رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فكلَّمَهُم بالأَمثالِ على أُمورٍ كثيرةٍ قال: هُوَذا الزَّارع قد خرَجَ لِيَزرَع. تشير عبارة " فكلَّمَهُم " إلى مُخاطبة يسوع جميع النَّاس دون تمييز. أمَّا عبارة "الأَمثالِ" فتشير إلى خبر يؤخذ من الطبيعة أو من حياة الإنسان من أجل العبرة التي يحملها أو تقديم فكرة معيّنة. وكَلِمة "مثل" في الأصل اليوناني παραβολή (معناها وضع شيئين جنبًا إلى جنب بقصد المقارنة) حيث أنَّ المثل هو مجرد تشبيه أو قصة من الواقع اليومي لتوضيح حقيقة روحية. ويختلف المثل عن الحكمةπαροιμία (معناها مثل حكمي) الذي هو عبارة وجيزة تتضمن معاني كثيرة كأمثال سليمان الحكيم على سبيل المثال "مَخافَةُ الرَّبّ رَأسُ العِلْم والحِكمَةُ " ( أمثال 1: 7). والكلام بأمثال هو أسلوب يدعو السَّامع للتفكير والاستنتاج لإثبات المعلومة على وجه التحديد ؛ ونجد ثلاثين مثلا في الأناجيل: متى، مرقس ولوقا؛ وجمع هنا متى الإنجيلي سبعة أمثال: مثل الزَّارع ( 13 : 1-23) ، ومثل الزُّؤان (13: 24-30) ومثل حَبَّة الخَرْدل (13: 31- 32) و مثل الخَميرة (13: 33-35) والكنْز واللؤلؤة (13: 44- 46) ومثل الشَّبكة ( 13: 47-50) ومثل الجديد والقديم (13: 51-52) ، وتدل هذه الأمثال على تعليم يسوع المُميَّز، وهي تُوضِّح الفَرق بين التعليم المُوجّه إلى الجمع والتفسير المقصور على التلاميذ (متى 13: 10-16)، ويُشدِّد متى الإنجيلي في الأمثال على وجهها اللّغزي (متى 13: 9)، حيث لا يُكشف سرَّها لجميع السَّامعين (متى 13: 11). ولم يكتفِ متى الإنجيلي أن يستخرج تعليمًا وعِبرة من الحَياة اليوميَّة، بل ربطها بحَياة يسوع وبحَياة الكنيسة. أمَّا عبارة "على أُمورٍ كثيرةٍ" فتشير إلى ما أورده يسوع من أمْثال كأسلوب جديد في تعليمه. أمَّا " الزَّارع " فتشير إلى رجل يُلقى البَذْرَ أو الحَبّ في الأرض كي ينبت، ويدل الزَّارع هنا على يسوع نفسه، كما يُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "يدعو يسوع تعاليمه هنا بذارًا، ونفوس البشر حقلًا مفلحًا، ويدعو نفسه الزَّارع". أمَّا عبارة "خرَجَ" في الأصل اليوناني ἐξῆλθεν فتشير إلى الزَّارع الذي خرَجَ للزَرْع لأجل يسوع الذي خرج مثل الزَّارع ἐξελθὼν من البَيت ليُلقي كَلِمة الله (متى 13: 1)؛ يظهر الزَّارِع كشخص مبذِّر، فانه لا يعطي حسابا للمكان وللكمية التي سينثرها من البذار. ومن هذا المنطلق، نفهم أن الزَّارع هو يسوع نفسه الذي يُلقي كلمته بكل حرية ومحبة ورغب أن تستقبل هذه الكلمة بكل محبَّة وحرُّية. ويعلق القدّيس أوغسطينوس " فالزَّارع لا يهمّه أن يقع بعض الحَبّ على جانب الطريق أو على أرض حَجِرة أو على الشوك... لأنّه لو أُحبِطَت عزيمته بسبب هذه الأماكن العقيمة، لما تابع سيره نحو الأرض" (العظة 101). أمَّا عبارة "لِيَزرَع" فتشير إلى الفلاح الذي ينثر في أرضه الحَبَّ، وهو يمشي في الحقل، وذلك من كيس كبير يحمله على كتفه. وهكذا ينتشر ملكوت الله على الطَّريق ببذر الكَلِمة. وهذا المبدأ الأساسي في العمل التبشيري كلِّه. فعمل المُبشّر لا يقوم عن طريق المنطق أو الفصاحة لحمل النَّاس على التفكير بطريقة ما فحسب، إنَّما أيضا يقوم بزرع بذار كَلِمة الله الحَيَّة في تُربة القلوب البَشريَّة، كما جاء في تعليم بطرس الرسول "إِنَّكم ولِدتُم وِلادةً ثانِيَة، لا مِن زَرْعٍ فاسِد، بل مِن زَرْعٍ غَيرِ فاسِد، مِن كَلِمة اللهِ الحَيَّةِ الباقِيَة" (1 بطرس 1: 23). بذور الكلمة تنمو بالأصغاء والتأمل والحوار مع كلمة الإنجيل الّتي تُغني حياتنا وتجعلها أكثر خصوبة وتطلع نحو مستقبل أفضل، كما جاء في نبوءة أشعيا" كما يَنزِلُ المَطَرُ والثَّلجُ مِنَ السَّماء ولا يَرجِعُ إِلى هُناك دونَ أَن يُروِيَ الأَرض ويَجعَلَها تُنتِجُ وتُنبِت لِتُؤتِيَ الزَّارعَ زَرعاً والآكِلَ طَعاماً. فكذلك تَكونُ كَلِمَتي الَّتي تَخرُجُ مِن فمي: لا تَرجِعُ إِلَيَّ فارِغة بل تُتِمُّ ما شِئتُ وتَنجَحُ فيما أَرسَلْتُها لَه"(أشعيا 55: 10-11). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
في مَثَل الزارع | فَاسْمَعوا |
في مَثَل الزارع | فقد غَلُظَ |
في مَثَل الزارع | ولا هم يَفهَمون |
في مَثَل الزارع | " الزَّارع " رجل يُلقى البَذْرَ |
مَثَل الزَّارع |