رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شخصية دانيال: في افتتاحية هذه المقدمة تحدثنا عن دانيال بكونه النبي المنشغل بالإدارة دون مزجٍ بينها وبين العمل الروحي، والرائي المحبوب الذي يكشف له الله عن أسراره، وأب التاريخ الأممي، ونبي الأحلام والرؤى، والآن أود أن أُقد خطوط عريضة لهذه الشخصية التقية التي نكتشفها بأكثر وضوح خلال دراستنا للسفر: 1. يتحدى دانيال المذلة والصعوبات، ولا ينحني للترف والتدليل. لقد عاش في وسط القصر كرجل آلام من أجل أمانته لله ولخلاص أخوته، لهذا لم تكن السماء ببعيدة عنه. إذ هي قريبة من الذين يتأملون فيها ويتألمون لأجلها. 2. آمن أن كل سلطة هي ن يد الله، وأن الله يُحرك التاريخ كله، وهو يهب النصرات ويسمح بالهزائم. 3. دانيال رجل الدولة القائم بمهام رئيس الوزراء هو نفسه القائم بأعمال الله في آن واحد. لم يتغير وهو في الجب بين الأسود عنه وهو في القصر يخضع له كل رجال الدولة. يُمثل دانيال النبي صورة حيَّة للمؤمن الحقيقي، الذي يعمل في سن الشيخوخة بذات الروح التي كان يعمل بها وهو شاب. يعمل وهو رئيس عام لإدارة أعظم مملكة في ذلك الحين بذات الروح التي كان يعمل بها وهو خادم في القصر كمبتدئ. لم يعتز دانيال باللقب البابلي الذي أعطاه إياه الملك والذي كان له كرامته في كل الدولة إنما استخدم اسمه العبراني في كل السفر علامة اعتزازه بعلاقته بشعبه المسبي. اتسم بالذكاء المُفرط منذ صباه وقدراته الموهوبة، وقد أعطاه الله نعمة ليحتل مركزًا مرموقًا في القصر أثناء فترة السبي ليكون شاهدًا أمينًا لله في معقل الوثنية في ذلك الحين. لقد تشبه بيوسف الذي أقامه الله في بدء تاريخ الشعب كرجل ثانٍ في قصر فرعون ليشهد بأمانته لإلهه، بينما أُقيم دانيال في القصر البابلي في أواخر عهد هذا الشعب ليقوم بذات الدور. 4. كان دانيال أمينًا في حياته الخاصة وفي عبادته كما في عمله ليومي. فمن جهة حياته الخاصة كان حازمًا مع نفسه في تحقيق هدفه: "فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطياب الملك ولا بخمر مشربه" (دا 1: 8). كان أمينًا كقديس (ص 1)، وشجاعًا بلا خوف كحكيم (دا 2: 4-5). كان وديعًا متضعًا للغاية يعترف دومًا بخطاياه أمام الله وأمام نفسه، جريئًا وشجاعًا لا يهاب أباطرة أو وُلاة. بوداعة غلب الأسود، وبحكمته كسب الكثيرين. ومن جهة عبادته فكان حارًا بالروح في صلواته وتضرعاته التي قدمها بالصوم والمسح والروماد (دا 9: 3). يقدمه القديس باسيليوس الكبيركمثالٍ عملي للمثابرة في حياة الصلا، إذ يقول: [كيف استحق أن أكون في صحبة دانيال إن لم اطلب الله بمثابر دائمة وبابتهال مملوء غيرة؟]. ومن جهة عمله اليومي، كرجل دولة لم يكن متآمرًا ولا وصوليًا بل رجل الله الحكيم. بلا شك كانت له ضعفاته لكنه يُحسب بلا لوم، لم يستطيع ألدّ أعدائه أن ينطقوا بكلمة ضده، ولم يذكر الكتاب المقدس عنه خطأ معينًا. "ثم إن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علة يجدونها على دانيال من جهة المملكة فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنبًا لأنه كان أمينًا، ولم يُجد فيه خطأ ولا ذنب" (دا 6: 4). كما قال للملك: "لأنيّ وُجدت بريئًا قدامه وقدامك أيضًا أيها الملك لم أفعل ذنبًا" (دا 6: 22). دانيال الذي كرمه أهل الأرض فصار رجل دولة بيده أسرار ممالك تسيطر على العالم، جعله الله سفيره وقدم له أسراره الإلهية وكشف له عن تاريخ دقيق لنهاية العالم. في تعليق القديس هيبوليتس الروماني على سفر دانيال دعاه الطوباي والقديس والبار والشاهد للمسيح، فمن كلماته عنه: [إننيّ أُباشر حمل الشهادة لذلك الرجل القديس والبار، النبي والشاهد للمسيح، الذي ليس فقط أعلن عن رؤى نبوخذنصر الملك في تلك الأيام، وإنما أيضًا درب بنفسه الفتية الذين لهم فكر مشابه لفكره، مُقيمًا شهودًا أمناء في العالم]. كان شاهدًا أمينًا لله، ترك أثرًا عميقًا في حياة الملك الوثني الذي انجذب إلى الله وأعلن إيمانه به، قال عنه نبوخذنصر: "إنيّ أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر عليك سر" (دا 4: 9)، وقال له بيلشاصر آخر ملوك بابل: "قد سمعت عنك أن فيك روح الآلهة وأن فيك نيرة وفطنة وحكمة فاضلة" (دا 5: 14). قيل أيضًا عنه: "فيه روح فاضلة، وكان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب" (دا 6: 3-4). وذكر في سفر حزقيال كأحد الأبرار الثلاثة: "نوح ودانيال وأيوب" (حز 14: 14). وعندما وبخ الله ملك صور قال: "ها أنت أحكم من دانيال، سرّ ما لا يخفي عليك" (حز 28: 3). 5. لم يُعطَ لدانيال أن يفهم كل ما قدمه الله له من رؤى، "لأن الأقوال مخفية ومختومة إلى وقت النهاية" (دا 12: 9)، ويقول الرب: "أما أنت فأذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام" (دا 12: 13). وقدر ما تقترب النهاية يلزمنا أن نتيقظ لندرك بعض أسرار سفر دانيال. 6. إذ نعيش كدانيال ورفقائه نستعد للدخول مع مسيحنا في مجده يوم ظهوره: "وتكونون حيث أكون أنا". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|