رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النــــــــــور والظلمــــــــــة حسب إعلان الإنجيل فأن النور والظلمة لا يجتمعان معاً[1]، لأن الظلمة حالة سلبية مُرَّة تُعبِّر عن حالة غياب النور، وإذ ليس لها شكل ولا كيان ولا يوجد في باطنها أي قوة إيجابية، بل قفراً وفراغاً وشعور عميق بالوحدة والتيه والضلال، ففور ظهور النور تنتهي وتتلاشى بالتمام وكأنها لم تكن، ولكن غيابه يؤكدها ويُثبتها. فالنور يطرد الظلمة، أما الظلمة فلا تستطيع أن تؤثر فيه أو تُزحزحه من مكان ظهوره، لأن النور في ذاته إيجابي ثابت ذو سلطان، ولا تقوى عليه الظلمة أبداً[2]، لذلك فأن روح الحق وروح الضلال لا يجتمعان معاً أبداً، لأن كيف لما ليس له شكل أو كيان أو وجود يثبت ليقف يواجه النور المُشرق، لذلك فيا إما النفس تكون نور في الرب وتسلك فيه[3]، أو تمكث في الظلمة ولا تعرف للنور طريق حتى لو كانت تعرفه على مستوى المعلومة والفكر.[4] فالنعمة الإلهية والخطية مستحيل أن يجتمعان معاً في آنٍ واحد كما يتصور البعض ويتكلمون عن حضورهما معاً في داخل الإنسان المولود جديداً من الله، لكن في الواقع الاختباري حسب الإعلان الإلهي، فقبل أن يدخل الإنسان في السيرة الروحانية المقدسة بالميلاد الفوقاني الفعال بحياة الإيمان العامل بالمحبة، فأن النعمة الإلهية تحث النفس التائهة عن النور على الصلاح من الخارج، والصلاح هنا لا يُقصد به أن يصير لها أعمال صالحة وأخلاق مسيحية كالمولود من الله لأنها لن تستطيع، بل هو أكثر وأعمق من هذا بكثير جداً، لأن القصد من الصلاح هنا هو أنها تعمل بالنداء للعودة لخالقها لتتغير وتصير على صورة مجده ونور مثله، بمعنى أن الصلاح هنا هو عملية جذب نحو الحق بإظهاره أمام عين القلب الداخلية، وهذا النداء يعوقه تستر عدو الخير في أعماق النفس إذ يعمل خفيةً على الحواس الداخلية، لكي يغشيها بالظلمة ويثبتها فيها لكي يسد كل مخارج الذهن المُنيرة، مثل من يغلق شيش النافذة ويعمل على سد جميع ثغراته ليخفي نور الشمس الآتي من الخارج، وذلك لكي يمنع حركة أي ميل داخلي نحو الله الحي، لاهياً النفس بتسهيل طريق الملذات الحسية الجسدية التي تميل نحوها حسب خبراتها وعاداتها التي مرت بها في الشرور، لأن العدو قتال للناس منذ البدء ويُريد أن يدمر النفس بالتمام لكي لا تعود لنبع الحياة والخيرات الأبدية لكي تُشفى وتنجو وتدخل في فرح نور الحياة الجديدة في المسيح يسوع، لذلك فأن كل عَمَله أن يُثبت النفس في الظلمة ويقنعها بأنها في عز ومجد لم يناله أحد مثلها، أو يقنعها بأن أي حركة روحية فيها ستفشل حتماً، ويُعطيها كل مسراتها ويطرحها أمامها، بل ويُزيد منها جداً بمُبالغة مُفرطة كلما وجد أن النور اقترب منها وصوت الحياة يُناديها، لذلك يزيد من صخب ضوضاء المسرات العالمية والشهوات والملذات الحسية من حولها ويهيج كل ميل غير صالح فيها لكي لا تلتفت للصوت الإلهي وتسمع فتُصغي وتستجيب فتحيا. ومع كل هذا فأن نعمة الله المُخلِّصة بطبيعتها إيجابية ذات سلطان إلهي فائق، أقوى بما يفوق كل تصور إذ أنها تغلب الشرير بسهولة عن جدارة وبامتياز، وتُبطل كل مؤامراته، وذلك حينما يكون في داخل النفس بصيص من شوق وميل خفي نحو الله الحي[5]، فهذا الشوق البسيط والدفين تلتقطه النعمة وتُسلط نورها عليه وتتعامل معه وتقويه، فتجذب النفس نحو خالقها وتُعينها على التوبة أن تمسكت بها بكل لهفة، لأن طبيعة نعمة الله مُشرقة تخترق الظلام الكثيف حتى الأعماق وتصطاد النفس بشوقها الدفين فتنتشلها من الضياع وتُقيمها وتصعدها للعلو الحلو الذي للقديسين، وتظل ترافقها خطوة بخطوة بهدوء وتأني وصبر عظيم جداً، ولا وتني عظيم ولا تتركها حتى تتوافق مع عمل الله وتدخل في سرّ الولادة الجديدة الكاملة التامة، بل تُكمل معها المشوار إلى التمام للنهاية، لأن هذا هو عمل الروح القدس في أعماق النفس من الداخل، لأن مهما ما زادت الخطية واهتاجت على النفس بفعل عمل الشرير وسلطان الموت، فأن النعمة تفوقها جداً وتمحوها وتغسل القلب والضمير منها لتنقذ الإنسان الذي أنتن في قبر الشهوة[6]، وتعبر به من الظلمة للنور بسلام عظيم وفرح مجيد. وبعد أن تدخل النفس في فاعلية الولادة الفوقانية بالإيمان[7]، وتبدأ المسيرة الروحية الصالحة حسب قصد وتدبير مشيئة الله، فتبدأ في حياة التجديد والتغيير لتلك الصورة عينها[8]، فينطرد الشيطان من الداخل – تلقائياً – إلى الخارج في خزي وعار عظيم، والنعمة تصير في الداخل، تُريح النفس من ثقل الظلمة وترفع عنها الموت، لأنه أن كان الضلال مَلك بالموت حتى أن النفس كلياً كانت ظُلمة، فأن الحق يُنير العينين ويملك بسلطان الحياة الأبدية ويطرد الظلمة[9] ويبدأ في تقديس الحواس جاعلاً هيكل الجسد نفسه مقراً لسكنى الله[10]، حتى يصير كله نور. إلا أن إبليس – بعد ما طُرد ولم يعد له سلطان على النفس إذ ملك المسيح الرب مع الآب بالروح القدس – لا يهدأ ولا يسكت بل يستمر يُحارب النفس لكن من الخارج، من بعيد، إلا أنه لا يُساكن النعمة أبداً ولا يجلس بجوار الحق إطلاقاً، ولا يُشارك الروح القدس في هيكله – حاشا – بل هو يحارب في الأفكار مستغلاً الثغرات التي لم تُغلق عندنا، من جهة الميل الخفي نحو بعض الشهوات الردية التي نحبها ولم ندع النعمة تعمل فيها حتى تزيلها فتتقدس كل حواسنا وتُغلق الثغرات التي من خلالها يحاربنا عدو كل صلاح، ومن هنا نعاود السقوط، لأن الروح القدس الذي يسكن فينا لن يمنعنا قهراً، بل لازالت الإرادة حُره تختار ما يوافقها، لكنه يُحذر وينبه، وأن حدث وتعثرت النفس وسقطت فأنه لا يتخلى عنها بسهولة، بل يعود يحث النفس على التوبة ويقنعها بالتخلي عن الملذات المنحرفة ويرسخ في أعماق فكرها الاستعداد أن تخسر كل شيء من أجل فضل معرفة المسيح يسوع[11]، لتعود النفس بقوة أعظم مما كانت بتوبتها وخضوعها لعمل الروح القدس فيها، وأن زاد عصيانا وتمردها وانحرافها وأذانها بدأت تُثَقَّل عن أن تسمع صوته فأنه يصرخ بقوة وسطان ويعمل بعصا تأديب الرحمة الأبوية ليحث النفس على التراجع[12]. + حافظ التعليم هو في طريق الحياة، ورافض التأديب ضال؛ من يحب التأديب يحب المعرفة، ومن يبغض التوبيخ فهو بليد؛ فقر وهوان لمن يرفض التأديب، ومن يُلاحظ التوبيخ يُكرَّم؛ من يمنع عصاه يمقت ابنه، ومن أحبه يطلب له التأديب؛ من يرفض التأديب يرذل نفسه، ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهماً؛ اسمع المشورة واقبل التأديب لكي تكون حكيماً في آخرتك. (أمثال 10: 17؛ 12: 1؛ 13: 18، 24؛ 15: 32؛ 19: 20)عموماً في واقعنا الروحي على المستوى العملي من جهة عمل الله فينا، فأن معموديتنا ليست عمل سحري تم فينا فصرنا في التو واللحظة – أي في وقت تتميمه – أبناء لله لنا الحياة الأبدية رغم إرادتنا وعدم وعينا، لأن النعمة تسكن في أعماق الذهن وتصير مستترة وحضورها مخفي عن الحواس، لكن متى بدأنا نتوق ونشتاق إلى الله عن حاجة شديدة للخلاص من الظلمة (التي أحاطت بنا وأسرتنا بعيداً عن حياة النور في حياة الفساد التي خنقتنا وأدخلتنا في الكآبة حتى اننا نتمنى الموت لنخلص من هذه الحياة الشاقة تحت سلطان عدو قاسي لا يهدأ لأنه يُريد أن يُهلكنا أبدياً)، ففي هذه الساعة فقط تنقل النعمة خيراتها للنفس عن طريق شعاع نور يتغلغل وينفُذ للذهن من وسط الظلمة، لأن النعمة هنا تعمل مثل المغناطيس الذي يجذب ويشد إليه المعدن، فتتحرك النفس بكل حواسها الداخلية مُنجذبة بفعل قوة النعمة فتستقبل قوة النور بفرح وسرور شديد، فتبدأ النعمة في العمل وطرد الشرير فعلياً وواقعياً، فتدخل النفس في مسيرة الولادة الجديدة في الواقع العملي المُعاش، وتبدأ العطية الإلهية تظهر عذوبتها للذهن بمقدار نمو النفس واستجابتها وتوافقها مع وصية الله المُقدمة بالروح القدس، لأن الوصية تصحبها القوة الإلهية اللازمة لتنفيذها للحياة بها ببساطة وسهولة، لأن طبيعة النفس الجديدة تتوافق مع الوصية جداً، لأن وصية العهد الجديد لا تصلح إلا للإنسان الجديد فقط المولود من الله. +لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها. (أفسس 2: 10)ومع ذلك فأن عدو الخير سيظل يُحارب النفس من الخارج – كما قلنا سابقاً – لكن الله لم يترك النفس وحيدة في حربها بل أعطاها أسلحة خاصة لكي تنتصر بسلطان وعن جدارة، وأهمها صلاة الإيمان بقوة الاسم الحسن الذي به ننال كل شيء، أي اسم يسوع المسيح ربنا ومخلصنا القدوس الصالح، لأن باسمه يُستجاب لنا عن جدارة، لأن فيه لنا النعم والآمين، فأن تمسكنا بالنعمة التي تسكننا، وتمسكنا بإيماننا بمسيح القيامة والحياة، ولم نميل نحو كل ما هو غريب عن طبعنا الجديد، فأننا ننتصر ونغلب بسهولة دون تغصب أو عناء، وكما ينتصر الجندي في المعارك التي يدخلها فيكتسب خبرات جديدة ويصير أكثر تمرُساً وتمييزاً ووعياً استراتيجياً، هكذا الإنسان اللابس سلاح الله الكامل فأنه من كثرة الحروب يكتسب الخبرات التكتيكية مُميزاً بين الخير والشرّ والغث والثمين بكل دقة، وذلك مثل تاجر اللآلئ الماهر المتخصص في عمله الذي يعرف بخبرته الطويلة أن يُفرق ما بين كل جوهرة وأخرى وما هو قيمتها الحقيقية. وبالرغم من تحقيق النُصرة بسهولة فأن الإنسان في تلك الحالة لا يستطيع أن يغتر في نفسه، بل يزداد اتضاعاً ووداعة بسبب شعورة بعار دنس الأفكار الشيطانية بعد أن تنقى منها بسبب عمل الله فيه وليس بقدراته الخاصة التي فشلت تماماً حينما كان أسيراً تحت سلطان الظلمة والموت الذي كان يعمل فيه للهلاك، لأن ساعة تملك هذا الشعور في القلب بأنه صاحب الفضل وبداية ظهور شعور الإعجاب بنفسه وقدراته، بنه والفكر فأنه يدرك من أين يأتي هذا الفكر الملوث المنحرف، ويعي حيلة عدو الخير فيهرب منها متمسكاً بالحياة الجديدة التي في المسيح يسوع، متحصناً بروح الحياة، روح اللطف والوداعة، الرب المُحيي، مُمسكاً بسيف كلمة الله، محمياً بترس الإيمان وخوذة الخلاص وبشارة إنجيل الحياة. + قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور؛ إذ أسلحة مُحاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون. (رومية 13: 12؛ 2كورنثوس 10: 4) _____________________ [1] العل ينبوعاً ينبع من نفس عين واحدة العذب والمُرّ (يعقوب 3: 11) [2] والنور يُضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه (يوحنا 1: 5) [3] قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور، لنسلك بلياقة كما في النهار، لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد(لأن) جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة (رومية 13: 12، 13؛ 1تسالونيكي 5: 5) [4] لأنكم كنتم قبلاً ظُلمة وأما الآن فنور في الرب، اسلكوا كأولاد نور (أفسس 5: 8) [5] كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ هَكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ (مزمور 42: 1) [6] وَأَمَّا الشَّرِيعَةُ فَقَدْ أُدْخِلَتْ لِتُظْهِرَ كَثْرَةَ الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنْ، حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيئَةُ، تَتَوَافَرُ النِّعْمَةُ أَكْثَرَ جِدّاً (رومية 5: 20) [7] وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه؛ وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه (يوحنا 1: 12؛ 20: 31) [8] ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كورنثوس 3: 18) [9] فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (عبرانيين 2: 14) [10] وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان، فأنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً (2كورنثوس 6: 16) [11] بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح (فيلبي 3: 8) [12] فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى، وإلا فإني آتيك عن قريب وأُزحزح منارتك من مكانها أن لم تتب (رؤيا 2: 5) |