موضوع جميل جدا
ميرسى ياماجى ربنا يباركك
يونان وماذا نتعلم منه؟
وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي ( يون 1: 1 ، 2)
تلك مهمة لم يُنتظر أن يُبعَث بها إسرائيلي، على أن يونان، كالأمة التي كان يدافع عنها، كان مدعوًا لحمل رسالة من الله إلى الأمم. ولئن كان شعب الله قد فُصل عن الأمم، فليس لكي يبقى في عُزلة رسمية جافة، في عدم مبالاة بما يصيب الشعوب من حولهم، بل ليكونوا نورًا في عالم مظلم، وليعلنوا فكر الله، ويظهروا صفات يهوه، للجالسين في الظلمة وظلال الموت. وفي تاريخ يونان المتعاقب، نتبين أخطاءهم وعثراتهم من هذه الناحية، والكوارث التي حاقت بهم بسبب تلك السقطة.
أما يونان فقد رُدَّت نفسه في النهاية ـ مهما تكن الحالة المُحزنة التي بَدَت منه حتى آخر وقت ـ فتلك حقيقة لا تقبل الشك، لأنه هو شخصيًا الذي يقص اختباراته التي اجتازها، وذلك لتعليمنا. ومن أسلوب كتابة هذه الاختبارات يتجلى تمامًا أن إنسانًا تأدَّب ورُدت نفسه، هو الذي يكتب.
كانت الكبرياء، والتعصب الديني هما سر عناده وعصيانه. كان يعلم أن الله طويل الأناة وأنه يُسرّ بالرحمة، وهو يقرّ بذلك في النهاية، ومن ثمَّ خشي على سُمعته كنبي، فكانت أفكاره بعيدة عن أفكار الرب، بحيث لم يستطع أن يحتمل إعلان النعمة لدائرة أممية. كان يعلم أن يهوه قديمًا كان على استعداد أن يستبقي مدن السهل لو وُجد فيها عشرة أبرار.
فإذا كان يهوه قد تصرف هكذا يومئذ، فكيف يتسنى لصاحبنا أن يستوثق من أن الله سوف يصب غضبه على نينوى، إذا ما خضع أهلها للكلمة وسقطوا أمامه تائبين؟
ويا لها صورة لخداع القلب البشري، نجدها في هذا جميعه، حتى في واحد من قديسي الله؟
وكم من مرة شعرنا بحقارة أنفسنا، لأننا سمحنا لمثل هذه الميول الشريرة أن تأخذ طريقها! وكم هو أيسر عندي أن أُصرّ على إدانة أخي إذا كان ـ مثلاً ـ قد ألحق بي نوعًا من الإيذاء، منه لو كان قد أخطأ ضد غيري أو ضد الله وحده. ذلك أني أحرص على الاستمساك بسُمعتي بأية تكلفة، وأن أبرئ نفسي من كل مدعاة للملامة!
أوَ ما وجدنا كثيرًا من الجماعات من شعب الله يلفَّهم الحزن والتشويش، لأن واحدًا عنيدًا أنانيًا يريد أن يسلك في طريقه الخاص ويبرر مسلكه؟
وليتعذب غيري وأفلح أنا في سبيلي. وفعل هذه الكبرياء التاعسة في القلب، هو الشيء الذي يصوره سفرنا لإنذارنا.