رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لاَ تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا! [8] لاحظ أيوب أن أصدقاءه قد أحاطوا به وجلسوا حوله سبعة أيام لا ينطقون، لكن وهم ناظرون إليه كانوا كمن هم عميان لا يرون أيوب في حقيقته، أما عينا الله فتنظران إليه وسط محنته حتى وإن بدأ بسبب شدة الكوارث كمن هو غير موجود، أو كمن فقد حياته وكيانه! يحتاج الإنسان إلى نظرات الرب إليه، فهو وحده ينظر إلى القلب، وقادر على تعزيته، بل وتجديده. حينما تطلع ربنا يسوع وسط محاكمته إلى سمعان بطرس لم يحتمل عيني السيد، فخرج خارجًا يبكي بكاء مرًا حتى يلتقي به ثانية بعد قيامته فيقيمه من قبر جحوده، ويرده إلى عمله الرعوي! لقد أدرك أيوب المجٌَرب أنه ليس من طريق للشكوى فيما حلٌَ به بسماح من الله إلا أن يرفعها لله نفسه. سيعبر الزمن سريعًا ولا يرانا من ينظروننا الآن، "نذهب فلا نوجد" (مز 39: 13)، نترك ما هو منظور لنتمتع بغير المنظورات. بقوله "عيناك عليّ ولست أنا" يكشف البار أيوب أنه يثق في رعاية الله وعنايته به، وإنه سيرسله إلى الأبدية ليتمتع بها، لا عن فضل من جانب أيوب. لهذا يقول: "لست أنا"، فمن جهتي أموت لكن من يقيمني سواك؟ ومن يدخل بي إلى المجد إلا أنت؟ * "لا تراني عين إنسان" [8]. لأن "عين الإنسان" هو حنو المخلص، الذي يلين قسوة جفافنا عندما يتطلع إلينا. هكذا يشهد الإنجيل، قائلًا: "فالتفت الرب ونظر إلى بطرس، فتذكر بطرس كلام الرب... فخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاء مرا" (لو 22: 61-62). لكن إذ تتجرد النفس من الجسد، لا تعود بعد تلتفت "عين الإنسان"، إذ لن تخَّلص إنسانًا بعد موته، إن كانت النعمة لم تهبه المغفرة قبل موته. لهذا يقول بولس: "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" (2 كو 6: 2). هكذا يقول المرتل: "لأن رحمته لحال الكائن الحالي" (راجع مز 118: 1). فمن لا تنقذه الرحمة الآن في الحال الحاضر، تسلمه العدالة وحدها للعقوبة. يقول سليمان: "وإذا وقعت الشجرة نحو الجنوب أو نحو الشمال، ففي الموضع حيث تقع الشجرة هناك تكون" (جا 11: 3). ففي لحظة سقوط الكائن البشري، يتقبل الروح القدس أو الروح الشرير النفس الراحلة من حجرات الجسد، فيحتفظ الروح بها إلى الأبد دون تغير. فإن كانت قد تمجدت لا تطرح في الويلات، ولا إن انطرحت في الويلات الأبدية تعود فتقوم لتجد وسيلة للهروب... بعد الحياة الحاضرة لا يعود الإنسان بعد "يرى بعين إنسان"، لذا يضيف في الحال: "عيناك علي، وأنا لست واقفًا!" وكأنه يقول بكلمات واضحة: عندما تأتي في صرامة للدينونة لا ترى لكي تخلص، بل ترى لكي تعاقب. فالشخص الذي لم تلتفت إليه في الوقت الحاضر بعنايتك المخلصة المترفقة تتطلع إليه فيما بعد بناموس العدل. البابا غريغوريوس (الكبير) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|