* "بمراحم الرب أغني إلى الدهر". لم يقل المرتل: "برحمة"، بل "بمراحم". إن كانت الخطية هي واحدة، فإن الرأفة تكون واحدة. ولكن إذ الخطايا كثيرة، فكثيرة أيضًا هي مراحم الله. بمراحمك يا رب "أغني لك إلى الدهر"، فقد اقتنيت مراحم إلى الأبد. لذلك يليق بي أن أسبح إلى الأبد، لأن علة تسبيحي أبدية. من يغني يطرد الحزن، ويطرد الخوف، ويقيم الفرح، لأنه يقتني الرحمة. هذا إذن ما يقوله النبي: لأن خطاياي مغفورة خلال رأفة الله، لهذا أبقى أغني بمراحمه. ما يعنيه بقوله "إلى الأبد" هو: إذ تتعطف عليّ، لا لوقتٍ قصيرٍ بل إلى الأبد، فمن جانبي أسبحك إلى الأبد، ولن أتوقف، لأنك تخلصني أبديًا.
"لدورٍ فدورٍ أخبر عن حقك بفمي" (مز 89: 1) يا لعظمة تسلسل المزمور! لم يبدأ المرتل أولًا بالحق وبعد ذلك بلغ إلى الرحمة. إنما نال أولًا الرحمة وبعد ذلك بلغ إلى الحق عندما نال غفران الخطايا. بالحق عندما كنت خاطئًا لم أجرؤ أن اقترب من الحق. ولكن عندما نلت الرحمة عندئذ بقلب شجاع بلا خوف أعلنت عن الحق. عندما قال: "لجيلٍ (لدورٍ) فجيلٍ" تكلم حسنًا، إذ لم يقل من أجيالٍ إلى أجيالٍ، بل من جيلٍ إلى جيلٍ. لم يستدعٍ لذهنه أجيالًا كثيرة إنما فقط جيلين، واحد للمختونين والآخر للأمم. لجيلٍ أرسل بطرس ولآخر بولس... ذاك الذي تكلم أولًا بالآباء والأنبياء (الجيل الأول) تحدث بعد ذلك في شخصه (عب 1: 1-2)، وكما يقول نشيد الأناشيد: "ليقبلني بقبلات فمه" (نش 1: 1). إنه يقول: إنني أتكلم في شخصي عن ذاك الذي تكلمت عنه بالأنبياء، ذاك الذي لم يستطع العالم أن يسمعه في رعوده، يمكنه أن يسمعه على الأقل خلال صرخاته.
القديس جيروم