نعرف من هو الإنسان؟ ومن هو الله؟ أي نعرف ضعف الإنسان وفشله (إشعياء٢: ٢٢)، وأيضًا نعرف نعمة الله العظيمة التي تقيمنا من فشلنا؛ فلا نثق في أنفسنا لكن في إله كل نعمة.
عندما صاح الديك في المرة الثانية تذكر بطرس كلمات الرب بأنه سينكره، فأهتز في أعماقه، وقال في داخله: هل يراني المسيح؟ فنظر إلى الرب، لكنه وجد أن الرب ينظر إليه (لوقا٢٢: ٦١).
نظر إليه الرب: لم تكن نظرة الغضب والتهديد، بل نظرة الحب والمودة، فكأنه يقول له: ما زلت أحبك بالرغم من إنكارك لي. وإن كانت نظرة مليئة بالحزن والألم على ما فعله بطرس، لكنها مملؤة بالنعمة. إنها النظرة المؤثِّرة والتي أعادته إلى صوابه، فاتجه نحو البوابة مباشرة بعزيمة وقوة لكي يخرج من هذا المكان، لقد انزاح الخوف، ولم يعبأ بالعبيد ولا الخدام ولا الجواري.
فخرج إلى خارج وبكى بكاءً مرًا: كان لا بد أن يخرج، لأنه كان في وسط الأشرار وأعداء المسيح. وكان لا بد أن يبكي أيضًا، لأن كبرياءه قد تحطمت، واكتشف نفسه بكل فسادها. بكى بطرس ساعات طويلة، بدموع ومرارة، وكان الشيطان يعمل بكل قوته ليصيب بطرس بالفشل والإحساس بعدم النفع، لكنه بالتأكيد تذكر كلمات الرب يسوع المشجعة له: «وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ» (لوقا٢٢: ٣٢).
استمر بطرس في بكائه المر حتى ظهر له الرب شخصيًا في يوم قيامته (لوقا٢٤: ٣٤)، ليشجعه ويرفعه من ضيقة نفسه، ثم رد نفسه على بحيرة طبرية (يوحنا٢١). وكانت هذه البداية الحقيقية لاستخدام إلهي مبارك له بعد ذلك، وصار بطرس معرَضًا للنعمة التي تقيم العاثر الذي أنكر، وترده إلى مقامه، وتكلفه بمسؤولية أعظم. وكيف استخدمه الرب بقوة عجيبة يوم الخمسين وربح بعظة واحدة ثلاثة آلاف نفس من اليهود للمسيح، وكيف استخدمه في فتح باب ملكوت السماوات للأمم (أعمال١٠)، وكتب رسالتين ليشجع المتألمين. هذا هو إله كل نعمة، فنثق فيه وحده ونتكل عليه دائمًا.