رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأَنَّهُ أَمَالَ أُذْنَهُ إِلَيَّ، فَأَدْعُوهُ مُدَّةَ حَيَاتِي [2]. كثيرًا ما يصور الكتاب المقدس الله وهو يتنازل ليميل بأذنه نحو الإنسان (مز 17: 6؛ 31: 2؛ 40: 1؛ 78: 1). ما أروع أن يدرك المؤمن أبوة الله الحقيقية، ويشعر بأنه يستمع لصرخات المسكين ويستجيب لطلبته. تعبير "أدعوه" يستخدم بمعنى "أعبده" (تك 4: 26)، خاصة ممارسة الصلاة، وأحيانًا تُستخدم بمعنى "أشكره". يرى القديس جيروم أن تعبير "مدة حياتي" جاءت لتعني "أيامي (بالنهار)". فالمؤمن حياته كلها نهار ونور، كما يقول الرسول بولس. لسنا نعرف الليل، لأن لا مكان للظلمة في قلوبنا، ولا أمام أعيننا، لأننا مسكن المسيح النور الحقيقي، ودومًا في حضرته. * "لأنه يميل أذنه إليّ" (مز 116: 2). لأننا صغار وأسفل، وعاجزون عن أن نرفع أنفسنا إليه، فإن الرب ينحني إلى أسفل نحونا في حنو رأفته متنازلًا للاستماع إلينا. في الحقيقة إذ نحن بشر ولا نستطيع أن نكون آلهة، فإن الله صار إنسانًا، وتنازل كما هو مكتوب: "طأطأ السماوات ونزل" (مز 18: 9). "فأدعوه مدة أيامي" هنا يثور سؤال طبيعي: كيف يدعو الإنسان الرب في وقت النهار (أيامه) ولا يصلي بالليل؟ ولماذا يقول مزمور آخر: "في منتصف الليل أقوم لأشكرك" (مز 119: 62). مادام القديسون يمارسون الصلاة بالليل؟ وفي مزمور آخر يقول: "بالليالي ارفعوا أيديكم نحو القدس، وباركوا الرب" (مز 134: 1-2). إذن ماذا يقصد المرتل عندما يقول: "أدعوه مدة أيامي (النهار)"؟ إنه لا يقول أدعوه (في الحاضر) وإنما سأدعوه في المستقبل. مادمنا في العالم الحاضر ندعو الرب بالليل، وفي العالم العتيد ندعوه في النهار. لهذا يقول المرتل: "في أيامي (النهار)، التي هي بالنسبة للخطاة ليل، وأما بالنسبة لي فهو نهار. القديس جيروم * من أين جاءه هذا الرجاء؟ منذ قال: "لأنه أمال بسمعه إليّ فدعوته في أيامي". أحببت لذلك يسمع؛ ويسمع لأنه أمال أذنه إليَّ. من أين عرفتِ هذا أيتها النفس البشرية بأن الله أمال أذنه إليك إلا بقولكِ: "آمنت لذلك تكلمت" (مز 116: 10)؟ هذه الأمور الثلاثة إذن تثبت معًا: الإيمان والرجاء والمحبة (1 كو 13: 13). فإنكم إذ تؤمنون تترجون، وإذ تترجون تحبون... ما هي أيامكم التي فيها دعوتموه؟ هل هي ملء الزمان حيث أرسل الله ابنه (غل 4: 4)، هذا الذي قال: "في وقت القبول استجبتك، وفي يوم الخلاص أعنتك" (إش 49: 8)... بالحري أدعو أيامي أيام بؤسي، أيام موتي، الأيام التي بحسب آدم مملوءة تعبًا وعرقًا، الأيام التي حسب الفساد القديم. إذ "غرقت في حمأة عميقة" (مز 69: 2)... في هذه الأيام دعوتك. القديس أغسطينوس * إمالة الأذن كناية عن تعطف الله نحو من ليس له دالة في رفع صوته بسبب خطاياه. وأيضًا بمعنى تنازل الله واقترابه إلينا بالجسد. أما قوله: "أدعوه مدة حياتي"، فمعناه: في مدة حياتي أو في أيام حزني، أو في أيامي التي تصنعها لي ليس الشمس الحسية، بل التي يُنيرها شمس البرّ الذي هو كلمة الله وابنه الوحيد. الأب أنسيمُس الأورشليمي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|