رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وَلاَ مِنْ وَبَأٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ [6]. كما يؤكد الله أن عينيه على خائفيه من أول السنة إلى آخرها، ورعايته لا تتوقف نهارًا وليلًا، هكذا فإن المقاوم من جانبه لا يترك فرصة إلا ويستغلها لتحطيم أولاد الله. فيحاول أن يرهبهم في الليل، ويطلق سهامه في النهار [5]، يبعث بالأوبئة في ظلمة الدجى أو منتصف الليل، وهلاكه في الظهيرة وسط النهار. ليعمل إبليس بكل طاقاته وتحت كل الظروف، فإن خائفي الرب محفوظون في الله ملجأهم، حيث لا يقدر سهم أن يخترقه، ولا بأن يعبر خلاله؛ حماية الله فيها كل الكفاية، يهب الأمان على الدوام، نهارًا وليلًا، بل وفي كل ساعة. لن يُصاب مؤمن إلا بسماح من الله ولبنيانه. * لماذا يقول: "في الظهيرة"؟ الاضطهاد حار جدًا، هكذا الظهيرة تعني الحرارة الشديدة... الشيطان الذي في الظهيرة يمثل حرارة الاضطهاد الصاخب. القديس أغسطينوس * "ولا من هلاكٍ يفسد في الظهيرة". نقرأ في سفر التكوين أن يوسف أقام وليمة لإخوته في الظهيرة، وفي نشيد الأناشيد مكتوب: "أين ترعى، أين تربض (تستريح) عند الظهيرة" (نش 1: 7). القديسون هم الذين عند الظهيرة يرعون ويستريحون، بينما يتشكل الشيطان مثل ملاك نور (2 كو 11: 14)، ويتنكر خدامه كخدام للبرّ باطلين. لذلك فإن أريوس وغيره من الهراطقة يدعون شياطين الظهيرة. القديس جيروم * أما سادس صراع لنا فهو موجه ضد ما يسميه اليونانيون بالضجر، أو ما يصح لنا أن ندعوه بالملل أو تعب القلب، وهو وثيق الصلة بالاكتئاب. يلاحق النساك بوجه خاص، وهو عدو خطير كثير التردد على سكان الصحراء. لا يزعج الراهب عادة إلا في الساعة السادسة، مثل الحُمى التي يقع المرء فريسة لنوباتها، وما تسببه من ارتفاع شديد في حرارة المريض، خلال ساعات معينة منتظمة. وأخيرًا فثمة شيوخ يُعلنون أن هذه الروح هي "شيطان الظهيرة" الذي ورد ذكره في المزمور التسعين . القديس يوحنا كاسيان * شيطان الضجر، الذي يقال له أيضًا "شيطان الظهيرة" (مز 6:91)، هو أخطر الشياطين. إذ يهجم على الراهب حوالي الساعة الرابعة من النهار (10 صباحًا)، ويجعل النفس تدور كما في دوامة حتى الساعة الثامنة من النهار (الساعة 2 بعد الظهر). يبتدئ أولًا بأن يجعل الإنسان يترقب الشمس وهو في غمٍ وضيق صدر، فيراها تتحرك ببطءٍ، كأنها لا تتحرك قط، ويبدو كأن ساعات النهار قد صارت خمسين ساعة. وبعدما يتراكم عليه الضجر، يحثه الشيطان لكي ينظر من نافذته، أو يخرج من قلايته يترقب الشمس، وكيف أن الوقت لا يزال الساعة التاسعة. ثم يجعله يحملق هنا وهناك لعله يجد أحد الإخوة القريبين منه خارج (قلايته)، ويثير في داخله الغيظ من المكان الذي يقطن فيه، ومن نمط حياته وعمله، ويضيف إليه هذا الفكر أنه لا توجد محبة بين الإخوة، ولا يوجد هنا من يعزيه. وإذا حدث في هذه الأيام أن أساء إليه أحد، فإن الشيطان يذكره بذلك لكي يزيد من حنقه وغيظه. بعد ذلك يثير فيه الاشتياق للسكنى في أماكن أخرى، حيث يكون من السهل أن يمارس عملًا آخر أكثر نفعًا لسد حاجاته وأقل قسوة. ويضيف إليه الشيطان أن إرضاء الإنسان لله لا يتوقف على مكانٍ معينٍ، وأنه يمكننا أن نعبد الله في كل مكان. ثم يربط هذه الأفكار بأفكارٍ أخرى، كأن يذكره بأقاربه والحياة الهادئة الهنيئة الأولى، ثم يتنبأ له بحياة طويلة مملوءة بمصاعب الجهاد النسكي. وهكذا يستخدم كل حيلة وحيلة لكي يخدع الراهب فيجعله ينهي هذه الحياة ويترك قلايته. هذا الشيطان يلحق به شيطان آخر ولكن ليس في الحال. أما إذا قاوم الراهب هذه الحروب وانتصر، تستقر النفس في سلام وتمتلئ بفرحٍ لا ينطق به . * تقف الشياطين التي تثير النفس بإلحاح وتزعج النفس حتى الموت، أما الشياطين التي تثير حركة شهوة الجسد فتتقهقر بأكثر سهولة من الأولى. أضف إلى هذا أن بعض الشياطين تشبه الشمس المشرقة أو التي تغرب، تلمس جانبًا واحدًا من النفس أو آخر، أما "شيطان الظهيرة" فقد اعتاد أن يغلف النفس كلها ويُغرق الذهن. لهذا السبب فإن العزلة (الوحدة) مع غلبة الشهوات أمر حلو، إذ لا يعود يبقى منها إلا مجرد ذكريات، أما الحرب (الروحية) فلا تكون بعد شديدة بقدر ما نفكر فيها مليًا . القديس مار أوغريس البنطي * لقد تبرهن بجلاء أنه يوجد في الأرواح النجسة عدة شهوات مثل البشر. فالبعض تقوي الفسق واللهو، وبعضها تعمل في قلوب من تأسرهم بالكبرياء الباطل.. وأرواح أخرى حاذقة في الكذب، بل وتوحي للبشر بالتجديف، ويظهر ذلك مما جاء علانية في (1 مل 22:22) "أخرج وأكون روح كذبٍ في أفواه جميع أنبيائهِ". وبسبب هذه الأرواح ينتهر الرسول من هم مخدوعون بها، إذ هم "تابعون أرواحًا مضلَّة وتعاليم شياطين في رياءِ أقوالٍ كاذبة" (1 تي 1:4، 2). وهناك نوع آخر من الشياطين يشهد عنهم الكتاب أنهم بْكم وصمْ. وبعض الأرواح تُقوي الشهوة والدنس، إذ يعلن هوشع النبي قائلًا: "لأن روح الزنى قد أضلَّهم، فزنوا من تحت إلههم " (هو 4: 12). وبنفس الطريقة يعلمنا الكتاب أنه توجد شياطين الليل والنهار والظهيرة (مز91: 5، 6). ولقد لقبت الشياطين بأسماء كثيرة في الكتاب المقدس ... هذه الأسماء لم ترد اعتباطًا، بل تشير إلى شراستها وجنونها تحت أسماء هذه الحيوانات المفترسة المتباينة الضرر والخطورة بالنسبة لنا (إذ لُقبت أسودًا وأفاعٍ).. الأب سيرينوس * إنَّه عدو ماكر ومخادع، لا يمكننا - بدون نورك - أن نُدرك طرقه الملتوية، ونعرف أشكال وجهه المتعددة. فتارة نراه ههنا، وأخرى هناك!تارة يظهر كحَمَلٍ، وأخرى كذئبٍ! تارة يظهر كنورٍ، وأخرى كظلامٍ! إنَّه يعرف كيف يغيِّر شكله، ويُشكِّل خططه، حسب ظروف الإنسان وأوقاته، فلكي يخدع المتعبين يحزن معهم! ولكي يجذب القلوب المبتهجة يلوِّث أجواء أفراحهم! ولكي يقتل الحارِّين بالروح يظهر لهم في شكل ملاك نور! ولكي ينزع أسلحة الأقوياء روحيًا يظهر في شكل حَمَل! ولكي يفترس ذوي الحياء يتحوّل إلى ذئبٍ! وفي كل خداعاته، يُخيف البعض بمخاوف ليليّة، والآخرين بسهام تطير في النهار. هؤلاء ينزلق بهم إلى الشر في الظلمة، والآخرين يحاربهم علانيّة في وقت الظهيرة (مز91)! فمن يقدر أن يميّز طرق مكره المختلفة؟! من يقدر أن يُحصِى أنيابه المرعبة؟! سهامه يخْفيها في جعبته، وحيَله يخبئها إلى اللحظة المناسبة للسقوط! إلهي... أنت رجائي... بدون نورك - الذي به نرى كل شيءٍ - يصعب علينا أن نكتشف مناورات الشيطان وحيله. القديس أغسطينوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|