رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إنجيل اليوم هو إنجيل تدبير ربنا لوجوده في حياتنا نور، فبينما كانت البشرية تذهب إلي حالة الموت بيأس، ولا يوجد رجاء ، بشرية متوحشة قد أفترسها إبليس بكل شراسة، وغرس أنيابه في عقولها وأرواحها حتي صارت فاسدة، فتاريخ البشرية كله دم وخيانة وفساد، حتي أنه سفر إشعياء يقول عن حالة البشرية: " يا حارس ما من الليل"، وفي ترجمة أخري: " يا حارس كم بقي من الليل" إنتظار البشرية لهذا الليل، هو نفس كلمات ماربطرس للسيد المسيح، حينما ظهر له في نهاية الليل، ولم يكن بطرس والتلاميذ قد أصطادوا ما هو رزق حياتهم ، وكانت صرخة البشرية للمسيح الذي أتي ليخلصهم: "تعبنا الليل كله ولم نصطاد شئ" (لو 5:5) تعبنا الحياة كلها ولم نأخذ شئ، تعبنا من طول الليل . الليل هنا هو: الحروب، الخيانة، الضعف، السقوط، المرض، هو إنطفاء كل ما هو خير ونور، هو ما يذبح النور، وما تذبحه أيدي الشر والشياطين لكل ما هو حق وخير وجمال في البشرية، الليل هنا هو عدم الإستنارة، هو قتل الحياة. لذلك في سفر إشعياء 21 تصرخ البشرية وتقول: " يا حارس ما من ليل" قال الحارس: "أتي صباحاً، وأيضاً ليل" فحتي حينما يشرق النور، سيكون هناك ليل. لا تظنوا أبداً حينما جاء المسيح ليغير وجه الأرض بتجسده وصليبه ، أنتهي كل الشر، ولكن يوجد أيضاً ليل. "إن كنتم تطلبون فأطلبوا. إرجعوا تعالوا" ( إش 11:21) إذا أردتم النور، فتعالوا للمسيح. كانت البشرية تصرخ من حالة الظلمة والليل "تعبنا الليل كله" فقد حاولت البشرية أن تعيد أليها صورة النور والحق، ولكن لم تستطيع. فيقول: " لا يكون ظلام للتي عليها ضيق" (إش 1:9) النفس التي تضايقت من حالة الظلمة، سيأتي المسيح ليرفع عنها الظلمة " كما أهان الزمان الأول، يكرم الأخير طريق البحر، عبر الأردن، جليل الأمم الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، الجالسون في ظلال الموت، أشرق عليهم نور، لأن نير ثقله، وعصا كتفه، وقضيب مسخره، كسرتهم أنت" (إش 1:9) الليل يهين، الليل يسقطنا في حالة مهانة. الإنسان الذي لا يستطيع أن يري الحياة يشعر بمهانة. الإنسان الذي لا يستطيع أن يجد قوته، يشعر بمهانة. كل الأمور التي تشعر الإنسان بالليل والظلمة تنكسر. "لأنه يولد لنا ولداً، نعطي إبناً تكون الرئاسة علي كتفه ، ندعي إسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام يدعي" (إش 6:9) من يكسر هذة الظلمة؟ هو المسيح المتجسد. لذلك فالكنيسة تقدم لنا المسيح الذي يكسر الظلمة، فقد أتي ليدخل البشرية في حالة جديدة. في علاقة وجود المسيح في حياتنا ، يأتي النور، فالمسيح قد جاء ليخرج البشرية من حالة الظلمة " رأيت سماءً جديدة وأرضاً جديدة" (رؤ 1:21) أي سماء جديدة وأي أرض جديدة، من الذي يصنع تلك الحالة الجديدة؟ هو وجود المسيح نفسه. " المدينة لا تحتاج إلي شمس ولا قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والحمل سراجها، تمشي شعوب المخلصين بنورها" (رؤ 23:2) " أنا هو نور العالم" (يو 12:8) هكذا قال المسيح. "تعبنا الليل كله ولم نصطاد شئ" فكانت كلمات السيد المسيح: "أدخل إلي العمق" وحينما أطاع بطرس بقوة الإيمان، فقد لا ندرك ولا نفهم، ولكننا نطيع لأننا نثق فيه تماماً، قد لا ندرك لماذا نتمم الوصية رغم ثقلها، أو غير منطقية. حينما أعطانا وصية أن نحب أعدائنا، تأتي أفكار من العالم أن نسحق أعدائنا، لكن حينما نتمم الوصية، نُدرك كم هو نور، حينما يخلصنا من الكراهية، طاعة المسيح كاملة تلزم وجود الله فينا بالعمل، لأننا قد أتممنا الوصية "إن كنتم تحبونني فأحفظوا وصاياي" (يو 15:14) " الذي يحفظ وصاياي إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" (يو 23:14) " وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر يمكث معكم روح الحق ، الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه" (يو 17:14) إتمام الوصية في حد ذاتها، ولو ببساطة شديدة، تُعطي قوة، وقد تمم الوصية وأنت تشعر بتغصب، ولكن حينما تتمها تأخذ الكثير. بطرس الرسول يقول للسيد المسيح: " علي كلمتك ألقي الشبكة"(لو 5:5) ردد هذة الآية بإستمرار، علي كلمتك أتمم ما تقول، حتي تأخذني إلي ما هو غير معقول. ـ في القرن الرابع كان هناك شخص في بابليون ـ مصر القديمة ـ وكانت له إبنه عليها روح نجس، وذهب بها إلي الأطباء والكهنة ولم ينفع شئ ، فنصحه أحدهم بأن رهبان البرية أثناء نزولهم إلي السوق لشراء حاجتهم، وهم أيضاً متضعين جداً، فلو طلبت منهم أن يأتوا ليصلوا علي إبنتك، لن يقبلوا، سيكون ردهم: نحن ضعفاء وخطاه، ولكني أنصحك أن تفعل الآتي: لو وجدت أحد من هؤلاء الرهبان في السوق، خذ منه شعل يديه، ولكن أخبره أن المال في المنزل، وأصطحبه معك للمنزل ليأخذ أمواله، وهناك قل له أن يصلي لبنتك. وبالفعل فعل ذلك، وبمجرد أن دخل الراهب البيت، هذة البنت التي عليها الشيطان ، خرجت وصفعت هذا الراهب علي وجهه. أما هو فحول لها الخد الثاني، فصرخ الشيطان، وقال: الويل لنا من وصايا يسوع فإنها تزعجنا وتطردنا. وحينما عاد الراهب إلي ديره، حكي ما صار له، فقالوا له: " حقاً لا شئ يذل كبرياء الشيطان مثل إتمام وصايا المسيح بإتضاع" تعبنا الليل كله، قد لا تفهم، ولكن تخضع كل ما في عقلك. أقدم لك يا سيدي مشورة حريتي، وأكتب أعمال حياتي تبعاً لأقوالك. نقولها في القداس، لنُعلن أننا خاضعين تماماً، فقد سقط آدم وحواء حينما لم يخضعوا ذواتهم، ولم يخضعوا أفكارهم " تعبنا الليل كله" ولكن " علي كلمتك وعلي وصاياك نلقي الشبكة" وحينما نطيع فإننا نطيع بحب، حتي ولو نذبح إرادة ذاتيه ، ولكننا نذبحها بحب، يقول بولس الرسول: " قد حسبنا مثل غنم للذبح" (رو 36:8) وحينما تُذبح الغنم تتألم، ولكننا نتألم بحب، نتألم ونحن نقدم للمسيح حياة كاملة ، قد يكون فيها دم وذبيحة. هو يحبك بالطبع، وضع لنا مثالاً " أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا" ( يو 34:13) أمام هذا الحب الكبير، أي شئ نقدمه، حتي لو كان ضد ذواتنا، يكون كلا شئ أيضاً. يقول بولس الرسول: "خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية أمام معرفة المسيح" ( في 8:3). إذا لم تستطع أن تنكر ذاتك أمامه، وأن تجعل كلماته أعلي من فكرك ، وأن تجعل حبه لك هو النور الذي تسير عليه، لا تستطيع أن تعرفه أو تراه، بل لا تستطيع أن تدخل في شركة معه. أتذكر أثناء خدمتي في أوربا، تقابلت مع دكتورة في الطبيعة، وكانت لها مكانة عالية في المجتمع ، وملحدة، وأثناء حواري معها، تطرق الحوار إلي وجود الله، وكلما تطرح فكرة أرد عليها، لمدة أربع ساعات، وفي النهاية أعلنت لي أنها أقتنعت بوجود الله، فإستحالة يكون الكون بدون إله، ثم قالت لي: لا تظن إنني سأغير شئ في حياتي لأنني أقتنعت بوجود الله، إستحالة أخضع ذاتي له. فقلت لها: ستظل حياتك في قلق وتعب، وستظلي تشعرين بعدم الراحة، حتي تنظري المسيح حقيقة. الوصية تعطينا الدخول إلي أحضان المسيح نفسه . الوصية تجعلنا أبنائه. " الذي يحبني يحفظ وصاياي إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" (يو 23:14) إن أردت أن تدخل في شركة حقيقية معه رغم تعب الليل، رغم ضعفك، رغم تاريخ الخطية في حياتك، ولكن طاعة الوصية تجعلك في أحضانه، ينجي ويغفر، بل يرفعك من صورة العبيد إلي صورة الأبناء. لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين |