في رسالة الأيام الأخيرة، وقبيل رحيل الرسول بولس إلى المجد، يوصي ابنه تيموثاوس قائلاً: «أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذاً أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ: اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ» (2تي4: 1، 2). إنه يدعوه أن يكرز بالكلمة لأولئك الذين خدَّرهم العدو، وهم منحدرون إلى الهلاك وممدودون للقتل. وهنا يقول بولس: بما أنك تمتلك هذا الكتاب النافع، فلا تتوانَ في الكرازة للنفوس بكل نشاط القلب وعزمه، في وقت مناسب وغير مناسب، لأن الموقف خطيرٌ للغاية. وقبل أن يقول له: اعكف على الكرازة بالكلمة، قال له: اعكف على القراءة (1تي4: 13). فالخادم يظل تلميذًا للكتاب مدى الحياة، وإذا توقف عن أن يكون تلميذًا، فإنه ما عاد يصلح للخدمة في أي صورة. إنه يحيا بها قبل أن يكرز بها.
ثم يستطرد قائلاً: «لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ (وقد أتى فعلاً هذا الوقت الآن)، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ» (2تي4: 3، 4). إنه الآن يتكلَّم عن حالة الناس السامعين في الأوساط الكنسية. لقد سمعوا مرارًا كلمة الحق التي تُبِكِّتْ ضمائرهم، وتصرخ في أعماقهم: لا يحل لكم. ولأنهم يرغبون في العيشة في الشر والنجاسة دون إزعاج، فهم لا يحتملون التعليم الصحيح الذي يطالب بالقداسة. وهم حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم مُعلِّمين يوافقونهم في رغباتهم، ولا يعترضون على ما يفعلونه، ويُقنِّنون الخطية، ويعطونها مُسمَّيات بريئة وجذَّابة. هذه الجماعات من المسيحيين والقادة المسؤولين عنهم، يعنيهم بالدرجة الأولى إرضاء الناس، وزيادة الأعضاء، وتسكين الضمير. من أجل هذا يبحثون عن معلِّمين لا يعتمدون على كلمة الله في عظاتهم، بل على الأفكار البشرية وعلى القصص والروايات من الواقع أو من الخيال التي تُسلِّي السامعين. ويستشهدون لا بآيات من الكتاب بل بأقوال الفلاسفة أو الفنانين. وهكذا نرى كيف انحرفتْ المسيحية بعيدًا عن الحق، وعن الهدف الأسمى وهو استحضار النفوس إلى علاقة صحيحة مع الله، وتحوَّلتْ إلى ما يعجب ويبهر وينعش الجسد أو يغذِّي العقل. هؤلاء المعلِّمون سيصرفون مسامع الناس عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات. وبدلاً من الاهتمام بإطعام الخراف بكلمة الله، انصرفوا إلى مُداعبة الجداء. وهذا ما يرغبه الناس في الأيام الأخيرة.