رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لتأصل في الله: سر الذبيحة عناصر الوظيفة الكهنوتية قد يكون التحديد الأكثر عمقاً للمسيحية التحديد التالي: المسيحية قبل كل شيء هي كهنوت وليتورجيا وعباد. إنها عمل المسيح الجوهري والأزلي الذي يتولى به و”يتخذ” كل انتظار البشرية ورجائها، أي الدخول في وحدة الله. “دم المسيح (…) يطهر ضمائركم (…) لتعبدوا الله الحي” (عب9: 14). إن المسيح يعرفنا ونحن نعرفه بصورة فضلى في الليتورجيا وكليتورجيا، على ذلك الصعيد الأسمى حيث قدم “نفسه” ضحية “بلا عيب”، “بروح أزلي” ليدخلنا معه في اتحاد الحب مع أبيه. في إطار هذا العمل تقوم عناصر الوظيفة المسيحية الكهنوتية. ولكن فلننظر أولاً كيف أن المسيح هو الكاهن الأوحد ولماذا. 1- سر الذبيحة: عناصر الوظيفة الكهنوتية آ- الكهنوت قبل الشريعة إننا نجد الكهنوت في كافة الأديان المعروفة منذ بدء التاريخ بمنزلة وظيفة عامة في المجتمع وكأنه يعبر عن غريزة غامضة في الإنسان تقول بأن البشرية هي في حالة غربة عن الله لا تستطيع التقرب اليه مباشرة دون وسيط. فتحتاج بالتالي إلى اختيار بعض منها، بوصفهم أناساً مختصين، للتوسط لدى الإله الرهيب. وكانت “الألوهة” آنذاك غير واضحة المعالم تحدد فقط في علم تاريخ الأديان “بالقدسية” أي بكونها حقيقة “قدسية” رهيبة وجذابة في آن واحد، يحتاج الإنسان إليها احتياجاً مطلقاً ليعيش ولكنها ظالمة وكثيرة المطالب. فكان دور الوظيفة الكهنوتية استعطافها واسترضاءها. وكان الكاهن بمثابة من يستطيع ان يستعطف الإله من جهة البشر ويجعل البشر يفيدون منه، وكأنه “يعطي” الله للناس. إن كلمة كهنوت بالفرنسية Sacerdoce مشتقة من أصل لاتيني Sacrum donans معناه “الذي يعطي المقدّس”، وذلك أساساً في ذبيحة يقدمها لله لاسترضائه، أي في نوع من مبادلة بين الله والناس. وظيفة الكاهن هي بالتالي وظيفة تقديم ذبيحة لأجل التوسط لدى الله، اذ يشعر الناس أنهم بحاجة إلى إعطاء شيء لله مقابل عطاياه. ولفظة ذبيحة “Sacrum facere: Sacrificium” تحمل معنى الفصل والتكريس والتقديس. المرء ينفصل عن شيء ما ويقدمه ذبيحة، يتخلى عنه ليكرسه ويجعله مقدساً. بل ينفصل عن شيء ثمين وذي اعتبار. ولما كان لم يكن هناك أثمن من الحياة فكانت مأساة البشرية الضالة آنذاك اعتقادها بأنها ترضي الله بذبحها للإنسان، سواء كان الشخص المذبوح من الأعداء أو من العبيد أو حتى من الأخصاء والأقارب. وهذا لعمري إنكار لله وللإنسان معاً وهو الحد الأقصى للضلالة. ولذلك بانت المسيحية عند ظهورها كأنها تلحد. في حين أن الذبيحة الوثنية الآنفة الذكر كانت قد حولت الإنسان إلى مجرد شيء وذبحت لإله هو أيضاً بمثابة شيء لا حياة له.. إلا أن الكهنوت الكوني هذا يحمل مثل غريزة لا تخلو من معنى وهو أننا لكي نقترب إلى الله لا بد أن نموت، لكي نقتبل حياة الله لا بد أن نبذل حياتنا. |
28 - 06 - 2016, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
وعلى أساس مفهوم الذبيحة الوثنية كانت قد تألفت “طبقة” كهنوتية في البلاد المجاورة للشعب المختار (مصر، سوريا، بابل وأشور، بالإضافة إلى الهند والصين واليونان وروما). وكان الكهنة أفراد هذه الطبقة خداماً للطقوس وحراساً للتقاليد الدينية وعرافين بمثابة لسان حال الآلهة. ثم جمعت هذه الأديان بين الوظيفة الكهنوتية والوظيفة الملكية في شخص واحد هو كاهن وملك في آن واحد، وهو تطور مهم جداً في التاريخ إذ أخضع الوظيفة الدينية للسياسة ووسم الأوضاع الاجتماعية بطابع القدسية. وهذا ما يساعدنا على فهم موقف الشهداء المسيحيين عند رفضهم الإذعان لأوامر قيصر الدينية. إذ لم يكن قيصر ملكاً فقط يمثل الدولة بل كان يمثل الإله أيضاً. كان الكاهن العظيم لله وبالتالي كان على المسيحيين أن يعبدوا قيصر دينياً. فكان رفضهم لأوامره تحطيماً للالتباس بين الروحي والزمني، بين الاجتماعي والديني، بين السياسي والكهنوتي. وقد حققوا ذلك بإهراق دمائهم، فحرروا الإنسان. لم يكن الإنسان قد تجرأ وأقدم على مثل هذا التغيير قبلهم.. فجاءت المسيحية وقالت: قدوس واحد هو الله. وإن الله ليس أسيراً لأي وضع أو شكل اجتماعي أو سياسي. فالإنسان بعد تمجيده للإله الحقيقي يبقى حراً في كل مجالات التفسير والإبداع. إن فينا كلنا عقلية قديمة تجعلنا نخلط بين ما هو أساسي جوهري وما هو ثانوي نسبي (كالوجه الشعري والتفاصيل والشكل). وهذه بالنتيجة حماقة نقضي بها فينا على الله الحيّ. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
ب- الكهنوت في العهد القديم
إن فهم الكهنوت في العهد القديم مهم جداً إذ أن كهنوت المسيح إنما بُنيّ وأعلن على أساسه وانطلاقاً منه. كان الكهنوت في العهد القديم نتيجة وعلامة للعهد الذي قام بين الله وشعبه والذي كان ميثاقاً ورباطاً فريداً ذا اتجاهٍ واحدٍ لا ينحل لأنه يقيد فقط الله الأمين. فلما كانت البشرية في حالة انحطاط وضلال عمد الله إلى أن يعلن ذاته للناس بواسطة شعب اختاره هو، ثم عمل على تهذيبه شيئاً فشيئاً على مدى الأجيال حتى يحين وقت مجيئه. وقد عقد الله هذا الميثاق مع إنسان هو أبونا ابراهيم فطلب إليه أن يترك كل شيء، أن يتخلى عن مفاهيمه الدينية والكهنوتية وأن يتعلق بوعد الله فقط، بذلك الوعد غير المعقول في الظاهر. وكان عهداً مبنياً على أساس جديد غير مادي بل على مبادلة روحية، على بعد جديد هو ذلك الإيمان والوثوق بوعد إلهي غير ذي وجه منظور، بوعد يفوق الإنسان ويتجاوزه ولكن على الإنسان أن يتعلق ويتمسك به. وتباعاً لهذا التغيير في المفهوم الديني كان على طبيعة الكهنوت أيضاً أن تتغير وتغتني. ولذا نراها تتصف بالمرحلتين التاليتين: |
||||
28 - 06 - 2016, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
المرحلة الأولى: وهي الذبيحة التي تمّت ولم تتمّ في آن واحد أعني ذبيحة ابراهيم عندما قرّب ابنه اسحق فأوقفه الله عن ذبحه. “ابنه وحيده” الذي ناله من الله بناءً على وعد منه تعالى، وكعلامة من الله ولأمانته، الذي هو ملك الله أكثر مما هو ملك ابراهيم. طلب إليه الله أن يذبحه. لا شك أن هذا كان أمراً أليماً جداً، ولكنه إذ كان أمراً اعتيادياً في ذلك الزمان وبحسب مفاهيم أديان ذلك الزمان، أذعن ابراهيم له ولم يتمرد. إنما كان عليه أن يدرك ويختبر ألماً جديداً. فعند قبوله الانفصال عن ابنه الوحيد لم يكن يفهم أن اتباع الله يتطلب بالضرورة ذبيحة روحية. وقد منعه الله أن يذبح ابنه مادياً لكيما يصل به إلى المفرق الفاصل بين زمان وزمان إذ أفهمه بالأحرى وجوب الذبيحة بالروح. وذلك لأن كل شيء إنما هو من الله ولا بد من التخلي عن أثمن شيء لدينا في سبيل الله وحينذاك يرده لنا الله لنا مضاعفاً: فاسحق قد ولد مرتين، الولادة الأولى الطبيعية ثم الولادة الثانية التي كانت مكافأة له على طاعته ومحبته. هذا وكانت ذبيحة اسحق رسماً للذبيحة الوحيدة، ذبيحة ابن الله الوحيد، الابن الحقيقي “الذات” الكلية، المطيع حتى الموت. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
المرحلة الثانية: وهي خروج اسرائيل من مصر وتحرره من العبودية.إن هذه المرحلة أيضاً قائمة على ذبيحة كالمرحلة الأولى، إلا أنها ذات معنى خاص آخر. فالحمل الفصحي الذي ذبحه الشعب المختار ليلة خروجه من مصر، أرض العبودية، كان علامة لعلاقة خاصة بين الله وشعبه. فدم الحمل الذي وضع على أبواب بيوت بني إسرائيل هو الذي يدل على شعب الله دون غيرهم عند مرور الملاك المهلك وبالتالي يحميهم ويحفظهم. ومن جهة ثانية إنها ذبيحة فاعلة تؤدي وظيفة الذبيحة الأساسية، أي أنها ترضي الإله وتحفظ الإنسان. إن لخلاص شعب الله من العبودية طابعاً مأساوياً إذ يدور حوله ويتوقف عليه سر خلاص كل البشرية. والوقت الأساسي فيه هو بالضبط حادثة الحمل الفصحي. فإن تلطيخ قائمتي الأبواب وعتبتها العليا بدم الحمل يحمل معنى مزدوجاً هو أولاً الرمز للصليب (شكل الصليب على الأبواب) ولدم الرب يسوع (حمل الله المذبوح لخلاص العالم)، باعتبار الدم أداة للنداء. وهو ثانياً معنى الحماية وحفظ الحياة من الإبادة والهلاك. وهناك أيضاً معنى ثالث مشار إليه منذ الآن في أكل شعب الله للحمل الفصحي ليلة خروجهم من مصر وهو معنى الوليمة المقدسة وليمة العشاء السري وتناول جسد الرب. إن إسرائيل كله قائم مؤلف ومجتمع حول تلك الذبيحة وتلك المناولة. وقد أمروا أن يأكلوا الحمل الفصحي وهم واقفون إذ أنه على إسرائيل أن “يتّبع” إلهه. إنها علامة تجديد العهد القائم بين الله وشعبه، العلامة بأن شعب إسرائيل لا “يقيم” في أرض إسرائيل بل هو بمثابة مسافر في هذا العالم. هو في الأساس في وضع مسافر. يتناول الطعام وهو واقف مستعداً للسفر منسلخاً عن العالم. إن إسرائيل في هذه الحادثة يثبت ويعمق عهده مع الله. إن طعامه عينه ليس كطعام المصريين. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
وفي الواقع إن الخروج من مصر يؤلف في تاريخ إسرائيل مرحلة عهد سيناء الذي يجدد ميثاق إسرائيل مع الله. إنه ذلك العهد المجدد الذي يشترك فيه جميع الشعب ويقتبل الموعد. كان الوعد الأول كان قد أعطي لرجل فرد هو ابراهيم، أما الآن، حول حبل سيناء، فجميع الشعب صار مقدّساً. وهذا رسمٌ للكنيسة. إنها كنيسة العهد القديم. ونلاحظ هنا وضعاً فريداً، إذ أن الله يخاطب جماعة الشعب كلها كأنها شخص واحد: “اسمع يا إسرائيل”. إن شعب إسرائيل واحد أمام الله مع أنهم كثيرون. ذلك لأن ذبيحة الحمل تضفي على الأمة هذه الوحدة. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
إن عهد سيناء الذي أقبل عليه إسرائيل بعد خروجه من أرض العبودية هو عهد دم. لقد أخذ موسى نصف دم الثيران المذبوحة للرب ورشه على المذبح، ثم رش النصف الثاني على الشعب، وذلك بعد أن “قرأ كتاب العهد في مسامعهم” فقالوا طوعاً باختيارهم: “كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له” (خروج24: 3-8). وبعهد الدم هذا أصبح كل إسرائيل شعباً كهنوتياً أي مكرساً ومقدّساً، “وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدّسة” (خروج19: 6). إنه كهنوت الشعب الملوكي، مملكة الكهنة التي ليست هي مملكة أرضية. كان إسرائيل شعباً بدوياً رحلاً ولم يعِدَهم الله في عهد الدم هذا بمملكةٍ أرضيةٍ أو بوطن أرضي، بل انتزعهم بالعكس من كل أرض وكل مملكة أرضية. لقد جعلهم “مملكة كهنة” أي رجالاً هم ملك الله، مكرسين له لكي يؤدوا العبادة الحقيقية للإله الحقيقي، وحدهم بين سائر الشعوب. وعى أنه شعب مؤتمن على حمل كلام الله وتأمين عبادته. ونظراً لحرص الله على تأمين تأدية هذه العبادة واستمرار قيام هذه الوظيفة الكهنوتية اختار له عشيرة خاصة من بين عشائر إسرائيل لتختص بخدمة العبادة وهم اللاويون الذين كان أول كاهن فيهم هارون أخو موسى. وبهذا تألفت في إسرائيل “رتبة” كهنوتية وهيرارخية كهنوتية يرأسها الكاهن العظيم (أو رئيس الكهنة) يليه كهنة لتقديم الذبيحة ثم لاويون للخدمة العامة “ويقابل هذا الترتيب في المسيحية: الأسقف ثم الكهنة ثم الشمامسة”. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
وكانت الوظيفة الكهنوتية تتضمن أولاً إقامة الذبيحة، وهذه لم تعد ذبيحة بشرية كما في السابق بل أصبحت ذبيحة بهائم أي ذبيحة “طقسية” يقربها الكاهن عن كل الشعب وتحرق بكاملها بالنار holo–causte، فهي “محرقة”، تتميز إذن بالدم والنار ويتقبلها الله بكاملها محولاً إياها. ثم إلى جانب المحرقة كانت الذبيحة التي لا تحرق بل توزع في حصص معينة للهيكل وليهوه وللكهنة، وتؤلف نوعاً من وليمة مقدّسة. ومن ناحية ثانية كانت وظيفة الكاهن تتضمن خدمة الكلمة أي تفسير الشريعة وذلك عن طريق نسخ التوراة وحفظها من الضياع وعن طريق تدريسها في المدارس الربانية مع شرحها وتأويلها. وكانت تخدم الكلمة بصورة خاصة أثناء أعياد إسرائيل المقدّسة فتتلى فيها أسفار التوراة على الشعب بأجمعه فيستمع إلى عجائب الله ومراحمه. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
ثم هناك وجه ثالث للوظيفة الكهنوتية في العهد القديم هو التوسط من أجل الشعب، فكان رئيس الكهنة يدخل مرة في السنة إلى قدس الأقداس “داخل الحجاب”، إلى ألفة حضرة الله الحميمة التي لا يستطيع الشعب أن يقربها فيكفِّر عنه. إلا أنه لم يكن بوسع رئيس الكهنة الدخول قدس الأقداس متى شاء بل مرة واحدة في السنة فقط، وهذه دلالة على تسامي الله وعلى السر الرهيب الذي يحيط به بخلاف آلهة الأمم التي كان يمكن الاقتراب إليها في أي وقت. إن الإله الذي اختار إسرائيل ليتم قصده فيه هو بعيد عن متناول البشر إن رئيس الكهنة لا يدخل إليه كيفما اتفق بل “يلبس قميص كتان مقدّساً وتكون سراويل كتان على جسده، ويتمنطق بمنطقة كتان ويتعمم بعمامة كتان، إنها ثياب مقدّسة فيرحض جسده بالماء ويلبسها” (لاويين 16: 4). وكان يكفِّر عن نفسه وعن الشعب “لاويين 16: 17”. ويستنتج من ذلك أن رئيس الكهنة لم يكن بعد كاهناً حقيقياً يستطيع الدخول كل حين إلى حضرة الله الداخلية بل يحتاج إلى تطهير بوصفه غير كامل. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لتأصل في الله: سر الذبيحة
هذا وقد تعرّصت الوظيفة الكهنوتية في تاريخ إسرائيل لالتباسات مختلفة نجمت عن الدسائس والفساد والأوضاع السياسية… إن إسرائيل بخروجه من مصر انتقل من العبودية إلى حرية خدمة الله وعبادته. ولكنه كان يعود ويسقط في “عبوديات” مختلفة وذلك من جراء قيام ملوك غرباء يسودون عليه أو ظروف سياسية ضاغطة وغيرها… ولذلك عمد الله في سبيل إصلاح الكهنوت إلى إرسال الأنبياء. فقام الأنبياء بنقد الكهنوت الراهن لنقائصه وعيوبه ولفتوا نظر الشعب إلى الكهنوت الكامل العتيد أن يأتي. ورسموا وجه الكاهن الحقيقي الكامل، الخادم وحامل الأوجاع الذي يتنبأ عنه أشعياء (أش 53). ونبهوا إلى أن الطقوس والذبائح التي كانت تقام آنذاك إنما هي رموز لذبائح روحية. وبهذا نبه الأنبياء إلى بعد آخر للكهنوت هو العبادة الروحية التي تؤديها قلوب “لحمية” وحذروا من خطر الاكتفاء بإقامة الطقوس الخارجية وحسب وكأنها سحر. ليست الطقوس سحراً بل لا بد بالضرورة من الموقف الداخلي لإتمامها. وبفعل تنبيه الأنبياء هذا وتعليمهم اتجه إسرائيل إلى انتظار ماسيا، إلى انتظار ذلك العهد الذهبي حيث لن يعود الشعب بحاجة إلى تعليم، بل تكون الشريعة مكتوبة قلوبهم، في قلوب تستطيع أن تقدم ذبيحة الإيمان على غرار ابراهيم في الإصحاح 22 من سفر التكوين الذي يبقى النص الأساسي للكهنوت الحقيقي. غير أن الالتباس قد استمر أيضاً في الانتظار الماسيوي لأن الشعب أخذ يميل إلى انتظار ماسيا أرضي يكون على الأكثر ملكاً أرضياً. وقد كشفت حفريات خرائب قمران في فلسطين عن أن بعضاً من بني إسرائيل قد تخلوا في القرن الأول قبل المسيح عن الكهنوت الفاسد القائم آنذاك وتنحوا ليؤلفوا جماعة خاصة في سبيل انتظار ماسيا لا يكون أرضياً بقدر ما يكون ماسيا كهنوتياً، فكانت جماعة قمران بمنزلة همزة وصل وانتقال بين العهد القديم برجائه السليم الصحيح والعهد الجديد. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
هابيل يقم الذبيحة إلي الله لون الصورة |
متلصم 100 تلصيمة |
الله الذي تمجد في الذبيحة |
حوار مع معلم الكنيسة البطرسية وهل تأثرت الذبيحة وماذا كان رد فعل كاهن الذبيحة |
فأنا أتأصل بقوة |