رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عطش نفس المرتل إلى الله يَا اللهُ إِلَهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي. يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ [1]. ليس بالأمر العجيب أن يُستبعد رجال الله مثل داود النبي وغيره من التمتع بالشركة مع الجماعة المقدسة في الخدمة الكنسية الجماعية (عب 11: 37-38). استبعادهم بالجسد يلهب بالأكثر قلوبهم ونفوسهم كما أجسادهم بالشوق نحو الله. في وسط البرية حيث لا عون بشري يمكن أن يسنده يتطلع المؤمن إلى الله أنه إلهه الشخصي؛ يفتح عينيه في الصباح الباكر مع عيني نفسه ليعلن شوقه له. في وسط ضيقه شعر المرتل أنه قد فقد أمورًا زمنية، وصار طريدًا ومُضطهَدًا، محرومًا حتى من العبادة الجماعية، لكن لن تستطيع كل هذه الظروف أن تحرمه من الله القدير، ضابط الكل، صديقه الشخصي. لقد جفت كل الينابيع البشرية، فصارت عاجزة عن تقديم تعزيات ومعونة لداود، لكن بقي الينبوع الإلهي المفتوح له، لن يجف قط. * غالبًا ما ينسب الأنبياء لأنفسهم ذاك الذي هو إله الجميع بهذه الكلمات: "يا الله إلهي أنت، إليك أبكر" (مز 63: 1). علاوة على هذا فإن هذه اللغة تعلمنا أن كل فردٍ بعدلٍ عليه دين عظيم من الامتنان نحو المسيح، كمن جاء خصيصًا لهذا الشخص وحده. فإنه ما كان يتمنع عن تنازله هذا ولو من أجل شخصٍ واحدٍ فقط. مقياس حبه لكل أحد عظيم جدًا قدر حبه للعالم كله. القديس يوحنا الذهبي الفم * هذا هو صوت القديسين وحدهم، الذين لهم الله إلههم، إذ هو إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. لا يستطيع أحد أن يقول إن الرب الإله هو إلهه إن كانت معدته هي إلهه، أو جشعه هو إلهه، أو مجد هذه الحياة هو إلهه، أو افتخار هذا العالم أو قوة الأمور الزمنية. لأن ما يتعبد له الإنسان أكثر من غيره يحسب هو إلهه. العلامة أوريجينوس * يكرر النبي اسم الله ليظهر عظم شوقه إليه. وبقوله "إلهي"، بياء التخصيص التي للإضافة ليظهر أن إله الكل هو إله الصديقين بأكثر تخصيص. بقوله: "أبكر"، كأنه يقول: شوقي إليك يا سيدي يوقظني من النوم باكرًا وقبل كل عمل جسدي آتي إليك بالصلاة. قوله: "عطشت إليك نفسي" معناه: أنت الذي تدعو إليك الظماء لكي ترويهم من ماء الحياة. فكما يشتهي الظمآن إلى الماء، هكذا تشتهي نفسي البلوغ إليك بالصلاة أو بالرجوع إلى أورشليم. الأب أنثيموس الأورشليمي * بالرغم من أن نفسي تعطش إليك، فإنني بالأكثر أبحث عنك بتعب الجسد، وإن كنتُ غير قادر على التطلع إليك في هيكلك. القديس جيروم * أنتم ترون كيف أن (يعقوب) لم يستمر في صراعه حتى ظهور النهار (تك 32: 26). ففي الحقيقة لا يوجد صراع للذين يعيشون في النور. إنه يليق بهؤلاء الذين يبلغون إلى مثل هذه العظمة أن يقولوا: "يا الله إلهي، إني أترقبك من النور" (مز 63: 1 LXX). كما يضيف: "في الغداة تسمع صوتي، في الغداة انتظرك وأنت تراني" (راجع مز 5: 1). عندما يشرق نور الصباح، أي المسيح، في أذهاننا، ويبعث بهاءه في قلوبنا، ننتظر كنفوسٍ نبيلةٍ ونتأهل للاهتمام الإلهي بنا. "عينا الرب على الأبرار" (مز 5: 3). عند الفجر يتوقف الصراع . القديس كيرلس الكبير * يعطش الله إلى عطشك إليه! القديس غريغوريوس النزينزي * هنا برية حيث يوجد فيها عطش كثير. وها أنتم تسمعون صوت ذاك الذي هو في ظمأ الآن في البرية. لكن إن عرفنا أنفسنا كعطشى، فسنعرف أنفسنا كمن يشربون أيضًا. فإن من يعطش في هذا العالم فسيرتوي في العالم القادم، وذلك كقول الرب: "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ، فإنهم يشبعون" (مت 5: 6). لهذا يليق بنا ألا نحب الشبع في هذا العالم، فإننا ستشبع في موضع آخر. لكن الآن لكي لا نضعف في هذه البرية، يرش علينا ندى كلمته، ولا يتركنا تمامًا لنجف... لكي نشرب بنوعٍ ما من نعمته يرش علينا، ومع هذا فنحن نعطش. * عطشتْ إليك نفسي؛ إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء" (مز 63: 1). إن النفس والجسد يعطشان إلى الله... فيعطي الله النفس خبزها الذي هو كلمة الحق، ويعطي الجسد احتياجاته، لأن الله خالق كليهما! القديس أغسطينوس إذ يعطش المرتل إلى الله ليلًا ونهارًا، يبقى الليل ساهرًا، حيث تعلن النفس شوقها لله، حتى يشرق شمس البرّ عليها. هكذا يليق بنفوسنا أن تسهر على الدوام، تعلن عن عطشها لله. * يهب الله الجسد نومًا، حتى تتجدد طاقة أعضاء الجسم، فتصير قادرة على مساندة النفس في سهرها. لكن يلزمنا أن ننتبه إلى هذا، أي لا تنام نفوسنا ذاتها، فإن نوم النفس هو شر. صالح هو نوم الجسد الذي يجدد صحة الجسم. وأما نوم النفس فيعني نسيانها لإلهها. عندما تنسى النفس إلهها تنام. لهذا يقول الرسول: "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح". (أف 14:5). القديس أغسطينوس * "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح". (أف 14:5). هل كان الرسول يوقظ إنسانًا نائمًا بالجسد؟ لا، بل يوقظ نفسًا نائمة، لكي تسير وتستضئ بالمسيح. هكذا بنفس الطريقة يقول هذا الرجل: "يا الله، إلهي أنت، إليك أبكر" (مز 1:63)... فالمسيح يضيء النفوس، ويجعلها مستيقظة، لكن إنْ أَبْعدَ نوره تنام. ولهذا السبب يقول مزمور آخر: "أَنِرْ عيني لئلا أنام نوم الموت" (مز 3:13). القديس أغسطينوس * يا إلهي وحياتي! لقد سُبي فكري بالحديث معك، فإنه ليس لي من أتحدث معه خارجًا عنك! ماذا أفعل؟ نفسي عطشي إليك، ولحمي يبتغيك (مز 2:63). بالحديث معك يمكن الصعود إليك، وبالتفكر فيك تُوهب رؤية وجهك[21]. * إنني عطشان إلى مياه الحياة، لأنني لم أجرِ بعد إلى ينبوع الحياة! لقد دعاني مع إخوتي قائلًا: إن عطش كان فليأتِ ويشرب! وهوذا النبي ينخسني وقد بّح حلقه من صراخه إلي قائلًا: يا كل العطاش امضوا إلى مياه الحياة، فإن الذين يشربون منه بغير شبع تجري من قلوبهم أنهار ماء حي. الشيخ الروحاني (يوحنا الدّلياتي) * جاءت رفقة إلى هذا النبع لتملأ جرَّتها ماءً، إذ يقول الكتاب المقدس: "فنزلت إلى العين، وملأت جرَّتها وطلعت" (تك 24: 16). وهكذا أيضًا نزلت الكنيسة أو النفس إلى نبع الحكمة، لتملأ جرَّتها، وترفع تعاليم الحكمة النقية التي لم يرغب اليهود أن يرفعوها من الينبوع الفائض. أصغوا إليه، إذ يقول الينبوع نفسه: "تركوني أنا ينبوع المياه الحية" (إر 2: 13). تعطش نفوس الأنبياء إلى هذا الينبوع، فيقول داود: "عطشت نفسي إلى الله الحيّ" (مز 42: 2-3)، لكي يروي ظمأه بغنى معرفة الله ويغسل دم الحماقة بمياه المجاري الروحية. لأن هذا هو فيض الدم كما يشير الناموس (لا 20: 18)، والذي يُستبان حينما يضطجع رجل مع امرأة طامث. فالمرأة (هنا تشير إلى) البهجة وفتنة الجسد. احترس لئلا يُقوض ثبات فكرك، ويلين باللذة الجسدية التي للاضطجاع. فتذوب باحتضانها تمامًا، وينفتح ينبوعها الذي يجب أن يُغلَق ويوصد بالنية الغيورة والتعقل المتزن. أنت "جنة مغلقة، عين مختوم"، (نش 4: 12). فإنه إذ ينحل ثبات الفكر تتدفق أفكار اللذات الجسدية الضارة للغاية، المتهيجة إلى شهوة جامحة نحو خطر مميت. لكن متى صارت لنا اليقظة الواعية لحراسة الفكر الحيّ، تُضبط (اللذات الجسدانية). القديس أمبروسيوس لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ، كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي قُدْسِكَ [2]. الآن إذ صار جسد المُرَتِّل كبرية قاحلة عطشى إلى الله الينبوع الحقيقي، فاشتهى أن يظهر أمام الهيكل، ويرى قوته ومجده. هنا كلمة "أُبصر" تعني أن يختبر ويتمتع بقوة الله ومجده (مز 27: 13؛ 34: 8، 12؛ مت 5: 8؛ يو 3: 36). يرى القديس أغسطينوس أنه إذ تشتاق نفس المؤمن إلى الله يذهب إلى بيت الرب، ويتراءى قدامه، فينعم بنظر قوة الله ومجده. أو بمعنى آخر كما يقول الرسول إذ نعرف الله بل بالحري نُعرَف من الله (غل 4: 9). ففيما نحن نعطش إلى التعرف عليه، نكتشف أن مسرة الله أننا معروفون منه. * لنظهر أولًا لله، لكي ما يمكن لله أن يظهر لنا. "لكي أبصر قوتك ومجدك". بالحقيقة، إذ يترك الموضع، أي تلك البرية، وكأن الإنسان يجاهد في البرية لينال عونه الكافي، وإلا فلا يرى قوة الرب ومجده، بل يبقى ليموت من العطش، فلا يجد الطريق، ولا التعزية، ولا الماء الذي به يحتمل الوجود في البرية. ولكن إذ يرتفع إلى الله، حيث تقول له كل أعضائه الداخلية: "عطشت إليك نفسي، ويشتاق إليك جسدي بكل أعضائه! لئلا لا يطلب ما هو لله بل ما هو لغيره، فلا يشتاق إلى قيامة الجسد التي وعد بها الله، بهذا إذ يرتفع تكون له تعزية ليست بقليلة. القديس أغسطينوس يرى العلامة أوريجينوس أن الابن هو قوة الآب، كقول الرسول بولس (1 كو 1: 18)، وهو حكمة الله ومجده. فالمرتل يشتهي أن يرى المسيح وتدبير تجسده. * كما أن الأرض البرية تعطش إلى الماء، هكذا أشتهي أنا إلى المجيء إلى أورشليم حيث مظلة قدسك. وأما أثناسيوس الجليل وأوريجينوس وغيرهما فقالوا إن معنى قول النبي هو: إن البرية القفرة لم تمنع شوقي إليك، بل أُصلِّي إليك، وأُسبَّحك فيها كما أُسبِّحك في أورشليم، طالبًا أن أتمتع بحضرتك، وأعاين عجائبك التي تُظهِر قوتك ومجدك. الأب أنثيموس الأورشليمي لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ [3]. يرى المرتل أن الموت مع التمتع بحب الله وحنوه، خير من الحياة بدونهما، فالحياة لا قيمة لها بدون الحب الإلهي! يقول القديس أثناسيوس إن من يتقدم إلى المسيح يُفَضِّل رحمته وتسبحته عن طول العمر. * حياة الناس كثيرة (متنوعة)، لكن حياة واحدة يعد بها الله؛ يهبها لنا لا عن استحقاقاتنا، بل من أجل رحمته... فإنه بعدلٍ يعاقب الخاطئ، وبرحمة الله لا يعاقب الخاطئ بل يبرره، ويقيم من الخاطئ إنسانًا بارًا، ومن الظالم إنسانًا صالحًا... "شفتاي تسبحانك" [3]. لا يمكن لشفتي أن تسبحانك، ما لم تتحرك رحمتك أمامي. بعطيتك أنا أُسَبِّح، وبرحمتك أُسبِّحك. فإنه لا يمكنني أن أُسَبِّح الله إن لم يهبني القدرة على تسبيحه. القديس أغسطينوس هَكَذَا أُبَارِكُكَ فِي حَيَاتِي. بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ [4]. يقدم المرتل نذرًا أنه مادام حيًا يعلن عن مجد الله. رفع اليدين أثناء الصلاة عادة قديمة كثيرًا ما وردت في العهد القديم. وهي لا تعني الطلبة من الله فحسب، وإنما إشارة تُعبِّر عن الشكر لله (مز 134: 2). هنا يرفع المرتل يديه لا ليطلب شيئًا، بل يطلب الله نفسه موضوع عطشه الداخلي، بل وعطش جسده إليه، يود أن يتراءى أمامه ويسبحه ويمجده. رفع اليدين أو العينين نحو السماء (يو 17: 1)، يحمل مشاركة الجسد النفس في شوقها نحو الله. إنه طقس تعبدي يُعبِّر عن العبادة لله (مز 134: 2) أو سؤاله أمرًا ما (مز 28: 2). وقد استخدم العهد الجديد نفس اللغة (1 تي 2: 8). * من كانت معتقداته بالله مستقيمة وديانته حسنة، فإنه يرفع يديه، أي قواته العملية ترتفع من الأرضيات إلى السماويات وذلك باسم الرب، ويمدح بشفتيه، ويسبحه بفمه، ويرتل له بروحه وعقله. الأب أنثيموس الأورشليمي يرى القديس أغسطينوس أن الله إذ يهب المؤمن حياة جديدة مقدسة، فهو يُسَبِّح الله بشفتيه، ويبارك الله بحياته، أي يشهد لصلاح الله ورحمته خلال سلوكه. نمجد اسم الرب برفع أيادينا، أي بسطها للعمل حسب وصيته، وإرادته المقدسة. * لترفعوا أياديكم في الصلاة. رفع ربنا يديه على الصليب لأجلنا، ولهذا بسط يديه لأجلنا... لكي نبسط نحن أيادينا للأعمال الصالحة. انظروا، إنه يرفع يديه، ويقدم نفسه ذبيحة لله (الآب)، وخلال تلك الذبيحة محا كل خطايانا. ليتنا نرفع نحن أيادينا لله في الصلاة. أيادينا هذه المرفوعة لله لا تخزى إن كنا نمارس الأعمال الصالحة... يقول الرسول: "رافعين أيادي طاهرة، بدون غضب ولا جدال" (1 تي 2: 8). القديس أغسطينوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 119 |المرتل لا يفصل بين الله ووصيته |
مزمور 114|يصوِّر المرتل عمل الله مع شعبه |
مزمور 115| يقارن المرتل بين شعب الله |
مزمور 92 | يتأمل المرتل في معاملات الله |
مزمور 59 - ثقة المرتل في الله المخلص |