رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لأنَّ اللهَ مَعنا عِنْدَمَا يخافُ الإنسان، فإنَهُ يَبْحَثُ عَنْ مَلْجَئٍ يَحتَمي بِه! والْمَلْجأُ قَدْ يَكونُ مَكَانِيًّا، كَهروبِكَ تحتَ مَظَلِّةٍ عندَما تُمطِرُ السَّمَاء، خَوْفًا مِنْ تَعَرُّضِكَ لِلْبَلَل. أَوْ مَعنَويٍّا كَبَحثِكَ عَنِ النُّورِ، لأنَّك تَخشَى البَقاءَ في العَتمَة. والفَتَاةُ حينَ تَخاف، لا تَجِدُ أَفضَلَ مِن ذِرَاعيِّ أَبيهَا الحَنون، مَلْجَأً تَحتَمي بِه! فَعِندَ الخَوفِ تَحتَاجُ إلى نَصيرٍ يُقوِّيكَ وَيَدْعَمُكَ، وَظهيرٍ تَستَنِدُ إليه، وَمُنْجِدٍ يُعيدُ إليك الشُّعورَ بالأمان. لأنَّ الخَوفَ بِبَسَاطَة يَسْلِبُك الأمان، ويُفقِدُكَ الاستقرارَ وَالثّبات، وَيزرعُ فيك مَشاعِرَ القَلقِ والاضطِراب. يخافُ البَعضُ مِن خَطرٍ يُداهِمُهم، كَخَوفِ أَهلِ القرية مِنْ فَيضانِ نهرٍ أَو ثَوران بُركان. ويَخافُ البَعضُ أَيْضًا عِندَ ارتِكابِهم مُخالَفَة، في انْتِظَارِ ما سَيحلُّ بِهم. وَعِوَضًا عَنِ الإقرارِ والاعتِذار، وهوَ أَبْسَطُ الطُّرقِ وَأَقصَرُها لحلِّ الخلافات، يُبْادِرونَ إلى خَلْقِ مُبَرِّراتٍ دِفَاعِيّةٍ يَتَمَتْرَسونَ خَلفَها. فَأَنْ تُخطِئ أَمرٌ طَبيعي، وَلَكنْ أَنْ تَرفُضَ الإقرَار بِأَنّك أَخْطَأَت، وَتَعتَذِرَ عَن خَطَئِك الواضِح، وتَجِدَ مُبرّراتٍ عِوَضًا عَن ذلِك، فَهَذَا كِبريَاءٌ صَرَف مَمزوجٌ بالخَوف! أَلَم يَكُنْ مِنَ الأبسطِ أن يَقِفَ آدمُ وحوّاء أَمَامَ الله مُقِرَّين بِذَنْبِهِما، طَالِبَينِ الغُفران؟! وَلَكِنَّهُمَا اختارا الطّريقَ الأعقدَ والأطول، فَفَضَّلا الاختباءَ خوفًا، وَلَمّا انْفَضَحَ أمْرُهما، صارَ كُلٌّ يُلقي بالذَّنبِ عَلَى الآخر، حتّى أنَّ اللهَ نَفْسَهُ، نَالَ نَصيبَهُ مِنَ الإدانة! فَنَالا مَا يَسْتَحِقّان. (راجع تكوين 8:3-19). أَيضًا، الخَوفُ بِنِسبَةٍ مُعيّنة شَيءٌ مَطلوبٌ وصِحّي! لِأنَّ الإنسانَ الّذي لا يَخافُ الله، ولا يَخشى النَّاس، يَتَحوّلُ لِوَحشٍ كَاسرٍ! فَظُلمُ النّاسِ للنّاس، وَهَضَمُ حُقوقِ النّاس، وانْتهاكُ كَرَامَاتِ النّاس، سَبَبُه غِيَابُ مَخافةِ الله مِن قُلوبِ أولَئِك النّاس! الإنسانُ الّذي لا يخافُ الله، يَتَحَوَّل لِمُجرمٍ يفتُك وَيبطِش، وَيُرعِب وَيُروِّع، ويُخرّب وَيُدمِّر، وَيَقتُل وَيسلِب وَيَستَبيح! وَهَذَا مَا عَانَى مِنهُ شرقُنا وَأهلُهُ خِلالَ العَقدَينِ الأخِيرَين، إذْ صَارَ مَرتَعًا لِوحوشٍ تُمارِسُ إرهابَهَا وَفتْكَهَا، تحتَ مُسَمّياتٍ شَرعِيّة يُلصِقونَها بالله، واللهُ مِنْهُم بَرَاء. في إنجيلِ هذا الأحدِ الرّابعِ والأخيرِ مِن زمنِ الْمَجيء، يَطلُبُ ملاكُ الرّبِّ مِن يوسفَ أَلّا يَخاف! لا تَخفْ يا يوسف! لا تَخَف فَأنتَ لَمْ تُخطِئْ ولم ترتَكِب سوءًا لِكَي تَخَاف! بالعَكس، أنتَ إنسانٌ بارٌّ صِدّيق، تخشى الله، وتخافُ على مريم بالرّغم مِن صعوبَةِ تَفسيرِكَ للأمرِ الّذي جَرَى، فَحَافظتَ عَليها بالرّغمِ مِن عدم فهمِك! لا تَخف، لأنّكَ تحيا إِرادةَ الله! والإنسانُ الّذي يعملُ مَشيئةَ ربِّه، لا يخافُ حِقدَ الحاقدين ولا يَخشى لَائِمَةَ الّلائِمين! لا تخفْ يا يوسف لأنَّ عمّانوئيل، هوَ اللهُ مَعك! وَمن كان اللهُ مَعَهُ، فَمن يكون عَلَيه؟! طَبيعيٌ أنْ يَمتَلِكَكَ الخوفُ عندَ بعضِ الْمَواقِف، وَلكنْ لَيسَ من الطّبيعي أن يَسْتَوطِنَك الخوفُ كَمُتلازِمَةٍ، أَنتَ الْمؤمن؟! لَقَدْ خَافَ إرميا لَمَّا دَعَاهُ الرّبّ، لَكِنَّ الربَّ شَدَّده قائِلًا: ﴿لا تَخَفْ مِن وُجوهِهم، فَإنّي مِعِكَ لأُنقِذكَ﴾ (إرميا 8:1). والْمزمورُ السَّادسُ والأربعين يُشدِّدُنا قائِلًا: ﴿لا نَخْشَى إِذَا الأرضُ تَقَلَّبَت، والجبالُ في جَوفَ البَحرِ تَزعزَعت. رَبُّ القُوَّات مَعَنَا، إلهُ يعقوبَ حِصنٌ لنا﴾ (مزمور 3:46-4). وَيسوعُ قبلَ أن يزجُرَ العاصفةَ ويُسَكِّنَها، وَبَّخَ تَلاميذَه لِشدِّةِ خَوفِهم الْمُفتَقِر إلى الإيمانِ قائِلاً: ﴿مَا لَكُم خائِفينَ هَذا الخوف؟ أَ إلى الآنَ لا إيمانَ لَكُم؟﴾ (مرقس 40:4). الخوفُ طَبيعي، ولكن عِندَمَا يَتَحوَّلُ الخوفُ لهلعٍ وفَزع هستيري، عندَها يكون كُلُّ إيمانِك مُجرّدَ ممارساتٍ سطحيّة، بلا عُمقٍ ودونَ أَسَاسٍ وَجوهَر! يا أحبّة، رسالَةُ عيدِ الْميلاد هي نَبذُ الخَوف! فالقلبُ الّذي جَعلَ مِن نفسِه مغارةَ ميلادٍ، يُولَدُ فيها الْمسيح، لا يَعرِفُ الخوف. وإنْ عَرَفَ الخوف، يَستَأصِلُهُ مُنذ البداية، وإلّا تحوَّلَ الخوفُ لِوَرمٍ خَبيث! فَمَا يحصُلُ اليوم عَلى سَبيلِ الْمِثال، مِنْ أَحْدَاثٍ مُزْعِجَةٍ وَاضْطِرَابات، قَد تُصيبُ البَعضَ بالخوف، خُصوصًا عِندَما تَأخُذُ مَنْحَنىً عَنِيفًا، وَتجعَلُهُم يِتَسَأَلونَ كَيفَ سَتَغدو الأمورُ في قَادمِ الأيّام، وَتُفْقِدُهم الشَّعورَ بالأمَانِ والاستِقرار. وَلكنَّنا يا أحبّة، نحنُ مُؤمِنونَ بالله أوّلًا، ومؤمنونَ بالسّلامِ مَنهَجًا وطريقًا، ومؤمنونِ بالحلولِ السّلمية، البَعيدَة عَن كُلِّ أشكالِ الفَوضى والتَّخريبِ وَالتَّرويِع! ولذلِكَ، رِسَالتُنَا هيَ مِن صُلبِ رسالة الْميلاد: عَلَى الأرضِ سَلامٌ، وللنّاسِ مَسرّة! والسّلامُ على الأرضِ يَتَحَقّقُ عندما يَتَمَجّدُ اللهُ فينا وفي سِيرتِنا، وإذا تمجّدَ اللهُ فينَا، عندَها تَتَحقّقُ مسرّةُ النّاس، ويَنْتَفي عنّا الخوفُ وأسبابُه! وَيبقى لِسانُ حالِنا يُنشِدُ مع صاحبِ الْمزامير: ﴿إلى الله وحدَهُ تَطمَئِنُّ نَفسي. هو وحدَهُ صَخرتي وخلاصي، هو حِصني فلا أَتَزَعزَع﴾ (مز 2:62) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|