البيئة المنحرفة
طبعا، ليست كل بيئة تبعد الإنسان عن الله، فهناك بيئات مقدسة لها تأثير روحى إيجابى. ولكننا هنا نتكلم عن البيئات غير الروحية، التي لم تذق في حياتها ما أطيب الرب! البيئات المعطلة.
مسكين الإنسان الذي كلما يسير فى طريق الله، أو كلما يستيقظ لنفسه، تحاول البيئة بكل جهدها أن ترجعه، فينام مثلها، يحيا نفس حياتها البعيدة عن الله.. ناسيا قول الكتاب (لا تشاكلوا هذا الدهر) (رو12: 2) أي لا تكونوا مثله، على شبهه وشكله.
البيئة المنحرفة تتهم المتدين بالتطرف. وتعتبر جهاده تزمنا، وروحياته شذوذا..!
هى تريده مثلها، يحيا كالمجتمع الذي يعيش فيه، بنفس الأخطاء، لا يشذ عن الباقين إن كثر تردده على الكنيسة، يقولون له:كفى تطرفا، التفت إلى دروسك أو إلى عملك.. وإن صام ، يقولون له ستضيع صحتك، وتفقد نضارتك. أنظر كيف ذبلت! لو سرت هكذا ستصاب بالأنيميا والسل! إن عامل الناس بإتضاع ووداعة، يتهمونه بضعف الشخصية. وان رفض لهوهم وعبثهم ومزاحهم الردئ وترفيهاتهم الخاطئة، يصفونه بالرجعية! وإن سلكت الفتاة في حشمة يقولون لها:منظرك اصبح كفلاحة! من يرضى أن يتزوجك وأنت هكذا؟! إنك رجعية لا تجارين العصر، قد عقدك التدين! كلا، إن الإنسان المتدين ليس رجعيا، إنما هو يقبل من العصر ما يناسب مبادئه ومثالياته، ويترك ما يبعده عن الله. والمدنية ليس معناها التخلى عن القيم الروحية. وليس التمسك بالمثاليات لونا من الرجعية.
إنما هذا الإتهام هو نوع من الإثارة، يقصد بها الناقدون أن يسمعه الضعيف فيتزعزع.
إن الشخص القوى لا تجرفه البيئة المنحرفة، بل يصمد ويقاومها.
أما الضعيف، فربما يساير الجو. إن سمكة صغيرة يمكنها أن تقاوم التيار لأن فيها حياة. بينما جذع شجرة ضخم يجرفه التيار على الرغم من ضخامته، لأنه ليس حيا. فكونوا أحياء وقاموا البيئة إذا انحرفت، ولا تستسلموا لكل جديد إن كان ضد روحياتكم ومثالياتكم.
حقا ما أخطر البيئة على الإنسان الضعيف. كلما تشتعل فيه محبة الله، ترجع البيئة فتطفئها. كما تضعفه القدوة السيئة.
وهكذا يتصرف كالباقين، يلهو معهم ويعبث، ويشترك في أحاديثهم الخاطئة، ويلبس شخصيتهم.
وكما يقول المثل (أرضهم ما دمت في أرضهم، ودارهم ما دامت في دارهم) أو على الأقل إن استطاع أن يقاوم، لا يضمن الاستمرار في المقاومة. وبمرور الوقت يفقد حرارته الروحية ويحيا في فتور دائم، يتحول بالتدرج إلى غفوة روحية. لأنه لا يوجد صوت يبكته على الخطية والفتور، بل على العكس يوجد من يبكته على العمل الروحى! كشاب كلما يحاول أن يستيقظ إلى نفسه، يمر عليه صديق يضيع كل ما عنده من روحيات، وينتقل بأحاديثه وبدعوته الملحة إلى جو آخر، ثم يخرجه معه من منزله، ويقوده إلي ما كان يحاول الإبتعاد عنه منذ حين.
(والشر الذي ليس يريده، إياه يفعل) (رو 7: 19) وعلى رأى الشاعر
*متى يبلغ البنان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!
يضاف إلى الإغراء، والضغط المعنوى، والجذب المستمر، محاولات الإقناع.
الفكر أيضا يعمل، عملا مضادا للروح. البيئة تحاول أن تقنع هذا المتدين بخطأ مسلكه، بوسائل متعددة من التشيك، وبسرد قصص وأخبار لا تنتهى. وربما تلجا إلى تفسير خاطئ لآيات الكتاب، كما حاول الشيطان في التجربة على الجبل. ولا أريد هنا أن أسرد أمثلة من التشكيك وهى كثيرة ...
مثل هذا الإنسان، يجب أن يهرب من تأثير البيئة.
يهرب منها فكريا، بأن يعرف الرد على شكوكهم، بالإتصال بشخصيات روحية قوية، تعطيه ردا على كل فكر خاطئ ، وكل مبدأ غير سليم، وكل تفسير منحرف لآيات الكتاب ويهرب من تأثيرهم بكافة الطرق ، حتى بالنسبة للأسرة، كأن ينشغل في عمله خارج البيت، مع باقى أنشطته، أو أن ينشغل في البيت في مذاكرات إن كان طالبا ويجب أن يخفى ممارسته الروحية . عنهم على قدر الإمكان كما قيل في سفر النشيد ( اختى العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم) (نش 4: 12) وأيضا لا يكشف أمانيه الروحية ويحيا في البيئة كأنه ليس منها. ويشترك أحيانا مهم فيما لا يتعب، ويعتذر عن الباقى لباقة وحكمة، أو في هروب. كما ينبغى أن يكون قوى الشخصية ..
أما الذين يستسلمون لتأثيرات البيئة الخاطئة، فإنها تتلفهم.
تقتل فيهم كل رغبة روحية، وتفقدهم روح اليقظة. وان استيقظوا يعذبون أنفسهم يوما بيوم، كما كان لوط في ارض لوط في أرض سادوم.. لما كلمهم عن خلاص نفوسهم (كان كمازح وسط أصهاره) (تك 19: 14).
ما أعمق قول الكتاب إن (المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة) (1 كو 15:33). لابد إذن أن يغير بيئته، أو يهرب من تأثيرها. أو إن يكون قويا بالدرجة التي يستطيع هو فيها أن يؤثر في البيئة. ولكننا لا نتكلم هنا عن الأقوياء، إننا نتكلم عن الذين يحتاجون إلى يقظة روحية، الذين جذبتهم الدوامة، وجعلت الكرة تتدحرج إلى أسفل. يجب أن يهرب هؤلاء لأنفسهم..
كمثال نصيحة طبيب لمريض...
يقول الطبيب للمريض: يجب أن تغير أسلوبك في حياتك: لا تأكل كذا وكذا من الأطعمة، فإنها ضارة بصحتك. تخلص من السمنة مثلا. لا تجلس كثيرا بل أمشى فان المشى مفيد لك. لا تجلس في مكان غير متجدد الهواء.. إلخ. ويجب على المريض أن يمتنع عما يمنعه عنه الطبيب .. ليشفى..
اصحوا إذن لأنفسكم. تخلصوا من مشغولياتكم وعواطفكم وبيئاتكم.
تخلصوا من كل ما يخدر ضمائركم ، كما تتخلصون من المشغوليات والعواطف المسيطرة، وأيضا من تأثير العقل المنحرف، الذي تقوده رغبات خاطئة أو أفكار غير سليمة..