رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قَلْبٌ مُعَوَّجٌ يَبْعُدُ عَنِّي. الشِّرِّيرُ لاَ أَعْرِفُهُ. [4]. إن كان داود قد صار ملكًا، ففي أعماقه يشعر أن هذا المركز ناله لا من أجل مواهبِ خاصةٍ، ولا عن برًّ ذاتي، ولا لفضلٍ له عن غيره، إنما هو عطية الله المجانية له. لهذا يليق به أن يسلك بقلبٍ نقيٍ، وأن يعتزل الأشرار، لا عن كراهية من جانبه. وإنما عن رغبة في عدم الانحراف عن الاستقامة التي وهبه الله إياها. هذا ما يليق بكل مؤمنٍ التصق بملك الملوك، مخلصه يسوع المسيح، ليحيا معه في حياة ملوكية بلا انحراف. هكذا يلزمنا أن نقتدي بدانيال النبي والثلاثة فتية القديسين، الذين سُبوا في أرض يسودها رجاسات الوثنية، لكنهم اعتزوا بإيمانهم والتصاقهم بالله القدوس الحقيقي. ورفضوا التعرف العملي على الملك الشرير بعدم مشاركتهم له في فساده. في اختصار مع محبتنا لكل البشرية والتزامنا بالطاعة للرؤساء والقادة، يليق بنا أن ندرك أن أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس. يرى القديس أغسطينوس أن المتحدث هنا باسم الله نفسه، فإنه إذ يبتعد عنه صاحب القلب المعوج يصير غير أهل ليكون موضع معرفة الله، [ماذا يعني: "لا أعرفه؟" ليس إنني أجهله، إنما لستُ أستحسنه.] * سواء كان صديقي أو قريبي أسقفًا أو كاهنًا، أيا كان مركزه ومكانته، إن أفسد نفسه بوسيلة ما، أبتعد عنه تمامًا، ولا أعود أذكره قط. القديس جيروم * استقامة العقل مثل استقامة السبيل الذي ليس فيه التواءات. هكذا كانت شخصية المرتل الإلهي، هذا الذي يئن: "قلب معوج يبعد عني" (مز 101: 4). ويحث يشوع بن نون الشعب، قائلًا: "لتكن قلوبكم مستقيمة لإله إسرائيل"، بينما يصرخ يوحنا: "اصنعوا سبله مستقيمة" (مر 1: 3). هذا يعني أن النفس يلزمها أن تكون مستقيمة، طبيعتها البديهية التي خُلقت عليها، فقد خُلقت جميلة ومستقيمة تمامًا. لكنها إذ تنحرف وتميل حالتها الطبيعية، فهذا يُدعى شرًا وانحرافًا للنفس. القديس كيرلس الكبير * جاء في سفر الجامعة: الله صنع الإنسان مستقيمًا (جا 7: 29). فالذي يفعل بخلاف الغريزة التي خُلق بها، حاد وتعوّج عن استوائه، ولا يطابق المستقيم. يقول النبي: كل من كان معوجًا لا يوافقني، وإذا كان من أصدقائي، ويحيد عني لعدم ملائمة رأيه لرأيي لم أكن أعاتبه بذلك ولا أبالي، عالمًا بأن العشرة الرديئة تفسد العادات الصالحة. الأب أنسيمُس الأورشليمي * أمر الملك (البابلي) أن يكفوا عن أعياد آبائهم، ويتبعوا الطقوس الدينية للكلدانيين، ويهملوا ناموس الله، وأصَّر عليه. لكن دانيالَ قرَّر في قلبه أن يتحاشى التلوثَ بمائدةِ الملك (قابل دا 1 :8-16)، لهذا كان من اللائق والصواب أن يقول إنه لم يعرف علاماتِ الغرباء (الأشرار). أُمر أن يَعبدَ شبانُ العبرانيين تمثال الملك، لكنهم أجابوه: "لن نسجد لتمثالك" (دا 3 :18). لهذا كان من اللائق بكل منهم أن يقول: "وضعوا شاراتٍ كعلاماتٍ، وأنا لم أعرفها"، أي لم أحاول حتى تجربتها، ولم أقبلها بأية صورة، ولم أرتبط بها أبدًا. ومن ثم نقرأ أيضًا فيما يختص بابن الله أنه لم يعرف خطية (قابل 2 كو 5: 21). وتجدون في نصٍ آخر: "لأن الذي يحفظ الوصية، لا يعرف الكلمة الشريرة" (جا 8 :5)، حيث يتضح أن معرفة الشر ليست ملومة، بل الارتباط بالشر هو الملوم. ويقول داود نفسه أيضًا في نص آخر: "لكن الشرير (الخبيث) يبعد عني، لا أعرفه" (مز 101 :4). وأيضًا حينما يحاول الخصوم وضعَ علاماتهم يصَّرح قائلًا: "كأنه في الطريق على القمة العالية، كأنه بمعاول (فئوس) في غابة أشجار، قطَعَوا في الحال البواباتِ هناك، بفأسِ ذات حدين فكسَّروها" (مز 74 :5-6 LXX)، فما معنى هذا؟ إنها تكشف بالتأكيد عن أن إيماننا، ينبغي ألا يكون "في الطريق" حقًا، وإلا حَطِّتْ طيور الجو وخطفته. مثل تلك الكلمة التي نقرأ عنها في الإنجيل، والتي لا ينبغي أن تبذر بين الطرق والمسالك (قابل لو 8 :5). القديس أمبروسيوس |
|