الوداعة والتواضع هما الصخرة الموضوعة على شاطئ بحر الغضب وكبرياء النفس، هذه الصخرة عليها تتكسر أمواج ذلك البحر الهائج وهي ثابتة راسخة لا تتحرك حتى تكسر كل الأمواج عندها …
روح اليأس يفرح ويضرب جذوره في النفس إذا أبصر الخطية تملأ النفس وتتزايد وتكثر ويستسلم لها الإنسان ولا يقاومها بالانطراح أمام ملك الدهور بكل تواضع القلب، وروح الكبرياء وتشامخ الروح يفرح إذا رأى الفضيلة وافرة كثيرة والنفس شريدة تقبل كل مديح كاذب بل وأيضاً صادق من الناس وتعجب بنفسها ويشتد الإعجاب فترى أنها أفضل من الآخرين وتتعالى بفخر، حتى أنها في النهاية تصل لاحتقار رجال الله دون أن تدري !!!
الأول أي روح اليأس يلد جراحات وقد تصل لعدم الشفاء وتبلد النفس
والثاني أي روح الكبرياء يلد الموت ويجلب مقاومة الله لأن الله يقاوم المستكبرين بفكر قلوبهم
وليس لنا إلا أن ننفض عنا هذه الأوجاع، أوجاع آلام النفس وثقلها !!!
علينا أن نهتم بأنفسنا ونحفظها في الحق بالصلوات التي لا تنقطع وقراءة الكلمة والازدراء بالذات وطرح النفس عند قدمي المخلص صارخين أرحمني؛ وليس من يذم ذاته ويلومها هو المتضع، لأنه من الذي لا يستطيع أن يحتمل نفسه ؟؟؟
وإنما المتضع الحقيقي هو الذي يحتمل تعيير ومذمة غيره له، ولا يُنقِص من حبه له بل يزيد ويصلي من أجله أن يصير أفضل منه !
هذا هو قمة الإتضاع وخبرة الإخلاء مع المسيح الرب الإله المتجسد …
+ أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم أحسنوا لمبغضيكم؛ أيوجد طريق آخر حقيقي غير هذا للإتضاع وإخلاء الذات من كل كبرياء وتعالي ؟؟؟؟
يقول مار إسحق السرياني
[ اعلم أن قيامك في العفة والفضيلة ليس هو من حرصك ولا من فضيلتك، بل أن النعمة حاملة إياك على راحة يدها لئلا تتحرك فتنزَلَّ، أذكر هذا دائماً، وإذا تعظم فكرك فقل: " أبانا الذي في السماوات " .. وابكِ واحزن، وانتحب، وتمرغ على الأرض بوجهك، واذكر زلاتك لعلك تنجو من هذا الفكر وتقتني الإتضاع، ولا تقطع الرجاء قط بل أعلم أنه مجرد أن يملأ عقلك فكر اتضاع، حينئذ تُغفر لك خطاياك بغير عمل !
وكم من خطايا عظيمة صعبة استطاع الإتضاع أن يرفعها !
* ليس لنا أن نحسب كل إنسان متواضعاً كيفما أتفق، وليس كل من طبعة هادئ ووديع ومسالم بلغ لدرجة الإتضاع، بل المتواضع الحقيقي من يوجد في نفسه شيء مخفي يستوجب الارتفاع ـ لكنه لا يتعظم بل يكون في أفكاره كالتراب والرماد .
* كذلك ليس من يذكر زلاته وخطاياه لكي يتواضع يُسمى متواضعاً – وإن يكن ذلك حسناً جداً – إلا أنه يدنو فقط من التواضع ويحاول أن يصل إليه.
أما المتواضع الحقيقي فلا يحتاج إلى أن يقنع ذاته أو يغصب فكره للشعور بالتواضع أو خلق أسبابه، بل قد صار طبيعياً عنده أن لا يحسب ذاته شيئاً بلا تعب ، وكخاطئ مرزول في عيني نفسه؛ ومع انه يكون متداخلاً في أسرار الروح العميقة يبقى في نظر نفسه كمن لا يعرف شيئاً ]
يا أحبائي التواضع ليس صناعة بشر ولا هو عدم الثقة في النفس واحتقار الجسد، ولا مجرد شكل أو مظهر خارجي، أو كلمة تقال للآخرين (( أنا لست مستحق، أنا تراب ورماد )) أو (( انا الخاطي )) … الخ …، لأن هذا مجرد كلام أمام الناس يجلب المديح، لأنهم سيمدحون تواضعنا الذي ينبغي أن يكون ممدوح من الله ، وأمام الله سنظهر كاذبين مرائين، أما الاتضاع الحقيقي هو في أعماق القلب من الداخل، مغروس في القلب، ومظهره هو قبول الآخر مهما كان مختلف معي أو يحتقرني ويرفضي، هو قبول الضيقات والاضطهادات بشكر مع الصلاة لأجل الجميع وعلى الأخص القساة ورافضي الإيمان، وحبي لهم يزيد يوماً بعد يوم، وهذا الحب هو من يدفعنا للصلاة من أجل كل من يعادينا باطلاً ويرفضنا، وتقديم العذر له وقبوله كما قبل الله الجميع وقبلني أنا رغم كل خطايا الكثيرة مثل رمل البحار، وشروري القبيحة جداً…
يا إخوتي بدون تواضع القلب الحقيقي والفعلي مستحيل أن يكون لنا شركة مع الله، وبالتالي مع الكنيسة، ربما نكون خدام وفي أعظم الرتب والمكانة الكنسية، ولكن بدون اتضاع فالله لا ينظر لأتعابنا التي نقدمها ولا إلى خدمتنا، بل كل ما نصنع يجلب غضب الله علينا ومقاومته لنا ورفضه التام لنا جملة وتفصيلاً: [ يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة ] (يعقوب 4: 6)، كونوا محفوظين في روح تواضع يسوع المسيح الوديع والمتواضع القلب.