منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 09 - 02 - 2023, 03:36 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,465

مزمور 78 | اختبارات البرية




اختبارات البرية

بَنُو أَفْرَايِمَ النَّازِعُونَ فِي الْقَوْسِ،
الرَّامُونَ انْقَلَبُوا فِي يَوْمِ الْحَرْبِ [9].

إذ دعاهم المرتل للاستماع، قدم لهم خبرات آبائهم عبر التاريخ، فبدأ بمعاملات الله معهم خلال البرية، في طريق جهادهم بعد الخروج من مصر، منطلقين نحو أرض الموعد.
تحدث عن موقف أفرايم المتسم بكثرة العدد مع القوة، كيف انهزم في الحرب لعدم حفظه عهد الله، وعدم سلوكه في الوصية الإلهية مع نسيانه عمل الله وعجائبه.
يرى القديس أثناسيوس أن النبي يقصد بأفرايم كل الإسرائيليين، وهكذا يرى أغلب الشرَّاح.
ربما يشير هنا إلى الهزيمة التي لحقت بهم في أيام عالي الكاهن (1 صم 10:4-11).
* كان بنو أفرايم أشد قوة من غيرهم وكانت حذاقتهم وشهامتهم في الحروب زائدة. لكنهم لعدم شكرهم لله الذي قواهم ودبرَّهم ارتخوا وانهزموا في يوم الحرب. هؤلاء قبل غيرهم سباهم أهل بابل (أشور) من بلاد السامرة. لأنه قد كثر فيهم من يعبد الأصنام، وصاروا سبب هلاك وكفر للإسرائيليين.

الأب أنثيموس الأورشليمي

* لندرس النبي هوشع لنكتشف أن كل نبوته هي ضد أفرايم. يقول فيها: "صار أفرايم كحمامة رعناء بلا قلب" (هو 11:7). لاحظ أنه يقارنه بحمامة غبية، إذ ترك أفرايم الهيكل وسكن في الغابات. فإن الحمام يعيش دائمًا في الأبراج، أما افرايم حمامتي بالحق فقد هجر الهيكل، ترك البيت ليعيش في الغابات، فصار يسكن في البرية .
القديس أغسطينوس



* إذ كانوا يسعون في أثر ناموس البرّ لم يدركوا ناموس البرّ (رو 9: 31). لماذا؟ لأنهم لم يكونوا في الإيمان. لأنهم كانوا جيلًا روحه لا يثق في الله. إنما يمكن القول إنهم كانوا جيل أعمال (الناموس). فإنهم إذ انحنوا وصوَّبوا القسي التي هي الأعمال الخارجية، كأعمال الناموس، لم يقودوا قلوبهم أيضًا، الأمر الذي يحياه البار بالإيمان العامل بالمحبة. الذي به يلتصق البشر بالله لكي يريدوا ويعملوا حسب المسرة (رو 1: 17؛ غل 5: 6؛ في 2: 13).

القديس أغسطينوس

* يمكننا القول إن أبناء أفرايم هم كل الهراطقة. إنهم أولئك الذين انسحبوا من بيت الله، هجروا داود ومملكة داود، ويعيشون في البرية. إنهم يُدعون حمامًا، وللتأكد من ذلك فإنهم وإن كانوا يقرأون الكتب المقدسة إلا أن قراءاتهم غبية...
نظم بنو أفرايم درجات من رجال القوس... لكنهم انهزموا في يوم المعركة. إنهم لا يعرفون ذاك القائل: "سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم” (يو 27:14)، بل لا يعرفون كيف يتكلمون ببلاغةٍ. ينطقون بالكلمات بإسهاب، لكن فليحذروا من هذه الكلمات: "شتت الشعوب الذين يسرون بالقتال" (مز31:67) .

القديس جيروم


لَمْ يَحْفَظُوا عَهْدَ اللهِ،
وَأَبُوا السُّلُوكَ فِي شَرِيعَتِه [10].
أخرجهم الرب من أرض العبودية ليقيم معهم عهدًا، ويدخل بهم إلى أرض الموعد، كرمزٍ للدخول إلى كنعان السماوية، لكنهم كسروا العهد، وعجزوا عن تقديم شهادة حية عنه. بالرغم من تعهدهم: "كل ما تكلم به الرب نفعل". استسلموا للعبادة الوثنية ورجاساتها، وتمردوا على شريعة الرب، وعصوا وصيته.
شهد الأنبياء أنفسهم كيف عاش إسرائيل عبر التاريخ كاسرًا للعهد الإلهي.
يرى القديس أغسطينوس أن قول المرتل: "انقلبوا في الحرب" [9] قد فُسر هنا بالقول: "لم يحفظوا عهد الله، وأبوا السلوك في شريعته" [10]. انقلابهم في الحرب الروحية هو عصيانهم للرب وعدم حفظهم للعهد المبرم معه. من يثق في الله يحفظ العهد بأمانة. الله مستقيم ومن يلتصق به يسلك باستقامة، ويكون قلبه مستقيمًا، أما من يعصاه فيسلك بالتواء وانحراف.
وَنَسُوا أَفْعَالَهُ وَعَجَائِبَهُ الَّتِي أَرَاهُمْ [11].
أساس النكث بالعهد وعصيان الوصية الإلهية هو نسيان إحسانات الله وعجائبه معهم ومع آبائهم. لذلك كثيرًا ما يحذرنا الكتاب من النسيان.

"إنما احترز وأحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت عيناك ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك وعلمها أولادك وأولاد أولادك" (تث 4: 9).
"فاحترز لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية" (تث 6: 12).
"احترز من إن تنسى الرب إلهك ولا تحفظ وصاياه وأحكامه وفرائضه التي انأ أوصيك بها اليوم" (تث 8: 11).
"يرتفع قلبك وتنسى الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية" (تث 8: 14).
"فمتى أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك حولك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا لكي تمتلكها تمحو ذكر عماليق من تحت السماء، لا تنسى" (تث 25: 19).
"هل تنسى عذراء زينتها أو عروس مناطقها؟ أما شعبي فقد نسيني أيامًا بلا عدد" (إر 2: 32).
* ينسى الهراطقة أباهم وأعماله العجيبة في أرض مصر، في ظلمة هذا العالم، قد نسوا كيف بخلاصه وُلدوا من جديد في الكنيسة. وبعد ولادتهم الجديدة لم تشبعهم الكنيسة .

القديس جيروم


قُدَّامَ آبَائِهِمْ صَنَعَ أُعْجُوبَةً فِي أَرْضِ مِصْرَ بِلاَدِ صُوعَنَ [12].
يرى البعض أن صوعن كانت مدينة رئيسية في مصر، أقام فيها فرعون بلاطه الملكي. تعددت أسماؤها في عصور مختلفة. أشهر أسمائها أطلقه عليها الإغريق "تانيس". تقع على الفرع الشرقي للنيل في الدلتا، تبعد حوالي ثمانية عشر ميلًا جنوب شرقي دمياط. لا تزال أثارها في قرية صا الحجر.
دعا المرتل موسى وهرون وشيوخ إسرائيل "آباءهم". لقد صنع الله أعجوبة في تانيس عاصمة مصر، حين أخرج شعبه بيدٍ قويةٍ وذراعٍ رفيعة. هذه الأعجوبة كانت رمزًا لعملٍ أعظم ألا وهو نزول كلمة الله ليهبنا البنوة للآب، فنجد لنا أبًا سماويًا، خلال هذه البنوة نعبر إلى السماء عينها. يقول السيد: "لا تدعوا لكم أبًا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات" (مت 23: 9). خلال هذه الأبوة السماوية، نسمع أيضًا رسوله يقول: "لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (ذ كو 4: 14). هذه البنوة الروحية في الرب تحمل سمة سماوية، وتمس خلاص المؤمنين خلال المسيح مخلص العالم! إنها ليست بديلًا عن البنوة للآب، ولا عائقًا عن التمتع بها، لكنها ثمرة روحية لها.



شَقَّ الْبَحْرَ فَعَبَّرَهُمْ،
وَنَصَبَ الْمِيَاهَ كَنَدٍّ [13].
تراجعت مياه البحر الأحمر ومياه الأردن وانفتح للإسرائيليين طريق يابس وسط البحر والنهر، بينما وقفت المياه أشبه بكومةٍ جامدةٍ مثل جبلٍ. قيل: "بريح أنفك تراكمت المياه؛ انتصبت المجاري كرابية. تجمدت اللجج في قلب البحر" (خر 15: 8). كما قيل: "إن مياه الأردن، المياه المنحدرة من فوق تنفلق وتقف ندًا واحدًا" (يش 3: 13).
سار الرب على البحر، وهدَّأ الأمواج وعبَّرنا. إلى هذا اليوم أيها المؤمن الأمين عندما تُقاد من مصر يُشق البحر وتعبر.
يرى القديس أغسطينوس أن الله أوقف المياه وأغلق عليها إشارة إلى وقف الشهوات الجسدية وإبطال عملها الفاسد في حياتنا، حتى يعبر المؤمنون في سلام خلال المعمودية.
* بذراعه الإلهية الرفيعة شق البحر وصنع أسورًا بلورية من كل جانب حتى لا تنزل قطرة ماء عليهم حتى يعبروا .

القديس جيروم



وَهَدَاهُمْ بِالسَّحَابِ نَهَارًا،
وَاللَّيْلَ كُلَّهُ بِنُورِ نَارٍ [14].
يرى البعض أن الله كان يظهر كعمود في وسط السحاب يرتفع نحو السماء علامة حضوره في وسطهم، واهتمامه ورعايته لهم. كما كان كعمود نور بالليل. يبدو أن هذا العمود الذي انتقل بالليل إلى ورائهم ليحجز بينهم وبين عسكر المصريين، كان ينير للإسرائيليين بينما حلت الظلمة بالعسكر (خر 14: 19- 20).
يسلك المؤمن في هذا العالم كما قي نهارٍ منيرٍ بعمل شمس البرّ في حياته، هذا الذي يظلله كسحابةٍ، فلا تحرقه التجارب، ويأتي يوم الرب العظيم ليُعلَن بهاؤه ولا يحترق مع الأشرار.
يا له من قولٍ رائعٍ "نهارًا"، لأن السحابة لم تكن قط في ظلمة، بل كانت نورًا.
هكذا كان الله بالنسبة لشعبه سحابة في النهار تحميهم من ضربات شمس التجارب، لكنها لا تدخل بهم إلى الظلمة، ونور نارٍ بالليل يكشف لهم الطريق ويقودهم إلى نوره الأبدي، ويكون سور نارٍ يحميهم (زك 5:2) من سهام العدو النارية.
* الرب راكب على سحابة خفيفة في طريقه إلى مصر (إش 1:19). يلزمنا أن نفكر في هذه السحابة الخفيفة التي تناسب جسد المخلص، لأن جسده كان خفيفًا، لم يتثقل بأية خطية، أو بالتأكيد القديسة مريم التي حملت طفلًا بغير زرع بشرٍ. هوذا الرب يدخل مصر هذا العالم على سحابة خفيفة، أي البتول .

القديس جيروم


* هوذا الرب يدخل مصر هذا العالم على سحابةٍ خفيفةٍ، العذراء. "هداهم بالسحاب نهارًا" (مز 78: 14). في إبداع قال "نهارًا"، لأن السحابة لم تكن قط مظلمة، بل دومًا منيرة. "والليل كله بنور نارٍ" (مز 78: 14). بالنسبة لك الظلمة ذاتها ليست مظلمة، والليل يشرق كالنهار (مز 139: 12). "الليل كله بنور نارٍ". الرب إلهنا نار آكلة... لم يقل المرتل ما إذا كانت النار آكلة، تاركًا ذلك لذكائنا.
القديس جيروم


* الرب إلهكم نار آكلة (تث 24:4؛ عب 29:12)... الذين يبنون خشبًا وقشًا وعشبًا على أساس المسيح (1 كو 12:3) يكون الرب بالنسبة لهم نارًا آكله. للنار طبيعة مزدوجة: تعطى نورًا وتحرق. إن كنا خطاة تحرق، إن كنا أبرارًا تضيء لنا .

القديس جيروم



شَقَّ صُخُورًا فِي الْبَرِّيَّةِ،
وَسَقَاهُمْ كَأَنَّهُ مِنْ لُجَجٍ عَظِيمَةٍ [15].
هنا لم يقل "الصخرة" بكونها رمز السيد المسيح، بل "صخورًا"، لعله يعني بها المؤمنين الذين كانت قلوبهم قبلًا قد تحجرت وجفت، تفجرت فيها ينابيع حياة خلال الصليب، لا لترتوي فقط، وإنما لكي تفيض على الآخرين.



أَخْرَجَ مَجَارِيَ مِنْ صَخْرَةٍ،
وَأَجْرَى مِيَاهًا كَالأَنْهَارِ [16].
قيل بإشعياء النبي: "أفتح على الهضاب أنهارًا، وفي وسط البقاع ينابيع. أجعل القفر أجمة ماء، والأرض اليابسة مفاجر مياه" (إش 41: 18). "أجعل في البرية طريقًا، في القفر أنهارًا" (إش 43: 19)
بالسيد المسيح الصخرة التي ضربت بالصليب، تمتعنا بمجاري روح الله القدوس واهب الحياة.
* ضُربت الصخرة في البرية من أجلنا. ضُربت الصخرة وتفجر ماء، تلك الصخرة التي تقول: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" (يو 37:7-38). وفي داخله تجري أنهار...
في البرية حيث لا يوجد ماء فاض لنا ماء بغزارةٍ .

القديس جيروم



ثُمَّ عَادُوا أَيْضًا لِيُخْطِئُوا إِلَيْهِ،
لِعِصْيَانِ الْعَلِيِّ فِي الأَرْضِ النَّاشِفَةِ [17].
يشير هنا إلى ما حدث في رفيديم، حيث لم يكن ماء ليشرب الشعب. "فخاصم الشعب موسى، وقالوا: أعطونا ماء لنشرب. فقال لهم موسى: لماذا تخاصمونني؟ لماذا تجربون الرب؟" (خر 17: 2)
كلمة "عادوا" تشير إلى تكرار العصيان. والعجيب أنه قدر ما اهتم الله بهم، وقدم لهم فوق احتياجاتهم، صانعًا عجائب أذهلت الأمم المحيطة بهم إلى أجيال طويلة، كانوا يخطئون إليه ويعصونه. لقد دخل بهم إلى "الأرض الناشفة"، أي إلى البرية، حيث لا توجد أية إمكانيات للحياة في ذلك الحين، فيلجأوا إليه. لم يتركهم معتازين شيئًا، وبقدر ما أفاض عليهم من العطايا، أفاضوا هم من قلوبهم شرورًا ومقاومة للحق.
وهبهم الله مجاري مياه كالأنهار لكي ترتوي بطونهم العطشى، أما قلوبهم وأفكارهم فرفضت مياه الروح، وبقيت جافة كأرضٍ ناشفة بلا ثمر.



وَجَرَّبُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ،
بِسُؤَالِهِمْ طَعَامًا لِشَهْوَتِهِمْ [18].
شتان بين أن يطلب الإنسان طعامًا وهو جائع، وبين أن يقف كمن في تحدٍ مع الله، يود أن يقدم الله دليلًا على حضوره وقوته ورعايته. إنه يُسر أن نطلب منه حتى احتياجاتنا المادية، لكن دون أن نجربه في قلوبنا، أي أن نطلب الطعام لا لنتقوت ونتنفس ونعمل، وإنما لأجل إشباع اللذة والشهوة. قيل: "فعاد بنو إسرائيل أيضًا وبكوا وقالوا: من يُطعمنا لحمًا. قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن" (عد 11: 4- 6).
ليس من حق الخليقة أن تجرب خالقها، لكن الله في حبه للإنسان قدم له الحرية، فأساء استخدامها. لقد جرَّب خالقه!
* السؤال بإيمان شيء، والسؤال ليجرب (الله) شيء آخر...
إنهم لم يطلبوا طعامًا لأنفسهم بإيمانٍ.
لم يفعل يعقوب الرسول هكذا حين أمر بطلب طعام للعقل، إنما نصح أن يُطلب هذا بواسطة مؤمنين وليس لتجربة الله والافتراء عليه. "إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير، فسيُعطى له، ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة" (يع 1: 5-6). لم يكن لهذا الجيل هذا الإيمان ليوجه قلوبهم وأرواحهم التي لم تثق في الله.

القديس أغسطينوس

* النفوس الصائبة حسبما خلقت عليه حسب صورة الله، لا تحتاج إلى أطعمة حسية. أما التي أضاعت ذاتها، وصارت لحمية، فهي مولعة بالأرضيات تلك التي تؤثر طعامًا. هذا ما عناه الكتاب المقدس عن ذاك القائل: "يا نفسي، لكِ خيرات كثيرة مُعدة، كلي واشربي وتنعمي".

الأب أنثيموس الأورشليمي


فَوَقَعُوا فِي اللهِ. قَالُوا:
هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟ [19]
هُوَذَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَجَرَتِ الْمِيَاهُ وَفَاضَتِ الأَوْدِيَةُ.
هَلْ يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا،
أَوْ يُهَيِّئَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟ [20]
أعطاهم الله مياهًا بفيض، فصاروا يجربونه في قلوبهم إن كان يقدر أن يقدم لهم مائدة من اللحم عوض المن النازل من السماء.
عوض أن يشكروه ويسبحوه على المن اليومي والصخرة التي كانت تتبعهم لتفيض عليهم ينبوع مياه جارية متجددة، جربوا الرب، فطلبوا لحمًا كشهوة للذة عوض المن النافع واللذيذ. إنه لم يتركهم جائعين، لكنهم طلبوا ما يشبع شهواتهم، وفي عدم إيمان، ظنوا أن الذي قدم لهم المن والماء لا يقدر أن يقدم لهم مائدة حسب رغباتهم الغبية. لقد أهانوا قدرة الله، وأساءوا إلى عنايته الإلهية.
لم ينكروا ما يصنعه معهم من عجائب ترافقهم، لكن عدم الإيمان سيطر على قلوبهم وأفكارهم.



لِذَلِكَ سَمِعَ الرَّبُّ فَغَضِبَ،
وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي يَعْقُوبَ،
وَسَخَطٌ أَيْضًا صَعِدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ [21].
"سمع الرب فغضب"، وكأن غضبه لا يقوم بلا سبب، إنما هو فاحص الخفيات وعارف ما يدور في القلوب والأخطار والكلى، له معرفة كاملة عن أخطائهم.
كثيرًا ما تشير النار إلى الغضب الإلهي في العهدين: القديم والجديد. إذ قيل: "يمطر على الأشرار فخاخًا نارًا وكبريتًا" (مز 11: 6). وأيضًا: "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار" (مت 3: 10).
يبدو أن البعض قالوا أن أمر إخراج الماء من الصخرة سهل، لأن الماء في باطن الأرض، لكن من أين يأتي بالطعام ليُعد مائدة لشعبه الجائع.
إذ طلبوا من الله طعامًا، ليس في إيمان بعمله ومحبته، وإنما في استخفافٍ به ولتجربته، التهبت فيهم نيران الغضب الإلهي، وحلّ عليهم سخطه كثمرة طبيعية لعملهم، وليس كراهية منه. فكما رأينا في كتاب "الحب الأخوي" أن الله ليس فيه انفعالات غضب أو سخط، إنما نطلق هذا على من يعتزل الله ويرفض حب الله، فيلقي نفسه بنفسه في فساد الخطية، ويُحسب كمن حلّ عليه الغضب.



لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ،
وَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى خَلاَصِهِ [22].
خطية العالم العظمى في كل العصور هي عدم الإيمان بقدرة الله وصلاحه وعنايته. بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه أو التمتع بالمسرة بالله. من لا يؤمن لا يثق في الله، ولا يمكن أن يسره.
إذ كان الله حالًا في وسطهم يرعاهم كأبٍ قديرٍ وحكيمٍ يهتم بأبنائه حسب كلمات قلوبهم هذه إهانة وتجديف موجه ضده، لهذا غضب واشتعلت نيران غضبه وسخطه لا للانتقام، وإنما لفقدانهم الإيمان وعدم تمتعهم بخلاصه المجاني.
خطيتهم هي "عدم الإيمان"، مع أنه كان ملموسًا بأعمال حبه وعجائبه معهم، وعدم رجائهم (اتكالهم) في خلاصه.
يقول القديس أغسطينوس: عندما سُئل المرتل لماذا حلت بهم نيران الغضب والسخط، كانت الإجابة: لعدم الإيمان والرجاء في الله!



فَأَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ،
وَفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ [23].
إن كانوا قد أغلقوا على أنفسهم بعدم إيمانهم وفقدانهم الرجاء في الله، فإن الله من جانبه في طول أناته ومحبته أمر السحاب للعمل لحسابهم، وفتح مصاريع السماوات ليقدم لهم احتياجاتهم. يبقى الله أمينًا بالرغم من عدم أمانتنا.



وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ،
وَبُرَّ[25] السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ [24].
أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ.
أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ [25].
يرى العلامة أوريجينوس أن المؤمن ينطلق في الطريق الملوكي وسط رحلة البرية - كما فعل موسى وشعبه - ساكنًا في خيامٍ مقدسة، لا يعرف الراحة الجسدية ولا التهاون، فينال منًا سماويًا أو خبز الملائكة كهبة للنفوس المؤمنة الحكيمة.
* إن كنت قد أدركت أي سلام يجلبه طريق الحكمة، أية نعمة أو وداعة تنالها، فاطرح كل تهاونٍ وكسلٍ، وادخل هذا الطريق، ولا تتراجع أمام عزلة البرية (مز 78: 55)، فإنك إذ تمكث في هذه الخيام تحصل على المن السماوي، وتأكل خبز الملائكة[26].
ليتقدم البار إلى متاهات البرية المرعبة، فيجد طعامًا له من السماء .
العلامة أوريجينوس

* يُقال عن المن: خبز السماء" "وخبز الملائكة"، لأنه نزل من فوق بواسطة ملائكة بخدمتهم كأمر الله. قال أثناسيوس الجليل: معنى قول النبي وهو أن الله لم يقت أجسادهم فقط بالطعام الحسن، بل وقات نفوسهم بطعامٍ روحي، كما قال الرسول إنهم أكلوا طعامًا روحيًا، وهذا يُدعى خبز الملائكة.

الأب أنثيموس الأورشليمي

لقد انفتحت مخازن السماء العظيمة على مصراعيها، وهطلت عليهم منَّاٍ جديدًا لم يعرفوه من قبل، نزل إليهم ليكون في متناول أيديهم. لم يتعبوا في زرعٍ أو حصادٍ أو طحنٍ أو أعداد الطعام، لكنه كان مائدة معدة للطعام الفوري. قدم الله طعامًا يأكل منه الكل بلا تمييز بين غنيٍ وفقيرٍ، كبيرٍ وصغيرٍ، الكل يجد فيه كفايته.


* من هم الذين سقطوا في الصحراء أثناء ترحال شعب الله إلى أرض الموعد؟ (عب 3: 17) أليس هؤلاء الذين طلبوا أكل اللحم؟ (عد 11: 33). هؤلاء البشر لم يكتفوا بالمنِّ ولا بالماء الذي خرج من الصخرة، وكانوا بالأمس قد انتصروا على المصريين وعبروا البحر الأحمر. لكن بسبب أنهم اشتهوا اللحم المطبوخ في الأواني (خر 16: 3)، تقهقروا إلى الخلف، ولم يرَ أحد منهم أرض الموعد. هل لا تخاف من تكرار هذا النموذج؟ هل لا ترتعب من حقيقة أن الانسياق وراء الأكل ربما يحرمك من الخيرات المنتظرة؟ أستطيع أن أقول لك إنه ولا الحكيم دانيال النبي كان سيرى رؤى إن لم يكن قد تطهّر أولًا بالصوم. لا أخفي عليك أن الأكل الدسم ينبعث منه أدخنة تعتّم أنوار العقل التي تأتي من الروح القدس. يوجد غذاء ملائكي كما يقول النبي: "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 78: 25). غذاء الملائكة مختلف عن بقية الأطعمة، فهو ليس لحمًا ولا خمرًا ولا طعامًا يهتم به عبيد البطن .

القديس باسيليوس الكبير
* إذ يتغذى الملائكة أيضًا على حكمة الله، ويتلقون القوة على إنجاز مهامهم عن طريق تأملهم في الحق والحكمة، نجد مكتوبًا في المزمور أن الملائكة تتناول هي أيضًا غذاءً، تشارك فيه رجال الله -العبرانيين- فيصبحون معهم بذلك (رفقاء مائدة). ففيما يختص بما ذكر في تلك الفقرة: "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 25:78)، يجب أن لا يذهب ذهننا في ضحالة إلى درجة الظن أن الملائكة يشتركون ويتغذون إلى الأبد على نوعٍ بعينه من الزاد المادي، مثل ذلك الذي نزل - كما قيل - على أولئك الذين خرجوا من مصر (خر 15:16؛ مز 25:78). إنه الخبز نفسه الذي شارك فيه العبرانيون الملائكة "الأرواح الخادمة لله" (عب 14:1) .
العلامة أوريجينوس


* كما اعتادت الشياطين الكامنة إلى جوار مذابح الأمم أن تقتات على روائح الذبائح المقدمة، كذلك الملائكة وقد اجتذبتهم دماء الضحايا التي قدمها بنو إسرائيل، كرموز روحية ودخان البخور، يسكنون بجانب المذابح يتغذون على ذلك النوع من الغذاء .
العلامة أوريجينوس


* إن كان يوجد البعض يأتون من مصر، ويتبعون عمود النار والسحاب، ويدخلون البرية، عندئذ ينزل إليهم من السماء، ويقدم لهم طعامًا صغيرًا ورقيقًا، يشبه طعام الملائكة، فقد قيل: "يأكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 78: 25).

العلامة أوريجينوس



أَهَاجَ رِيحًا شَرْقِيَّةً فِي السَّمَاءِ،
وَسَاقَ بِقُوَّتِهِ جَنُوبِيَّةً [26].
وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا مِثْلَ التُّرَابِ وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ،
طُيُورًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ [27].
وَأَسْقَطَهَا فِي وَسَطِ مَحَلَّتِهِمْ حَوَالَيْ مَسَاكِنِهِمْ [28].
إن كان عدو الخير قد دُعي "رئيس سلطان الهواء"، فإن الله صاحب السلطان على الهواء والعواصف والأنواء. فقد حرك الرياح نحو الشرق والجنوب لتسوق الطيور في الاتجاه المطلوب، نحو المحلة.
كثيرًا ما نصف الرياح أنها متقلبة، لكنها في يد ضابط الكل الذي تشغله رياح نفوسنا الداخلية. هو وحده قادر أن يوجهها لبنياننا، ويهدئها في الوقت المناسب.
لم يمطر الله عليهم نارًا بسبب عدم إيمانهم، لكنه في طول أناته أمطر عليهم لحمًا، أرسل لهم طيور سلوى بلا عدد مثل التراب ورمل البحار. قدم لهم شهوة قلوبهم لعلهم يتوبون ويندمون على أفكار قلوبهم الجاحدة وغير المؤمنة.

فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جِدًّا،
وَأَتَاهُمْ بِشَهْوَتِهِمْ [29].
عوض الندامة أكلوا وشبعوا جدًا؛ أكلوا بشراهة حتى التخمة. رفضوا الأكل الصحي "المن"، وأكلوا بشراهة اللحم الذي كان لضررهم صحيًا.
لم يقدم لهم الطيور ليأكلوا لحمًا حسب طلبهم، وإنما أيضًا أسقطها في وسط معسكرهم حول خيامهم حتى لا يتعبوا في جمعها.
أطال الله أناته عليهم، وقدم لهم ما ظنوا أن الله عاجز عن تقديمه، ليس استعراضًا لقوته وقدرته، وإنما ليقدم لهم فرصة للتوبة وعدم العثرة فيه. أما هم فعوض التوبة "أكلوا وشبعوا جدًا، وأتاهم بشهوتهم". لم يكن الخطأ في الأكل ذاته، وإنما في الانشغال بالشهوة، وعدم مراجعتهم لأنفسهم، إذ استخفوا بالله، وفقدوا رجاءهم فيه.



لَمْ يَزُوغُوا عَنْ شَهْوَتِهِمْ.
طَعَامُهُمْ بَعْدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ [30].
فَصَعِدَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ،
وَقَتَلَ مِنْ أَسْمَنِهِمْ.
وَصَرَعَ مُخْتَارِي إِسْرَائِيلَ [31].
بينما تنزل مراحم الله على المتواضعين، يصعد غضب الله على المتكبرين المتشامخين.
لقد أمطر عليهم الطيور وأنزلها إليهم ليأكلوا، لكنهم إذ لم يشكروا شبعوا وتشامخوا، فصعد إليهم غضب الرب لجحودهم.
* ماذا يُفهم من "أسمنهم"، إلا البشر القديرين في التشامخ، والذين قيل عنهم: "إثمهم يأتي كما من الشحم" (راجع مز 73: 7).

القديس أغسطينوس

يرى البعض أن تعبير "مختاري إسرائيل" لا يعني المختارين من الله، وإنما الذين كانوا مختارين من الشعب كرجال حرب أقوياء، يدافعون عن الشعب في رحلتهم إلى أرض الموعد. هؤلاء لم يستطيعوا أن ينقذوا حتى أنفسهم، لأنهم انهزموا من شهوتهم وعدم إيمانهم.


فِي هَذَا كُلِّهِ أَخْطَأُوا بَعْدُ،
وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِعَجَائِبِهِ [32].
اشتهوا، والشهوة حبلت وولدت خطية النهم مع الجحود، وجاء الثمر موت جسدي وروحي. تحولت الوليمة إلى جنازة شبه جماعية، فقد مات السمان والمختارون، ربما لأنهم كانوا أكثر شراهة في الأكل، أو لأنهم تزعموا حركة التمرد والتذمر على الله. لم يقتلوا بحد السيف، إنما قتلهم نهمهم واشتعال شهواتهم الرديئة.
لقد أخطأوا ولم يتعظوا، رأوا القتلى بالشهوات الرديئة مع هذا لم يرجعوا إلى إلههم صانع العجائب.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 107 | خلاص من تيه البرية
مزمور 32 - الخطية وأشواك البرية
أعداد الفقاريات البرية آخذة في الإنخفاض داخل الحياة البرية
الأسرار اختبارات
اختبارات


الساعة الآن 04:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024