رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دينة وأهل شكيم عاد يعقوب إلى كنعان ومعه أحد عشر أبنًا كما كان معه دينة من زوجته ليئة، إذ خرجت دينة لتنظر بنات الأرض، اعتدى عليها شكيم بن حمور الأمر الذي أثار نفس أولاد يعقوب فقتلوا أهل شكيم وسبوا نساءهم وأطفالهم وسلبوا أموالهم، فتكدر يعقوب جدًا. 1. اعتداء شكيم على دينة: "وخرجت دينة ابنة ليئة التي ولدتها ليعقوب لتنظر بنات الأرض، فرآها شكيم بن حمور الحوي رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلها" [1-2]. في حديثنا عن أبناء يعقوب (ص 30) رأينا إن الأحدى عشر (فيما بعد الأثنى عشر) يشيرون إلى ثمر الروح أما دينة كابنة له فتشير إلى ثمر الجسد، الذي يبقى مقدسًا ومتجاوبًا مع ثمر الروح ما دام الجسد مضبوطًا تحت تدبير حسن، أما إن يُترك العنان لدينة لتخرج وتنظر بنات الناس، فإنها تفقد قدسيتها وتفسد سلام أبيها وأخوتها وتسبب هلاكًا وقتلًا لكثيرين. لهذا السبب يقول الرسول الروحي بولس: "أقمع جسدي واستعبده لئلا بعدما كرزت للآخرين أصير أنا نفسي مرفوضًا". كانت سارة في الخيمة وراء إبراهيم حتى عندما التقى بالله وملاكيه (تك 18: 9، 10) تمثل الجسد المضبوط في الرب السائر وراء شهوات الروح القدس، لذا تمتع الاثنان بالوعد الإلهي أن ينجبا إسحق، أما دينة فخرجت إلى الأرض تنظر بنات الأرض تمثل الجسد المدلل الذي يحطم النفس ويفقدها سلامها. خرجت دينة كفتاة ترى بنات العالم لتتمثل بهن في تصرفاتهن العالمية ففقدت بتوليتها وحريتها، وأذلها العالم. 2. حمور يطلب دينة لابنه: توجه حمور إلى يعقوب يطلب ابنته دينة زوجة لابنه شكيم، بعد أن أفسدها هذا الأخير، الأمر الذي صدم يعقوب فصمت [5] منتظرًا مجيء أخوتها من الحقل ليخبرهم بالأمر، فحسبوا ذلك نجاسة في إسرائيل، أي الاعتداءً على أسرة إسرائيل (يعقوب)، وفكروا أن ينتقموا لا من شكيم وحده الذي أرتكب الإثم ولا من والده معه بل من كل أهل المدينة، فتزعم شمعون ولاوي عملًا بعيدًا عن الإنسانية. ظن حمور أنه يعوض يعقوب عن شرفه بتقدمه لتزويج شكيم من دينة، مقدمًا عرضًا سخيًا في عينيه، أن يدخلوا في علاقات عائلية ومصاهرات ليصير الكل أسرة واحدة، فيسكنوا في الأرض ويتاجروا ويتملكوا... وفي نفس الوقت سأل حمور يعقوب وبنيه أن يكثروا المهر كما يشاءون فإنه مستعد أن يدفع برضا وفرح من أجل محبة ابنه لدينة! إن كان "شكيم" تعني "كتفأ"، وحمور مشتقة من كلمة "حمار"، فإن ما فعله شكيم ووالده إنما يشير إلى عمل إبليس الذي يثير الخليقة لتكون لها الكتف المعاندة لله، وأن تسلك بفكر حيواني جسداني (كالحمار). فإبليس هذا يعتدي على النفس البشرية كما على دينة ليفسدها بروح معاند وأفكار شهوانية، وإذ يتظاهر بحل هذه المشكلة يتقدم كما بلطف زائد وسخاء، فيعلن رغبته في المصاهرة مقدمًا أرضه وتجارته وممتلكاته كمهر يسحب النفس من يعقوبها الحقيقي! هذه هي خداعات العدو في كل جيل، يود أن يسحب القلب من الإيمان خلال مظاهر اللطف والرقة والعطاء بسخاء والمصاهرة. لهذا السبب يحذرنا الرسول بولس، قائلًا: "أية شركة للنور مع الظلمة" (2 كو 6: 14). 3. إجابة بني يعقوب بمكر: إن كان حمور قد أخطأ إذ حسب الزواج صفقة تجارية، يستطيع بأرضه وماله أن يقتني دينة، فإن بني يعقوب خاصة شمعون ولاوي قد أخطأوا بمكرهم واستغلالهم الدين كفرصة للانتقام بطريقة غير إنسانية. طلب شمعون ولاوي من حمور أن يختتن هو وأبنه وكل رجال المدينة حتى يحق لهم الدخول معهم في مصاهرات ويصير الكل عائلة واحدة. وإذ اختتنوا استل شمعون ولاوي سيفيهما وقتلوا كل المختونين في اليوم الثالث، وأخذا دينة أختهما من بيت شكيم وخرجا، وقد استغل أخوتهما الأمر فقاموا بقتل الكثيرين ونهب المدينة وسبي الأطفال والنساء. إنها بلا شك جريمة وحشية أزعجت نفس يعقوب وكدرته، إذ خاف لئلا تجتمع الأمم المجاورة معًا وتنتقم لأهل شكيم، خاصة وأنه غريب ويمثل نفرًا قليلًا. إن كان يعقوب قد ألقى اللوم على أبنيه لمكرهما، ففي الواقع إنما يشرب من ذات الكأس التي مزجها، لقد سبق فاستخدم مكره في اغتصاب البركة من أبيه، فصارت حياته سلسلة لا تنقطع من المرارة بسبب مكر الآخرين وغدرهم به، حتى وإن كان هؤلاء الآخرون هم أبناءه. تصرف يعقوب بمكر فغدر به لابان عشر مرات، والآن يتكدر بسبب مكر أبنيه، ويبقى يعقوب حتى الشيخوخة يحصد ما زرعه. ارتحال يعقوب إلى بيت أيل بلا شك عاش يعقوب كل أيامه في فدان آرام يحلم باليوم الذي يعود فيه إلى بيت أيل، حيث رأى السلم السماوي وأحس برهبة بيت لله ونذر لله نذرًا... والآن يحقق له الله شهوة قلبه إذ يدعوه للصعود إلى بيت إيل. 1. ارتحال يعقوب إلى بيت إيل: "ثم قال الله ليعقوب قم اصعد إلى بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحًا لله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك" [1]. في الوقت الذي كان فيه يعقوب مرتبطًا في شكيم بسبب ما فعله أولاده، وكان خائفًا من الأمم والشعوب المحيطة، إذا بالله نفسه يدعوه للصعود إلى بيت أيل ليقيم هناك ويصنع مذبحًا لله. وبالفعل ذهب إلى مدينة "لوز" التي في كنعان والتي صارت بيت إيل، وقد سبق لنا الحديث عن هذه المدينة (تك 28: 16-22). ويلاحظ في هذا العمل الآتي: أولًا: طلب يعقوب من بيته أن يعزلوا الآلهة الغريبة مثل الترافيم التي سرقتها راحيل من لابان أبيها، والآلهة التي ربما كانت مع عبيده قبل أن يدخلوا في العهد الإلهي، والتماثيل التي يحتمل أن يكون أولاده قد نهبوها من شكيم... فإنه لا يمكن أن يُعلن تقديس بيت الله (بيت إيل) مادامت الجماعة غير مقدسة! فإن قداسة بيت الله تتناغم مع قداسة الجماعة، فيكون كلاهما -المبنى والجماعة- أيقونة حية للسماء التي بلا عيب. ثانيًا: طلب يعقوب أيضًا من بيته أن يبدلوا ثيابهم، فإن كان نَزْع الآلهة الغريبة يشير إلى تقديس النفس، فتغيير الثياب يشير إلى نقاوة الجسد. ثالثًا: قدم الكل الأقراط التي في آذانهم مع الآلهة الغريبة ليطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم. يرجح أن هذه الأقراط لم تكن تستخدم للزينة فحسب وإنما كانت تستخدم لأغراض دينية خرافية كجلب الخير وأبعاد الحسد إلخ... . أما طمر الأقراط مع الآلهة الغريبة تحت البطمة، فتشير إلى دفن كل عمل شيطاني وكل فكر شرير تحت خشبة الصليب. فإن كان بيت الله في جوهره هو سكنى الله وسط شعبه، فإننا إذ نتلقي بالله يلزمنا أن ندفن كل ما هو من إبليس بقوة الصليب. رابعًا: رأينا أن "بيت أيل" أي "بيت الله" كانت تدعى قبلًا مدينة لوز، وأن "اللوز" يشير لكلمة الل ، وكأن ثمة علاقة وثيقة بين الكنيسة كبيت الله وبين كلمة الله، فإن كان بيت الله هو الدخول بنا إلى حضن الله لنوجد فيه ننعم بحياته، فإن غاية كلمة الله هي ثبوتنا في الله وتمتعنا بالإتحاد معه في ابنه الوحيد الجنس. خامسًا: إذ انتقل يعقوب إلى بيت إيل لم يجسر أحد من الأمم المجاورة أن يقتفي أثره، إذ "كان خوف الله على المدن التي حولهم" [5] شعت الأمم برهبة الله في حياة يعقوب المختفي في بيت الله فلم تقدر أن تطارده. سادسًا: إذ أنطلق موكب يعقوب إلى بيت إيل قيل: "وماتت دبورة مرضعة رفقة ودفنت تحت بيت إيل تحت البلوطة فدعا أسمها ألون باكوت" [8]. لم يحدث هذا مصادفة، ولا سجل الكتاب هذا الحدث بلا معنى، فقد أراد الله أن تدفن دبورة مرضعة رفقة في بيت أيل تحت البلوطة التي سميت ألون باكوت أي بلوطة البكاء. فإن كان بيت إيل يضم جماعة المؤمنين في الرب الساكن في وسطهم، فمن بين هؤلاء المؤمنين الراقدين الذين سبقوهم فجاهدوا كنحلة (دبورة) وأرضعوا كثيرين وربّوهم في الرب كما فعلت دبورة مع رفقة. بمعنى آخر في بيت الرب يجتمع الكل المجاهدون الذي لا زالوا على الأرض يكملون أيام غربتهم مع اخوتهم الذين سبقوهم في الجهاد، ليكون الكل كنيسة واحدة، بيتًا واحدًا للرب. دفن يعقوب مربية أمه رفقة التي قدمتها لها عائلتها كهدية يوم خطبتها (تك 24: 59)، وكان للمرضعات منزلة كبيرة واحترام يقترب من منزلة الأم واحترامها. يرى البعض أن دبورة قد ماتت في سن المئة والثمانين، أحضرها يعقوب من بيت أبيه إسحق في حبرون، ويبدو أن يعقوب زار أباه أكثر من مرة واستأذنه أن يأخذ دبورة لينال بركتها كأم لوالدته التي يحتمل أن تكون قد ماتت قبل مجيئه إلى كنعان من عند خاله لابان. يبدو أن الكل بكاها كثيرًا حتى دعى موضع دفنها "ألون باكوت"، تحت بيت إيل، أي في مكان منخفض في بيت إيل أو بجوارها. سابعًا: إذ عزل يعقوب الآلهة الغريبة وطمرها مع الأقراط تحت البطمة كما تحت الصليب وانطلق إلى بيت إيل في نقاوة الملابس أي طهارة الجسد، وقد حوط الله حوله بمهابة فلم تقدر الشعوب أن تقترب إليه، وصار موت دبورة ودفنها هناك إشارة لوحدة الجماعة المقدسة على مستوى الأحياء والراقدين، الآن ينعم يعقوب بظهور إلهي وتأكيد لتجديد اسمه وتجديد الوعود الإلهية، إذ يقول الكتاب: "وظهر الله ليعقوب...، وقال له الله: أسمك يعقوب، لا يُدعى أسمك فيما بعد يعقوب بل يكون أسمك إسرائيل... وقال له الله: أنا الله القدير، أثمر وأكثر، أمة وجماعة أمم تكون منك، وملوك سيخرجون من صلبك، والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحق لك أعطيها، ولنسلك من بعدك أعطي الأرض" [9-11]. في بيت إيل، أي الكنيسة المقدسة، نلتقي بالله القدير "إلشداي" لا بكونه القادر على كل شيء فحسب بل يهبنا فيه القدرة، فنعيش به أقوياء وقادرين، نترنم مع الرسول بولس، قائلين: "أستطيع كل شيء في المسيح يسوع الذي يقويني" نلتقي بالله القدير واهب القوة الروحية ليجعل فينا كل شيء جديدًا، ونحمل اسمًا جديدًا، فلا ندعى بعد "يعقوب" بل "إسرائيل". نثمر ونكثر كوعده فتنطلق مواهبنا وطاقاتنا وكل أحاسيسنا بالروح القدس تحمل ثمر الروح المتزايد، ونصير في عيني الله أمة بل جماعة أمم إذ تتحول حياتنا إلى طاقات روحية بلا حصر. ويخرج من صلبنا ملوك، فيكون لنا العقل لملك له سلطان على كل فكر، وتكون النفس كملكة تدبر كل أمور الجسد وأحاسيسه بدقة وسلطان، لا يفلت منها إحساس، ولا تتسلل من ورائها نظرة غير مقبولة إلخ... وأخيرًا يهبنا نحن ونسلنا الأرض التي أعطاها لأبينا إبراهيم وأبينا إسحق، إي يكون لنا الجسد (الأرض) المقدس كميراث يفرح قلبنا وليس كمقاوم لعمل روح الله. ثامنًا: أخيرًا قام يعقوب بتدشين أول بيت لله بعد السقوط، إذ قيل: "فنصب يعقوب عمودًا في المكان الذي فيه تكلم معه، عمودًا من حجر وسكب عليه سكيبًا، وصب عليه زيتًا" [14]. قدم يعقوب عمودًا حجريًا وسكيبًا من الخمر وزيتًا... فتقبلهم الله من يدي يعقوب ليجعل من الموضع مسكنًا له ولملائكته، هذا الذي لا تسعه السماء ولا الأرض. إنه من قبيل تنازله يقبل هذا الموضع كعلامة حلوله وسط شعبه والتصاقه بأولاده ودخوله بالحب في حياتهم. هذا العمود يشير أيضًا للسيد المسيح، حجر الزاوية، الذي وسط آلامه المُخلصة أعلن سكيب الخمر، أي تقدمة الفرح ببهجة قيامته، كما قبل زيت المسحة بكونه المسيّا مخلص العالم، فيه وحده ندخل إلى السكنى في حضن أبيه كبيت أبدي يضم الكنيسة كلها بالحب الإلهي. 2. ولادة بنيامين وموت راحيل: إذ رحل يعقوب وكل موكبه من بيت إيل متجهًا نحو افراته، على بعد حوالي ميل واحد شمالي افراته ولدت راحيل وتعسرت في الولادة، وكان عند خروج نفسها لأنها ماتت دعت أبنها "ابن أوني" أي "ابن حزني" بسبب شدة ما قاسته من آلام وأحزان، أما أبوه فدعاه بنيامين، الذي يعني "ابن اليمين". وقد دفنت راحيل هناك بجوار بيت لحم، فنصب يعقوب عمودًا على قبرها، ولا يزال قبرها موجودًا للآن. بلا شك كان قلب راحيل ملتهبًا بالشوق أن يكون لأبنها يوسف أخ من أبيه وأمه... وعاشت أيام حملها متهللة من أجل هذه العطية... فلماذا سمح الله بموتها عند ولادته؟ أولًا: أراد الله أن يؤكد للإنسان أن الولادة والموت يسيران في حياة البشرية جنبًا إلى جنب، وأفراحنا تمتزج بأحزاننا ما دمنا في الجسد. ثانيًا: كانت راحيل تمثل كنيسة الأمم ويعقوب يرمز للسيد المسيح، فقد بقيت الكنيسة تتمخض بأولادها متوجعة حتى متى كمل المختارون ترحل الكنيسة كلها لتستريح أبديًا... وما يؤلم الكنيسة هنا، حتى تدعوه "ابن أوني" يفرح به الرب فيدعوه "بنيامين". إنها تتألم إلى حين وتحزن، لكن حزننا يتحول إلى فرح حين ننطلق جميعًا مع الرب على السحاب ونكون عن يمينه. 3. خطية رأوبين: بعد موت راحيل رحل إسرائيل إلى وراء مجدل عدر أي برج عدر أو برج القطيع، وهو موضع يقع في سهل الرعاة شرقي بيت لحم بنحو ميل... في ذلك الحين تجاسر رأوبين الابن البكر ليضطجع مع بلهة جارية راحيل التي أعطتها ليعقوب لينجب لها بنين... وبسبب هذا الدنس فقد رأوبين بركة الباكورية... الأمر الذي يذكره يعقوب بمرارة وهو على فراش الموت (تك 49: 14). ما فعله رأوبين الابن البكر، أي صعوده إلى فراش أبيه بجسارة، إنما يشير إلى عمل عدو الخير الذي كان قبلًا كوكب الصبح وقد وهبه الله إمكانيات وهبات فائقة، لكن في كبرياء قلبه غرر بالإنسان ليسحب من قلبه، مسكن الله، ليحتله إبليس كمغتصب ومدنس للفراش! بعد ذكره خطية رأوبين قدم لنا حصرًا لأولاد يعقوب الاثني عشر، وقد سبق لنا الحديث عنهم (الأصحاح 30). 4. موت إسحق: "مات إسحق وعمره مئة وثمانون سنة... وانضم إلى قومه شيخًا وشبعان أيامًا" [29]. إن كان إسحق قد عاش هذا العمر لكنه قدم ثمار سنوات كثيرة، فالعمر لا يحسب بالسنوات وإنما بالحياة العملية التقوية. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
اعتداء شكيم على دينة |
شكيم المغتصب |
أسباب تسوس الأسنان.. وأهم النصائح لتجنب حدوث ذلك |
زكيل النيابة |
شكيم |