رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصليب من الوجهة الإيمانية يـسـتـمـد الصليب قوته الخالدة واللانهائية والخلاصية من موت يسوع المسيح ابن الله عـلـيـه . فالمرادف اللاهوتى لـكـلـمـة الصليب في المسيحية عميق غاية العمق ، فكلمة « الصليب » تعادل في مضمونها الإيماني إنجيل الخلاص كله ! فهي تعني في بساطة وإيجاز موت يسوع المسيح من أجل خطايانا ، لذلك فالكرازة بالإنجيل تعني الكرازة بالصليب . والـكـرازة بالصليب للناس لا تحتاج أقوالاً كثيرة أو حكمة عميقة : «لا بحكمة كلام لئلا يـتـعـطـل صـلـيـب المسيح» (1کو1: 17)، فالصليب قوة وليس كلاماً ، أي أن الـصـلـيـب لا يـظـهـر للـنـاس بالشرح ولكن بالإيمان والفعل : «فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله . » ( 1کو1: 18). فلكي نكرز بالصليب يلزمنا أن نؤمن بقوته ونحيا فيها ثم نقدمها للناس ليذوقوها . وما هي قوة الصليب ؟ أولاً ـ مصالحة : فالمسيح على الصليب صالح الخطاة بالله على أساس أنه مات عوضاً عنهم كوسيط بينهم وبين الله، وسفك دمه لهم ليغتسلوا و يتطهروا و يتقدسوا به ، لأنه دم أبن الله القادر أن يطهر أعماق الضمير من كافة الأعمال الميتة والخطايا التي تستحق الموت . كما أن المسيح على الـصــلـيـب صـالـح الإنسان بالإنسان ، لأنه قتل العداوة نفسها بالصليب عندما جعل نفسه وسيطاً بين كل عدوين متخاصمين في الوجود يدفع عن كل منها ديـونـه وتـعـديـاته وإساءاته : « يصالح الإثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به . » ( أف2: 16) فـالـذي يتمسك بالصليب يستمد منه قوة الصلح والسلام التي أحرزها المسيح عليه ، حتى يتصالح بها كل إنسان مع الله والناس : « عاملاً الصلح بدم صليبه » ( کو1: 20)، ليس كأنها مرة واحدة بالإيمان وحسب بل بالممارسة اليومية ، جاعلاً الصليب الملطخ بدم المسيح أمامه كل حين يستمد منه الشجاعة والجراءة للقدوم إلى الله للخلاص من الخطية فلا ييأس قط ، كما يستمد منه العون والمؤازرة ليصفح حالاً عن أخيه و يتنازل عن حقه لكل من يسيء إليه متمسكاً بقوة الدم الكريم الذي تخضبت به خشبة الصليب . حقه ثانياً ـ انعتاق من سلطان الخطيئة : سلطان الخطيئة يتغلغل فينا عن طريق الجسد ، فإرتباطنا بالخطيئة هو بواسطة الجسد. والمسيح أخذ جسدنا ومات به نيابة عنا على الصليب ، فأنهى بذلك كل ارتباط بين الخطيئة و بيننا ، لأن الجسد الذي كنا مرتبطين به مع الخطيئة مات على الصليب : «إذ مات الذي كنا ممسكين فيه » (رو7: 6)، أي الجسد. « وإذ كنتم أمـواتـاً في الخـطـايـا وغلف جسدكم ، أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخـطـايـا إذ محـا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مـسـمـرأ إيـاه بـالـصـلـيب» (کو2: 13 و14). وهنا يقصد الرسول بكلمة «مسمراً إياه بالصليب» الجسد، وفي نفس الوقت صك الخطايا !! إذن فالذي يمسك بالصليب كرمز لقوة الموت الإرادي عن الجسد فإنه ينال الإنعتاق مـن سـلـطـان الخطيئة، ويصير حـرا بـروحـه ليعبد « بجدة الروح لا بعتق الحرف . » (رو7: 6) هـنـا قـوة الـصـلـيب حقيقية وسرية في نفس الوقت ، وهي قوة موت وقوة حياة معاً . وكلما ركز الإنسان إيمـانـه وجـهـاده للـحـصـول على هذه القوة ينالها و يقهر بها سلطان الخطيئة . ثالثاً ـ إنعتاق من موت الكبرياء وقبول قوة الإتضاع : علامة الصليب رمز موت الخزي والعار عند العالم ، فالرومان لم يستخدموا الصليب لمجرد الإعدام وإنما للتشهير والفضيحة ، فوسائل الإعدام كانت كثيرة عندهم . ولم يكن يحكم على إنسان روماني الجنس قط بالصليب . فالصليب كان للأدنياء . لذلك نسمع بـكـل وضـوح الـكـتـاب يـقـول إن المسيح « احـتـمـل الـصـلـيـب مـسـتهـيناً بالخزي » (عب12: 2). إذن ، فالصليب آية اتضاع أبن الله !! والكتاب يقولها صراحة : « وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب . » ( في2: 8) إذن، فقد شفى المـسـيـح مـوت كبرياء الإنسان بفضيحة موت عار الصليب . ودفع ثمن عجرفة مخالفة بني آدم بمذلة طاعة الموت على الصليب . ولكن من حضيض مذلة الصليب استخرج لنا المسيح الخلاص من الموت والإنعتاق من الكبرياء الذي قتلنا . إذن ، فـلـيـس قـوة في الـوجـود تـلهم الإنسان الإتضاع وتشفيه من الكبر ياء قدر قوة الصليب حينها يستلهم منها الإنسان في كل لحظة مواقف التنازل والإنخفاض : « فلنخرج إذن إلـيـه خـارج المحلة حاملين عاره» (عب13: 13). «إن أراد أحد أن يأتى ورائي … فليحمل صليبه كل يوم و يتبعني» ( لو9: 23)، أي يحمل اتضاعه ويحتمل مذلته مثلي . خلال خزي الصليب وعاره إستطاع المسيح أن يعلن حكمة الله ومن ومجده . لذلك ، فالصليب هو قوة الإتضاع التي هي بعينها حكمة الله لخلاص الإنسان ومجده . رابعاً ـ غلبة الشيطان : إن مـن أعـمـق أسـرار الـصـلـيـب إنـدحـار الـشيطان بواسطته . فالرب لما سُمر على الـصـلـيـب ، صدر في الحال حكم الله بدينونة الشيطان وهلاكه الأبدي بمقتضى العدل الإلهي . لأنه عندما تسبب الشيطان في موت الإنسان كان له عذر، إذ أن الإنسان وافق مشيئة الشيطان وعصى الله مثله واستحق الموت واللعنة . ولكن لما تسبب الشيطان في مـوت أبن الله لم يـكـن لـه أدنى عذر، لأنه معروف أن المسيح لم يصنع خطيئة واحدة ولا وجد في فمه غش ، وتمم كل مشيئة الله . إذن فقاتل البريء لا بد أن يقتل !! لقد اكتشف الشيطان مخالفته العظمى الله على الصليب !! وسقط في يد أبن الله !! فبمجرد أن قبل المسيح الموت تجرد الشيطان من كل سلطانه ! « إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه ( في الصليب ) » (كو2: 15). كان الشيطان قـبـل الـصـلـيب يجهل مصيره ، أما على الصليب فقد عرف كل ما ينتظره . لذلك صار له الصليب وثيقة الدينونة التي سيحاكم بمقتضاها وصورة الحكم بالهلاك الأبدي ! ومـن هـنـا أصبحت علامة الصليب علامة رعبة للشيطان وكل جنوده . لقد ترك الله الـشـيـطـان مـقـيداً بالصليب الآن إلى أن يأتي زمان الدينونة . وأصبح لكل إنسان ، حتى الطفل ، سلطان أن يقيد الشيطان بالصليب كما قيده المسيح وحل قوته وسلطانه . لذلك فكل من يتمسك بقوة الصليب يأخذ غلبة على الشيطان . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|