رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخطيئة والفداء (الجزء الثاني) ما هو الفِداء؟ قال يسوع: ” فَحَتَّى ابْنُ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لاَ لِيُخْدَمَ، بَلْ لِيَخْدِمَ وَيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ. إنجيل مَرقُس 45:10 الكَلِمة اليونانِيَّة المُتَرجَمة “فِدية” تَعني الثَّمَن الذي يُدَفع عن الأسير مُقابِل إطلاق سَراحِهِ لِيَصيرَ حُرّاً. تُستَخدَم الكَلِمة ذاتَها في دَفع فِديَة تَحرير عَبد مِن عُبودِيَّتِهِ. ومَفهوم الفِداء الذي قالَ عنهُ يسوع لم يَكُن جَديداً على الثَّقافة التي نَشَأ فيها، بل هو مَفهومٌ مُتَأصِّل في التَّعاليم اليَهودِيَّة لأنَّنا نَقرأ في التَّوراة تَعاليم مُختَصَّة بفِداء العَبيد، وأيضاً نَقرأ عن مَبدأ الوَلِيّ الأقرَب الذي يَفتدي أرضَ قَريبِهِ المُحتاج لِلمال بِشِرائِها، حَيثُ يَلتَزِم الشَّاري بِأبناء عائِلَتِهِ لِتَبقى مُلكِيَّة الأرض ضِمن العائِلة الواحِدة. كما أنَّ إخراج بَني إسرائيل مِن أرض مصر أسَماهُ الرَّب بالفِداء، مِمَّا يُعطي لله لَقَب الفادي لِكَونِهِ هو الذي أطَلَقَ الشَّعب وافتَداهُم مِنَ العُبودِيَّة. والفِداء أيضاً عِندَ اليَهود كانَ مَعروفاً بالقَرابين والأضاحي حَيثُ كانَ يُقَدَّم الكَبش فِديَةً عن ذُنوب الشَّعب. وبذلكَ يَكون المَبدأ الذي أتى بهِ يسوع ليسَ مُبتَكَراً أو جَديداً عن تَعاليم البيئة المُحيطة بهِ، أي أنَّهُ عِندَما قالَ أنَّهُ سَيُقَدِّم نَفسَهُ فِديَةً عن الشَّعب، كانَ يَعني أنَّهُ سَيفديهِم بِنَفسِهِ. ما هيَ الكَفَّارة كُلُّنا نُذنِب ونَرتَكِب المَعاصي، لكِن الصَّلاة والتَّوبة والقِيام بأعمال صالِحة للتَّكفير عن ذُنوبِنا لا تُلغيها ولا تَمحيها، فالذَّنب هو عِصيان الله والعِصيان لهُ ثَمَن، ونَحنُ البَشَر الذينَ خُلِقنا مِن تُراب عَصَينا وَصايا خالِق الأكوان الذي قالَ فَكان وأمَرَ فَصار. عَدالَة الله النَّابِعة مِن صَلاحِهِ تَقتَضي بِدَفع ثَمَن عن الذَّنب المُرتَكَب وتَتَطَلَّب أن يُعاقَب المُذنِب. اِسأل نَفسَكَ هذهِ الأسئِلة: هل القاضي العادِل يُطلِق المُذنِب لِأنَّهُ تاب؟ إن كانَ القاضي بِسَبَب إساءَة إنسانٍ لِإنسان لا يُبرِئ الذَّنب، فَكَم بِالحَري القاضي الأعلى صاحِب المِعيار الأسمَى لِلعَدالة، ألا يُعاقِب مَن يُذنِب ويَرتَكِب المَعاصي؟ لِذلِكَ عَلَّمَ الله الشَّعب قَديماً مَبدَأ القَرابين والأضاحي مِنَ الكِباش لِتَكون كَفَّارة عَن ذُنوب الشَّعب. الكَفَّارة كَلِمة تَعني في اللُّغة العِبرِيَّة “الغِطاء”. أن تُكَفِّر يَعني أن تَستُر أو تُغَطّي، وتُستَخدَم روحِيّاً للإشارة إلى الغِطاء الذي تُحدِثُهُ الأضاحي والقَرابين على الإنسان، إذ تَحجُب عَنهُ غَضَب الله، وتَستُر عَنهُ العِقاب لأنَّها تُغَطّي ذُنوبه. فَدِماء الكَبش المَسفوكة على المَذبَح تُعتَبَر كَفَّارة لأنَّها تَرمز إلى مَوت الكَبش فِداءً أو بَدَلاً عن الإنسان الخاطِئ، مُغَطِّيَةً بِذلِك ذُنوبِهِ وحاجِبَةً عَنهُ غَضَب الله. لماذا نَحنُ بِحاجة إلى فِداء وكَفَّارَة يسوع؟ بَعد أن عَرَفنا ما هيَ الخَطيئة وما هو مَطلَب الله للتَّكفير عَنها، نُلاحِظ أنَّ عَدالَة الله تَتطَلَّب سَفك دَم مِن أجل الغُفران لِأنَّهُ بِدون سَفك دَم لا تَحصُل مَغفِرة (الرِّسالة إلى العِبرانِيّين 22:9). لكِن دِماء الكِباش والعُجول غَير قادِرة أن تُطَهِّرنا مِن ذُنوبِنا بِالكامِل نَظَراً لِضَعفِها وتَكرارِها بِشَكل دائِم (الرِّسالة إلى العِبرانِيّين 11:10). والغَرَض مِنها كانَ لِكَي يُظهِر الله لِلشَّعب مَدى بَشاعَة خَطاياهُم أمامَ قَداسَتِهِ، فَسَفك الدَّماء بِالكَفَّارة يُبَيِّن للإنسان أنَّ الخَطيئة هيَ مَكرَهة لله، لكن هذهِ الطُّقوس الكَفَّارِيَّة لم تَكُن هيَ الخُطَّة النِّهائِيَّة لِخَلاص البَشَر، فالله كانَ هَدَفَهُ مِنها أيضاً أن يُحَضِّر الشَّعب القَديم لِمَجيء المَسيح المُخَلِّص والذي هو الأُضحِية الحَقيقِيَّة الكُبرى يَقول بولُس الرَّسول: “كَانَتِ الشَّرِيعَةُ هِيَ مُؤَدِّبُنَا حَتَّى مَجِيءِ الْمَسِيحِ” رسالة بولُس الرَّسول إلى أهل غَلاطية 24:3 مَعنى ذلك أنَّ النَّاموس الذي يَتَضَمَّن هذهِ الشَّرائِع كانَ يُهَيِّئ ويُمَهِّد الطَّريق لِأُضحِيَة المَسيح. ولَو لَم يَكُن الشَّعب مُدرِكاً لهذهِ المَفاهيم ومُهَيَّأً لَها، لَما كانَ فَهِمَ رِسالَة المَسيح عِندَ مَجيئِهِ، ولا كانَ فَهِمَ ما قالَهُ يوحَنَّا المَعمَدان عن يسوع: “وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي رَأَى يُوحَنَّا يَسُوعَ آتِياً نَحْوَهُ، فَهَتَفَ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذِي يُزِيلُ خَطِيئَةَ الْعَالَمِ.” إنجيل يوحَنَّا 29:1 كانَ يسوع هو الذَّبيحة الحَقيقِيَّة التي كَفَّرَت عن ذُنوبِنا وقَدَّمَت لنا الفِداء. وذلكَ لأنَّ يسوع هو: • الوَحيد القادِر على القِيام بِهَذا الأمر لأنَّهُ وَحدَهُ مَن استَطاعَ أن يُرضي العَدالة الإلهِيَّة بِكَونِهِ إنساناً كامِلاً وإلَهاً كامِلاً في نَفس الوَقت. • الوَحيد الذي عاشَ حَياةً بِلا خَطيئة، فَحَياة الكَمال التي كانَت مَطلوبة مِنَّا وفَشِلنا في تَطبيقِها، عاشَها يسوع بِالتَّمام في حَياتِهِ على هذهِ الأرض، لأنَّ الإنسان العادي لَم يَكُن لِيَقدِر أن يُقَدِّم الكَفَّارة لأنَّهُ مُذنِب ويَحتاج إلى مَن يُكَفِّر عَنهُ، لذلكَ صَنَعَ الله بِنَفسِهِ تَطهيراً لِخَطايانا. • الوَحيد الذي صَنع كَفَّارَةً للذُّنوب بِتَقديم نَفسِهِ وجَسَدِهِ ودِمائِهِ على خَشَبَة الصَّليب أُضحِيَّةً وقُرباناً عن ذُنوبِنا، وليسَ كَدِماء الأضاحي الطَّقسِيَّة الحَيَوانِيَّة الضَّعيفة، بَل كانَ ذَبيحَةً تَقدِر أن تُخَلِّص المُؤمِنين مَرَّة واحِدة وإلى الأبَد. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|