لكي يخلقنا بواسطته كأداة! حاشا! فالأمر ليس كذلك. لأنه حتى لو لم يستحسن الله أن يخلق المخلوقات. فالكلمة مع ذلك كان عند الله وكان الآب فيه وفي نفس الوقت كان من المستحيل أن تكون المخلوقات بغير الكلمة لأنها قد صارت به. * فالكلمة إذن، وهو قد أتى (من الآب) بهذه الطريقة فمن المستحيل أن يتطابق مع الخليقة بل تفصله عن الخليقة نفس الهوة التي تفصل بين الآب والخليقة. فالكلمة مع أنه حاضر في الخليقة إلا أن ذلك بحسب طاقاته فقط، وهو يحفظ الخليقة بقدرته هذه حتى لا تعود إلى العدم. أما بحسب جوهره فهو خارج الخليقة ويرتفع عنها. * فالكلمة المولود من الآب، وغير المخلوق، يتمتع بكل الخصائص الطبيعية لغير المبتدئ، لغير المتغير، لغير المائت، لغير الفاني. أنه أيضًا من نفس الجوهر الواحد معه. وبالتالي فليس من الممكن أن يوجد أكثر من جوهر واحد غير مخلوق، بمعنى أنه لا يمكن أن توجد جواهر عديدة غير مخلوقة. فالجوهر غير المخلوق هو واحد. * وبحسب إحدى البديهيات الأساسية للفلسفة اليونانية، فالتعدد في الكيان (الجوهر) يعنى الارتباط بالزمن كما يعنى التغير، بينما الوحدانية تعنى الأزلية وعدم التغير (والثبات). فكون أن الروح القدس هو فريد فهو لا يحسب ضمن قائمة الموجودات المتشابهة. فعدم وجود أرواح كثيرة مقدسة، يدل على أنه (الروح القدس) غير مخلوق وبالتالي فهو من نفس جوهر الآب، كما أن الابن هو أيضًا بالطبع كذلك. * لقد حول القديس أثناسيوس بتعاليمه عن غير المخلوق (غير الصائر)، والمخلوق (الصائر) كل الخط اللاهوتي المسيحي في القرن الرابع من الحديث عن صيرورة الابن إلى الحديث عن ولادة الابن، ونفس هذا يسرى بالنسبة للروح القدس فطالما أن الخليقة هي خارجة بالنسبة لله ذاته لذلك تستخدم اصطلاحات غير المولود والمولود لوصف العلاقة الثالوثية أي تستخدم الآن نفس الكلمات السابقة مع كتابتها بحرفين (v) بدلًا من (v) واحدة، وبالطبع تختلف في المعنى. وتجدر الإشارة حول أن هاتين الكلمتين "مولود"، "غير مولود". نسج القائلين بعدم المشابهة كل نظرياتهم، فلقد تبنوا هذين الاصطلاحين لكي يخروجوا من المأزق، وذلك بتفسيرهما بطريقة محرفة. فحسب وجهة نظرهم توجد بين هذين المصطلحين هوة كبيرة بسبب حرف الـ(A) الذي يعنى (غير) وبالتالي فهاتين الكلمتين تصفان شخصين ينتميان لعالمين مختلفين تمامًا. الأول ينتمي إلى العالم الأزلي غير المتغير، طالما أن وجوده لم يتطلب ميلادًا ولا تغيرًا، والثاني ينتمي إلى العالم الزمني والمتغير. فطالما أن وجوده تطلب عملية الولادة، يقول أفنوميوس: "إن كان غير مولوج فهو ليس ابنًا، وإن كان ابنًا فهو ليس غير مولود". * فحسب تعاليم أفنوميوس، فإن كان الكلمة غير مولود فلا يمكن أن يكون ابنًا، وإن كان ابنًا فلا يمكن أن يكون غير مولود، وطالما أنه ابن فهو إذن بالضرورة مولود وبالتالي فأنه متحول ومتغير. * ومن الممكن القول أن المنادين بعدم التشابه يعودون إلى التعاليم الأساسية لأريوس مستخدمين اصطلاحات مختلفة. أي أنهم يستخدمون مصطلح "غير المولود"، بمعنى "غير الصائر" و"غير المخلوق"، ومصطلح "مولود" بمعنى "صائر" و"مخلوق". وبالتالي فإن تغيير المنادين بعدم التشابه للتعبيرات -الأمر الذي فرضته عليهم أسانيد القديس أثناسيوس ضد أن الابن مخلوق- لم يغير في الواقع شيئًا من أفكار الأريوسيين. * لم يحدث نفس الأمر بالنسبة للأريوسيين المعتدلين الذين أظهروا تعاطفًا شديدًا ليس فقط لهذه الاصطلاحات الجديدة بل أيضًا لمعانيها الدقيقة. * فقد شدد المجمع المنعقد في أنكيرا سنة 358 م. برئاسة أسقف أنكيرا باسيليوس وبكل وضوح على التمييز بين "غير الصائر"، باعتباره "غير مخلوق" لكنه "خالق"، وبين "غير المولود"، باعتباره "غير مولود"، لكنه "والد". * "فالخالق والخليقة شيء، والآب والابن شيء آخر". ونجد في هذا التعبير كيفية الوجود الإلهي: حسب الإرادة والتي بها يخلق ولهذا فهو خالق، وحسب الجوهر والتي بها يلد الآب الابن حسب الطبيعة ولهذا فهو آب... * وهكذا بالنسبة لهم فالتغيير في المصطلحات يتطابق مع خط أثناسيوس اللاهوتي: * غير أن هذا التطابق لم يشمل إلا نصف الأمر، فلو كانوا أنصاف الأريوسيين قد كفوا عن استخدام معنى ومصطلح "مخلوق" بالنسبة للابن، إلا أنهم لم يكفوا عن استخدامه بالنسبة للروح معتبرين إياه بأنه غير مساو في الجوهر. وأنه " مخلوق ملائكي". فقد كانت تعاليمهم عن أقنوم الروح مثل تعاليم الأريوسيين المتشددين عن أقنوم الابن. ولقد تسمك القديس أثناسيوس بخط واحد بالنسبة للأقانيم الثلاثة، ولذا واجه بحدة تلك التعاليم السابق ذكرها عن الروح القدس. فلم يكن ممكنًا له أن يقبل وبأي شكل أو حتى مجرد الإشارة إلى أن الروح (القدس) مخلوق، بل إنه أصر على أن الروح منبثق من جوهر الله. * وطالما أنه -مثله مثل الابن- يصدر من الجوهر الإلهي فالروح القدس إذن غير مخلوق. ورغم أن أثناسيوس لم يستخدم الكلمات "مولود" أو "ولادة" بالنسبة للروح القدس إلا أنه ينسب إليه معنى الولادة. كما أنه هو أمر حقيقي أن القديس أثناسيوس لم يلقب صراحة أو بشكل مباشر الروح القدس بأنه واحد مع الآب في الجوهر أو أنه هو الله. غير إننا هنا بصدد تحفظ، سببه رغبة القديس أثناسيوس في تجنب أسباب صراعات لاهوتية أخرى جديدة وسعيه لإيجاد طرق تقارب بينه وبين الأريوسيين المعتدلين... * لكن على كل حال فإن ما علم به أثناسيوس عن الروح القدس يشكل كل أبعاد الدفاع عن ألوهيته. فإن كان هو (الروح القدس) فريد في كيانه ومتحد بالآب فإنه بغير شك هو إله. وإن كان هو غير مخلوق فهو بالحقيقة الله. فالقول بأن الروح غير مخلوق يُجمل كل ما نريد أن نقوله عنه، لأن كل ما هو غير مخلوق هو حتمًا الله. * وبالعكس فإن كل كائن أو كل ما يدعى "إلهًا" ليس بالضرورة غير مخلوق لأن الكلمة " إله " تستخدم أيضًا للدلالة على الشركة في الألوهة. وكانت تستخدم حينذاك للدلالة على الآلهة الكاذبة أو على الآلهة التي صنعها البشر وبالتالي فمن الأكرم أن ندعو الروح القدس بأنه غير مخلوق من أن ندعوه إلهًا. * إن براهين أثناسيوس هذه ترتبط من ناحية بتعاليمه عن الثالوث، ومن ناحية أخرى بالخبرة الروحية للمسيحيين... * فمنذ نشأة المسيحية وهى تعتمد على الإيمان بالأقانيم الإلهية الثلاثة، ويمكن القول بأن الثالوث كان هو رؤية المسيحية الأكيدة على الله. فلا توجد مسيحية بالمرة بدون الإيمان بالثالوث. * فنلاحظ أنه منذ ذلك الحين جرت محاولات لفهم أقانيم الثالوث، لكن في القرن الرابع عندما هُزمت بالكلية تعاليم سابيليوس والمونارخيا التي ألغت وجود الأقانيم الثلاثة نجد أن اللاهوتيين المسيحيين بصفة عامة قد كتبوا بوضوح عن عقيدة الثالوث وقد تمثل بهم في عملهم هذا معاصروهم من الافلاطونيين الجدد. * وحينما يعتمد التعليم عن الثالوث على التعليم عن المسيح الذي يركز على خضوع الابن للآب والذي هو أساس التعاليم الأريوسية. فإن فكرة الخضوع هذه تشوه التعليم الصحيح لأن الثالوث، غير أن أثناسيوس، وبالرغم من إنه لم يهجر استخدام هذا المصطلح بل نجده يستخدمه بكثرة في كتاباته وخصوصًا في كتاباته الدفاعية عن مجمع نيقية، فأنه استبعد فكرة خضوع الكلمة للآب وبالتالي كان تعليمه عن الثالوث هو تعليمًا مستقيمًا وهو يرفض تطابق الأقانيم الإلهية الثلاثة لكنه يقبل تطابق جوهر أو طبيعة هذه الأقانيم. فكل أقنوم بكونه غير مخلوق، يملك الطبيعة الإلهية بكاملها. أو الجوهر الإلهي كاملًا ولهذا فهو الله. * ومن الناحية الأخرى فإن أثناسيوس يرفض أيضًا انفصال الأقانيم. فالثالوث ليس غير متماثل وليس هو من طبائع مختلفة بل هو طبيعة واحدة. فالثالوث يتكون من أقانيم غير مخلوقة ومتماثلة في الطبيعة والجوهر. وليس من الممكن فصل الأقانيم عن بعضها، ولا يمكن أن نقبل ألوهية الآب وفي نفس الوقت نعتبر أن الابن والروح هما من المخلوقات ولا أن نقبل ألوهية الآب والابن ونعتبر أن الروح القدس من المخلوقات. فلا يمكن أن يختلط بجوهر الثالوث أي شيء آخر غريب أو خارجي. * فلو كان الكلمة والروح من المخلوقات لكانا خاضعين للزمن وبالتالي فتكون لهما بداية ولو لم يكونا أزليين لصار الثالوث معتمدًا على الزمن ولكان الثالوث هو ثالوث تدبيري فقط فالتدبير الإلهي هو ثمرة للثالوث. فالخلاص وتجديد الخليقة بصفة العامة وكل شخص على حده، هو نتيجة للعمل المشترك للثالوث، ولكنه أيضًا هو عمل كل من الأقانيم الثلاثة على حده. * فلو لم يكن الكلمة هو الله فكيف كان يمكن للإنسان أن يتأله لو افترضنا أن الطبيعة البشرية -في التجسد- ارتبطت بشيء مخلوق وليس بالله؟ ولو كان ذلك إلى أتخذ جسدًا بشريًا ليس هو ابن بالطبيعة، فكيف يمكن أن يقترب الإنسان من الآب؟ ولو كان الروح القدس مخلوقًا وليس هو الله فكيف يمكن لنا أن نصير من خلال الشركة معه شركاء الطبيعة الإلهية؟ * فالمعمودية التي تتم ليس باسم الآب فقط بل أيضًا باسم الابن والروح القدس، لن تكون لها أية قيمة إن كانت تتم باسم المخلوقات، فالعبد لا يمكن أن يُخلص العبيد نظرائه. فتقديم الكرامة والاحترام إلى المخلوقات يمثل عبادة لها، عبادة أوثان حقيقية. * فيمكننا أن نرى أن هذه النتائج العملية للتعاليم الأريوسية من جهة التدبير الإلهي وخلاص الإنسان، هي التي دفعت القديس أثناسيوس أكثر من أي دافع آخر أن يواجه الأريوسية بأسلوب حاد أتخذ شكلًا هجوميًا في أحيان كثيرة وذلك بسبب حرصه الشديد وغيرته على بنيان كنيسة الله وخلاص المؤمنين. * إن ولادة الله لا يجب أن تقارن بطبيعة البشر، وكذلك لا يجب اعتبار ابن الله جزء من الله، أو اعتبار أن الولادة تعنى أي ألم شهوة على الإطلاق... فإن البشر يلدون بالشهوة، حيث إن لهم طبيعة متغيرة، وهم ينتظرون إلى الوقت (الولادة) نظرا لضعف طبيعتهم ذاتها، ولكن لا يمكن أن نقول هذا الكلام بالنسبة لله. لأن الله غير مركب من أجزاء. بل بسبب كونه بلا هوى أو شهوة، كما أنه بسيط غير مركب لذلك فهو آب الابن دون حدوث تغيير فيه ودون انفصال... لأن كلمة الله هو ابنه والابن هو كلمة الآب وحكمته، فإن الكلمة والحكمة ليس مخلوقًا، وليس هو جزء من ذلك الذي له كلمته (أي الآب)، ولا هو مولود بالألم والشهوة. فكلا (اللقبان) وحدهما الكتاب وأعطاهما لقب "ابن" بصورة مؤكدة. * القديس أثناسيوس الرسولي: ضد الأريوسيين 1، 28:8 ![]() القسم التاسع: أثناسيوس في عيون الآخرين * أثناسيوس هو حامى الإيمان ومعلم المسكونة وثالث عشر الرسل وقاضى المسكونة لقبوه بالرسولي...... وقالوا عنه أنه لسان الكنيسة. وقد تكلم عنه هؤلاء بصورة رائعة. 1- قداسة البابا شنودة الثالث: * لقد اثبت أثناسيوس إن الإنسان ليس بالمكان وأن المكان لا يحد الشخص مادامت روحه أكبر من المكان فإن مبدأ يقوله شخص أو عقيدة قوية ينشرها قد تنتقل إلى كل مكان ولا يحدها، مكان الذي يعيش فيه وهكذا كان القديس أثناسيوس في كل مكان وأصبح كتابه المشهور "ضد الأريوسيين" يمثل الردود التي يستخدمها المسيحيون في العالم أجمع ضد شكوك أريوس. 2- الأنبا إغريغوريوس المتنيح: * " لم يمت شهيدًا... ولكن عاش في كل يوم شهيدًا للمسيح " لو كان أثناسيوس من حديد لذاب ولو من حجر لتفتت ولكن لم يذب ولم يتفتت بل ظل صامدًا كالجبل الأشم، إنها العناية الإلهية التي جعلته كذلك. 3- غريغوريوس النزنزي: * "أن من يمدح أثناسيوس يمدح الفضيلة نفسه" * "الصخرة التي لم تقو عليها أبواب الجحيم" * "شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين" * "عين العالم المقدسة" * "الحبر المنقطع النظير" * "الصوت العالي للحق" * "عامود الإيمان" * "رسول المسيح الجديد" * "كان في أعماله متساميًا وفي عقله وتفكيره متواضع" 4 الإمبراطور قسطنطين: * قال عنه "بطل كنيسة الله" 5 القديس كيرلس الكبير * "العالم أجمع احترم قداسته ونقاوة تعليمه وأنه ملأ الأرجاء بعبير مؤلفاته". 6 القديس باسيليوس الكبير: * "أسقف الأساقفة" 7 الأنبا قزمان * " إذا قابلت جملة لأثناسيوس ولم يكن لديك ورقة فاكتبها على ثوبك". 8 يوحنا الدمشقي * " أثناسيوس هو حجر الزاوية في كنيسة الله". 9 سقراط * (مؤرخ كنسي) * " إن فصاحة أثناسيوس في المجمع النيقاوي قد جرت عليه كل البلايا التي صادفته في حياته " 10 القديس إيرونيموس * " جاء على العالم لحظة اعتقد فيها أنه سيصبح يومًا يجد نفسه فيه أريوسيًا. 11 فيليب تاف * " أثناسيوس هو المركز الذي كانت تدور حوله الكنيسة واللاهوت في العصر النيقاوي". * " لقد تحمل أثناسيوس الاضطهاد ولكن لم يضطهد أحد قط". * " أثناسيوس صار وحده ضد العالم عندما صار العالم كله ضده". 12 ثيئودوريت * " أثناسيوس هو المنبر الأعظم" 13 الكاردنيال نيومان * " أن هذا الرجل عظيم قد طبع على الكنيسة طابعًا لا يمحوه الدهر" 14 دين ستانلى * " مؤرخ انجليكانى" * أن الصفات التي أذهلت كل معاصريه بشده كانت حضور مواهبه وسرعة تحولها. * أثناسيوس يحسب أكبر لاهوتي زمانه وأيضًا لكل العصور والأجيال ولهذا حاز على لقب الكبير من كل العالم وعلى المدى. * لقد أبلى أثناسيوس على صغر مرتبته الكهنوتية بلاءًا حسنًا في مجمع نيقية وناضل عن الأرثوذكسية بحدة وشدة ونور يقين أوغرت صدور حساده... كما توجته بإعجاب كل سامعيه المرتدين منهم والمبغضين على السواء * نحن نصور أثناسيوس كما نتصور النجم في السماء. 15 موللر * (لاهوتي كاثوليكي) "أن الإنسان عندما يقرأ حياة أثناسيوس يتمنى لو لم يمت". 16 جيبون * "لقد اظهر أثناسيوس من التفوق في الشخصية والمقدرة وسعة الحيلة وحسن التدبير ما يبرهن به على أنه كان أحق من أبناء قسطنطين نفسه في تولى أعباء تلك الدولة العظمى والقيام بإدارة دفة أحكامها خير قيام". * "أسم أثناسيوس الخالد لا يمكن أن ينفصل أبدًا عن عقيدة الثالوث التي كرس لها حياته وكل قدراته العقلية وكل كيانه. 17 جواتكن * "كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى". 18 قصائد أكسفورد * "أثناسيوس صاحب القلب الملكي المدثر بوشاح بولس المبارك". _____ (*) المراجع: 1- الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة (ج1، ج2) الأسقف إيسوذورس 2- تاريخ البطاركة ساويرس بن المقفع (1-4) 3- المجامع الكنسية الأنبا يوأنس 4- تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا 5- عصر المجامع القمص كيرلس الأنطوني 6- تاريخ بابوات كرسي الإسكندرية كامل صالح نخلة 7- مار مرقس مدرسة الإسكندرية أمير نصر 8- الكنيسة تواجه الوثنية أمير نصر 9- الكنيسة تواجه الهراطقة أمير نصر 10- بطاركة عظماء (جزءان) د. جميل فخري 11- دراسات آبائية ولاهوتية يناير 1999 م. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 92 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البابا أثناسيوس القسم الأول: أعداء الإيمان في عصر اثناسيوس نورد هنا نبذة مختصرة عن أعداء الإيمان في عصر أثناسيوس وهم: أولًا أريوس 1- ظهر أريوس ودخل التاريخ فجأة، رجل متوقد الذكاء حاضر البديهة لكنه مملوء مكرًا وخداعًا يظهر خلاف ما يبطن ويتقن الدسائس والوقيعة. كان في أول أمره مجهول الذكر حتى أننا لا نعرف عن حياته سوى أنه ولد بإحدى مدن ليبيا (270-236 م.) ووفد إلى الإسكندرية في حبرية البابا ثاؤنا (البابا 16) وقد التحق بالمدرسة اللاهوتية وتبحر في العلوم الدينية والمدنية وتبحر في دراسة الفلسفة المسيحية وكان أريوس مصابًا بداء الكبرياء والغطرسة ومن غرائزه حبه للجدل والمقاومة. 2- في عام 308 م. رسم شماسًا ثم كاهنًا في عام 310 م. وفي عام 313 م. عين كاهنًا لكنيسة بوكاليا بالإسكندرية ومن المعروف أن البابا بطرس خاتم الشهداء أسقط أريوس من رتبته ثم جاء البابا ارشيلاوس وأعاده إلى الشركة! وكان أريوس يطمع بدخوله السلك الكهنوتي إلى الوصول إلى البطريركية ولكنهم خذلوه ورسم ألكسندروس الذي قام بحرم أريوس وناهض بدعته. 3- كان أريوس ذا منظر مهيب يوحى بالصرامة والنسك وكان عذب الحديث ولكن كل ذلك كان ستارًا لنفس مملوءة خبثًا ودهاءًا وغرورًا. 4- ونظرًا لما كان يظهر على وجهه الشاحب من مسحة الجمال وما كان يظهره من تقشف وتواضع وما في كلماته من قوة وما في صوته من نبرات جذابة، كل ذلك كان يبدو كأنه أعد خصيصًا للخداع فقد جذب إليه كثيرًا من العذارى. كما جذب إليه الجماهير بوعظه القدير وفصاحته ومنطقه القوى. وذلك لم يكن بمستغرب أن ينتشر أريوس كما أنه أكتسب فيما بعد إلى جانبه الأباطرة لأنه كان يخدم أطماعهم السياسية. 5- كان مزيجًا عجيبًا من النقائص التي صهرت في بوتقة الغرور والتي يتميز بها دائمًا كبار الهراطقة وأن السر الأعظم الذي يكمن وراء هرطقة أريوس وكفره وعناده الشنيع يمكن تلخيصه واختصاره في أن أريوس كان يملك معرفة دينية ولكن لم يكن يملك أخلاقًا دينية. 6- كان فصيحًا ماكرًا ونزل بالقضية اللاهوتية إلى الشارع وصار يبسطها لعامة الناس والأطفال فشوه الرأي الأرثوذكسي بصورة جعلته يبدو لأكثر الناس لا يمكن قبلوه. 7- وضع ثاليات (قصائد وأناشيد) وحشاها من أرائه الهرطوقية... وصار الناس يرددونها لحلاوة أنغامها. 8- كان يدخل الشوارع والأندية والمجتمعات ويعمل مظاهرات فانضم إليه كثير من الشعب. 9- أحدث بلبلة بين البسطاء فكان يسأل الناس "هل أنت أكبر أم أبوك"... ومن ردود أثناسيوس في هذا "الماء من النبع... ولكن منذ أن كان النبع نبعًا فالماء فيه لم تمر لحظة من الزمان يكون فيها نبع ولا يكون ماء... وإلا كيف يكون نبع". ![]() ثانيًا: تلاميذ أريوس وأتباعه 1- كل إنسان في الدنيا يجد من يمدحه ويجد من يحبه ويدافعوا عنه أكثر مما يدافع عن نفسه... وأحيانًا يكون تلاميذ الإنسان أخطر عليه من أعدائه. 2- هذا الموقف تعرض له يوحنا المعمدان... أتى إليه تلاميذه قائلين "هوذا الذي أنت شهدت له "المسيح" يعمد والجميع يذهبون إليه"؛ أي بعد ما كنت أنت كل شيء أصبحت بلا شيء. ![]() ثالثاَ: يوسابيوس النيقوميدي ذئب نيقوميديا: 1- صديق أريوس فقد كانا معًا يتلقيان دروس اللاهوت في مدرسة لوسيان بأنطاكيا. 2- كان يحسد كنسية الاسكندرية بتميزها ومكانتها الرفيعة الأولى وسط الكنائس. 3- هو المسئول الأول أمام الله والكنيسة في جميع العثرات والقلاقل التي حدثت لها من هرطقة أريوس... 4- استغل صداقته للإمبراطور قسطنطين وكذلك الإمبراطور قسطنطيوس وكذلك قربه للبلاط الملكي ليعرض قضية أريوس الفاسدة على الساحة العالمية. 5- هو الذي عمد الإمبراطور قسطنطين قبل موته. * كان يوسابيوس النيقوميدى غير عظيم في شيء ولا كان نير الفكر "جواتكن". ![]() رابعًا: الميليتن 1- هم أتباع مليتيس أسقف أسيوط سقط مع جماعة كبيرة في التبخير للأوثان أيام دقلديانوس 303 م. فقطعته الكنيسة من شركتها في مجمع خاص برئاسة البابا بطرس... 2- فتزعم ميليتيس جماعة إكليروس (أساقفة كهنة) وشعب.... ليس هذا فحسب بل قام برسامات متعددة من (أساقفة كهنة ورهبان) حتى زادت شيعته جدًا. 3- رفع أمرهم إلى مجمع نيقية... وأتخذ المجمع قرارًا متخاذلًا بقبولهم في الكنيسة على أن يكونوا خاضعين للبابا ألكسندروس وأن يعطى لأساقفتهم الكراسي التي تشغر بنياحة أساقفتهم الأصليين (الأرثوذكس) وبعد موافقة البابا، أما ميليتيس نفسه فاحتفظ له المجمع بلقب أسقف ولكن لم يصرح له المجمع بإيبارشية بعد إسقاطه من كرسيه... وقد ظل ضعيفًا محدود السلطان حتى نال من يوسابيوس التشجيع والمعونة والسلطان الإمبراطوري. 4- وصل عددهم إلى 35 أسقف... وقد انخدعوا بإغراءات يوسابيوس. 5- بعد نياحة ميليتيس تولى بعده يوحنا اركاف وكان أشد منه وطأة. ![]() خامسًا: البلاط الإمبراطوري كان مسرحًا للوشايات الدنيئة والمؤامرات ضد الإيمان. 1 الإمبراطور قسطنطين: أ- احتار فيه الجميع هل هو مسيحي مستقيم أم ماذا؟ ب- لم يحترم كلمته في ضبط الخارجين على مجمع نيقية الذي ظل يفتخر به طول حياته ففي ظرف 3 سنوات بدأ يتذبذب هو نفسه بين الأريوسية والمسيحية الحقة وبدأ يسهل استعادة كراسيهم وسلطانهم. ج- عنده شعور دنيئ بالحقد على البابا بسبب بروز شخصيته.. لدرجة أنه قيل عنه (أن شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين). ![]() 2 قسطنطيا (أخت الإمبراطور): * استغل إشبينها الكاهن يوستانيوس علاقته بها وهو أريوسى وأقنعها أن تطلب من أخيها أن يفرج عن الأريوسيين ونجحت بالفعل في التأثير عليه لأنها كانت على فراش الموت 325 م. ![]() 3 الأمبرطور قسطنطيوس: ![]() * قال يومًا ما عن أثناسيوس "إن أروع الانتصارات التي حققتها... وتلك التي أحرزتها على ماجنتيوس وسلقانوس لا تعادل عندي طرد هذا الوغد من رئاسة الكنيسة". ![]() سادسًا: اليهود 1- كان لهم جالية ضخمة ونفوذ كبير ومعروف أن بطليموس حاكم مصر أراد أن يكسب ود اليهود بترجمة كتابهم المقدس من العبرية إلى اليونانية 282 م. (الترجمة السبعينية) وهذا وحده يبين مدى نفوذهم في مصر بالإضافة أنهم يمثلون أغلبية في الجيش وموظفي الدولة والتجار... 3- يمثلون قطاع مسلحًا بالمال والدهاء والجواسيس. 3- تعاطفوا مع الأريوسيين لأن إيمانهم مشترك وهو ضد لاهوت المسيح. 4- وكذلك لأن هذا يزيدهم تقرب من الإمبراطور والسلطات الحاكمة المحلية. ![]() سابعًا: الوثنيين 5- كانوا خصمًا رسميًا لأثناسيوس من جهة العقيدة الوثنية التي كرس البابا نفسه لهدمها من الأساس وعمد الآلاف منهم. 6- وجدوا في التفكير الأريوسي ما يتمشى مع منطق فلاسفتهم بل أن أريوس لم يأت في هرطقته بجديد... بل تبنى الأفكار الوثنية وصاغها صياغة مسيحية.. وساق نصوص الكتاب المقدس في تأييدها بتفسيرات ملتوية لذا قال أثناسيوس (أن أراء أريوس أراء وثنية). ![]() القسم الثانى: جهاد أثناسيوس قبل مجمع نيقية(319 م.-325 م) أولًا: بداية الصراع: 1- سنة 318 م. عندما كان البابا ألكسندروس يلقى عظة عن الثالوث ويؤكد فيها أن الله الابن يسوع المسيح الكلمة المتجسد كائن مع الآب منذ الأزل فاعترض أريوس عليه وأصر على أن الله وحده هو الأزلي أما جميع الكائنات الأخرى بما فيها الابن لابد وأن تكون مخلوقة بفعل من أفعال الإرادة الإلهية وحاول البابا أن يشرح لأريوس تعاليم الكنيسة ولكنه أبى أن يسمع فعقد البابا مجمعا بالإسكندرية وأصدر بيانا فيه توبيخًا شديدًا لأريوس ودعاه إلى التوبة. 2- فبينما كان ألكسندروس يعظ يومًا عن سلطان السيد المسيح له المجد في إقامة الموتى مبينًا أن الكلمة ابن الله مساو للآب وله طبيعة وذاتًا واحدة مع الآب وإذ بأريوس يعظ في مكان آخر على الآية القائلة "أبى أعظم منى" (يو 28:16) مقاومًا بذلك رأى ألكسندروس ومناديًا بأن السيد المسيح غير مساو للآب في الجوهر بل هو مخلوق بإرادة الآب وأخذ يروج بدعته وينظم مقطوعات شعرية ملحنة ولقنها لأتباعه الذين أذاعوها بين العامة. 3- ولكن أريوس ازداد تعنتا وضرب بعرض الحائط كل الفرص التي أعطته إياها الكنيسة لكي يعترف بخطئه ويعلن توبته... ولذلك عقد البابا مجمعا ثانيًا بالإسكندرية سنة 321 م. حضره 100 أسقف وأصدر حكمًا بتجريد أريوس من رتبته الكهنوتية وكل أتباعه. ![]() ثانيًا: تصعيد المشكلة: 1- ترك أريوس الإسكندرية إلى فلسطين وأسيا الصغرى وهناك خدع بعض الأساقفة من أصدقائه بآرائه وسمحوا له بنشرها وعقد الأساقفة مجمعين متتاليين في عام 222 م.-223 م. قرروا فيهما إلغاء حكم البابا ألكسندروس. 2- عاد أريوس للإسكندرية مرة ثانية. سرعان ما كون لنفسه حزبًا من معتنقي تعاليمه الفاسدة وشاركه كثير من الرجال ذوى المكانة السامية دينيا ومدنيا ليس من بلدته فقط بل من أنحاء الإمبراطورية الرومانية وأخذ ينفث سموم تعاليمه بمنتهى العناد والضلال فما كان من البابا ألكسندروس إلا أن يقوم بطرده مرة ثانية من الإسكندرية من حيث كان. 3- وعندما أخذت البدعة الأريوسية تأخذ طريقها إلى الانتشار في العالم بأسره شمر أثناسيوس عن ساعد الجد وبدأ في محاربتها ودحضها وأخذ يثبت صحة الإيمان القويم في نفوس المؤمنين. ![]() ثالثًا: تدخل الأمبراطور: 1- تفاقمت المشكلة... وتمكن يوسابيوس أن يستميل الإمبراطور قسطنطين بواسطة أخته قسطنطيًا لمناصرة أريوس... فأرسل رسالة مع هوسيوس أسقف قرطبة (بأسبانيا) وكان شيخًا وقورًا يهابه الجميع بما فيهم قسطنطين إلى البابا ألكسندروس... وعقدت المباحثات الثنائية وتبين مدى خطورة الأريوسية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخر... فأعلن هوسيوس تأييده لحرم أريوس وأتباعه. 2- وافق هوسيوس على مبادرة ألكسندروس بضرورة عقد مجمع مسكوني. 3- موافقة الإمبراطور على عقد المجمع وأصدر مرسومًا إمبراطوريًا يدعوا أساقفة العالم لعقد مجمعًا كنسيًا في نيقية. ![]() القسم الثالث جهاد أثناسيوس في مجمع نيقية 20 مايو 325 م. - 25 أغسطس 325 م أولًا: أين ومتى انعقد المجمع؟ * إن سر نصرة أثناسيوس في مجمع نيقية كان يكمن بصورة أساسية في ثقته بالمسيح الفادي الذي كان يدافع عنه فكان أثناسيوس يملك الحقيقة لا في عقله ولا في لسانه فحسب بل في قلبه في شخص يسوع المسيح إلهنا الذي كان يتكلم فيه بروحه القدوس عند افتتاح فمه. 1- انعقد هذا المجمع في مدينة نيقية القريبة من القسطنطينية. 2- كان الانعقاد رسميًا في 20 مايو 325 م. 3- وقام المجمع بإسناد منصب الرئاسة إلى هوسيوس أسقف قرطبة وكان شيخًا وقورًا مهيبًا حاز ثقة الإمبراطور وفاز باحترام الجميع. 4- وكان أعظم الحاضرين شأنًا هو البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية وهو البابا الوحيد الذي كان يحمل هذا اللقب داخل المجمع في ذلك العصر وكان معه رئيس شمامسته وسكرتيره الخاص أثناسيوس كما حضر معه الأنبا بلامون أسقف هرقلية بأعالي النيل والأنبا بفنوتيوس أسقف طيبة الذين قلعت عيناهما وكويت حواجبهما بالحديد المحمى بالنار في أيام الاضطهاد. 5- وكان معظم الأساقفة الحاضرين للمجمع من الشرق وعددهم 310 أسقف وثمانية أساقفة فقط من الغرب ليصبح المشاركين في أعمال هذا المجمع هو 318 أسقف. ![]() * وكان بين الحاضرين للمجمع نساك من الصحراء ورجال ذاقوا مرارة الاضطهاد والتعذيب، كذلك كان هناك بعض الفلاسفة الوثنيين الذين ساقهم حب الاستطلاع إلى هذا المحفل العظيم. * وحضر أريوس المبتدع الكافر وكان وقت انعقاد المجمع يناهز الستين من عمره وكان معه أنصاره ومنهم يوسابيوس أسقف نيكوميديا. ![]() ثانيًا أسباب انعقاد المجمع: * يمكننا أن نحدد الدواعي والبواعث التي قام على أساسها مجمع نيقية في الأمور الآتية: 1- وضع حد نهائي للخلاف الذي قام بين كنيسة الإسكندرية من جهة وبين أريوس وأتباعه من جهة أخرى حول لاهوت السيد المسيح. 2- تحديد يوم عيد القيامة. 3- قضية إعادة معمودية الهراطقة. 4- قضية انشقاق ملاتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط). 5- زواج رجال الإكليروس. ![]() ثالثًا: الجلسة الإفتتاحية للمجمع: 1- تم عقد المجمع في قاعة من قاعات قصر الملك وهو بناء من الأبنية الرومانية الفخمة. 2- افتتحت الجلسات رسميًا يوم 20 مايو 325 م. 3- ثم بعد ذلك أخذ المجمع يزاول قضاياه وموضوعاته فنظر في قضية أريوس المبتدع الكافر وحدثت مجادلات كثيرة ونقاش حاد ورفعت الجلسة الأولى دون الوصول إلى قرار ما. ![]() رابعًا: جدول أعمال مجمع نيقية وأحكامه: 1 هرطقة أريوس (Arius): * قدم أريوس المبتدع الكافر أفكاره ومعتقداته في اليوم التالي لانعقاد المجمع المقدس وفتح فمه الدنس وافترى على السيد المسيح له المجد بأنه لم يقم منذ الأزل إلهًا بل هو كائن وسيط بين الله والإنسان. أخرجه الله من العدم لكي يخلق به بقية الخلائق وانه كابن ليس مساويًا للآب في الأزلية وليس من جوهره. * وقد حبك دعواه في عبارات خلابة وقرأ على المجمع بعض أبيات من قصائده وبعض أناشيده وما أن سمع الأساقفة هذه الأقوال حتى هاج الجميع لما حوته من بدع وأضاليل وإذ أخذ أريوس يدافع عن معتقده زاد سخط المجمع بانقضاض البعض منهم على الأوراق التي كانت تحتوى على الترانيم وتمزيقها ليس من أجل المغالطات اللاهوتية التي تضمنتها فقط بل أيضًا لاستخفاف أريوس بالحقائق الدينية عامة. * وهنا انبرى أثناسيوس وأفحم أريوس بردوده القوية وحججه الدامغة التي أظهرت فساد وضلال آرائه. * وأخذت الدهشة الأساقفة من موقف أثناسيوس العظيم الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره وفرحوا فرحًا عظيمًا لفصاحته وبلاغة عباراته ونبوغه وقدرته العظيمة على إثبات الإيمان المستقيم. ليس ذلك فحسب بل نظر إليه الإمبراطور قسطنطين مندهشًا من علمه وبلاغته وقال له "أنت بطل كنيسة الله" ودعى الإمبراطور الجميع للهدوء. * وعندما بدأ الآباء في تحديد العقيدة السليمة رأوا أن أريوس وأتباعه يقبلون الألفاظ الموضوعة لكنهم يعنون بها أمرًا آخر ويؤولونها بما يكون لصالح عقيدتهم الفاسدة. وهنا كان لابد وأن أثناسيوس يتدخل واقترح أن تضاف على العقيدة هذه العبارة (Homo-ousion) ومعناها جوهر لإثبات أن المسيح من جوهر الله ومعادل له. * وعارض الأريوسيون هذه الإضافة واقترحوا استبدالها بعبارة (Homoi-ousion) ومعناها مشابه في الجوهر وترك للمجمع الفصل أي العبارتين أصح. * ورغم أن العبارة الأخيرة لا تزيد سوى حرفًا واحدًا على الأولى. إلا أنها تختلف عنها معنويًا اختلافًا كبيرًا وبعد مجادلات وحوارات ونقاش كبير أخذ المجمع بعبارة أثناسيوس. * بعد توالى الجلسات اقترحت غالبية الأعضاء وضع قانون الإيمان وتم وضعه فعلًا ابتداء من عبارة "نؤمن بإله واحد" إلى عبارة "ونؤمن بالروح القدس" ووقع بالموافقة عليه 318 أسقفًا عن رضى تام وقبول وارتياح. ورفض التوقيع أريوس ومن شايعوه فقرر المجمع إيقاع الحرم عليهم ونفى أريوس إلى الإليريكون بجوار بحر الأدرياتيك وحرق جميع كتبه. * وانتخب الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًا ثلاثة لوضع دستور الإيمان (قانون الإيمان) منهم اثنان مصريان هما البابا ألكسندروس وسكرتيره الخاص أثناسيوس أما الثالث فكان ليونيتوس أسقف قيصارية الكبادوك. فكان هذا الانتخاب بمثابة اعتراف صريح بثقة هؤلاء الآباء في مقدرة أبناء مصر وفي رسوخ إيمانهم وحسن تعبيرهم عن هذا الإيمان. * بعد الانتهاء من مناقشة بدعة أريوس وإعلان قانون الإيمان بدأ المجمع في مناقشة بقية القضايا المعروضة. 2- تحديد عيد القيامة المجيد: قرر المجمع أن يعيد جميع المسيحيين في موعد واحد هو يوم الأحد الذي يلي الفصح اليهودي وأسند لبابا الإسكندرية مسئولية إبلاغ أساقفة العالم عن موعد عيد القيامة. 3- في مسألة ملاتيوس أسقف أسيوط: قرر المجمع حفظ حقوق بابا الإسكندرية الواجبة في رئاسته على الأساقفة الذين في إقليم مصر. 4- في مسألة معمودية الهراطقة: أيد المجمع رأى الكنائس الشرقية في عدم إعادة معمودية من هرطق عند رجوعه.. بينما لابد من إعادة معمودية من عمدهم الهراطقة. 5- زواج الكهنة: قرر المجمع السماح لمن يريد من الكهنة أن يتزوج مع الاحتفاظ ببتولية الأساقفة وعدم زواج الكهنة المترملين. ![]() خامسًا: حوادث هامشية حدثت في نيقية: * اثبت المؤرخون بعض الحوادث في سياق حديثهم عن مجمع نيقية ندونها لعلها تعطينا فكرة متكاملة عن هذا المجمع المقدس. * دون المؤرخ دين ستانلى في كتابة Lectures on History of the Eastern church). ![]() هاتين الحادثتين الطريقتين: 1- كان ضمن الآباء الذين اهتموا بالذهاب لحضور المجمع الأسقف اسبريدون اليوناني نائبًا عن جزيرة قبرص وكان هذا الأب مشهورًا بسذاجته وبساطته الكاملة، وفي الطريق مال إلى فندق ليستريح، فوجد هناك عددًا ليس بقليل من الأساقفة الذين جاءوا لنفس الغرض وكان هذا الأسقف البسيط يحمل أمتعته على بغلين أحدهما أحمر والآخر اسود. 2- وعندما رأى الأساقفة الأنبا أسبريدون خافوا لئلا يخدعوه الأريوسيون لبساطته إذا ذهب إلى نيقية وفكروا فيما بينهم في الطريقة التي تأخره عن متابعة سيره وأخيرًا قرروا ذبح البغلين! وبعد أن نفذوا ذلك قاموا مبكرين وساروا في طريقهم إلى مقر انعقاد المجمع! ولما قام الأسقف سبريدون أمر خادمه بإعداد العدة وإحضار الدابتين بمتابعة السير وكم كانت دهشة الأسقف عظيمة عندما عاد إليه الخادم بعد قليل يقول في رعب. * "لقد ماتت الدابتان! ذبحهما الأريوسيون!" وهنا ذهب مع خادمه إلى الحظيرة وكان الظلام باقيًا وأمره أن يلصق الرأسين المقطوعتين بالجثتين ثم صلى ورسم علامة الصليب فنهضت الدابتين سليمتين كما كانتا!! ثم استأنف سيره وما أن أشرق النور حتى أبصر الأسقف فإذ برأس البغل الأسود قد صارت على جسد الأحمر ورأس الأحمر لصقت بجسد الأسود، فسجد لله شاكرًا ولما وصل إلى نيقية استقبله الأساقفة الذين عملوا معه هذه الحادثة كي يعيقوه عن الحضور وتأكدوا من قداسته عندما رأوا اختلاف اللونين في الدابتين. 3- عندما وقف أريوس وأعلن عقيدته الفاسدة غضب الأساقفة واندفع القديس نيقولا أحد الآباء اليونان وضرب المبتدع على فمه. * ولما شكا أريوس أمره للإمبراطور حكم الآباء باستبعاد هذا القديس من المجمع وسجنه بعد أن أخذوا قلنسوته وإنجيله! ولكن ما أن ذهب نيقولا إلى السجن حتى ظهرت له السيدة العذراء ليلًا ممسكة بذراع يسوع المسيح ابنها الحبيب الذي اقترب من الأسقف وسلمه الإنجيل مبتسمًا كما وضعت العذراء القلنسوة على رأسه! * وعندئذ خرج من الحبس فرحًا وذهب لآباء المجمع حيث أراهم الإنجيل والقلنسوة فتعجبوا وباركوا غيرته وأبطلوا الحكم الذي أصدروه قبلًا. * كذلك حادثتين أخريتين ذكرتا أثناء الحديث عن مجمع نيقية في كتابات المؤرخين عن موقف الإمبراطور. 4- رأى الإمبراطور أحد الأساقفة، المسمى أكاكيوس جالسًا وحده فسأله عن سبب ذلك ولماذا يرفض الجلوس مع بقية الأساقفة، فقال أكاكيوس "أنه لا يجوز ليَ أن اشترك مع الذين يقبلون الساقطين في الخطية المميتة إذ لا غفران لهم" فنظر إليه الإمبراطور وقال له: "أنصب سلمًا يا أكاكيوس وأصعد وحدك إلى السماء". 5- انتهز البعض فرصة قدوم الإمبراطور للمجمع وقدموا إليه بعض العرائض والشكاوى في حق بعض الأساقفة، وكم كان موقف الإمبراطور عظيمًا عندما احضر موقدًا وأحرق فيه كل ما تسلم من العرائض والشكاوى قبلما يقرأها ثم قال للجميع: "لو نظرت بعيني أحدًا من ذوى الكهنوت في ريبة لسترته بإرجوانتى". ![]() القسم الرابع: فترات النفي الخمس أولًا: أثناسيوس بطريركًا 1- بعد انتهاء مجمع نيقية وعودة الأساقفة رجع البابا ألسكندروس وتلميذه أثناسيوس إلى الإسكندرية بمجد عظيم. 2- لكن لم تمض على ذلك سوى خمسة شهور وتنيح المغبوط القديس العظيم البابا ألكسندروس في (22 برمودة 17 إبريل 328 م) وكان ذلك أثناء الصوم الكبير الذي لمخلصنا الصالح. 3- وقبل نياحة البابا وهو في النزع الأخير وكل الإكليروس مجتمعون حوله يتباركون منه أوصى البابا بانتخاب أثناسيوس خليفة له ليجلس على الكرسي المرقسي إلا أن أثناسيوس حاول الهرب من عبء هذه المسئولية المملوءة بالمخاطر والمشقات وعندما تأكد للبابا أن أثناسيوس قد هرب قال: "وهل تظن أن بهروبك يمكنك أن تفلت........ لا يمكن". ومن هنا بدأ الشعب البحث عن أثناسيوس حتى وجدوه وأحضروه من البرية حيث كان مختبئًا بها وتمت رسامة أثناسيوس بطريركًا في (8 يونيو 328 م) وبالفعل تم تنصيب أثناسيوس بطريركًا على الإسكندرية ليكون ترتيبه العشرون في عداد البطاركة العظماء وكان عمره وقتئذ لم يتجاوز الثلاثين. 4- ولأول مرة يجتمع 50 أسقفًا لرسامته ووضعوا الأيدي عليه وقد قام الأريوسيون بمحاولة لمنع انتخابه خوفًا من شخصيته القوية ومقاومته لهم، ولكن هيهات فلم يفلحوا وباءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع. ![]() بداية أعمال البابوية: 1- لم يكد أثناسيوس يرتقى كرسي العظيم مار مرقس حتى قام الأريوسيون وحاولوا إسقاطه وفي الجانب الآخر كان كثير من الأرثوذكسيين يقفون بكل قوة مدافعين عن الرسامة القانونية التي لأثناسيوس ومنهم القديس باخوميوس الناسك المصري الذي عندما جلس أثناسيوس على الكرسي البابوي رأى رؤيا يخاطبه روح الله قائلًا: "إني قد أقمت أثناسيوس عمودًا ونورًا لكنيستي وستناله شدائد وتلقى عليه تهم كثيرة لأجل مناضلته عن حق الديانة إلا انه بالقوة الإلهية يظفر بكل التجارب ويبشر الكنائس بحق الإنجيل. 2- وفي بداية أعماله البابوية تم تبشير الحبشة بالإنجيل المقدس على يد فرومنتيوس. 3- وانتهز البابا أثناسيوس فرصة السلام والهدوء فأخذ ينشر الكرازة داخل القطر وخارجه فبدأ بزيارة رعوية لأنحاء البطريركية مبتدءًا من الإسكندرية مارًا بالصعيد حتى أسوان. ![]() ثانيًا: مراحل النفي الخمس الشدائد والاضطهاد ونفيه خمس مرات: * إن انتصار أثناسيوس في مجمع نيقية وجلوسه على عرش مار مرقس كان له أثر كبير في تألب أريوس وأتباعه عليه حتى أنهم أقسموا على التخلص من أثناسيوس بأي شكل لأجل هذا قضى القديس أثناسيوس الرسولي أكثر سني حياته في جهاد رسولي مضني ضد الأريوسية والأريوسيين كما انه في سبيل كل هذا احتمل الكثير من الآلام والاضطهادات بل لقد نفى وأبتعد عن كرسيه خمس مرات. * وهكذا كان جهاد أثناسيوس ونفيه يتعلقان بتاريخ كل من مصر والكنيسة والإمبراطورية الرومانية بوجه عام وكانت التهم التي وجهت إليه كانت ذات طابع طائفي وسياسي وكانت تستهدف الأضرار به شخصيًا لأنه من يستطيع أن يحارب أثناسيوس في العقيدة. ![]() النفي الأول: إلى تريف Treves: * انتهز الحاقدون من الأريوسيين انتقال البابا ألكسندروس إلى فردوس النعيم وبدأوا العمل في إعادة أريوس من منفاه مستغلين في ذلك أخت الإمبراطور قسطنطين وتدعى كونسطاسيا التي أوصت أخاها وهى على فراش الموت بقبول أريوس وتمكنوا من إقناع الإمبراطور بذلك واستدعاه سنة 328 م. حيث قام بإدعاء التوبة وكتب قانون إيمانه بصيغة ملتوية أقنعت الإمبراطور الذي أصدر أمرًا بتبرئته والعفو عن الأساقفة الأريوسيين الذين نفوا قبلًا. * وما أن جلس هؤلاء الثعالب على كراسيهم حتى عقدوا مجمعًا في أنطاكية سنة 329 م. وأصدروا حكمًا بعزل بعض الأساقفة الأرثوذكسيين كما أخذوا توصية من الملك مع إقرار إيمان أريوس وأرسلوهما إلى أثناسيوس يبلغانه بقرار المجمع ويطلبان منه قبول أريوس. * أما أثناسيوس رفض هذه التمثيلية رفضًا تامًا وقام بطرد أريوس من الإسكندرية وسارع بالكتابة للإمبراطور قائلًا: "إنني لا يمكنني أن اقبل في كنيستي رؤوس الهراطقة المحرومين من المجمع النيقاوي وإن الكنيسة عمومًا لا تقبل في شركتها أناسًا ينكرون ألوهية يسوع المسيح". ومنذ تلك اللحظة قام الأريوسيون بإعلان الحرب صراحة على أثناسيوس. أولًا: وشوا به لدى الإمبراطور قائلين انه وضع على مصر ضريبة جديدة لزيادة أرباح الكنيسة وعمل توانى بيضاء من الكتان للإكليروس وهذا معناه أن أثناسيوس اغتصب حقًا من حقوق الحكومة الرومانية وهى فرض الضرائب ولكن الله سخر لأثناسيوس كاهنين كانا مع الملك فبرأه من هذه التهمة. ثانيًا: وشوا أيضًا بأن أثناسيوس ساعد أحد أعداء المملكة يدعى فيلومينوس الذي كان عازمًا على أن يملك بلاد مصر وأن يشق عصا الطاعة على الإمبراطور إلا أن أثناسيوس قام بتبرئة نفسه أمام الإمبراطور من هذه التهمة أيضًا * ولم يكتف الأريوسيون بذلك بل قاموا بتلفيق بعض التهم الأخرى لأثناسيوس للإضرار به وتشويه سيرته العطرة وعقدوا مجمعًا في صور عام 334 م. وطلبوا أثناسيوس ليدافع عن نفسه ونظرًا لأن البابا كان يعلم أغراضهم الخبيثة امتنع عن الحضور ولكن اضطر للحضور بأمر الملك إلا أن البابا لم ينل الاحترام اللائق نظرًا لأن كل أعضاء المجمع كانوا من الأريوسيين وتعددت التهم وافتراءاتهم الدنيئة. ثالثًا: ادعوا عليه أنه قام بكسر كأس القس اسخيراس الهرطوقي وهدم مذبحه وحرق كتبه ولكن رغم اتفاقهم مع هذا القس سرًا لإثبات تهمتهم، فإنه ندم على موافقتهم وحضر إلى المجمع بنفسه وبرأ القديس أثناسيوس!! ثم وقع بخط يده وثيقة تفيد ذلك رابعًا: ادعوا عليه أنه ارتكب الفحشاء مع بتول راهبة وأدخلوا امرأة زانية ادعت في مجمعهم أن أثناسيوس اغتصبها وأفسد بكارتها. فقام القس تيموثاوس تلميذ البابا أثناسيوس موهمًا إياها بأنه هو أثناسيوس إذ لم تكن تعرفه وقال لها "أنا أيتها المرأة التي زنيت بك كرهًا"، فأجابت تلك الفاجرة بجسارة أهل الشر "نعم أنت يا أثناسيوس الذي أغويتني وأفقدتني عفتي التي نذرتها للرب"، ثم تظاهرت بالبكاء طالبة من المجمع أن ينتقم لها ممن أفسد عفتها الأمر الذي أضحك الأرثوذكسيين وأخجل الأريوسيين. خامسًا: ادعوا عليه أيضًا أنه قام بقتل الأسقف أرسانيوس أسقف هبسيل (الشطب) وقطع ذراعه واستخدمها في السحر والشعوذة. وكان هذا الأسقف مازال على قيد الحياة لكنهم اتفقوا معه على الاختفاء في الصعيد لحين الانتهاء من دعواهم وقاموا بإحضار ذراع أحد الموتى كدليل على التهمة أمام المجمع. واستطاع أثناسيوس وأتباعه القبض على أرسانيوس الذي أعترف أمامهم بكل شيء فأخفاه البابا لحين انعقاد المجمع ولما عرضت التهمة على المجمع قال أثناسيوس من منكم يعرف الأسقف أرسانيوس؟ فقالوا "كلنا نعرفه فأحضره البابا وسطهم ولما اعترفوا انه هو أرسانيوس بعينه أنزل البابا أثناسيوس الرداء عن ارسانيوس واظهر يديه صحيحتين ثم قال لهم ولمن اليد الثالثة المقطوعة؟ وهنا شعر الأريوسيون بالخزي والعار وهاجوا مضطربين مبررين موقفهم المخزي قائلين "إن أثناسيوس ساحر" وأرادوا الفتك به وقتله غير أن أحد الأمراء يدعى ديونيسيوس كان حاضرًا المجمع خلصه من أيديهم وأنقذ حياته.. ![]() * وبعد ذلك ترك أثناسيوس مدينة صور متوجهًا للإمبراطور لعرض أمره عليه ولكن لم يتمكن من مقابلته وأخيرًا انتهز أثناسيوس فرصة خروج الإمبراطور قسطنطين للنزهة فاعترض شارحًا له اضطهاد الأساقفة المجتمعين في صور له. وقد أثر الحديث الذي دار بينهما في نفس الإمبراطور تأثيرًا جعله يبعث بخطاب إلى جميع الآباء في صور طالبًا إليهم الحضور إلى القسطنطينية فورًا. * ونظرًا لأن كل التهم السابقة قد فضحت أفكارهم إلا أنهم اتفقوا على تلفيق تهمة أخرى ضد أثناسيوس وعندما مثلوا أمام قسطنطين الملك لم يعيدوا سرد القصص التي ناقشوها في المجمع والتي تتعلق بالكأس والمرأة الساقطة وبأرسانيوس إذ وجدوا أن الإمبراطور لن يقبل هذه الأمور. سادسًا: لذا اتهموا أثناسيوس باستغلال نفوذه وصمم على منع تصدير القمح من الإسكندرية للقسطنطينية ولقد كانت لتلك التهمة أفظع الأثر في نفس قسطنطين حتى انه أمر بنفي أثناسيوس من القسطنطينية إلى تريف (وهى مدينة تقع جنوب غرب فرنسا على الحدود الفرنسية البلجيكية وهى تابعة لفرنسا الآن) وعندئذ قال القديس للملك "أن الله سيقوم ديانًا بيني وبينك أنت الذي قبلت شكوى أعدائي وصدقتها" وكان هذا أول نفى ذاقه حامى الإيمان وكان الموكب الذي أقل البابا أثناسيوس من القسطنطينية إلى تريف حافلًا بكل الاحترام اللائق حيث استقبله مكسيميانوس أسقف تريف وأبدى له كل الإعجاب بشخصيته الفريدة ودفاعه المجيد عن الإيمان الأرثوذكسي كما كان في استقبال البابا وأساقفته الأرثوذكسيين قائد جنود المملكة الرومانية في الغرب قسطنطين الصغير وكان ذلك في 5 فبراير 335 م. حيث قوبل البابا وأساقفته بحفاوة بالغة وإجلال عظيم. ![]() النهاية البشعة لأريوس: * عندما نجح الأريوسيون في إبعاد أثناسيوس عن كرسيه الإسكندري ونفيه إلى تريف سعوا لإرجاع أريوس إلى حظيرة الكنيسة فتوسطوا لدى الإمبراطور مدعيين أن أريوس قد تاب فصدق إدعاءهم وأمر بعودة أريوس وأتباعه إلى الإسكندرية لكن الشعب الأرثوذكسي في الإسكندرية أغلق في وجهه أبواب الكنائس وأجبره الوالي على ترك المدينة خشية حدوث ثورة حقيقية فلما أخبروا الإمبراطور قسطنطين بموقف أريوس أرسل يستدعيه للقسطنطينية. * عندئذ أرسل الإمبراطور إلى ألكسندروس أسقف القسطنطينية يطلب إليه قبول أريوس في كنيسته غير أن أسقف القسطنطينية أرسل للإمبراطور قائلًا إن الذي حرم أريوس مجمع مسكونى فلا يحله الا مجمع مسكونى لكن هذا الرد أهاج قسطنطين الذي أمر الأسقف الجليل بالسماح لأريوس بأن يقيم الصلاة في كنيسته أول يوم من أيام الآحاد. ولعل أعظم وصف لهذه المأساة ذكرها سقراط المؤرخ في (ك1 ف68) فكتب يصف هذا المشهد المؤثر بتفصيلاته يقول: * (" وكان الكسندر أسقف القسطنطينية... رجلًا ذا تقوى صادقة،.. هذا لما واجه هذه الأعمال دخلت نفسه في ضيقه وخصوصًا لما هدده يوسابيوس النيقوميدى بعنف أنه سيسقطه عن كرسيه إن لم يقبل أريوس وكل شيعته في شركة الكنيسة. * أما ألكسندر فلم يرعبه التهديد بخلعه من كرسيه بقدر ما أرعبه الخوف على الخراب الذي سيحل بمبادئ الإيمان. الأمر الذي كان يسعى إليه هؤلاء الأريوسيون باجتهاد فاعتبر نفسه إزاء هذا الموقف أنه معين ليكون حارسًا للعقيدة المسلمة إليه بكل مقررات مجمع نيقية، فبدأ يجاهد بكل قوته ليمنع عن الإيمان أي تحريف أو فساد وعندما حصر نفسه في هذا الهدف اعتزل كل محاجاه ومنطق وجعل الله ملجأه وكرس نفسه للصوم المتواصل ولم يكف قط عن الصلاة وأغلق على نفسه الكنيسة المدعوة "إيريني" وصعد إلى المذبح وانطرح على أرضه أمام المائدة المقدسة وسكب دموعًا حارة بصلوات وبكاء وبقى على هذا الحال عدة أيام وليالي متوالية...") * ويستأنف المؤرخ سقراط حديثه فيعطينا تفصيلات أكثر فأكثر عن نهاية أريوس البشعة إذ يقول: * (كان الوقت يوم سبت، وكان أريوس يتوقع أن يجتمع بالكنيسة (ودخول الشركة) في اليوم الثاني ولكن النقمة الإلهية أخذت حقها تجاه جرائمه لأنه حالما خرج من قصر الإمبراطور تحيط به زمره من شركاء يوسابيوس كحراس، صار يستعرض نفسه بعظمة وسط المدينة وهو يجتذب أنظار الشعب كله فلما اقترب من القصر المسمى " محكمة قسطنطين " أخذته رعدة وفزع من الضمير فأصابه إسهال عنيف فطلب مكانًا يقضى فيه حاجته فاقتادوه إلى (مرحاض) خلف "المحكمة" وفي الحال أفرغ أحشاؤه فخرجت أمعائه مع نزيف حاد وأصابه إغماء ومات. ولا يزال موقع هذه النقمة يرى إلى هذا اليوم في القسطنطينية... وبسبب هذا الحادث المرعب امتلأ يوسابيوس النيقوميدي وكل شيعته من الخوف والرعب وخرجت الأخبار بسرعة لتملأ المدينة كلها وكل العالم). ![]() النفي الثاني: إلى روما: * ظل الكرسي الإسكندري شاغرًا طوال نفى أثناسيوس لأن الشعب المسيحي لم يسمح بجلوس غيره عليه وكان الأقباط الأرثوذكس يكررون مطالبهم برجوع أسقفهم وراعيهم وخرجوا في مظاهرة للمطالبة به في الكنائس والتجأوا إلى الأنبا أنطونيوس الذي كتب رسائل في ذلك الموضع إلى الإمبراطور ولكن كل هذا ذهب سدى. لأن العناية الإلهية لم تمهل قسطنطين عمرًا أطول فمات عام 337 م. وقسمت مملكته بين أولاده الثلاثة وكانت مصر تحت حكم قسطنطيوس أما فرنسا والغرب فكانت من نصيب قسطنطين الصغير الذي كان يحب أثناسيوس وتوثقت بينهما صداقة متينة وقد أرسل قسطنطين الصغير رسالة إلى أخيه يطلب فيها إعادة البابا أثناسيوس إلى كرسيه لأن هذه كانت رغبة أبيه قسطنطين الكبير قبل وفاته وبالفعل عاد أثناسيوس على الفور مبجلًا معظمًا عام 338 م. كذلك عاد معه جميع الأساقفة الأرثوذكسيين من منفاهم ووصل أثناسيوس إلى الإسكندرية في نفس السنة بعد غيبه سنتين وأربعة أشهر وأحدى عشر يومًا وقد خرجت الإسكندرية كلها فرحة برجوع باباها العظيم واحتفوا برجوعه احتفاءًا عظيمًا وأقاموا لذلك احتفالًا أقرب إلى الاحتفال باستقبال الملوك والقياصرة ووصف هذا الاحتفال بأنه كان احتفالًا مصريًا بحتًا ومن الاحتفالات التي كلما يجود الزمان بمثلها والتي تبقى صورتها حية في آذان من شاهدها كأنها أبدع ما كان. * وفي غمرة هذه الأحداث المبهجة لم يترك الأريوسيون البابا أثناسيوس ليستريح ولو لفترة قصيرة إذ سرعان ما قرروا تعيين بطريرك أخر على الإسكندرية هو غريغوريوس الكبادوكي إلا أن الشعب قاوم ذلك مقاومة عنيفة. الأمر الذي جعل الأريوسيين يهجمون على الكنائس مع بعض الجنود واتفقا أن كان ذلك يوم جمعة الصلبوت وقاموا بقتل من كان في الكنيسة واعتدوا على حرمة الفتيات والسيدات اعتداءًا وحشيًا كل ذلك بدون أي سبب إنما لإجبار الشعب على الانضمام للأريوسيين. * وهنا بعث البابا برسائل إلى أساقفة العالم كله يستنجد بهم من فظاعة هذه الأحداث ويقول: "استغيث بكم وبالأرض وبالسماء مما حل بكنيستي أنى أستغيث بكم استغاثة ذلك اللاوي أفرام الذي عندما ماتت زوجته بعد أن اغتصبها منه أعداؤه قسم جثتها إلى أثنى عشر قسمًا وبعث بكل قسم منها إلى كل سبط من أسباط يهوذا الاثني عشر ليجتمعوا جميعًا ويأخذوا بثأر تلك الزوجة التي تمثل الأسباط كلها..." * فهو يحذرهم في هذا النداء بأن كلا منهم مهدد باغتصاب كرسيه بهذه الطريقة ويختم كلامه قائلًا فلا تتركوا الأمور تصل إلى هذا الحد ولا تسمحوا أن تداس كنيسة الإسكندرية المجيدة بأقدام الهراطقة... * وإذ لم تجد الرسائل أي صدى عزم البابا أثناسيوس على عرض قضيته أمام العالم كله فسافر إلى روما وهناك قوبل بحفاوة بالغة من أسقفها يوليوس وعقدا مجمعًا سنة 347 م. في سرديقيا (صوفيا) مكون من 170 أسقفًا (100 من الغرب، 70 من الشرق) ورأس المجمع هوسيوس أسقف قرطبة وقرروا الآتي: 1- براءة القديس البابا أثناسيوس الرسولي حامى الإيمان مما نسب إليه زورًا وبهتانًا. 2- حرم جميع الأساقفة أتباع أريوس. 3- التأكيد على قانونية مجمع نيقية المسكونى الأول. 4- خلع وعزل وطرد غريغوريوس الكبادوكي الذي عين بطريركًا على الإسكندرية بواسطة الأريوسيين. * ووافق على هذه القرارات حاكم رومية الإمبراطور قسطنطس وطلب من شقيقه قسطنطيوس حاكم الشرق تنفيذها ووافقه قسطنطيوس ورجع البابا أثناسيوس إلى كرسيه دون أي شروط وفي هذه الأثناء قامت ثورة في الإسكندرية ضد غريغوريوس الكبادوكي الأخير أدت إلى قتله الذي عزز من عودة القديس أثناسيوس إلى كرسيه بكل قوة وهكذا رفرفت أجنحة السلام على ربوع كنيسة الله في الإسكندرية مرة أخرى. ![]() النفي الثالث إلى البرية: * تعتبر الفترة من (24 بابة 21 أكتوبر سنة 346 م) حتى (13 أمشير - 8 فبراير سنة 356 م) وهى حوالي تسع سنوات وثلاثة أشهر وتسعة عشر يومًا - تعتبر أطول فترة سلام قضاها أثناسيوس على كرسي مارمرقس بدون اضطرابات أو قلاقل وكان وقتها قد بلغ الثامنة والأربعين من عمرة المبارك وكان الإكليروس وكان الشعب ينظرون إليه كأحد الشهداء المعترفين لما لاقاه من اضطهاد وظلم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وانتهز أثناسيوس هذه الفرصة فقام برسامة بعض الأساقفة وحرر رسالة دورية لجميع الكنائس المسيحية كما دون الكثير من الرسائل العقائدية القيمة. لذلك نستطيع أن نعتبر كل هذه المدة أي العشر سنوات كفترة عمل هيأها الله للعمل والبناء والتعليم والرعاية. * وعاد الأريوسيون لمناصبة العداء مرة أخرى لأثناسيوس منتهزين فرصة قتل قسطنطوس قيصر روما (إمبراطور الغرب وصديق أثناسيوس) في انقلاب عسكري عند سفح أحد الجبال (كان خبر موته صدمة أليمة لأثناسيوس لدرجة أنه لم يحتمل الخبر عند حضور مبعوثي قسطنطيس فبكى) وإنفراد قسطنطيوس الأريوسي بالحكم فأوغروا صدر الإمبراطور ضد أثناسيوس وأخذوا يكيلون لأثناسيوس الاتهامات حتى كانت القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون عندما افتتح أثناسيوس كنيسة السيزاريوم يوم عيد القيامة بالصلاة فيها نظرًا لاتساعها للشعب الذي نما كثيرًا ولا تسعه كنيسة أخرى (كانت وقتئذ توجد تسعة كنائس أخرى) وذلك عوضًا عن الانتظار إلى أن يفتتحها الإمبراطور نفسه فجعلوا منها جريمة عيب في الذات الملكية فأمر الإمبراطور نتيجة لذلك بعقد مجمع من الأساقفة الأريوسيين في مدينة أرل وأصدروا حكمًا بنفي أثناسيوس وعقد مجمع أخر في مدينة ميلان حيث صادق على قرار النفي السابق. * وذهب والى مصر سريانوس إلى البابا أثناسيوس يخبره بحكم النفي شفويًا. إلا أن أثناسيوس رفض هذا الأمر ما لم يكن هناك أمر رسمي من الإمبراطور كتابيًا وعندئذ اغتاظ الوالي جدًا وعاد بعد ثلاثة أسابيع على رأس خمسة ألاف جندي مسلحين حيث حاصروا كنيسة السيدة العذراء التي بناها البابا ثاؤناس وكان البابا يصلى صلاة الغروب مع شعبه وإذ بقائد هؤلاء الجنود يدفع الأبواب بقوة ويدخل جنوده ومعهم بعض المشاغبين إلى داخل الكنيسة. ويصف لنا أثناسيوس ما حدث في هذه الواقعة فيقول: * كنت جالسًا على الكرسي المرقسي، وأمرت الشماس أن يتلوا المزمور 136 وكان الشعب يجاوب قائلًا: "لأن إلى الأبد رحمته" ولما حان وقت الانصراف طرق الجنود جميع الأبواب طرقًا عنيفًا! واندفع العساكر في الكنيسة كالسيل الجارف وهرعوا قاصدين أياى. أما أنا فوقفت وأمرت الشعب بالفرار. ولكن بعضهم اعترض العساكر في طريقهم فذبحهم الجنود وداسوهم تحت أقدامهم عندما كانوا يرقدون نحو ردهة الكنيسة للقبض على الفارين!! ولما انصرف أكثر الشعب جاءا الرهبان مع الذين تخلفوا من القسوس وحملوني خارجًا!! * وغادر الإسكندرية متوجهًا إلى البرية باختياره حيث بقى مع الآباء الرهبان ما يقرب من ستة سنوات تقابل فيها مع الأنبا أنطونيوس كوكب البرية وكم كانت سعادة البابا بوجوده مع الرهبان وعلى رأسهم الأنبا أنطونيوس الذي كانت بينهما صداقة قوية جد * وهكذا استمر أثناسيوس في إدارة كنيسته من البرية ولم يتوان قط عن تشجيع شعبه بالرسائل لكي يثبت على الإيمان المستقيم. بالحقيقة كان أثناسيوس كما يلقبه البعض "بالبطريرك غير المرئي". * استغل الأريوسيون فترة ابتعاد أثناسيوس وعينوا رجلًا كبادوكيًا يدعى جورجيوس بطريركًا بدلًا منه على الإسكندرية فرفضه الشعب الأرثوذكسي فأمعن جورجيوس في اضطهاد الشعب بكافة الطرق والوسائل وارتكب أفظع الجرائم كما سجن أثنى عشر أسقفًا لعدم خضوعهم له إلا أن الوثنيين الذين اضطهدهم جورجيوس قاموا بقتله واحرقوا جثته والقوها في البحر!! * ولم يستمر الحال هكذا فمات الإمبراطور قسطنطيوس وتملك بدلًا منه يوليانوس الجاحد (كان مسيحيًا ولكن أنكرها منذ شبابه خفية وعاد إلى الوثنية) وكان يريد أن يجذب قلوب الشعب فطلب إرجاع أثناسيوس وهكذا عاد القديس أثناسيوس مرة أخرى إلى كرسيه بالإسكندرية. ![]() النفي الرابع: إلى طيبه * انتهز أثناسيوس فرصة عودته للإسكندرية وبدأ في إصلاح ما أفسده الأريوسيون وبذل أقصى جهد لاستتباب أمور الكنيسة ليس في مصر فقط بل خارج مصر أيضًا. * وأول عمل قام به أثناسيوس هو إقامة مجمع في الإسكندرية سمى (بمجمع القديسين والمعترفين) لأن كلهم حضروا إما من نفى أو تعذيب!! وحضرا هذا المجمع 21 أسقفًا في صيف سنة 362 م. كما قام بتبشير الوثنيين وعمد عددًا كبيرًا منهم الأمر الذي كان سببًا في غضب الإمبراطور يوليانوس الجاحد لأنه كان يميل إلى الوثنية فطلب القبض على أثناسيوس وعندما سمع القديس بهذا ترك الإسكندرية راكبًا مركبًا إلى طيبة في الصعيد فتبعه والى الإسكندرية في مركب أخر ولما اقتربت من مركب البابا سأل أتباع الوالي عن مركب البابا فقال لهم أثناسيوس بشجاعة عجيبة نادرة "أنها كانت متجهة ناحية طيبة أسرعوا وراءه هو لا يزال أمامكم ليس ببعيد عنكم". فأسرع الوالي بمركبه في طريقه ولم يعثر على أثناسيوس لأنه كان قد اختفى في مكان أخر حتى وصل إلى طيبه وهناك استقبله بعض الرهبان الباخوميين. * ولم تمض فترة طويلة حتى كان يوم 26 يونيو سنة 363 م. حيث أتم يوليانوس الجاحد حملته وأتجه نحو بلاد الفرس واجتاح جزءًا كبيرًا منها أمامه هادمًا القلاع والحصون واستولوا على مدن كثيرة وعندما دعاه كبرياؤه وصلفه أن يتقدم بجيشه تقدمًا راكبًا على حصانه بدون دروع وإذ بسهم يصيبه في ذراعه وينغرس في جنبه فأخذ ينزف حتى مات!! وقبل أن يموت مباشرة أخذ يوليانوس الجاحد حفنة من دمه وقذفها نحو السماء قائلًا قد غلبتني أيها الجليلي". * وجلس من بعده "جوفيان" ونادوا به إمبراطورًا لروما فأطلق حربة الأديان وقرر إلغاء الأمر الصادر من يوليانوس الجاحد ضد أثناسيوس فعاد القديس إلى كرسيه بعد أن أرسل إليه الإمبراطور جوفيان خطابًا خاصًا مشجعًا إياه ويدعوه فيه للعودة إلى كرسيه وتدبير شئون الكنيسة. ![]() النفي الخامس والأخير في مقبرة أبيه: * بعد ثمانية أشهر فقط من تعيين الإمبراطور جوفيان الطيب القلب الذي أحبه جميع ضباطه وكل الهيئات المدنية والسياسية بالإضافة إلى الكنيسة مات في يوم 17 فبراير سنة 364 م. وتنصب بدلًا منه فالنس الأريوسي أمبراطورًا على الشرق. * ولم يكد يجلس أثناسيوس على كرسيه ليلتقط أنفاسه ويتراءى وسط شعبه الذي تعلق به وأحبه وذلك في الفترة من فبراير 364 م. إلى مايو 365 م. حتى وصل إلى الإسكندرية منشور من الإمبراطور الجديد فالنسى الأريوسي يأمر جميع الأساقفة الذين كانوا في النفي في حكم يوليان بأن يعودوا إلى منفاهم مهددًا إياهم بالغرامة الثقيلة. * وبالفعل لم يقاوم أثناسيوس الذي تجاوز عمره 67 عامًا وانسحب تاركًا الإسكندرية والاختفاء في مقبرة أبيه في اليوم الخامس من أكتوبر سنة 365 م. ولمدة أربعة أشهر. * ولكن الشعب لم يحتمل هذا الأمر فقام بثورة في الإسكندرية عظيمة جدًا لم تستطع قوات الإمبراطور إخمادها وأمام غليان الشعب وثورته أصدر الإمبراطور مرسومًا في أول فبراير سنة 366 م. بإرجاع أثناسيوس إلى كرسيه وبالفعل قام مندوب الإمبراطور بنفسه مع قوة خاصة إلى حيث كان أثناسيوس وأرجعوه بكل كرامة حتى كنيسة ديونيسيوس التي اتخذها أثناسيوس مقرًا له. ![]() ثالثًا: انتقاله * أخذ السلام يعم أعوامًا قليلة استراح خلالها حامى الإيمان الأرثوذكسي من الصراع الدائم الذي دخله اضطرارًا طوال سني حياته. * وهكذا وفي هدوء الملائكة قد طويت صحيفة حياته بعد أن جاوز من العمر 77 عامًا كانت فترة أسقفيته منها نحو 46 عامًا قضاها بطريركًا للإسكندرية وبحق لا نستطيع أن نقول أنها كانت للإسكندرية أو لمصر بل كانت للعالم المسيحي كله!! ![]() القسم الخامس: الدور الشعبي في مساندة أثناسيوس أولًا: دور أمه في تحفيظه الإيمان * كفلته أمه وأرسلته إلى مدرسة مسيحية وهكذا مهدت السبيل لتحقيق الإرادة الإلهية في حياة ابنها العظيم الذي لم يلبث أن صار الحصن الشامخ المنيع للإيمان المسيحي. * ولما بلغ أثناسيوس الخامسة عشر من عمره ساورت أمه المخاوف عليه إذ رأته منشغلا بالكتب أثناء الليل وأطراف النهار ففكرت في أن تزوجه لتشغله عن المطالعة والاستذكار غير أن محاولاتها جميعا ذهبت أدراج الرياح ولما كانت أم أثناسيوس سيدة حكيمة أخذت تفكر في نفسها قائلة "لو تماديت في محاولة إخضاعه لرغبتى لفقدت مودته ألا يحتمل أن يهرب مني إلى الصحراء أو قد ينطوي على نفسه فلا يبوح لي بما في سريرته فخير لي أن أسايره في ميوله لأحتفظ بمحبته وأستطيع أن أسانده وأشاركه أمانيه فأعاونه بذلك على إتمام دراسته". وما أن انتهت إلى هذا القرار حتى استصحبت أثناسيوس إلى الأنبا ألكسندروس وقدمته إليه ليكرس حياته في خدمه الله. ومن ذلك اليوم عاش أثناسيوس برفقه البابا العظيم يهيئ نفسه للجهاد الذي ينتظره. ![]() ثانيا: دور الشعب في حفظ الإيمان 1- إن مصر بمزاجها الروحاني حفظت التقليد الرسولي من جهة الإيمان بالمسيح منذ القرن الأول بصورة عملية وبإيمان حي ملتهب ومارس شعب مصر من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب جوهر الإيمان المسيحي بسر الفداء والخلاص بصورة تفوق كافة أرجاء العالم. 2- لقد كانت حياة وتراث الآباء والعلماء والشهداء (بالأخص استشهاد البابا بطرس خاتم الشهداء) هي الينبوع الذي استقى منه الشعب حتى الشبع ونما عليه وترعرع وجدانه الروحي والإيماني واللاهوتي، إن هذا الشعب هو أولاد الشهداء وتلامذة المعترفين وشركاء آلام المسيح عن جدارة ,لقد رأوا بأعينهم أن آباءهم قبلوا التعذيب والموت معلنين اعترافهم بلاهوت المسيح المصلوب. 3- لذا كان هذا الشعب شبعان باللاهوت وأصبح حياته كلها تنصب فيه لذا استطاعوا أن يميزوا الإيمان الحقيقي ويدافعوا عنه. 4- كثيرا ما كانوا يحفظون الإيمان في صورة ترانيم, وكثيرا ما كانوا يتجادلون مع الأريوسين في الشوارع والأماكن العامة ويفحمونهم بالآيات والشواهد والمنطق , لقد كانوا رائعين في حماية الإيمان في الجبهة الداخلية والتي ارتكز عليها أثناسيوس وأستطاع أن ينتصر في الجبهات الخارجية. ![]() ثالثا: اختيار الشعب له 1- "إنه بأصوات الشعب كله وتشفعاته -وليس بالعنف وإراقة الدماء- بل في وقار رسولي وروحاني أقيم أثناسيوس على عرش مارمرقس" ق. اغريغوريوس النزينزى. 2- "انه قد اختير بأغلبيتنا العظمى في مرآي من جميع الشعب وباستحسانه ونحن الذين أقمناه نشهد بذلك" أساقفة الإسكندرية ومصر وطيبة والخمس مدن وليبيا. ![]() رابعا: الضغط على الإمبراطور 1- أحداث ثورات: ومن أمثلة ذلك * ثورة حين عاد أريوس للإسكندرية جعلت الإمبراطور يأخذه في الإسكندرية. * ثورة على غريغوريوس الكبادوكي. * ثورة على جورج الدخيل أدت إلى موته. * ثورة عند النفي الخامس أرغمت الإمبراطور بعودة أثناسيوس 366 م 2- إرسال احتجاجات وشكاوى للإمبراطور للضغط على الإمبراطور لإرجاع أثناسيوس وكان من مظاهر الضغط : * أن الإمبراطور أرسل رسالة للشعب يوضح فيها موقفة من أثناسيوس في النفي الأول. * أرسل الإمبراطور قسطنطيوس اثنين من أمناء سره بتكليف شفوي لإعلام السلطات المحلية بأمر نفيه وليس (مكتوبا) خوفا من الشعب. ![]() خامسا: رفض الشعب لأريوس 1- في النفي الأول في سنة 336 فيما عاد أريوس وأتباعه إلى الإسكندرية انقلبت المدينة كلها لأن شعب الإسكندرية كان في أشد حالات السخط فلم يجعلوا أريوس يهدأ يومًا واحدًا وأغلقوا الكنائس في وجهه وصارت الإسكندرية في ثورة حقيقية مما أضطر الوالي أن يسحبه من المدينة.... بل أن ثورتهم هذه جعلت الإمبراطور قسطنطين يستدعى أريوس في الإسكندرية على عجل. 2- فرحة الشعب فور سماعه خبر موت أريوس. ![]() سادسًا: رفض البطاركة الدخلاء 1- فرض الأريوسيين "غريغوريوس الكبادوكي" بطريركًا للإسكندرية أ - قام الشعب بالاعتصام في الكنائس لمساندة أثناسيوس ب - كما رفضوا الصلاة معه... ج- بل وفي الأعياد تركوا الكنائس خاوية له... وصلوا في الصحراء. 2- رفض جورج الدخيل بطريركًا للإسكندرية.... وانتهت بقتله. ![]() سابعًا: تحمل الآلام 1 - من غريغوريوس الكبادوكي البطريرك الدخيل أ - قام بذبح كثير من الشعب ب- وضرب بعضهم ضربًا مبرح ج - ألقى كثير منهم في السجن د - ونفى آخرين.. ه وجر النساء من شعورهن وألقاهن في السجن و - جلد في ساعة واحدة 34 عذراء وسيده ورجال من علية القوم 2 - هجوم 5000 جندي على الكنيسة وارتكاب فظائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى وذلك على شعب أعزل يصلى.... (سنشرحها بالتفصيل). ![]() ثامنًا: مظاهر الفرح في إستقبال أثناسيوس 1- في النفي الأول... بعد موت الملك قسطنطين الكبير عمل أولاده على إعادة أثناسيوس إلى الإسكندرية وكم كان يومًا رائعًا هذا الذي عاشته الكنيسة وهى تستقبل راعيها عائدًا إلى كرسيه بعد نفى دام ثلاث سنوات حتى إن القديس إغريغوريوس النزينزي شبهه بيوم دخول السيد المسيح مدينة أورشليم. 2- في رجوعه من النفي الثاني استقبله جموع غفيرة من الشعب وقد خرجوا لملاقاته في الطريق من فلسطين إلى الإسكندرية على بعد 100 ميل. ![]() تاسعًا: شهادة الآباء والنقاد 1- شهادة أنبا باخوميوس: إن معاناة المحن لا تضرنا بل تنفعنا جدًا إذا قبلناها بالشكر لأنها تكون لغسل الذنوب 2- شهادة يوليوس أسقف روما: إيمانكم قد سبق وفاق كل ما يمكن أن أقوله لكم وبهذا الإيمان نلتم كل الرجاء المنتظر كثمرة لصلواتكم. 3- شهادة النقاد: المؤرخ الانجليزي جواتكن أكثر من نقد وافترى على أثناسيوس.... ومع ذلك يقول شهادة رائعة عن دور الشعب....."كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى وخطابًا وراء خطاب كتب أثناسيوس من منفاه الذي كان محوطًا بالكتمان والذي كان لا يرقى إلى معرفته أحد حيث كانت الأيدي المخلصة والأمينة تحمل رسائله هذه بصورة سرية إلى أبعد حدود البلاد " ![]() القسم السادس: الدور الرهباني في مساندة أثناسيوس * راجع الباب الثالث (أعمال الرهبنة) من القسم الثالث لترى الدور الرهباني في مساندة القديس أثناسيوس. ![]() القسم السابع مؤلفات وكتابات القديس أثناسيوس * على الرغم من المشاكل الكثيرة التي كانت تعوق القديس أثناسيوس في الكتابة إلا أنه كان ذو إنتاج وفير حيث مكث 16 سنة منفيًا ولكن حياته كان في جهاد متواصل مع الكنيسة ضد الأريوسية... وقد بدأ الكتابة في سن صغيرة (25 سنة) وظل ينتج حتى سن (78 سنة).. وقد ترك التراث الأتي: م المؤلفات محتواها م المؤلفات محتواها 1 الدفاعات * ضد اليونانيين (الوثنيين).. * حول التجسد.. 7 التفاسير * إلى ماركيللنيوس.. * تفسير المزامير.. * شروحات تفسيرية للعهدين القديم والجديد. 2 الرسائل * الرسائل الاحتفالية (الفصحية) * رسائل خريستولوجية.. * رسائل عن الروح القدس إلى (سرابيون - أبكتيتون - أدولفون). * رسائل دورية بخصوص موضوعات كنسية.. * رسائل مجمعية (رسالة إلى الأنطاكيين، وإلى أساقفة أفريقيا). 8 المقالات (العظات) * آلام الرب وصلبه.. * مقالة عن الآية " كل شيء دُفع إلىّ من أبى".. (لو 22:10) (مت 27:11) 9 كتابات منسوبة للقديس أثناسيوس * نصوص تحمل اسمه في زمنه.. وأخرى في زمن لاحق له وذلك لكي يضمن كاتبيها شهرة ومعرفة أكثر لمحتوياتها فنسبت له.. 3 رسائل ضد الأريوسيين * 3 رسائل ضد الأريوسيين.. * حول ديونيسيوس الإسكندري * إلى أساقفة مصر وليبيا * بقايا من مخطوطات لأعمال له ضاعت نصوصها اليونانية وبقيت في نصوص قبطية وسريانية وأرمنية ولاتينية كثير منها تشير إلى أنه كتبها أثناء فترة النفي 4 تاريخ مقاومة الأريوسية * حول نيقية (دفاع عن إيمان نيقية). * الدفاع الثاني ضد الأريوسيين. * حول مجمع أرمينو وسيلوكيا. 10 التراث العربي للقديس أثناسيوس * هو تراث مترجم إما عن القبطية أو عن اليونانية * في أواخر القرن 18 اهتمت الكنيسة القبطية بترجمة جميع كتابات أثناسيوس من اليونانية إلى العربية.. * إضافة بعض الكُتاب من شروحاته على كتبهم مثل (بولس البوشى). * مساهمة المعلم جرجس الجوهري بالمال في ترجمة أعماله.. 5 دفاعات عن نفسه * دفاع إلى الملك كونستاتتيون * دفاع لأجل هروبه 6 النسكيات * حياة القديس أنطونيوس الكبير * إلى الرهبان * إلى أمون * نصوص قبطية عن البتولية ومتنوعات. ![]() القسم الثامن: مفهوم الاصطلاحات "غير المخلوق" و"المخلوق" في التعاليم اللاهوتية للقديس أثناسيوس بروفيسور بنايوتيس خريستوس " أستاذ علم الآباء بجامعة تسالونيكى - اليونان" مقالة في مجلة دورية (دراسات آبائية ولاهوتية) للمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية السنة الثانية العدد الثالث يناير 1999 * وفي الواقع لا يمكن ابرير الانطباع العام بأن الصراع بين الأرثوذكسية والأريوسية في القرن الرابع والتعاليم اللاهوتية التي أنتجها، كان يدور فقط حول الاصطلاحات " من نفس الجوهر"، "من نفس جوهر مشابه"، "مشابه"، "غير مشابه". وهذا يتضح ليس فقط من عدم استقرار استخدام هذه التعبيرات بواسطة هؤلاء الذين صاغوها، بل أيضًا تحير القديس أثناسيوس بين التعبيرين الأولون منهما... فالقديس أثناسيوس، البطل الأول للأرثوذكسية ضد الأريوسية، ولكي لا يسبب ردود أفعال فإنه بالفعل أفضل أولًا تعبير " من جوهر مشابه " بدلًا من تعبير " من نفس الجوهر " الذي كان يتسبب في انضمام المسيحيين. لكن عندما أدرك أن أنصاف الأريوسيين أعطوا لتعبير "من جوهر مشابه"، معنى يخالف المعنى الذي قصده هو، اختار التعبير الآخر " من نفس الجوهر " والذي هو تعبير نيقاوى أصيل، وذلك لكي يصل في النهاية إلى الوضع الذي أكد منه أن هذين التعبيرين مناسبين التعبير عن العلاقة بين الأقانيم لذلك يهمنا فقط أن نفهمهما بطريقة صحيحة ونفسر معناهما بطريقة مستقيمة. * وليس ما أشرنا إليه فقط أدلة أخرى كثيرة تظهر أن هذه التعبيرات والتي تدور حولها تساؤلات كثيرة، لم تحظى حينذاك بهذه الأهمية الكبيرة التي نعطيها نحن اليوم لها. * وبالرغم أن هذا الاصطلاحات تعكس بالتأكيد بعض وجهات النظر اللاهوتية، وبالأكثر طالما أنها مثلت نقاط مناقشة في المجامع المسكونية التي وضعت قوانين الإيمان، إلا أنها في الواقع كانت بالأكثر " شعارات " في الصراع الدائر، كل كلمة منها تحوى معاني لاهوتية كثيرة كان من الممكن التعبير بها بطريقة كاملة عن التعاليم اللاهوتية الخاصة بعقيدة الثالوث لكل من الأطراف المتصارعة. * وعلى وجه الخصوص، فإن القديس أثناسيوس لم يعط أهمية كبرى للألفاظ وهذا يتضح في كتابات كثيرة له نذكر منها ما جاء في رسالته الأولى إلى سرابيون عن الروح القدس: "أنه يكفى أن نعرف أن الروح ليس مخلوقًا". وليس هناك حاجة إلى أمور أكثر. إن هذا يوضح أين يوجد بالضبط أساس الخلاف اللاهوتي بين الأطراف المتصارعة: ماهية الروح، مخلوق أم غير مخلوق؟ ماهية الابن مخلوق أم غير مخلوق؟ وتتوقف على إجابة هذه الأسئلة كل باقي الموضوعات اللاهوتية والخلاصية. * ومن ناحية أخرى نجد أن القديس أثناسيوس يبنى أساس تعاليمه اللاهوتية، بصفة عامة، على محارب اصطلاحات أريوس الآتية: "من العدم"، "كان وقت لم يكن فيه موجودًا، "طبيعة متغيرة"، "مخلوق"، "مصنوع"، وذلك لأن تلك الاصطلاحات لها علاقة واضحة بعملية الخلق... * إن القطبين المتناقضين في الكون هما "غير الفاني"، "الفاني" وهما يقابلان طريقين للوجود "غير المخلوق"، "المخلوق". وهذا التمييز له علاقة مباشرة بقدرة الله العلاقة، والتي تربط غير المخلوق بالمخلوق. فإن إحضار كائنات مخلوقة إلى الوجود بواسطة القدرات الخلاقة للكائن غير المخلوق تمثل عنصر أساسي للنظرة المسيحية للأشياء فالمسيحيون يربطون الفكرة عن الله بفكرة الخالق. * مع أن نفس الشيء لا يحدث بين الفلاسفة اليونانيين، ومن غير الممكن ألا تذكر هنا التفسير الخاطئ الذي يقال دائمًا في هذه النقطة. وإنه لموقف غريب لكثير من الباحثين الذين يظهرون المسيحية كعدو للهلينية، غير أنه لا مجال ف\هنا الآن لمناقشة هذه الأمر. * على أي حال، فإن الإدعاء المعتاد بلأت رأى الفلسفة اليونانية في هذا الموضوع هو على العكس تمامًا من الرأي المسيحي هو إدعاء يستند على سطحية في البحث غير ميررة. لأن الفلاسفة اليونانيين كانوا يعرفون ليس فقط معنى مصطلح " غير الصائر " كما كان يعرفه أثناسيوس، بل وأيضًا مصطلح "خلق". فبالنسبة لكل النظام الفلسفي اليوناني القديم تقريبًا كان هناك فرق بين الواحد، الكائن غير المتغير، وبين الأشياء الأخرى، المتغيرة والوقتية. * ورغم تأكيدهم على هذا الفرق وقناعتهم الثابتة به، إلا إن فكر الخالق لم تكن موجودة باستمرار في هذه النظم الفلسفية، وإن وجدت فإنها لا تظهر الخالق مؤديًا عمله ولا بنفس القوة، كما هو الحال في الفكر المسيحي. * وسوف نقصر الكلام هنا عن أهم لأثتيت يمثلان الفكر اليوناني. أولًا: أفلاطون يميز بين غير المخلوق والذي هو أزلي، وبين المخلوق والذي هو قابل للفداء. غير أنه يضيف بعد ذلك شيء ثالثًا: وهو "الخاص بالمكان" والذي ربما نستطيع أن نطابقه مع ما يسميه أرسطوطاليس بالمادة. فال "المكان" عند أفلاطون هو المادة التي لا شكل لها والتي يمارس فيها الله فعله. * أما عند أرسطوطاليس فإن المادة تمثل الضرورة والفداء، وهى تمتد أحد معين ومن بعدها يوجد "عالم غير المتغير"، وهو القدرة، فالقدرة فقط هي الفاعل الأول هي الله والذي عن طريق قدرته الفائقة تجبل المادة مرة أخرى متخذة شكلًا ويخلق عالم الفانيات. * وبالتالي فإن فكرة الخالق ترد عند كل من أفلاطون وأرسطوطاليس. لكن الخليقة عند الاثنين تظهر وكأنها خلقت من مادة موجودة. * فالمادة بالتأكيد هي " تقريبًا العدم". فالمادة إذن ليس لها نوع ولا مقدار أو أي شيء آخر من الأشياء التي تحدد الوجود، القائم. * فعند هؤلاء الفلاسفة، وحسب مسلماتهم، فإن الخليقة كان من الممكن أن تعتبر مخلوقة من العدم، لو كانت المادة هي العدم، أي لو كانت هي "غير الموجود". * غير أن المادة -حسب اعتقادهم- ليست هي بالعنصر السلبي فقط، بل هي عنصر إيجابي أيضًا. لأن داخلها الميل نحو التشكل، نحو الإمكانية في حدوث شيء، المادة هي قدرة. وهنا بالضبط يمكن أن الفرق بين هذه الآراء الفلسفية والتعاليم المسيحية التي تنادى بأن الخليقة خلقت من العدم، أي من " لا شيء". فالخالق -حسب الفلسفة اليونانية- قد قام بعمل محدد بعناصر موجودة خارجة وفي هذا فإن الخليقة لا توصف كما توصف في المسيحية. ولقد كان من الطبيعي أن الفلاسفة اليونانيين في فكرتهم عن الله لا يصلون بالضرورة ولا مباشرة إلى الخالق. ![]() * وكان مناسبًا لهم استخدام مصطلحات "غير الصائر" بدلًا من مصطلحات "غير المخلوق"، و"المخلوق". * ومع هذا، وكما أتضح مما سبق فإن معاني المصطلحات "غير المخلوق"، "المخلوق" بكل خصائصها توجد ليس فقط في التعاليم اللاهوتية المسيحية بل أيضًا في الفلسفة اليونانية وهنا ما يهمنا في بحثنا الآن. * وبسبب الأهمية الكبر لمعنى الخليقة في الفكر اللاهوتي المسيحي، فإن القديس أثناسيوس يفضل استخدام مصطلحات "خالق"، "بارى" بدلًا من "غير الصائر" وذلك لأن الأخير يشمل معنى سلبيًا ولا يستطيع وصف القدرة الخلاقة لله. ومع هذا فإن القديس أثناسيوس لا يرفض هذا المصطلح "غير الصائر" بل وأحيانًا يستخدمه طالما أنه كان يمثل شغلرًا على شفاء الأريوسيين في محاولاتهم في التمييز بشدة بين الابن المخلوق والصائر والله غير الصائر". ويستخدم القديس أثناسيوس هذا المصطلح الأخير عادة بتحفظ وفي النادر بغير تحفظ. ومن الجيد أنه يوجه الانتباه إلى أن استخدام هذا المصطلح هو غير مناسب لبيان التميز بين الآب والابن طالما أن هذا المصطلح يدل فقط على التميز بين الخالق والخليقة". * إن الاصطلاحات "صائر"، "غير صائر" تشير إلى وجود فجوة بين الله والعالم وعدم إمكانية إدراك الله. * إن الله الذي يوجد بالأكثر في كل جوهر صائر، هو غير مدرك وذلك لأنه هو غير صائر من جهة، بينما الإنسان جاء من العدم وبالتالي فلا تكون هناك "أي شركة أو أي تشابه بين المخلوق والخالق". * وحسب هذا التمييز فإن القديس أثناسيوس يصف الله مستخدمًا تعبيرات أفلاطون بأنه "غير متغير على كل وجه". بينما توصف المخلوقات على أنها "متغيرة " وذلك لأنها جاءت من العدم عن طريق التغير. * وبسبب طريقة نشأة هذه المخلوقات فليست هناك وجه شبه حسب الجوهر بينها وبين الخالق. إنما لديها ميل طبيعي نحو الفناء، ميل للنقصان، فطالما أنها أتت من العدم فحتمًا تميل للعودة إلى العدم. * والعودة هذه ستتم عن طريق الفناء، فالفناء هو نتيجة. هذه النتيجة يمكن التغلب عليها عن طريق إمداد الإنسان بالمشابهة الكبيرة مع الله وحتى إن احتفظ بها بدون تشوه يتمكن من التغلب على حالة الفساد الطبيعي ولأصبح في حالة عدم فساد (عدم فناء). * لقد أعطى أريوس اهتمامًا زائدًا لموضوع الخلق واضعًا أمامه مدافعي القرن الثاني الميلادي كنماذج له، والمنارخيون المتشددون وبالأكثر أوريجينوس. فليس من السهل تحديد أي مدى استطاع المدافعون عن يميزوا بين مراتب الكيان الإلهي والكشف الإلهي، لكن من المؤكد على أي حال أنهم ربطوا الله (الكلمة) بعمل الخلق بطريقة لا يمكن فصلها. * فلقد ربط كل من أريوس وأوريجينوس وبطريقة حاسمة ميلاد الابن بصيرورة العالم وإن لم يبنوا على هذا الأساس مفهومهم عن كل من ميلاد الابن، وصيرورة العالم. * فأوريجينوس وهو يتبع الخط اللاهوتي المسيحي لم يستطع أن يفكر في الله بدون أن ينتقل حالًا إلى فكرة الخلق. ولكنه أخطأ عندما أراد أن يحدد الأمور تحديدًا دقيقًا حينما ركز بشدة على تطابق فكرة الله مع كونه الخالق، وذلك لمواجهة الآراء الغنوسية التي نادت بالفصل التام بين الفكرتين. وبناء على مبدأ أن الخالق لابد وأن يكون هو الله، استنتج أن الله لابد وأن يكون خالقًا. غير أن هذا الاعتقاد قاد إلى أن الله لابد وأن يكون خاضعًا لضرورة ما، بمعنى أن الله كان دائمًا خالق وأن الخليقة هي نتاج أزلي له وانعكاس طبيعي له بشكل ما. لكن إن كانت الخليقة أزلية - وطبيعي أن الكلمة أيضًا أزلي - إذن فكيان الكلمة يرتبط بالخليقة. ولأن أوريجينوس كان يدرك بالتأكيد الخطر المحدق باللاهوت المسيحي من جراء التعليم بأن العالم هو أزلي مثل الله، فقد نسب أزلية العالم ليس إلى طبيعة الله بل إلى إرادته. غير أن أوريجينوس في هذا الشأن، وفي عثرة ثانية له وبسبب العلاقة النظامية القوية (لله) الكلمة بالعالم حسب ما علم، فقد اعتبر أن الكلمة هو أيضًا مولود من الآب حسب الإرادة. ورفض بذلك الرأي بأن الكلمة مولود من الآب حسب الطبيعة وكأنه انسلق وراء تعاليم الغنوسيين عن الله، بدون أن يعلم أنه في تعليمه هذا يجرد الابن من ألوهيته. حيث أن ولادة الابن من الآب بحسب الإرادة لا تعنى أنه من نفس جوهره لكن فقط حسب النعمة.. * إن فكرة أريوس، التي لا تهتم إلا بإيضاح قدرات الله الخلاقة لها أساس من "التعاليم عن العالم" (كوزمولوجيا) وبدلًا من أن يرفع الخليقة إلى الأزلية كما فعل أوريجينوس، أنزل الكلمة إلى دائرة الزمن. فحقيقة أنه قد وضع وجود الكلمة " قبل الأزمنة وقبل الدهور"، انتفت باستخدامه كل تلك التعبيرات والتي أدت إلى وصف الابن على أنه مخلوق. وبالتالي فإن العبارة " قبل الأزمنة وقبل الدهور " هي مجرد تعبير طالما أن الابن في صيرورته وخلقته حدث فيه مثل هذه الصيرورة. وهذه الصيرورة يمكن أن تفهم داخل حدود الزمن فقط والفرق الوحيد في هذه الحالة هو أن خلق (الكلمة) حدث فقط قبل صيرورة باقي الكائنات الأخرى ومن أجل خلقة باقي الكائنات بصفته وسيط ضروري للخلق. * وهكذا فحسب اعتقاد أريوس، فإن عدم المخلوقية الفريدة قد حُفظت بالنسبة لله الآب فقط. فالله الآب وحده هو غير المخلوق، غير المبتدئ الأزلي. وبهذا وضع أريوس خطًا فاصلًا لا بين الله والمخلوقات، بل بين الله وبين كلمته مع باقي المخلوقات فالكلمة كمخلوق لا يشابه الآب، فهو متحول ومتغير بالرغم من أن ألوهيته أصيلة والفرق بين خط التفكير الأريوسي هذا والخط الأرثوذكسي يكمن في أن هذا الخط الأخير يرسم لنا صورة أعمق وأشمل عن الله فالله هو بالتأكيد خالق، لكنه ليس فقط هذا، لأنه كائن خارج طاقاته الخلاقة هذه، فالشيء الآخر الذي يكون في كيان الله هو الطبيعة، فالله بحسب الخط الأرثوذكسي، هو طبيعة وإرادة في نفس الوقت. والأولى تفوق الثانية "إن في الله شيء أعلى من مشيئته، فهو معًا كيان وإرادة وعندما نستخدم الاصطلاحات اللاهوتية اللاحقة فهو جوهر وطاقة، ونحن هنا بصدد تمييز أساسي وليس اسمي في كيان الله. هذا التميز لم يستطع أن يدركه لا الفلاسفة اليونانيين ولا المدافعين ولا أوريجينوس ولا أريوس. * ويقابل هذين النوعين من الكيان الإلهي: الجوهر، والإرادة، تميز مماثل، ففي الجوهر هناك تمايز في الكيان أو بعبارة أكثر دقة، تمايز الأقانيم الثلاثة التي لها نفس الجوهر الإله من الداخل، ومن ناحية أخرى يوجد في الإيرادة تمايز في العلاقات الخلاقة أي التي تتكشف لنا من الخارج (أي خارج الجوهر الإلهي). * فما يناسب الجوهر الإلهي من الداخل هو الولادة، وما يناسب الجوهر الإلهي من الخارج هو الخلق. * ومن ثم فإن الله هو في نفس الوقت أب وخالق. فينما الآب هو أب طبيعيًا أي يُحسب الضرورة الطبيعية، فإنه خالق حسب الإرادة الحرة. وبالتالي كان من الممكن الا يكون خالقًا وبالتالي كان يكمن أن العالم المخلوق لا يوجد بالمرة. * فالخط الفاصل في المسيحية، وفي اللاهوت الأرثوذكسي هو بين الله والمخلوقات، هو بين غير المخلوق والمخلوق. فإن أصل كلمة لوغوس هو أمر خاص بالطبيعة أو الجوهر. * لقد "اتخذ الله قرارًا" بشأن المخلوقات التي كانت في وقت ما غير موجود حيث إنها هي نتاج لإرادته، أما كلمته المولود طبيعيًا من ذاته فلم يجرى بشأنه طبعًا أي تفكير مسبق. فوجود الكلمة لا يرتبط بالخليقة بشكل مباشر فإن كان الكلمة خالقًا كما هو في الحقيقة فهذا لا يرجع إلى أنه اُستخدم كأداة ضرورية للخلق، بل لأن الكلمة هو الصورة غير المتغيرة لله. ومن ناحية أخرى فإن الله لا يحتاج إلى وسيط أو كما يقول أثناسيوس "لأن كلمة الله لم يصر من اجلنا بل بالحرى نحن قد صرنا من أجله وبه خُلقت كل الأشياء. وليس بسبب ضعفنا نحن كان هو قويًا وصائرًا من الآب وحده. لكي يخلقنا بواسطته كأداة! حاشا! فالأمر ليس كذلك. لأنه حتى لو لم يستحسن الله أن يخلق المخلوقات. فالكلمة مع ذلك كان عند الله وكان الآب فيه وفي نفس الوقت كان من المستحيل أن تكون المخلوقات بغير الكلمة لأنها قد صارت به. * فالكلمة إذن، وهو قد أتى (من الآب) بهذه الطريقة فمن المستحيل أن يتطابق مع الخليقة بل تفصله عن الخليقة نفس الهوة التي تفصل بين الآب والخليقة. فالكلمة مع أنه حاضر في الخليقة إلا أن ذلك بحسب طاقاته فقط، وهو يحفظ الخليقة بقدرته هذه حتى لا تعود إلى العدم. أما بحسب جوهره فهو خارج الخليقة ويرتفع عنها. * فالكلمة المولود من الآب، وغير المخلوق، يتمتع بكل الخصائص الطبيعية لغير المبتدئ، لغير المتغير، لغير المائت، لغير الفاني. أنه أيضًا من نفس الجوهر الواحد معه. وبالتالي فليس من الممكن أن يوجد أكثر من جوهر واحد غير مخلوق، بمعنى أنه لا يمكن أن توجد جواهر عديدة غير مخلوقة. فالجوهر غير المخلوق هو واحد. * وبحسب إحدى البديهيات الأساسية للفلسفة اليونانية، فالتعدد في الكيان (الجوهر) يعنى الارتباط بالزمن كما يعنى التغير، بينما الوحدانية تعنى الأزلية وعدم التغير (والثبات). فكون أن الروح القدس هو فريد فهو لا يحسب ضمن قائمة الموجودات المتشابهة. فعدم وجود أرواح كثيرة مقدسة، يدل على أنه (الروح القدس) غير مخلوق وبالتالي فهو من نفس جوهر الآب، كما أن الابن هو أيضًا بالطبع كذلك. * لقد حول القديس أثناسيوس بتعاليمه عن غير المخلوق (غير الصائر)، والمخلوق (الصائر) كل الخط اللاهوتي المسيحي في القرن الرابع من الحديث عن صيرورة الابن إلى الحديث عن ولادة الابن، ونفس هذا يسرى بالنسبة للروح القدس فطالما أن الخليقة هي خارجة بالنسبة لله ذاته لذلك تستخدم اصطلاحات غير المولود والمولود لوصف العلاقة الثالوثية أي تستخدم الآن نفس الكلمات السابقة مع كتابتها بحرفين (v) بدلًا من (v) واحدة، وبالطبع تختلف في المعنى. وتجدر الإشارة حول أن هاتين الكلمتين "مولود"، "غير مولود". نسج القائلين بعدم المشابهة كل نظرياتهم، فلقد تبنوا هذين الاصطلاحين لكي يخروجوا من المأزق، وذلك بتفسيرهما بطريقة محرفة. فحسب وجهة نظرهم توجد بين هذين المصطلحين هوة كبيرة بسبب حرف الـ(A) الذي يعنى (غير) وبالتالي فهاتين الكلمتين تصفان شخصين ينتميان لعالمين مختلفين تمامًا. الأول ينتمي إلى العالم الأزلي غير المتغير، طالما أن وجوده لم يتطلب ميلادًا ولا تغيرًا، والثاني ينتمي إلى العالم الزمني والمتغير. فطالما أن وجوده تطلب عملية الولادة، يقول أفنوميوس: "إن كان غير مولوج فهو ليس ابنًا، وإن كان ابنًا فهو ليس غير مولود". * فحسب تعاليم أفنوميوس، فإن كان الكلمة غير مولود فلا يمكن أن يكون ابنًا، وإن كان ابنًا فلا يمكن أن يكون غير مولود، وطالما أنه ابن فهو إذن بالضرورة مولود وبالتالي فأنه متحول ومتغير. * ومن الممكن القول أن المنادين بعدم التشابه يعودون إلى التعاليم الأساسية لأريوس مستخدمين اصطلاحات مختلفة. أي أنهم يستخدمون مصطلح "غير المولود"، بمعنى "غير الصائر" و"غير المخلوق"، ومصطلح "مولود" بمعنى "صائر" و"مخلوق". وبالتالي فإن تغيير المنادين بعدم التشابه للتعبيرات -الأمر الذي فرضته عليهم أسانيد القديس أثناسيوس ضد أن الابن مخلوق- لم يغير في الواقع شيئًا من أفكار الأريوسيين. * لم يحدث نفس الأمر بالنسبة للأريوسيين المعتدلين الذين أظهروا تعاطفًا شديدًا ليس فقط لهذه الاصطلاحات الجديدة بل أيضًا لمعانيها الدقيقة. * فقد شدد المجمع المنعقد في أنكيرا سنة 358 م. برئاسة أسقف أنكيرا باسيليوس وبكل وضوح على التمييز بين "غير الصائر"، باعتباره "غير مخلوق" لكنه "خالق"، وبين "غير المولود"، باعتباره "غير مولود"، لكنه "والد". * "فالخالق والخليقة شيء، والآب والابن شيء آخر". ونجد في هذا التعبير كيفية الوجود الإلهي: حسب الإرادة والتي بها يخلق ولهذا فهو خالق، وحسب الجوهر والتي بها يلد الآب الابن حسب الطبيعة ولهذا فهو آب... * وهكذا بالنسبة لهم فالتغيير في المصطلحات يتطابق مع خط أثناسيوس اللاهوتي: * غير أن هذا التطابق لم يشمل إلا نصف الأمر، فلو كانوا أنصاف الأريوسيين قد كفوا عن استخدام معنى ومصطلح "مخلوق" بالنسبة للابن، إلا أنهم لم يكفوا عن استخدامه بالنسبة للروح معتبرين إياه بأنه غير مساو في الجوهر. وأنه " مخلوق ملائكي". فقد كانت تعاليمهم عن أقنوم الروح مثل تعاليم الأريوسيين المتشددين عن أقنوم الابن. ولقد تسمك القديس أثناسيوس بخط واحد بالنسبة للأقانيم الثلاثة، ولذا واجه بحدة تلك التعاليم السابق ذكرها عن الروح القدس. فلم يكن ممكنًا له أن يقبل وبأي شكل أو حتى مجرد الإشارة إلى أن الروح (القدس) مخلوق، بل إنه أصر على أن الروح منبثق من جوهر الله. * وطالما أنه -مثله مثل الابن- يصدر من الجوهر الإلهي فالروح القدس إذن غير مخلوق. ورغم أن أثناسيوس لم يستخدم الكلمات "مولود" أو "ولادة" بالنسبة للروح القدس إلا أنه ينسب إليه معنى الولادة. كما أنه هو أمر حقيقي أن القديس أثناسيوس لم يلقب صراحة أو بشكل مباشر الروح القدس بأنه واحد مع الآب في الجوهر أو أنه هو الله. غير إننا هنا بصدد تحفظ، سببه رغبة القديس أثناسيوس في تجنب أسباب صراعات لاهوتية أخرى جديدة وسعيه لإيجاد طرق تقارب بينه وبين الأريوسيين المعتدلين... * لكن على كل حال فإن ما علم به أثناسيوس عن الروح القدس يشكل كل أبعاد الدفاع عن ألوهيته. فإن كان هو (الروح القدس) فريد في كيانه ومتحد بالآب فإنه بغير شك هو إله. وإن كان هو غير مخلوق فهو بالحقيقة الله. فالقول بأن الروح غير مخلوق يُجمل كل ما نريد أن نقوله عنه، لأن كل ما هو غير مخلوق هو حتمًا الله. * وبالعكس فإن كل كائن أو كل ما يدعى "إلهًا" ليس بالضرورة غير مخلوق لأن الكلمة " إله " تستخدم أيضًا للدلالة على الشركة في الألوهة. وكانت تستخدم حينذاك للدلالة على الآلهة الكاذبة أو على الآلهة التي صنعها البشر وبالتالي فمن الأكرم أن ندعو الروح القدس بأنه غير مخلوق من أن ندعوه إلهًا. * إن براهين أثناسيوس هذه ترتبط من ناحية بتعاليمه عن الثالوث، ومن ناحية أخرى بالخبرة الروحية للمسيحيين... * فمنذ نشأة المسيحية وهى تعتمد على الإيمان بالأقانيم الإلهية الثلاثة، ويمكن القول بأن الثالوث كان هو رؤية المسيحية الأكيدة على الله. فلا توجد مسيحية بالمرة بدون الإيمان بالثالوث. * فنلاحظ أنه منذ ذلك الحين جرت محاولات لفهم أقانيم الثالوث، لكن في القرن الرابع عندما هُزمت بالكلية تعاليم سابيليوس والمونارخيا التي ألغت وجود الأقانيم الثلاثة نجد أن اللاهوتيين المسيحيين بصفة عامة قد كتبوا بوضوح عن عقيدة الثالوث وقد تمثل بهم في عملهم هذا معاصروهم من الافلاطونيين الجدد. * وحينما يعتمد التعليم عن الثالوث على التعليم عن المسيح الذي يركز على خضوع الابن للآب والذي هو أساس التعاليم الأريوسية. فإن فكرة الخضوع هذه تشوه التعليم الصحيح لأن الثالوث، غير أن أثناسيوس، وبالرغم من إنه لم يهجر استخدام هذا المصطلح بل نجده يستخدمه بكثرة في كتاباته وخصوصًا في كتاباته الدفاعية عن مجمع نيقية، فأنه استبعد فكرة خضوع الكلمة للآب وبالتالي كان تعليمه عن الثالوث هو تعليمًا مستقيمًا وهو يرفض تطابق الأقانيم الإلهية الثلاثة لكنه يقبل تطابق جوهر أو طبيعة هذه الأقانيم. فكل أقنوم بكونه غير مخلوق، يملك الطبيعة الإلهية بكاملها. أو الجوهر الإلهي كاملًا ولهذا فهو الله. * ومن الناحية الأخرى فإن أثناسيوس يرفض أيضًا انفصال الأقانيم. فالثالوث ليس غير متماثل وليس هو من طبائع مختلفة بل هو طبيعة واحدة. فالثالوث يتكون من أقانيم غير مخلوقة ومتماثلة في الطبيعة والجوهر. وليس من الممكن فصل الأقانيم عن بعضها، ولا يمكن أن نقبل ألوهية الآب وفي نفس الوقت نعتبر أن الابن والروح هما من المخلوقات ولا أن نقبل ألوهية الآب والابن ونعتبر أن الروح القدس من المخلوقات. فلا يمكن أن يختلط بجوهر الثالوث أي شيء آخر غريب أو خارجي. * فلو كان الكلمة والروح من المخلوقات لكانا خاضعين للزمن وبالتالي فتكون لهما بداية ولو لم يكونا أزليين لصار الثالوث معتمدًا على الزمن ولكان الثالوث هو ثالوث تدبيري فقط فالتدبير الإلهي هو ثمرة للثالوث. فالخلاص وتجديد الخليقة بصفة العامة وكل شخص على حده، هو نتيجة للعمل المشترك للثالوث، ولكنه أيضًا هو عمل كل من الأقانيم الثلاثة على حده. * فلو لم يكن الكلمة هو الله فكيف كان يمكن للإنسان أن يتأله لو افترضنا أن الطبيعة البشرية -في التجسد- ارتبطت بشيء مخلوق وليس بالله؟ ولو كان ذلك إلى أتخذ جسدًا بشريًا ليس هو ابن بالطبيعة، فكيف يمكن أن يقترب الإنسان من الآب؟ ولو كان الروح القدس مخلوقًا وليس هو الله فكيف يمكن لنا أن نصير من خلال الشركة معه شركاء الطبيعة الإلهية؟ * فالمعمودية التي تتم ليس باسم الآب فقط بل أيضًا باسم الابن والروح القدس، لن تكون لها أية قيمة إن كانت تتم باسم المخلوقات، فالعبد لا يمكن أن يُخلص العبيد نظرائه. فتقديم الكرامة والاحترام إلى المخلوقات يمثل عبادة لها، عبادة أوثان حقيقية. * فيمكننا أن نرى أن هذه النتائج العملية للتعاليم الأريوسية من جهة التدبير الإلهي وخلاص الإنسان، هي التي دفعت القديس أثناسيوس أكثر من أي دافع آخر أن يواجه الأريوسية بأسلوب حاد أتخذ شكلًا هجوميًا في أحيان كثيرة وذلك بسبب حرصه الشديد وغيرته على بنيان كنيسة الله وخلاص المؤمنين. * إن ولادة الله لا يجب أن تقارن بطبيعة البشر، وكذلك لا يجب اعتبار ابن الله جزء من الله، أو اعتبار أن الولادة تعنى أي ألم شهوة على الإطلاق... فإن البشر يلدون بالشهوة، حيث إن لهم طبيعة متغيرة، وهم ينتظرون إلى الوقت (الولادة) نظرا لضعف طبيعتهم ذاتها، ولكن لا يمكن أن نقول هذا الكلام بالنسبة لله. لأن الله غير مركب من أجزاء. بل بسبب كونه بلا هوى أو شهوة، كما أنه بسيط غير مركب لذلك فهو آب الابن دون حدوث تغيير فيه ودون انفصال... لأن كلمة الله هو ابنه والابن هو كلمة الآب وحكمته، فإن الكلمة والحكمة ليس مخلوقًا، وليس هو جزء من ذلك الذي له كلمته (أي الآب)، ولا هو مولود بالألم والشهوة. فكلا (اللقبان) وحدهما الكتاب وأعطاهما لقب "ابن" بصورة مؤكدة. * القديس أثناسيوس الرسولي: ضد الأريوسيين 1، 28:8 ![]() القسم التاسع: أثناسيوس في عيون الآخرين * أثناسيوس هو حامى الإيمان ومعلم المسكونة وثالث عشر الرسل وقاضى المسكونة لقبوه بالرسولي...... وقالوا عنه أنه لسان الكنيسة. وقد تكلم عنه هؤلاء بصورة رائعة. 1- قداسة البابا شنودة الثالث: * لقد اثبت أثناسيوس إن الإنسان ليس بالمكان وأن المكان لا يحد الشخص مادامت روحه أكبر من المكان فإن مبدأ يقوله شخص أو عقيدة قوية ينشرها قد تنتقل إلى كل مكان ولا يحدها، مكان الذي يعيش فيه وهكذا كان القديس أثناسيوس في كل مكان وأصبح كتابه المشهور "ضد الأريوسيين" يمثل الردود التي يستخدمها المسيحيون في العالم أجمع ضد شكوك أريوس. 2- الأنبا إغريغوريوس المتنيح: * " لم يمت شهيدًا... ولكن عاش في كل يوم شهيدًا للمسيح " لو كان أثناسيوس من حديد لذاب ولو من حجر لتفتت ولكن لم يذب ولم يتفتت بل ظل صامدًا كالجبل الأشم، إنها العناية الإلهية التي جعلته كذلك. 3- غريغوريوس النزنزي: * "أن من يمدح أثناسيوس يمدح الفضيلة نفسه" * "الصخرة التي لم تقو عليها أبواب الجحيم" * "شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين" * "عين العالم المقدسة" * "الحبر المنقطع النظير" * "الصوت العالي للحق" * "عامود الإيمان" * "رسول المسيح الجديد" * "كان في أعماله متساميًا وفي عقله وتفكيره متواضع" 4 الإمبراطور قسطنطين: * قال عنه "بطل كنيسة الله" 5 القديس كيرلس الكبير * "العالم أجمع احترم قداسته ونقاوة تعليمه وأنه ملأ الأرجاء بعبير مؤلفاته". 6 القديس باسيليوس الكبير: * "أسقف الأساقفة" 7 الأنبا قزمان * " إذا قابلت جملة لأثناسيوس ولم يكن لديك ورقة فاكتبها على ثوبك". 8 يوحنا الدمشقي * " أثناسيوس هو حجر الزاوية في كنيسة الله". 9 سقراط * (مؤرخ كنسي) * " إن فصاحة أثناسيوس في المجمع النيقاوي قد جرت عليه كل البلايا التي صادفته في حياته " 10 القديس إيرونيموس * " جاء على العالم لحظة اعتقد فيها أنه سيصبح يومًا يجد نفسه فيه أريوسيًا. 11 فيليب تاف * " أثناسيوس هو المركز الذي كانت تدور حوله الكنيسة واللاهوت في العصر النيقاوي". * " لقد تحمل أثناسيوس الاضطهاد ولكن لم يضطهد أحد قط". * " أثناسيوس صار وحده ضد العالم عندما صار العالم كله ضده". 12 ثيئودوريت * " أثناسيوس هو المنبر الأعظم" 13 الكاردنيال نيومان * " أن هذا الرجل عظيم قد طبع على الكنيسة طابعًا لا يمحوه الدهر" 14 دين ستانلى * " مؤرخ انجليكانى" * أن الصفات التي أذهلت كل معاصريه بشده كانت حضور مواهبه وسرعة تحولها. * أثناسيوس يحسب أكبر لاهوتي زمانه وأيضًا لكل العصور والأجيال ولهذا حاز على لقب الكبير من كل العالم وعلى المدى. * لقد أبلى أثناسيوس على صغر مرتبته الكهنوتية بلاءًا حسنًا في مجمع نيقية وناضل عن الأرثوذكسية بحدة وشدة ونور يقين أوغرت صدور حساده... كما توجته بإعجاب كل سامعيه المرتدين منهم والمبغضين على السواء * نحن نصور أثناسيوس كما نتصور النجم في السماء. 15 موللر * (لاهوتي كاثوليكي) "أن الإنسان عندما يقرأ حياة أثناسيوس يتمنى لو لم يمت". 16 جيبون * "لقد اظهر أثناسيوس من التفوق في الشخصية والمقدرة وسعة الحيلة وحسن التدبير ما يبرهن به على أنه كان أحق من أبناء قسطنطين نفسه في تولى أعباء تلك الدولة العظمى والقيام بإدارة دفة أحكامها خير قيام". * "أسم أثناسيوس الخالد لا يمكن أن ينفصل أبدًا عن عقيدة الثالوث التي كرس لها حياته وكل قدراته العقلية وكل كيانه. 17 جواتكن * "كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى". 18 قصائد أكسفورد * "أثناسيوس صاحب القلب الملكي المدثر بوشاح بولس المبارك". _____ (*) المراجع: 1- الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة (ج1، ج2) الأسقف إيسوذورس 2- تاريخ البطاركة ساويرس بن المقفع (1-4) 3- المجامع الكنسية الأنبا يوأنس 4- تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا 5- عصر المجامع القمص كيرلس الأنطوني 6- تاريخ بابوات كرسي الإسكندرية كامل صالح نخلة 7- مار مرقس مدرسة الإسكندرية أمير نصر 8- الكنيسة تواجه الوثنية أمير نصر 9- الكنيسة تواجه الهراطقة أمير نصر 10- بطاركة عظماء (جزءان) د. جميل فخري 11- دراسات آبائية ولاهوتية يناير 1999 م. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 93 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البابا كيرلس الكبير ومجمع أفسس البطريرك الرابع والعشرون (412 م. 444 م) * قال عن نفسه "إنني قد وعدت نفسي على أن اقبل لأجل المسيح كل أنواع التضحية والعذاب إلى أن ألاقى الموت الذي أقبله بفرح من أجل غاية كهذه... فلا شيء يخيفني لا الشتائم ولا الاحتقار ولا التعذيبات أيا كانت ولكن يكفيني أن يكون الإيمان كاملًا ومحفوظًا!!" ![]() أولًا: نشأة القديس 1- تربى القديس في كنف خاله القديس البابا ثيؤفيلس فشب على معرفة العلوم الدينية والشغف بقراءة الكتب المقدسة وأقوال الآباء وسيرهم كما انه كان يمتلك موهبة حفظ الألحان الكنسية وترديدها. 2- وقد ألحقه خاله بالمدرسة اللاهوتية بالإسكندرية لدراسة العلوم الفلسفية التي تعينه على الدفاع عن المسيحية ضد الهراطقة والمبتدعين فتمكن من دراسة جميع العلوم الدينية والفلسفية وتهذب بكل العناية الفائقة منذ الصغر وحتى تخرجه. 3- ولم يكتف خاله بذلك بل أرسله إلى البرية في جبل النطرون إلى دير أبي مقار حتى يتتلمذ على الأنبا سيرابيون تلميذ الأنبا مقار الذي أوصاه بأن يقوم بتهذيبه بكل العلوم الكنسية والنسكية ومكث بالفعل مع أستاذه مدة خمس سنوات تمكن خلالها من التهام كل كتب البيعة وأجاد بإتقان كل علوم الكنيسة وأعطاه الرب الإله نعمة وفهم قلب عجيب حتى كان إذا قرأ كتابًا مرة واحدة بحفظه عن ظهر قلب. 4- وهكذا بعد كل هذه الدراسات عاد إلى الإسكندرية حيث خاله الذي امتدح نبوغه العظيم المبكر بقوله "إنك بهذه الدراسات ستبلغ أورشليم السمائية في موضع سكنى القديسين " وعلى الفور قام خاله برسامته شماسًا وقد كان القديس كيرلس إذا ما وقف ليرتل الإنجيل تمنى المؤمنون ألا ينتهي من القراءة لرخامة صوته. 5- ثم بعد ذلك رسمه قسًا وكلفه بالقيام بالوعظ رغم صغر سنه فحاز إعجاب السامعين ونال رضى جميع الكهنة والعلماء في جيله حيث أنه برع في فهم الأسفار المقدسة وشرحها ببراعة عجيبة. وكان البابا ثيؤفيلس بشكر الله إذ رزقه ولدًا روحيًا قد شب بالنعمة والحكمة. ![]() ثانيًا: تتويجه بطريرك * وما كاد العرش المرقسي يخلو بنياحة البابا ثيؤفيلس حتى قال الشعب القبطي كلمته وأجمع الإكليروس على انتخاب القس كيرلس ليخلفه على العرش وأجمع الكل على تتويجه بطريركًا بعد ثلاثة أيام فقط من نياحة خاله فجلس على الكرسي في 21 بابة سنة 129ش الموافق 18 أكتوبر سنة 412 م. في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير. ![]() ثالثًا: بداية أعماله: * قام بتكريم القديس يوحنا ذهبي الفم والاعتراف بفضله أمام الجميع كما أشاد بالقيمة العظيمة لمؤلفاته الكثيرة كما انه أثناء قيام البابا كيرلس بتدوين قداس القديس مرقس الرسول دون اسم القديس يوحنا ذهبي الفم في قائمة أسماء القديسين الذين يذكرون في صلاة القداس وهكذا وضع البابا كيرلس حدًا نهائيًا لهذه القضية. ![]() رابعًا: متاعب في طريق البطريركية المشكلة الأولى: كتابات يوليانوس الجاحد * لقد نما إلى علم البابا كيرلس الأول أن يوليانوس الفيلسوف والملك الجاحد كان قد وضع عشرة كتب ضد الديانة المسيحية متضمنة بين سطورها التشكيك والطعن في ألوهية السيد المسيح له المجد وأقواله وتعاليمه ومعجزاته الإلهية وكانت هذه الكتب العشرة بمثابة فخر للشباب الوثني. * فقام البابا كيرلس الأول بالرد على أقوال واليوليانوس وأخذ يفندها واحدة تلو الأخرى حتى تحقق له القضاء عليها قضاءًا مبرمًا. ولبى الإمبراطور نداء البابا الإسكندري وجمع كل كتب يوليانوس وأبادها جميعًا. المشكلة الثانية: اتباع نوفاسيوس الهرطوقى: ![]() * قاوم البابا كيرلس الأول النوفاسيين اتباع نوفاسيوس قس كنيسة روما الهرطوقي الذي كان يرفض توبة من جحد الإيمان أثناء الاضطهادات ويأبى أن يحل الناس من خطاياهم. * فبعدما أوضح لهم فساد معتقدهم ولم يرجعوا عنه فاضطر البابا أخيرًا بطردهم من الإسكندرية بعد أن كانوا قد نموا عظيمًا في عهده ورسموا لهم أسقفًا لرعايتهم يدعى ثيموتمبوس فهربوا جميعًا مع أسقفهم تاركين الإسكندرية وبهذا تمكن البابا من الخلاص منهم وقطع دابرهم. المشكلة الثالثة: ثورة اليهود والمسيحيين: * عظمت شوكة اليهود ضد المسيحية حالمًا رأوا انتشارها ونموها السريع بسعيهم لدى الحكام والولاة بالرشاوى كي يساعدوهم ضد المسيحيين. * وهكذا نجد أن البابا كيرلس الأول يواجه مقاومة شديدة ومتاعب عديدة من الهراطقة واليهود ففي إحدى الليالي انتشرت شائعة أن اليهود أشعلوا النيران في الكنيسة البابا ألكسندروس فعلى الفور سارع المسيحيون كبارًا وصغارًا ومن كل ناحية إلى الكنيسة لحمايتها من الحريق وكان وكان هذا الأمر باتفاق اليهود حتى ينفردوا بالمسيحيين ويفتكوا بهم وبالفعل حينما امتلأت الشوارع المحيطة بالكنيسة بالمسيحيين هجم عليهم اليهود من كل جانب وأسالوا دماء المسيحيين بكل وحشية وفظاظة. * وفي صباح اليوم التالي عندما اتضحت الأمور وشعر المسيحيون بهذه الخدعة التي دبرها اليهود عزموا على الانتقام منهم. * وعندما لم يستطع البابا أن يمنعهم من ذلك وبعد محاولات مضنية سمح لهم بعد استئذان الإمبراطور بطرد اليهود من المدينة دون سفك أي دماء ودون المساس بأي أحد فتم ذلك واستولى المسيحيون على مجامعهم وما فيها... وبهذا انتهت الجالية اليهودية بالإسكندرية. ![]() خامسًا: نسطور والبدعة النسطورية 1 من هو نسطور: * ولد نسطوريوس في سوريا بمدينة مرعش وتربى في أنطاكية وهناك ترهب بدير إيروبيوس وقد تتلمذ على تيودورس المبسوستى واختير بعدما تم تعليمه ليكون شماسًا ثم قسًا في كاتدرائية أنطاكية واشتهر بفصاحته وقوة عظاته وقد اختاره الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير ليكون بطريركًا على القسطنطينية وعند ارتقائه لهذا المنصب الرفيع لم يحتمل عظمة المكانة التي أختبر لها فسلك بالكبرياء والعظمة وأعجب بذاته حتى انه في إحدى عظاته في الكنيسة وجه خطابه للإمبراطور قائلًا له: * " أستأصل أيها الملك معي جميع الهراطقة وأنا أستأصل معك جنود الفرس الأردياء وبعد أن تقضى على الأرض حياتك السعيدة أضمن لك أخيرًا جند الخلد في السماء". * وقد كان نسطور قبل جلوسه على كرسي القسطنطينية يملك غيرة شديدة في الدفاع عن الإيمان المستقيم ضد الهراطقة لكن للأسف كانت هذه الغيرة مثل سحابة صيف سرعان ما تبخرت بعد قليل نتيجة سقوطه في بدعته الشنيعة وقد كان سقوطه عظيمًا حتى أن بعض المؤرخين قال عنه: * " إن نسطور حارب جميع الهرطقات ليمهد السبيل إلى هرطقته". 2 ما هي النسطورية؟: * قال نسطوريوس "حيث أن الله تعالى لا يمكن أن يموت أو يتألم لذلك كان المسيح أقنومين متباينين. ذات إلهية تعلو على الآلام الإنسانية وذات إنسانية عرضة للآلام والموت ومن ثم كانت الذات المتألمة هي الذات الإنسانية وحدها منفصلة عن الذات الإلهية". * وهكذا نادى نسطور بأن في السيد المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين فهو حين يصنع المعجزات يكون ابن الله وحين يتألم ويجوع ويعطش ويصاب ويموت يكون ابن مريم. * ونتيجة لفصل نسطور طبيعة السيد المسيح اللاهوتية عن طبيعته الناسوتية ترتب على ذلك الآتي: أ عدم تسمية السيدة العذراء مريم ثيؤتوكوس Theotokos أي والدة الإله وإنها أم يسوع فقط وعليها بنى هرطقته في أن الطبيعة الإلهية لا يمكن أن تولد أو تصير جسدًا بشريًا وعلى هذا فالسيدة العذراء لم تلد الله الكلمة الأزلي وإنما ولدت يسوع الإنساني ولهذا فإننا يجب أن ندعوها أم يسوع "الجسداني" وليس أم الله. ب انتقاد المجوس في سجودهم للطفل يسوع (مت11:2) باعتباره (يحسب اعتقاد نسطور الفاسد) ناسوتًا فقط وينبغي أن يكون السجود للاهوت وقد هتف نسطور في إحدى خطبه في يوم عيد البشارة (بشارة العذراء) مجاهرًا على مسمع ومرأى من الجميع أنه لا يمكن أن يسجد لطفل ابن ثلاثة شهور كما سجد له المجوس. وقد كان لهذا الكلام أكبر الأثر في إحداث اضطراب في بيعة الله المقدسة. ج استبعاد الجزء الأخير من كل الثلاث تقديسات وهى: * يا من ولدت...... يا والعشرين في عداد البطاركة. من صلبت...... يا من قمت.. * وبحكم منصبه كبطريرك للقسطنطينية وبما له من نفوذ وجبروت بدأ ينشر بدعته الفاسدة المفسدة في كل مكان مستعينًا ببعض الآباء الكهنة والأساقفة أيضًا. * أما عن الشعب المسيحي للقسطنطينية فلما سمع أقوال نسطوريوسس رفضها رفضًا تامًا لعدم اتفاقها مع كلمة الله المقدسة وبدأوا يثورون ضد نسطور الذي ازداد في عناده وتصلفه كما حضر إليه جمع من الرهبان وبينوا له خطأ هذه التعاليم وانحرافها عن الإيمان المستقيم فغضب عليهم وأمر بحبسهم في الكنيسة كما أمر اتباعه بنزع ملابسهم وضربهم وإهانتهم ثم أوثقوهم بعامود وراحوا يضربوهم على بطونهم. * ولما اشتد الجدال بين شعب القسطنطينية بسبب هذا الأمر انتشر أيضاُ بين البلاد المجاورة. وما هي إلا أيام قليلة حتى نما هذا الأمر إلى مسامع البابا العظيم كيرلس الكبير والغيور على الإيمان المستقيم. 3 ما هي عقيدتنا الصحيحة: أ أن الرب يسوع كامل في لاهوته وكامل أيضًا في ناسوته، وأن اللاهوت والناسوت متحدان اتحادًا حقيقيًا تامًا في الجوهر وفي الأقنوم وفي الطبيعة بغير انفصال وبدون امتزاج أو تغيير. ب إن الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس اتخذ من السيدة العذراء جسدًا بشريًا ونفسًا إنسانية ناطقة عاقلة، وأن المولود منها هو الإله الذي له طبيعة واحدة متجسدة لها جميع صفات وخصائص الطبيعتين معًا. وقد أيَّد القديس كيرلس الكبير عقيدة الطبيعة الواحدة بأدلة كتابية منها: * قول البشير يوحنا "والكلمة Logos صار جسدًا" (يو14:1) وقوله صار دلالة قوية على الإيمان الحقيقي في الطبيعة الواحدة. * ومن قول رب المجد " ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو13:3) فالذي في السماء هو بعينه الذي على الأرض وهو ابن الله وهو ابن الإنسان... جوهر واحد وأقنوم واحد وطبيعة واحدة. * وأيضًا من قول رب المجد عن نفسه " أنا هو الأول والآخر وإني كنت ميتًا وها أنا حي إلى دهر الدهور ولى مفاتيح الموت والجحيم" (رؤيا17:1، 18) فالضمير (أنا) يدل على الاتحاد الحقيقي والطبيعة الواحدة فهو الأول والآخر وهو هو بعينه الحي الذي كان ميتًا، الحي إلى دهر الدهور. * وقد أعلن الرسول بولس صراحة أن السيد المسيح هو الله بقوله "كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع18:20) فالدم المسفوك على الصليب هو دم الله نفسه الذي به اقتنى كنيسة الله المقدسة. * ليس هذا فقط بل يمكننا أن نرى حقيقة التجسد الإلهي واضحة تمامًا في قول الكتاب "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تيمو16:3). * وحتى يقرب القديس كيرلس الإسكندري سر التجسد الإلهي الفائق الإدراك الأذهان المحدودة صار ينتقل من المحسوس إلى المعقول مستخدمًا تشبيهات متعددة. * فقد شبه ذلك الاتحاد الحقيقي والجوهري بالاتحاد القائم بين النفس والجسد في الطبيعة البشرية وباتحاد النار بالحديد وبجمرة أشعياء (اش6:6، 7). * ونلاحظ في معظم هذه التشبيهات أن الجوهر الإلهي ممثل فيها بواسطة النار المتأججة التي هي أقوى من كل شيء سواها لأنها رمز مناسب لجوهر الله "إلهنا نار آكلة" (عب29:12) والله محبة "ومحبته متأججة كالنار قوية كالموت لهيبها نار لظى الرب" (نش6:8). ![]() 4 الإيمان الصحيح بشأن السيدة العذراء: أ- إذا كانت أي أم بشرية هي أم لمولودها لكل من النفس والجسد مع أنها لم تلد نفسه التي خلقها الله.. * وإذا كنا نرفض القول بان أي أم ليست أما للجسد فقط بل هي أم للإنسان كله.. فلماذا لا ينطبق هذا الأمر على العذراء مريم!!! ب- وما دمنا نؤمن أن السيد المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد الكلمة الذي تجسد وتأنس من أجل خلاصنا.. فلابد لنا من أن نؤمن أن أمه هي من غير شك أم الله التي ولدت لنا عمانوئيل أي الله معنا كما أعلن الملاك المبشر إتمامًا لسائر النبوات. ج- هناك ضرورة لاهوتية تحتملها طبيعة التجسد الإلهي المجيد.. فإنه ما دامت العذراء مريم قد ولدت الإله المتجسد وجب أن تلقب بوالدة الإله. د- ومن الحقائق الهامة التي غابت عن أذهان أولئك المبتدعين... أنه لا يمكن أن يتم خلاصنا إن لم يكن ناسوته متحدًا بلاهوته. ه- ويؤكد القديس غريغوريوس النزينزي هذه الحقيقة الإيمانية بقوله: "إذا لم يؤمن أحد بان مريم هي ثيؤتوكوس فهو غريب عن الله" و- ولهذا يعلن الأب الكاهن في نهاية القداس بكل خشوع عند الاعتراف في الأمانة " أؤمن أن هذا هو الجسد المحيى الذي أخذه ربنا وإلهنا ومخلصنا.. من سيدتنا... والدة الإله". ![]() سادسًا: موقف البابا كيرلس من نسطور وبدعته 1 في عيد الفصح عام 428 م. كتب في رسالته الفصيحة ما يفند هذه البدعة وأرسلها إلى جميع الكنائس في كل مكان ولم يكتف بذلك بل أعلن في عظته ليلة العيد على الملأ فساد بدعة نسطور وقال: "إن مريم لم تلد إنسانًا عاديًا بل ابن الله المتجسد لذلك هي حقًا أم الرب وأم الله" 2 ونظرًا لأن البابا كيرلس كان حكيمًا في جميع تصرفاته وأحكامه فإنه قام بملاطفة نسطور أولًا لعله يرجع عن خطأه وفساد معتقده فأرسل إليه كثير من الرسائل مملؤة بكل حكمة وتعزية وملأها بالحجج الدامغة والبراهين القوية والكثيرة التي تظهر فساد هذه الهرطقة لعلة يقتنع ويرجع عن ضلاله. 3 عقد مجمع مكاني في الإسكندرية قرر الأتي: أ إدانة نسطور الهرطوقى وشجب كل تعاليمه. ![]() ب التمسك بقانون الإيمان الذي سنة الآباء المجتمعين في نيقية سنة 325 م. واستكماله الآباء المجتمعون في القسطنطينية سنة 381 م. * وبعد انتهاء المجمع المكاني أرسل البابا كيرلس تقريرًا بما حدث في المجمع إلى سفرائه المتواجدين في القسطنطينية فانتشر الخبر في جميع أرجاء القسطنطينية فخرج شعبها جميعًا مهللًا بالفرح والابتهاج وأرسل إلى البابا معبرًا عن شكره وامتنانه. * وعندما رأى القديس كيرلس أن الإمبراطور ثيؤدوسيوس يدافع عن نسطور ويحامى عنه حاسبًا إياه رجلًا فاضلًا عالمًا قام بكتابة رسالة إليه يوضح فيها انحراف نسطور عن الإيمان القويم وكتب أيضًا رسائل أخرى لبعض أفراد العائلة الملكية شارحًا فيها سر التجسد. 4 قام بعقد مجمع إقليمي آخر في الإسكندرية الذي أصدر قراراته متضمنة التمسك بقرارات المجمع السابق. * هذا وقد أرسل المجمع الآبائية إلى نسطور متضمنة فصول "الحرومات الاثني عشر" ونظرًا لأهميتها اللاهوتية والعقيدية نذكرها فيما يلي للفائدة: ![]() الحرومات الاثنا عشر الحرم الأول: من لا يعترف أن عمانوئيل هو إله حقيقي وأن البتول القديسة مريم هي والدة الإله حيث ولدت جسديًا الكلمة المتجسد الذي هو الله كما هو مكتوب أن الكلمة صار جسدًا،فليكن محرومًا. الحرم الثاني: من لا يعترف بان كلمة الله متحد مع الجسد كالأقنوم وأن المسيح عينه هو لا ريب إله وإنسان معًا متحدًا مع جسده فليكن محرومًا. الحرم الثالث: من فصل من بعد الاتحاد، المسيح الواحد إلى أقنومين، وقال أن اتحادهما بعضهما ببعض من قبيل المصاحبة فقط أو بالقدرة أو بالسلطان وليس باتحادهما بوحدانية طبيعية فليكن محرومًا. الحرم الرابع: من فرق بين أقوال السيد المسيح المذكورة في الأناجيل المقدسة وفي رسائل الآباء الرسل أو نطق بها الآباء القديسون أو قالها المسيح عن ذاته ونسبها إلى أقنومين أو إلى اثنين كل قائم بذاته ويفهم أن البعض منها لائق بالإنسان وحده كأنه غريب عن كلمة الله وأن البعض الآخر ملائم لله فيخصه وينسبه إلى كلمة الآب وحده فليكن محرومًا. الحرم الخامس: من تجاسر وقال أن السيد المسيح الذي يستعمل سلطانه الإلهي هو إنسان ساذج ولم يقل إنه إله حقيقي وابن واحد بالطبيعة كالاتحاد الأقنومي اشترك معنا في اللحم والدم لكون الكلمة صار جسدًا على ما في الكتب المقدسة فليكن محرومًا. الحرم السادس: من قال إن كلمة الآب هو إله أو رب للمسيح ولم يعترف بأن المسيح ذاته إله وإنسان معًا كقول الكتاب المقدس الكلمة صار جسدًا. فليكن محرومًا. الحرم السابع: من قال إن الله الكلمة لم يتأنس في الإنسان يسوع وأن عظمة ابن الله الوحيد قائمة في آخر دونه فليكن محرومًا. الحرم الثامن: من تجاسر وقال ينبغي السجود لإنسان ساذج الذي معه الله الكلمة لكونه متخذ منه ومعه تعظم، ويدعوه إلهًا بحسب واحد في غيره، ولم يعترف بأنه ينبغي لعمانوئيل سجود واحد وتمجيد واحد كما ينبغي لكون الكلمة صار جسدًا فليكن محرومًا. الحرم التاسع: من قال أن ربنا يسوع المسيح الوحيد كان ممجدًا من قبل الروح القدس بقدرة غريبة عنه. وإنه بنعمة هذا الروح كان يستعمل تلك القدرة والسلطان على إخراج الأرواح النجسة. وبه امتلأ من النعمة الإلهية. ولم يقل إنه كان ممتلئًا من روح خاصة كان يعمل بها تلك الآيات فليكن محرومًا. الحرم العاشر: إن الكتاب المقدس يقول إن المسيح صار رسولًا وعظيم أحبار إيماننا وإنه قرب نفسه لله لأجلنا، ولأجل خلاصنا، بخورًا طيبًا لله الآب فمن قال أن كلمة الله الذي تجسد وصار إنسانًا ساذجًا من امرأة وإن آخر دون الكلمة ومن قال إن المسيح قرب نفسه لله الآب لأجل نفسه ولم يقل إنه قرب نفسه لأجل خلاصنا نحن البشر فقط لأنه لم يعرف خطيئة وليس بحاجة إلى ذلك القربان فليكن محرومًا. الحرم الحادي عشر: من لا يعترف بأن جسد الرب هو معطى الحياة لأنه هو كلمة الله وقال عنه آخر دونه اجتمع معه أو قال إنه كان يعطى الحياة لأن الله الكلمة كان ساكنًا فيه غير متحد معه باتحاد أقنومي ولم يقل كما سبق إنه معطى الحياة لكونه صار لكلمة الله خاصة الذي هو قادر أن يحيى الكل فليكن محرومًا. الحرم الثاني عشر: من لا يعترف بان الله الكلمة تألم في الجسد وصلب في الجسد وذاق الموت في الجسد أعنى جسده تألم وصلب وذاق الموت ولم يعترف إنه صار بكر الأموات وإنه إله معطى الحياة المحيى فليكن محرومًا. ![]() موقف نسطور من المجمع والحرومات: * كان الغرض من إرسال رسالة المجمع وحرومات البابا كيرلس أن يوقع عليها نسطور إلا انه احتقر الرسالة والحرومات ولم يقتنع بها وقام بكتابة بنود ضدها لتأييد مزاعمه وبدعته وساعده في ذلك بعض أساقفة أنطاكية المعتنقين بدعته. * وهكذا انقسمت الكنيسة على قسمين الأول يضم كلًا من كنائس روما وأورشليم وآسيا الصغرى وهذه الكنائس وقفت تؤازر البابا كيرلس والثاني يضم كنيسة أنطاكية والقسطنطينية التي هي كرسي نسطور. ![]() وفى دفاعه عن لاهوت المسيح قال البابا كيرلس: * إن الكلمة كائن قبل الدهور نقول إنه ولد منها بالجسد كجسد كل واحد منا، لكن وإن كان قد هبط إلى حدودنا ولبس صورة العبد إلا انه في علو لاهوته وربوبيته بالطبيعة * أن الطبيعتين اجتمعتا في طبيعة واحدة ومن بعد الاتحاد لا نفرق بعضهما عن بعض ولا نقسم غير المنقسم ونجعله اثنين بل نقول انه ابن واحد وحيد. مثلما قال آباؤنا إنه طبيعة واحدة للكلمة المتجسد وغير مفترق بعد الاتحاد، ومن المنطلق الإيماني جاء في القسمة السريانية ما يأتي: * " هكذا بالحقيقة تألم كلمة الله بالجسد، وذُبح وانحنى بالصليب، وانفصلت نفسه من جسده وطعن في جنبه بالحربة وجرى منه دم وماء غفرانًا لكل العالم وتخضب بهما جسده وأتت نفسه واتحدت بجسده وعوض الخطية المحيطة بالعالم مات الابن بالصليب وردنا من التدبير الشمالي إلى اليميني، وأمن بدم صليبه، ووحد وألف السمائيين مع الأرضيين والشعب مع الشعوب والنفس مع الجسد وفي اليوم الثالث قام من الأموات "واحد هو عمانوئيل"، وغير مفترق من بعد الاتحاد وغير منقسم إلى طبيعتين هكذا نؤمن وهكذا نعترف وهكذا نصدق أن هذا الجسد لهذا الدم وهذا الدم لهذا الجسد. ![]() سابعًا: المجمع المسكوني الثالث أفسس الأول 431 م. أين ومتى عقد المجمع؟ * تم عقد المجمع في أفسس يوم الأحد الموافق 13 بؤونه سنة 147 ش الموافق 7 يونيو سنة 431 م. أسباب انعقاد المجمع: أولًا : بدعة نسطور Nestorius Heresy ثانيًا: بدعة بيلاجيوس Pelageus Heresy * وقد ولد بيلاجيوس هذا في بريطانيا ونشأت بدعته في القرن الرابع وتردد زمانًا بين روما وفلسطين ثم سيم راهبًا وحصل على درجة القسيسية وسقط في بدعة مضمونها الآتي: * " إن خطيئة آدم قاصرة عليه وحده دون بقية الجنس البشرى ثم استنتج من ذلك أن كل إنسان حينما يولد يكون كآدم قبل الخطيئة!! ثم قال أن الإنسان بقوته الطبيعية يستطيع الوصول إلى أسمى درجات القداسة بدون احتياج إلى مساعدة النعمة الإلهية". * ومن البديهي أن في هذه التعاليم الفاسدة ما يهدم الفداء المجيد ويضعف من قيمة دم المسيح ويناقض قول الكتاب الآتي: "هأنذا بالآثام حبل بي وبالخطية ولدتني أمي" (مز5:51). * " وبإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت" (رو12:5) * " كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح يحيا الجميع" (1كو22:15). * وقد ظل بيلاجيوس المبتدع هذا زمانًا ينتقل من مدينة إلى أخرى وينشر تعاليمه المضلة وعندما تم انعقاد مجمع أفسس المسكوني الثالث المقدس حكم المجمع ضده بالحرم هو وبدعته. عدد الحاضرين: 200 أسقف رئاسة المجمع: البابا كيرلس عامود الدين الجلسة الأولى: تم فيها الآتي 1 حرم نسطور: "حيث أن نسطور كلى النفاق قد رفض أن يخضع لصوت دعوتنا إياه ولم يقبل الأساقفة الذين أوفدناهم إليه من قبلنا ولم يكن في وسعنا أن تتأخر عن فحص تعاليمه الآثمة". * وبما إننا قد تحققنا من رسائله وأقواله قبل البدء في أعمال المجمع كما يبرهن على معتقده الأثيم لهذا رأينا بناء على القوانين المقدسة أن نصدر ضده هذا الحكم بكل حزن ودموع سائلين المولى بواسطة هذا المجمع المقدس أن يسقطه من درجة الأسقفية وليكن مفروزًا من أي شركة كهنوتية. 2 ثم قرر المجمع بحسب التعاليم المحفوظة في الكنيسة منذ عصر الرسل أن سر التجسد المجيد قائم في اتحاد اللاهوت بالناسوت في أقنوم الكلمة الأزلي بدون انفصال ولا امتزاج ولا تغيير وأن السيدة العذراء مريم هي والدة الإله. 3 وأخيرًا تفضل الآباء المجتمعون في أفسس بوضع مقدمة قانون الإيمان كالآتي: * "نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم، أتى وخلص نفوسنا، المجد لك يا سيدنا وملكنا المسيح فخر الرسل إكليل الشهداء، تهليل الصديقين، ثبات الكنائس، غفران الخطايا، نكرز ونبشر بالثالوث المقدس لاهوت واحد، نسجد له ونمجده، يا رب ارحم يا رب ارحم، يا رب بارك أمين". 4 إعلان نسطور بالحكم. 5 أما بالنسبة لبدعة بيلاجيوس والتي سبق الإشارة إليها فقد ناقشها الآباء على ضوء ما جاء في الكتاب المقدس وبعد أن تأكد المجمع من فسادها ومعارضتها لسر الفداء المجيد وإنها تُضعف من قيمة الدم الزكي الكريم وتناقض آيات الكتاب المقدس أصدر المجمع المسكوني الثالث المقدس المنعقد في أفسس حكمة ضد بيلاجيوس المبتدع بحرمه وبدعته وكل تعاليمه مزيدًا بذلك الحرم الموقع عليه في مجامع عقدت بأفريقيا وروما سنة 418 م. 6 إعلان أحكام المجمع للشعب. * رفعت الجلسة الأولى الافتتاحية وأعلنت الأحكام للشعب الذي ابتهج كثيرًا لحرمان نسطور ورفض بدعته وهتف للبابا كيرلس الكبير رئيس المجمع المقدس وللآباء القديسين الذين حافظوا على الإيمان القويم وحرموا التعليم الأثيم ثم أوقد الشعب الشموع وأخذ يسبح الليل كله. ![]() موقف نسطور من قرارات المجمع * أما نسطور فلم يقبل الحكم الصادر من المجمع المقدس وسافر إلى القسطنطينية بحمل معه تقارير مزيفة كتبها له مندوب الإمبراطور "كانديديان" الممالي له وملأها بالطعن في رئيس المجمع البابا كيرلس. وفي نفس الوقت شدد كانديديان الحراسة على أبواب المدينة لمنع أي رسل من الخروج. ![]() تدخل يوحنا الأنطاكي وأساقفته: * بعد سفر نسطور بخمسة أيام وصل يوحنا الأنطاكي أسقف أنطاكية إلى أفسس وبرفقته 32 أسقفًا وعند سماعه الحكم الذي صدر ضد نسطور صديقه غضب غضبًا شديدًا لأنه كان من أعوانه ومن مؤيدي هرطقته ثم قام بعقد مجمع من أساقفته قرر فيه عزل كيرلس الإسكندري وممنون أسقف أفسس!! ورفض قبول أساقفة مجمع أفسس في شركته إن لم يتنازلوا عن قرارهم!! وبمعونة مندوب الإمبراطور تمكن يوحنا الأنطاكى من إرسال قراراته إلى الملك طالبًا التصريح بإعادة انعقاد المجمع من جديد ولم تمضى بضعة أيام حتى وصل نواب أسقف روما وهم الأسقفان أركاديوس وبروجاكتوس نائبين عن مجمع رومية والقس فيلبس نائبًا شخصيًا عن أسقف روما. الجلسة الثانية: تم عقد هذه الجلسة في 10 يوليو سنة 431 م. وعقدها البابا كيرلس للمجمع المقدس وقد حضرها مندوبو روما مع الأساقفة. * وقد تليت في هذه الجلسة أعمال الجلسة الأولى ثم قرئت رسالة أسقف روما وأخيرًا تكل وفد روما مؤيدين بكل قوة القديس البابا كيرلس. * ومما هو جدير بالإعجاب ما أعلنه الأسقفان أمام المجمع المسكوني من أنهما رغم صداقتهما الحميمة لنسطور فإنهما كخادمين للكلمة ملزمان بإعلان الحق بأمانة ولهذا فإنهما يضحيان بمودتهما له في سبيل ولائهما للحق لأنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (أعمال الرسل 21:5). الجلسة الثالثة: وقد تم عقدها في اليوم التالي وفيه وقع نواب روما على حكم المجمع وقراراته. الجلسة الرابعة: وقد تم عقدها في يوم 26 يوليو من نفس العام للنظر في تصرفات يوحنا الإنطاكي وأساقفته وقد قام المجمع بإرسال البعض منهم لاستدعاء يوحنا الأنطاكى دفعتين متتاليتين غير انه رفض الاشتراك معهم. الجلسة الخامسة: وقد حدث في هذه الجلسة أن المجمع أرسل مرة ثالثة إلى يوحنا الأنطاكى بإنذار للحضور ولكنه أصر على عدم الحضور وقال "أنه ينتظر أوامر من الإمبراطور"!! * فعاد المجلس وبحث بكل اجتهاد موقفه من جميع الجهات وأصدر قرارًا بالأتي: أولًا: تبرئة القديس كيرلس الإسكندري وممنون أسقف أفسس. ثانيًا: حرم يوحنا الأنطاكى بطريرك أنطاكية واللذين يؤيدونه. الجلسة السادسة: تم في هذه الجلسة تأكيد وتثبيت دستور الإيمان الذي بدأ في نيقة وأستكمل في القسطنطينية الجلسة السابعة: تم في هذه الجلسة تحرير أسقفية قبرص من الخضوع لبطريركية أنطاكية كما سُن في هذه الجلسة ثمانية قوانين لم تزل باقية حتى اليوم. الجلسة الأخيرة للمجمع المقدس: * أنه لما رأى الآباء أن مندوب الإمبراطور في المجمع، يعمل بكل الطرق الممكنة لعدم وصول القرارات والأحكام إلى القسطنطينية فكر الآباء في طريقة يوصلون بها قراراتهم للإمبراطور فأحضروا شخصًا لبس ملابس شحاذ وأمسك في يده عكازًا مفرغًا وضعت بداخله قرارات المجمع. فاستطاع بهذه الحيلة أن يفلت من الحصار الشديد الذي فرضه كانديديان على المدينة كلها، وأن يصل إلى دلماتيوس العابد الذي كان الإمبراطور يجله كثيرًا لقداسته وتقواه ويزوره تبركًا في مغارته التي لم يغادرها منذ ثمان وأربعين سنة إلا من أجل الدفاع عن الإيمان. وسرع دلماتيوس عندما وصلته القرارات في مقابلة الإمبراطور حيث أطلعه على أعمال المجمع وأحكامه. فوافق عليها الإمبراطور واعتمدها. * ولقد ظل البعض يحرضون الإمبراطور ضد المجمع وقراراته وأخيرًا انتدب المجمع ثمانية من أساقفته كما انتدب يوحنا الأنطاكى والنساطرة ثانية منهم وتقابل الوفدان مع الإمبراطور في مدينة "خلقيدون" وبعد مباحثات طويلة اقتنع الإمبراطور بصحة أحكام المجمع فثبتها وأمر بنفي نسطور بعيدًا عن القسطنطينية. ![]() انتهاء المجمع وعودة الأساقفة: * عاد القديس كيرلس إلى الإسكندرية وهناك خرج الشعب الإسكندري في استقبال مهيب وقابل باباه الحبيب بالابتهاج والتهليل مهنئينه على ما أحرزه من نصر عظيم في مجمعه القويم. ![]() ثامنًا: نهاية نسطور * بعد صدور أمر الإمبراطور بنفي نسطور تقرر نفيه إلى ديره الأول بريبيوس الذي نشأ فيه أمام أبواب أنطاكية. كما نفى الإمبراطور عددًا كبيرًا من الأساقفة من اتباعه ومكث هذا المضل هناك في الدير أربع سنوات غير أنه لم يهدأ بل ظل ينفث سمومه بين الرهبان مما أغضب الإمبراطور الذي سبق أن حاباه فانقلب عليه وأصدر أمره بإحراق جميع مؤلفاته ونفيه إلى بلاد العرب ثم إلى أخميم وكانت عاصمة للإقليم التاسع من أقاليم جنوب مصر الـ22 وحيث أن المسيحيين هناك كانوا شديدي التمسك بإيمانهم ولا يخشى عليهم من وجوده مقيمًا بينهم، لأن إيمان أهلها أقوى من أن يتأثر ببدعته.. وظل هذا الخائن مقيمًا هناك حتى مات منبوذًا مكروهًا من الجميع ودفن في أخميم في سنة 450 م. * وذكر المؤرخ الكنسي فيليب شاف انه لما مات نسطور اعتاد أقباط أخميم أن يرجموا قبره بالحجارة ويلقوا عليه القمامة والتراب حتى تكون من ذلك (كوم أو تل نسطور) ومازال هذا الموضع معروفًا بهذا الاسم حتى الآن ويوجد في النصف البحري الشرقي للمدينة. وقد اختلف المؤرخون حول سبب موت نسطور: * فقد ذكر المؤرخ شاف انه لما تملكه اليأس شدخ رأسه بحجر ومات منتحرًا. * وقال ايفاجريوس Evagruis والى مصر أن الله قد ضربه بالدود الذي أكل لسانه النجس الذي كانت تنبعث منه التجاديف عقابًا له على تجديفه. * بينما قال المؤرخ الكنسي (تاودوريتس) ان جسده كله فسد وتمزق. وأيا كانت النتيجة فقد كانت نهايته بشعة وشنيعة للغاية. * وهكذا انتصر الحق وأجبر ذلك المضل على أن يشرب حتى الثمالة كأس الاضطهاد المر الذي سبق هو نفسه أيام جبروته، أن أجبر الآخرين الأبرياء على شربه. * وكتب نسطور تاريخ حياته بعنوان (ماساة) وهلك مع سائر المبتدعين ومضطهدي الكنيسة الذين كانت نهايتهم البشعة بينه على قضاء الله العادل الذي يظهر قوته ومجده وأسقفيته يأخذها آخر: دعا الإمبراطور المجمع المقدس الأفسسى للحضور إلى القسطنطينية لكي يقوم باختيار أسقف جديد بدلًا من نسطور ومنح الحرية لكل من يرغب في العودة إلى أبروشيته فرجع القديس كيرلس شبل ما مرقس منتصرًا. * أما الآباء الأساقفة الذين مكنتهم ظروفهم من تلبية دعوة الإمبراطور فقد اجتمعوا معًا ووقع اختيارهم على الراهب مكسيميانوس الصريح في الإيمان فأقاموه على الكرسي الرسولي بدلًا من الخائن في 25 أكتوبر (تشرين الأول) عام 431 م. ![]() مصير النسطورية بعد نسطور: * بعد موت نسطور وخلع ونفى الأساقفة النسطوريين عن كراسيهم لم تمت البدعة النسطورية تمامًا لتمسك معلمي مدرسة الرها السريانية وتلاميذها بتعاليم نسطور ونشاطهم في نشر وترجمة مؤلفات مؤسسيها ديودوروس الطرسوسى وثيؤدور الأنطاكى إلى اللغات السريانية والأرمنية والفارسية واتخاذهم مدرسة أديسا Edessa اللاهوتية الشهيرة أكبر معقل لهم. * وحدث انه لم طوردت النسطورية من الدولة وأغلق الإمبراطور زينون هذه المدرسة سنة 489 م. انتشر أنصارها في الشرق ومعهم بعض الكهنة وهناك شيدوا مقرًا لهم ورسموا رئيسًا عليهم ودعوه (جاثليقًا). ولجأ النسطوريون إلى جزيرة العرب وإيران والهند وحتى الصين. * ولا يزال حتى الآن بعض النساطرة في جبل سنجار على حدود بلاد فارس وفي ملبار بالهند وشبه جزيرة العرب ووجدت النسطورية لها منفذًا إلى المسيحية في الكنيسة الغربية ومنها إلى الكنيسة الإغريقية الأرثوذكسية بواسطة الإرساليات. وقد اتخذ النساطرة بغداد مقرًا لرئاستهم وظلوا يتمتعون بحماية الخلفاء لهم في العراق حتى غزا تيمور لنك البلاد في القرن الرابع عشر واضطهدهم وأباد الكثيرين جدًا منهم. ومازالت الهرطقة النسطورية مستقرة في قطاعات منتظمة إلى اليوم في هذه الكنائس المتنوعة في الشرق. ![]() تاسعًا: مؤلفات وكتابات وتدوينات البابا كيرلس الكبير القسم الأول: تفاسير الأسفار المقدسة: * وهى سبعة عشر كتابًا تحت عنوان العبادة بالروح والحق.. وثلاثة عشر كتابًا تعرف بالتفاسير الأنيقة وهى تغطى مختارات من كل أسفار العهد القديم وفي العهد الجديد تفسير إنجيل يوحنا ثم 156 عظة على إنجيل متى والرسالة إلى رومية وكورنثوس الثانية والعبرانيين. ![]() منهجية البابا كيرلس عمود الدين في تفسيره للكتاب ومدارس التفسير * القديس كيرلس عمود الدين كمفسر للكتاب المقدس إذ هو نموذج عظيم لواحد من آباء الكنيسة الذين عاشوا سر "الإعلان الإلهي"، ذلك السر الذي كشف وتحقق بتجسد السيد المسيح ومن خلال عمله الخلاصي من أجلنا ومن أجل خلاصنا، وبشر به "بشارة مفرحة" بالإنجيل. * ومن خلال دراستنا لطريقة تفسير القديس كيرلس للكتاب المقدس نستطيع أن نتبين مدارس التفسير التي كانت سائدة في العصور الأولى، وكيف تعامل معها القديس كيرلس بحكمة ووعى روحي ليقدم لنا في النهاية سمات التفسير الأرثوذكسي والتي يمكن فهمها من خلال الملامح الأساسية الآتية: 1- الأساس الخريستولوجي: إذ أن الإيمان الصحيح بسر التجسد والفداء هو ضرورة أساسية للتفسير السليم، إذ أن الكلمة المتجسد هو القانون والمعيار الذي يقاس عليه التفسير الأرثوذكسي. 2- الأساس الروحي: إذ أن الكلمة المكتوبة لها مفهومين، تاريخي وروحي. والذي يقودنا إلى التفسير الصحيح هو الإيمان إذ هو يسبق المعرفة، إذ بواسطة الإيمان يصل الإنسان إلى المعرفة الكاملة. والإيمان هنا هو المعرفة الصحيحة عن الله داخل حياة الفضيلة. 3- الأساس الكنسي: حيث يلجأ القديس كيرلس دائمًا إلى التعاليم والخبرة الكنسية معبرًا أن التقليد الكنسي هو المرشد والضامن للتفسير الكتابي السليم. ويركز على حقيقة الوحي الإلهي وحضور الروح القدس في الكنيسة، وعلى أهمية التقليد الذي يشمل الإيمان المستقيم والعقيدة الصحيحة، وعلى العبادة الليتورجية داخل الكنيسة، وعلى الحياة الروحية في الفضيلة. * يعتبر القديس كيرلس الإسكندري (370-444 م) من المفسرين العظماء للكتاب المقدس في تاريخ الكنيسة، وبينما اتبع الطريقة الأوريجانية لتفسير العهد القديم، ظل محافظًا على العقيدة من سوء التفسير الرمزي. إن العقيدة الخريستولوجية ضد (أريوس، نسطور، أبوليناريوس، افنوميوس) تمثل الأساس لفهم كل شروحاته وتفسيراته للكتاب، وهو يربط ربطًا محكمًا بين الشروحات وعقيدة الكنيسة. * ولأن القديس كيرلس ربط بين التفسير واحتياجات الكنيسة التعليمية في عصره فقد يفهم إنه انطلق من العقيدة ليفسر الكتاب ولكن العكس صحيح. بدون شك لا ينتمي القديس كيرلس إلى المتطرفين الغيورين للتفسير الرمزي وفي نفس الوقت لم يوجد معاديًا للمدرسة الأنطاكية فلقد استخدم الرمزية allhgorikh مع النموذجية (النمطية) أو المثالية Tupologikh ![]() أ- العهد القديم: * إن تفاسير القديس كيرلس للعهد القديم تعتبر من أقدم كتاباته، فقد كتب "العبادة بالروح والحق" في صورة حوار بينه وبين بلاديوس، وهو شرح رمزي ونمطي، ويشمل الكتاب 17 فصلًا. وموضوع الكتاب الرئيسي كيف أن الناموس قد ألغى فقط بحسب الحرف وليس بحسب الروح. * في رأى القديس كيرلس: كل شيء يحويه العهد القديم هو صورة ورمز وظلال للعبادة بالروح والحق. في الفصول الأولى ينشغل كيرلس بخطية آدم ويناقش مسألة تحرر الإنسانية من عبودية الخطية والشيطان ويؤكد أن التحرر لا يأتي إلا من المسيح ويستمر في هذا الموضوع حتى الفصلين الرابع والخامس ليؤكد على أهمية الدور الإنساني في حفظ هذا الخلاص لذا يشدد على أهمية قرار وإصرار الإرادة الإنسانية في أن تخلص. وكتب أيضًا في هذه الفترة (Ta Glafura) "تعليقات" من ثلاث عشر فصلًا وهو يكمل ما كتبه سابقًا في "العبادة بالروح والحق" ولكنه لم يكن في صورة حوار، ما يخص سفر التكوين سبعة فصول، * وثلاث فصول لسفر الخروج، وثلاث فصول كل واحد منها لسفر اللاويين، سفر العدد، سفر التثنية. * أيضًا كتب في هذه الفترة تفسيره لسفر إشعياء والذي شغل مجلدًا كاملًا (رقم 70) في سلسلة Migne، ومذكراته في الأنبياء الصغار. * في هذه الكتابات اتبع القديس كيرلس التقليد الإسكندري في التفسير، إذ ترك الحرف والتاريخ ودخل في قلب النص مفتشًا على الثمر الروحي اللازم للغذاء. لقد وضع كيرلس أساس التفسير وهو التفتيش على "المعنى الروحي" وراء الحرف. القديس كيرلس محق في تطبيقه هذه الطريقة في التفسير للعهد القديم لأن الناموس يعطى فقط صور ورموز للحقيقة، هو الظلال، لذلك قد بَطُل، ولكن كيرلس يشدد على أن الإبطال تم بحسب الحرف وليس بحسب محتواه الروحي وأهميته الروحية، ومن هنا نرى أن الناموس- كما يعلن القديس كيرلس - حفظ فاعليته حتى اليوم ولكن بحسب مفهومه الروحي. * يركز القديس كيرلس في كتاباته على الصورة القديمة التي للكنيسة في قلب العهد القديم، كذلك في كتابه "تعليقات" يركز على أن "سر المسيح" رمز إليه وصور في كتب موسى الخمسة "التوراة". * أن شروحات القديس كيرلس لأسفار الملوك، نشيد الإنشاد، والأنبياء حزقيال، إرميا، باروخ، دانيال قد بقى منها مقاطع صغيرة. * ولا ننسى إنه قد شرح (ق. كيرلس) سفر المزامير وذلك بحسب رأى "فوتيوس" في القرن العاشر. ![]() ب- العهد الجديد 1- تفسير إنجيل يوحنا: كتب القديس كيرلس تفسيره لإنجيل يوحنا وذلك قبل فترة البدعة النسطورية، وهو يمثل 12 مجلدًا. * إن تفسير كيرلس له طبيعة عقيدية، والمقدمة تكشف على أنه يريد أن يعطى مفاهيم عقيدية للنص وعلى محاربة الأفكار الهرطوقية. * يفحص مفاهيم عقيدية للنص وعلى محاربة الأفكار الهرطوقية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.يفحص القديس كيرلس في شروحاته هذه فكر الأريوسيين، فكر أتباع افنوميوس، وخريستولوجية المدرسة الأنطاكية. وأيضًا في تفاسيره هذه لا يذكر لا نسطور ولا مصطلح والدة الإله، ومصطلحاته في هذا التفسير ليست هي نفسها كما وجدت في كتاباته بعد ظهور النسطورية. لذلك يوجد اتفاق بين المفسرين بأنه كتبه قبل فترة البدعة النسطورية هذا رأى الأب جورج فلورفسكى في كتابة "آباء بيزنطة القرن الخامس" والصادر في تسالونيكي سنة 1992 م. 2- تفسير إنجيل لوقا: هو مجموعة عظات حول نصوص إنجيل لوقا، والهدف من هذه العظات ليس عقيدي فقط كما في تفسيره لإنجيل يوحنا ولكنه سلوكي عملي أيضًا. بقيت فقط ثلاث عظات من النص اليوناني المفقود وبعض المقاطع الأخرى، بينما هناك 156 عظة وصلت إلينا باللغة السريانية (من القرن السادس) ومن خلال هذه الترجمة نعرف من العظة رقم 63 أن وقت كتابة هذه العظات كان أواخر 430 م. لأنه يذكر حرومات القديس كيرلس الاثني عشر. 3- مقاطع تفسيرية لأعمال أخرى للعهد الجديد: مقاطع قليلة من شروحاته لإنجيل متى، وأسفار أخرى للعهد الجديد. * إن مفهوم اللوغوس يعلن فقط داخل خبرة الإيمان. الذي يقودنا خارج محدوديتنا كمخلوقات، هو الإيمان وليس البحث. الإيمان يجب أن يسبق البحث، المعرفة الصحيحة يمكن أن تؤكد فقط على أساس الإيمان. * بدون استنارة الروح القدس، لا يستطيع أحد أن يقبل لمعرفة الحق وأن ينجح في الحصول على فهم دقيق سليم للعقائد الإلهية. الآب لا يمنح معرفة المسيح لغير الأنقياء، لأنه في رأيه لا يمكن أن يسكب فارورة طيب كثير الثمن داخل قبر. * معرفة الله هي حوارية أي تتطلب حوار حقيقي مع الله وشركة قوية وليست كالمعرفة الخارجية. ويؤكد القديس كيرلس على أن معرفتنا اليوم ستظل ناقصة ولا تقارن بمعرفة الحياة العتيدة، فكما يختفي لمعان النجوم بظهور نور الشمس هكذا تختفي معرفتنا أمام كمال نور المجد الإلهي. 1- الأساس الخريستولوجى. 2- الأساس الروحي. 3-الأساس الكنسي. ![]() القسم الثاني: الكتب اللاهوتية: * وهى كتب دفاعية ِ لمقاومة البدع، وكتب عقائدية لإعلان الإيمان الأرثوذكسي الحق. ![]() ونورد هنا نموذج لتعليم البابا كيرلس: التعليم عن الخلاص للقديس كيرلس رئيس أساقفة الإسكندرية (*) * القديس كيرلس الإسكندري -كما يشهد المؤرخون الأولون- زَينَ كرسي الإسكندرية في الفترة من 412-444 م. وهو يعتبر بلا جدال أحد آباء الكنيسة الكبار والذي بكتاباته المتنوعة التفسيرية الكتابية والعقائدية قد أثرى الكنيسة الجامعة. كما أنه اشتهر بتعاليمه الخريستولوجية وأيضًا التعليم عن الخلاص. وقد أتيحت له الفرصة ليأخذ مكانًا ضد الهرطقات المختلفة مثلما فعل من قبله آباء الكنيسة السابقون له مثل القديس أثناسيوس في مواجهته للأريوسية. وقد كان له دورًا بارزًا في محاربة ودحض بدعة نسطور. * للأسف ليس لدينا معلومات كافية عن نشأة القديس كيرلس الإسكندري الثقافية. ولكن كتاباته تدل على عمق ثقافته الفلسفية واللاهوتية. فحيث إنه إسكندري الأصل والمولد فقد تعلم في مدرسة الإسكندرية اللاهوتية حيث درس الفلسفات القديمة والعلوم اللاهوتية. وكان واسع الاطلاع حيث عرف بعمق التفكير وقوة الحجة بالإضافة إلى مثابرته على الدراسة والبحث. فالذي يدرس كتابات القديس كيرلس الإسكندري يلاحظ سعة إطلاعه ليس فقط على الكتاب المقدس المصدر الأول لتعاليمه، أو على كتابات الآباء السابقين له، لكن أيضًا على كتابات الوثنيين، حيث كان له رأى في الرد على أفكارهم. وقد ساعدته معرفته للعلوم الفلسفية في الرد على الأفلاطونية الحديثة والتي كانت تعتبر عدوا كبيرًا للمسيحية في القرن الثاني الميلادي. كما أنه كتب بحثًا ضخمًا في كتاب يحوى ثلاثون فصلًا لم يتبق منها إلا عشرة فصول للرد على تعاليم الإمبراطور يوليانوس المرتد. * أما إذا تحدثنًا عن رأى القديس كيرلس بالنسبة لكل من الكتاب المقدس والتقليد وأيضًا التعليم الكنسي، فنجد أن هؤلاء الثلاثة يشكلون بالنسبة له المعيار المناسب للتعليم وقاعدة الإيمان. فكلا العهدين القديم والجديد هما موحى بهما من الله، حيث إن الروح المتكلم فيهما واحد. لذلك يكتب القديس كيرلس إلى نسطور: [سوف يكون من المفيد لنا إن كنا نلتزم بتعاليم الآباء، وإن كنا نجتهد لكي نعتبرهم ذوى قيمة عظيمة، ونمتحن أنفسنا "هل نحن في الإيمان" (2كو 5:11) كما هو مكتوب، ونشكل أفكارنا حسنًا جدًا لتطابق آراءهم المستقيمة والتي بلا لوم]. فالإيمان الصحيح سلم للكنائس منذ البدء بواسطة الرسل القديسين والبشيرين الذين كانوا معاينين وخداما للكلمة. فمن المجمعين المسكونيين (نيقية 325 م. والقسطنطينية 381) واللذين كانا سابقين للقديس كيرلس حيث لم يكن معاصرًا لهما فقد ورد ذكر في الرسالة 17 مجمع نيقية فقط حيث إن الآباء تكلموا فيه بالروح القدس؛ أو كما ذكر في الرسالة الأولى [إن ما تكلم به الآباء أنفسهم الذين وضعوا تحديدات الإيمان الذي بلا لوم، إذ أن الروح القدس قد علمهم الحق، لأنه حسب كلمات المخلص فإنهم لم يكونوا هم أنفسهم المتكلمين بل "روح الله الآب الذي يتكلم فيهم" (مت 20:10)] * أما بالنسبة للتعليم العقيدى فإن القديس كيرلس يذكر جملة هامة في معارضته لرأى نسطور القائل بأن القانون النيقاوي لم يذكر صراحة تعبير "والدة الإله": [حتى وإن كان المجمع لم يذكر التعبير (والدة الإله)، فإنه قد تصرف بصواب، لأن مثل هذا الموضوع لم يكن مثارًا للجدل آنذاك. لذلك لم يكن من الضروري عرض أمور لم تكن مثار نقاش]. * يذكر القديس كيرلس مرتين في كتاباته سلسلة من آباء الكنيسة السابقين له مقتبسًا فقرات من كتاباتهم مثل القديس إيريناؤس والقديس أثناسيوس الإسكندري واللذان اعتمدا في تعاليمهما على الكتاب المقدس. فيذكر مثلًا عن القديس أثناسيوس بأنه [رتب معرفة رسولية وغير مغلوبة في المعركة ضد سفسطات الهراطقة، وأبهج العالم بكتاباته كرائحة عطرة جدًا، والجميع يشهدون لدقة وتقوى تعاليمه]. * ويعتبر القديس كيرلس الإسكندري المرجع الأول في التعاليم الخريستولوجية والخلاصية، والتي تأصلت في فكره قبل اندلاع النزاع النسطوري عام 429 م. ولذلك استطاع بحماس بالغ أن يدخل كمدافع عن العقيدة الأرثوذكسية منذ بدء هذا النزاع. ونظرًا لغزارة التعليم عن الخلاص عند القديس كيرلس الإسكندري والتي أسهب في عرضها خلال كتاباته المتنوعة، لذلك سنقتصر في بحثنا هذا على إيضاح إحدى مفاهيم الخلاص في أن المسيح هو وسيط الخلاص استنادًا إلى ما ذكره القديس بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين. ![]() المسيح وسيط الخلاص سنعالج هذا المفهوم من خلال نقطتين هامتين: 1- يسوع المسيح الإله المتجسد. 2- يسوع المسيح الوسيط بين الله والبشرية. 1- المسيح الإله المتجسد 1- صورة الإعلان الجديدة لكلمة الله المتجسد وعلاقته بالآب وبالروح القدس: * نعلم أنه بحسب المفهوم الأريوسي أن المسيح كائن متوسط مخلوق، وذلك بمعنى أن الله لا يمكنه الاتصال المباشر بالمخلوقات، لذلك خلق كائنات إلهية متوسطة يمكنها أن تخلق العالم. وبالنسبة إلى النساطرة الذين يقسمون شخص المسيح الواحد إلى اللوغوس (الكلمة) والإنسان يسوع، فنجد أن الوضع لا يخرج عن حيز أن المسيح إنسان مخلوق، وقد سعى نحو الكمال الذي ناله كمكافأة بسبب حلول اللاهوت فيه. لذلك يكون المسيح بحسب تعاليم نسطور عبارة عن شخصين في اتحاد أخلاقي (أدبي). بهذا المفهوم لا يكون هناك حديث عن مكانه السيد المسيح تجاه اللاهوت. فكما يرد القديس كيرلس ضد هذا المفهوم النسطوري فإن المسيح يظل عبدا، كما أنه [لا يختلف بأي حال عن الرسل أو الأنبياء الذين من خلال المراحم نالوا من فوق، المسحة الإلهية، واستطاعوا أن يقولوا: ولكن بنعمة الله نحن ما نحن (1كو 10:15) * في الواقع يكون وضع الكلمة المتجسد شيء آخر. لأنه خلال التجسد يكون "للكلمة" طريقة إعلان جديدة، حيث إنه أخذ الطبيعة البشرية وظهر في شكلنا وطبيعتنا ولكن هذا لا يعنى استحالة اللاهوت إلى الناسوت، بل [ظلت الطبيعة الإلهية كما هي] كما أنه لا يجب الاعتقاد بأن الطبيعة الإنسانية تحولت إلى الطبيعة الإلهية أو امتزجت بها، وإلا لتوقفت عن أن تكون مخلوقة ولفقدت صفات الخلقة. لذلك يحتج القديس كيرلس بشدة على من يعتقدون في تحول طبيعة لأخرى في شخص المسيح المتجسد، ويكتب في رسالته إلى سوكينسوس أسقف ديوقيصرية الآتي: * [وحيث إن جسد الله الخاص يتعالى على كل الأجساد البشرية، فلا يمكن أن يكون أمرًا مقبولا أن الجسد وهو من الأرض، يتعرض للتغير إلى طبيعة اللاهوت، فهذا أمر مستحيل. لأننا لو قبلنا هذا فإننا ندعى على اللاهوت كأنه شيء قد صار إلى الوجود وكأنه يضيف إلى ذاته شيئًا لم يكن خاصًا به بحسب الطبيعة. لأنه أمر غير معقول أن يقال إن الجسد قد تحول إلى طبيعة اللاهوت. وبالمثل أن يقال إن "الكلمة" تحول إلى طبيعة الجسد بالقول إن اللاهوت قد غير نفسه إلى طبيعة الجسد وكما أن الأمر الأخير هو مستحيل، لأنه (اللاهوت) غير قابل للتغير والتحول هكذا أيضًا هذا الأمر مستحيل لأنه غير معقول أن يتغير أي مخلوق إلى جوهر اللاهوت أو طبيعته. والجسد مخلوق، لذلك فمن ناحية نقول إن جسد المسيح هو إلهي إذ أنه جسد الله، ونقول إنه يلمع بالمجد الذي لا يوصف، وهو غير قابل للفساد ومقدس ومعطى الحياة. ولكن من الناحية الأخرى، فإنه لا أحد من الآباء القديسين ولا نحن، فكر أو قال إن (الجسد) تغير إلى طبيعة اللاهوت]. * ولأن اللوغوس ظل في الجسد كما كان من قبل، لذلك احتفظ أيضًا في خروجه من حضن الآب بنفس علاقته الأزلية بالآب وبالروح القدس. فالكلمة المتجسد هو "صورة الآب". فنحن الآن نرتفع إلى الآب من خلال وساطة الابن المتجسد (يو 6:14) ونكتسب معرفة مناسبة للاهوت (يو 7:14). والابن في تجسده يكون الروح فيه وكابن متجسد فإنه " يهب ويمنح الروح". ![]() 2- المسيح "آدم الثاني": * يوصف وضع المسيح بالنسبة للإنسانية بأنه آدم الثاني، فهو يحمل هذه التسمية لا لشيء إلا لأنه [هو الأصل الثاني للجنس البشرى ومبتدئ الإنسانية التي عادت ثانية خلال القداسة في الروح إلى السلامة (النجاة)]. فالمسيح دخل إلى هذا الوضع بعد سقوط آدم. وأكثر من ذلك فإن آدم يسمى مثال الآتي، بالرغم من أن الأخير (آدم الثاني) كان له الوجود السابق الأزلي، وأكمل سر التجسد بحسب خطة الله. لذلك يقول الرسول إن المسيح ظهر في الزمن كمخلص. * يقارن القديس كيرلس بين طبيعة كل من آدم الأول، وآدم الثاني حيث يذكر اثنين من الاختلافات الجوهرية بينهما: أ- آدم الأول كان كائنًا حيا وقبل الحياة كمخلوق، أما المسيح فهو الله والحياة والواهب الحياة (1كو 45:15). في هذا يريد أن يقول القديس كيرلس مع القديس بولس الرسول إن المسيح هو أصل وحامل الإنسانية لأنه يحمل في ذاته قوة الحياة، بينما آدم الأول تقبل حياته من مصدر الحياة. ب- ولأن آدم الأول من الأرض لذلك فهو نفساني، أما آدم الثاني من السماء فهو سمائي وروحاني (1كو 47:15). لذلك يقول القديس كيرلس [إن هذا لا يعنى اختلاف في الطبيعة ولكن الاختلاف يكون في نوعية الخلق والسولك]. هذا يعنى أن آدم الأول لم يكن قد أرتفع بعد إلى درجة المجد، وكان مرتبكًا في الحس الجسدي، لذلك كان من الممكن أن يخطئ وقد أخطأ فعلا، ولذلك سقط "النفساني" في الفساد. أما المسيح آدم الثاني فقد كان له الكمال وهو في الجسد ولم يخطئ ولم يوجد في فمه غش. * طبيعة كل من الأصلين (آدم الأول وآدم الثاني) ترتبط مع الجنس البشرى في علاقة متبادلة: فكما الأرضي هكذا أيضًا الأرضيون، وكما السمائي هكذا السمائيون. وقد استخدم القديس كيرلس تعبير القديس بولس هذا (1كو 49:15) مرات عديدة. وعلى ذلك يمكننا أن نستخلص المفاهيم الآتية: فهناك (أي في آدم الأول) يكون الأرضي والمخلوق والفساد الذي أخذناه، أما هنا (في آدم الثاني) فيكون الجانب الإلهي للنجاة والخلود. فحيث إن آدم الأول كان مثال للآتي، لذلك يأتي فيه وبدلا منه سر المسيح بلا شك وإن كان هناك اختلاف بينهما، ولكنهما في صورة متماثلة، ولكن في علاقة جديدة مع الجنس البشرى وليست مثل علاقة آدم الأول. فآدم الأول كان للجنس البشرى بداية للموت وللعنة وللهلاك، أما آدم الثاني المسيح فكان عكس ذلك حيث صار للجنس البشرى، بداية للحياة وللبركة وللتبرير. فكما كان آدم الأول أصل الشعب القديم، حيث فيه سقط كل الجنس البشرى، فإن المسيح وهو أصل الشعب الجديد قد أعيدت فيه خلقته (الشعب الجديد) لجدة الحياة. فمثلما آدم الأرضي كان المثال والأصل لكل الجنس البشرى، هكذا المسيح السماوي يكون هو المثال للذين يتبعونه. * القديس كيرلس اختار للتعبير عن هذا الوضع الشامل لآدم الثاني الاصطلاح "بداية" إذ يتكلم عن المسيح بأنه "الأصل الثاني" الكرمة، "والأساس" وقد استخدم التعبير الكتابي "رأس" كما ذكر في (1كو 43:11؛ أف 23:5) بمفهوم "البداية". * يلاحظ هنا أن الشرح التفصيلي عن المسيح آدم الثاني بالمقارنة بآدم الأول والتي تسود تعاليم الخلاص للقديس كيرلس الإسكندري، تستند أساسًا إلى رسائل القديس بولس الرسول إلى غلاطية وأفسس وخاصة إلى رومية. ![]() 3- المكانة الشاملة للمسيح باعتباره آدم الثاني * توجد ازدواجية في الوضع العام لآدم: (أ) آدم بحسب طبيعته يكو مثالًا للكل والذي يأخذون منه أصلهم وينشأ فيه الكل؛ (ب) ينقل طبيعته الإنسانية للفرد من خلال التناسل الجسدي، وبالمثل فإن المسيح بحسب التدبير الإلهي فهو بداية للجنس الجديد وهذه البداية ليست زمنية عادية ولكن أيضًا حقيقية وسببية، حيث تبلغ فيه الطبيعة البشرية التعديل المناسب بطريقة مثالية، كما تتجدد فيه هذه الطبيعة البشرية ولادة فائقة للطبيعة. * لقد اكتسبنا في المسيح الخيرات الصالحة، حيث حول الطبيعة البشرية بالكامل في ذاته إلى حياة مقدسة وبلا عيب بأن صار إنسانًا مثلنا. فقد كانت الطبيعة البشرية مجردة من نعمة الروح القدس بسبب التعدي الأصلي، ولكنها نالتها ثانية خلال المسيح وفي باكورته فقد أعاد آدم الثاني خلقة الطبيعة البشرية إلى جدة الحياة. * يجيب القديس كيرلس على سؤال طرحه في شرحه لإنجيل يوحنا "[بأي طريقة أعيد خلق الطبيعة الإنسانية إلى حلتها الأولى]. فيجيب قائلًا: * [الإنسان الأول ترابي من تراب الأرض، وكان في مقدوره الاختيار بين الخير والشر لأنه يميل إلى الخير أو الشر ولكنه سقط بمكر وخدعة، ومال إلى العصيان فسقط إلى الأرض الأم التي خرج منها، وساد عليه الفساد والموت، ونقل الموت إلى كل الجنس البشرى، ونما الشر وكثر فينا وانحدر إدراكنا إلى الأسوأ وسادت الخطية، وبالإجمال ظهر أن الطبيعة الإنسانية تعرت من الروح القدس الذي سكن فيها.... ولأن آدم لم يحتفظ بالنعمة التي أعطاها الله له، لذلك قرر الله الآب أن يرسل لنا آدم الثاني من السماء. فنزل ابنه الوحيد إلى شكلنا الذي هو بالطبيعة بلا تغيير أو اختلاف، بل لم يعرف الخطية مطلقًا، حتى كما " بعصيان "الأول خضعنا للغضب الإلهي" (رومية 9:5)، هكذا "بطاعة" الثاني نهرب من اللعنة وتنتهي كل شرورها. ولكن حينما صار كلمة الله إنسانًا، قبل الروح القدس من الآب كواحد منا ولم يقبله كأقنوم في ذاته، لأنه كأقنوم هو واهب الروح. وإنما الذي لم يعرف خطية عندما يقبل الروح كإنسان فإنه يحفظ الروح لطبيعتنا لكيما تتأصل فينا النعمة التي فارقتنا. لهذا السبب أعتقد أن المعمدان أضاف " رأيت الروح نازلًا من السماء واستقر عليه". لقد فارقنا الروح بسبب الخطية، لكن الذي لم يعرف خطية صار كواحد منا لكيما يتعود الروح القدس على السكنى فينا، بدون أي مجال للمفارقة أو الانسحاب. ولذلك قبل الروح القدس فيه ليجد الصلاح الأول لطبيعتنا]. * من هذه المكانة المزدوجة للمسيح بالنسبة للجنس البشرى يستنتج القديس كيرلس قرابة مزدوجة للإنسان مع المسيح، قرابة أساسية (طبيعية) وقرابة سرية. وحيث إن المسيح دخل إلى الجنس البشرى، وكأصل قبل كل الجنس البشرى فيه للخلاص لذلك فإن كل أبناء آدم صاروا أقرباء للمسيح. هذه الوحدة والقرابة مع المسيح ليست قرابة عادية مثل تلك التي مع كل أحد من أبناء الإنسان، ولكنها قرابة ذات معنى سام فهي القرابة مع المسيح رأس الجنس الجديد، الذي قبل الكل فيه من الصالحين والأشرار للخلاص، وهو الذي جدد الكل في ذاته، لذلك فإن هذه العلاقة ليست خاوية وبدون تأثير ولكنها حية (يو 10:10). * إن السبب السري الذي من أجله ينبغي أن تكون الحياة الأساسية فينا هو أنه [بدون حضور المسيح يكون من غير الممكن أن يخلص الإنسان وأن يتحرر من الخطية والموت، وإلا لكانت الحياة ليست فيه]. لأن من غير الممكن لنفس الإنسان التي لا تثبت في نعمة الروح القدس وفي المسيح أن تفعل الصلاح وتنجو من فخ الشيطان ![]() القسم الثالث: القوانين الكنسية: * له قوانين في رسائله كما وضع اثني عشر حرمًا تعتبر أيضًا بمثابة قوانين وهى حجة دامغة للدفاع ضد بدعة نسطور إذ قد فصل فيها العقدية المسيحية السليمة وختم كل بند منها بإيقاع الحرم على كل من لا يؤمن بها ويخالفها. وقد أوردنا الحرومات الاثني عشر في هذا الفصل. ![]() القسم الرابع: تدوين قداس مارمرقس الإنجيلي وتطوره التاريخي ![]() ![]() وأخيرًا: نياحة القديس العظيم البابا كيرلس الكبير * حينما أكمل القديس العظيم البابا كيرلس الأول عامود الدين البطريرك الرابع والعشرون من بطاركتنا العظماء سعيه المبارك وبعد أن قاد دقة الكنيسة في أبوة صادقة ورعاية ساهرة أمينة وبعد أن استنزف الدفاع عن الإيمان القويم كل قواه الجسمية مرض قليلًا وتنيح بسلام في 10 يوليو سنة 444 م. (3 أبيب عام 160ش) بعد أن قام على العرش الرسولي إحدى وثلاثين سنة وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يومًا. * وأخيرًا دخل إلى فرح سيده في بيعة الأبكار وهو لم يتجاوز السابعة والستين من حياته المباركة. ![]() عاشرًا: البابا كيرلس في عيون الآخرين الألقاب التي اشتهر بها: 1 الكبير 2 الرابع والعشرون 3 الإسكندري 4 عامود الدين، 5 وعامود الإيمان، 6 وعامود النار المنير. 7 أثناسيوس الثاني ابن أثناسيوس. 8 الأسد الجريء، 9 وشبل مار مرقس الإنجيلي 10 بولس الجديد 11 كوكب الري المستقيم 12 والنجم المشرق الجليل 13 والمصباح المنير الأرثوذكسية 14 الكاهن المختبر جدًا 15 الراعي الصالح 16 معلم الأقوال الإنجيلية المقدسة 17 حكيم البيعة معلم 18 وطبيب الكنيسة الجامعة 19 المدافع الصالح عن الإيمان 20 معاضد الإيمان المستقيم 21 وبطل مجمع أفسس 22 والمناضل عن الحقيقة الذي لا يقهر 23 الفارس 24 الحارس 25 المبشر الدائم بالإيمان الأرثوذكسي 26 الرقيب. ![]() قالوا عن القديس كيرلس الكبير: 1 قداسة البابا شنودة الثالث: * شهد أمام بابا روما في اللقاء التاريخي بين البابا شنودة الثالث والبابا بولس السادس بروما في 5 مايو 1973 م. أثناء الاحتفالات بمرور 16 قرنًا على نياحة البابا أثناسيوس الرسولي واستعادة مصر لرفاته إذ قال قداسته "القديس كيرلس الكبير عامود الدين وبطل الإيمان الأرثوذكسي.." القديس أثناسيوس حارب الأريوسية والقديس كيرلس دافع عن الإيمان ضد النسطورية وثبت الإيمان المسيحي في الشرق وفي الغرب". 2 الأسقف الروماني كلستينوس: * أعلن فضله عندما استفسر منه عن بدعة نسطور وأوضح له ما خفي عنه بقوله "أنك أعظم المدافعين عن الإيمان الأرثوذكسي. لقد كشفت لنا عن دقائق هذا المبتدع وأوضحت الإيمان وضوحًا ملأ القلوب ثبات". 3 الكاردينال نيومان Newman (1801 1890 م). * " إن أعماله المنظورة كانت تعتبر قياسًا لحالته القدسية العاطفية.. فقد نقب وبحث وأخرج من بينها في سعة الأبحاث العميقة التي أصبحت كأسس اللاهوتيات النافعة للأجيال. 4 مكسيميانوس بطريرك القسطنطينية (خلف المبتدع نسطور): * " لقد قهرت الشيطان بصبرك واستهنت بالعذابات وحسبت الجوع كلا شيء لأنك استمتعت بالخبز النازل من السماء والواهب حياة أبدية للبشر". 5 الآباء اليسوعيون. * " أحد كواكب الشرق الأوفر ضياء، ومعلمي الكنيسة الأسمى علمًا وطهارة". 6 الأستاذ / عباس محمود العقاد. * " كان كيرلس الكبير في أوائل القرن الخامس مؤسس الدعائم في كنيسة مصر بل وفي جميع الكنائس المسيحية. * وخير تكريم من الكنيسة الكاثوليكية لأبطال الإيمان أنها شيدت المذبح بكنيسة القديس بطرس بالفاتيكان على أربع أعمدة.. ومن دواعي فخرنا أن ثلاث أعمدة منها بأسماء آباء وقديسي كنيسة الإسكندرية البابا أثناسيوس الرسولي حامى الإيمان القويم والبابا كيرلس الأول عامود الدين والقديس أنطونيوس كوكب البرية وأب الرهبان. * أما خير شهادة للقديس كيرلس الإسكندري ما شهد به الخصم العنيد نسطور عدو الإيمان والحق.. فقد ذكر المؤرخ ستيفنسون Stevenson. أن المبتدع نسطور نفسه قد اقر أخيرًا وهو في منفاه بشهادة ناطقة نقتطف منها: كيرلس كان المدعى والمتهم وأنا المدافع، أن كيرلس بين القضاة، هو المحكمة كله مهما قال كان يردده الباقون.. ولشخصيته التي احتلت مكانة في نفوسهم. كيرلس الذي كان متهمًا.. أصبح هو القاضي بل هو كل شيء. _____ (*) المراجع: 1- الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة (ج1، ج2) الأسقف إيسوذورس 2- تاريخ البطاركة ساويرس بن المقفع (1-4) 3- المجامع الكنسية الأنبا يوأنس 4- تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا 5- عصر المجامع القمص كيرلس الأنطوني 6- تاريخ بابوات كرسي الإسكندرية كامل صالح نخلة 7- الكنيسة تواجه الوثنية أمير نصر 8- الكنيسة تواجه الهراطقة أمير نصر 9- بطاركة عظماء (جزءان) د. جميل فخري (*) مقالة للدكتور ميشيل بديع عبد الملك - دراسات آبائية ولاهوتية في المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية - السنة الثانية العدد الثالث يناير 1999 م. |
||||
التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 31 - 05 - 2014 الساعة 03:51 PM |
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 94 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس باسيليوس أسقف قيصرية أولًا: أسرة القديس: * ولد باسيليوس سنة 329 م.، وهو من أسرة اجتمع لها أصالة الإيمان والتقوى والجاه والشرف والثراء، تقدمت بدم شهدائها، وتدعمت بتقوى أفرادها من شهداء وأساقفة ورهبان وراهبات. * أما عن مكان مولد باسيليوس: قيصرية كبادوكية. ![]() ثانيًا: ثقافته * تعلم باسيليوس في قرية انيس قرب قيصرية الجديدة حيث تربى على يد جدته ماكرينا ويروى أن الفضل الأول في توجيهه التوجيه الديني كان لجدته كما كان أيضًا لأخته الكبيرة ماكرينا. * أرسل في سن مبكرة إلى مدرسة في قيصرية كبادوكية، وتعرف هناك بأشخاص من بينهم غريغوريوس النيازينزى. * ثم انتقل باسيليوس من قيصرية إلى القسطنطينية، حيث درس البيان والفلسفة بنجاح. * ارتحل باسيليوس إلى أثينا سنة 351 م. المشورة بأساتذتها الممتازين في الفلسفة والبلاغة. * أمضى باسيليوس قرابة خمسة أعوام في المدينة العتيقة أثينا. * أما من جهة صداقته مع غريغوريوس، فقد عملت كل الظروف على توطيد أوامر الحب بينهما، ذات الحب الذي ربطهما حتى الموت، فقد جمعتهما أهداف روحية مسيحية مقدسة، حتى قيل عنهما أنهما كانا روحًا واحدة في جسدين، وغدت صداقتهما فصلا رائعًا في تاريخ الآباء. * والحق أن الإقامة في أثينا وقتذاك والانشغال بالدراسات الكلاسيكية (القديمة) بالنسبة إلى الشاب غير المؤسس جيدًا في المسيحية كانت فرصة مليئة بالتجارب، وكان من السهل أن يشعل الحماس للوثنية وان كانت قد فقدن حيوياتها ولدينا مثل أوضح على ذلك، فقد رزمهما في الدراسة في أثينا الأمير يوليانوس ابن عم قسطنطيوس الإمبراطور الحاكم آنذاك. وكان الأمير الشاب تربطه بباسيليوس صداقة قديمة جدًا، وقد اعتاد أن يدرس معه الكتاب المقدس ويعدد المقارنات بين تعاليم الكتاب السامية ودروس أساتذته الوثنيين، مع كل هذا فان يوليانوس تأثر تأثرًا عميقًا بالوثنية، حتى انه حينما صار امبراطورًا فيما بعد ارتد عن المسيحية وصار يعرف في التاريخ باسم يوليانوس الجاحد أو المرتد. * تلألأت عبقرية باسيليوس الدراسية في أثينا. ويخبرنا غريغوريوس بأن اجتهاد صديقه وتركيزه ومثابرته كانت عظيمة. وكان بارعًا في كل فرع من فروع العلم كما لو كان متخصصًا فيه وحده. كانت أحب المواد إليه الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب. لكن كان سموه العقلي يتضاءل إذا قورن بنقاوة حياته وطهارة سيرته. أما أشهر أساتذته الذين تتلمذ لهم في أثينا فكانا برومارسيوس المسيحي الأرمني، وهيميرويوس الوثني البيثيني. العودة إلى الوطن: * عاد باسيليوس بمفرده إلى وطنه سنة 356. عاد ليجد أن والده وجدته ماكرينا قد توفيا أثناء غيبته، وأن أمه أماليا قد استقرت في أنيس، المكان الذي تدرب فيه وهو بعد صغير. ![]() ثالثًا: تكريس حياته * في هذه الفترة (سنة 303) تعمد باسيليوس. وبعدها بقليل سيم أغنسطسًا (قارئًا) بيد الأنبا ديانيوس أسقف قيصرية. حياته النسكية ![]() * ترك قيصرية ليبحث عن النساك المشهورين ليحتذى بهم، فزار منطقة الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين. وقد آثار إعجابه شدة زهد وتقشف هؤلاء النساك الذين قابلهم، خاصة في مصر وفلسطين، آثار دهشته فيهم ضبط النفس واحتمال النسك ومقدرتهم على الصوم والسهر واحتمال العرى والبرد. وهكذا ظل يدرس لمدة سنتين تقريبًا التقاليد الرهبانية المثالية التي ترجع إلى القديس أنطونيوس الكبير أب الرهبان فباع ما يخصه من أملاك ومقتنيات ووزعها على الفقراء والمحتاجين، وبدأ يفكر في أنسب الأمكنة لتوحده. * بدأ في خلوته في البنطس نظامًا نسكيًا شديدًا، يبدو أنه تسبب في ضعف صحته ضعفًا شديدًا. * كان يملك ثوبًا خارجيًا وآخر داخليًا فقط، وكان يرتدى في الليل مسحًا من الشعر ينام به، ولم يكن يرتديه بالنهار لئلا يبدو متظاهرًا بالنسك، وكان ينام قليلًا، وكانت الشمس مدفأته في تلك المناطق التي يشتد بردها بعنف. * وسرعان ما عرف باسيليوس في حياته الجديدة وذاعت قداسته فأصبح نواة تجمع حوله نساك البنطس وكبادوكيا. * وقد نجح القديس باسيليوس في جذب صديقه غريغوريوس إليه وواظبا معًا على الصلاة والدراسة والعمل اليدوي. فى ميدان الخدمة العامة * ترامى إلى سمعه أن دينانيوس رئيس أساقفة قيصرية قد قبل قانون إيمان آريوسي يدعى أريميني فترك القديس خلوته ومضى على ذلك الأسقف ونبهه إلى زلته، فرجع وقبل الإيمان النيقاوي وهو على فراش الموت، وتنيح ديانيوس وخلفه أوسابيوس. * أقنع غريغوريوس النزينزي صديقه باسيليوس بالذهاب إلى قيصرية لمعاونة أوسابيوس، فذهب إلى هناك ورسم قسًا بيد أوسابيوس سنة 364 م. بعد تمنع شديد لشعوره بعدم الأهلية لتلك الرتبة السامية. * وصار باسيليوس شخصية ذات الأثر الأكبر في كل الإيبارشية وكان هذا عاملًا على إظهار ضعف شخصية أوسابيوس، الأمر الذي أدى على فتور العلاقات بينه وبين أسقفه. وسرعان ما زاد هذا الفتور حتى انتهى إلى القطيعة، فعاد باسيليوس على منسكه بصحبة صديقه غريغوريوس وهناك أمضى الصديقان ثلاث سنوات في الوحدة عكفا خلالها على الكتابة ضد الإمبراطور يوليانوس الذي ارتد عن المسيحية مصابًا بنكسة هيلينية. * ولما ارتقى العرش الإمبراطور فالنس الأريوسى، حاول بكل سلطته أن ينشر هذا المعتقد الفاسد، وفي هذه الأزمة طالب الشعب بعودة باسيليوس، فحاول أوسابيوس أن يستميل غريغوريوس ليكون بجانبه، ولكن هذا الأخير رفض العودة بدون باسيليوس، وكان مما كتبه إلى أوسابيوس قوله " أتكرمني بينما تهينه؟ أن هذا يعنى أنك تربت على بيد وتلطمني بالأخرى. صدقني، أن عاملته كما يستحق فسيكون لك فخر. وأنا سأتبعه كما يتبع الظل الجسم". وأخيرًا بفضل مجهودات غريغوريوس أيضًا تم التوفيق بينهما، وعاد باسيليوس إلى قيصرية على أهبة الاستعداد للتعاون بكل أخلاص مع أوسابيوس مستخدمًا كل فصاحته وعلمه لإحباط هجمات الأريوسيين وقد نظم المقاومة الأرثوذكسية ضد الأنوميين الذين كانوا جادين في نشر معتقدهم في كل آسيا الصغرى. * ومن ابرز الحوادث في تلك الفترة، المجاعة التي اجتاحت كل الأقاليم سنة 368 م. وفي خلالها كان باسيليوس مثال الخادم الذي يضع نفسه من اجل مخدوميه، فلم يكتف بحث الأغنياء والتجار الجشعين على الرحمة، وإنما باع ممتلكاته التي كانت قد آلت إليه مؤخرًا بعد انتقال أمه ووزعها على المحتاجين وخدم بشخصه احتياجات المتألمين. وكان الخدم يحضرون إليه إكرامًا من الأطعمة وهو يوزعها بيديه بينما يعزى بكلماته المتضايقين ويشجع المتألمين. ![]() رابعًا: القديس باسيليوس رئيس الأساقفة * بالنسبة إلى شعب قيصرية فقد كان باسيليوس الرجل الروحاني ذا المقدرة العظيمة الذي يستطيع مد تيار الهرطقات وتمت رسامة باسيليوس وإجلاسه على كرسيه سنة 370 م. * كان لرسامة باسيليوس رنة فرح في كل العالم الأرثوذكسي، حتى أن البابا أثناسيوس الرسولي بطل الإيمان أرسل من الكنيسة مهنئًا كبادوكية بهذا التوفيق، أما في القسطنطينية فقد قوبلت رسامته بمشاعر مختلفة، إذ شعر الإمبراطور فالنز إنها صدمة خطيرة له وللأريوسية، لأن باسيليوس لم يكن خصمًا يستهان به فهو فضلًا عن قوة شخصيته كان نفوذه كرئيس أساقفة قيصرية يمتد على ما وراء حدود المدينة ذاتها. فكان رئيسًا على أساقفة كبادوكيه كلها، وله نفوذ في بلاد البنطس وفي أكثر من نصف آسيا الصغرى، وكانت تنضوى تحت لوائه نحو إحدى عشرة مقاطعة وكانت انقرا وقيصارية الجديدة وتيانا وأسقفيات أخرى تعتبره الرئيس الكنسي * سام غريغوريوس أسقفا على نيزينزا. كما سام أسقفًا على دورا. وسام آخاه غريغوريوس على نيصص، ولم يثبت في أسقفيته من هذه السيامات الثلاثة غير أسقف نيصص الذي بعد أن طرده منها الأريوسيون، تمكن بشهرته وقوته من العودة إليها. أما سازيما فأعيدت إلى أسقفية تيانا، واعتزل غريغوريوس أسقفيتها بمرارة وسبب له ذلك الحادث جرحًا لازمه حتى نهاية حياته. أما في دورا فقد طرد أيضًا الأسقف الذي سامه باسيليوس. الإمبراطور فالنز: * لم يمض على القديس باسيليوس أكثر من اثني عشر شهرًا في أسقفيته حتى جاء إلى صدام علنى مع الإمبراطور فالنز الذي كان يعبر آسيا الصغرى مصممًا على ملاشاة الإيمان الأرثوذكسي وإحلال الأريوسية محله. وقد ضعف أمامه كثيرون وكان مصير كبادوكية يتوقف على باسيليوس. نصحه البعض أن ينحني أمام العاصفة، ويهدئ من روع الإمبراطور بخضوع وقتي. ولكنه رفض مشورتهم بإباء تشوبه الغيرة المقدسة. * دخلت حاشية الإمبراطور على القديس باسيليوس بتهديدات شديدة وكان أشدهم وقاحة ديموستينيز رئيس المطبخ الذي هدده بالسكين. فقابل القديس تهديداته بصرامة هادئة *ثم تلاه مودستس حاكم بن أيتوريوم، وقد أرسله فالنز إلى القديس باسيليوس يخيره بين امرين: إما العزل وأما الاشتراك مع الأريوسيين فاستدعاه مودستى وباسم الإمبراطور طالبه بالخضوع، وباسم الله رفض القديس الأمر فهدده مودستى بمصادرة أملاكه وبالتجويع والنفي والتعذيب والموت. فكان رد القديس على هذه الإهانة أن لا شيء من هذه التهديدات يرهبه، فليس له شيء يصادر سوى قليل من الخرق وبعض الكتب. أما النفي فلا يمكن أن يبعث به إلى ما وراء أراضى الله، إذا الأرض كلها دار غربة بالنسبة إليه. أما التعذيب فلا يخيف جسما مات بالفعل أما الموت فأنه يكون كصديق يأتي ليصحبه في آخر رحلة إلى الوطن الحقيقي وينقله للحال إلى الله الذي يحيا له. وما أن سمع مودستس هذه الإجابة حتى صاح في دهشة ممزوجة بكبرياء معلنًا أن أسقفًا لم يكلمه قط بمثل هذا الكلام، فأجابه القديس في هدوء "ذلك لأنك لم تقابل أسقفًا حقيقيًا". ولما لم يفلح مودستس في تهديده أخذ يعده بكرامات وبصداقة الإمبراطور ويتحقق كل مطالبه. لكن شيئًا من كل ذلك لم يلن عزيمة باسيليوس الحديدية، فأسرع مودستس إلى سيده ورفع تقريره الذي قرر فيه " أن الوسائل المتبعة في الإرهاب بدع غير قادرة على تحريك هذا المطران الباسل. والشدة هي السبيل الوحيد الذي يتبع مع ذاك الذي لم يجد معه التهديد والملاطفة على السواء". لكن فالنز ككل المخلوقات الضعيفة تذبذب بين الإرغام والإذعان، ورفض استخدام العنف ضد باسيليوس وجعل طلبه منه متوسطًا، أن يسمح للأريوسيين بالاشتراك معه. وهنا أيضًا لم يلن باسيليوس ولم يتراجع عن موقفه ولكي ينفذ الإمبراطور ما أراد، قصد إلى الكنيسة الرئيسية في قيصرية يوم عيد الظهور الإلهي سنة 372 م. بعد بدء الخدمة. فوجد الكنيسة زاخرة بالمصلين، تتجاوب اصداء تسابيحهم كالرعد، لم يقطعها دخول الإمبراطور وحاشيته، وكان القديس باسيليوس واقفًا في الهيكل ووجهه نحو الشعب يحيط به الكهنة وخدام المذبح في شكل شبه دائري. وكان جو الكنيسة سماوي أكثر منه أرضى. وكان حماس العبادة المنظمة أليق بالملائكة من البشر. كان الموقف رهيبًا حتى أن الإمبراطور اضطرب. وحين حان الوقت ليقدم تقدمه، تردد الخدام في قبولها لأنه هرطوقي، فلم يتقدم أحدهم لأخذها، اهتز الإمبراطور وكان يسقط لولا معاونة أحد الكهنة، ويبدو أن باسيليوس تراءف على ضعف خصمه، فقبل التقدمة من يده المرتعشة. * وفي اليوم التالي زار فالنز الكنيسة أيضًا، وأصغى باحترام على عظة القديس باسيليوس، وبعد نهاية الاحتفال ناقشه القديس في الإيمان الأرثوذكسي. محاولة نفى القديس باسيليوس * وحينما ظل القديس مصممًا على رفض قبول الأريوسيين في شركة الكنيسة، لم يجد هؤلاء عناء في إقناع فالنز أن ينفى باسيليوس. * استسلم الإمبراطور للمشورة وأمر بنفي باسيليوس، واعد القديس عدته للرحيل ورتب أن يكون ذلك دليلًا تجنبًا لأخطار الاضطرابات الشعبية. كانت المركبة في انتظاره على الباب، وإذا بأمر النفى يوقف، لقد مرض غلاطس ابن فالنز الوحيد مرضًا مفاجئًا وخطيرًا، وعزت أمه دومينيكا مرضه إلى الأمر بنفي القديس فأرسل الإمبراطور اثنين يتوسلان إلى القديس أن يصلى للطفل المريض الذي لم يكن قد تعمد بعد. فأشترط القديس قبل ذهابه أن يعمد الطفل بعد شفائه على يد كاهن أرثوذكسي وأن يلقن الإيمان القويم. وشفى الطفل بصلاة القديس، ولكن الإمبراطور حنث بوعده وعمد الطفل على يد أسقف أريوس، فساءت حالة الطفل ومات في تلك الليلة. * ومرة أخرى استسلم فالنز لضغط أعداء باسيليوس، وفي تلك المرة رفض القلم أن يطاوع الإمبراطور، وقصف أكثر من مرة في يده المرتعشة، مما جعله يمتلئ خوفًا ورعبًا فعدل عن عزمه، وبقى القديس سيد الموقف. * وبالإضافة إلى محاولات النفي، تعرض القديس لإهانات كثيرة من الحكام الإقليميين. أما مودستي عدوه القديم، فقد أصيب بمرض خطير قصد القديس باسيليوس ليصلى عليه، وفعلًا نال الشفاء وصار صديقًا وازداد نفوذ القديس جدًا بسبب ذلك حتى أن الناس كانوا يأتون من مسافات بعيدة طالبين وساطته لديه. الاضطرابات في السنوات الختامية * كانت سنو حياة القديس الأخيرة مظلمة ليس فقط بالمرض ولكن أيضًا بوفاة بعض أصدقائه وحلفائه الأساسيين، ففي سنة 373 انتقل القديس أثناسيوس الرسولي وفي سنة 374 انتقل الشيخ الوقور غريغوريوس أسقف نيزينزا، ونفى أوسابيوس الساموساطى. * ورفع الأريوسيين رؤسهم ثانية. عقدوا مجمعًا في انقره أدانوا فيه أصحاب عقيدة المساواة في الجوهر واتخذوا إجراءات كيدية ضد القديس غريغوريوس أسقف نيصص، كان الغرض منها جرح باسيليوس في شخص أخيه، وانتهوا إلى عقد المجمع في نيصص ذاتها حكم بإدانة غريغوريوس ونفى بعد ذلك بوقت ليس بطويل. ![]() خامسًا: نياحة القديس: * لم يعد جسمه قادرًا على تحمل الأعباء، فقد مزقه العمل المتواصل والمرض وكانت توجد في كبده حالة مزمنة كانت مثال ألمه وشكواه دائمًا كما كانت قسوة الشتاء تحجزه أحيانًا كثيرة كسجين في منزله، بل وفي حجرته. * وفي يوم أول يناير سنة 379 سمع يخاطب الله قائلًا "بين أيديك أستودع روحي" وللحال انطلق الروح العظيم،وكانت جنازته مشهدًا لمشاعر القلوب الجياشة والوقار الذي يذهل العقل. شغلت الجموع كل فسحة، وكل دهليز، وكل نافذة، وأشترك الوثنيون واليهود مع المسيحيين في تشييعه وغطت أصوات البكاء والعويل موسيقى التراتيل الدينية. ودفن القديس في قيصرية، وانضم إلى آبائه. ![]() سادسًا: صفاته: * من ابرز صفات القديس باسيليوس "المحبة" المحبة في شتى صورها لله وللكنيسة وللآخرين.. كتب مرة إلى أسقف صديق يقول "أننا نشعر بجوع متزايد نحو الحب.. أننا في حاجة إلى أخوة أكثر مما تحتاج يد إلى أخرى * لقد عاش فقيرًا باختياره متشبها بسيده، وأحب الفقراء،، ولذا أحب المرضي وعطف عليهم، وليس أدل على ذلك من مستشفاه الذي أسسه بجوار قيصرية، والذي عرف باسم باسيلياد وكانت تبذل فيه عناية خاصة بالمجذومين الذين حرموا من العناية، والذين لم يأنف من تقبيلهم أحيانًا إظهارًا لحنانه عليهم. *. وكان القديس باسيليوس يمضى أوقاتًا طويلة في دراسة الأسفار المقدسة ويدعو المسيحيين إلى الإكثار من قراءة الكتاب المقدس وخاصة العهد الجديد. ![]() سابعًا: باسيليوس في نظر معاصريه: * كان القديس باسيليوس -باستثناء الاب أثناسيوس الرسولي- أقوى من معاصريه الذين شغلوا مناصب في الكنيسة. وقد طارت شهرته إلى ما بين النهرين حيث كان مار أفرام السرياني فاشتاق ذاك أن يراه. وفيما هو كذلك رأى يوما عامودًا من نور وسمع صوتًا يقول "هذا هو باسيليوس الكبادوكى" فازداد شوقه إلى رؤيته والتبرك منه، فقام وذهب إلى قيصرية ودخل الكنيسة يوم الأحد، وكان القديس باسيليوس يقوم بخدمة القداس الإلهي. وفي أثناء العظة شاهد كلمات القديس خارجة من فمه وكأنها السنة نارية صغيرة تستقر في قلوب السامعين وفي اثناء القداس رأى فمه كأنه ملتهب نارًا، كما أبصر حمامة جالسة على منكبة اليمين. أما القديس باسيليوس فعلم بالروح بوجود مار افرام في الكنيسة فأرسل إليه شماسًا واستدعاه وتبارك كل من الآخر. * وقد مدحه أبناء كثيرون، منهم تيثودوريتا الذي قال عنه انه "القديس عَالِم أم عَالًم"، نور العالم وليس كبادوكية وحدها. * وسفرونيوس الذي وصفه بأنه مجد الكنيسة. * وتكلم عنه ايسيذورس الفرمي كإنسان موصى إليه من الله. * أما صديقه القديس غريغوريوس النزينزي (الثيؤلوغوس) فقد أفرد له مديحًا طويلًا جاء فيه".. لقد ناظر بطرس في غيرته. وقوة بولس وإيمانه والنطق السامي الذي لابني زبدي، واعتدال وبساطة جميع الرسل، ولذا فقد أؤتمن أيضًا على مفاتيح الملكوت وهو لم يدع لكنه أصبح ابن الرعد، وإذا اتكأ في حضن يسوع، جذب من هناك قوة كلمته وعمق أفكاره. وفي فضائله المتعددة الجوانب فاق كل رجال عصرنا.." ![]() ثامنًا: تعاليمه: * وقد تميز أيضًا بالفصاحة سواء كخطيب منبري أو كاتب بليغ وكان يتابع الفكرة بكل قوة العاطفة السامية، وسحر البيان، واقتناع المختبر وفي يسر هائل. وحين كان يعظ كانت كلماته ذات تأثير عجيب، وكان فصيحًا أكثر من خطباء اليونان المشهورين. ![]() كتابات باسيليوس: 1 العقيدة: أ ضد يونوميدس: وهى خمس كتب مدحها القديسان جيروم وغريغوريوس النزينزى. ب عن الروح القدس: في 30 فصلًا مرسلة إلى امفلوخيوس حسب طلبه. 2 التفسيرية: أ الإكسيماروس وهو من أشهر كتبه، ويشمل 9 مقالات كانت عبارة عن عظات عن ستة أيام الخليقة. ب 17 مقالة عن المزامير: الأول عن المزامير عامة ترجمها روفينُس إلى اللاتينية والباقية التي وصلت إلينا من المزامير 1، 7، 14، 28، 29، 32، 33، 44 45، 48، 59، 61، 114. ج تفسير الـ16 أصحاحًا الأولى من سفر أشعياء. 3 المقالات: * وتشمل 24 مقالة عن موضوعات عقيدية، وأدبية، ومديح. 4 الرسائل: * وتشمل حوالي 400 رسالة في موضوعات تاريخية، عقيدية، أدبية، تعليمية، تفسيرية، قانونية، ورسائل للتوعية، وأخرى عادية. 5 الليتورجية (صلاة القداس) * توجد 3 ليتورجيات تحمل اسم القديس باسيليوس، أحداها هي الليتورجية المستعملة في كنيستنا. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 95 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس غريغوريوس النزينزى أولًا: نشأته * لقد تربى القديس غريغوريوس وسط عائلة مكونة من أب يهودي ولكنه كان معروفًا بين مواطنيه بنزاهته واستقامته، فقدروا فيه ذلك حين تسلم منصبًا عاليًا في بلدية نزينزا، ثم هدته صلوات " نونا " زوجته إلى المسيحية، فتعمد عام 325 م.، وبعد عماده بأربع سنوات انتخب أسقفًا على مدينة نزينزا. * أما " نونا " الأم فقد كانت من النساء المسيحيات الشريفات في المدينة، وكانت ذات نشاط وأثر فعال في أوساط النساء في الكنيسة المسيحية آنذاك. * وقد ولد القديس غريغوريوس " في إحدى إقطاعيات والديه وتسمى " أريانزا " عام 329 أو 330. * كانت تربية القديس غريغوريوس الأولى مسيحية صميمة، وقد تعلم مبكرًا القراءة في الكتب المقدسة. * وفي أثينا عاش في صداقة متينة ومقدسة مع القديس باسيليوس الذي وصل إلى هناك متأخرًا قليلًا عنه. ![]() ثانيًا: حياته الفكرية: * وقد أعطى القديس غريغوريوس وهو طالب في جامعات أثينا كل نفسه لرحب الحياة الفكرية بحماسة أكثر من رفيقه الشاب. والحياة الفكرية والشعر والحوار والفن هي الحياة ذاتها في نظر القديس غريغوريوس بشرط تفريغ سموم الوثنية منها ومن المضمون الخلقي للأدب اليوناني الفلسفي وبشرط أن يكون الدارس مهيأ لأن يفضل نور المسيح ومعونته على كل حكمة بشرية: (حكمة الروح القدس التي تأتى من فوق والمستمدة من الله يجب أن تكون سيدة كل نوع من أنواع الثقافة الدنيا). ![]() ثالثًا: حياته الروحية: * في حوالي الثلاثين من عمره، عاد إلى وطنه حيث نال سر المعمودية، ثم قرر الاختلاء والتأمل. * وهكذا ألقى القديس غريغوريوس بكل نفسه في الحياة النسكية التأملية. وقد أوضح فيما بعد أن قرار مثل هذا لم يكن بالأمر السهل، لكن الذي ذاق الاشتياق لله يستطيع أن يفهم معنى وقوة هذا القرار. * لقد أراد أن (يتخاطب مع الملائكة، حتى وبينما هو يعيش على الأرض، يؤخذ بعيدًا عنها ويصمد إلى السماء بالروح). ![]() * وقضى القديس غريغوريوس وقتًا ليس بقليل مع القديس باسيليوس في حي هادئ في بنطس، يمارسان الصلاة والتأمل الروحي والعمل اليدوي ويصف القديس غريغوريوس هذه الأيام فيما بعد قائلًا لصديقه (من يحملني راجعًا إلى تلك الأيام السالفة، التي فيها استمتعنا سويًا بالاختلاء؟ لأن الفقر بالمشيئة هو أكثر عظمة من المتع الدنيوية. من يرجع لي هذه التسابيح والسهر؟ والارتفاع إلى الله في الصلاة، وتلك الحياة اللاأرضية اللاجسدية، تلك الصداقة والألفة الروحانية بين إخوة ارتفعوا إلى الحياة المتمثلة بحياة الله؟ من يرجع إلى التفتيش الحار في الأسفار المقدسة، وذلك النور الذي وجدناه هناك ونحن تحت إرشاد الروح؟) ![]() رابعًا: حياته الخدمية: * بداية سنة 362 م. أراد والده أسقف نزينزا أن يساعده في خدمته الرعوية. وهكذا وبناءً على رضى الشعب، تكرس كاهنًا بيد والده رغمًا عنه وبضغط شديد من والده (الطاغي). * ولكنه لم يلبث حتى ترك الكنيسة محتجًا، واعتكف قليلًا عند نهر الآيرس مع باسيليوس صديقه ليسترجع حلاوة وحدته الأولى وليسترجع بإلهام صديقه شجاعة وقوة فقدهما. وبرجوعه إلى خلوته فإنه يكون قد تغلب على (الجبن والضعف) اللذين أصاباه. * أما الكنيسة التي سبق أن انتزعته من خلوته، فللأسف لم تتجاوب مع دوافع تقواه التي كانت وراء انسحابه إلى خلوته، فصارت تقاومه. ![]() خامسًا: دفاعه عن العقيدة: * أن والد القديس غريغوريوس أغوى (وهو أسقف نزينزا) وتنصل من قانون إيمان نيقية، إذ وضع توقيعه على وثيقة "سلام" زائف. وأدى هذا الموقف إلى اضطرابات في الكنيسة. لكن القديس غريغوريوس رجع إلى نزينزا ليقنع أباه أن يكتب وثيقة جديدة يعلن فيها إيمانه الأرثوذكسي، ليعيد السلام ثانية إلى كنيسته. وقد احتفل القديس غريغوريوس بهذا الحدث بخطاب كبير حوالي عيد القيامة عام 362 م. * وضع في اعتباره أعضاء الكنيسة الضعفاء بالروح، والكنيسة الأرثوذكسية تعبر على أرثوذكسيتها (بالأعمال أكثر مما بالكلام). ![]() سادسًا: ما بين الخدمة والتأمل * كان القديس غريغوريوس إنسانًا صديقًا صدوقًا، أحب شقيقه الأصغر قيصاريوس محبة شديدة، وعلاقته بالقديس باسيليوس كان يغمرها نوع من الوجدان الروحي (إن كنت قد خرجت من الحياة بشيء فهو صداقتي وألفتي معك). وكم كان يتأذى إحساسه جدًا بأي اختلاف في الرأي مع أصدقائه. * وقد استجاب القديس باسيليوس بإخلاص لصداقة القديس غريغوريوس، وبعد أن صار القديس باسيليوس أسقفًا على قيصرية شغلته تمامًا أمور السياسات الكنسية. لذا فلا نعجب إذا رأيناه يحاول جاهدًا أن يجتذب صديقه القديس غريغوريوس إلى الخدمة ليشاركه في خدمة الكنيسة والمجاهدة في خضم معاركها. ![]() سابعًا: غريغوريوس أسقفًا على سازيما: * وتم ذلك عام 372 م. على يد باسيليوس الكبير وقد تحقق ما كان يخشاه القديس غريغوريوس، إذ أن أنثيموس هذا سبق واستولى على الإيبارشية. ولم يشأ القديس غريغوريوس أن يلجأ إلى القوة أو القضاء في استعادة منصبه، بل هرب وذهب إلى الجبل ليعيش في الخلوة. * ولم يدم الأمر طويلًا، فقد عجز القديس غريغوريوس عن أن يقاوم توسلات أبيه الشيخ للمرة الثانية وهو لم يكد بعد يلتقط الأنفاس، وهكذا عاد إلى نزينزا لمساعدة أبيه الأسقف. * فقد القديس غريغوريوس أبويه سنة 374 م * كان القديس غريغوريوس لا يزال منعزلًا في سلوكية، في أوائل عام 379، حينما عرف بوفاة القديس باسيليوس، في أول يناير من السنة نفسها. * علي أن انتقال القديس باسيليوس قد أدى إلي نتيجتين: 1 صار القديس غريغوريوس الشخصية الأولى ذات النفوذ وسط النيقاويين من الأجيال الصاعدة في عصره. 2 أصابه هذا الحدث بحزن شديد علي فقدانه أعز أصدقائه ورفقائه الروحيين. ![]() ثامنًا: غريغوريوس أسقفًا علي القسطنطينية: * (بخلاف القانون) في أوائل سنة 379. وفي ثيابه المتواضعة وصحته المتدهورة ونسكه الشديد البادي علي وجهه، ظهر في القسطنطينية لجميع من تبقى من المؤمنين في هيكل صغير بالمدينة، وفي دار أحد أصدقائه أطلق عليه أسم "الأناسطاسيا" أي كنيسة القيامة، وتلقى في الوقت نفسه من مقاومة واستهزاء الأريوسيين، حتى أنهم أغاروا وقت صلاة الليل في عيد الفصح سنة 379 علي "الأناسطاسيا" معبد القيامة الصغير، واعتدوا على المصلين، وأصابت بعض الحجارة القديس غريغوريوس نفسه فأبي أن يشكو أحدًا، بالرغم من إلحاح الكثيرين من خواصه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فكان أن رفع الأريوسين أمره إلى المحكمة واتهموه بالقتل. * خرج القديس غريغوريوس برئ مما أتهم به، ولم يكف الأريوسيون عن محاولات إيذائه وقتله. أما هو فكان يصفح ويعفو ويقول: أنه لم يأتي في غفوة أمر غريب. * وبدأ القديس غريغوريوس بالرغم من كل هذا يدأب علي العمل والتعليم وأخذ الأرثوذكسيون بالرغم من المصاعب التي لحقتهم ينهضون ويتقوى إيمانهم بما يسمعونه من مواعظ القديس غريغوريوس. وقد ألقى في هذه الحقبة " عظاته اللاهوتية الخمس " التي تكون أكمل وأسمى وأتقن مجموعة من تعاليمه عن الله وعن سر الثالوث. وقد لقب لدى كنائسنا الشرقية بسبب هذه العظات الخمس ب" اللاهوتي " وبلغ من الشهرة مبلغًا بعيدًا حتى أن القديس جيروم (أيرونيموس) وقد كان متضلعًا في الكتاب المقدس في إنطاكية، جاء خصيصًا إلي سوريا إلي القسطنطينية لكي يتعلم وهو في الخمسين من عمره، بالقرب من القديس غريغوريوس، وأقام زمنًا طويلًا في المدينة، وكان يسره أن يقول: "إن القديس غريغوريوس النزينزي كان دليله ومعلمه في معرفة الكتاب المقدس". * ترك البطريركية بناء على قرار المجمع وتوجه القديس غريغوريوس بعد ذلك إلى نزينزا أولًا، حيث كانت ومازالت بلا أسقف، وظل هناك يعمل على أن استطاع بعد جهد كبير أن يختار لها من يصلح أن يكون أسقفًا، ثم غادر إلى أريانزا حيث كانت مزارع عائلته، ليقضى فيها بقية سنى حياته في الوحدة والممارسات النسكية والأعمال الأدبية، متابعًا بمراسلاته أحوال الكنيسة في سائر المواضع مبديًا اهتمامًا نشطًا بخير الناس مشاركًا لهم في آلامهم. * وفي هذه الفترة مضى يؤلف القصائد ويصف حياته وهو يعيش متوحدًا وسط الصخور وبين الوحوش، حافي القدمين، قانعًا بثوب بالٍ وحيد، مفترشًا الأرض وملتحفًا المسوح الخشنة. ![]() تاسعًا: نياحته: * وانتقل القديس غريغوريوس من هذا العالم حوالي 390 أو 391. وقد نقلت عظامه فيما بعد إلى القسطنطينية، ثم حفظت إلى الآن في روما والبندقية. ![]() عاشرًا: تعاليمه: 1 رسائل القديس غريغوريوس: * برع القديس غريغوريوس في فن كتابة الرسائل، وجمعها ونشرها (243 رسالة). 2 شعر القديس غريغوريوس: * كما صاغ في قالب الشعر كثيرًا من أحداث التاريخ والموضوعات اللاهوتية وسيرته الذاتية منظمًا إياها على الأوزان الشعرية اليونانية الكلاسيكية القديمة. وبعض من قصائده كان مقالات نثرية أصلًا حولها إلى شعر. ويبلغ عدد هذه القصائد 507 قصيدة * وقد كان لدراسات القديس غريغوريوس اليونانية الكلاسيكية في شبابه ميزة في أنها وفرت له إمكانية استخدام الألفاظ المناسبة والتشبيهات والصور الأدبية لأفكاره ومقالاته. * وقد أراد القديس غريغوريوس بالتزامه القواعد الأدبية السائدة في أيامه أن يثبت أن الفكر المسيحي ليس بأقل مكانة من الوثني في مجال الأدب والفنون. 3 العظات اللاهوتية: * إن ما يقف شامخًا من بين أعمال القديس غريغوريوس هو عظاته اللاهوتية الخمس دفاعًا وشرحًا للتعليم الأرثوذكسي الذي قرره مجمع نيقية ضد تعليم الأونوميين والمقدونيين، وقد اكتسب بعد هذه العظات لقب " اللاهوتي " أو " الناطق بالإلهيات" (بالمعنى الضيق للكلمة أي كمدافع عن وحدة جوهر اللاهوت للابن مع الآب). * تناول اللاهوت عمليًا في كلمات القداس الإلهي المنسوب للقديس غريغوريوس والمستخدم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية. 4 ومن بين أجمل ما خلفه القديس غريغوريوس خطب في مديح وتخليد ذكرى القديسين، حيث مدح المكابيين وأمهم، والقديس كبريانوس والقديس البابا أثناسيوس الرسولي الذي قال فيه ضمن ما قال: "حين أمدح أثناسيوس فإني أمدح الفضيلة عينها". 5 كما أن له مقالات في تأبين مشاهير الرجال والنساء المعاصرين له. مثل والده الأسقف وأمه القديسة نونا، والقديس باسيليوس الكبير، وشقيقه قيصاريوس الذي حيا فيه مقاومته لمجهودات الإمبراطور الجاحد يوليانوس لتحويله عن الإيمان، وجورجونيا شقيقته الكبرى التي مدحها باعتبارها نموذجًا للأم المسيحية. 6 هذا بالإضافة إلى الخطب والعظات التي ألقاها في مناسبات معينة مثل خطبة الوداع في القسطنطينية، وفي محبة الفقراء، وفي عدم فصم رابطة الزواج، وثلاث خطب في السلام، وعلى أعياد الميلاد والغطاس والقيامة وأحد توما. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 96 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس غريغوريوس النيصي أولًا: نشأته * لقد وُلد غالبًا حوالي عام 335 م. ويبدو أن والديه أمسكا عن الإنفاق على تعليمه وليس كما فعلا مع شقيقه الأكبر "باسيليوس" * وهو يشير مرارًا وتكرارًا إلى أن "باسيليوس" كان هو "معلمه وأبوه" لذلك فهو يمدحه مسرورًا. "وباسيليوس" في نظر القديس غريغوريوس، هو "أعجوبة العالم كله"، وهو نموذج الفيلسوف الحقيقي. ![]() * إن ممارسته لوظيفة " الخطابة " وزواجه لم يعوقانه عن نموه الروحي وقد ظل على صلة بالحركة الرهبانية التي انخرطت فيها أسرته ويبدو أنه كان يلجأ إلى هناك بين الحين والآخر. * وقد كانت شقيقته الكبرى "ماكرينا" رئيسة الراهبات وثيقة الصلة به جدًا آنذاك. ثم ألف بعد ذلك حوارًا عن النفس " النفس والقيامة " يقول إنه أجراه معها في لقائه الأخير معها قبل موتها. ![]() * في غضون عام 371/372، اعتزل القديس غريغوريوس حياته الحرة كخطيب ولاهوتي فيلسوف لكي يصير أسقفًا على المدينة الصغيرة "نيصًا" في إقليم كبادوكيا. وهكذا انتزع من مجال تحصيل الثقافة الشخصية والدراسة والتأمل ليُدعى إلى خدمة الكنيسة. * ويبدو أن القديس باسيليوس رئيس أساقفة الكبادوك قد مارس هنا أيضًا نفوذه على القديس غريغوريوس،وقد أجبر القديس غريغوريوس بقوة كبيرة على قبول الأسقفية. * وفيما بعد، أدعت السلطات السياسية ضده بادعاءات مالية تدينه، وعزلته من أسقفية نيصا عام 376 بقرار من مجمع أساقفة أريوسيين وعيَّنت بدلًا منه أسقفًا أريوسيًا. ![]() * وذهبت إدراك الرياح كل محاولات القديس باسيليوس رئيس الأساقفة في الاعتراض أمام الحاكم على هذا الإقصاء وضاعت أيضًا كما ضاعت "نزينزا" من قبل. وأوقف القديس غريغوريوس النيصي وغادر البلاد إلى المنفى. ولم يستطيع العودة إلا بعد التغيير السياسي الذي حدث عام 378 بموت الإمبراطور فالنس الأريوسي وتولى "جراتيان" الحكم وإلغائه أحكام النفي السابق صدورها، فاستعاد غريغوريوس أسقفيته فاحتفى به شعبه احتفاءً عظيمًا. * وبموجب مرسوم أصدره الإمبراطور ثيئوذورسيوس الكبير، اختير القديس غريغوريوس ليكون أسقفا على كل مقاطعة بنطس، وكان هذا يعنى أنه بالرغم من عدم أهمية منصبه الكنسي، فإنه صار مشيرًا موثوقًا به لدى الحكومة. وقد كان له فيما بعد الكلمة والفصل في إقصاء الأساقفة الأريوسيين واختيار الأساقفة النيقاويين مكانهم وتوالت التجارب على القديس غريغوريوس في غضون هذه الفترة إذ انتقل شقيقه "باسيليوس" ثم شقيقته "ماكرينا" إلى السماء. * حضر القديس غريغوريوس النيصي مجامع في بلاد خارجة. فقد سافر بموجب تكليف إمبراطور إلى العربية ثم أورشليم، وباشر انتخاب أسقف "ابيور" في أرمينيا الصغرى. * وقد حضر مجمع القسطنطينية المسكوني عام 381، وهناك مارس تأثيرًا قويًا. ولقّبه المجمع بأنه "أحد أعمدة الأرثوذكسية". ![]() وفي حوالي سنة 395 م. انتقل إلى دار الخلود. ![]() كتابات القديس غريغوريوس النيصي: 1 تفسيرية: أ في خلقة الإنسان، شرح الهكساميرون (أي ستة أيام الخليقة). ب حياة موسى (ويتناول التقدم الروحي للإنسان). ج على سفر الملوك الأولى (12:28). د على عناوين المزامير. ه على سفر الجامعة. و في سفر نشيد الأناشيد (الله كعريس والنفس كعروس). ز التطويبات (عظة). 2 عقائدية:أ ضد أونوفيوس (12 كتابًا). ب التعليم الكبير. ج ضد أبوليناريوس. د على الثالوث (في أنه ليس الثالوث ثلاثة آلهة). ه النفس والقيامة (حوار بين غريغوريوس وأخته ماكرينا وهى على فراش الموت). و ضد الخط (يدافع عن الإرادة الحرة). ز إلى هيريوم وإلى كبدوكية (عن لماذا يسمح الله بموت الأطفال). 3 نسكية:أ البتولية. ب إلى هارمونيوس وإلى أوليمبيوس. ج حياة القديسة ماكرينا. 4 مقالات:بعضها أخلاقي، والبعض الآخر عقائدي، وبعضها في مديح القديسين والشهداء. 5 رسائل:29 رسالة. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 97 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ديديموس الضرير سيرة - تعاليم أولًا: سيرة حياته: * ولد ديديموس حوالي سنة 313 م. وفي سن الرابعة من عمره أصيب بمرض أفقده البصر ومثل هذه الكارثة كانت كافية أن تفقد أي طفل آخر حماسه وتطلعه نحو الحياة أما في هذا الطفل المبارك فقد زادته تعلقًا بالحياة وبما تحويه من أسرار وعجائب. لذلك فبالرغم من أنه لم يتعلم وهو طفل ولا حتى النطق الأول للحروف، إلا أن رغبته في المعرفة كانت حادة جدًا. فأخذ يشحذ ذاكرته حتى صارت طاقة مدهشة. فأخذ ينحت الحروف الهجائية على ألواح من خشب، ويعلم نفسه بنفسه كيف يقرأها بطريقة اللمس. فعلم نفسه قواعد اللغة والبلاغة والفلسفة والمنطق والحساب والموسيقى ودرس كل هذا بعمق حتى أنه كان في استطاعته أن يناقش كل من درس هذه العلوم من الكتب العادية. * وقيل إنه كان يحفظ عن ظهر قلب جميع أسفار العهدين القديم والجديد. ولم يستطيع تسميع هذه الأسفار فحسب، بل كان يقارن بينها ويعلق عليها بدقة علمية عجيبة. * وقد ذاع صيت ديديموس حتى أن القديس أنطونيوس الكبير بحث عنه حين نزل إلى الإسكندرية للمرة الثانية، ولما قابله امتدحه بقوله: "لا يحزنك فقدان بصرك، فقد نزعت منك أعين جسدية كالتي يمتلكها الفئران والذباب. بل الأحرى بك أن تبتهج لأن لك أعينًا كالملائكة، ترى بها اللاهوت نفسه وتدرك نوره. * وقد سجل المؤرخ سقراط عنه أيضًا، أنه حتى قبل أن يرأس المدرسة اللاهوتية كان معتبرًا أنه حصن للإيمان القويم ومن أقوى المقاومين للأريوسية. فليس بغريب أن حاز إعجاب العالم، وأن سارع نحوه الأساقفة من سوريا وآسيا الصغرى، ليصغوا إلى علمه، ويقتدوا بتنسكه، ويتأملوا في اختبار حياته العميق. ولم يكن الأساقفة الشرقيون من تلاميذه فحسب، بل جاءه الغربيون من رجال الكهنوت أيضًا، وأبرزهم إيرونيموس (جيروم) وروفينوس وبلاديوس جاءوا يستقون من منهله العذب. * وكان العلامة جيروم يفتخر بأنه تلميذ لديديموس، وأنه اتخذه أستاذًا وقدوة له في دراسة الكتاب المقدس كما ترجم له أحد كتبه (في الروح القدس). أما روفينوس فدعاه "نبيًا" و"الرجل الرسولي". كما تكلم القديس إيسيذوروس عن قدراته العظيمة * لكل هذه الأسباب فإن القديس أثناسيوس البابا العشرين لم يتردد في أن يضعه في أعلى مسئولية بعده وهى مسئولية عمادة مدرسة الإسكندرية للتعليم المسيحي. وفي الوقت نفسه كان ديديموس يعجب الإعجاب كله بعبقريته النادرة وبجرأته وحكمته الرسولية، فشاركه في دفاعه عن الإيمان الأرثوذكسي ضد هرطقة ذلك العصر، أي الأريوسية. * وفي ذلك الوقت كانت الحركة الأريوسية على أشدها، وكان التعليم محفوفًا بالمتاعب بسبب تدخل الحكام المدنيين ضد الإيمان الصحيح مما عرض الأساقفة والمعلمين للاضطهاد. ولكن ديديموس لم تثنه اضطهادات أباطرة بيزنطة المسيحيين لبطريركية أثناسيوس الذي نفى عن كرسيه مرات، بل وقف يجاهد معه بكل قوته، كما حارب بقايا الوثنية التي تمثلت فيما سمى بالأفلاطونية المحدثة وسائر الفلسفات الأخرى. * وكان ديديموس والقديس الأنبا أنطونيوس أب الرهبان صديقين حميمين جمعت بينهما المحبة الخالصة (وقد زاره في مغارته عدة مرات)، وآلف بينهما إيمانهما الواحد ولا شك أن صحبة ديديموس للقديس أنطونيوس كانت تعنى ألفة العلم مع النسك. وأن ديديموس لم يكن معلمًا فحسب بل كان أولًا ناسكًا، يحيا علمه اللاهوتي قبل أن يعلمه * وهذا نلحظه في كتابات هذا العلامة، فهي بالرغم من توغلها في مشاكل ومسائل لاهوتية عويصة إلا أنها كانت ممسوحة في النهاية بمسحة الحياة النسكية التي عاشها وتشربها من القديس أنطونيوس. فإذا تكلم عن الثالوث تكلم عن حلول الثالوث فينا وإذا تكلم عن الروح القدس تكلم عن عمله ودوره في خلاصنا، وإذا تكلم عن المعمودية أوضح بجلاء أثر المعمودية في تجديدنا وتجميل خلقتنا. ![]() كتابات العلامة ديديموس الضرير ![]() * في شهر أغسطس 1941 كان لجيش الاحتلال الإنجليزي في مصر بعض المغائر في مدينة طره (من ضواحي القاهرة بين المعادى وحلوان) يحتفظون فيها بمخلفات معداتهم وببعض الذخائر. وقد حدث أثناء استخدام هذه المغائر أن تم اكتشاف بعض أوراق البردي هناك، وكانت تحتوى على بعض كتابات للعلامة ديديموس ترجع إلى القرن السادس. * وللعلامة ديديموس كتابات عديدة جدًا ولكن لم يصلنا منها إلا القليل، وعرفنا بعضها الآخر من كتابات معاصريه أو ممن اقتبسوا منه،وبحسب تقرير بالاديوس فإنه: (فسر العهدين القديم والجديد كلمة كلمة، وكان يركز عنايته بالأكثر على العقيدة وكان يفعل ذلك بدقة ولكن بيقين، حتى فاق في ذلك كل القدماء في معرفته). * وهذا يتطابق جدًا مع شهادة جيروم الذي يصف أعماله بأنها عديدة وفخمة، ويذكر من بينها كتابيه عن "الروح القدس" و"العقائد". * ويرجع ضياع الكثير من كتابات ديديموس إلى الشك الذي أثير حول بعض من آرائه التي فيها أوريجانس، مثل اعتقاده بسبق وجود النفس، وبأن عذاب الشياطين والأشرار هو مؤقت وسيكون له نهاية، وأنه سيحدث نوع من النجاة للشيطان. إلا أن هناك في كثير من كتاباته يشير إلى اعتقاده أيضًا بأبدية العقاب، وبأن زمان التوبة هو في هذا العالم فقط. ![]() 1 على الثالوث. 2 على الروح القدس. 3 ضد المانويين. 4 مقالات عقائدية مفقودة. أ ضد الأريوسيين، ب عن الشيع، ج الدفاع عن أوريجانس، د مقالين عن الفلسفة وعن اللاجسدي، ه ضد أريوس وسابلليوس، والمحاورات السبعة المنسوبة لأثناسيوس. 5 التفاسير: أ العهد القديم: ومن بينها المخطوطات التي عثر عليها في طره سنة 1941، وتحوى قطعًا طويلة من تفسير ديديموس لسفر التكوين وأيوب وزكريا. وتفسير المزامير يشير إليه جيروم في كتاباته. ب العهد الجديد: كل من إنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وسفر أعمال الرسل، والرسالتين إلى كورنثوس، والرسالة إلى غلاطية، والرسالة إلى أفسس. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 98 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس سيرة - تعاليم - أقوال أولًا: سيرته: 1- نشأته: * وُلد حوالي عام 315 م. بقرية بجوار مدينة اليوتروبوليس بفلسطين من والدين يهوديين. * توفى والده وترك معه أخت فقامت بتربيته في حياة تقوية. * حدث وهو سائر في الطريق أنه أبصر فقيرًا يطلب صدقة من أحد الرهبان، وإذ لم يكن مع هذا الراهب مالًا خلع ثوبه وقدمه للفقير. رأى أبيفانيوس كأن حلة بيضاء نزلت من السماء على ذلك الراهب عوض الثوب، فتعجب من ذلك، وأنطلق إلى الراهب يسأله عن إيمانه وحياته. التقى به أكثر من مرة وقبل الإيمان المسيحي وأعتمد، كما اشتاق إلى الحياة الرهبانية. ![]() * لكي يتهيأ لدراسة الكتاب المقدس تعلم العبرية والقبطية والسريانية واليونانية واللاتينية، لذا دعاه القديس جيروم: "صاحب الخمسة ألسنة". وإذ كان محبًا لحياة النسك والتأمل ترك فلسطين إلى مصر حوالي عام 335 م. ليلتقي بمجموعة من النُساك والرهبان قبل اعتزاله في دير بالإسكندرية. * التقى بالقديس أنبا أنطونيوس وتتلمذ على يديه فترة من الوقت ليعود من مصر إلى فلسطين وينشئ ديرًا في اليوتروبوليس تحت إرشاده لمدة حوالي 30 عامًا وكان حازمًا جدًا مع نفسه حتى إذا سأله أحد تلاميذه كيف يحتمل هذا النسك الذي يفوق قوته، أجابه: "الله لا يهب ملكوت السموات ما لم نجاهد، وكل ما نحتمله لا يتناسب مع الإكليل الذي نجاهد من أجله". * بجانب نسكياته الشديدة القاسية وعبادته التي لا تنقطع كرس وقتًا لدراسة كتب العلامة أوريجانوس، وإذ لاحظ أخطاءه أنقلب ضده بعنف شديد حتى حسبه رأس كل بدعة في الكنيسة، وصار له دوره الفعال في إثارة الكثيرين ضد أوريجانوس، بل استطاع فيما بعد أن يغير اتجاه القديس جيروم من عاشق لأوريجانوس بكونه عطية الله للكنيسة إلى مقاوم عنيف له بكونه شيطانًا ضد الحق. ![]() * إذ شعر أسقف المدينة بدور القديس أبيفانيوس لابين الرهبان فحسب وإنما وسط الشعب الذي التف حوله يطلب إرشاداته وبركته، سامه كاهنًا لكي تزداد المنفعة به على مستوى كل الكنيسة في المدينة. * التقى أيضًا بالقديس إيلاريون (هيلاريون) الذي تنسك في مايوما بفلسطين، وتكونت صداقة عظيمة حتى ترك إيلاريون المنطقة بسبب تجمهر الناس حوله. ![]() * يبدو أن القديس هيلاريون الناسك عندما هرب إلى قبرص من جمهرة الناس حوله، جاء إليه الأساقفة والكهنة مع الشعب بقبرص يطلبون بركته فتحدث معهم عن القديس أبيفانيوس وحياته النسكية وفضائله مع علمه وغيرته على الإيمان المستقيم. وإذ تنيح أسقف سلاميس بجزيرة قبرص، أكبر كرسي في الجزيرة في ذلك الحين، أُنتخب أبيفانيوس أسقفًا وسيم بغير إرادته عام 367 م. وقد بقى أمينًا في خدمته لمدينته الأولى يفتقدها من وقت إلى آخر. ![]() * أتسم القديس أبيفانيوس بغيرته الشديدة وحزمه بخصوص الإيمان المستقيم مع حب شديد فائق للفقراء، حتى لم يكن يترك في الأسقفية أحيانًا شيئًا قط.. ومع ذلك فقد كان الله يرسل له الكثير جدًا ليوزعه. منحته الأرملة القديسة أولمبياس أراضٍ ومالًا لهذا الغرض.. ولعل محبته للفقراء قد نبعت عن إنها هي علة قبوله الإيمان المسيحي كما رأينا. * قيل أن تلميذه طلب منه مرة أن يضع حدًا لهذا العطاء إذ لم يعد معهما شيء وإذ انتهى التلميذ من حديثه تقدم إنسان غريب قدم كيسًا به ذهب سلمه للأسقف واختفى في الحال. * جاء في سيرته أن أحد المخادعين جاء يسأله صدقه لتكفين صديقه الذي مات، فأعطاه المال، وهو يقول له: أعتن به يا أبنى بدفن هذا المسكين ولا تضيع الوقت في البكاء عليه، فأن رفيقك لا يقيمه بكاؤك، وليس له دواء إلا الصبر.. أخذ الطماع المال وذهب لصديقه ليقيمه فوجده قد مات حقًا!! * إذ شعر بعض الغنوسيين بقدراته ومواهبه واشتياقاته أرادوا كسبه فأرسلوا إليه بعض النساء الزانيات ينصبن له فخاخًا لكنه بنعمة الله لم يسقط فيها، من هنا ندرك السبب الذي لأجله كرّسّ طاقاته للرد على الهراطقة أيًا كانوا ومقاومتهم أينما وجدوا. ![]() أ- قام برحلة عام 376 م. إلى إنطاكية ليسعى لتوبة الأسقف فيتاليس الذي تبع أبوليناريوس. ![]() ب- وبعد ستة أعوام اصطحب القديس بولينوس أسقف أنطاكية إلى روما ليحضرا مجمعًا عقده الأسقف داماسيوس. ج- في عام 392 م. نزل أيضًا ضيفًا على القديس يوحنا أسقف أورشليم وفيما هو في استضافته إذ وقف يتكلم في الكنيسة التي للقبر المقدس هاجم مستضيفه لأنه متعاطف مع أتباع أوريجانوس، أنضم إليه جيروم في بيت لحم الذي رده عن حبه لأوريجانوس إلى مضاداته، وصارا يهاجمان الأسقف يوحنا بعنف... غير أنه يبدو أنه قد تصالح أخيرًا مع القديس يوحنا دخل أيضًا في صراع شديد مع القديس يوحنا الذهبي الفم بالقسطنطينية لأنه قبل الأخوة الطوال الذين جاءوا من مصر وهم أتباع أوريجانوس، الهاربين من اضطهاد البابا ثاوفيلس الإسكندري بسبب تعلقهم بأوريجانوس. ![]() * تنيح القديس أبيفانيوس في طريق عودته من القسطنطينية إلى قبرص حوالي عام 403 م. تذكره الكنيسة في يوم نياحته 17 بشنس وفي نقل جسده 28 بشنس. ثانيًا: كتابات القديس أبيفانيوس: * بحسب القديس جيروم، كانت أعمال أبيفانيوس "يقرأها المتعلم بشغف بسبب مادتها، وأيضًا البسطاء، بسبب لغتها" ولابد أن نتذكر أن هذا حكم من صديق يكن لأبيفانيوس توقير وكرامة عظيمة، ليس هناك أدنى شك في أن كتابات أبيفانيوس تظل عميقة وقيُمة لأنها تحفظ الكثير من الفكر والحقائق البالغة الأهمية لتاريخ الكنيسة وللاهوت كذلك لها أهميتها الكبيرة في إعادة تجميع الكثير من المصادر التي فُقدت خاصة أعمال القديس إيريناؤس أبو التقليد الكنسي وهيبوليتس. * وبحسب هول تعد لغة أبيفانيوس مثالًا جيدًا للهجة الكينى اليونانية الشعبية، وهذا يفسر لنا سبب محبة الناس لقراءة أعمال القديس أبيفانيوس كما أخبرنا المؤرخ الكنسي جيروم، والسبب في بذل محاولات كثيرة لحفظ أهم أعماله، إذ أن أنتاجه الأدبى يعتبر مساويًا في الحجم لإنتاج أعظم لاهوتي جيله، وشهرته بين آباء القرن الرابع ترجع إلى عملين من أكبر أعماله: أنوكراتوس والبناريون وكلاهما يهدف إلى تفنيد ودحض الهرطقات. ![]() 1- الإنسان الثابت (أنكوراتوس): * كتبه في عام 374 استجابة لطلب مسيحي Syedra في بمفيلية والذين كانوا يعانون من هرطقة أعداء الروح القدس، والكتاب يقدم للقارئ مرساة الإيمان كي يثبته ويحصنه وسط عواصف الاضطهادات، ورغم أن الكتاب يهتم اهتمامًا خاصًا بعقيدة الثالوث القدوس وبوجه أخص بعقيدة الروح القدس، إلا أنه يعتبر خلاصة وافية للعقيدة الكنسية، ويمكن أن يقارن هذا العمل المؤسس على الكتاب المقدس والتقليد. 2- البناريون * ويعرف عادة باسم "الهرطقات" والعنوان اليوناني يجد تفسيرًا له في اهتمام الكاتب بتقديم ترياق لهؤلاء الذين لدغتهم حية الهرطقات، وأن يحمى ويحصن هؤلاء الذين ظلوا أتقياء، في إيمانهم، والكتاب يتناول ثمانين هرطقة، العشرون الأولى منها تنتمي لعصر ما قبل المسيحية وهى البربرية والهللينية بمدارسها الفلسفية المختلفة، واليهودية بكل طوائفها وشيعها، أما أول الهرطقات المسيحية فهي هرطقة بطرس ماغوس وآخرها هرطقة المساليين،ويختتم الكاتب عمله بتقديم ملخص لإيمان الكنيسة الجامعة الرسولية. 3- عن الأوزان والمقاييس: * لا يتفق هذا العنوان مع محتويات الكتاب الذي كُتب في القسطنطينية نحو عام 392 وأرسل إلى كاهن من بلاد فارس. فهذا العمل هو الصورة الأولى لقاموس الكتاب المقدس. يتناول في القسم الأول منه شريعة وترجمات العدد العهد القديم ويتناول في القسم الثاني الأوزان والمقاييس الكتابية. ويتناول في القسم الثالث جغرافية فلسطين. * وقد نشر de Legarde نسخة سريانية تحوى العمل كله، بينما لم يتبقى من الأصل اليوناني إلا القسم الأول وجزء من القسم الثاني، وهناك مقتطفات في نسخات أرمنية. 4- الأثنا عشر حجرًا ثمينًا: * كتب أبيفانيوس عمله عن "الاثنيّ عشر حجرًا ثمينًا" الذين يُوضعون في صدرة رئيس الكهنة في العهد القديم، في عام 394 استجابة لطلب ديودور الطرسوسي، ويقدم الكاتب تفسيرًا رمزيًا للأحجار ويصف استعمالها الطبي ويرى أنها ترمز إلى أسباط إسرائيل الاثني عشر، ومع أن الأصل اليوناني قد فقد عدًا شذرات منه إلا أن هناك نسخة جورجية حفظت لنا النص كاملًا، كذلك أكثر من نصف العمل محفوظ في ترجمتين أرمنية ولاتينية، بجانب بعض المقتطفات بالقبطية والأثيوبية. 5- الرسائل: * حُفظت اثنتان من رسائل أسقف سلاميس في ترجمة لاتينية. أحداهما إلى يوحنا أسقف أورشليم والأخرى إلى القديس جيروم، وهما وثيقتان تختصان بجهاد أبيفانيوس ضد الأوريجانية، وقد ترجم جيروم رسالة أبيفانيوس إلى أسقف أورشليم إلى اللغة اللاتينية، وهذه الترجمة توجد ضمن رسائل القديس جيروم باسم الرسالة الواحدة والخمسين، وسرعان ما انتشرت هذه الرسالة وأثارت نقدًا شديدًا، وإذ أُتهم جيروم بأنه عدل الأصل وطوره، دافع عن ترجمته في رسالته إلى باماكيوس "عن أفضل طريقة في الترجمة"، والتي أوضح فيها أنه ينوى أن يقدم "معنى مقابل معنى وليس كلمة مقابل كلمة". * ويذكر جيروم في مقدمة كتابه "حياة هيلاريون"، رسالة قصيرة كتبها أبيفانيوس عن فضائل هذا القديس الذي تنيح في قبرص عام 371 م. ولم يتبق شيء من رسائل أبيفانيوس إلى البابا سيريكيوس التي وصف فيها يوحنا الأورشليمى بأنه هرطوقى، كذلك لم يتبق شيء من رسائله التي أرسلها للرهبان المصريين محذرًا إياهم من يوحنا الأورشليمى، ولدينا ترجمة لاتينية قام بها جيروم لرسالة أرسلها له أبيفانيوس، وتعرف باسم الرسالة الـ91 من رسائل جيروم، وقد كتبت في نهاية عام 400، لذا يبتهج فيها بانتصاره على الأوريجانية الذي حققه المجمع الذي عقده البابا ثيوفيلس، وقد أرفق بها أبيفانيوس نسخة من الرسالة المجمعية، وحث جيروم على أن يستمر في عمله في ترجمة الوثائق الخاصة بالجدال الأوريجاني إلى اللاتينية، وقد أرسل أبيفانيوس رسالة أخرى لجيروم في هذا الخصوص، لكنها فقدت. ![]() 1- محب الطبيعة: * أهم الأعمال المنسوبة لأبيفانيوس هو التنقيح اليوناني لكتاب "محب الطبيعة" أو "العالم بالطبيعة" وهو يتكون من مجموعة من القصص الرمزية العجيبة، ويُرمز فيها للحقائق المسيحية بسلوك وعادات الحيوانات، وهكذا، يُرمز لفداء المسيح للبشرية بالصليب، بطائر البجع الذي يطعم أبنائه بإراقة دمه هو، واسم العمل يأتي من الكلمات الأولى في كل قصة " يقول محب الطبيعة....." ![]() * هناك نسخة لاتينية تنسب لأبيفانيوس تفسير سفر نشيد الإنشاد بينما كاتبه الحقيقي هو فيلو من كاربيسيا في قبرص. 3- العظات:* تُنسب إليه خمس عظات، وكذلك مقتطفات من تفسير لسفر التكوين والإنجيل لوقا في مخطوطة من سنة 1750، كما تُنسب إليه عظة عن القيامة، لكن يرى بعض العلماء أنها لفم الذهب ويرى بعض آخر أنها مأخوذة من عظة للبابا ألسكندروس بطريرك الإسكندرية. 4- أنافورا أبيفانيوس:* بين صلوات الأنافورا في الليتورجيا الأثيوبية، توجد أنافورا anavora تُنسب لأبيفانيوس نشرها العالم S. Eyrunger من مخطوطتين في برلين، وهى صلاة ليتورجية موجهة إلى الابن. 5- أعمال منحولة أخرى* يُنسب إلى القديس أبيفانيوس كتاب صغير عن أماكن ميلاد ودفن كل الأنبياء والرسل والتلاميذ، وهو بالتأكيد مزيف إذ أنه من مصدر يهودي مع إضافات مسيحية متأخرة. كذلك يُنسب إليه كتاب "عن الأسرار الكثيرة". ![]() من أقواله: * " قال القديس أبيفانيوس عند نياحته: لا تحبوا أمور الزمان الحاضر فتستريحوا في الدهر الأتي، تحفظوا من لذات العالم، فلا يقوم عليكم وجع الشيطان". * أيقظوا قلوبكم بذكر الله، فتخف قتالات الأعداء عنكم. * فيقول: "أن الجهل بما في الكتب المقدسة جرف عظيم السقوط وهوته عميقة". * " أنه من الضروري اقتناء، الكتب المسيحية عند من يقدر على ذلك، لأن مجرد رؤيتها تجعلنا بعض الشيء، متكاسلين نحو الخطية وتحثنا على العودة إلى البر أكثر". " إن قراءة الكتب المقدسة ضمانة عظيمة للهرب من الخطية". * " أنها خيانة عظيمة للخلاص أن لا نعرف ولا ناموسًا واحدًا من النواميس الإلهية". وعن صلوات السواعي والتسبيح الدائم يقول القديس: * " داود النبي كان يصلى دون تحديد وقت، وينهض للصلاة في نصف الليل ويتضرع إلى الله قبل السحر، وفي السحر كان حاضرًا، وعند المساء ونصف الليل كان يتوسل إلى الله، لهذا السبب كان يقول "سبع مرات في اليوم سبحتك" (مز 164:118). * وحدث أن قال رئيس دير في فلسطين -تابع لأبارشية سلاميس- للقديس أبيفانيوس: "بصلواتك لم نهمل قانوننا إنما تقيم الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة بحماس كبير" أما هو فقال لهم: "من الواضح أنكم تهملون ساعات النهار الأخرى طالما أنكم تتوانون عن الصلاة، لأن الراهب الحقيقي ينبغي أن يحوى الصلاة في قلبه على الدوام". * أرسل القديس أبيفانيوس إلى الأب إيلاريون يستعطفه ويقول: "دعنا نرى بعضنا قبل خروجنا من الجسد، فلما التقيا فرحًا جدًا، ولما جلسا للطعام دُفعت إليهما دجاجة فتناولها الأسقف وأعطاها للأب إيلاريون، فقال إيلاريون: سامحني يا أخي، لأني منذ أخذت الإسكيم لم أكل مذبوحًا، فقال له الأسقف: إنما أنا منذ أخذت الإسكيم لم أترك أحد ينام وفي قلبه علىّ شيء، ولا أنا نمت وفي قلبي شيء على أحد (مت 23:5 مر 25:11) فقال الأب إيلاريون: سامحني يا أخي لأن فضيلتك أعظم من فضيلتي". * سُئل أبيفانيوس: هل يكفى بار واحد لاستعطاف الله؟ فأجاب: نعم لأنه قال (طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعد طالب الحق فأصفح عنها) (أر 1:5) * إن خطايا الأبرار تقترن بالشفاء، أما خطايا الأشرار فتقترن بالجسد كله، لأجل هذا يقول النبي داود (أجعل يا رب حارسًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتي) (مز 3:14) وأيضًا (أنا قلت سأحفظ طرقى لئلا أخطئ إليك (مز 2:28). * سُئل القديس أبيفانيوس لماذا تكون الوصايا الناموسية عشرًا والتطويبات تسعًا؟ فأجاب: "الوصايا العشر مساوية في العدد لضربات المصريين، أما التطويبات فهي صورة ثالوثية للثالوث القدوس". * ويقول أبيفانيوس: "إذا كانت صورة المسيح، أي ملكي صادق، قد باركت أصل اليهود أي إبراهيم، فكم بالحري المسيح نفسه الذي بارك كل الذين يؤمنون به ويقدسهم". * "الكنعانية تصرخ فيُسمع لها، والنازفة الدم تصمت فتُطوب، لكن الفريسي يصرخ فُيدان، والعشار لا يفتح فاه فيُستجاب له" (مت 21:15-28، مت 2:9-22، لو 9:18-14) * "الله يمنح الخطاة رأس المال عندما يتوبون، كما هو الحال مع الزانية والعشار ولكنه من الأبرار يطلب الفائدة، وهذا ما قاله للرسل (إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات) (مت 2:5)". * "بالرخص الشديد يبيع الله البر للذين يبادرون إلى شرائه بقطعة خبز صغيرة، وثياب وضيعة، وكأس ماء بارد، وبفلس واحد". * "عندما يقترض الإنسان من إنسان مالًا، إما بسبب الفقر أو لسعة أكبر، ويرد الدين ويقر بالمعرفة، إنما يفعل ذلك خفية لسبب الخجل، أما الله السيد فيفعل العكس إذ يقترض في الخفاء ويرد أمام الملائكة ورؤساء الملائكة والأبرار". ![]() * أهتم القديس أبيفانيوس اهتمامًا خاصًا بالدفاع عن تعليم الكنيسة السليم في مواجهة بدعة أريوس، وإذ كان القديس أبيفانيوس معلمًا أرثوذكسيًا مبنيًا على الكتاب المقدس وتقليد كنيسة الرسل، لذا كانا مرجعه وعُدته في التصدي للبدع والهرطقات، وقد أكد على أهمية تقليد الكنيسة المقدس بقوله: "ولكن بالنسبة للكلمات الإلهية كلها، ليس هناك احتياج لشرح بأمثال وتشبيهات لكي نفهم المعنى، ولكن ما نحتاجه هو الدراسة والفهم لنعرف معنى كل عبارة، ولابد أن نرجع إلى التقليد لأنه لا يمكننا أن نتعلم كل شيء، من الأسفار المقدسة، لذا سلم الرسل القديسون أمور معينة كتابة، وآخرون سلموا بالتقليد كما قال القديس بولس "كما سلمتها لكم" (1كو 2:11). * واستخدم أسقف سلاميس لفظ "لاهوت - ثيئولوجيا" في دفاعياته عن تعليم الكنيسة الثالوثي ومن ثم يقول في كتابه "خزانة الدواء - البناريون": "نحن لا نؤله العالم لئلا نُحسب أغبياء، بل بالحري نمجد الثالوث: ثالوث الابن مع الآب وروحه القدوس الذي يفوق الطبيعة كله" * فركز على سمو الثالوث القدوس وعظمته التي لا ينطق بها ومن ثم دحض بدعة أريوس الهرطوقى الذي علم بأن الابن مخلوق. * ويقوم دفاع أبيفانيوس على أساس أنه إذا كان الثالوث مزيجًا من عناصر إلهية وأخرى مخلوقة، فلا يمكن عبادته على أساس تحريم الوثنية وعبادة الأصنام في (خر 15:2، وتث 6:15) ويمكن أيضًا عرض دفاعه بطريقة عكسية أي أنه إذا كان الثالوث معبودًا وجب أن يكون الثالوث هو الله. * وأكد القديس أبيفانيوس على التريصاجيون تسبحة الثلاث تقديسات، أي التسبحة الثلاثية التقديس التي يرددها الشاروبيم بغير سكوت، ولا يفتر السيرافيم عن تسبيحها ويعتبرها أبيفانيوس الذكصولوجية والتمجيد الأسمى لله المثلث الأقانيم، ويقول في كتابه "الإنسان الثابت - الانكوراتوس": * " يشدو الملائكة المتضعون في السماء بترنيمة الغلبة والخلاص ممجدين مع الشاروبيم والسيرافيم الثالوث في مجد واحد وصوت واحد وجوهر واحد قائلين "قدوس قدوس قدوس" مؤلفين ثلاثة أصوات ولكنها تتحدث في وحدة وليس في تعددية، لأنهم لا يقولون قدوس رابعة، كما لو كان شيء قد أضيف إلى الثالوث وهم لا يرددون التقديس ثلاث مرات كما لو كان مجد الكمال الإلهي ناقصًا، لكن ثلاثًا ليقدسوا بنفس الكرامة الآب والابن والروح القدس. * أيضًا هم لا يقولون "قدوس وشبه قدوس" لكنهم يرددون "قدوس" ممجدين بنفس القدر معًا وبصوت واحد وكلمة واحدة وكمال واحد: "ثالوث في واحد وواحد في ثالوث". _____ (*) المرجع: 1- القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس أنطون فهمي جورج 2- قاموس آباء الكنيسة (أ) القمص تادرس يعقوب |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 99 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأنبا أنطونيوس الكبير أولًا: سيرته * إذ سمع الشاب أنطونيوس كلمات السيد المسيح في الكنيسة: "إن أردت أن تكون كاملًا فأذهب وبع كل ما لك ووزعه على الفقراء وتعال اتبعني" خرج ليتمم الوصية حرفيًا، ممارسًا الحياة النسكية على ضفاف النيل. * بعد 15 عامًا انطلق إلى البرية الداخلية وسكن في مغارة على جبل القلزم، شمال غربي البحر الأحمر حيث قضى 20 عامًا في حياة الوحدة.. لكن سرعان ما التف حوله الكثيرون يمارسون حياة الوحدة متمثلين به، ومسترشدين بنصائحه، تنيح سنة 356 م.، وقد بلغ 105 عامًا ن وكان في كامل صحته * دعاه القديس أثناسيوس "رجل الحكمة الإلهية" ورجل النعمة والتهذيب. * إذ كان البعض يتعجب لحكمته بالرغم من عدم معرفته القراءة والكتابة. * كان يقول: "حسنًا، ماذا تقولون؟ أيهما جاء أولًا: العقل أم حروف الكتابة؟ وأيهما عله الآخر العقل علة الحرف؟ أم الحرف علة العقل؟ فإذ يجيبون أن العقل هو أولًا وانه مصدر الحروف، يقول: "من كان له عقل سليم فلا يحتاج إلى حروف!" * جاء في "تاريخ الكنيسة" لسقراط أن الفلاسفة سألوا القديس أنطونيوس عن حياته كيف يمارسها دون تعزية الكتب، فأجابهم: كتابي أيها الفلاسفة هو الطبيعة، ففيها اقرأ لغة الله. * يقول البابا أثناسيوس: "اقتنى أنطونيوس الشهرة لا من كتابات، ولا من حكمة عالمية، ولا من أي فن، إنما من خدمته لله". * دعاه البابا أثناسيوس "طبيبًا وهبه الله لمصر". جاءت إليه وفود لا تنقطع من كل أنحاء الدولة الإمبراطورية، من كهنة ونساك وشعب، البعض يطلبون مشورته في أمور معينة، والآخرون يرغبون في مجرد الاقتراب إليه ليتعلموا من صمته، إذ يجدون في شخصه رجاءً جديدًا في حياتهم. * يحسب أبًا للعائلة الرهبانية في العالم كله، غير تاريخ الكنيسة، وسحب قلوب كهنة كثيرين وجدوا أبواب القصر الإمبراطوري مفتوحًا أمامهم ومظاهر الترف بين أيديهم، ليستعذبوا حياة البرية وينشغلوا بالمجد الداخلي الخفي. ![]() * إن كانت الكتابات المنسوبة إليه هي بأكملها له، أو جزء منها لأحد تلاميذه فإنها بلا شك تكشف عن روح الحركة الرهبانية الكنسية في بدء انطلاقها. * كتابات القديس أنبا أنطونيوس أوضحت الفكر الرهباني كفكر إنجيلي حي، يقوم على عمل الروح القدس الناري في تقديس الإنسان بكليته: جسدًا وروحًا متى كان جادًا في جهاده الروحي، متجاوبًا مع عمل النعمة الإلهية المجانية. 1- يسجل لنا مؤسس نظام الوحدة نظرته الرهبانية الحية. إنها ليست وحدة انعزال عن البشرية، بل اتحاد مع الله محب البشر.. يحمل الراهب الحب لكل البشرية وفي وحدته وسكونه. 2- يقدم لنا كمؤسس لنظام الوحدة نظرته المقدسة للجسد، مع تحذيرنا من شهواته. 3- المعرفة في فكره ليست أمرًا عقلانيًا بحتًا، لكنها خبرة معاشة بروح الله العامل فينا.. هذا ما كرره مثيرا في رسالته لأبنائه الرهبان. * وإني أتركك مع ما ورد في الفيلوكاليا من كتابات القديس لكي تتلمس مفاهيمه الروحية واللاهوتية العميقة بأسلوب بسيط عذب. ![]() 1- في رأيي أن نعمة الروح القدس تكون دائمًا مستعدة أن تملأ أولئك الذين يمارسون العمل الروحي من كل قلوبهم وأن يحددوا من البداية أن يقفوا ثابتين ولا يعطون مكانًا مطلقًا في أي معرفة حتى ينتصروا عليه. * لذلك فإن الروح القدس الذي دعاهم من البداية يجعل كل الأشياء سهلة لهم لكي يلذذ لهم في البداية عمل التوبة وأخيرًا يكشف لهم طرقه في كمال الحق. ويساعدهم في كل شيء ويدفعهم لأعمال التوبة التي يجب أن يمارسوها ويضع أمامهم الأشكال والحدود لكل من الجسد والنفس حتى يجعل كليهما يتجه نحو الله خالقهم. لأن الهدف هو حث كل من الجسد والنفس على الجهاد لكي يتقدس كلاهما ويكون كلاهما مستحقًا ليرث الحياة الأبدية. لكي يجهد الجسد في الصوم الدائم والعمل والسهر المستمر والروح أيضًا في التدريبات الروحية واليقظة في كل ممارسات الخدمة التي تمارس خلال الجسد. وهذه الممارسات التي يجب أن تكون في خوف الله وبحماس في كل أعمال الجسد إذ ما أردنا أن نحصل على الثمار. (من الرسالة الأولى). ![]() 2- إن قيادة الإنسان التائب هي لممارسة العمل الروحي، فإن الروح القدس الذي قاد ذلك الإنسان للتوبة هو الذي يمنحه أيضًا التعزيات وأن يعلمه ألا يرتد للخلف ولا يرتبط بأي شيء من أشياء هذا العالم. ولهذه النهاية فإنه يفتح عيني النفس ويجعلها تبصر جمال الطهارة التي يصل إليها خلال أعمال التوبة وبهذا الأسلوب فإن الروح القدس يزرع فيه الحماس لإكمال تطهير النفس والجسد. لأن الاثنين (النفس والجسد) يجب أن يكونا واحدًا في الطهارة لأن هذه هي تعاليم وقيادة الروح القدس. وهو أن يظهرها بالتمام وأن يعود بها إلى حالتها الأولى التي كانا عليه قبل السقوط وذلك عن طريق سحق كل أعمال الزنا التي زرعها حسد الشيطان. وعندئذ لا يبقى أي عمل من أعمال الشياطين فيهم. وعندئذ يصير الجسد خاضعًا ومطيعًا لما يمليه العقل في كل شيء والعقل يسود على الجسد لتحديد طعامه وشرابه ونومه وكل فعل من أعماله ودائمًا يتعلم من الروح القدس كيف يسود على الجسد ويقود الجسد للخضوع. 3- إنه معروف أن الجسد له ثلاث تحركات شهوانية، التحرك الأول من الطبيعة الموجودة في الجسد وهو لا يوجه أي خطية بدون موافقة النفس وفقط يجب أن تعرف أنه موجود في الجسد ذلك التحرك الطبيعي والتحرك الثاني الموجود في الجسد الذي يتولد من الأكل والشرب الزائد حين تتولد حرارة الدم فإن الجسد يثور لكي يحارب ضد النفس ويحثها نحو الشهوة الدنسة. حيث يقول الرسول بولس: "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة" (أف 18:5)، وهكذا فإن الرب يطلب من تلاميذه في الإنجيل: "فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر" (لو 34:21) ولأولئك الرهبان والنشطاء لكي يصلوا إلى قامة الملء في القداسة والطهارة يجب أن ينتبهوا دائمًا لكي يحفظوا أنفسهم حتى يقولوا مع الرسول بولس: "أقمع جسدي وأستعبده" (1كو 27:9) أما التحرك الثالث فإنه يأتي من الأرواح الشريرة التي تحاربنا بدافع الحسد وتحاول أن تضعف أولئك الذين وجدوا الطهارة أو لكي تطرح من طريق الطهارة أولئك الذين يرغبون أن يدخلوا في باب الطهارة. 4- مع ذلك لو أن الإنسان سلم نفسه بالصبر والإيمان غير المنحرف نحو تنفيذ وصايا الله، فإن الروح القدس سوف يعلم عقله كيف يطهر نفسه وجسده من مثال هذه الإثارات. ولكن لو حدث في أي وقت أنه ضعف في شعوره وسمح لنفسه أن يهمل الوصايا والأوامر التي يتلقاها فإن الأرواح الشريرة سوف تبدأ أن تصرعه وسوف تضغط على كل أجزاء الجسد وسوف تقودها إلى الإثارة حتى تقود النفس إلى حالة لا تستطيع فيها أن ترجع وفي يأس النفس سوف لا تعرف كيف تأتى المعونة. ولكن في تعقلها سوف ترجع ثانية إلى الوصايا وسوف تحمل النير وتخضع للروح القدس وسوف تقتنى تدبير الوحدة وعندئذ سوف تفهم النفس أنها يجب أن تطلب السلام في الله فقط، وهذا هو فقط السلام الممكن الحصول عليه. 5- إن الجهاد لأجل نوال الطهارة الكاملة هو ما نحتاج إليه لكي نحمل أتعاب التوبة في كل من النفس والجسد بتوافق وتساوى. وحينما ينال العقل مثل هذه النعمة فإنه يستطيع أن يدخل معركة الجهاد ضد الشهوات بدون الانغماس الذاتي وسوف ينال العقل التوجيهات والتعزيات من الروح، وبمساعدة الروح القدس فإنه بنجاح ينزع من النفس كل حركات النجاسة التي تأتى من شهوات القلب. إنه بالإتحاد مع العقل أو مع نفسه والروح القدس فإن هذه الروح تساعد الإنسان في تنفيذ الوصايا التي يكون قد تعلمها بأن توجهه بأن ينزع من النفس كل الشهوات سواء تلك التي تأتى من الجسد أو من ذواتها وتوجد مستقلة في الجسد. وهى تعلم الإنسان أن يحفظ كل جسده مطيعًا (للوصية) من الرأس حتى القدم، وأن يعلم عينيه أن تنظر بطهارة وأذنيه أن تصغيا بسلام وأن لا تتلذذا بالوشايات والإدانات وذم الآخرين وأن يعلم لسانه ألا يقول إلا الصالح وأن يزن كل كلمة وألا يسمح لأي كلمة شهوانية أو غير طاهرة أن تمتزج بحديثه وأن يتحرك اللسان أولًا لكي يرتفع في الصلاة ولأعمال الرحمة، وإن يعلم المعدة أن تتناول الطعام والشراب بمقدار وألا تسمح إلا بتناول ما هو ضروري فقط لكي تعول الجسد ولا تدع الشهوة أو النم يتسرب إليها. وأن تعلم القدم أن تسير في البر حسب مشيئة الله هادفة لخدمة الأعمال الصالحة، وبهذا الأسلوب فإن الكل يتعود لكل صلاح وأن يخضع لقوة الروح القدس وبالتدريج فإنه سوف يتغير حتى يصل في النهاية أن يشترك في ذلك القياس في ذلك الجسد الروحاني الذي سوف تأخذه في القيامة العادلة. 6- بكل قوتي أصلى إلى الله من أجلكم لكي يرسل إلى قلوبكم ذلك الروح الناري الذي من أجله جاء الرب يسوع لكي يرسله للأرض (لو 49:12) حتى يكون لديكم القدرة أن تسيطروا بالحق على مقاصدكم وحواسكم وأن تميزوا بين الخير والشر. 7- حينما تهب الريح بهدوء فإن كل بحّار يستطيع أن يفكر في نفسه أنه شيء ويفتخر بمهارته ولكن فقط التغير المفاجئ للريح هو الذي يكشف مهارة البحارة. 8- إن الله يقود الكل خلال عمل نعمته ولذلك لا تكن كسلانًا أو متبلدًا ولكن أدعُ الله نهارًا وليلًا لكي يرسل لك الله محب البشر معونة من فوق لكي يعلمك ما يجب أن تفعله " لا تعطوا لأعينكم نومًا ولا لأجفانكم نعاسًا" (مز 131:4) وفي حماسك حتى تقدم نفسك طاهرة كتقدمة طاهرة حتى نراه " اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب، كما يقول الرسول بولس (عب 14:12). 9- دعنا نستيقظ من النوم طالما نحن ما نزال في الجسد. دعنا نصرخ على أنفسنا ونبكى على ذواتنا من كل قلوبنا ليلًا ونهارًا لكي نتحرر من العذاب الرهيب والبكاء والعويل والنار التي لا نهاية لها. ليتنا نحذر من الباب الواسع والطريق الذي يقود للهلاك الذي يسير فيه الكثيرون ولكن دعنا نسير في الباب المستقيم والطريق الضيق الذي يقود للحياة وقليلون هم الذين يسيرون فيه. والذين يتبعون ذلك الطريق الأخير هم الفعلة الحقيقيون الذين يحصلون على المكافأة لجهادهم بفرح وسوف يرثون الملكوت. وأما أولئك الذين لم يستعدوا بعد للاقتراب منه فأنا أتوسل إليهم ألا يصيرون مهملين مادام يوجد وقت لئلا يجدوا أنفسهم في ساعة الاحتياج بلا زيت ولا يجدون من يبيع لهم. وهذا ما حدث للخمس عذارى الجاهلات اللاتي لم يجدن من يشترون منه وعندئذ صرخن وبكين قائلات: "يا سيد يا سيد أفتح لنا فأجاب وقال الحق أقول لكن إني ما أعرفكن" (مت 11:25-12) وهذا قد حدث للخمس عذارى الجاهلات ليس لسبب أخر غير الجسد. إنهن نمن أخيرًا وبدأن تشغلن أنفسهن ولكن بلا فائدة لأن رب البيت قد جاء وأغلق الباب كما هو مكتوب. ![]() * نستقى من تعاليم الأنبا أنطونيوس من خلال ما كتبه الأنبا أثناسيوس عن حياته... نقطتف هذا الجزء. * وفي أحد الأيام إذ خرج، لأن جميع الرهبان اجتمعوا إليه وطلبوا أن يسمعوا كلماته وخاطبهم باللغة المصرية قائلًا إن الأسفار المقدسة كافية للتعلم ولكنه جميل تشجيع الواحد لآخر في الإيمان وإنهاضه بالكلام لذلك أطلب كبنين أن تحملوا ما تعرفونه إلى أبيكم، وأنا كأخيهم الأكبر أشارككم معرفتي وما علمني إياه الاختبار، ليكن الهدف العام للجميع بصفة خاصة أن لا تتراجعوا بعد أن بدأتم، أو تخور عزائمكم في الضيق ولا تقولوا: لقد عشنا طويلًا في النسك بل بالحري لنزدد غيرة كأننا كل يوم مبتدئين لأن كل حياة الإنسان قصيرة جدًا إن قيست بالدهور القادمة، ثم إن كان زماننا ليس شيئًا إن قيس بالحياة الأبدية. وفي العالم كل شيء يباع بثمنه، والإنسان يبادل السلعة بنظيرها، أما وعد الحياة الأبدية فيشترى بأمر زهيد جدًا لأنه مكتوب " أيام حياتنا فيها سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون سنة وما زاد على هذه فهو عناء وحزن " لذلك فحينما نعيش ثمانين سنة كاملة أو حتى مائة في النسك فإننا لا نملك مائة سنة فقط بل نملك إلى الأبد بدلًا من مائة سنة. ورغم أننا جاهدنا على الأرض فإننا لا ننال ميراثنا على الأرض بل ننال المواعيد في السماء وإذا ما خلعنا الجسد الفاسد نسترده غير فاسد. * لذلك يا أبنائي يجب أن لا نُكل، أو نحسب الزمن طويلًا، أو أننا نعمل أمرًا عظيمًا "لأن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا". كذلك يجب أن لا نظن ونحن ننظر إلى العالم إننا قد تركنا شيئًا ذا أهمية كبيرة، لأن كل الأرض تافهة جدًا إذا قيست بكل السماء. وحتى لو كنا أسيادًا على كل الأرض وتركناها كلها فإنها لا تقاس بالمرة بملكوت السماء. لأنه كما أن الإنسان يحتقر درهمًا من نحاس لكي يربح مائة درهم من ذهب هكذا لو كان سيدًا لكل الأرض وتركها فإن ما يتركه زهيد وينال مائة ضعف. إن كانت كل الأرض لا توازى السموات في قيمتها فأن من يترك أفدنة قليلة كأنه لم يترك شيئا. حتى إن كان قد ترك بيتًا أو ذهبًا وفيرًا وجب ألا يفتخر أو يكتئب. * والأكثر من هذا يجب أن ندرك بأننا حتى إن لم نتركها من أجل الفضيلة فإننا فيما بعد حينما نموت سوف نتركها وراءنا -في غالب الأحيان- لمن لا نحب كما يقول الجامعة. إذن فلماذا لا نتركها من أجل الفضيلة لكي نرث ملكوتًا؟ * لهذا يجب أن لا تتملك على أي واحد رغبة الامتلاك، لأنه أي ربح نجنيه من الحصول على تلك الأشياء التي لا نستطيع أخذها معنا؟ ولماذا لا نحصل بالحري على تلك التي نستطيع أخذها معنا: الحكمة، والتعقل، العدل، الاعتدال والشجاعة والفهم والمحبة والرحمة على الفقراء والإيمان بالمسيح والتحرر من الغضب، وكرم الضيافة؟ إن امتلكنا هذه وجدناها من تلقاء ذاتها تعد لنا ترحيبًا هناك في أرض الودعاء. ![]() * وهكذا على المرء أن يقنع نفسه من أمثال هذه الأمور بأن لا يستخف بها سيما إذا عرف أنه هو نفسه خادم الرب، ويجب أن يخدم سيده. وكما أن الخادم لا يتجاسر على القول، لم أعمل عملًا اليوم لأنني عملت بالأمس، ولم أعمل عملًا في المستقبل نظرًا لما عملته في الماضي، ولكنه كما هو مكتوب يظهر كل نفس الاستعداد لإرضاء سيده وتجنب الخطر، هكذا يجب علينا كل يوم أن نلبث ثابتين في نسكنا، عالمين بأننا إن تغافلنا يومًا واحدًا لا يغفر لنا الرب من أجل الماضي، بل يغضب علينا من أجل تغافلنا، كما سمعنا أيضًا في حزقيال، وكما أضاع يهوذا تعبه السابق بسبب ليلة واحدة * لذلك يا أبنائي وجب أن نتمسك بنسكنا ولا نتغافل. لأن الله عمل معنا فيه، كما هو مكتوب "كل الذين يختارون الخير الله يعمل معهم الخير" ولكن لكي نتجنب حركة التراخي والإهمال يحسن بنا أن نتذكر كلمة الرسول "أموت كل يوم"،لأننا نحن أيضًا إن كنا نعيش كأنما نمات كل يوم يجب أن نعتبر بأننا سوف لا نقوم. لأن حياتنا غير مؤكدة بطبيعة الحال. والعناية الإلهية تهبها لنا كل يوم. إن رتبنا حياتنا اليومية على هذا المنوال فلن نسقط في الخطية، أو نشتهى أي شيء، أو نحقد على أحد، أو نكدس أي كنز على الأرض. بل -كأننا نتوقع الموت كل يوم- نكون بلا ثروة ونغفر كل شيء لكل الناس ولن تكون لنا على الإطلاق شهوة للنساء أو لأية لذة قذرة أخرى بل نتحول عنها كإننا قد عبرت وولت، ونجاهد دومًا متطلعين بصفة مستمرة إلى "يوم الدينونة" لأن الخوف من عذاب يخلنا من الشهوات ويدعم النفس إن كانت على وشك السقوط. * وإذ قد بدأنا السير في طريق الفضيلة فعلًا، وسرنا فيه، وجب أن نزداد جهادًا للحصول على تلك الأمور التي أمامنا ويجب أن لا يلتفت أي امرئ إلى الأمور التي خلفه كامرأة لوط، سيما وقد قال الرب "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" وهذا الالتفات إلى الوراء ليس إلا الشعور بالندم والتفكير في العالم مرة أخرى لكن لا تخافوا من أن تسمعوا عن الفضيلة، ويدهشنكم اسمها، فهي ليست بعيده عنا ولا هي خارجة عنا، بل هي في داخلنا. وهى ميسورة لو إننا أردنا. لكي يحصل اليونانيون على المعرفة فإنهم يعيشون في الخارج ويعبرون البحار، أما نحن فلا داعي لكي نرتحل عن أوطاننا من أجل ملكوت السماء، أو نعبر البحار من أجل الفضيلة. لأن الرب سبق أن قال "ملكوت الله داخلكم". * وطالما كانت الفضيلة فينا وتنشأ منا. لذلك فإنها لا تتطلب منا سوى الإرادة لأنه إذا أدت النفس وظيفتها الروحية في حالة طبيعته نشأت الفضيلة. وهى تكون في حالة طبيعية إذا لبثت كما أتت إلى الوجود كانت جميلة ومتزايدة في النيل لأجل هذا قال يشوع بن نون للشعب في نصحه "اجعلوا قلوبكم مستقيمة نحو الرب إله إسرائيل" وقال يوحنا "اصنعوا سبله مستقيمة، لأن تقويم النفس يتضمن جعل ناحيتها الروحية في حالتها كما خلقت. ولكنها من الناحية الأخرى إن انحرفت وتباعدت عن حالتها الطبيعية فهذا ما يدعى رذيلة النفس. * وهكذا ترى أن المسألة ليست عسيرة فإننا إن لبثنا كما خلقنا صرنا في حالة الفضيلة أما إذا فكرنا في الأمور السالفة حسبنا أشرارًا ولذلك لو كان هذا الأمر لابد من الحصول عليه من الخارج لكان عسيرًا حقًا أما إن كان فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الدنسة، كما أننا قبلنا النفس وديعة فلنحفظها للرب لكي يدرك أن عمله هو بعينه كما خلقه. * ولنحرص على أن لا يتملك علينا الغضب أو تغلبنا الشهوة لأنه مكتوب "إن غضب الإنسان لا يصنع بر الله. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا". وإذ نعيش هكذا فلنأخذ كل حذرنا، وكما هو مكتوب "لتحفظ قلوبنا بكل حرص، لأن لنا أعداء مروعين في غاية الدهاء -الأرواح الشريرة- ومصارعتنا معها كما قال الرسول، ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على هذه الظلمة مع أجناد الشر الروحية في السماويات". وما أكثر عددها في الهواء المحيط بنا وهى ليست بعيدة عنا. ويمكن ذكر الكثير عن طبيعتها والفوارق التي بينها على أن وصفا كهذا يترك لغيرنا ممن هم أقدر منا، أما في هذا الوقت فمن المحتم والضروري لنا أن نعرف فقط حيلها ضدنا. * لذلك يجب أولًا أن نعرف هذا، أن الشياطين لم تخلق بالحالة التي نعنيها عندما ندعوها بذلك الاسم لأن الله لم يخلق شيئًا شريرًا، بل حتى هي خلقت صالحة، ولكنها إذ سقطة من الحكمة السماوية فإنها منذ ذاك الوقت تعيش في الأرض فسادًا، فهي قد أضلت الأمم بحبائلها المختلفة، ثم أنها بسبب حسدها لنا نحن المسيحيين تحرك كل الأشياء بحسب هوائها لصدنا عن دخول السماويات، لكي لا نصعد إلى المكان الذي منه سقطت. وهكذا تدعو الحاجة إلى الصلاة والنسك حتى - وإذا ما حصل المرء على موهبة تمييز الأرواح كانت له القدرة على معرفة مميزاتها، ليدرك أيها أقل شرًا وأيها أكثر. وما هي طبيعة جهاد كل منها وكيف يمكن دحض وطرح الفاسد منها خارجًا لأن خبثها وحيلها كثيرة ولقد عرف الرسول المغبوط أمثال هذه الأمور حينما قال "لأننا لا نجهل حيله" أما نحن فمهما قاسيناه على أيديها من التجارب وجب أن نصلح من شأن بعضنا بعضًا. ولذلك فإنني أتحدث كما إلى بنى عن أمور لدى البرهان عليها باختبارات عملية. * ولذلك أن رأت الشياطين كل المسيحيين، سيما الرهبان، مجدين بابتهاج، متقدمين فإنها أولًا تهجم بالتجربة، وتضع الصعاب لعرقلة طريقها، وتحاول أن تنفث فينا الأفكار الشريرة ولكن لا مبرر للخوف من إغراءاتها لأن هجومها يرتد خائبًا في الحال بالصلاة والصوم والإيمان بالرب. ولكنه حتى إن ارتدت خائبة فإنها لا تسكت بل ترجع ثانية بمكر وخبث ودهاء. فهي إن عجزت عن خداع القلب بالذات الدنسة صراحة اقتربت في صور مختفية مختلفة، ومن ثم حاولت أن تبعث الرعب والفزع مغيرة أشكالها، ومتخذة صورًا متعددة متباينة ولكن حتى إذا ظهرت بهذه المظاهر لكم فإنها ليست شيئا، ولابد أن تختفي في الحال، سيما إن كان المرء قد سبق فحص نفسه بالإيمان وعلامة الصليب. ومع ذلك فإنها إن غلبت على أمرها هكذا هجمت بكيفية أخرى، وادعت التنبؤ بالمستقبل وذلك لكي تخدع بهذه المظاهر من لم ينخدع. * ثم قال إنها كثيرًا ما ظهرت كما كشف الرب إبليس لأيوب قائلًا وعيناه كهدب الصبح. من فمه تخرج مصابيح، شرر نار تتطاير منه من منخريه يخرج دخان كأنه من قدر منفوخ أو من مرجل. نفسه يشعل جمرًا. "ولهيب يخرج من فيه" وعندما يظهر رئيس الشياطين على هذا المثال، فإن المحتال الكثير الدهاء - ينفث الرعب بالتكلم بعظائم كما استذنبه الرب قائلًا لأيوب "يحسب الحديد كالتبن والنحاس كالخشب النخر. يحسب البحر كقدر عطارة. وعمق الهاوية كأسير والهاوية كطريق مغطى" وقال النبي "قال العدو أتبع أدرك" وقال آخر أيضًا "أقبض على كل الأرض في يدي كعش وأجمعها كما يجمع بيض مهجور. * وهكذا نرى بالإيجاز افتخارها وادعاءاتها لكي تخدع الأتقياء ولكن مع كل ذلك يجب علينا نحن المؤمنين أن لا نخاف مظاهره أو نأبه بكلماته. لأنه كذاب، ولا يتكلم كلمة واحدة صادقة على الإطلاق. ورغم تعظمه في تبججه بكلمات هذه كثرتها فإنه بلا شك اصطيد بشص كتنين بواسطة المخلص، وأوثقت خياشيمه بخِزامة كهارب. وثقبت شفتاه بمثقب وقد أوثقه الرب كعصفور لكي نهزأ به. وقد وضعت معه الشياطين رفقاءه كحيات وعقارب نطأها نحن المسيحيين تحت الأقدام. والدليل على هذا إننا نعيش الآن بالرغم منه. لأن ذاك الذي هدد بأن يجفف البحر ويقبض على العالم هوذا الآن لا يستطيع أن يثبت أمام نسك الأتقياء، ولا أمامي إذ أتكلم ضده. إذا فلا نأبه بكلماته لأنه كذاب. ولا نخش رؤياه إذ أنها في حد ذاتها خادعة. لأن ما يظهر فيها ليس نورًا حقيقيًا بل هي بالأحرى مقدمة وعينه للنار المعدة للشياطين التي تحاول إزعاج البشر بتلك اللهب التي سوف تحترق فيها. لا شك في أنها تظهر، ولكنها في لحظة تختفي ثانية دون أن تؤذى أحدًا من المؤمنين بل تحمل معها شبه تلك النار التي سوف تنالها هي نفسها، لأجل هذه الأسباب لا يليق بنا أن نخشاها، فكل محاولتها فاشلة بنعمة المسيح. * ثم أيضًا هي مخادعة وهى مستعدة لتغيير نفسها في كل الأشكال واتخاذ كل المظاهر، وهى أيضًا دون أن تظهر -كثيرًا ما قلدت نغمات القيثار والصوت ورددت كلمات الكتاب المقدس. وفي وقت آخر تتخذ شكل الرهبان وتتظاهر بكلام القديسين لعلها بأشباههم تخدع فرائسها وتجرها حيث أرادت- ولكن يجب أن لا يؤيه لها حتى لا يوجد مشاقة إذا أوعزت إلينا أن لا نأكل على الإطلاق أو وبختنا وخجلتنا من أجل تلك الأمور التي أباحها لنا في الماضي. لأنها لا تفعل هذا من أجل التقوى والحق بل لكي تحمل البسطاء على اليأس ولكي تقول إن النسك لا فائدة منه. وتجعل الناس يكرهون حياة الوحدة كأمر شاق وحمل ثقيل، وتعطل أولئك الذين يسلكون فيها بالرغم منها. * والرب نفسه، حتى مع تكلم الشياطين بالحق، لأنها بحق قالت "أنت ابن الله"، كمم أفواهها ولم يدعها تتكلم، لئلا تزرع شرها مع الحق، ولكي يعودنا أن لا نبالي بها على الإطلاق حتى إذا بدا أنها تتكلم بالحق، لأنه لا يليق بنا بعد الحصول على الأسفار المقدسة والحرية من المخلص أن نتعلم من إبليس الذي لم يحفظ رتبته بل انتقل من فكر إلى آخر. ولذلك فمع استعماله لغة الكتاب المقدس فقد منعه الرب قائلًا: "وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك". * قال المخلص " إبليس قتال للناس من البدء وأب الرذيلة " بالرغم من هذا فإننا نعيش ونقضى حياتنا متزايدين في مقاومته فمن الواضح أنها عديمة القوة، فهي تنظر إلينا كأصدقاء حتى تعفو عنا، ولا هي محبة للصلاح حتى تصلح من شأنها وتعدل عن رأيها، بل هي بالعكس شريرة ولا تسعى وراء شيء سوى جرح من يحبون الفضيلة ويتقون الله ولكن نظرًا لأنها لا قوة لها لعمل شيء، فإنها لا تفعل شيئًا سوى الوعيد. فلو كانت قادرة لما ترددت بل فعلت الشر في الحال (لأن كل رغبتها منصرفة ضدنا). * هوذا نحن الآن مجتمعون معًا، ونتكلم ضدها، وهى تعرف بأننا كلما تقدمنا ازدادت ضعفًا. فلو كانت لديها قوة لما سمحت لأي واحد منا نحن المسيحيين أن يعيش، لأن التقوى مكرهة الخاطئ. * لذلك أبكم الرب أفواه الشياطين، وخليق بنا إذ قد تعلمنا من القديسين أن نفعل مثلهم ونقتدي بشجاعتهم لأنهم عندما كانوا يرون هذه الأمور كانوا يقولون "ولكنى كنت كأصم لا أسمع وكأبكم لا يفتح فمه وصرت كإنسان لا يسمع". * ومنذ افتقاد الرب للأرض سقط العدو وضعفت قوته - وإن الشيطان إذ لم يستطع أن يفعل شيئًا فإنه كطاغية لم يحتمل سقوطه بهدوء بل هدد، مع أن تهديداته لم تكن سوى كلمات "لأنه كذاب وأبو كل كذاب". * ولكن إن قال واحد وهو يذكر قصة أيوب: لماذا إذًا خرج إبليس وتمم كل شيء ضده وجرده من كل ممتلكاته، وقتل بنيه، وضربه بقروح ردية؟ فليذكر مثل هذا من الناحية الأخرى إن إبليس لم يكن هو القوى بل الله الذي سمح له أن يستلم أيوب لامتحانه. يقينا أنه لم تكن لديه قوة لعمل شيء ولكنه طلب، وإذ أجيب إلى طلبه فعل ما فعل. وبهذا نفسه يكون ضعف العدو إذ أنه لم يقدر على شخص بار واحد. لأنه لو كانت له قوة لما طلب الإذن. أما وقد طلب لا مرة واحدة بل مرة أخرى أيضًا فقد بين شغفه وافتقاره إلى القوة وليس عجيبًا إن عجز عن أن يفعل شيئًا ضد أيوب إن كان الهلاك لم يحل حتى بمواشيه لو لم يكن الله سمح بذلك وليس لديه سلطان على الخنازير لأنه مكتوب في الإنجيل أن الشياطين طلبت من الرب قائلة " إئذن لنا أن ندخل الخنازير "فبالأولى جدًا ليس لها سلطان على البشر الذين قد تكونوا على صورة الله. * إذ أوجب أن نخاف الله فقط، ونحتقر الشياطين ولا نرهبها إذ أنها تخشى الصوم والسهر والصلوات، والوداعة، والهدوء، واحتقار المال والمجد الباطل، ومحبة المساكين، والصداقة، وتحرر النساك من الغضب، وفوق الكل تقواهم نحو المسيح، لذلك فهي تفعل كل شيء لكي لا يكون هناك من يطؤها إذ تعرف النعمة المعطاة للمؤمنين ضدها بواسطة المخلص حينما قال " ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو". ![]() * وإن ادعت التنبؤ بالمستقبل وجب أن لا يلتفت إليها أحد، فمثلًا قد تعلن مقدمًا أن الأخوة قادمون بعد بضعة أيام فيأتون فعلًا وعلى أي حال فإن الشياطين لا تفعل هذا لاهتمامها بالسامعين بل لكي تنال ثقتهم وبعد ذلك قد تهلكهم إذ تستحوذ عليهم في سلطتها لهذا يجب أن لا نصغي إليها. بل بالحري أن نخرسها إذ تتكلم، فنحن لسنا في حاجة إليها، بل أي عجب إن كانت وهى بأجسادها الأكثر دهاء من أجساد البشر عندما ترى الإخوة يبدأون أسفارهم تتقدم عنهم بسرعة وتعلن مجيئهم وكما أن راكب الحصان عندما يسبق السائر على قدميه يعلن مقدمًا قدومهم هذا الآخر، كذلك لا داعي للتعجب منها في هذا الصدد. لأنها لا تعرف شيئًا لم يوجد بعد في الوجود. ولكن الله وحده هو الذي يعرف كل الأشياء قبل ولادتها. أما هذه فإنها تركض أولًا وتعلن ما ترى. فقد أعلنت فعلًا خدمتنا للكثيرين، أعلنت أننا مجتمعين معًا نتناقش في بعض الإجراءات ضدها، وذلك قبل أن يستطيع أي واحد منا أن يذهب وينبئ بهذه الأمور. والواقع أن هذا ما يستطيع فعله أي فتى رشيق الحركة عندما يسبق شخصًا أقل حركة. ولكن ما أقصده هو هذا: أنه أن بدا شخص يسير من طيبه أو من أي منطقة أخرى فإنها قبل أن يبدأ المسير لا تستطيع معرفة اتجاه مسيره. ولكنها عندما تراه سائرًا تسرع وتعلن اقتراب وصوله قبل أن يصل. وهكذا يحدث أن يصل المسافرون بعد ذلك بضعة أيام. ولكن كثيرًا ما يحدث أن السائرين يرجعون فيتضح كذب الشياطين. * هكذا أيضًا فيما يختص بمياه النهر، فالشياطين في بعض الأحيان تعطى بيانات خاطئة فإذ هي ترى أمطارًا كثيرًا في مناطق أثيوبيا، وهى تعرف أنها هي سبب فيضان النهر، فإنها تسرع وتعلن الأمر قبل وصول المياه إلى مصر. وهذا ما يستطيع البشر أن يخبروا به لو كانت لهم نفس قوة الركض كالشياطين. * هكذا انتشرت في الأيام الماضية أقوال الوثنيين الذين أضلتهم الشياطين. على أن ضلالتهم قد وضعت عند حد بمجيء الرب الذي أبطل مكايدهم. لأنها لا تعرف شيئًا من تلقاء ذاتها، بل كلصوص تعرف ما يتصادف أن تعرفه ممن تمر بهم، وهى لا تتنبأ بالحوادث بل بالحري تتكهن. * ولذلك فإن تكلمت بالصدق أحيانًا وجب أن لا يتعجب أحد من هذا. فالأطباء المحنكون أيضًا إن رأوا مرضًا واحدًا في أشخاص مختلفين كثيرًا ما ينبئون به ويكشفون عنه بخبرتهم وربان السفن والملاحون لتعودهم على الجو يستطيعون بنظرة واحدة بسيطة أن يخبروا عن حالة الجو ويتنبأون إن الجو كان سيصير عاصفًا أو لطيفًا. ولن يستطيع أحد القول إنهم يفعلون هذا بوحي أو إلهام إنما من الاختبار والتمرين. * وهكذا إن فعلت الشياطين نفس الأمر بالتكهن فلا يتعجب أحد من الأمر أو يصغى إليها. لأنه أية منفعة للسامعين أن يعرفوا منها قبل الوقت ما سوف يحدث؟ أو أية أهمية أن نعرف مثل هذه الأمور حتى ولو كانت المعرفة صحيحة؟ فهي ليست ثمرة الفضيلة، ولا هي أية علامة على الصلاح. لأنه لا يدان أحدًا بسبب ما لا يعرفه ولا يقال عن أحد أنه مبارك لأن لديه علمًا ومعرفة. بل يدعى كل واحد للدينونة في هذه الناحية: هل حفظ الإيمان وأتبع الوصايا بحق؟ * يجب ألا نصلى لكي نعرف المستقبل، أو نطلب هذه المعرفة كأجر لنسكنا، بل لتكن صلاتنا لكي يكون الرب معنا معينًا لنا للنصرة على إبليس، وإن حدث إننا رغبنا مرة في معرفة المستقبل لمجد الله فلنكن طاهري الذهن، لأنني اعتقد أنه إن تطهرت النفس تمامًا، وكانت في حالتها الطبيعية، استطاعت أن ترى أكثر وأبعد من الشياطين لنقاوة نظرها، ولأن الرب يعلن لها، كنفس إليشع التي رأت جيوش الملائكة واقفة بجوارها. * وحتى إن مدحت نسككم ودعتكم كمباركين فلا تصغوا إليها ولا تكن لكم معاملات معها. بل بالأحرى ارشموا ذواتكم وبيوتكم، وصلوا تجدوها قد انقشعت. لأنها في غاية الجبن، وتخشى جدًا علامة صليب الرب طالما كان الرب قد جردها بالحق وأشهرها جهارًا. أما إذا ثبتت بلا خجل، مغيرة هيئتها وشكلها فلا تخشوها ولا تنزعجوا، ولا تستمعوا إليها كأنها أرواح صالحة. لأنه بمساعدة الله يسهل تمييز وجود الخير أو الشر، فرؤية القديسين لا تقترن بالذهول أو الحيرة " لأنهم لا يخاصمون ولا يصيحون ولا يسمع أحد في الشوارع صوتهم". إذ تأتى بهدوء ورقة حتى أنه للحال يحل في النفس الفرح والبهجة والشجاعة لأن معهم الرب الذي هو فرحنا، فتبقى أفكار النفس غير مضطربة أو منزعجة، إذ تتملكها محبة الإلهيات ومحبة الأشياء العتيدة. ولكن إن كان البعض -وهم بشر- يخافون رؤية الصالحين فإن الذين يظهرون ينزعون الخوف في الحال كما فعل جبرائيل في حالة زكريا وكما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند القبر المقدس وكما فعل ذاك الذي قال للرعاة في الإنجيل " لا تخافوا " فخوفهم لم ينشأ عن الجبن بل عن الإحساس بحضور كائنات أعلى. إذًا فهذه هي طبيعة رؤية الصالحين. * أما إغارات الأرواح الشريرة ومظاهرتها فتكون مقترنة بالاضطراب والطنين، وأصوات وصراخ، كالشغب الذي يحدث من الصبية الأردياء. ومن ذلك ينشأ الخوف في القلب والاضطراب في الفكر والكآبة وكراهية الذين يعيشون حياة النسك، وعدم المبالاة والحزن وتذكر الأهل، والخوف من الموت، وأخيرًا الرغبة في الشرور، وعدم احترام الفضيلة، والعادات غير المستقرة. * لذلك فكلما رأيتم أي شيء وخفتم، فإن انتزع خوفكم في الحال، وحل محله الفرح الذي لا يعبر عنه، والغبطة والشجاعة والقوة المتجددة وهدوء الفكر وكل ما ذكرته سابقًا والجرأة والمحبة من نحو الله، فتشجعوا وصلوا لأن الفرح واستقرار النفس وطمأنينتها تدل على قداسة ذاك الذي حل. هكذا فرح إبراهيم عندما رأى الرب ويوحنا أيضًا فرح عند سماع صوت مريم حاملة الله. * أما إذا حدث عند ظهور أي شخصية اضطراب، وصخب ومظاهر عالمية، وتهديد بالموت وما إلى ذلك فأعلموا أن هذا هجوم من الأرواح الشريرة. * ولتكن هذه أيضًا علامة لكم. إذا ما بقيت النفس منزعجة كان هذا ومعناه وجود الأعداء. لأن الشياطين لا تنزع الخوف المنبعث من حلولها كما فعل رئيس الملائكة العظيم جبرائيل مع مريم وزكريا. وكما فعل ذلك الذي ظهر للنسوة عند القبر. ولكنها بالحري كلما رأت الناس خائفين إذ ازدادت في طغيانها لكي يزدادوا خوفًا وفي أخر هجوم تهزأ بهم قائلة خروا واسجدوا. هكذا أضلت الوثنيين، وهكذا اعترفوا بها آلهة، زورًا وبهتانًا. أما الرب فلن يسمح لنا بأن يضللنا إبليس. لأنه كلما صوب نحوه ضلالات كهذه انتهره قائلًا اذهب عنى يا شيطان "لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". * إذًا فلنحتقر المضل أكثر فأكثر، لأن ما قاله الرب، فعله من أجلنا حتى إذا ما سمعت الشياطين منا كلمات مماثلة هربت من قبل الرب الذي أنتهرها بتلك الكلمات. * ثم لا يليق الافتخار بإخراج الشياطين، ولا الانتفاخ بشفاء الأمراض كذا لا يليق أن يرفع من شأن من يخرج الشياطين، أو أن يحقر من شأن من لا يخرجها، بل ليعرف المرء نسك كل واحد، لأن عمل الآيات ليس من اختصاصنا بل هو عمل المخلص، ولذا فقد قال لتلاميذه "لا تفرحوا بهذا إن الأرواح تخضع لكم بل أفرحوا أن أسمائكم كتبت في السموات" لأن كتابة أسمائنا في السموات دليل على حياتنا الفاضلة، أما إخراج الشياطين فهو هبة من المخلص الذي وهبها. أما أولئك الذين افتخروا بالآيات لا بالفضيلة وقالوا " يا رب باسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة " فقد أجابهم " الحق أقول لكم إنى لا أعرفكم"، لأن الرب لا يعرف طريق الأئمة لكن يجب علينا أن نصلى دومًا، كما قلت أنفًا، لكي نحصل على موهبة تمييز الأرواح، حتى كما هو مكتوب لا نصدق كل روح. * كنت أود أن لا أطيل الكلام، ولا أقول شيئًا من عندي اكتفاء بما ذكرت، ولكن لئلا تظنوا إنني أتكلم كيفما أتفق، أو أخبط عشوائيًا أو تتوهموا إنني أسرد هذه التفاصيل بدون خبرة أو بعيدًا عن الصواب لأجل هذا ولو صرت كغبي إلا أن الرب الذي يسمع يعرف نقاوة ضميري، وإنني لست من أجل نفسي بل من أجل محبتكم لي وإجابة لطلبكم أخبركم مرة أخرى ما رأيته من تصرفات الأرواح الشريرة. فكم من مرة دعتني مغبوطًا فانتهرتها باسم الرب، كم من مرة تنبأت بارتفاع النهر فأجبتها " ما لكم به". ومرة أتتني مهددة، وأحاطت بي مسلحة تمام التسليح. ومرة أخرى ملأت البيت خيلًا وحيوانات برية وزحافات، هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل. أما نحن باسم الرب إلهنا نفتخر، ولدى الصلاة هربت بقوة الرب. ومرة أتت في الظلام وقالت " أتينا لنقدم إليك نورًا يا أنطونيوس. أما أنا فأغمضت عيني وصليت، وللحال أنطفأ نور الأشرار. وبعد ذلك ببضعة شهور أتت كأنها ترنم المزامير وتتحدث بكلمات الكتاب أما أنا فكأصم لم أسمع". ومرة هزت الصومعة بزلزلة، ولكنني استمررت أصلى بقلب لا يتزعزع. بعد هذا جئت ثانية مزمجرة تصفر وترقص. ولكن إذا صليت واضطجعت مرنمًا المزامير لنفسي بدأت للحال تبكى وتنتحب، كأن قوتها قد خانتها. على إنني أعطيت المجد للرب الذي أذلها ودحر قوتها وجرأتها. * ومرة جائني شيطان طويل القامة جدًا، وظهر في عظمة وفخامة وتجاسر أن يقول "أنا قوة الله، وأنا العناية الإلهية". كل ما أردته أعطيتك، أما أنا فنفخت فيه ونطقت باسم المسيح، وللحال اختفى هو وكل شياطينه أمام اسم المسيح رغم ضخامة حجمه. ومرة أخرى إذ كنت صائمًا أتى مليئًا بالمكر في شكل راهب ومعه شبه أرغفة ونصحني قائلًا، كل وكف عن أتعابك الكثيرة. أنت أيضًا إنسان، وقد تعرض نفسك للمرض، أما أنا فإذ أدركت حيلته قمت للصلاة، ولكنه لم يحتمل ذلك لأنه انصرف وخرج من الباب كدخان. * وكم من مرة أظهر في الصحراء ما يشبه الذهب، حتى ألمسه مجرد لمس وأتطلع إليه ولكنني رتلت المزامير ضده فاختفى. * وكثيرًا ما أراد ضربي بجلدات، فكنت أكرر مرارًا وتكرارًا لن يفصلني شيء عن محبة المسيح". ولم أكن أنا الذي صددتها وحطمت قوتها، بل الرب الذي قال " رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء"، أما أنا يا أبتاي فإذا تذكرت كلمات الرسول حولت هذا تشبيهًا إلى نفسي لكي تتعلموا أن لا تخوروا في النسك أو تخشوا أبليس أو أصاليل الشيطان،. * وإن كنت قد صرت غبيًا بسرد هذه الأمور فأقبلوا هذا أيضًا كمساعد على نجاتكم وعدم خوفكم، وصدقوني لأنني لست أكذب. مرة قرع واحد باب صومعتي، وإذ خرجت وجدت شخصًا طويلًا كبير الحجم، ولما سألته من أنت، قال أنا الشيطان. ولما قلت لماذا جئت هنا، أجاب لماذا يلومني الرهبان وسائر المسيحيين بغير حق؟ لماذا يلعنونني كل ساعة؟؟ عندئذ أجبت ولماذا تضايقهم؟ فقال لست أنا الذي أضايقهم بل هم الذين يضايقون أنفسهم، لأنني قد أصبحت ضعيفًا. ألم يقرأوا. تلاشت سيوف العدو وأنت أخرجت المدن، ليس لي فيما بعد مكان، أو سلاح أو مدينة. فالمسيحيون منتشرون في كل مكان، وأخيرًا امتلأت حتى الصحراء بالرهبان فليحترسوا لأنفسهم، ولا يلعنونني بغير حق. عندئذ عجبت من نعمة الرب وقلت له أنت كذاب أبدًا، ولا تقول الصدق قطعًا، وهذا قلته بالصدق أخيرًا رغم إرادتك. لأن مجيء المسيح جعلك ضعيفًا، وهو قد طرحك إلى أسفل وجردك. أما هو فقد اختفى إذا سمع اسم المخلص، ولم يستطع أن يحتمل لهيبه. * وإن كان إبليس قد أعترف بنفسه أن قوته قد تلاشت وجب أن تحتقره شياطينه احتقارًا تامًا. وطالما كان العدو وكلابه ليس لها سوى حيل من هذا القبيل فإننا إذ عرفنا ضعفها نستطيع احتقارها، إذا وجب أن لا تخور عزائمنا، أو يتسرب الجبن إلى قلوبنا، أو نصور المخاوف لأنفسنا قائلين. أنا خائف لئلا يأتي شيطان ويحطمني لئلا يرفعني إلى أعلى ويطرحني إلى أسفل، أو لئلا يثور على بغتة فيزعجني. * مثل هذه الأفكار يجب أن لا تخطر ببالنا قطعًا، ويجب أن لا نحزن كأننا قد هلكنا. بل بالأحرى لنتشجع ونفرح دومًا واثقين إننا آمنون. لنذكر في نفوسنا أن الرب معنا، الذي طارد الأرواح الشريرة وحطم قوتها. لنذكر ولنضع في قلوبنا أنه طالما كان الرب معنا فأن أعداءنا لن يستطيعوا إيذاءنا. لأنها عندما تأتى تقترب إلينا في صورة تتفق مع الحالة التي تجدنا فيها وتجعل خداعها موافقًا للحالة الفكرية التي تخامرنا. فهي إن وجدتنا في حالة جبن واضطراب اقتحمت المكان في الحال كلصوص إذ تجده بغير حراسة. وتفعل ما تجدنا مفكرين فيه بل وأكثر أيضًا. لأنها إن وجدتنا خائري القلب وجبناء ازدادت في إرهابنا بعنف بتضليلاتها وتهديداتها. وبهذه تتعذب النفس التعسة من ذلك الحين. أما إن وجدتنا فرحين في الرب، متأملين في سعادة المستقبل مسلمين له كل شيء إلى يده، وواثقين أنه لا قوة لأي روح شرير ضد المسيحي ولا أي سلطان على أي واحد قطعًا. فإنها إن رأت النفس متحصنة بهذه الأفكار اندحرت ورجعت إلى الوراء. هكذا عندما رأى يهوذا غير متيقظ أخذه أسيرًا. * وهكذا إن أردنا احتقار العدو فلنتأمل دومًا في الإلهيات، ولتفرح النفس في الرجاء. وعندئذ نرى فخاخ الشيطان كالدخان، والأرواح الشريرة نفسها تهرب بدلًا من أن تتابعنا، لأنها كما قلت شديدة الخوف جدًا، تتوقع دائمًا النار المعدة لها. * ولعدم الخوف منها تمسكوا بهذه العلامة الأكيدة: كلما ظهر لكم شبح فلا يستولى عليكم الخوف، بل مهما كانت شخصيته أسألوا أيضًا بجسارة: من أنت، ومن أين أتيت؟ فإن كانت الرؤية للقديسين طمأنوكم وبدلوا خوفكم إلى فرح. أما إن كانت الرؤية من إبليس ضعف في الحال إذ يرى ثباتكم العقلي. لأن مجرد السؤال: من أنت. ومن أين أتيت، برهان على عدم اكتراثكم، بسؤال كهذا عرف ابن نون من هو معينه، كما أن دانيال لم يترك العدو دون توجيه السؤال إليه. * وبينما كان أنطونيوس يتحدث بهذا الكلام كان الجميع مغتبطين. وفي البعض زادت محبة الفضيلة، وفي الآخرين طرح جانبًا الإهمال والتراخي وتلاشى الغرور من غيرهم. واقتنع الجميع بضرورة احتقار هجمات الشرير وعجبوا بالنعمة المعطاة لأنطونيوس من قبل الرب لتميز الأرواح. وهكذا صارت صوامعهم في الجبال كهياكل مقدسة، مكتظة بجماعة الأتقياء الذين كانوا يرنمون المزامير، ويحبون القرأة ويصومون ويصلون، ويفرحون برجاء الأمور العتيدة، ويكدون في أعطاء الصدقة ويحتفظون بمحبة بعضهم البعض والوفاق بعضهم مع البعض. وحقًا لقد كان ممكنًا رؤية أرض منعزلة مليئة بالتقوى والعدل لأنه لم يكن فيها فاعل شر، أو مظلوم بل بدلًا من ذلك جماهير من النساك، والهدف الوحيد للجميع هو الفضيلة وهكذا كان كل من يرى هذه الصوامع ثانية ويرى مثل هذا النظام الجميل بين الرهبان، كان يرفع صوته ويقول "ما أحسن مساكنك يا يعقوب خيامك يا إسرائيل كأودية ظليلة كجنات على نهر. كخيام أقامها الرب كارزات على مياه". _____ (*) المراجع: 1- حياة الأنبا أنطونيوس * بقلم البابا أثناسيوس الرسولي 2 الفيلوكاليا * القمص تادرس يعقوب 3 أقوال الآباء الشيوخ * منشورات النور 4 أقوال القديس الأنبا انطونيوس - القمص إشعياء ميخائيل |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 100 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الأنبا باخوميوس أب الشركة أولًا: سيرته 1- نشأته: * وُلد بالصعيد الأقصى من والدين وثنيين حوالي عام 292 م.، وكان باخوميوس منذ طفولته محبًا للعفة والطهارة، غير راضٍ عن العبادة الوثنية، ولا يشترك في ولائمه. * أخذه والداه ليُقدما ذبيحة للشياطين التي في النهر، وإذ رآه كاهن الوثن صرخ: "أقصوا عدوّ الآلهة من هنا حتى تكف عن غضبها علينا"! فحزن الوالدان جدًا. ![]() 2- قبوله المسيحية: * تجند باخوميوس في الجيش، وكان منطلقًا مع زملائه لإقماع ثورة ضد الإمبراطور. في الطريق استراحوا عند المدينة لأتوبوليس (إسنا) وكان الكل منهك القوى، فجاء أهل المدينة يقدمون لهم طعامًا وشرابًا بسخاءٍ. سأل باخوميوس عن سبب هذا الكرم فقيل له إنهم يفعلون هذا من أجل إله السماء، فهم محبون للجميع. بعد صلاة طويلة قرر أن يصير مسيحيًا إن عاد سالمًا. * وبتدبير إلهي خمدت الثورة وسٌرَّح الجنود، فانطلق إلى شينوفسكيون (قصر الصياد) حيث سجل اسمه في قائمة الموعوظين، ونال العماد المقدس. * بقى في القرية ثلاث سنوات يمارس أعمال المحبة والرحمة، خاصة عندما حلّ بها وباء فكان لا يكف عن خدمة الجميع. ![]() 3- مع الأنبا بلامون: * أحبت القرية كلها القديس باخوميوس، لكن قلبه كان يلتهب نحو التكريس للعبادة، وإذ سمع عن راهبٍ قديسٍ يسكن البرية بجوار القرية يُدعى "بلامون" انطلق إليه وسأله أن يقبله تلميذًا له. أظهر له القديس بلامون صعوبة الحياة الرهبانية، وطلب منه أن يرجع إلى القرية يجرب نفسه بتداريب معينة، لكنه أمام ثبات قلب باخوميوس قبله، بل وأحبه جدًا، خاصة وأن باخوميوس قد اتسم بالطاعة مع النسك الشديد وحب العبادة. ![]() 4- تأسيس نظام الشركة: * كان القديس باخوميوس متهللًا بحياة الوحدة، سعيدًا بعمل الله معه خلال أبيه الروحي أنبا بلامون، لكن قلبه كان متوجعًا من جهة إدراكه أن كثيرين يشتهون الحياة الرهبانية لكنهم عاجزين عن ممارسة حياة الوحدة القاسية، فكان يطلب من أجلهم وفي أحد الأيام إذ كان يجمع حطبًا في منطقة طبانسين (جنوب قصر الصياد) ظهر له ملاك، وطلب منه أن يقيم ديرًا هناك، وأعطاه لوحًا به البنود الأساسية لنظام الشركة، وقد جاءت سهلة للغاية، يستطيع الكثيرون أن يمارسوها. * أخبر القديس باخوميوس معلمه الأنبا بلامون بما حدث، ففرح الأب جدًا وبارك العمل وبالرغم من شيخوخته لم يعترض على إقامة نظام جديد للرهبنة لم يعهده، بل ذهب معه إلى طبانسين وساعده في تأسيس الدير، ثم استأذن منه ليعود إلى مغارته على أن يلتقيا مرة كل عام، تارة في الدير وأخرى في المغارة، وإن كان القديس بلامون لم يعش كثيرًا بعد ذلك. * أسس القديس باخوميوس أول دير له حوالي عام 318 م. في طبانسين بالقرب من بافو أو بابو. وقد أعطاه الله نعمة في أعين الكثيرين حتى أنشأ في المنطقة حوالي عشرة أديرة، وكان عدد الرهبان في الدير الرئيسى ببافو وحده حوالي 1500 راهبًا. * جاءه أخوه الأكبر يوحنا حيث ترهب عنده، وكان يعمل معه بكل طاقته في تأسيس هذا النظام، كما جاءته أخته فقابلها وشجعها على الحياة الرهبانية، وأسس لها ديرًا في الاتجاه المقابل من النيل، ضم حوالي 300 راهبة تحت قيادتها. أهم ملامح هذا النظام: * نال هذا النظام تقدير الكنيسة حتى من قادة نظام الوحدة، فقد أمتدح القديس أنبا أنطونيوس القديس باخوميوس، وحسب نجاحه عطية من الله. * الخطوط العريضة لملامح هذا النظام. 1- قام هذا النظام كحركة شعبية (علمانية)، لذا رفض القديس باخوميوس أن ينال درجة كهنوتية، وعندما شعر أن البابا أثناسيوس في زيارته له سيقوم بسيامته كاهنًا هرب، واضطر البابا أن يطمئنه قائلًا لأولاده أنه لن يمد يده عليه لسيامته وإنما يطلب بركته. وبالفعل عند عودة البابا من أسوان استقبله القديس بفرحٍ شديدٍ. * قدم نفسه مثلًا حيًا للحياة الرهبانية كي لا يشتهى أحد درجة كهنوتية ويجد عدو الخير مجالًا لبث الغيرة بين الرهبان. ![]() 2- أتسم النظام الباخومي أنه يناسب الكثيرين، فمن جهة الصوم يأكل الراهب مرتين كل يوم ويمارس صلوات جماعية متكررة كما يقوم بعمل يناسب مواهبه وقدراته مثل النجارة أو الفلاحة أو الطبخ أو الغسل أو البناء أو النسخ، ولكل جماعة رئيس يدير الأمور ماديًا وروحيًا، وكان العمل جزءًا أساسيًا من الحياة الروحية. 3- انفتحت الأديرة لغير المصريين مثل اليونان والرومان، ولكل جماعة منهم رئيس يدبر حياتهم في الرب. 4- سُمح للشخصيات البارزة المُحبة للوحدة أن تمارس هذه الحياة، وكان القديس باخوميوس كثيرًا ما يجتمع بالمتوحدين. أثره على العالم: * نظام الشركة كما أسسه القديس باخوميوس جذب قلوب الكثيرين من قادة الفكر الرهباني في الشرق والغرب، فقاموا بترجمته وتطبيقه عمليًا إن لم يكن في مُجمله ففي أغلبه. منهم القديس باسيليوس الكبير والقديس يوحنا كاسيان والأب قيصريوس أسقف أرل Arles وخلفه أوريليوس، والأب بندكت الذي وضع نظامه المشهور كأب للرهبنة الغربية، مقتبسًا الكثير من النظام الباخومي. ![]() 5- سمات القديس باخوميوس: * تبقى شخصية القديس باخوميوس بارزة عبر العصور كشخصية قيادية عجيبة جمعت الآلاف في الأديرة المتقاربة والبعيدة بالصعيد، يدبر أمورها بروح الحب مع الحزم مهتمًا في نفس الوقت بخلاص كل نفسٍ ونموها الروحي. * عُرف القديس بوداعته وتواضعه، فعندما سأله بعض الأخوة عن أي منظر أو رؤيا قد أعجبته، أجاب أنه يُعجب بمنظر أخٍ وديع إذ فيه يسكن الله. * ظهر له الشيطان مرة على شكل السيد المسيح، وهو يقول "أفرح يا باخوميوس لأني جئت لافتقادك". أما هو ففي تواضع أعلن أنه يريد أن يرى السيد المسيح في الحياة الأبدية لا بالعين الجسدية هنا، وللحال صار الشيطان كدخان تلاشى. ![]() 6- نياحته: * انتشر وباء في صعيد مصر وأصيب كثير من الرهبان حيث تنيحوا، كما تنيح بسبب هذا الوباء القديس باخوميوس في عام 346 م. ![]() ثانيًا: تعاليمه عظات القديس باخوميوس 1- عظة تتضمن الحرص على خلاص النفس والنشاط في حفظ الوصايا الإلهية: * اختتم الأب الكبير باخوميوس الصلاة مع أولاده الرهبان، ثم جلسوا جميعًا لاستماع تعاليمه، ففتح القديس فاه وشرع في التعليم قائلًا: "أيها الإخوة.. إن العمر قد انصرم والوقت قد تقدم، فمادامت لنا نسمة في هذا الجسد الترابي فلنبذل ما في وسعنا ولنحرص أنفسنا ولنجاهد بكل قوتنا في تنفيذ وصايا إلهنا قبل حضور ساعة وفاتنا التي فيها نبكى على غفلتنا وتوانينا، ولا تنفعنا ندامتنا". فلنستغل الوقت مادام لنا وقت ونسعى وراء الفضيلة بنشاط نفس وثبات عزم. * تذكروا على الدوام خيرات المجاهدين المعدة لهم، في السماوات، تصوروا ما قد أعد للمتوانين من العذاب الأليم، لاسيما من عرف الحق وعمل ضده فإن عقابه سيكون أشد ألمًا. * لا تهملوا زيارة المقابر والنظر إلها لتعرفوا قوام طبيعة البشر وما هي نهايتها، وتتحققوا أننا زائلون لا محالة، فلماذا إذًا ننتفخ إذا كانت هذه النهاية نهايتنا، لماذا نتصلف ونتعجرف نحن الترابيون مع علمنا بعفونة نتانتنا وقبح الرائحة التي تبعث منا. * فلنفق يا إخوة من سكرتنا ولننهض من رقادنا وغفلتنا ولنرجع عن جهلنا وغينا ولنبك على نفوسنا مادام لنا وقت قبل وفود المنية وحضور ساعة القضية، ونحن غير متأهبين ولا مستعدين، حينئذ تُغلق الأبواب وتبطل العلل والأسباب ويبعد عنا زمان المتاب (زمان التوبة). * يا لها من نهاية صعبة، يا لها من ظلمة دامسة لتلك النفس المثلثة الشقاء التي زهدت في الأمور العالمية ورغبت في الملكوت السمائية وتدونت لله في الجندية، ثم تعمل بخلاف ما وعدت ونذرت. * فيجب ألا نسمح -أيها الإخوة المبوبون- لهذا الدهر القليل المدة الحقير الزائل المتلاشي أن يغرنا بخداعه ويختطف منا تلك الحياة السعيدة والغبطة المديدة، الدائمة البقاء والعادمة الفناء الخالية من سائر المعاطب والهموم، الخالية من كل المكاره والغموم. ![]() 2- عظة عن حيل الشياطين ومكرهم: حدثنا الأب باخوميوس قائلًا: * أنني سمعت سماعًا محسوسًا الأرواح الخبيثة تصف وتثبت أنواع شرورها وفنون خبثها التي تتعمد بها الرهبان، فكان بعضها يقول لأصحابه: تسر نفسي وتبتهج براهب مهما وسوست له في فكره قبله في الحال ونهض إلى فعله وتتميمه، لذلك تكثر له مودتي وتزداد نحوه محيتي. * قال آخر: أما أنا فتحزن روحي وتكتئب من الراهب الذي متى أخطرت بفكره أمرًا، وليس أنه لا يقبل مشورتي فقط بل ينهض بصرامة وقوة وينتصب مصليًا إلى الله طالبًا منه إبعادي وإبادتي، وبذلك لا يمكنني أن أثبت عنده، بل في الحال. أولى عنه هاربًا كمن قد ألتهب نارًا، لهذا تكثر له بغضتي وتقل عنه زيارتي. * قال آخر: أنا بدقيق حيلتي وبلطف دهائي أعرض على الراهب بضاعتي، كل نوع منها بنوعه، فدفعة يجنح إلىّ ويبتاع منى ومرة يفر منى، وهذا دأبي مع الناس كافة وقال آخر: أنا أقاتل ولا أمل، ولا أكل، فمرة أغلب ومرة أنغلب ثم أعاود ولا أهدأ. * ثم قال الأب الكبير: أيها الإخوة. احفظوا نفوسكم وقلوبكم من كل جهة واختموها بخاتم اسم المسيح، لأن مقاتلينا أرواح لا تُرى فيجب علينا أن نستعين بقوة الله الذي لا يُرى، حينئذ يولون من هذا الاسم ويهربون ولا يمكنهم أن يضرونا البتة. * ما دمنا حافظين مدينتنا إذ نحرس سورها ونغلق أبوابها ولا ننام ونغفل عنها، لن يقدر الأعداء على أخذها، وأليَق ما نقول أنهم لا يتقدمون إليها إذ لا يجدون لهم مطمعًا فيها. * فإذا كان الأمر كذلك، والأمر مردود إلى حريتنا واختيارنا في أن نُهلِك أنفسنا ونميتها وأن نقتنيها ونحييها، فأي عذر لنا ما هو احتجاجنا إذا أهملنا أمر خلاصنا. ![]() 3- عظة عن وجود مقاومة الشيطان: * قال الأب: لنفرض أن إنسانًا له محلة فيها مائة بيت، فباع باختياره لرجل غريب بيتًا واحدًا. هل يقدر أن يمنع ذلك الرجل الغريب من الدخول والخروج إلى بيته، ولو كان ذلك البيت في داخل البيوت كلها. هكذا هو الإنسان المؤمن، إن امتلك كثرة كثيرة من ثمار الروح القدس، ثم بتوانيه وغفلته أعطى لعدوه (الشيطان) موضعًا صغيرًا في أمر ما، لن يقدر أن يمنعه من الدخول والخروج لافتقاد الجزء الذي يخصه. * إذا كان إنسان بعيدًا عن معرفة الله ساجدًا للأصنام، فأتيت به على معرفة الله خالقه فها قد أحييت بالحقيقة ميتًا. * إن أنت رددت إنسانًا من ذوى البدع في الدين إلى معرفة المسيح الحقيقية فيها قد فتحت عيني أعمى. * إن أنت صيرت يد محب المال رحومة فها قد شفيت يدًا يابسة. * إن أنت صيرت الزاني عفيفًا فها قد أطفأت نارًا وأخمدت لهيبًا. * إن أنت أرشدت الجاهل إلى معرفة الكتب فها قد عافيت أصمًا. * إن أنت جعلت الكسلان نشيطاَ فها قد أنهضت مخلعًا. * وإن أنت جعلت الغضوب وديعًا فها قد أخرجت شيطانًا. * فعن غير هذه المعجزات لا تسأل. ![]() 4- عظة عن التواضع: أحسن منظر: * حدثنا هذا الأب الكبي وقال: سألني أحد الإخوة في أحد الأوقات قائلًا: قل لنا منظرًا مما تنظر لنستفيد منه تخشعًا وإيقاظًا لنفوسنا،فأجبته قائلًا: من كان سقيمًا وخاطئاًَ أثيمًا مثلى لا تُعطى له لمناظر الروحية والاستعلانات الإلهية، ولا يتجاسر هو على التماس ذلك من الله، ومن توقح وطلب ذلك (أي أن يرى رؤى) فهو من الناس الجهال. * لكن إن شئت أن تنظر منظرًا إلهيًا وتشاهد أمرًا بهيًا يفيدك أكبر المنافع فأنا أدلك عليه: متى رأيت إنسانًا ورعًا متضع القلب طاهرًا، فهذا أعظم من سائر المناظر الروحية وأحسن من كل المناظر الإلهية، لكونك تشاهد الله الذي لا يُرى في هذا الإنسان المرئي..... فعن أفضل من هذا المنظر لا تسأل. أهمية الوصية: * لا يُدان أحدنا إذ ليس له استعلانات ولا يملك علم المغيبات، بل يُدان إذا سها عن ذكر الإله المبدع كافة البرايا (المخلوقات) وغفل عن تنفيذ الفروض والوصايا: فيجب على الإنسان من صغر سنه وليونة غصنه أن يمارس الخير والصلاح ويمتد فيه إلى قدام كما كان صموئيل، لأن الأرض النقية تكون مستعدة لقبول البذار الإلهية، أما الأرض البور العاطلة فتحتاج إلى أتعاب كثيرة وأعراق ليست يسيرة إلى أن تصلح لقبول البذار، وإن هي أهملت بارت وأهلكت ما كان قد وضع فيها من صالح البذور والغروس. ![]() 5- عظة من أجل تحرير النفس: * في أحد الأوقات توجه الأب باخوميوس إلى دير طبانسين، ولما وصل هناك التقاه الإخوة وسلموا عليه، وجلس كعادته بينهم وكلمهم من أجل حراسة النفس وصونها من شر الأعداء الماكرين وتخابثهم على دنس البشر ولاسيما الرهبان، وقال: الخليق بالراهب ألا يكتفي بنسكيات الجسد الظاهرة كالصوم والصلاة والسهر والخدمة فقط، بل ويضيف إلى هذا أن يجاهد في صيانة النفس من هواجسها وزهوها، ومن الافتخارات التي تشينها وتضعفها أعنى حب الرئاسة والخيلاء والبغضة والمشاحنة والتيه والصلف والنميمة وما شاكل هذه الرذائل. * والأجدر به قبل كل شيء أن يقتنى خوف الله ساكنًا فيه، وأن ينظر على الله في السر والعلانية في كل حين وفي كل مكان، لأنه جل اسمه وتقدس ذكره ناظر على جميع الأعمال من خير وشر. * فإن فعل هذا (أي اقتنى خوف الله) امتنع عن ارتكاب الخطيئة، وإن هو أهمل خوف الله والمراقبة الخلاصية لنفسه وغفل عن العمل بالوصايا، حينئذ ينطبق عليه قول المزمور " تتدنس في كل حين طرقه برفعه أحكامك عن وجهه". خوف الله: * وكما أن النار تجلو الصدأ عن الحديد هكذا خوف الله يذيب عن النفس كل رذيلة ويجعلها إناءً للكرامة ومحلًا للسلامة. * أما ما يلقيه إبليس من التجديف الذي هو نتيجة الكبرياء المتولدة فينا من إدانة قريبنا فدواؤه (أي دواء التجديف) مع رحمة الله الاعتراف به وإشهاره للآباء الروحيين ثم إهماله وتركه. أما أن أهمل الإنسان الاعتراف به وأخذ في إبعاده عنه بالصوم والصلاة وتواصل الركعات (المطانيات) فهو يتعب باطلًا ويجاهد عاطلًا. فالأولى بنا أن نهين هذا الفكر ونقول لزارعه: اذهب عنى يا شيطان فأنا لربى وحده أسجد وإياه أعبد، أما أنت فليرجعني قولك على رأسك ولينحدرن تجديفك على هامتك. * هذا الداء النجس والمرض الرجس قد ألقى كثيرين من قليلي الخبرة في اليأس. وقوم شقوا أجوافهم بأياديهم بسكاكين وغيرهم طرحوا ذواتهم من أعلى إلى أسفل كعقل المجانين وهلكوا بأسوأ ميتات. وبالجملة أقول أنه إن غفل الإنسان عن هذا المارد ولم يحفل به قتله وأهلكه وسلب منه عمره وحياته. أهمية الاعتراف: * فسبيلنا أن نعترف بالأمر للرجال الخبيرين بهذه الصناعة وبعد ذلك نصلى بإفراز روحاني. ![]() 6- عظة من أجل حفظ العفة والطهارة: * في أحد الأيام جمع أبونا باخوميوس الإخوة وقال لهم: أريد الآن أن أقول لكم بعض الوصايا لكي تحفظوها كلكم خلاصًا وثباتًا لأنفسكم لكي لا يقع الذين لم يقووا بعد في الإيمان في فخ إبليس. * واحذروا أن يشك أحد في الكلام الذي أقوله لكم متذكرين الكلمة المكتوبة " إنكم إذ لا تؤمنون لا تفهمون". وهذه هي النصائح التي أريدكم أن تحفظوها: ![]() * لا يمس أحدكم يد رفيقه أو يلمس شيئًا من جسده من غير أمر ضروري، إلا في حالة رجل مريض، أو واحد قد وقع فيساعده آخر حتى يقوم، فيحتاج بالضرورة أن يمسكه ويلمسه من أجل المرض أو الوقعة، وهذا أيضًا يكون بحرص وحذر. * لا يرقد أحد منكم على مرقد ليس له. * لا يدخل أحد منكم إلى موضع (قلاية) ريقه بغير ضرورة مُلحة. وذلك لكي لا يجد العدو فينا موضعًا البتة. * وقد أورد بستان الرهبان عظة للقديس باخوميوس مشابهة لهذه العظة وهذا نصها: في أحد الأيام جمع الأب باخوميوس الإخوة وقال لهم " أريد الآن أن أقول لكم وصايا لكي تحفظوها كلكم خلاصًا وثباتًا لنفوسكم، لاسيما لأولئك الذين لم يقووا في الإيمان والأعمال حتى لا يقعوا في فخ إبليس.... * تشبه بعفة يوسف وحكمته واحسد سيرته. * إلزم البكورية في أعضائك والطهارة في قلبك وجسدك. * إياك والنجاسة لأنها تفصل الإنسان عن الله، واهرب من جميع ملذات الدهر الحاضر. * احرص على طهارة جسدك وسلامة قلبك لأنك إن تمكنت من نوالهما أبصرت الله ربك. ![]() نصائح روحية مفيدة للأب الكبير باخوميوس 1- نصيحة لأولاده الرهبان عن الجهاد في الحياة الروحية: * أيها الإخوة: اغتنموا الوقت فإنه زائل. جاهدوا فيما دُعيتم إليه. وصلواتكم لا تفوتكم لأنها سور لكم وفريضة من الله عليكم. احرصوا على تلاوة المزامير فإنها تدفع عنكم الأعداء. * وكانوا يستفيدون من نظرهم إلى سكوته في بعض الأوقات المنفعة الكبرى التي تزيد عن التعاليم والعظات. ![]() 2- نصيحة لأولاده الرهبان عن التواضع: * فيما هو ماض دفعة مع الإخوة في شغل، وكانت الحاجة أن يحمل كل واحد حملة خبر، فقال له أحد الإخوة: لا تحمل أنت يا أبانا شيئا، هوذا قد حملت كفافي وكفافك. أجابه الأب: لا يكون هكذا. إن كان مكتوبًا عن الرب أنه يليق به أن يتشبه بإخوته في كل شيء (عب17:2) فهل أنا الحقير أترك إخوتي يحملون شيئًا عنى أو يعملون عملًا لا أعمله مثلهم؟! * من أجل هذا رهبان الأديرة الأخرى كائنون بانحلال لكون صغارهم يتعبدون لكبارهم وليس واجبًا أن يُعمل هكذا، لأنه مكتوب " من يريد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن لكم عبدًا، ومن يريد أن يكون فيكم أولًا فليكن لكم خادمًا كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مت 26:20-28) ويقول الرسول "يداي هاتان خدمتا حاجاتي (أع34:20). ![]() 3- نصيحة لأولاده الرهبان عن الحياة المشتركة: * الرهبان لابسو الزى المقدس المقيمون بالأديرة المشتركة ليس لهم أن يسموا شيئًا خاصًا لواحد منهم، ولا يدور فيما بينهم: لي ولك ولهذا ولذاك. وغلا فلا يليق أن تدعى "كنونيًا" أي عيشة مشتركة، بل مجامع لصوص ومغائر مملوءة رذيلة وسلب الأشياء المنذورة لله. ![]() 4- نصيحة لأولاده عن طول الروح: * جميع المواهب بطول الروح وثبات القلب تُعطى، وجميع القديسين لما ثبتوا قلوبهم نالت أيديهم المواعيد. * فخر القديسين هو طول الروح في كل شيء. وبهذا حُسبوا قديسين. ![]() 5- نصيحة لأولاده عن الأعمال الفاضلة: * هذه هي الأعمال الفاضلة: * إن قاتلك فكر ضجر من اجل أخيك (حقد أو غيظ على أخيك) تحتمله بطول روح حتى يريحك الله منه. * صوم دائم. * صلاة بغير فتور في مخادع قلبك بينك وبين الله. * وصية صالحة لأخيك. * بتولية بتحفظ في أعضائك. * طهارة في قلبك. * عنق منحنى وضرب مطانية مع قولك اغفر لي. * دعى في أوان الغضب. ![]() 6- نصيحة لأولاده عن الاتضاع: * احفظ نفسك من هذا الفكر الذي يجلب لك تزكية ذاتك والازدراء بأخيك، لأنه مغبوض جدًا قدام الله الذي يكرم نفسه ويرذل أخاه. * لا تحتقر أحدًا من الناس ولا تدنه ولو رأيته ساقطًا في خطية، لأن الإدانة تأتى من تعظم القلب، أما المتواضع فيرى كل الناس أفضل منه. "وكيف تدين عبدًا ليس هو لك. إن سقط فلربه، وربه قادر أن يقيمه (رو4:14). ![]() 7- نصيحة لأولاده عن احتمال التجارب: * سبيلنا أن نصبر على كل تجربة توافينا بحماسة نفس وشجاعة قلب، لأن مفاجأة المحن مهما كانت لا تضرنا بل تنفعنا جدًا إذا قبلناها بشكر. لأن التجارب هي صابون الذنوب. ![]() 8- نصيحة لشيوخ الدير عن التواضع: * في أحد الأيام في وقت المساء دعا الأب باخوميوس تلميذه تادرس، وأقامه في الموضع الذي يقف فيه هو (منبر الوعظ)، وقال له: عِظ الإخوة بأقوال الله التي يلقنها لك روحه القدوس، فامتثل تادرس للأمر. * ولما رأى بعض الشيوخ ذلك تركوا الاجتماع ومضوا متذمرين. * وبعد الاجتماع استحضرهم الأب وسألهم: ما هو السبب الذي أوجب انفصالكم عنا وابتعادكم منا؟ ألم تسمعوا عن الرب أنه أقام صبيًا بين تلاميذه وقال لهم: من قبل صبيًا مثل هذا باسمي فقد قبلني، وإن كنتم لم تذكروا أفما تروني كيف أنا قائم بين جميع الإخوة مثل طفل؟ فلماذا لم تغلبوا روح الشر؟ فأجابوه قائلين: إنك جعلت واعظنا ومعلمنا شابًا مبتدئًا، ونحن شيوخ وكهول وأقدم منه في الدير. * فلما سمع هذه الأقوال تنهد وقال: إن داءكم قتال ومرضكم عضال، أما علمتم من أين جاءت الرئاسات إلى العالم، أليس من الكبرياء والخيلاء التي سقط بها كوكب الصبح (الشيطان) مهشمًا إلى الأرض. ولأجل الأُبهة والشرف الباطل الذي تطلبونه ساكن نبوخذ نصر ملك بابل الوحوش وساواها (دا 4). أما سمعتم الكتاب الإلهي قائلًا "المرتفع بين الناس مرذول قدام الله، والمرتفع سيوضع. لقد طرحتم رأس فضائلكم الذي هو الاتضاع واخترتم بدله الكبرياء أو الرذائل وأولها، لأنكم ما تركتم تادرس وتخلفتم عنه بل عن الله الساكن فيه والناطق على لسانه. * والآن أقول لكم: إن لم تتوبوا توبة خالصة عن فارطة (خطية) التيه والصلف فإنكم ستهلكون. ![]() 9- نصيحة لأخ مريض: * مرض أحد الإخوة جدًا في أيام البصخة (أسبوع الآلام) وكان ناسكًا، ولم يشأ أن يأكل شيئًا مطبوخًا قائلًا: جيد لي أن أموت من أن أكل وأشرب في هذه الأيام المقدسة فمضى إليه الأب باخوميوس وقال له: الأيام كلها لله، والذي أمر أن يعمل الناس البصخة هو الذي أمر بالمرض عليك. * فالآن لا تخف ولا تحسب أنها خطية إذا أنت أكلت لحاجة المرض، لأنه مكتوب في سفر العدد "إن لم يتمكن أحد أن يحمل قربانه للرب ويعمل البصخة (الفصح) في الشهر الأول فليعمل بصخة الرب في الشهر الثاني (عدد 10:9-11)". فالآن إذا لم تقدر أن تعمل البصخة بسبب المرض، فبعد أن تستريح إذا شاء الرب فأنت تقدر أن تعملها. ![]() 10- نصيحة لمدبر المائدة: * حدث أن أحد الإخوة مرض وانطرح على الأرض وطال مرضه وضعف جسمه وتغيرت هيئته وبلغ إلى حد الموت، وأنه يلتمس من مدبر المائدة قليل لحم لترجع إليه قوته لأنه كان قد أضناه المرض ولم تبق فيه إلا العظام، فغفل عنه المدبر، فتوسل المريض إلى من حمله وطرحه في حضرة الأب باخوميوس مسجى على الأرض، فعرفه بسوء حاله وانحلال قوته، وأنه طلب من المدبر يسيرًا من اللحم ليأكله لكي ترجع إليه قوته فلم يجبه إلى ذلك. فلما رآه الأب أنه مستحق لما طلبه حزن بسببه وقال للمدبر: أين التحنن، فإذا أبصرت هذا الأخ مريضًا ذليلًا، فلم لم تصرف عنايتك إليه وتهتم به بحسب الواجب المفروض عليك، لماذا احتقرته ورذلته ولم تجبه إلى مطلبه، أليس هو عضو من أعضائك، أهكذا أنت عديم الإفراز؟! * حينئذ تاب المدبر إليه واستغفر منه، وصار يغذى الأخ لحمًا مدة من الزمان، فلما تماثل للشفاء، عاد إلى أكل السليق والحبوب أسوة بالإخوة. ![]() 11- نصيحة لأخين كانا يأكلان بشراهة: * في أحد الأيام أخذ الأب باخوميوس معه أخين (راهبين) وركب في مركب صغير ومضى لافتقاد الإخوة في دير منخوسين ولما كان المساء وهم في السفينة صلوا على حسب عادتهم، وجلسوا على المائدة، فقدم الأخان ما كانا قد أحضراه معهما، خبزًا وجبنًا وزيتونًا وتينًا وغير ذلك، وصارا يأكلان بغير إفراز، أما الأب فكان يأكل خبزًا فقط وعيناه تدمعان. فلما رأياه باكيًا قالا له: ما الأمر يا أبانا؟ قال: لا شيء. فلما ألحا عليه في السؤال قال لهما: بكائى هو من أجلكما لأنكما لا تمسكان شهوتكما وذلك لأن خوف الله ليس فيكما، ولذلك تأكلان بدون شفقة من كل شيء قدامكما. لأن سبيل من كانت همته مصروفة للعلويات أن يتنسك في كل شيء من الحاضرات مثل كلمة الرسول. فقالا له: هل أكلنا الآن مما هو موجود لدينا يعتبر خطية؟ فقال لهما: لا ليس من الأكل خطية ولاسيما مما كان متيسرًا، لكن الطريق التي تؤدى إلى الحياة ضيقة وضاغطة، وقد قال الرسول " كل الأشياء تحل لي لكن ليست كلها توافقني، كل الأشياء تحل لي لكنى لا أدع شيئًا منها يتسلط على ويتعبدنى (1كو12:6)". * وقال أيضًا "من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء (1كو25:9)". * أما تعلما أن الكتب المقدسة قد دُونت لمنفعتنا، فإذا سمعناها وخالفناها كانت موبخة لنا. أما أنا فإنسان خاطئ اقتنع بالخبز والماء، ولاسيما وأنا خارج ديري، فإذا عدت إلى ديري تساويت بإخوتي. * ثم قال لهما: "إن الأكل بقدر ليس خطية، وإنما هزيمة الرهبان هي أن تسود عليهم الحنجرة ويتعبدون للشهوة. * وقال أيضًا: سبيل الراهب ألا يكتفي بنسك الجسد والتعب الظاهر وحده، بل عليه أن يقتنى خوف الله ساكنًا فيه، لأنه هو الذي يحرق الأفكار الرديئة ويفنيها كمثل النار التي تحرق الصدأ وتنظف الحديد من الأوساخ، كذلك خوف الله يطرد كل رذيلة من الإنسان ويجعله إناءً للكرامة يصلح لعمل الله. * فلما سمع منه الأخان هذه النصائح تخشعا وانتفعا جدًا وأخذا في محاكاته والتشبه به. ![]() 12- نصيحة لأخ كان قد وقع في خطية الزنا: * أمره الأب أن يصوم كل يوم إلى المساء، وأن يأكل دون الشبع قليلًا. وقال له: من اليوم احفظ جسدك بطهارة ولا توافق شيئًا من الأفكار الرديئة التي تخطر على قلبك، واحرص على أن تعمل ليالي سهر في الصلاة مرارًا كثيرة لكي يتغرب عنك بالكمال ذلك الروح الشرير (روح الزنا) الذي صرت له عبدًا. وعندما تتنسك وتتعبد كن بكل اتضاع قلب، قائلًا في نفسك: إني قد أغضبت الله مرارًا كثيرة، فإذا أنا حفظت كل الذي أعطى لي (من نصائح وقوانين) استحق الحياة وأخلص من النار التي لا تُطفأ والدود الذي لا ينام. * وإذا نظرك الإخوة تتنسك وأكرموك لكونهم غير عالمين بما فعلت من الخطايا، قل في قلبك هكذا: يا رب لو كان هؤلاء يعلمون الخطايا والآثام التي صنعتها وأعمالي الردية" ليس أنهم لم يكونوا يكرمونني فقط بل ولا كانوا ينظرون إلىّ بالجملة، حتى لا يصعد على قلبك شيء من أفكار المجد الباطل لئلا تزيد خطايا على خطاياك. * وإذا أساء إليك أحد في أمر ما، احتمل بشكر قائلًا في قلبك: إنني قد أغضبت الله دفوعًا كثيرة وأسأت إليه بأعمالي الردية. وكن أيضًا خاضعًا مطيعًا للإخوة الذين أنت تحت طاعتهم مثل القوانين الموضوعة لنا، لكي ينظر الله إلى تواضعك وتعبك ويغفر لك جميع خطاياك كما هو مكتوب (مز18:25). ![]() باقة من النصائح لتلميذه تادرس 1- نصيحة بخصوص الصوم: * لما كانت أيام البصخة المقدسة تقدم إليه تادرس قائلًا: يا أبى، حين كنت علمانيًا كنت أصوم يومين، والآن ماذا ينبغي وقد أدخلني الرب إلى هذا الكمال (الرهبنة)، هل أصوم إلى رابع البصخة ثم أصوم اليومين الأخيرين. * قال له الأب: يا تادرس، في جميع زمانك لا تخرج عن قوانين آبائنا، كما سلموها لنا في جميع وصاياهم، أن نصوم يومين يومين وأن نسهر في الصلاة ونعمل عمل أيدينا من أجل وصية الرب حتى نكون في عذاب الجسد أكثر من الذين يصومون الأربعة أيام أو البصخة كلها، وهؤلاء لا يستطيعون أن يدوموا في الصلاة ولا أن يعملوا لكي يكملوا الوصيتين، حب الله وحب القريب، لأن ما المنفعة التي ينتفع بها أولئك الذين يصنعون هذا؟! * بل يجب على الإنسان التقى أن يجرب أولًا كل عمل قبل أن يبتدئ به إن كان فيه منفعة أم لا، ثم أننا نسمع عن الذين يفعلون هكذا أنهم يُتعبون أناسًا آخرين في خدمتهم وينفرونهم بضجرهم عليهم من أجل ضعفهم بسبب كثرة الصوم، ثم بعد البصخة أيضًا يهتمون لأنفسهم بأطعمة كثيرة حتى يتقووا. ![]() * وإذا قال واحد أنه قوى في جسده وأنه يستطيع أن يصوم البصخة كلها ويداوم الصلوات ويحفظ نفسه من المجد الباطل، وبعد انتهاء الصوم يحفظ نفسه أيضًا ألا يهتم بأكل ولا بشرب، نقول عن كان هذا قويًا ويستطيع أن يفعل هكذا، إذا رآه إنسان ضعيف وتشبه به في هذا العمل فهو يتعب كثيرًا. * أما النساك الكاملون فليس الستة أيام (البصخة) فقط كائنة لهم عذابًا بل جميع عمرهم كائن لهم بصخة إلى يوم افتقادهم، وجسد الرب الطاهر يأخذونه كل حين في الأيام المحددة، لأن طهارتنا وحياتنا كائنة به. * فلما سمع تادرس هذا الكلام قبله كما من الروح القدس نفسه. ![]() 2- نصيحة في الطاعة: * في أحد الأيام كان الإخوة يأكلون وتادرس يخدمهم، وكانت أيام الخماسين، فأعطى لهم جبنًا ليأكلوا، وبعد فراغهم من الطعام أعطى المدبر (الربيتة) لتادرس جبنًا لكي يأكل فلم يشأ أن يأخذه، ولما ألح عليه قال: لا. فقال له الأب باخوميوس: ما هذه الكلمة التي قلتها يا تادرس، لا. لقد أعطيت للشيطان فيك موضع معصية، إن كنت لا تريد أن تأخذ قل: لا أريد الآن أن آخذ وأستعمل منه يسيرًا ثم ضعه، ولا تترك عادة أن تقول لا أن تثبت فيك لأنها ليست ثمرة مستقيمة. فلما سمع تادرس هذا تألم جدًا ولم يعد يصنع هكذا. ![]() 3- نصيحة بخصوص مخافة الله: * دعا مرة الأنبا باخوميوس تلميذه تادرس ليلًا والقمر يضئ ثم قال له: ارفع عينيك إلى فوق لترى هذا القمر المضيء، وفكر كيف يضئ على الأرض وهو مخلوق وأحد خلائق الله، فالذي خلق هذا القمر وخلق الشمس وجميع المخلوقات وهو غير منظور، فيا تُرى كم يكون ضياؤه ومجده. * فخف الآن منه جميع أيام حياتك، عالمًا أنه هو الذي خلقنا نحن وجميع المخلوقات الأخرى، ونحن جميعًا في يديه. فإذا أنت خفته وتأكدت أنه ينظر إليك دائمًا، فأحفظ نفسك ألا تخطئ إليه، واعلم أن المعونة الحقيقية تعبر إليك من قِبَله، فتسبحه كل حين جميع أيام حياتك. وفيما يقول هذا بكى الاثنان وصليا ومضيا. ![]() 4- نصيحة بخصوص الزهد في الأطعمة خصوصًا الجيدة منها: * مرض الأنبا باخوميوس مرة، فأخذه تادرس إلى الموضع الذي يأكل فيه الإخوة المرضى لكي يطعمه هناك، فطبخ له الأخ الطباخ قليل سليق جيد، فلما ذاقه الأب على انه طبيخ جيد، قال لهم: أنتم لا تعرفون أن تطبخوا الطعام، أيتوني بقليل ماء، فلما احضروا له الماء سكبه في طبق الطعام وابتدأ يأكل. * وبعد الأكل سكب تادرس ماءً على يدي الأب لمى يغسلهما، وفيما هو يغسل يديه رش الأب الماء من يديه على رجلي تادرس كأنه يغسلهما. * ولما فرغ سأله تادرس: ما هذا الذي فعلته يا أبى، سكبت الماء على الطعام حتى فسد؟! قال له الأنبا باخوميوس: في كل زمانك، كل شيء تصنعه احفظ نفسك من المجرب لئلا يخسرك، لأن الأخ الذي أعد لي الطعام أعده لي طعامًا جيدًا وبنشاط، والنشاط لا يكون دائمًا مع الإنسان، فلت لئلا أكل طعامًا جيدًا ويأتي الغد وأنا مريض فأنتظر أن يعد لي طعامًا جيدًا، وبهذا السبب يضطرب قلبي، من أجل هذا أفسدت ما أعده لي جيدًا حتى إذا أتى الغد ولم يعد لي طعامًا جيدًا لا يهمني، لأننا لا نجهل أن الرجل المؤمن يجربه المجرب. * ثم سأله تادرس أيضًا: لماذا وقت أن غسلت يديك سكبت الماء على رجلي كأنك تغسلهما؟! قال الأب: رأيت أن أفعل هذا لكي لا تتشامخ نفسي وحتى لا تدينني أفكاري أنك خدمتني إذ أن خدمة الكل لازمة على كما قال السيد المسيح "لم آت لأُخدم بل لأخدِم" (مت28:20) وبهذا أصير مثالًا نافعًا،فانتفع تادرس جدًا. ![]() 5- بخصوص الصمت أثناء اجتماع الإخوة للعمل: * اعلم (يا تادرس) أن حفظ الوصية هو أول السيرة ورأس الفضائل، والإله جل اسمه هو أول من شرعها لأبينا آدم وصارت فريضة على الكل ولاسيما الرهبان الذين تجردوا لهذا العمل وحفظ الوصايا وإن كانت لأجل أمر صغير وشيء حقير، فلحفظ الوصية من الأجراء أو فره ومن الثواب اغرزه. * وتلك الخلائق الكثيرة الذين أحاطوا بمدينة أريحا لما أُمروا من مقدمهم يشوع بن نون بالصمت مدة الستة أيام التي داروا فيها، ولما هتفوا في اليوم السابع أُسقطت أسواره * امتثلوا كلهم -كبيرهم وصغيرهم- بوصية رئيسهم بالإذعان والطاعة، وكان الناظر يشاهد عجبًا عجابًا، يشاهد آلافًا وربوات من الناس يعسر عدهم وكأنهم خرس لا يبدون كلمة ولا نطقًا، ولما أُمروا بالكلام امتثلوا للأمر وتكلموا، فتتموا في الحالتين رضى الروح ومسرته. * وهؤلاء الإخوة فقل لهم أن يتحفظوا في المستقبل ليصفح لهم الله عن خطاياهم السابقة واجتهد من الآن ألا تتهاون لئلا يكون في الناس مخالفة وتكون أنت المطالب أمام الرب بخطاياهم. ![]() 6- بخصوص أن يكون الرئيس أو المدبر قدوة لأولاده: * كان الإخوة في الحصاد وتادرس معهم يهتم بالموائد والطعام، وفي إحدى العشيات كان الأب باخوميوس مجهد الجسم مُتعبًا جدًا، فقال لتادرس: ابسط لي حصيرًا على الأرض لأرقد عليها، فبسط له حصيرًا وطرح فوقها مسحًا، فلم يؤثر الأب ذلك بل قال له: خذ المسح واترك الحصير وحدها مثل جميع الإخوة، فأخذ المسح وترك الحصير. * ثم وضع تادرس يده في وعاء مملوء ثمرًا وملأها ومده إليه لكي يأكل فلم يأخذ بل كانت دموعه تجرى، فلما رآه تادرس وعيناه تدمعان بكى هو أيضًا وقال له: إنك مريض ولم تشأ أن ترقد على مسح شعر، وحتى كف (ملء يد) ثمر لم تشأ أن تأكله أيضًا قال الأب باخوميوس: نعم، لأنني خفت من حكم المسيح لئلا أدان بهذا السبب، لأنه قد يكون أحد الإخوة مريضًا أكثر منى ولم نعلم به، ونكون نحن الذين تحت أيدينا حاجات الإخوة (الرهبان) ننال نياحًا أكثر منهم. لا يكون ذلك أبدًا. * فمقدم (رئيس أو أب) الرهبان هو قدوة لهم ومثال، عنه يأخذون وبه يتشبهون، فيجب أن يكون الرئيس المعلم إشارة صالحة للكل. يتصرف في جميع أموره الجسدية والروحية بإفراز كثير حتى لا يصير لإخوته حجر عثرة في أي أمر من الأمور، ويكون تعليمه لهم من سيرته وتصرفه ونسكه وهيئته ومن سائر أموره أكثر من تعاليمه لهم بأقوالهم وعظاته ويجب عليه أن يتفقدهم في حال الصحة والمرض. لأن المريض يكون أحيانًا من الشيطان العين بإطلاق (بسماح) من الله على سبيل الامتحان، فهنا نحتاج إلى إفراز كثير يمنحنا الله جل اسمه لئلا نستلقي كالفاشلين ونصير أضحوكة للشياطين بل نجاهد مقابله ولا نمل، حينئذ إلهنا الناظر إلينا يزيله عنا سريعًا. * أما إن كان المرض قد حدث عن عارض طبيعي معروف، فما سبيلنا أن نعاند الجسد ونزيده آلامًا. ![]() 7- الدموع تغسل الخطايا والبكاء يحل الذنوب: * كان القديس الأنبا باخوميوس سائرًا في أحد الأيام في طريق ومعه تادرس تلميذه، فعبرا على قبور وكان عندها نسوة يندبن وينحن وتنهمر الدموع من أعينهم، فقال لتادرس: هل ترى هؤلاء النسوة كيف ينحن ويبكين على أموات لا سبيل لهن على إقامتهم، فكم بالأكثر يجب علينا نحن المدعوين رهبانًا أن نندب ونبكى على أنفسنا المائتة بزلاتها التي نأمل من رحمة إلهنا أن يقيمها ويحييها، لأن الكتاب يقول "استيقظ أيها النائم وقم من بين الأموات فيضئ لك المسيح" (اف14:5). * وعلى كل حال فالبكاء ممدوح إذا كان بقصد صالح، وقد قال المرتل "عجبت من زفراتي، أحمي في كل ليلة مضجعي وابل فراشي بعبراتي" (مز6:6) وقال أيضًا: في المساء يحل البكاء وفي الصباح الفرح (مز6:30)، وقد عنى الآخرة. وقد بكى يوسف على إخوته وندب لأجل خلاصهم ليس دفعة بل دفعات، كذلك ناح أرميا النبي نادبًا على سبى الشعب إذ كانت منزلتهم منه منزلة الأولاد. وسائر الآباء القديسين بالبكاء فازوا. ![]() بعض النصائح المفيدة والأقوال النافعة للقديس العظيم الأنبا باخوميوس مأخوذة عن بستان الرهبان 1- في طاعة المرشد الروحي. 2- في التحفظ من الشهوة. 3- بخصوص عدم الخلطة بالنساء. 4- الالتصاق بالأطهار والمجاهدين. 5- في العمل والمثابرة " غير متكاسلين في الجهاد" (رو11:12). 6- في اليقظة والسهر. 7- الهذيذ الدائم في اسم الرب يسوع. 8- الإسراع في التوبة. 9- طريق الاتضاع. 10- عدم التذمر. 11- الهروب من المجد الباطل. 12- احتمال التجارب. 13- الحث على فضيلة الصبر. 14- الشجاعة الفكرية. 15-المحبة وعدم الحقد. _____ (*) المراجع: 1- الأنبا باخوميوس أب الشركة نيافة الأنبا متاؤس 2- مؤتمر الأسرة السادس كنيسة مار جرجس القللي 3 الرهبنة القبطية الأنبا يوأنس 4 تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا 5 موسوعة الخادم القبطي (تاريخ كنسي) كنيسة مارجرجس المطرية |
||||
![]() |
![]() |
|