حنة تبكي لسفر ابنها [18- 22]
فبكت حنة أمه، وقالت لطوبيت: لماذا أرسلت ابننا؟ أليس هو عكاز أيادينا في دخوله وخروجه أمامنا؟ [18] لا تجمع فضة على فضة، فلتكن فدية لابننا [19]. ويكفينا ما أعطاه لنا الربّ لنعيش به [20].
فقال لها طوبيت: "يا أختي لا تقلقي، فسيأتي سالمًا وتراه عيناكِ [21]. فالملاك الصالح يسير معه، وسيُنجح طريقه ويعود سالمًا [22].
بكت حنة لأن ابنها الوحيد يذهب في رحلة طويلة لتحصيل ما أودعه زوجها لدى غابيلوس، وخشت أن تفقده في شيخوختها. بثقةٍ ويقينٍ قال لها طوبيت رجلها: "لا تبكِ، إن ولدنا سيصل سالمًا... إني واثق أن ملاك الله الصالح يصحبه". كان يطلب دائمًا في صلواته رفقة الملاك لابنه، والرب استجاب له.
اعتبرت الأم السفر في هذه الحالة، مغامرة غير محمودة العواقب، وخافت على ولدها الصغير، من اللصوص والأخطار، ويُحسَب لها تقديرها للنفس البشرية أكثر من المال، على الرغم من الاحتياج الذي تعاني منه مع زوجها وابنها، حيث من المنتظر أن يعود طوبيا بمبلغ طائل يفك كربتهم، ويُبعد عنهم شظف العيش.
لكن إيمان طوبيت هنا أيضًا يفوق إيمان زوجته حنة، كما أن ثقته في الله وفي الرفيق عظيمة جدًا، ولذلك طمأنها بثقة أن الله سوف يحفظه سالِمًا، وهكذا فإن الكلام الطيب يصرف الحزن ويُطَيِّب القلب، لاسيما إذا كان صادرًا من قلبٍ مؤمنٍ مختبرٍ لعمل الله في حياته.
هنا يظهر بوضوح المدلول اللاهوتي للسفر، فطوبيت الأب يرمز للآب إذ أرسل طوبيا الابن رمز للابن المتجسد الذي جاء إلى العالم ليسترد ما فُقِد، ويقوم الملاك رافائيل بدور الرسول أو الخادم الكارز.
أَكَّد طوبيت لحنة زوجته أن طوبيا سيأتي سالمًا وتراه عيناها. إنها صورة رمزية لعمل ربّ المجد فينا حيث نزل إلينا وسيعود بنا إلى بيت أبينا السماوي سالمين، أو صالحين حاملين شركة سماته فينا، إذ نصير بالحق أيقونة حية وعلى مثاله. إننا نعود إلى حالٍ أعظم مما كان فيه أبوانا آدم وحواء في جنة عدن.