![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() هَوايَ أَنْ أَعمَلَ مَشيئتَكَ يا الله (مزمور 9:40) أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحِبَّاء في الْمَسيحِ يَسوع. كَتَبَ صَاحِبُ الرّسالَةِ إلى العَبرانيّين في شَأنَ الْمَسيحِ قَائِلًا: ﴿هَاءَنَذا آَتٍ الَّلهُمَّ، لِأعمَلَ بِمَشيئَتِك﴾ (عب 7:10). ويَسوعُ نَفسُه، سَبقَ لَهُ أَنْ أعلَنَ لِتلاميذِهِ قَائِلًا: ﴿طَعَامي أَنْ أَعمَلَ بمشيئةِ الّذي أَرسَلَني، وأنْ أُتِمَّ عَمَلَه﴾ (يوحنّا 34:4). فالْمَسيح لَهُ الْمَجد، كَلِمَةُ الله والابنُ الّذي صَارَ بَشَرًا، أَتَى مُتَمِّمًا لِلإرادَةِ الإلهيّة الْمُتَمثِّلَةِ في خَلاصِ البَشر، والّذي تَحقَّقَ لَنَا بِفَضلِ طَاعَتِهِ الّتي تَجلَّتْ بِأبهَا صُوَرِها فَوقَ الصّليب. كَمَا كَتَبَ بولسُ الرّسول في رسَالتِهِ إلى أَهلِ فيلبّي، يَقول: ﴿فَوَضَعَ نَفسَهُ، وأَطاعَ حَتّى الْمَوت، مَوتِ الصَّليب﴾ (في 8:2). في إنجيلِ هَذَا الأحَد، يَضرِبُ لَنَا يَسوعُ مَثلَ ابنانِ اثْنان. الابنُ الأوَّل مُطِيعٌ ولَو بَعدَ عِصيَان. والابنُ الثّاني كَذَّابٌ وعَاصٍ. الابنُ الأوّل مُتَهَوِّرٌ نَوعًا مَا، يَرمي الكَلامَ دُونَ حِسَاب، ولَكِنَّهُ طَيّبُ القَلبِ يَقِظُ الضَّمير، فَنَدِمَ عَلَى عَصيانِه، وأَطَاعَ أَبَاهُ، وذَهَبَ للعَمَلِ في الكَرمِ كَما أَراد. أَمَّا الابنُ الثَّاني فَهوَ خَبِيثٌ ودَجَّالٌ، يُتقِنُ النِّفَاقَ، ويُطلِقُ الادِّعَاءَاتِ الْمُزَيّفَةِ والوعودِ الكَاذِبة، حالُهُ حالُ كَثيرين! الابنُ الثّاني يُمثِّلُ ظَاهِرَةً شَائِعَة، وخُصوصًا بَينَ فِئةِ الْمُتَديِّنين، مَنْ: ﴿يَأتونَكُم في لِبَاسِ الخِراف، وهُمْ في بَاطِنِهم ذِئابٌ خَاطِفَة﴾ (متّى 15:7). يَفتِنُونَ السَّاذِجين بالكَلامِ الْمَعسول، وبالأسلوبِ الَّلطيفِ والرّقيق، ويُجيدونَ تَصنُّعَ مَظاهِرِ التَّقوَى والتّعبُّدِ السَّطحي. ولَكِنَّ الدَّاخِلَ، ومَا أَدرَاكَ مَا الدَّاخِل، مَمْلُوءٌ نَجَاسَةً وإثْمًا! الابنُ الأوَّل يُذَكّرُنَا بالابنِ الأصغر في مَثَلِ الابنِ الضّال (لوقا 11:15-32)، والّذي بَعدَ حَياةِ مَعْصيةٍ مُذِلَّةٍ للغَايَة: ﴿رَجَعَ إلى نَفسِهِ، وقَال: يا أَبَتِ إنّي خَطئتُ إلى السّماءِ وإِلَيكَ﴾ (لو 17:15، 18). فَتَوبتُهُ كَانَتْ مِفتَاحَ نَجَاتِه! والابنُ الأوّل في إنجيلِ اليَوم، حَدثَ مَعَهُ الأمرُ ذاتُهُ، إذْ: ﴿نَدِمَ بعدَ ذلِك، فَذَهَب﴾ (متّى 29:21). فَكُلُّنَا أبناءُ الله، وكُلُّنَا نَرتَكِبُ الْمَعَاصي بأنواعِهَا. ولكنَّ أَبنَاءَ اللهِ الصَّادقين، همُ القَادِرونَ عَلَى التَّوبَة، وإِبدَاءِ مَشَاعرِ النَّدَم، والرُّجوعِ مِنْ جَديد، واثِقينِ برحمَةِ الله، عَامِلين بإرادَةِ الآبِ ووَصاياه. مِن الخَطَأِ أنْ تُخطِئ، ولكنَّ الخَطَأَ الأكبرَ يَبقَى في الإصرَارِ عَلَى الخَطيئة، وفي رَفضِ التَّوبَةِ والنَّدَامة، وفي عَدمِ طَلبِ الْمَغفرةِ مِنَ الله والْمُصَالحةِ مَعَه، وفي عَدمِ الرُّجوعِ إِلَيه، والبَقَاءِ في ضَيَاع! النّدامَةُ مِفتَاحٌ لِعَلاقَةٍ ناجِحَةٍ معِ الله، والاعتِذَارُ مِفتاحٌ لِعلاقَةٍ نَاجِحَةٍ معِ الآخرين. النَّدَامَةُ والتَّوبَةُ تُذَلِّلُ كَثيرًا مِنَ الخِلافَات. أَمَّا الإصرارُ عَلَى الخَطأ، ورفضُ الإقرارِ والاعتِذَار، فَهيَ أَسهَلُ وَسيلةٍ لِبناءِ جُدرانٍ مِنَ القَطيعَةِ والعَدَواتِ معِ النَّاس. الاعتذَارُ عِندَ الخَطَأ، وإبدَاءُ النّدم، لَيسَ ضُعفًا ولا انهزامًا إنّما قُوَّة وشَجاعَة، ولُغَةٌ لا يَتَحَدَّثُهَا سِوَى مَنْ تَتَلمَذَ في مَدْرسَةِ يَسوعَ: ﴿الوَديعِ الْمُتَواضعِ القَلب﴾ (متّى 29:11). أَمَّا التَّصلُّبُ عندَ الزَّلَل والعِنَادُ في الخَطَأ، فَليسَ رُجُولَةً ولا كَرامَة، إنَّمَا كِبرياءٌ مُهلِك، ذلكَ أنَّ: ﴿مُتَشامِخَ العينِ، مُنتَفِخَ القَلب، لا أُطيقُهُ﴾، كَمَا يَقولُ الْمَزمورُ الواحِدُ بَعدَ الْمِئَة. ومِثلَمَا قَالَت مَريمُ العَظيمةُ في تَوَاضُعِها: ﴿شَتَّتَ الْمُتَكبّرينَ في قُلوبِهم﴾ (لوقا 51:1). يا أَحِبّة، إنَّ مِعيارَ البُنوّةِ الصَّادِقَةِ لله، هوَ العَمَلُ بإرادةِ الله والامْتِثَالُ لِوَصَايَاه. أحيَانًا تَبدو لَنا إِرادَةُ اللهِ صَعبَة، تَبعَثُ في نَفسِنَا القَلقَ والشَّك. وخِبرَةُ يَسوع في بُستانِ الزّيتون، لَيلَةَ القَبضِ عَليِه، هيَ أوضَحُ مِثالٍ عَلى ذلك. فإرادَةُ اللهِ لَيسَتَ دَومًا أمرًا يَسهُلُ فَهمُهُ أو قُبولُه. ويسوعُ في تِلكَ السَّاعَاتِ العَصيبَة، صَلَّى قائِلًا: ﴿يَا أَبَتِ، إنْ أَمْكَنَ الأمرُ، فَلْتَبتَعِد عَنّي هَذهِ الكَأس، ولكِنْ لا كَمَا أنا أَشَاء، بَلْ كَمَا أَنتَ تَشَاء﴾ (متّى 39:26). واهِمٌ مَنْ يَعتَقِد أنَّ حَياةَ الْمُؤمنِ طَريقٌ مُفروشٌ بالورود. واهِمٌ مَنْ يَعتَقِدْ أنَّ الْمُؤمِنَ مُحَصَّنٌ أَمَامَ التَّجَاربِ والضِّيقَات. ولَكِنَّ الْمُؤمِنَ الصَّادِق، والابنَ الحقيقيّ لله، والتّلميذَ الأمينَ لَيسوعَ الْمَسيح، هو القادِرُ عَلَى طَاعَةِ الله وَقتَ الشِّدَةِ كَمَا في الرَّخَاء. عِندَ الصِّحةِ وعِندَ الْمَرَض. في الفَرحِ وفي الحُزن، في النَّجَاحِ وفي الفَشَل، سَاعَةَ الانْبِسَاطِ وساعةَ الانقِباض. ذلِكَ أنَّ: ﴿السَّاكِنَ في سِترِ العَليّ، يَبيتُ في ظِلِّ القَدير... فالشّرُّ لا يَنالُكَ، لأنَّهُ أَوصَى ملائِكَتَهُ بِكَ، لِيَحفَظوكَ في جَميع طُرُقِك﴾ (مزمور 1:91، 10-11). في تِلكَ الَّلحظاتِ والْمَواقِفِ، عِندَما تَجِدُ نَفسَكَ في بُسْتَانِ الزّيتون، عَلَى مِثالِ يَسوع، تُعَاني وتَشرَبُ الكَأسَ الْمُرَّة، هُناكَ فَقَط تَظهِرُ حَقيقةُ إيمانِك! فَإمَّا هُوَ قَويٌّ مَنيع، وإِمَّا هوَ ضَعيفٌ مُتَآكِل. ويَبقَى لَنَا يَسوعُ الْمَسيح، بحياتِهِ وتَعاليمِه، مِثَالَنَا في البُنوّةِ الحَقيقيّةِ والصَّادِقَةِ للهِ أَبينَا، والقَائِمَةِ عَلَى الطّاعةِ والْمَحَبَّة. ولا تَنسَى أنَّ مِفتاحَ النَّجَاة، مَهمَا حَدَثَ وعَصيتَ، أو ابتَعَدتَ وتُهتَ، يَبقَى في إبداءِ النّدمِ والرُّجوعِ، وقَرعِ البَاب، والدُّخولِ مِنْ جَديدٍ إلى كَرمِ الله، إلى مَلكوتِهِ الْمُعَدِّ لَنا مُنذُ إنْشاءِ العالَم (راجع متّى 34:25). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|