رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الهدوء الذي سبق العاصفة: دام اعتكاف المسيحيين في بيوتهم كل أيام العيد وفي اعتقادهم أن المسلمين سيهجمون عليهم في أي لحظة وقبل أن ينتهي العيد. وفي الوقت نفسه، أخذ العديد من مواطني الدول الأجنبية بمغادرة المدينة ومن بينهم عدد من المبشرين. وغادر معهم وبحمايتهم بعض من أصدقائهم وبعض المتنفذين. أما العامة منهم فلم يكن باستطاعتهم الهروب لأن الموت كان بانتظارهم في كل أنحاء االمعمورة وجميع طرقاتها. وأخذ سكان الحي بتأمين أماكن للإختباء في حال بدأت الغزوة. ولجأ بعضهم إلى بيوت أصدقاءهم ومعارفهم من المسلمين الأتقياء. لكن العيد مر بسلام ولم يحدث شيئاً. وخيم الهدوء على المدينة في الايام الأولى من شهر تموز. وتنفس المسيحيون الصعداء وبدؤوا الخروج من بيوتهم. وأمرت الحكومة الموظفين بالذهاب إلى أعمالهم. لم يستشعر المسيحيون المكيدة التي كانت تحاك ضدهم. بدأت حجافل الدروز المقاتلين تصل من كافة الجهات لتتجمع حول دمشق وبعضهم دخل إلى وسط المدينة. أثار وجودهم المخاوف من جديد لكن مسؤولي الدولة والعلماء والنبلاء أكدوا للأمير عبد القادر ولوجهاء المسيحيين بأن شيئاً لن يحصل. وفي صباح يوم الإثنين 9 تموز ذهب الموظفون إلى أعمالهم بينما ذهب آخرون إلى السوق للعمل أو لقضاء حاجياتهم بشكل طبيعي. كما ذهب الطلاب إلى المدارس. إشعال الفتنة: تضاربت المعلومات حول ما حصل في يوم 9 تموز والليلة السابقة والذي كان السبب في اشتعال الأزمة لكن معظم الروايات تكاد تجزم على ضلوع أياد شريرة في افتعاله. استيقظ المسيحيون في صباح ذلك اليوم ليجدوا أبواب منازلهم وجدرانها وأرضية الأزقة مليئة بإشارات الصليب وكان قد رسمها بعض المشاغبين خلال الليل. فسّرها البعض على أنها محاولة لإثارة حماس المسلمين بأن الصليبيين قادمون. لكن تبين فيما بعد أنها من صنع مجموعة من الأولاد الزعران بغرض التعريض بالمسيحيين ودفعهم للسير فوق صلبانهم. فما كان من حاكم دمشق إلا أن أحضر هؤلاء الأولاد وقرر أن يلقن المسلمين درساً. أو هكذا أراد للناس أن يعتقدوا. لكن في الحقيقة كان يحاول إثارتهم ضد المسيحيين. فكبّل هؤلاء الأولاد بالسلاسل وأعطاهم مكنسات الزبالين وساقهم في موكب عبر طرقات دمشق إلى الحي المسيحي بغرض تنظيفه مما فعلوه في الليلة السابقة. لم يرق هذا العقاب للحشود المسلمة التي تجمعت حولهم. وكان مجرد رؤيتهم للأولاد وهم مهانين، ولمثل هكذا جرم، قد أشعل فكرة أن المسيحيين قد تجاوزوا حدودهم وأنه قد حان وقت تأديبهم. وعندما وصل الموكب إلى سوق باب البريد المجاور للجامع الأموي ثار غضب الجموع وهجموا على الحراس القلائل وقاموا بفك قيود المساجين. خرج المصلون من الجامع على الضوضاء ولما علموا بما حصل بدؤوا بالهتافات الموجهة ضد المسيحيين. وعلى التو هجمت الحشود على الحي المسيحي ومعهم تجار السوق الذين أغلقوا محلاتهم. وبسرعة البر ق انتشرت أخبار التمرد في أحياء المدينة وحتى الواقعة منها خارج السور. فهرع المتعصبون المسلمون من الشاغور والميدان، والأكراد من الصالحية، والدروز من جرمانا وكثيرون آخرون جاؤوا من أماكن بعيدة وهجموا بغزارة على الحي المسيحي. وقدر عدد الغزاة بين 20,000 – 50,000. وخلال ساعات قليلة، غص الحي المسيحي بالمعتدين مما أعطى الدليل بأن الفتنة لم تكن عفوية وأن الجميع كانوا جاهزين. لم يكن العداء للمسيحيين هو الدافع الوحيد، بل كان هناك من يسعى لغنيمة فقط، حيث كان الجميع يعرف بغنى هذا الحي وفخامة محتوياته وخاصة كنائسه وأديرته. لذلك انضم الكثير من قطاع الطرق والبدو، وحتى النساء والأولاد شاركوا في الهجوم. اليوم الأول من المذبحة: استخدم المهاجمون كل أنواع الأسلحة كالعصي والسيوف والفؤوس والخناجر والسكاكين وبعضهم كان يحمل البواريد. بينما كان المسيحيون عزل إلا من أسلحة المطبخ والقليل منهم كان يحمل فروداً. لم يحترم المهاجمون حرمة أي منزل أو كنيسة أو دير. كانت لديهم أوامر بقتل كل شاب ورجل وكاهن يرونه أينما كان وعدم قتل النساء والأطفال. سرقوا ونهبوا كل ما وقعت أيديهم عليه من مال وممتلكات. وبعد إفراغ البيوت و الكنائس من محتوياتها بالكامل أشعلوا النيران بها. وأحضر المهاجمون الجمال والحمير والبغال والأحصنة ليحملوا كل ما اغتنموه من البيوت والكنائس ليتقاسمونه فيما بينهم لاحقاً. لم يرحموا أحداً حتى الشيوخ، ولم يستثنوا حتى الذين لجؤوا إلى دمشق هاربين من الموت في ضيعهم. وأحياناً كانوا يقتلون الأولاد ممن هم فوق العاشرة. أما من هم تحت العاشرة فكانوا يتركونهم على قيد الحياة بعد أن يختنونهم عنوة، حتى أنه مات عدد منهم لاحقاً من شدة النزيف. وكانوا يأخذون النساء الفتيات وخاصة البكارى ويغتصبوهن. كانوا أحياناً يعطون المسيحيين فرصة للأسلمة وإعلان الشهادة وإذا رفضوا يقتلونهم. لكن إذا شكوا أنهم غير صادقين في أسلمتهم كانوا يقتلونهم أيضاً. قطعوا الرؤوس والأطراف ومثلوا بالجثث وأحرقوها. كما خطفوا عدد منهم لإستخدامهم كعبيد عند الدروز والبدو. وما هي إلا ساعات حتى بدأ جنود الحرس الموكل بحماية الحي المسحي بالإنضمام إلى المهاجمين وبعد فترة انضم إليهم جنود من فرق أخرى. وغاب كل الضباط عن المشهد ولم يبقى أحد ليرد المهاجمين عن هؤلاء المساكين. والأسوأ من هذا كله هو أن جميع السياسيين وعلماء الأمة وأعضاء االمجالس الحاكمين إختفوا من الساحة ولم يحاول أحدهم إيقاف التمرد. من الأماكن التي نُهبت كانت الكنسية المريمية الأورثوذوكسية ومكاتب بطريركيتها والبطريركية الكاثوليكية والكنيسة الأرمنية والمؤسسات الخيرية المسيحية. كما أُحرق مشفى خاص بمرضى الجزام، كانت تموله الكنيسة، مع مرضاه جميعاً. ودخل المهاجمون دير الأرض المقدسة الإسباني وقتلوا رهبانه الثمانية وكلهم من الجنسية الإسبانية. أما الدير الفرنسي فاستطاع عبد القادر وقواته أن ينقذوا رهبانه لكنهم لم يستطيعوا منع حرقه كاملاً. كما نُهبت وأُحرقت كل البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية. ولم تسلم القنصليات الأوروبية منهم. فكانت القنصلية الروسية، ألد أعدائهم وخاصة بعد حرب القرم، أول قنصلية هوجمت ونهبت وأحرقت وقتل مترجمها بينما احتمى القنصل في بيت عبد القادر. وجاء بعدها دور العدو اللدود الثاني وهي القنصلية الفرنسية التي احتمى موظفيها في بيت عبد القادر لكن القنصلية لم تسلم. وهوجمت القنصليات الهولندية والبلجيكية والنمساوية والأمريكية واليونانية. ونجا كل القناصل ما عدا القنصل الأمريكي والهولندي. ولم يسلم من القنصليات إلا القنصلية البريطانية، حليف السلطنة الأول، إلى جانب القنصلية البروسية (الألمانية). ونجى من الموت غالبية موظفي الدولة وعمال البناء والحجارين وأصحاب ومستخدمي المحالات الذين كانوا في الأحياء المسلمة. فرغم محاولات المهاجمين النيل منهم لكنهم احتموا إما في قلعة دمشق، المحمية من قبل جنود هاشم آغا (الذي يقال أنه كان معارضاً لما يحصل، على عكس قادة محميات راشيا وحاصبيا)، أو في القنصليات البريطانية والبروسية. وبعضهم لجأ إلى بيوت اصدقائهم أو شركائهم من المسلمين أو بيت الأميرعبد القادر. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|