|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لنيافة الأنبا رافائيل طقس القداس يشرح التجسد عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ" (1تي3: 16) إن تجسد الله هو أعظم حدث قابل البشرية على الإطلاق، وهو أساس المسيحية كلها، وينبوع الفكر المسيحي، والممارسة الروحية، والنعمة التي نُقيم بها الآن. والكنيسة الأرثوذكسية تهتم جدًّا بإبراز فكر التجسد في كل تعاليمها المقدسة، وفي الممارسة الروحية الكنسية أيضًا. وليسمح لي صديقي القارئ.. أن أجول معك اليوم في طقس القداس الإلهي لنتبين معًا الإشارات الطقسية التي تشرح سر التجسد، وتثبت الإيمان في أذهان الناس وحياتهم. + يمكن أن نعتبر الصينية المقدسة قبرًا للمسيح، أو عرشًا له، أو هي الصليب المجيد.. ويمكن أيضًا أن تكون هي المذود الذي وُلد فيه المخلص.. فعندما يضع أبونا القربانة المقدسة في الصينية بعد تقدمة الحمل، يكون كمثل العذراء التي وضعت مخلصنا الصالح في المذود.. "فوَلَدَتِ ابنَها البِكرَ وقَمَّطَتهُ وأضجَعَتهُ في المِذوَدِ، إذ لم يَكُنْ لهُما مَوْضِعٌ في المَنزِلِ" (لو2: 7). + واللفايف التي توضع تحت وفوق القربانة والكأس.. يمكن أيضًا أن تكون رمزًا للأكفان المقدسة، أو أيضًا رمزًا للأقمطة التي لُف بها المخلص.. "تجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطًا مُضجَعًا في مِذوَدٍ" (لو2: 12). + وفرش المذبح قبل القداس هو إشارة إلى تهيئة المذود.. بل وأيضًا تهيئة قلب الإنسان لميلاد السيد المسيح فيه.. وكما أن اللفايف يشترط أن تكون جميلة ونظيفة ومنظمة إكرامًا لجسد الرب الموضوع عليها.. كذلك يجب أن تكون قلوبنا مستعدة بهذا الجمال الروحي.. والطهارة اللائقة بحلول الله الكلمة فينا بالتناول من جسده ودمه الأقدسين. + في اختيار الحمل المقدس.. يُقدم الأب الكاهن الطبق وفيه عدد فردي من القربانات لاختيار أحسنها لتكون التقدمة التي تتحول بالصلاة وحلول الروح القدس إلى جسد حقيقي للرب يسوع. القربانة المختارة هي رمز لتجسد الله وحلوله فينا، أما باقي القرابين فتشير إلى آبائنا الرسل الأطهار الذين أرسلهم السيد المسيح اثنين اثنين للخدمة.. وهذا هو السر في أن عدد القربانات بدون قربانة التقدمة يكون زوجيًا. والتشابه في كل القرابين المقدسة يشير إلى أن السيد المسيح شابهنا في كل شيء. ولكن قربانة الذبيحة تكون أكثر تميزًا من كل القربان إشارة إلى أن السيد المسيح بالرغم من تجسده لكن ظل "مُعلَمٌ بَينَ رَبوَةٍ" (نش5: 10)، وهو طبعًا الأفضل من الكل، و "أبرَعُ جَمالاً مِنْ بَني البَشَرِ" (مز45: 2)، لأنه هو الله الخالق وقد تجسد. + يدور الأب الكاهن حول المذبح حاملاً القربانة المختارة.. وذلك كمثل سمعان الشيخ الذي حمل السيد المسيح عندما جاء به أبواه إلى الهيكل ليصنعا له كما يجب في الناموس، وقال القديس سمعان الشيخ: "الآنَ تُطلِقُ عَبدَكَ يا سيدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بسَلامٍ، لأنَّ عَينَيَّ قد أبصَرَتا خَلاصَكَ، الذي أعدَدتَهُ قُدّامَ وجهِ جميعِ الشُّعوبِ. نورَ إعلانٍ للأُمَمِ، ومَجدًا لشَعبِكَ إسرائيلَ" (لو2: 29-32). ويدور الأب الكاهن مرة أخرى قبل قراءة الإنجيل حاملاً البشارة المقدسة، وهو يتلو نفس الصلوة التي فاه بها سمعان الشيخ.. ليتذكر تجسد المسيح، ومجيئه إلينا في المرة الأولى (تقدمة الحمل) كذبيح من أجلنا، وفي المرة الثانية (قراءة الإنجيل) كمُعلِّم لنا. + عندما تقابلت العذراء القديسة مريم مع القديسة أليصابات، هتفت الأخيرة قائلة: "مُبارَكَةٌ أنتِ في النساءِ ومُبارَكَةٌ هي ثَمَرَةُ بَطنِكِ" (لو1: 42). ونحن نهتف أمام السيد المسيح الذي تجسد وجاء إلينا قائلين: "مبارك الآتي باسم الرب"، نقولها مرة قبل قراءة الإنجيل، ومرتين أثناء التناول من الأسرار المقدسة.. متشبهين بأليصابات التي كانت أول من عرف بخبر التجسد بعد العذراء مريم. + في الطقس القبطي الأصيل: عندما يضع الكاهن يد بخور في الشورية أثناء القداس عند قوله: "تجسد وتأنس"، يضع البخور هنا مستخدمًا (الماستير)، وهنا أيضًا توجد إشارة بليغة إلى التجسد الإلهي.. فالماستير يكون مكانه فوق الكرسي إلى جانب الكأس.. إشارة إلى وجود المسيح على عرشه السماوي في حضن الآب.. ونزول الماستير إلى درج البخور يشير إلى نزول المسيح إلينا وتجسده.. والبخور الذي يوضع في الشورية يشير إلى آلام المسيح ونيران الصليب التي فاضت منها رائحة الخلاص.. ثم يمسح الكاهن الملعقة (الماستير)، ويضعها مكانها إشارة إلى أن المسيح نفض عنه آلام الموت وأثاره، وقام من الأموات، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين الآب في المجد. + قبل أن يمسك الكاهن الذبيحة بيده، يُحضر له الشماس الشورية، ويبخر الكاهن يديه كمن يغسلها استعدادًا للإمساك بالجسد المقدس.. ثم يحمل الكاهن بين يديه كمية من دخان البخور، ويضعها على الجسد المقدس كمثل المجوس الذين قدموا للمسيح هداياهم ومن ضمنها اللبان (البخور)، عندما كان طفلاً صغيرًا متجسدًا من العذراء البتول. + هناك عبارات تستخدم في القداس يتكرر بها فكر التجسد.. كمثل ما يوجد أيضًا في قانون الإيمان: "هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس..". ففي القداس الباسيلي يقال أيضًا: "هذا الذي من الروح القدس ومن مريم العذراء القديسة مريم تجسد وتأنس وعلمنا طرق الخلاص". وفي القداس الغريغوري يقال: "وعندما سقط بغواية العدو وأردت أن تجدده.. لا ملاك ولا رئيس ملائكة.. ائتمنته على خلاصنا، بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست وشابهتنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها" (صلاة الصلح). وأيضًا يقال: "أنت الكائن في كل زمان أتيت إلينا على الأرض أتيت إلى بطن العذراء.. واضعت ذاتك وأخذت شكل العبد، وباركت طبيعتي فيك". وفي صلاة التحليل يقول الكاهن عبارة جميلة: "أنت يارب الذي طأطأت السموات ونزلت وتأنست من أجل خلاص العالم". هذه عينة من صلوات كثيرة بالقداس تشرح وتعلن سر التجسد الإلهي. |
|