تأملات في أحاد الصوم
للقمص لوقا سيداروس
إنجيل عشية أحد رفاع الصوم الكبير (مر 11: 22- 26)
22 فأجاب يسوع وقال لهم: "ليكن لكم إيمان بالله. 23 لأني الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل و أنطرح في البحر! ولا يشك في قلبه، بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له. 24 لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه، فيكون لكم. 25 ومتى وقفتم تصلون، فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السماوات زلاتكم. 26 وأن لم تغفروا أنت لا يغفر أبوكم الذي في السماوات أيضًا زلاتكم.
إنجيل باكر أحد الرفاع (لو 17: 3- 6)
اعتاد الآباء أن يسمّوا الأسبوع الأول من الصوم الكبير المقدس بأسبوع الاستعداد... للدخول الحقيقي إلى حياة الصوم وروح الصوم... وكان الاستعداد للصوم حسبما عاشوا هو تنقية الجو المحيط بهم من كل ما لا يناسب الصوم... وبصفة خاصة الوجود في سلام مع كل أحد وتصفية أي نوع من الخلافات بين الإخوة... أعني أن هذا الأسبوع كان يُصام لحساب المحبة الأخوية وتوطيد العلاقات ونبذ كل خلاف أو خصام أو قطيعة... الخ. لأنه من المعروف جدًا إنه إذا صام الإنسان وهو في حال خصام أو عدم سلام فلبي مع إخوته فإن صومه يكون كمن يجمع إلى كيس مثقوب.
فقد جعل الرب الصلح مع الأخ و الأقربين أفضل من تقديم القرابين، بل و بدونه لا تقبل قرابين. لذلك وضع الآباء فصل إنجيل عشية هذا اليوم كلمات الرب الصارخة والصريحة من نحو السلام الكامل والمحبة الأخوية.
وقد مارست الكنيسة علميًا هذا الكلام منذ الجيل الأول في خدمة الإفخارستيا. إذ تصير القبلات المقدسة والمحبة هي موضوع الصلاة وموضوع الممارسة حين نقبل بعضنا بعضًا بقلب طاهر وضمير صالح قبل أن نتقدم إلى شركة التناول من جسد ودم ابن الله... إذ نصير مستحقين لتحقيق هذه النعمة فينا بسبب محبتنا بعضنا لبعض التي هي علامة مسيحيتنا وعنوان تبعيتنا للمسيح.
"بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إن كان لبعضكم حب بعض".
نعود إلى كلمات الرب... أخطأ إليك أخوك وتاب فاغفر له وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلاً أنا تائب فاغفر له. هذا القبول للأخوة يرتكز على الروح الذي فينا... روح المسيح غافر الخطايا... ويرجع إلى تمتع الإنسان نفسه بنعمة غفران الخطايا وإدراكه الحقيقي لقيمة هذه النعمة.
فإن تمتع بها يستطيع أن يعطيها أيضًا إذ يصير سريع الصفح وكثير الغفران مدركًا تمامًا أنه بمقدار ما يغفر له ويقدر ما يتسع قلبه لأخيه يقبل من الرب أضعاف قبول.
والكلام هنا كثير كرره ربنا يسوع في تعاليمه المحيية، فمرة يقول: "أخطأ إليك أخوك... اذهب وعاتبه" هو أخطأ وأنت تذهب تسعى إليه لكي تريح أخاك وتريح نفسك.
وبينما المنطق العالمي أن الذي أسيء إليه هو صاحب حق وإذا أتى إليه المسيء وسامحه يُحسب صاحب فضل... فإن ناموس المسيح يتخطى هذه العقبات النفسية ويرتفع بنا إلى علو السموات فيصير الإنسان قادرًا بالنعمة على كسر حواجز الشر واقتحام الأسوار... يذهب إلى أخيه... أليس هو أخوه؟ ويرتمي في حضنه ويقبله ويربحه.
المسيحي الحقيقي لا يخسر له أخًا مهما كانت الأحوال! رسالتنا في المسيح هي رسالة ربح النفوس بحكمة الروح وسلطان المحبة.