"هأنذا أملأ كل سكان هذه الأرض والملوك الجالسين لداود
على كرسيه والكهنة والأنبياء وكل سكان أورشليم سكرًا.
وأحطمهم الواحد على أخيه،
الآباء والأبناء معًا يقول الرب" [13-14].
يعلق العلامة أوريجينوس على النص الذي بين أيدينا قائلًا
[بسبب الخطاة الموجودين في أورشليم في ذلك الوقت وفي اليهودية، يوضح إرميا ما هو نوع الخمر الذي يملأ الله به الزقاق أي الخطاة...
الله الذي يعاقب لا يشفق على أحدٍ، حتى إذا أخطأ النبي يُملأ بجميع تلك التهديدات التي ذُكرت، لن ينقذه من العقاب اسم "نبي". أيضًا ليس من يُدعى كاهنًا ويبدو أن له درجة أعظم وأعلى من الشعب يمكنه أن ينال اشفاقًا من الله حتى لا يعاقبه فيها على خطاياه.
إذا أخطأ أحد من بين الكهنة -أقصد الكهنة المسيحيين- أو من بين اللاويين الذين يقودون الشعب - أقصد بهم الشمامسة - فإنه يُعَاقَب. لكن توجد أيضًا بركات خاصة بالكهنة يمكننا أن نراها بنعمة الرب عندما نقرأ سفر العدد، حيث تُذكَر هذه البركات فيه.
"كل سكان هذه الأرض والملوك الجالسين لداود على كرسيه والكهنة والأنبياء وكل سكان أورشليم" يقول الرب أنه يملأهم سكرًا، وسوف "أحطمهم الواحد على أخيه الآباء والأبناء معًا يقول الرب". لنفهم هذا أيضًا هكذا: أن الله يُجَمِّع الأبرار ويُفَرِّق (يحطم) الخطاة. لم يفرق الله الناس حينما كانوا يعيشون في المشرق (تك 10: 30)، أما عندما ارتحلوا عن المشرق وتحولوا عنه، وقال بعضهم لبعض: "هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه بالسماء" (تك 11: 4) قال الله عنهم: "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم"، فتبلبلت ألسنتهم وتبددوا على وجه كل الأرض (تك 11: 9). هكذا أيضًا بالنسبة لشعب إسرائيل، طالما كانوا لا يخطئون كانوا متجمعين في اليهودية، لكن إذ بدءوا يخطئون تفرقوا وتبددوا كل واحدٍ منهم في مكان من الأرض.
يلزمنا أن نعلم أنه يحدث شيء مماثل بالنسبة لنا جميعًا. توجد كنيسة في السماء حيث جبل صهيون ومدينة الله الحيّ، أورشليم السمائية، هناك يجتمع كل المختارين والمطوبين في شركة بعضهم مع بعض، بينما يحصل الخطاة على عقابٍ إضافي يتمثل في عدم وجودهم مع بعضهم البعض. إني أعرف ملوكًا في هذا العالم يحبون استخدام "النفي إلى الجزر" كعقابٍ، وحينما يخطئ إنسان في مملكتهم، يقومون أيضًا بنفي عائلته إمعانًا في عذابه وعذابها، وفي النفي يقومون بتفريق وتشتيت أفراد العائلة: الزوجة في مكان، والابن في مكان، والابن الآخر في مكان، حتى أنه في وسط الكارثة، لا تستطيع الأم أن تطمئن على ابنها، ولا يستطيع الأخ أن ينعم بصحبة أخيه. لك أن تتخيل شيئًا كهذا بالنسبة للأشرار. يجب عليك أيها الخاطى أن تذوق هذه المرارة الشديدة الآن التي يوقعها الله بك، حتى ترتد عن طريقك فتخلص. ونفس الشيء بالنسبة لك أيضًا، فإنك لا تعاقب خادمك أو ابنك لمجرد رغبتك في ايذائه، وإنما لتصلحه من خلال الآلام، هكذا يقوم الله بإصلاح الخطاة الذين لا يرجعون من أنفسهم، بتوقيع الآلام عليهم، وإلا لما تابوا ولا رجعوا، وبالتالي أيضأ لما شُفوا.
هذه الضربات التي تحل بنا هي نافعة لتعليمنا، كما يقول الكتاب: "بلا توقف بالألم والسوط سوف تتعلمين يا أورشليم"، كذلك فإن التفريق (التبديد) يزيد من القيمة التعليمية للألم، عندما نفرق الذين نعاقبهم كل واحدٍ بعيدًا عن الآخر لا يوجدون مجتمعين، لأنهم إذا اجتمعوا مع بعضهم تضعف قوة الألم من خلال كلمات التعزية التي يتبادلونها ليخففوا آلام بعضهم البعض.
إذا كان يجب إضافة مبررٍ آخر للتفريق، إلى جانب ما سبق شرحه، فإليك أيضًا السبب: حينما يجتمع الأشرار معًا، لا يفكرون إلا في الشر ويعملون دائمًا على زيادته، وكذلك أيضًا الأبرار حينما يجتمعون لا يفكرون إلا في الخير. إذًا فإن نيّات الأشرار وأهدافهم التي تتشدد وتتقوى بوجودهم معًا تذوب وتتحطم حينما يتفرقون ويتشتتون. لذلك فإن الله في عطفه ورفقه بالخطاة يعمل على تفريقهم عن بعض حتى يقل شرهم ويتلاشى بدلًا من أن ينمو ويكثر].