رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا شودة الثالث المعرفة 1: معرفة الله* معرفة الناس* معرفة النفس كل ما يعرفه الناس أنهم يعرفون بعض الأشياء عن بعض الأشياء، أما المتخصص منهم فيركز في معرفته علي أمر معين، يعرف عنه بطريقة أعمق.. وما أكثر الأشياء التي لا يعرف عنها البشر شيئًا.. وبعضها مجال لبحوثهم والبعض فوق مستوي البحث! أما الله تبارك اسمه، فانه يعرف كل شيء عن كل شيء.. ويعرف كل شيء عن كل احد، في السماء وعلي الأرض، سواء من الأرواح البشرية، أو الملائكة أو أسرار الكون، ما يري منه وما لا يري.. وهي معرفة كاملة شاملة. ولذلك فان الله هو الوحيد الذي يمكن أن يوصف بأنه 'كلي المعرفة'. الله أيضًا يعرف كل الخفيات والظاهرات. فهو الوحيد الذي يعرف الغيب. وان ذكر بعض البشر معرفة شيء من المستقبل، فان ذلك يكون عن طريق الاستنتاج أو المعرفة العامة، مثل ما يقوله خبراء الأرصاد عن حالة الجو فيما سيحدث من حرارة أو رياح أو مطر، حسبما يتوقعون وقد لا تكون معلوماتهم دقيقة.. أو قد يقول أحد الأساتذة حسب خبرته أن طالبًا من تلاميذه سوف يرسب وان طالبًا آخر سوف ينجح بتفوق. ويحدث هذا فعلًا بناء علي درايته السابقة بمستوي تلاميذه من حيث العقلية والدراسة والذاكرة. وقد يقول طبيب عن احد مرضاه انه لابد سيموت بعد أيام، وذلك بناء علي وضوح تطور المرض وعدم الاستجابة لأي علاج. ويحدث هذا فعلا ولا نسميه لونًا من معرفة المستقبل إنما هو استنتاج. أما معرفة المستقبل عند الله، فهي فوق مستوي الاستنتاج أو ما توحي به طبيعة الأشياء، إنما هو النبوءة التي فوق الإدراك البشري. ومن أمثلة معرفة الله بالخفيات معرفته بما في الأفكار والقلوب.. فالله هو الوحيد فاحص القلوب وقارئ الأفكار والعارف بما في داخل الإنسان من نيات ومشاعر.. ولذلك فهو يحاسب كل شخص علي نواياه، الأمر الذي هو فوق معرفة البشر.. كما أنه أحيانًا ينقذ البعض من مؤامرة سرية تدبر ضدهم ولا يعرف بها أحد.. إن كلمة 'أسرار' تقال عن معرفة بعض البشر. أما عند الله فلا يوجد سر بالنسبة إليه.. إنما كل شيء واضح أمامه ومعروف. والله يعرف كل أمر بدون وسائط أو وسائل أو أجهزة. ما أكثر الأجهزة والوسائل التي يستخدمها البشر للوصول إلى معرفة معلومة معينة.. كما نري في الطب أجهزة الأشعة والتحاليل والمناظير، وأجهزة لمعرفة الحرارة والضغط أو التأكد من وجود مرض معين. أما الله فيعرف كل شيء معرفة مباشرة بدون وسائل.. البشر *في قمة ما وصلوا إليه من علم* اخترعوا سفن الفضاء، واستخدموها لمعرفة بعض أخبار الكواكب أو الحصول علي بعض صور أو حجارة يستنتجون منها شيئًا..! أما الله فيعرف كل تلك الأجرام السمائية، لأنه هو خالقها، ويعرف كل المعلومات عن باقي الكواكب التي لم يستطع البشر الوصول إليها.. وكذلك ما في فلك السماء من شمس وكواكب ونجوم تحيط بها ولا يحيط بها علم البشر أبدًا..! البشر ينقبون في الجبال بحثا عن الذهب والأحجار الكريمة. وقد ينجحون أحيانًا أو يفشلون.. كما أنهم يحفرون أميالًا عديدة تحت الأرض لعلهم يجدون شيئا من البترول مثلا. أما الله فيعرف كل ذلك دون تنقيب أو حفر، لأنه هو الذي وضع الذهب في تلك الجبال، ووضع البترول تحت الأرض.. وبالمثل قد يبذل العلماء جهودهم ووقتهم إلى أن يكتشفوا خواص طبية في بعض الحشائش أو النباتات أو في مواد معينة. بينما الله* جلت قدرته* يعرف كل هذا دون بحث علمي لأنه هو الذي وضع في تلك النباتات أو المواد ما تتصف به من خواص طبية. تتميز معرفة الله أيضا بأنها معرفة يقينية وفوق التطور. الإنسان ينمو في معرفته وأحيانًا يتطور أو يتغير حتى يصل إلى معرفة يعتبرها ثابتة وقد كانت له قصة متناقضة في موضوع الذرٌة وانقسامها إلى أن استقر علي معرفته الحالية وكذلك مرٌ بمأساة بشرية حتى وصل إلى كروية الأرض وقد كان من قبل يحكم بالموت علي من يقول بذلك! ومازال البشر من جهة أصل الإنسان ونظرية التطور في اختلاف بين ما يقوله الدين وما يقوله بعض العلماء وبخاصة عن الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد! وأمور كثيرة نري فيها معرفة الإنسان *وبخاصة العلماء* لم تصل إلى مستوي اليقين بعد، إنما هي مجرد محاولات للوصول.. أما معرفة الله فهي معرفة يقينية في كل شيء لا تقبل الشك. معرفة الإنسان تأتي أحيانًا عن طريق التدرج فخطوة منها تقود إلى خطوة أخرى. وبحث لعالم معين يكمل مجهودًا لعالم آخر حتى يصل الجميع إلى نتيجة ثابتة. عنصر التدرج أيضًا يكون في علاج كل مريض مع متابعة كل خطوات علاجه واستجابته له. ونفس التدرج نجده في حلٌ أي تمرين هندسي وفي شرح أي علم حتى يستوعبه الذهن البشري نقطة اثر نقطة.. كذلك كل إنسان في تلقيه للعلم يتدرج من مستوي إلى مستوي اعلي. وفي معرفته ينمو فيها شيئًا فشيئًا. أما الله *سما وتعالي* فلا تدرج مطلقا في معرفته، بل انه يعرف كل شيء دفعة واحدة وليس خطوة فخطوة. نهاية كل شيء واضحة أمامه مع بداية هذا الشيء. والله *كما يعرف* يمنح أيضًا المعرفة للإنسان في الأمور التي لا يستطيع أن يصل إليها بذاته. ولذلك كما انه كليٌ المعرفة هو أيضًا مانح المعرفة. وان كنا نحن نعرف أمورًا عديدة بعقولنا فهو الذي منحنا هذه العقول بكل مداركها وقدراتها وكثيرًا ما يكشف لنا أمورًا فوق قدراتنا الطبيعية أن نعرفها.. ولعله من أمثلة ذلك ما منحه ليوسف الصديق من جهة موهبة تفسير الأحلام وما تشير إليه أحيانًا عن مستقبل الأمور. وأيضًا ما منحه للأنبياء من وحي الهي.. وما منحه للبعض من جهة كشف المستور ومعرفة بعض الأمور. علي انه يعطينا من المعرفة ما يلزمنا وما ينفعنا. ونحن نشكر الله في كل حين، لأنه أعطانًا علم معرفته وأوصلنا إلى الإيمان به. وهناك أمور يعرفها الله، ولم يكشفها لنا بعد: فأمور خاصة بسرٌ الحياة والموت وما يتعلق بروح الإنسان: ما كنهها؟ وكيف تفارق الإنسان؟ وكيف تعود إليه؟ وكيف تكون قيامة الأجساد من الموت؟ ومتى يكون ذلك؟ وكيف تتغذي الروح في العالم الآخر؟ وما كنه ذلك العالم وأين يكون؟ في كل ذلك نطلب المعرفة من الله نفسه وليس إلى غيره فهو وحده الذي يعرف الحق كله بل هو الحق جل جلاله.. نقول ذلك ونحذر الذين يطلبون المعرفة من غير الله عن طريق المنجمين أو الدجالين أو الذين يدعون معرفة البخت والحظ وقراءة الكف وقراءة الفنجان أو ضرب الرمل وأمثال كل ذلك من ادعاء معرفة الغيبيات التي هي من شأن الله وحده. كذلك نحذر من اللجوء إلى السحرة، أو من يدعون السحر!! أو اللجوء إلى الشيطان كمصدر من مصادر المعرفة عند المخدوعين! فالشيطان معرفته دنسة ومضللة يريد بها خداع الناس ممن يقبلون خداعه.. 'وللبحث بقية'. المعرفة 2: أمور فوق معرفتنا * معرفة ضارة، مستويات المعرفة* معرفة النفس تكلمنا في العدد الماضي عن معرفة الله *تبارك اسمه* مع مقارنة بسيطة بمعرفة الناس. ونود اليوم أن نكمل حديثنا عن معرفة الناس: في الواقع ما أقل ما نعرفه، علي الرغم من انتشار العلم! فنسبة ما نعرفه ضئيلة إذا قورنت بما لا نعرفه..! ولا شك أن هناك عجائب فوقنا لا ندركها. وقد سمح الله بوجود أمور كثيرة تخفي علينا معرفتها حتى لا يصاب العقل البشري بالغرور في عصر التكنولوجيا الحديثة. ولعل في مقدمة ما نجهله، موضوع المعجزة والمعجزة سميت هكذا، لان العقل البشري يعجز عن تفسيرها.. إنها ليست ضد العقل، ولكنها مستوي فوق العقل، وعلي الرغم من أن العقل لا يدرك كيف تتم، إلا انه يقبلها بالإيمان ولا يهمه أن يعرف كيف تتم والمعجزات أمر يؤمن به كل متدين. ولعل من ابرز المعجزات التي يؤمن بها الكل: الخلق، والقيامة العامة. * كلنا نؤمن أن الله خلق الكون، أي أوجده من العدم حيث لم يكن الكون موجودًا، خلق البشر والملائكة والطبيعة. ولكن كيف خلقها؟ بأية قدرة؟ هنا العقل لا يعرف. ولكنه يقبل بالإيمان. * ونفس الوضع بالنسبة إلى القيامة العامة 'أو البعث'، كلنا نؤمن بذلك. والعقل يقبله، دون أن يعرف إطلاقًا كيفما يعود الإنسان إلى الحياة بعد الموت! معرفة هذا الأمر هي فوق مستوانا. كلها أمور تتعلق بقدرة الله غير المحدودة. وعبارة 'غير المحدود' يقف أمامها العقل عاجزا في معرفته.. واستخدام هذه العبارة من جهة الزمن، أمر آخر فوق نطاق معرفة العقل.. فكلمة أزلي، وكلمة ابدي، وكلمة سرمدي.. أي ما لا بداية له ولا نهاية، أمور قد يستخدمها العقل ولكنها فوق معرفته! حقًا ما معني عبارة 'لا بداية له'؟! ما معني الأزلية؟ ومتى قطع نطاق الأزلية في وقت ما ليوجد الكون؟.. إنها أمور لا يفحصها العقل وإنما يقدمها الإيمان ويقبلها الإنسان بالتسليم، كثوابت إيمانية. أمور أخرى فوق معرفتنا، تتعلق بالعالم الآخر.. متى ستكون بداية العالم الآخر؟ وكيف تكون؟ وأين..؟ إنها أمور ترتبط بالروح والموت وما بعد الموت.. وهي أيضًا فوق نطاق معرفتنا وتتعلق أيضًا بالنفس وكنهها وخواصها، وبالعقل.. ثم أليس عجيبًا أن العقل لا يعرف تماما كيف يعمل العقل!! وما مدي علاقة العقل بالمخ وما فيه من مراكز تعمل؟ وكيف يتوقف بعضها عن العمل، ويعجز العلم البشري والعقل البشري عن إعادة مراكز المخ المتوقفة إلى عملها الطبيعي! بل في عالمنا الحاضر، العالم المادي، أمور كثيرة لا نعرفها.. * مثال ذلك ما اقل معرفتنا عن الفلك وما فيه من شموس ونجوم وكواكب، وما فيه من شهب ومجرات.. كل ما نعرفه هو معرفة سطحية لا تدخل في نطاق التفاصيل.. لقد فرحنا ببعض أحجار من القمر، أتى بها رواد الفضاء، ومع ذلك لا يزال القمر لغزًا لا نحيط بكامل المعرفة عنه! * ونفس الوضع نقوله عما نعرفه من جهة أعماق الأرض وأعماق البحار.. هناك معلومات بسيطة يقدمها لنا العلم نتيجة لاكتشاف وحفريات.. وتبقي الحقيقة الكاملة بعيدة عن معرفتها ونفس الكلام نقوله عن محتويات الجبال، وعن بعض الكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير والسيول والبراكين: ما تبدأ؟ ونطاق عملها وكيف تنتهي. * هناك أيضًا أمراض خطيرة، مازال العلم حائرا أمامها، لا يعرف أسبابها، ولا يعرف طريقة القضاء عليها قبل أن تقضي علي المرضي! وما دامت معرفتنا محدودة نواجه سؤالا وهو: كيف ننمو في المعرفة؟ من جهة المعرفة: الممكنة، هناك وسائل عديدة لنموها: منها العلم، والقراءة، والمشورة، والخبرة، والتوعية. وكما قال الشاعر: فاطلب العلم علي أربابه واطلب الحكمة عند الحكماء وحتى كل هؤلاء يقدمون من العلم علي قدر معرفتهم ولا شك معرفتهم محدودة. وقد تختلف مصادر المعرفة علي حسب قامتها ونوعيتها.. حتى معرفة تفاصيل عن الخير والشر وما يجب وما يجوز وما يليق، قد تختلف فيه الآراء. وقد تختلط المعرفة بالطباع والنزعات والأهواء وأحيانًا يتأثر التوجيه والإرشاد بما ينتشر من الشائعات. ومما لاشك فيه أن هناك نموا في المعرفة في العالم الأخر: فعندما تخرج الروح من الجسد بالموت، تصبح معرفتها أكثر بعد أن تخلصت من ضباب هذا الجسد المادي ومن غرائزه ونزعاته وتأثراته. أما في الأبدية فسوف يتمتع البشر بلون من المعرفة أكثر عمقا عن طريق الكشف الإلهي revelation وعن طريق ما سوف يراه الإنسان من كائنات أخرى كالملائكة مثلًا، وما يختلط به من الأبرار بكل معارفهم.. ومن أمور أخرى جديدة عليه. وعموما فان المعرفة تنمو أيضًا بالموهبة أي بما يهبه الله للإنسان من مواهب منها المعرفة والحكمة واتساع العقل ومقدراته. وهناك معرفة في العالم الآخر، أعمق من كل هذا واسمي بما لا يقاس. وهي معرفتنا لله جل جلاله. إننا لا نعرف عن الله حاليا إلا ما يكشفه لنا الوحي الإلهي، لكي نؤمن بالله ونطيع وصاياه. ولكن الله غير محدود والعقل البشري *مهما سما* هو محدود. ولا يستطيع أن يحيط المحدود بغير المحدود.. لذلك في العالم الآخر سوف يكشف لنا الله عما يوسع معرفتنا به *تبارك اسمه* وعلي قدر ما يمكن لطبيعتنا البشرية أن تعرفه، شيئًا فشيئًا، وكلما تزداد معرفتنا بالله تزداد سعادتنا في الأبدية وتكون هذه المعرفة هي أشهى ما نتمتع به. إن المعرفة أفضل من الجهل بقدر ما النور أفضل من الظلام. ولكن ليست كل معرفة نافعة، فهناك معارف تافهة وأيضا هناك معرفة ضارة..! * أما المعرفة التافهة فتختص بأمور لا تنفع شيئًا وللأسف كثيرًا ما يسعي إليها الناس أو ينشغلون بها وهي مضيعة للوقت وتشغل الذهن عن التفكير في ما ينفعه وصدق ذلك الآب الروحي الذي قال: كثيرًا ما نجهد أنفسنا في معرفة أمور لا ندان في اليوم الأخير علي جهلنا إياها! * أما المعرفة الضارة فلها أمثلة عديدة منها: معرفة ما يقوله عنك منافسوك وأعداؤك مما يثير قلبك عليهم. ومعرفة الشكوك الخطيرة التي تهز الإيمان في ثوابت تخص العقيدة.. ومعرفة صور من الخطيئة وتفاصيل تشوه نقاوة القلب وتجلب له شهوات تتعبه.. ومعرفة أسرار بعض الناس وأخطائهم مما يغير الإنسان إليهم وتقديره لهم.. ومعرفة أمور أخرى مماثلة يقول عنها القلب في صدق 'ليتني مع عرفت'! * كذلك من الأمور الضارة المعرفة التي تنفخ والتي تصيب النفس بالخيلاء والكبرياء والي التباهي بالمعرفة..! علي أن من الأمور اللازمة لكل شخص أن يعرف نفسه جيدًا.. وصدق ذلك الفيلسوف الذي قال: 'خير الناس من عرف قدر نفسه'. وهكذا لا يقع في الغرور ولا يتجاوز حدوده ولا ينسب إلى نفسه ما ليس فيه.. بل يعرف ويوقن انه مخلوق من تراب الأرض. وأتذكر إنني قلت مرة في احدي القصائد: قل لمن يعتز بالألقاب إن صاح في فخره: من أعظم مني؟! أنت في الأصل تراب 'تافه'* هل سينسي أصله من قال أني؟! ويهمنا في المعرفة أيضًا: ارتباط المعرفة بالعمل. فماذا يفيد الإنسان إن عرف كل شيء عن الفضيلة ولم يسلك فيها؟! لا شك أن الذي يعرف أكثر يُطالَب بأكثر. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قداسة البابا شودة الثالث | مستويات المعرفة |
قداسة البابا شودة الثالث| فى الحكمة |
قداسة البابا شودة الثالث| في العمل |
قداسة البابا شودة الثالث | العولمة |
قداسة البابا شودة الثالث | كيف؟ |