|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَ مَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ [1]. يقصد المرتل بأنهار بابل القنوات التي كانت تخرج من نهري دجلة والفرات، وذلك لاستخدامها في الري والشرب، وكانت هذه القنوات أو الترع كثيرة. كما كان اليهود يجتمعون كثيرًا بجوارها للعبادة أو الراحة (حز 1: 1؛ 3: 15). غالبًا ما كانوا يجتمعون في أيام السبوت عند إحدى هذه القنوات للصلاة، حتى يمارسوا الغسلات أثناء عبادتهم. يكشف المزمور عن المرارة التي حلت بالشعب الذي حُرم من بلده، وصار مسبيًا كعبيد للبابليين. كانوا يتذكرون الهيكل والحرية التي فقدوها والفرح الروحي الذي لم يعرفوا قيمته إلا بعد الحرمان منه. وإن مارسوا الصلاة لكن كان من الصعب وأحيانًا من المستحيل أن يعزفوا على القيثارات ليرنموا بالمزامير والتسابيح. صاروا في أرض نجستها العبادة الوثنية. يتطلعون إلى مياه أنهار بابل، فيرون فيها صورة لأنهار دموعهم ومرارة نفوسهم. وكأنهم يرددون مرثاة إرميا النبي: "سكبت عيناي ينابيع ماء على سحق بنت شعبي. عيني تسكب ولا تكف بلا انقطاع، حتى يشرف وينظر الرب من السماء. عيني توتّر في نفسي لأجل كل بنات مدينتي" (مرا 3: 48-51). كما يقول: "يا ليت رأسي ماءً، وعيني ينبوع دموع، فأبكي نهارًا وليلًا قتلى بنت شعبي" (إر 9: 1). إن كانت "بابل" تعني "بلبلة" أو "ارتباك". فإن من تربكه مشاغل هذا العالم لا يدخل الفرح إلى أعماقه، ولا يقدر أن يسبح الله في أعماقه. يرى العلامة أوريجينوس أن أنهار بابل تشير إلى حياة اللهو والاستهتار، حيث تفيض مجاري اللذة، ونستحم وسط أمواج عدم العفة. في هذا الجو لا نستطيع القيام، بل نبقى جالسين في رخاوة، حتى نذكر صهيون أي الكنيسة بشريعة الله التي لها وجبال الكتاب المقدس عندئذ نبكي على بؤسنا. ويرى القديس أغسطينوس في هذا المنظر، حيث كان المسبيون يجلسون في انسحاق بجوار أنهار بابل، صورة رمزية لمن سباهم حب العالم وشهواته، فصاروا في السبي يبكون على ما بلغوه من مذلة. ويميز القديس أغسطينوس بين الذين يجلسون على أنهار بابل أو مياه بابل أي بجوارها وبين الذين يجلسون أو يغطسون فيها أو تحتها في أعماقها. فالجالسون على الأنهار يبكون في حزنٍ على ما بلغوه بسبب سبي الخطية، أما الذين في داخل المياه، فهم الذين يغرقون في الملذات ولا ينالون السعادة، وفي نفس الوقت لا يطلبون التحرر من شهواتهم. يقول عن هؤلاء إنهم يبكون على حرمانهم من السعادة، لكنهم يفرحون أيضًا بملذات ومباهج بابل، أي فرح العالم الشرير وشهواته. * لاحظوا "مياه (أنهار) بابل". مياه بابل هي كل الأشياء التي تُحب هنا وتزول... يدرك بعض مواطني أورشليم المقدسة سبيهم. لاحظوا كيف تُسرع شهوات الناس المتنوعة ورغباتهم الطبيعية وتسحبهم هنا وهناك، وتلقي بهم في البحر. يرون ذلك ولا يلقون بأنفسهم في مياه بابل، إنما يجلسون ويبكون إما من أجل الذين سحبتهم شهواتهم بعيدًا، أو من أجل أنفسهم الذين أهَّلوا أنفسهم ليُلقوا في بابل، فيجلسون أو يصيرون في مذلةٍ. آه يا صهيون المقدسة، حيث يقف فيك الجميع بثباتٍ ولا يسيلون (كالماء). من الذين ألقونا بطيشٍ في هذا (المجرى المائي)؟ لماذا تركنا الذي أسسك (الله) وجماعتك (المقدسة)...؟ لنجلس بجوار مياه بابل وليس تحتها. ليكن هكذا تواضعنا حتى لا تبتلعنا. القديس أغسطينوس * وإن كنا قد سقطنا من الفردوس خلال خطأنا، غير أننا نتذكر سعادتنا السابقة، ولن ننساها. القديس جيروم * "على أنهار بابل هناك جلسنا. بكينا أيضًا عندما تذكرنا صهيون". عظيم هو اشتياق الناس للمدينة، وعظيمة هي شهوتهم للعودة. أقصد عندما كانت لديهم الخيرات بين أيديهم استمروا في المظاهر وارتكاب المساوئ، لكنهم إذ فقدوها صار شوقهم أن يقتنوها. هذا هو السبب الذي لأجله استبعدهم، لكي ما يقودهم إلى هذا الاشتياق. هذه هي طريقة الله في الغالب، عندما نفسد ولا نقدِّر خيراته، ينزل بنا إلى حد الحرمان منها، وخلال الفقدان تعود أحاسيسنا إليها، ونطلب التمتع بها مرة أخرى. الآن، لماذا جلسوا بجوار الأنهار؟ إنهم كمسبيين كانوا تحت التحفظ بعيدًا عن مناطق العدو، لهم مناطق خاصة خارج الأسوار والمدن. القديس يوحنا الذهبي الفم * الآن إذ ذُبح الشيطان، ذاك الطاغي على العالم كله، فإننا لا نقترب من عيدٍ زائل يا أحبائي، بل من عيدٍ خالدٍ سمائي، ليس في ظلالٍ نتبيَّن العيد، بل نأتي إليه في الحق. لأنهم إذ شبعوا بلحم حمَل أبكم أكملوا العيد، وإذ دهنوا قوائم أبوابهم بالدم، طلبوا العون ضد المهلك، لكننا نحن الآن إذ نأكل من كلمة الآب، ولنا أعتاب قلوبنا مختومة بدم العهد قال: "اُنظروا، لقد أعطيتكم أن تدوسوا على الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19). لأن الموت لن يسود فيما بعد، بل منذ الآن عوضًا عن الموت توجد الحياة. قال ربنا: "أنا هو الحياة" (يو 14: 6). حتى امتلأ كل شيءٍ بالفرح والسرور. وكما هو مكتوب: "الرب يملك، فلتفرح الأرض". لأنه عندما ملك الموت، بكينا إذ كنا جالسين على أنهار بابل (مز 137: 1) ونحنا، إذ شعرنا بمرارة السبي (للموت)، لكن الآن وقد بطل الموت ومملكة الشرير، فإن كل شيء مملوء بالتمام والفرح والمسرة. يجب علينا أن نقترب إلى هذا العيد، لا بملابس قذرة، إنما نرتدي عقولًا (ثيابًا) نقية، إذ نلبس ربنا يسوع (رو 13: 14)، حتى نستطيع أن نحتفل بالعيد معه. القديس أثناسيوس الرسولي * مكتوب أيضًا: "اخرجوا من بابل؛ اهربوا من أرض الكلدانيين" (إش 48: 20). يُنذِر العبراني بكلمات النبي، لا لكي يهرب حقًا من أرض البابليين، وإنما من سيرتها الأخلاقية، إذ كان العبرانيون في أرض بابل، وظهروا بسلوكهم الأخلاقي أنهم رحلوا عنها. عن هؤلاء يقول المرتل إنهم جلسوا على أنهار بابل (مز 137: 1). هم مكثوا فعلًا في أرض بابل، لكنهم لم يكونوا في رذائلها المخزية. وفي خضم تلك النقائض المشينة بكوا وتابوا، لأنهم سقطوا عن تابوت الإيمان والعبادة التقية وعن الفضيلة واستحقاقات آبائهم. النفس التي تخرج تسير بكلمته (أي في طاعة لها)، إذ تطلب الكلمة. القديس أمبروسيوس |
|