البتولية ولاهوت المسيح
هذا الميلاد البتولي الذي حدث مرة ولن يتكرر بعد، إنما هو برهان على إيماننا في شخص يسوع المسيح أنه ليس من هذا العالم، بل هو ابن الله، من الأعالي. ويظهر ذلك واضحًا في إعلان الملاك جبرائيل للقديسة مريم نفسها عندما سألت الملاك: كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلًا؟"، فأجابها: "الروح القدس يحلّ عليكِ، وقوة العليّ تظللكِ، والمولود منك يُدعَى ابن الله" (لو 1: 34-35).
هذا ما جعل "الميلاد البتولي" يُمَثِّل عنصرًا أساسيًا في قوانين الإيمان الخاصة بالكنيسة الأولى، لا لأنه يتحدَّث عن القديسة مريم، وإنما لأنه يُعلِن عن شخص المسيح يسوع وطبيعته. نذكر على سبيل المثال ما ورد في قانون الإيمان للقديس هيبوليتس (حوالي 215 م.): [أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله الذي وُلِد بالروح القدس من العذراء مريم..؟[9].]
* لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أَبْدَت استعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا؟" لا تدل عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر.. إنها تحاول أن تجد حلًا للقضيّة.. فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة.
القدّيس أمبروسيوس
هذا الدليل استخدمه المسيحيون الأوائل مثل القديس يوستين وأثيناغوراس في دفاعهم عن المسيحية، كما بشَّر به القديس أغناطيوس أسقف أنطاكية (الذي استشهد عام 110 م.)، موضحًا أن الميلاد البتولي هو أحد الأسرار العظمى الخاصة بالسيد المسيح التي أعلنت في العالم في أيامه، إذ يقول:
[بتولية مريم، وإنجابها (الطفل)، وأيضًا موت الرب،
هذه أُخفيت عن رئيس هذا العالم.
أسرار ثلاثة أعلنت جهرًا لكنها تحقَّقت في صمت الله[10].]
باختصار نقول إن التعليم الخاص بالميلاد البتولي، في حقيقته العلامة الظاهرة لسرِّ التجسد، التي تؤكد أن يسوع المسيح، الابن الحقيقي لأم حقيقية، لم يُحبَل به من زرع إنسان، بل بالروح القدس، بهذا وهو (ابن الإنسان) لكنه لم يحمل الخطية، بل صار رئيسًا لجنس بشري جديد[11].
* لما جاء، دخل إلى العالم من باب غير مفتوحٍ، لهذا لم يفتح الباب عندما دخل إلى عالمنا (حز 44: 2)، لئلا يعثر الحكماء على خطواته.
وإن نظرت إلى بداية طريقه، لن تجد له أثرًا، ولا تعرف هناك الخطوات، لأنه يسير لا ليُفحَص، ولم يبدأ في طريق تدبيره لكي يُدرَك.
البتول قد ولدت. ماذا تقول؟ إنه لا يُوصَف حسب الطبيعة. لا تتجاسر وتُفَسِّر. لقد غُلِبَت الطبيعة. بحسب الطبيعة، البتول ليس لها ولد. تعجب إذن بالتدبير، ولا تُصارِع مع الطبيعة.
عندما تلد البتول، فالمولود منها إله. ذاك الذي يستطيع أن يعبر في الطبائع الجامدة دون أن تُفتَح، ولا يحتاج أن يُفتَح له الباب عندما يدخل، أو يترك أثرًا عندما يخرج.
القديس مار يعقوب السروجي