رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
معرفة الله الساكن في القلب * إن ينظر الإنسان إلى الله اللانهائي... هذا ذكر مستقيم حقًا. إنه ينزع الأهواء، ويطرد الشياطين، وينير العقل، ويطهر القلب. أما إن طلب الإنسان حياة الله في داخله، فهذا أفضل مما سبق. إن كانت العوالم كلها مليئة بالحياة وهو خالٍ منها، فما هي المنفعة التي تأتيه من الخارج؟ وإذا كان مليئًا بالحياة، بماذا يضره الموت الذي هو خارج عنه؟ * أنظر إلى الله في ذاتك، وأنظر كيف أن الله هو نور! إن طبيعته هي نور ممجد نور أشعة وفيرة. وهو يظهر نور طبيعته إلى كل من يحبونه في كل العوالم، أعني مجده لا طبيعته؛ وهو يحول صورة الذين يرونه إلى صورة مجده. أنظر إلى نفسك وأبصره فيها، في ذاتك، متحدًا بك كاتحاد النار بالحديد في داخل الكور، وكالرطوبة في جسمك. عندما تنظر إليه وهو متحد بك هكذا، يسبي ذاتك من أمام ذهنك لكي يتراءى وحده لذهنك . * إن سألك عن رؤية الأقانيم الممجدة، لا تستطيع خليقة أن تتكلم عنها. بالرغم من أن الأنقياء يرون كل واحدٍ منها وفق نقاوتها الصافية. ورغم أن القوة الرائية هي فيهم بحسب قوتهم، فهي قوة في طبيعتهم للتعريف بالكلمة، مع هذا نضع علامات ضعيفة لإنارة المظلمين أمثالنا . * الذين يريدون بوقاحة سبر جوهر طبيعته التي لا بداية لها يقتنون الهلاك لهم من سبرهم. ويتلقون من تجارتهم الويل والمرارة والتنهدات...! لا تفصل نفسك عن الحياة! لا تسقط في اليم لئلا تهلك. بل نظم مسيرك، واعدله، واقتنِ منه الحياة إلى الأبد... إن كنت لا تستطيع أن تعرف نفسك، كيف تستطيع أن تسبر جوهر طبيعة خالقك؟! أيها الفاحص المنافق، انحنِ من كبريائك لئلا تسقط في الغمر الذي ليس له سندّ لنزولك! * ليس من أحدٍ يشخص إلى ذاته دائمًا إلا ويقتني النقاوة التي ترى الله في زمن قصير. من ينظر إلى الله في داخله، ينظف نفسه من القذارة، ولن يستطيع الشيطان أن يزرع الأهواء في قلبه. وإن زرعها تتلف سريعًا. فإن ذكر الله وذكر الأهواء لا يمكنهما أن يقطنا في مسكنٍ واحدٍ. * الذهن الذي في طياته يطلب الله يصبح بنفسه مرآة يري الله فيها. المجد لذاك الذي يُظهر مجده بالذهن الملتهب برؤيته. لكي يراه لبهجته. لا يأتي من مكانٍ ما ليتراءى له، بل يختفي فيه ويختبئ. وما أن يجده مجاهدًا ومتعبًا في طلبه، وهو دومًا في فكره، ومتعطشًا إلى رؤيته، حتى يشرق به جماله الممجد الذي كان مختفيًا فيه، ويعزيه. هذا هو الذي يجد الملكوت، وقد كان مختبئًا في داخله. هذا هو الكنز المخفي في الحقل، والذي يجده فورًا من يترك كل ما يمتلكه (مت 44:13). * طوبى لمن يشخص إليك على الدوام، يا فردوسي الذي تتراءى فيَّ! ويا شجرة الحياة التي تلهبني في قلبي شوقًا إليه، وتُغير وجهي بقوة محبته، وتقيم بالدهش الذي تثيره أشعه جماله! طوبى لمن يطلبه دومًا في ذاته، إذ منه تجري الحياة لتطيَّبه (يو38:7)! طوبى لمن يحمل ذكرك في قلبه في كل آن، إذ أن نفسه هي أيضًا سكري بحلاوتك! طوبى لمن هو شاخص إليك على الدوام في داخله، إذ يستنير قلبه لرؤية الخفيات! طوبى لمن يطلبك في ذاته إذ أن قلبه ملتهب أيضًا بنارك، وجسده متقد مع عظامه بقوته المطهرة! * تعزيه برؤيتك في كل حين. عندما يأكل يراك في مأكله، وعندما يشرب تشع في شرابه! عندما يبكي تشرق في دموعه. أينما نظر يراك، ففي كل موضع تزيده من تطويباتك. * لأن الرؤية لا يمكن أن تتحقق في ذلك النور الذي تشكل أشعته الساطعة مانعًا، يقولون أنك غمام وضباب، وإن غمامًا منيرًا يحيط بك (مز 2:79)، وإنك تمنع نظر محبيك عن التطلع بإفراط لرؤية طبيعتك المخفية . * إنك، أيها الصالح في كل محبيك، لأنهم يجدونك في الدهش الذي لا يُوصف، في مجد بهاء جمالك، وفي قوة طبيعتك، وفي معرفتك التي هي أعلى من الكل. أنت موجود بكلك في كل محبيك، بكل ما لك، وفي كل واحدٍ منهم. أنت بكليتك لكلٍ منهم بالكمال بغير نقصان، مع أنه لا يقدر أحد أن يمتلكك كليًا. المجد لكمالك الذي يضبط كل الكمالات، ولا يستطيع أحد منها أن يحدَّك . * المجد لذاك الذي وهب من حكمته لخاصته، مظهرًا جماله لأجل تلذذ محبيه . * تأمل في ذاتك قليلًا ليشرق فيك الشعاع المفرح، لا سيما حين تقع على وجهك، فإنه لا يوجد وقت مثل هذا فيه تري ذاك الذي يري الكل. فإنه يظهر لمحبيه، ويوفر لهم الصالحات. * اكشف ما لك للخفي، فيكشف هو ما له . * طوبى لمن يري ذاك البلد من ههنا، ومنه ينطلق إلى بلد الأفراح، إلى البلد الذي لا تغرب شمسه ! * طوبى لمن ينصت ويسمع أسرار الروح الخفي ويكتمها في نفسه. * يا إلهي وحياتي! لقد سُبي فكري بالحديث معك، فإنه ليس لي من أتحدث معه خارجًا عنك! ماذا أفعل؟ نفسي عطشي إليك، ولحمي يبتغيك (مز 2:63). بالحديث معك يمكن الصعود إليك، وبالتفكر فيك توهب رؤية وجهك . * إن كنت تحزن في طلبه، فستبتهج بوجوده! إن كنت تتألم لكي تنظره بالدموع والضيق، فانه يظهر لك حُسنه (جماله) داخلك فتنسى أحزانك! لا تطلبه خارجًا عنك، ذاك الذي مسكنه ومقره في داخلك! من رأى حكيمًا يطلب نعيمه خارجا عنه؟! كيف تليق لك الحياة خارجًا عنك؟! لمن أنت تخدم؟ لمن أنت تصلي؟ قدام من أنت تصرخ؟ لمن تدعو قائلا: "أبانا أسرع لمعونتي؟" قدام من أنت تسكب دموعك؟ أليس قدام ذاك الذي به تحيا وتتحرك؟! ولكن لماذا لا تشعر بنعيمك في داخل نفسك؟ أليس لأنك لم تخلط أعمالك به؟ إذا جلست، أنظر شعاعه متحدًا بك... وإذا قمت فبغمام مجده تطهر... وإذا مشيت ارفع الأرض عن نظرك، واجعل مسلكك في نور الرب كموضع نقي... وإذا نمت فبلجج نوره تغطى... وفي شربك امزج شرابك بمنظر محب الكل... طِرْ مع الطير في جو طهارته، ومع السمك اسبح في عمق عظمته، من الحديد في الكور تعلم سر اتحاده بالنار، ومع نسيم فمك تستنشق نفسك خليلها، مع الروحانيين قدس في السماء داخلك، وهناك انظر مسكنه. * آه ما أعجب خفاياك يا إلهنا. وما أعظم من يؤمن بها. نسيت ذاتي بهذيذ أولئك القديسين، الذين لست أنا واحدًا منهم. أجاهد أن أمسك الله القدوس، فلا يُمسك. أصوره فلا يتصور. إذ أنا مملوء فحينئذ أنا فارغ، وإذ أنا ماسكه ليس هو، وإذ أنا ساكن فيه، وهو في يسكن. وإذا هو مخفي عني، أنا مخفي فيه. وإذ أردت أن أطلبه، أبصره داخلي. ومن أي موضع،.. وإلى أي موضع أذهب به، لا يتركني. وإذ أنصت إليه يتكلم معي. وإذا التمسته لا يتحرك... السبح لك، إنك مخفي عن الكل، ولمحبيك تشرق بلا انقطاع! السبح لك، وعلينا رحمتك إلى الأبد آمين. * ربي وإلهي... لم تقدر يميني أن ترسم أسرارك بالصور، ولكن مثل حكيم أتقدم لأكتب... أتقدم الآن إليك وأتنعم! نصعد إلى جبلك المقدس لننظر حسنك (جمالك) الممجد. نورك مسبوك، كثير الإشراق، عجيب الإحسان، يبهر ناظريه. يلقبونك "بحرًا" و"ينبوع كل العالم".عظمتك تحبس كل عمق عميق. يشبهونك بالنار،لأنها تعطي دون أن تنقص، تطهر ولا تتسخ. * قال لي إنسان: إنه بينما يكون في بدء الصلاة أو عند نهايتها، ينسى ذاته وكل ما له ويتعجب ويتلذذ بجمال خالقه. من يفهم فليفهم، وكل من لا يفهم فليعطه الرب أن يدرك. * ما أشهاك وأحبك أيها الطفل (يسوع). شهوتك تسبي النفوس. خرجت نفسي وراءك، إذ فيك تشخص داخلها، ولها يشرق جمالك. أنت حسن. أنت محبوب مثل أبيك. أنت حلو لذيذ، مذاقك لا يعرفه إلا من ذاقك فقط. استنشقت رائحتك الطيبة، وقلبي تلذذ في، وليس من يقدر أن يفسر. * طوبى لمن في شربه يراك مخلوطًا، يشرب ويبتهج قلبه بمحبتك. طوبى لمن دخل إليك، ونظر منظرك العجيب، وتعجب بجمالك البهي الذي ينبع داخله. احتَّد قلبي على القلم، كدت أكسره، لأنه لا يقدر أن يصور الجمال العجيب الذي أنظره، أنهار مياه الحياة التي تجري من ينبوع الطوبى... كل عقل كثير الكلام، إن دخل إلى هذا البلد، يلتزم السكوت عن الكلام والحركات لاندهاشه بالأسرار. ههنا يظهر الله جماله لمحبيه. ههنا تبصر النفس ذاتها والمسيح المشرق فيها، ويبهجها منظره. ههنا الثالوث القدوس بالسِّر يُرى. * احترق القلم من حدة نارك يا يسوع. ووقفت يميني عن الكتابة. استضاءت عيناي بشعاع جمالك. وذهبت من قدامي الأرض وكل ما عليها. دُهش ذهني بالعجب الذي فيك. اشتعل اللهب بعظامي. وانشقت الينابيع لتسقي جميع لحمي لئلا يحترق... * لسبح لك، فكما أنك عجيب، عجيبة هي أيضًا أسرارك. طوبى لمحبيك الذين بجمالك يضيئون كل ساعة. * قبل أن أخرج من هذا الجسد، أعطني يا رب جمال منظرك للأكل، ورؤيا أسرارك المخفية فيك بحضن جوهريتك للشرب المفرح. * طوبى لمن سكروا بمحبتك يا إلهي، لأن بسكرهم بك استمتعوا بجمالك. ذُقْ يا أخي، وانظر حلاوة أبينا الصالح ومقدار لذتها. * أما أولئك الذين لم يجربوا لذة السكر بالله والتمتع به، فهم مساكين تعساء. لقد أعطى الله محبته طيبا يسكرهم به ويلذذهم. هو بذاته يفرح، وبهم أيضًا يبتهج. هو هو عرسهم، وحجلة فرحهم. ينظرونه في داخلهم فيبتهجون. يشرق فيهم من هو في داخلهم، ويدهشهم بجماله. * المحبة نار تشتعل بالقلب، صاحبها قائم في خدمته بفرح. إني مرات كثيرة سمعت إنسانًا من الإخوة، حين كان يسكر بمحبة المسيح، لم يكن يقدر أن يمسك نفسه من النار الإلهية المتقدة في قلبه، ومن ابتهاج قلبه النابع عن إشراق سبح الله... كان يصرخ ويقول: "آه. ألهبتني محبتك يا إلهي. اضمحلت حياتي بمحبتك يا ربنا ولم أقدر أن أصبر". وكان أيضًا يصرخ ويقول مرات كثيرة: "طوبى للذين هم سكارى بمحبتك يا ربنا. آه لحسنك الذي لا يُنطق به، أيها الآب أبي". * سبّح من قلبك بغير انقطاع، واخلط كل أعمالك بذكر الله. هذا هو العمل الذي يُظهر لك وجه الله. وهذا هو الأجر الذي يناله كل من يصلي لله خفية. ادخل إلى مخدعك وصلِ خفية حيث أبوك الخفي، أما أجرة المعلن فهو إشراقه في النفس . الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|