رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السيد حزين أخبار الأيام الأول٤ يضم قائمة بأسماء نسل يهوذا التي يتوسطها تعليق خاص بواحد اسمه “يَعْبِيص” (١أخبار٤: ٩، ١٠). والاسم في اللغة العبرية يعني “حزن” أو “عبوسة”! هكذا أسمَته أُمُّهُ، وهكذا ظن الناس عنه، ولكن الله في سجله الإلهي دعاه “أشرف” أو “أكرم” أو “أكمل” أو “أنبل” مِن إخوَتِهِ. ولنا أن نُسميه السَيِّد “أشرف” بدلاً من السَيِّد “حزين”. ولم يُعلِن لنا الكتاب المقدس لماذا حزنت أُم “يَعْبِيصُ” عند ولادته. أَكانت آلام ولادتها، أم كانت تواجه مشكلة خاصة بها؟ هل وُلِدَ في أشد أيام الضيق اللذان أصابا عائلته؟ هل وُلِدَ في الوقت الذي مات فيه أبوه، ومِن ثمَّ وُلِدَ يتيمًا؟ هل كان الحزن بسبب نوع من المعاملة القاسية أو الظالمة عُومِلت بها المرأة وابنها؟ أيَّا كان السبب، فالحزن كثيرًا ما يكون سبب بركة للإنسان، إذا ما جعله يشعر بالضعف والعجز، المُقترن بالطاعة والثقة في الله والاتكال عليه، ومِن ثم يسكب قلبه أمام الله، في تسليم كلي له، واتكال كامل عليه، مع الشعور العميق بالاحتياج إليه. لقد كان إخوة “يَعْبِيص” شرفاء، لكنه فاقهم جميعًا؛ ليس لأنه كان رجلاً غنيًا أو نابهًا أو معتبرًا في دوائر المال أو التجارة أو الزراعة... فإن الروح القدس لم يذكر شيئًا من ذلك، بل يُشير إلى ناحية واحدة فقط «دَعَا يَعْبِيصُ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ». كَانَ أَشْرَفَ مِنْ إِخْوَتِهِ لأنه كان رجل صلاة. كان “يَعْبِيصُ” الرجل الذي اشتهر بصلاته. ونحن لا نتصوَّر أنها مجرد الكلمات التي قالها مرة واحدة أمام الله، بل هي خلاصة فكره ورغبة قلبه ولغة جهاده المستمر مع الله، ودستوره الدائم أمام القدير، كانت نوعًا من الصراع مع الله، كجده الكبير يعقوب الذي صرخ مرة للرب: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي» (تكوين٣٢: ٢٦). وكان “يَعْبِيصُ” شريفًا عندما تشبث بطلب بركة الله عليه «لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي Richly Bless». والبركة للخطاة لا تأتي إلا بالإيمان بالمسيح. وللمؤمنين هي بالوجود في شركة مستمرة مع الرب، مُتمتعين به، ومُتقوِّين بشخصه. وخارجًا عن المسيح لا بركة بالمرة، ففيه وحده نتبارك بكل بركة روحية في السماويات (أفسس١: ٣). وبالرغم من الظروف المُحزنة التي أحاطت بــ“يَعْبِيصُ”، إلا أنه طلب من الرب أن يُحقّق له قول المُرنم: «عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ» (مزمور٨٤: ٦). إنه لا يلزمنا أن نتوقف أمام الظروف المُحزنة والمؤلمة والمُعوِّقة، لأنه يُمكننا أن نتغلَّب عليها، وأن نُغيِّرها إلى الأفضل، بالاستناد الكامل على نعمة الله وقوته. وكان “يَعْبِيصُ” شريفًا عندما طلب النمو الروحي، واتساع دائرة تأثيره واستخدامه «لَيْتَكَ... تُوَسِّعُ تُخُومِي». فليس مما يُسِرّ الرب أن يقنع المؤمن بالقليل من الإدراك والاختبار الروحي، بل النمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح (٢بطرس٣: ١٨). والنمو هو نتيجة مباشرة لاستخدام وسائط النعمة - كالشركة والصلاة واللهج في كلمة الله – التي هي كالشمس والهواء والغذاء للنبات، لكي ينمو. ليتنا جميعًا مثله، نقنع في أمور الزمان «فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ، فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا» (١تيموثاوس٦: ٨)، أما في الأمور الروحية فلا نقنع أبدًا، بل نطلب المزيد من البركات ومن التخوم الروحية الواسعة. وكان “يَعْبِيصُ” شريفًا عندما طلب صحبة الرب له «لَيْتَكَ... تَكُونُ يَدُكَ مَعِي». إنها طلبة نُقدّمها للرب، شعورًا منا بضعفنا، وعدم استطاعتنا لعمل أي شيء بدونه (يوحنا١٥: ٥)، وخاصة فيما يتعلَّق بنصرتنا على الأعداء الذين يمتلئ بهم العالم كالوحوش الضارية. وما أحلى أن نترك ليد الرب قيادة أمورنا، لنستمتع بحضوره المبارك في حياتنا. إنها طلبة نُقدّمها للرب أيضًا، ثقة منا في أننا به نستطيع كل شيء (فيلبي٤: ١٣). لنتأكد من يد الله التي تقودنا، ومن حضوره معنا، فنتطلَّع إلى اتساع تخومنا، وازدياد تأثيرنا، فنصل إلى أصدقائنا وأقربائنا وجيراننا، وإلى مَن حولنا، بالإنجيل. وكان “يَعْبِيصُ” شريفًا لأنه كان يرفض الشر، وينفر منه «لَيْتَكَ... تَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ». إننا في طريق سياحتنا هنا نحتك بالعالم وبالشيطان، وفينا الجسد، ومِن هذه الثلاثة يتفجر الشر في كل وقت. وما ألزم أن نبتعد عن هذه الينابيع الفاسدة. وما ألزم أن نُحفَظ منها! فما ألزم أن نطلب القوة التي تحرسنا. ويُعلمنا الرب يسوع أن نطلب من أبينا السَّماوي «لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ» (متى٦: ١٣)، وعندنا الكلمة المكتوبة، وفينا يسكن الروح القدس. وهذه ضمانات وسياجات لنا من شر العالم من حولنا. وإذا نحن عرفنا جاذبية الخطية للجسد، وحاولنا أن نحفظ أنفسنا منها بقوتنا الذاتية، لن نفلح. لكننا نكون حقًا شرفاء إذا نحن نفرنا بأمانة من كل شر، وسعينا صادقين في إثر القداسة، طالبين القوة من الله. وكان “يَعْبِيصُ” شريفًا لأنه طلب أن يختبر الفرح في الرب «لَيْتَكَ... تَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ حَتَّى لاَ يُتْعِبُنِي». إن قلب المؤمن ليس له أن يضطرب، بل أن يكون فرح الرب كاملاً فيه (يوحنا١٥: ١١). وليس علينا فقط أن نتجنب الشر حتى لا نحزن، بل أن نحيا في قوة الروح القدس حتى يكمل فرح الرب فينا. والرغبة في اختبار هذا الفرح تُعبِّر عن نية الطاعة والخضوع للرب. إننا في أشد الاحتياج للحفظ من الشر الذي يواجهنا، ومن العالم المُحيط بنا، ومن الجسد الذي بداخلنا. هذه القوى التي تتحالف كأعداء لتهزمنا على انفراد. ولكن الطريق الوحيد للنصرة في يد الله العظيم القادر أن يحفظنا غير عاثرين (يهوذا٢٤). أيها الأحباء: إن صلاة “يَعْبِيصُ” تُعبِّر عن احتياج كل منا. وهذه الطلبات هي كل ما نحتاجه في طريق سياحتنا وغربتنا في هذا العالم. فلنلاحظ هذه الطلبات الأربعة فنعرف كيف يُصبِح الإنسان شريفًا في تقدير الرب: (١) «لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي»: التمتع بالبركات الروحية المتكاثرة. (٢) «تُوَسِّعُ تُخُومِي»: تخوم متسعة لإدراكنا وقلوبنا، وأيضًا لتأثيرنا. (٣) «تَكُونُ يَدُكَ مَعِي»: يد الله معنا في كل ما يجب إتمامه. (٤) «تَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ حَتَّى لاَ يُتْعِبُنِي»: حماية من الخطية والتجربة. هذه الطلبات المُباركة التي تتفق مع فكر الله ومشيئته، والمُقدَّمة من قلب عامر بالإيمان، ومُخلِص في غرضه، لا بد وأن تلقى الاستجابة السريعة من الله «فَآتَاهُ اللَّهُ بِمَا سَأَلَ». هكذا نحن بدورنا، يقول لنا الرب بنفسه: «اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا١٦: ٢٤). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|