فوَقَفَ زَكَّا فقال لِلرَّبّ: يا ربّ، ها إِنِّي أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَموْالي،
وإِذا كُنتُ ظَلَمتُ أَحداً شَيئاً، أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف
" أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" فتشير إلى تبدُّل زَكَّا على مستوى العدالة أذ سيَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" الأمر الذي يتجاوز ما تقتضي الشريعة اليهودية التي تنص" إِن وُجِدَتِ السَّرِقَةُ في يَدِه حَيَّةً مِن ثَورٍ أَو حِمارٍ أَو شاة، فلْيُعَوِّضْ بَدَلَ الواحِدِ اَثنَين" (خروج 22: 3) ويعادل عقوبة الشرع الروماني للسرقة الظاهرة، كان هذا الجزاء من اقصى العقوبات التي كان يفرضها القانون عندما يُجبر أحد الناس على تقديم تعويض عن سرقة كما جاء في حكم داود النبي " يَرُدُّ عِوَضَ النَّعجَةِ أربَعًا جَزاءَ" (2 صموئيل 12: 6). أمَّا زَكَّا فيفرض العقوبة على نفسه كعشار أبتزّ الأموال، وعندما جاء يسوع يبحث عنه وجده رجلا تائباً (لوقا 5: 32) بالرغم من غناه. حيث أنَّ الثروة في حدّ ذاتها ليست مصدر المشكلة بل قلب الإنسان، الذي يتعلّق بالخيرات التي يمتلكها، ويُغلق قلبه دون عطايا أثمن بكثير.
ويُعلق القديس أمبروسيوس "فقد اختار الرّب يسوع المسيح زَكَّا الذي كان غنيًّا، لكن بعد أن أعطى نصف أمواله إلى الفقراء، وبعد أن ردّ ما سلبه من الناس أربعة أضعاف" ((شرح لإنجيل القدّيس لوقا 19: 9).
يسوع لا يتحيّز لفئة مُعيّنة، بل هو كلٌّ للكل، لكلِّ الأجيال ولكلِّ الأزمنة. إن الخلاص ليس فقط للفقراء (متى 5: 3) بل وأيضا للأغنياء، لأن يسوع ينظر إلى القلب ويقدِّم الخلاص والحياة الأبديّة لكلِّ إنسان كما جاء في تعليم بولس الرسول "فكُلُّ مَن يَدْعو بِاسمِ الرَّبِّ يَنالُ الخَلاص" (رومه 10: 13).
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم "إبراهيم كان يملك حقًا غنى للفقراء، وكل الذين ملكوا الغنى بطريقة مقدسة أنفقوه بكونه عطية الله لهم"؛ علينا أن نستخدم المال كضرورة لا أن نُقام حراسًا عليه، "العبد يحرس، أمَّا السيد فينفق".