يسوع الكلمة يُمجّد الآب لمجدِ الإنسان
"يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا
معي حَيثُ أَكون فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد"
(يوحنا ١٧: ١-٨)
الله إله الرحمّة اللامتناهية لم يخلق الإنسان بداعي حاجته إليه، إنّما ليكون لديه مَن يأتمنه على مخلوقاته والإعتناء بها والحفاظ عليها. قبل خلق الإنسان الأول آدم، لا بل حتّى قبل عمليّة الخلق كلّها كان الكلمة يمجّد الآب وهو متّحد جوهريّاً به، كما أنّ الآب كان يُمَجّدُ الابن، قال هذا يسوع بنفسه: "فمَجِّدْني الآنَ عِندَكَ يا أَبتِ بِما كانَ لي مِنَ المَجدِ عِندَكَ قَبلَ أَن يَكونَ العالَم". وبالتالي، لم يطلب منّا الإبن أن نتبعه لأنّه بحاجة إلى خدماتنا، إنّما ليقدّم لنا الخلاص. لأنّ كل من يتَّبِع المخلّص سيكون له الخلاص، كما أنّ من يتَّبِع النور سيكون له النور.
وعندما يكون الإنسان في النُّور، فلن يكون هو مَن يضيء النُّور ويزيد من لمعانه، إنّما الّذين في النُّور يضيئون ويزدادون بريقاً من خلال النور، وبعيداً عمّا يعود على هذا الأخير، فإنّ الّذين في النُّور يستفيدون منه ويستنيرون به. وكذلك هي حالنا في خدمة الله، إذ إنّ خدمتنا لن تعود بشيء على الله، لأنّ الله ليس بحاجة إلى خدمات الإنسان، ولكنّ الله يهب الحياة والصّفاء والمجد الأبدي لكلّ من يخدمه بمحبة ويتبعه.
إذا كان الله يطلب الخدمة من الإنسان، فذلك من أجل أن يمنح عطاءاته ونعمه لأولئك الذين يثابرون في خدمته، لأنّه إلهٌ عادلٌ ورحيم ومحبٌ للبشر. فإذا كان الله لا يحتاج إلى شيء، فإنّ الإنسان بحاجة إلى الشراكة مع الله. فمجد الإنسان هو في المثابرة في طاعة وخدمة الله. ولهذا قال الربّ يسوع لتلاميذه: "لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم" (يوحنا ١٥: ١٦).
وبهذا أشار إلى أنّهم لا يمجّدونه باتّباعهم له، بل لأنّهم اتّبعوا ابن الإنسان، فهم تمجّدوا به. "يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد لأَنَّكَ أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم" (يوحنا ١٧: ٢٤).