الإنسان والخلاص
الله في حبه للإنسان يبدأ كتابه المقدس بالحديث عن خلقة العالم من أجل محبوبه الإنسان، ليقيمه سيدًا على الأرض، أو قل ملكًا صاحب سلطان، وكيل الله يحمل صورته وعلى مثاله، يمارس الحياة الفردوسية المطوّبة والمملؤة فرحًا، يجد شعبه في الله الذي لم يعوزه شيئًا.
وينتهي الكتاب المقدس بسفر الرؤيا حيث نرى الإنسان ساكنًا في أورشليم العليا، مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 3)، ينعم بشركة المجد الإلهي، ويشترك مع الملائكة في تسابيحهم.
بنفس الروح يبدأ سفر المزامير – الكتاب المقدس مصغرًا – بالإنسان في حياة مطوّبة بكلمة الله العاملة فيه (مز 1: 2)، ليصعد به في نهاية السفر فيجد الإنسان نفسه يمارس الحياة الملائكية المتهللة خلال عمل الله الخلاصي.
هذا القسم (مز 1 – مز 41)
هو تجميع لمزامير تتحدث عن حالة الإنسان:
حياته المطوّبة وسقوطة ثم تجديده.
وهو في هذا يماثل سفر التكوين:
1. تطويب الإنسان [مز 1].
2. سقوطه من سموه [مز 2-8].
3. عداوته لله [مز 9-15].
4. تجديده بالله مخلصه [مز 16-41].
في هذا القسم يظهر ربنا كراعٍ صالح يبذل نفسه من أجل خرافه مقدمًا صورة للكفارة
(مز 22)؛
حافظًا إياها خلال رعايته السرائرية
(مز 23
كمزمور الأسرار الإلهية خاصة المعمودية والميرون والأفخارستيا)، مكافئًا إياهم في مجده
(مز 24).
ومما يلفت النظر أن أغلب مزامير هذا القسم تبدأ بالعنوان "Le David"، التي تعني "لداود" أو "الخاصة بداود".
بلا شك هذا التجميع هو أقدم مجموعة من المزامير، ربما ترجع إلى استخدامها الليتروجي (العبادة الجماعية) في الهيكل قبل السبي
الإنسان المطوّب
مزمور إفتتاحي:
يبدأ سفر المزامير بالإعلان عن الحياة المطوّبة للإنسان الورع وعن فرحه الداخلي؛ إذ لم توضع المزامير لأجل دراستها كقطع أدبية وإنما لكي تُرنم بفرح في الروح. إنها قصة الحب الخالد بين الخالق وخليقته، لا يمكن تذوها إلا من خلال الحياة المطوبة، أو خلال الحياة الجديدة المفرحة في السيد المسيح.
وُضعت لكي تُسبح بها القلب الذي يتقدس بالروح القدس، بكونه مقدِسًا يسكنه الله وتُقام فيه مملكة الفرح السماوي.
يعتقد البعض أن سليمان الحكيم هو واضع هذا المزمور، كتبه كمقدمة للسفر كله، كمدخل له، أو علامة إرشاد توجه المؤمنين بوضوح نحو الطريق الذي يليق بهم أن يسلكوه أو يعيشوه.
وكأن واضع هذا المزمور أراد أن يجعله في مركز الصدارة يدعو به المتعبدين إلى طاعة إرادة الله والثقة في تدبير عنايته الإلهية.
المزامير الحكمية Wisdom Psalms:
يُعتبر هذا المزمور ضمن المزامير الحكمية، مشحون بالحكمة التقوية العملية[54]، يرسم بطريقة فعّالة "الطريقين" وما بينهما من تضاد، بكونهما الأختيارين الرئيسين أمام الإنسان[55]: طريق التقوى في الرب أو طريق الشر.
يبرز المزمور الخطوط العريضة لنصيب كل من الصالحين والأشرار، هؤلاء الذين تُقَّيم حياتهم من وجهة النظر التالية: الالتصاق بالله أو اعتزاله. الرب هو شبعنا وفرحنا الداخلي، يهبنا استقرارًا أكيدًا،
أما مضادة الله أو اعتزال كلمته فيسبب هلاكًا! إن أسوأ مصير للإنسان هو أن يترك في عزلة عن الله وكلمته!
يوجد في الأشعار الحكمية اتجاه عام يؤكد التركيز على "الحكمة العملية" إذ تقدم الأسس الدينية لممارسة الفضائل[56]. هذه الحياة العملية لا يمكن فصلها عن الحياة الإيمانية.
المزامير الحكمية
(1، 37، 49، 73، 91، 112، 119، 127، 128، 133، 139)،
لا تتبع تكوينًا أدبيًا محددًا.
في هذا المزمور يدعو المرتل المؤمنين إلى الانضمام إلى خائفي الرب وطائعيه، هؤلاء الذين يريدون أن يلتصقوا به جدًا، متحاشين العاصين الله.
يبدأ المزمور (في العبرية) بالحرف "ألف" أول حرف في الأبجدية العبرية (طوبى Ashre)، وتبدأ اّخر كلمة tobet في المزمور بالحرف "taw" اّخر الحروف الأبجدية. الحرفان "ألف" و"تاء" يرمزان إلى كل الحروف التي بينهما، وكأن المزمور الأول يحتضن في داخله كل كلمات سفر المزامير بل وكل الكتاب المقدس[57].
الكلمات الاسترشادية (مفتاح المزمور):
1. "طوبى" Ashre:
ترتبط هذه الكلمة بسلوك الإنسان الطريق المستقيم خلال حياته اليومية. تتكرر هذه الكلمة 45 مرة في النص العبري،
منها 26 مرة في سفر المزامير و 12 مرة في الأسفار الأخرى الحكمية.
يختلف هذا التطويب عن البركة berakah الكهنوتية المضادة للعنة.
الإنسان المطوّب يخاف الله
(مز 112: 1؛ أم 28: 14؛ 20: 7)،
ويهتم بالفقراء
(مز 41: 1؛ أم 14: 21)
ويتبع إرشادات الله.
* خلق الله الإنسان لكي يشاركه تطويبه؛
أقامه كائنًا حيًا كاملاً عاقلاً ذا إدراك، لكي تمكنه هذه المنافع (الإلهية) من الأبدية[58].
القديس هيلاري أسقف بوايتيه
* [الله مصدر تطويبنا الداخلي]:
إن كان الذين يُجلَدون هم أكثر تطويبًا من الجالدين، والذين في ضيقة بيننا أكثر تطويبًا من الذين بلا ضيقة وهم خارج الإيمان المسيحي، والحزانى أكثر تطويبًا من الذين هم في تنعم، فأي مصدر إذًا للضيق عندنا؟ ربما لهذا أقول لا يوجد إنسان سعيد ما لم يعش حسب (إرادة) الله؛ فقد قيل "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار" [1].
"طوبى للرجل الذي تؤدبه يارب وتعلمه من شريعتك" (مز 94: 12).
"طوبى للكاملين طريقًا" (مز 119: 1).
"طوبى لجميع المتكلين عليك" (مز 2: 13).
"طوبى للأمة التي الرب إلهها" (مز 33: 12).
"طوبى للذي نفسه لا تدين" (ابن سيراخ 14: 2).
"طوبى للرجل المتقى (الخائف) الرب" (مز 112: 1).
"طوبى للحزانى... طوبى للمساكين... طوبى للودعاء... طوبى لصانعى السلام...
طوبى لكم إذا اضطهدوكم من أجل البر" (مت 5: 3-10).
مطلوب منا أن تكون مخافة الله هي الأساس في كل ما نفعله أو نحتمله
القديس يوحنا ذهبي الفم
v بالحقيقة علامة (تمتعنا) بالطوباوية العميقة وبالصلاح الفريد هو الاستمرار في تعلم الحب وتعليمه للغير، هذا الذي به نلتصق بالرب فنتأمل فيه كل أيام حياتنا، ليلاً ونهارًا كقول المرتل، ونقوت أنفسنا التي تجوع بِنَهَمٍ إلى البر وتعَطُّشٍ إليه، باجترارها هذا الطعام السماوي[60].
الأب شيريمون
2. "الطريق":
لفظ كتابي عام يُعبَّر عن "أسلوب الحياة"، أو عن سلوك أخلاقي كنتيجة لشركة الإنسان مع الله أو بالعكس إدارة ظهره له.
تتكرر هذه الكلمة 66 مرة في سفر المزامير، منها 16 مرة في المزمور 119، وتتردد كثيرًا في الكتابات الحكمية.
صارت هذه الكلمة شائعة الاستخدام بين الأنبياء المتأخرين؛ وقد قدم ربنا يسوع المسيح نفسه بكونه "الطريق" (يو 14: 6)، به ندخل إلى الحياة الملوكية المساوية، وخارج عنه لا نجد إلا الفساد والموت.
ما هما الطريقان؟
أي ما هو طريق الأبرار وما هو طريق الأشرار؟
يقول القديس جيروم:
[إن كان المسيح هو طريق الأبرار، فالشيطان هو طريق الأشرار[61]].
بمعنى آخر
ما يميز المؤمنين هو اتحادهم بكلمة الله، أي بالسيد المسيح.
الطريق ليس سلوكيات مجردة إنما هو دخول إلى العضوية في جسد المسيح أو ضد المسيح، لنحيا بروح الرب أو روح الشر.
الهيكل العام:
1. تباين الطريقين [1-2].
2. طريق الإنسان الورع [3].
3. طريق الأشرار [4-5].
4. نهاية الطريقين [6].
1. طريق الإنسان الورع:
يقدم هذا المزمور مبدأ لاهوتيًا أساسيًا، أعني به "الحرية الإنسانية".
فللإنسان حق الخيار في أن يحتضن الطريق التَّقَوى أو الشرير، أن يكرم المسيح أو ضد المسيح، أن يطيع الرب أو حتى يتمرد عليه.
يظهر المرتل الطبيعة المطوّبة التي يتمتع بها الإنسان الورع من جوانب ثلاثة:
أ. من الجانب السلبي: عدم ارتكاب الشر [1].
ب. من الجانب الإيجابي: الالتصاق بكلمة الله [2-3].
ج. بالحديث عن الطريق المخالف، إذ كثيرًا ما ندرك حقيقة أمر ما بالكشف عما يضاده [4-6].
الجانب السلبي:
يضع المرتل ثلاث مراحل للإنسان الشرير: يسلك أو يمشي في الطريق، ويقف، ثم يجلس مع الأشرار، قائلاً:
"طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة المنافقين،
وفي طريق الخطاة لم يقف،
وفي مجلس المستهزئين لم يجلس" [1].
أ. يرى القس أبو الفرج عبد الله ابن الطيب
أن المرتل يميز هنا بين الإثم والخطية والاستهزاء.
الإثم هو ارتكاب شر يتعلق بجسده ممثل الشهوات الشريرة والزنا والفجور؛ والخطية تتعلق بعلاقته مع الله مثل الإلحاد؛ والاستهزاء يتعلق بخطية تمس علاقتة بالآخرين كالشتيمة والنميمة والافتراء عليهم. وكأن الطوبى هي تمتع بحياة مقدسة تمس علاقة المؤمن بحياته الشخصية وبربه كما بأخيه الإنسان!
ب. يرى بعض المفسرين
أن المشي في مشورة المنافقين يشير إلى التفكير في الشر،
أما الوقوف في الطريق فمعناه الدخول إلى العمل،
وأخيراً الجلوس في مجلس المستهزئين فيشير إلى الأندفاع نحو إغراء الآخرين وتعليمهم الشر.
وكأن مراحل الشر الثلاث هي:
التفكير ثم العمل وأخيراً التعليم.
ج. يذكر المرتل ثلاث خطوات متتالية في طريق الشر:
1. السلوك في مشورة المنافقين،
يعني تبني مبادىء فاعلي الشر كقانون للحياة، باتخاذ مشورتهم نصيحة للحياة. يتجنب الإنسان التقي الشر بنبذه صحبة الأشرار تماماً، حتى لا ينقاد وراءهم.
يرى الإنسان التقي الأشرار حوله يحيطون به، فالعالم مليء بهم، يمشون في كل جانب. إنه يحبهم كأشخاص لكنه لا يحب طرقهم ولا شرورهم. يصلي من أجلهم وبحكمة يتعامل معهم، متجنباً طرقهم الشريرة. يكره الخطية لا الخطاة.
2. الوقوف في طريق الخطاة،
كمن يبدأ رحلة معهم، يعني أنه يتشبه بهم بالإصرار على ممارسة المعاصي الرديئة.
3. أخيرًا، أشر الخطايا هو الجلوس في مجلس المستهزئين،
ومشاركتهم في السخرية بالأمور المقدسة.
v يصعب على الإنسان ألا يخطيء، وكما يقول الإنجيلي يوحنا أن من ينكر أنه يخطيء فهو كاذب (1 يو 1: 8). إن كان جميعنا يخطيء،
فماذا تعني الكلمات: "وفي طريق الخطاة لم يقف"...
لم يقل الكتاب المقدس "طوبى للرجل الذي لم يخطيء" بل بالحري طوبى للرجل الذي لا يستمر في الخطية.
القديس جيروم
v يلزمنا أن ندرس التدرج:
"يسلك ويقف ويجلس" [1]؛ فالإنسان يسلك في طريق الخطاة حينما يعطي ظهره لله، ويقف عندما يجد لذة في الخطية، يجلس عندما ينحصر في كبرياءه، فيصير غير قادر على الرجوع إلى الطريق المستقيم إلا بمجيء ذاك (المسيح) الذي لم يسلك في مشورة المنافقين، ولم يقف في طريق الخطاة ولم يجلس في مجلس المستهزئين لكي يخلصه.
القديس أغسطينوس
د. حالة التطويب هي هبة إلهية تُعطى للمشتاقين إلى الحياة المستنيرة البعيدة عن ظلام الخطية.
يقول المعلم دانيال الصالحي: [فليقترب الذين يشتهون الطوبى الموهوبة من الروح القدس ويسمعوا. لمن أعطى داود المرتل تلك الطوبى المغبوطة؟...
(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى).
القرب من الطوبى الإلهية تجعلنا نبتعد عن ظلام الخطية... إن العارفين باللغة العبرية حينئذ يزعمون بأن هذا المزمور قيل لما مضى شاول طالبًا إخراج صموئيل النبي بواسطة السحر والعرافة. قاله عنه داود لما ترك الطريق المستقيم وسلك سبيل الأثمة، وسار مسيرة الكذب والزور ومشى طاغيًا وضالاً وراء الشيطان؛ نزل من كرسي البر وجلس على كرسي المرأة الساحرة في عين دور. لهذا تحرك الطوباوي داود بالروح وهو مطرود ومُضطهد وأنشد هذه التسبحة عن تغيير حال شاول ملك إسرائيل. ولكي لا يُشتم الملك المدعو مسيح الرب أخفى الشتيمة والتعيير...].
يرى أيضًا المعلم دانيال الصالحي أن الإنسان الساقط من الحالة المطوَّبة إلى طريق الشر هو آدم الأول، مقارنًا بينه وبين ملك إسرائيل الأول شاول قائلاً:
[صار (آدم) تلميذًا للحية بمشورة حواء مثلما صار شاول عبدًا للكهانة (العرافة) المضلة بتعليم المرأة العرَّافة.
أما ذاك فسقط من من الجنة مطرودًا، وهذا سقط من مملكة شعب الله وخاب من شركة القديسين مرذولاً].
ه. إن كان المعلم دانيال الصالحي يرى التطويب هو عطية الروح القدس الممنوحة لراغبيها فإن لفظ "طوبى" هو أحد القاب السيد المسيح، إذ يقول القديس بولس: "المبارك العزيز الوحيد، ملك الملوك ورب الأرباب" (1 تي 6: 15). وكأن التطويب هو عمل الروح فينا باتحادنا مع المطوّب المبارك، رأسنا يسوع المسيح.
يرى الأشرار في لذة الخطية المؤقتة سعادتهم التي تجتذبهم ولا تشبعهم فتكون سرابًا في حياتهم،
أما المؤمنون المتحدون مع السيد المسيح فيجدون سعادتهم وتطويبهم وشبعهم لا في الأمور الزمنة الزائلة بل في الاتحاد بالسيد المسح نفسه.
و. لماذا استخدم المرتل التطويب هنا بصغة المفرد "طوبى للرجل"؟
1. ربما لأن السالكين في طريق الرب، في الحياة المطوبة هم قلة قليلة جدًا، أو لعله أراد تأكيد وحدتهم معًا بروح الحب ووحدة الإيمان، فيحسبون كإنسان واحد.
يقول الرسول بولس:
"جسد واحد وروح واحد كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد؛ رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة؛ إله وآب واحد للكل..."
(أف 4: 5-6).
2. يرى بعض الآباء مثل القديس أغسطينوس أن الرجل الواحد المطوّب هنا هو السيد المسيح، آدم الثاني، الذي يحمل كنيسته فيه جسدًا مقدسًا للرأس، يهبنا حياته المطوَّبة.
ز. يُلاحظ أن المرتل يطوب مقاومي الشر ليؤكد أن هبة هذه التطويب تُمنح كعطية مجانية لمقاومي الخطية.
فيؤكد القديس أغسطينوس أن الشاب الذي يقاوم فكرًا شريرًا لا يثور في مشاعر أو أحاسيس الطفل الصغير يهبه بالأكثر أكليلاً أعظم مما للطفل.
فالشاب مقاوم الخطية ينال إكليل الجهاد عن حب وصراع لا كالطفل عن عجز. طهارة الشاب المقاومة للشر هي طهارة النضوج أما طهارة الطفل فهي عن ضعف!
الجانب الإيجابي:
مادام السيد المسيح - كلمة الله المتجسد - هو الطريق، لذا تحتل "كلمة الله" المكتوبة مركز الصدارة في حياة الأبرار. كلمة الله هي قائد حياتنا للتمتع بالحياة المطوّبة، وسند لنا ضد الإغراءات البشرية. كلمة الله هي أيضًا مصدر شبعنا وفرحنا ولذتنا كما عبّر عن ذلك المزمور 19؛ 119.
تُسمى المزامير 1؛ 19؛ 119 مزامير التوراة[62] Torah Psalm.
ينطق المرتل بالبركة على ذاك الذي يتأمل في الشريعة نهارًا وليلاً، فيجد فيها لذة، إذ تهبه سلامًا داخليًا وشبعًا في الرب.
لا يتطلع المرتل إلى الشريعة كثقل يحمله، وإنما كطرق مفرح للشركة مع الله.
يقول L.Sabourin: [جاء يسوع لا لينقض شريعة الله المعلنة بل ليكملها (مت 5: 17)، هذه التي يراها المرتل تعبيرًا عن إرادة الله، تقدم إرشادًا خلال تدبير عناية الله].
يقول العلامة أوريجانوس: [بإن الكنيسة أو النفس إذ تجد عذوبة في كلمة الله تتأمل في الشريعة على الدوام وتجترها كما يفعل الحيوان الطاهر (لا 11: 1- 4) [63].
v التأمل في الشريعة لا يعني مجرد قراءتها بل ممارستها،
وكما يقول الرسول في موضع آخر: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كو 10: 31)[64].
القديس جيروم
* لنحسب كل شيء ثانويًا بجانب الاستماع لكلمة الله، إذ لا يوجد وقت غير مناسب لها... بل كل الأوقات تناسبها[65].
القديس يوحنا الذهبي الفم
* ليبحث كل منا كيف يبني في داخله مسكنًا لله!...
ليحمل في داخل نفسه تابوت العهد حيث لوحا الشريعة، فيلهج في ناموس الرب نهارًا وليلاً [2].
ليكن فكره ذاته تابوتًا ومكتبة تحفظ الكتب الإلهية، إذ يقول النبي: "طوبى لمن يحفظ في قلبه ناموس الرب ليعمل به".
ليحمل في قلبة قسط المن، أي الإدراك الصحيح والعذب لكلمة الله.
لتكن له عصا هارون، أي التعليم الكهنوتي المدقق على الدوام في تقوى[66]....
العلامة أوريجانوس
v التأمل في الكلمات الإلهية يشبه بوقًا ييقظ نفوسكم للدخول في المعركة، لئلا تناموا بينما عدوكم يقظ. لهذا يلزمنا أن نلهج في ناموس الرب، ليس فقط أثناء النهار بل وفي الليل أيضًا كقول الرب في الإنجيل: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت 26: 41)[67].
الأب قيصريوس أسقف آرل
v "وفي ناموس الرب يلهج نهارًا وليلاً"؛ تُفهم (هذه العبارة) بمعني بلا انقطاع؛ ربما يقصد بالنهار: "في الفرح" وبالليل "في الضيقات". فقد قيل: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن رأى يومي فرأى وفرح" (يو 8: 56)؛ "بالليل تنذرني كليتاي" (مز 16: 7).
القديس أغسطينوس
إن كان سفر المزامير هو سفر التسبيح السماوي، يبدأ بالحياة المطوبة ليرتفع بنا كما من مجد إلى مجد لنشترك مع السمائيين في تسابيحهم وليتروجياتهم التي لا ينطق بها، فإنه لا سبيل للدخول إلى هذه الحياة بغير كلمة الله المكتوبة وكلمة الله المتجسد.
الكلمة الإلهي وحده يفتح عن عيوننا الداخلية بروحه القدوس فننعم بمعرفة ورؤية بل وشركة الحياة السماوية ونحن بعد هنا في الجسد. ننالها خلال العربون حتى نتمتع بكمالها في اليوم الأخير.
وجدت الكنيسة الأولي في كلمة الله المكتوبة وكلمة الله المتجسد (المخلص) فردوسها، فعاشت كما في السماء لا يعوزها شيء من كل خيرات العالم حتى الصالحة.