المحبة الفاهمة
«هذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ ... تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ»
( فيلبي 1: 9 ، 10)
شكر الرسول بولس الرب من أجل المؤمنين في فيلبي، وامتدح حالتهم، وعبَّر عن مشاعره نحوهم، وها هو يُصلي من أجلهم. فماذا يطلب من أجلهم؟ هل من أجل غنى وثراء؟ أم من أجل احتمال الألم والعناء؟ هل صلى كي يُشمروا سواعد الهمة في مجالات الخدمة؟ كل ما سبق لا يوجد أدنى غبار عليه، لكن الرسول كان دائمًا مشغولًا بالأبقى والأرقى، بالأثمن والأنفع. فبدأ صلاته بطلب أن تزداد محبتهم أكثر فأكثر (ع9). فالمحبة هي برهان حياة الإيمان، وهي أساس الشهادة للرب، وهي جرار قطار التكريس.
والهدف الرئيسي للحياة المسيحية هو محبة الله ومحبة القريب. وهذه المحبة هي التي تضع المؤمن على طريق الخصب والإثمار. المحبة محرك العطاء وحافز الخدمة. لكن هذه المحبة يجب ألا تقتصر على المشاعر. لذا نحتاج في خدمتنا الفعالة للرب أن نستخدم ذكاءنا وفطتنتنا، ونُمارس فهمنا لتمييز الأمور.
وبهذا الذكاء الإلهي يمكننا أن نُميِّز ونستحسن الأمور الممتازة (ع10)، ونستطيع بسهولة أن نحكم على الأشياء الخاطئة. فهذه المحبة، محبة واعية ممتزجة بالمعرفة والفهم، محبة بصيرة وليست عمياء. إنها محبة في نور المعرفة، محبة تُميِّز ما يليق وما لا يليق. محبة تعرف متى تترفق ومتى تُوبِّخ، متى تظهر اللطف ومتى تظهر الحزم. محبة تعرف متى تمدح ومتى تنصح، قد تجرح لتُصلح لا لتفضح.
فالمحبة الحقيقية التي في القلب تتوافق مع الذهن المستنير. والذين يُحبون ربنا يسوع في عدم فساد، يهبهم الروح نعمة ليُميّزوا وليستحسنوا الأمور الممتازة. هذا التمييز يجعلنا مُخلِصين، ويجعل ولاءنا للرب خاليًا من أي دوافع وقتية رخيصة، أو أرضية دنيئة، لنخدمه بدوافع نقية وقلوب صادقة الحب، تبتغي رضاه إلى يوم لقاه.