رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما هي تطبيقات الدَعْوة الإلهية؟ للدَعْوة بحسب ما وردت في مَثَل وَليمة المَلِك ثلاثة تطبيقات تاريخي ولاهوتي وروحي. ا) التَّطبيق التَّاريخي للنَّص الإنجيلي: لمَثَل وَليمة المَلِكٍ تطبيق تاريخي حيث أنَّ يسوع يدعو الشعب اليهوديّ في شخص ممَثَليه الرَّسميين إلى وليمة العُرْس، إلى عيد الخلاص وما سيحمل معه من فرح. فرفض، فجرّ عليه رفضُه الكارثة. إذ يروي هذا المَثَل رداً على الشُّكوك التي أثارتها مخالطته للخَطأة والعَشَّارين لدى الفِرِّيسيِّين (الأتقياء) والكتبة (اللاهوتيون) ورؤساء الشعب الدينيّون (الكهنة)، فهؤلاء لم يدركوا أهمية دَعْوة الله فلم يلبُّوا الدَعْوة. كشف المَثَل أنَّ الرَّفض يمنع النِّعْمة عن الأبرار. عندئذ قبل الله، بدلاً منهم، العَشَّارين والخطأة والزناة والوَثَنِيِّين، لأنهم انفتحوا على نداء يسوع وتبعوه طوعًا (لوقا 15: 1-2). ومن هنا تتعدّى دَعْوة الله كل الحدود الاجتماعية والدِّينية. كُلُّنا مدعوُّون إلى وليمة الرَّبّ، كل الذين على ملتقى الديانات والحضارات، كل الأشرار والأخيار، كما جاء في نبوءة أشعيا: " وفي هذا الجَبَلِ سيَضَعُ رَبُّ القُوَّات لِجَميعِ الشُّعوبِ مَأدُبَةَ مُسَمَّنات مَأدُبَةَ خَمرَةٍ مُعَتَّقَة مُسَمِّناتٍ ذاتِ مُخٍّ ونَبيذٍ مُرَوَّق" (أشعيا 25: 6). امتدت الدَعْوة إلى العابرين الذين لم يكن شيء يهيّئهم لمَثَل هذا الامتياز. يمَثَل هؤلاء العابرون صغار القوم داخل الشعب اليهوديّ (الخطأة، العشّارون). كما يمَثَلون المَسيحيِّين الذين دُعوا كلهم لكي يدخلوا إلى المَلكُوت. في هذا النصّ سخاء الرَّبّ وبِرّه وتأكيدًا مُطلقًا لمجانيّة عطائه تجاه تفكير الخصوم الذين يستندون إلى استحقاق أعمالهم. التَّضاد بين المَدعُوِّينَ المتوقَّع أن يأتوا ويرفضوا تلبية الدَعْوة، وبين المَدعُوِّينَ غير متوقع أن يأتوا ويلبُّون الدَعْوة؛ وهذا الأمر ينطبق على كل تاريخ بني إسرائيل. وهذا التَّضاد لا يقوم في داخل فئات شعب بني إسرائيل فقط، بل أيضا بين إسرائيل والشعوب الأخرى. ويحكم هذا المَثَل بشكل ضمني على رؤساء الشعب وأحبار اليهود، لأنهم رفضوا دَعْوة المسيح فتوجهت البِشَارة إلى الوَثَنِيِّين. يُوجّه يسوع تعليمه ليس لليهود فقط إنما أيضًا إلى تلاميذه: يحذرّهم أنه لا يكفي أن يكونوا مدعوّين ويقولوا "نعم" (على مستوى الكلام لا العمل) لكي يتأمّن لهم الخلاص والمُشاركة في وليمة العُرْس. أجل، لا يكفي أن نعترف باسم المسيح كي نكون جزءًا من جماعته (ندخل بالمعموديّة إلى قاعة العُرْس)، بل يجب أيضًا أن نلبس حُلّة العُرْس، أي أن نقوم بالأعمَال التي يفرضها البّرّ الجديد (متى 7: 21)، وأن نحبّ بالعمل والحقّ. وإلاّ، قد نطرح خارجًا، ونستبعد عن المَلكُوت إلى الأبد، حتى لو دخلناه كما دخله عابرو الطريق. لأنه يقال لنا في تلك الساعة: " يا صديقي، كَيفَ دخَلتَ إلى هُنا، ولَيسَ عليكَ لِباسُ العُرْس "؟ (متى 22 13). ب) التَّطبيق اللاهوتي للنَّص الإنجيلي: للمَثَل أيضا بُعد لاهوتي، إذ يشرح المَثَل موضوع الدَعْوة والدَيْنُونَة. لا يقف المَثَل عند رفضُ السُّلطات اليهودية والشَّعب اليهودي ليسوع، بل إنه دَعْوة عامة أيضًا بأن السَّاعة قد أتت وكلُّ شيء مُعدّ "وأُعِدَّ كُلُّ شَيء فتَعالَوا إلى العُرْس" (متى 22: 4). دَعْوة سخية، ومَجَّانية ومبهجة حيث الفرح، الأكل، الشُّرب، ولقاء الأحباء. وهنا لم تكن دَعْوة إلى وليمة عُرْس عادي، لكن وليمة عُرْس ملكي. فهي وليمة المَلِك. ويعلق القدّيس برونو دي سيغني "كلّنا مدعوّون إلى هذا العرس. لقد أُعدّت لنا مائدة قال عنها الكتاب المقدّس: "تُعِدُّ مائِدةً أَمامي تُجاهَ مُضايِقيَّ" (مزمور 23: 5). نجد عليها خبز التَّقدمة، والعجل المُسمّن، والحمل الذي يحمل خطايا العالم (يوحنا 1: 29). هنا، يُقدَّم لنا الخبز الحيّ النازل من السماء (يوحنا 6: 51؛ وكأس العهد الجديد (1قورنتس 11: 25). هنا، تُقدَّم لنا الأناجيل والرسائل، وكتب موسى والأنبياء التي تُشبه الأطباق المليئة بكلّ ما لذّ وطاب" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا). ويتسأل القدّيس يعقوب السروجيّ، راهب وأسقف سريانيّ "في أية وليمة أخرى وُزِّعَ على المدعوّين جسد العريس على شكل خبز؟" (عظة عن حجاب موسى). نجد رغم كل هذا في هذا المَثَل رفض من قبل المَدعُوِّينَ! ويتحدث الإنجيل عن ثلاثة أنواع من الرفض. البعض، ببساطة، " فأَبَوا أَن يَأتوا " (متى 22: 3). والبعض الآخر "لم يُبالوا" (متى 22: 5) وذهب إلى أعمالهم. والبعض الآخر، كان رفضهم بعنف " فَشَتَموهم وقَتَلوهم (متى 22: 6). كل واحد منا مدعو إلى جواب شخصي على دَعْوة الرَّبّ المَجَّانية، مدعوٌ للانفتاح على كلمة الله، على نداءات ضميره، فما هو ردُّ فعلنا؟ فهل هناك مجال للتردّد تجاه دَعْوة الإنجيل؟ وهل هناك ما هو أهم من تلبيتها؟ فلا بدَّ من اتخاذ القرار. يا رب من هو الإنْسَان حتى ينال هذا الشرف الرفيع! ليس المَثَل هو بمثابة دَعْوة بل هو أيضاً بمثابة إعلان دَيْنُونَة الله. إنها دَيْنُونَة قاسية لا يفلت منها أحد: لا تَخصُّ الدَيْنُونَة فقط مدعوي الدفعة الأولى، بل تمتدُّ إلى مدعوي الدفعة الثانية أيضاً، الذين قد يعتقدون أنهم بتلبيتهم للدَعْوة أصبحوا في مأمنٍ من الدَيْنُونَة. فقد قال المَلِك واضحًا "إنَّ المَدعُوِّينَ غيرُ مُستَحِقِّين" (متى 22: 8). تطال دَيْنُونَة الله كلَّ إنسان، لان الجميع مَدعوًّون، ولكن ليس الجميع مُختارون. لآنَّ دخول رَدْهَة تتطلب أن يتغيّر الإنْسَان ويكون في موقف طاعة دائمة. إنّ باب الرَّدْهَة مفتوحٌ، لكنّه ليس مفتوحًا ليدخل فيه الخاطئ ويظلّ على خطيئته، بل ليدخل الخاطئ فيصير قدّيسًا. لذلك طالت الدَيْنُونَة على بني إسرائيل وتطال أيضاً المسيحيين. هذا ما يعنيه الإنجيل لباس ثوب العُرْس. ج) التَّطبيق الرُّوحي للنَّص الإنجيلي: يتناول المَثَل أيضًا البُعد الروحي على صعيد الدَعْوة وثوب العُرْس. أمَّا على صعيد الدَعْوة فهي دَعْوة خلاص فالله يريد خلاص جميع النَّاس، كما قال المَلِك لخدامه "َاذهَبوا إلى مَفارِقِ الطُّرق وَادعُوا إلى العُرْس كُلَّ مَن تَجِدونَه (متى 22: 9) وقد أكَّد ذلك بولس الرَّسُول بقوله "الله يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاس ويَبلُغوا إلى مَعرِفَةِ الحَقّ " (1 طيموتاوس 2: 4)، والله يدعو الجميع إليه من جميع الأجناس والطبقات، الأبرار والأشرار، القِدِّيسين والخاطئين. فإن دَعْوة المَلِك لا تستبعد أحداً بمن فيهم الخطأة أنفسهم (متى 9: 9-13). ومن هذا المنطلق، الله لا يُهمل شعبه، بل الشعب هو الذي يرفض إلهَه. الجميع مدعوُّون إلى الكنيسة، كما في الشبكة التي جمعت من كل جنس (متى 13: 37-43). كما دعا يسوع اليهود كذلك دعانا جميعًا، فإنه لا يملُّ من إرسال عبيد يدعوننا لهذا العُرْس بكل طريقة لكي نقبَّله عاملًا فينا. وهو يدعونا من خلال خدّامه وإنجيله والأحداث المُحيطة بنا، ويتّكلم بروحه فينا. إنه "واقف على الباب يقرع"، كما ورد في سفر الرؤية "هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي" (رؤية 3: 20)، ينتظر أن ندخل به إلى قلبنا، وننعم بالاتّحاد معه! يعلق القدّيس مقاريوس، راهب مصريّ "أنت ترى أنّ الذي وجّه الدعوة كان حاضرًا، ولكنّ المدعوّين تواروا؛ لذا، فإنهم بالتأكيد مسؤولون عن مصيرهم. هذا هو إذًا الشرف الكبير الذي يناله المسيحيّون. فها هو الربّ يعدّ لهم الملكوت ويدعوهم للدخول؛ إنّما هم يرفضون ذلك" (عظات روحيّة، العظة رقم 15) المَثَل يدعونا إلى الاستجابة إلى نداء الله في حياتنا، كما إلى يدعونا إلى وليمة، أي سرّ القربان الأقدس وضعه المسيح كي يبقى معنا ويقدّس نفوسنا. وكي يزيّن قلوبنا بثوب نعمته التي تملأ قلوبنا بالفرح والبهجة! فلا نتذرع بأعذار مختلفة من مشاغل الحياة (العمل، المصالح، العائلة) لرفض الدَعْوة المَلِكية. وما هي هذه الأعذار إلاَّ مزاعم تخفي تحتها عدم رغبتنا لقبول الدَعْوة؛ وكأن الدِّين شيء حسن لمن ليس لهم شيء أفضل يُشغلهم عنه؛ والواقع ترفض النفس الفرح لتعيش في غمٍ نابع لا عن ظروف خارجيّة، وإنما عن قلب مغلق لا يريد أن ينفتح للرَّبِّ الذي يهب السَّلام والفرح. ولنسأل نفوسنا: ما الذي يأخذ مكان الله في حياتنا؟ هل نحن نفضل "العمل" على "العيد"؟ كيف يمكن لنا أن نشارك في "وليمة الله بدل أن نهتم أولاً بشؤوننا وعملنا اليومية؟ هل نستجيب لهذه الدعوة، أم نبدأ بعرض التبريرات الأعذار؟ على صعيد لِبَاس العُرْس ليس الكل يقبل نعمة الله التي تُقدّسه، بل قليلون هم الذين يقبلونها ويتجاوبون معها ويلبسون ثوب العُرْس، كما ورد في الكتاب المقدس "لأَنَّ جَماعَةَ النَّاس مَدْعُوُّون، ولكِنَّ القَليلينَ هُمُ المُخْتارون" (متى 22: 14)؛ ولباس العُرْس الذي يُطلب من الجميع هو البِرّ الذي يتحدّث عنه متى الإنجيلي " إِن لم يَزِدْ بِرُّكُم على بِرِّ الكَتَبَةِ والفِرِّيسيِّين، لا تَدخُلوا مَلكُوت السَّموات" ( متى 5: 20)، فلباس العُرْس هو أن نعمل إرادة الآب لكي نُشارك في العيد، وهو بمثابة نداء إلى الإيمان والعمل، ويُعلق القديس يوحنا الذهب الفم " ثوب العُرْس هو الحياة الداخليّة المقدّسة والمُعلنة خلال التصرّفات العَمَليّة". لا يمكننا دخول إلى الوليمة ونبقى كما كنا، كما لو لم يحدث شيء؛ فإن الشَّخص الذي يدخل إلى الوليمة ولا "يتكيف" مع الحياة، هو في الواقع مساو لمن يرفضون الدَعْوة. ليس لديه لباس التوبة المتواضعة، ولباس الإيمان، ولباس الاحترام – كلّها ضروريّة لنلبسها ونحن نقترب من الرَّبّ. إنّ نعمة دخول إلى ردهة العُرْس هبة مَجَّانيّة، لكنّها مسؤولية تتطلب التغيير. ويعلق البابا فرنسيس "إنَّ ثوب العرس يرمز إلى الرحمة التي يمنحنا الله إياها مجانًا. لا يكفي أن نقبل الدعوة لكي نتبع الرَّبَّ، وإنَّما من الضروري أن نكون مستعدّين للقيام بمسيرة ارتداد تغيِّر القلب"(عظة البابا فرنسيس 11/10/2020). الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا هو أن نجعل وصايا الله لباسنا المطلوب الظهور به أمام العَرش السَّماوي. لا يكفي أن نكون مدعوّين ونقول "نعم" على مستوى الكلام لكي يتأمّن لنا الخلاص والمشاركة في وليمة العُرْس، بل لا بدَّ من العمل والعيش بحسب المتطلّبات التي تفرضها هذه الدَعْوة. فلا يكفي أن نكون معمّدين لكي نكون جزءًا من الجماعة التي تلتئم يوم الأحد: بل يجب أن نعمل إرادة الآب لكي نُشارك في العيد الأخير، عيد الخلاص. نحن لا نشتاق إلى وليمة العرس، بل رغبة بالعَريس أي بالرَّبّ. يسوع. يعلق القدّيس أوغسطينوس (430-354)، " إذًا، ما عسى أن يكون لباس العرس المشار إليه؟ قال بولس الرسول: "ما غايَةُ هذِه الوَصيَّةِ إِلاَّ المَحبَّةُ الصَّادِرةُ عن قَلْبٍ طاهِرٍ وضَميرٍ سليمٍ وإيمانٍ لا رِياءَ" (1طيموتاوس1: 5) هذا هو ثوب العرس. افحصوا أنفسكم جيّدًا. إذا كنتم تملكونه، اقتربوا عندئذ بثقة من وليمة الربّ" (العظة رقم 90). لا يجوز لنا أن نكون في داخل ردهة العُرْس، وقلبَنا في الخارج. لهذا يقول القديس ايرونيموس "ثوب العُرْس هي وصايا الرَّبّ والأعمَال التي تتمِّم الناموس والإنجيل"؛ فالمطلوب أن نجعل وصايا الله معطفنا المطلوب الظهور به أمام العرش السَّماوي. ويُعلق القديس أوغسطينوس "من يأتي إلى وليمة العُرْس دون ثوب العُرْس إنّما هو ذاك الذي له إيمان بدون حُبٍّ "، فلا عجب أن يوصينا بولس الرَّسُول انه علينا أن نلبس المسيح: " فإِنَّكم جَميعًا، وقَدِ اعتَمَدتُم في المسيح، قد لَبِستُمُ المسيح" (غلاطية 3: 27)، ويضيف بولس الرَّسُول أن نلبس الإنْسَان الجديد: "فَتَلبَسوا الإنْسَان الجَديدَ الَّذي خُلِقَ على صُورةِ اللهِ في البِرِّ وقَداسةِ الحَقّ"(أفسس 4: 24). فالخلاص ليس عملية تلقائية قائمة بذاتها، إنَّما تتطلب لبس ثوب العُرْس أي التَّجاوب مع نِعّم الله وعطاياه. وهذا الأمر أوصاه بولس الرَّسُول بقوله: " البَسوا فَوقَ ذلِك كُلِّه ثَوبَ المَحبَّة فإنَّها رِباطُ الكَمال" (قولسي 3: 14). نستنتج مما سبق انه لا يكفي أن نعترف باسم المسيح، كي نكون جزءًا من جماعته (ندخل بالمعموديّة إلى قاعة العُرْس)، بل يجب أيضًا أن نلبس حلّة العُرْس، أي أن نتمّم الأعمَال التي يفرضها البِرُّ الجديد (متى7: 21)، وأن نحبّ بالعمل والحقّ ونسلك بالوصيّة المَحبَّة الإنجيليّة، ونعمل بإرادة الآب فنكون من هؤلاء المُطوَّبين الذين قال فيهم سفر الرؤيا: "طوبى لِلمَدعُوِّينَ إلى وَليمَةِ عُرْس الحَمَل " (رؤيا 19: 9). وعكس ذلك نُطرح خارجًا، ونُستبعَد عن المَلكُوت إلى الأبد، حتى لو دخلناه كما دخله عابرو الطريق، فسيُقال لنا في تلك الساعة: " يا صديقي، كَيفَ دخَلتَ إلى هُنا؟ (متى 22: 11). |
|