رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حديث إلهي لكورش: 1 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ، لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ: 2 «أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ. 3 وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ. 4 لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ، وَإِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي، دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. 5 أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. 6 لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. 7 مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ. 8 اُقْطُرِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَلْيُنْزِلُ الْجَوُّ بِرًّا. لِتَنْفَتِحِ الأَرْضُ فَيُثْمِرَ الْخَلاَصُ، وَلْتُنْبِتْ بِرًّا مَعًا. أَنَا الرَّبَّ قَدْ خَلَقْتُهُ. يظهر من الكتابات البابلية أن كورش هذا كان ابنًا لقمبيز وحفيدًا لكورش آخر، وجميعهم مع أجدادهم ملكوا في شرق عيلام حيث كانت شوشان عاصمة ملكهم منذ سنة 550 ق.م. تقريبًا. يعتبر كورش مؤسس المملكة الفارسية، قيل إنه بدأ حياته كقائد فرقة خاملة في فارس، نجح في أن يصير قائدًا لفرقتين من جنود الجبال، وكان طموحًا للغاية فبدأ غزواته للممالك الصغيرة المجاورة، غير أن بابل سخرت به واستهترت بإمكانياته حتى دخل بابل سنة 539 ق.م. في أيام بيلشاصَّر ملكها، وكان قد جمع في شخصه قوة مملكتي فارس ومادي؛ بهذا تحققت نبوة دانيال (دا 5: 28)، وكان دانيال في بلاط كورش أيضًا (دا 6: 28). مدح هيرودت Herodotus وزينوفون (الشاب اليوناني) شخص كورش، تحدث عنه الأخير بعد موته بحوالي 100عام كمثل أعلى في القوة مع البساطة والطهارة وضبط النفس. الآن يوجه الله حديثًا لكورش قبل مجيئه بحوالي قرنين، فيه يعلن عن نظرته إليه، وعمله الإلهي في حياته، وغاية الله منه. ويلاحظ في هذا الحديث الآتي: أ. تظهر كلمة "أنا" للرب 16 مرة في حديث الله مع كورش [1-7] و31 مرة في الأصحاح كله. وكأن الله يُريد تأكيد أن قيام كورش بسماح إلهي وأن غلبته هو وجيشه وتحطيم بابل كإناء خزفي لا يمكن إصلاحه هو من قبل الله نفسه. ب. يدعو الرب كورش "مسيحه" [1]، مع أنه لا يعرف الرب [4-5]، ربما لأنه كان يتعبد لله الواحد المجهول مع احترامه للديانات ككل، أو لأنه حقق خطة الله نحو خلاص شعبه من السبي البابلي، ولأنه كان رمزًا للسيد المسيح مخلص العالم. ج. من جهة عمل الله معه يقول "الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أممًا وأحقاء ملوكٍ أحُلُّ" [1]. يقوم الله بدور الأب الذي يمسك بكورش كطفل له لكي يسير، وكأن الله هو الموجه له وسرّ قوته يسنده ليُحطم الشر. يعطيه النصرة في الحرب ضد الأمم فيدوسهم، إذ كانت العادة أن يدوس المنتصر على أعناق العظماء المأسورين، وأن يحل أحقاء ملوك أي يفقدهم قوتهم وعظمتهم، فقد اعتاد الملوك أن يلبسوا أحقاء ثمينة للغاية علامة عظمتهم وجبروتهم. وقد تحقق ذلك حرفيًّا عندما رأى بيلشاصَّر الملك أصابع يد إنسان تكتب على حائط القصر، "تغيرت هيئة الملك وأفزعته أفكاره وانحلت خَرّز حقويه واصطكَّت ركبتاه" (دا 5: 6). على أي الأحوال كان كورش رمزًا للسيد المسيح في هذا الأمر الذي قيل عنه "الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكًا" (مز 110: 5). قيل عن كورش أن الرب أمسك بيمينه، وهنا يُقال عن الابن الكلمة "الرب عن يمينك"، والعجيب أنه قيل في نفس المزمور على لسان الآب "اجلس عن يميني" (مز 110: 1). كأن الابن عن يمين الآب (مز 110: 1) والآب عن يمين الابن (مز 110: 5)... لأنه لا يعني باليمين وضعًا مكانيًا أو اتجاهًا معينًا إنما هو رمز للقوة الإلهية، وعلامة الاتحاد وعدم الانفصال، إذ هما واحد في اللاهوت وواحد في القوة. وكما حطم كوش ملوكًا هكذا حطم السيد المسيح الملوك الجاحدين والمقاومين للحق، فقد قيل: "يحطم في يوم رجزه ملوكًا" (مز 110: 5). يعلق القديس أغسطينوسعلى ذلك قائلًا: [جُرح هؤلاء الملوك بمجده، وصيرهم ضعفاء بثقل اسمه، فلم يعد لهم قوة لتحقيق ما أرادوه... هم أرادوا أن يمحوا الاسم المسيحي من وجه الأرض فلم يستطيعوا، لأن من يسقط على هذا الحجر يترضض. لقد سقط الملوك على حجر الصدمة هذا فجرحوا عندما قالوا: من هو المسيح؟!]. لعله قصد بالملوك خاصة السيد المسيح التي لم تقبله (يو 1: 11)، إذ كان يليق بهم أن يتحدوا به كملك الملوك فيصيروا ملوكًا كارزين وشاهدين له. الأمر الذي أدهش الأنبياء عندما تنبأوا عن ذلك، إذ يقول إشعياء في ذات الأصحاح: "حقا أنت إله مُحتجب يا إله إسرائيل المخلص" [15]؛ واندهش أيضًا لذلك الرسول بولس (رو 10: 20؛ 11: 7؛ 9: 30). د. "لأفتح أمامه المصراعين، الأبواب لا تغلق" [1]. هكذا يتقدم الله أمام كورش مسيحه ليفتح أمامه الأبواب المغلقة وتنهار قدامه الحصون التي من عمل البشر، حتى الطبيعة أيضًا تتحرك لمساندته: "أنا أسير قدامك والهضاب أمهِّد، أُكسِّر مِصْراعَي النحاس ومغاليق الحديد أُقصِف" [2]. حينما نرتبط بمسيحنا الغالب نسير في الطريق الملوكي ونرتفع نحو السماويات كما بغير عائق، لأن الرب يتقدمنا، فتُفتح أمامه أبواب الأبدية لحسابنا. لقد اقتحم كورش أسوار بابل بأبوابها النحاسية الضخمة التي بلغت مئة بابًا كقول هيرودت. ه. الله يهب كورش كنوز بابل الخفية، إذ كانت عادة الملوك أن يخفوا كنوزهم في أماكن لا يعلمها أحد حتى لا يستطيع العدو أن يغتصبها. "وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ لكي تعرف إني أنا الرب الذي يدعوك باسمك إله إسرائيل" [3]. ما دام الله هو "مصوّر النور" [7]، لهذا فهو يكشف لأبنائه الأمور المخفية ويهبهم كنوز نعمته غير المدركة. و. يكشف الله لكورش غايته منه: "لأجل عبدي يعقوب وإسرائيل مختاري دعوتك باسمك، لقبتك وأنت لست تعرفني" [5]. ما يقدمه له إنما لحساب مؤمنيه، ولأجل شعبه... هكذا يليق بنا -كمسحاء للرب- التصقنا بربنا يسوع المسيح الفريد. أن نتعرف على رسالتنا ألا وهي بنيان الجماعة ونموها في الرب. ز. إذ عُرفت الديانات الفارسية بالغنوصية التي ركزت على "ثنائية الله"، بمعنى وجود إله للخير وإله للشر، لهذا أراد الله أن ينتزع هذا الفكر من كورش، قائلًا له: "أنا الرب وليس آخر؛ مصور النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر؛ أنا الرب صانعُ كل هذه" [7]. جاءت كلمة "الشر ra " لا بمعنى الخطية وإنما ثمر الخطية أو عقوبتها من حزن وضيق. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يوجد شر هو بالحقيقة شر: الزنا، الدعارة، الطمع، وأشياء أخرى مخفية بلا عدد تستحق التوبيخ الشديد والعقوبة. كما يوجد أيضًا شر هو في الحقيقة ليس شرًا، إنما يدعى كذلك مثل المجاعة، الكارثة، الموت، المرض وما أشبه ذلك؛ فإن هذه ليست شرورًا وإنما تدعى هكذا. لماذا؟ لأنها لو كانت شرورًا لما كانت تصبح مصدرًا لخيرنا، إذ تؤدب كبرياءنا وتكاسلنا، وتقودنا إلى الغيرة، وتجعلنا أكثر يقظة]. بنفس المعنى يقول الأب ثيؤدور في مناظرات القديس يوحنا كاسيان: [اعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم تعبيريْ "شرور"، "أحزان" في معان غير مناسبة، فإنها ليست شريرة في طبيعتها وإنما دُعيت كذلك لأنه يظن أنها شرور بالنسبة لمن لم تسبب لهم خيرًا]. |
|