رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحياة الغالبة للآلام: يا لعظم صلاح الله وعذوبته اللانهائية! فإن تذكّر المراحم في الماضي والتأكد من استمرارية عون الله، يبعث فينا روح التسبيح والشكر. الله حاضر دائمًا حتى في اللحظات التي يبدو فيها كأنه غائب تمامًا. الثقة في الله لا تقودنا إلى عدم الألم، وإنما تقودنا إلى التمتع بالحضرة الإلهية وسط الآلام، فنرتفع فوق الألم، وهكذا نتحول من التضرع إلى الرجاء، ومن الثقة إلى اليقين، ومن الإيمان إلى المعاينة، ومن الرثاء إلى الشكر والحمد لله. فإننا إذ ننعم بالاستجابة الإلهية ينفجر القلب شكرًا وتسبيحًا. هذه الثقة لا تنزع الألم عن حياتنا بل ترفعنا فوق الألم، فنصير كمن يسير مع السيد المسيح على المياه، لا ننشغل بها بل بعريسنا السماوي المرافق لنا. خلال سيرنا معه فوق تيارات الألم ندخل إلى عذوبة الحوار مع عريسنا، والتمتع بحلاوة صلاحه، إذ يقول المرتل: "ما أعظم كثرة صلاحك (حلاوتك) يا رب الذي ذخرته للذين يخافونك. وصنعته للمتكلين عليك تجاه بني البشر" [19]. * "ما أعظم صلاحك (عذوبتك) غير المتناهٍ يا رب" [19]. عند هذا الحد، تنطلق من النبي صرخة تعجب ودهشة من أجل غنى عذوبتك يا الله خلال استعلانات متنوعة؛ تلك العذوبة التي ذخرتها للذين يخافونك. إنك بعمق تحب حتى الذين توبخهم، وذلك خشية أن يعيشوا حياة الإهمال في غير مبالاة، لذلك تحجب عذوبة حبك عن الذين يكون خوفك لصالحهم. "وصنعته للمتكلين عليه تجاه بني البشر" [19]؛ لكنك جلبت هذه العذوبة في كمال للذين يتكلون عليك، فإنك لن تحرمهم مما تاقوا إليه طويلًا حتى المنتهى. "تجاه بني البشر"؛ إنك لا تمنعها عن بني البشر الذين لا يعيشون بعد حسب آدم بل حسب ابن الإنسان. القديس أغسطينوس * "تخفيهم بستر وجهك" [20] أي مقام هو هذا؟ إنه لم يقل "تخفيهم في السماء"، أو "تخفيهم في الفردوس"، أو حتى "تخفيهم في حضن إبراهيم"... فإن كل شيء يُحسب بلا قيمة إن كان خارجًا عن الله. ليت ذاك الذي يحمينا في رحلة هذه الحياة هو نفسه يكون مسكننا عندما تنتهي هذه الحياة. "من مقاومة الناس" [20]، فإنه ما من مقاومة يخفونها هناك - أي في ستر وجهك - ينزعجون. "تظللهم في مظلتك" [20]. ما الذي تشير إليه المظلة؟ إنها كنيسة هذا الدهر. إنها على شكل خيمة، لأنها راحلة عن هذه الأرض. فإن المظلة هي الخيمة التي يستخدمها الجنود حينما يقيمون لهم معسكرًا. الخيمة ليست بيتًا (مستقرًا)! حاربوا اذن في المعركة (الروحية) كغرباء، حتى أنكم بعد أن تستظلوا في مظلته يرحّب بكم بالمجد في بيتكم الحقيقي. ففي السماء يدوم بيتكم أبديًا، إن عشتم حياة صالحة في خيمتكم هنا على الأرض. القديس أغسطينوس لمن هذه العطايا الفائقة؟ اجتياز الألم بروح النصرة والغلبة، والتمتع بعذوبة صلاح الله، الدخول في مظلة الله لللاختفاء في ستر وجهه حتى يعبر بمؤمنيه إلى البيت الأبدي المصنوع بغير يد، دون مبالاة بمقاومة الناس. هذه العطايا، كما يقول المرتل، قد ذخرها الله لخائفيه المتكلين عليه [19]. إنه يعطي خائفيه عربون هذه العطايا ويذخر لهم كماله - التمتع بكمال عذوبة الله ورؤية وجهه الإلهي والتمتع بالبيت الأبدي - لنوالها في يوم الرب العظيم. فمن جهة الرجاء أو الاتكال على الله يقول مار إسحق السرياني: [الرجاء الإلهي يرفع القلب]. ومن جهة خوف الله فيقول: * خوف الله بدء كل فضيلة، وقد قيل إنه ابن الإيمان. يُزرع في القلب عندما ينسحب ذهن الإنسان من ارتباكات العالم لكي يُحدّ من تجوّل الأفكار إلى التأمل في إصلاح الأمور المقبلة. * خوف الله هو بدء حياة الإنسان الحقيقية. لكن خوف الله لا يقبل أن يقيم في نفس مشتتة في أمور خارجية. مار إسحق السرياني بالرجاء في الرب بثقة مع التمتع بخوفه ننعم بعذوبة حبه ونختبر حلاوة صلاحه في هذا العالم، لنتمتع بالكمال في الدهر الآتي: يختم المرتل هذا القسم بالتسبيح لله من أجل معاملاته معه، قائلًا: "مبارك الرب لأنه عجَّب مراحمه في مدينة حصينة. وأنا قلت في تحيّري: أترى طُرحت من قدام عينيك؟! لذلك سمعت يا رب صوت تضرعي إذ صرخت إليك" [21-22]. إذ تمتع بالبركات الإلهية السابق الحديث عنها يسبح الرب الذي جعل من مدينة حصينة تشهد لعجائب مراحم الله الفائقة، معترفًا أنه في وقت ضيقته شعر في لحظات ضعفه أنه قد طُرح من قدام عينيه. حسب أن الله قد تجاهله أو طرده من قدامه... لكنه سرعان ما اختبر صوت الرب السامع لصرخات القلب والصانع عجائب مع خائفيه. إن عبر بنا فكر شك أو ضعف إيمان لا نتوقف عن الصلاة بلجاجة حتى نحمل ذات خبرة المرتل، أن الله يبقى أمينًا في مواعيده بالرغم من عدم أمانتنا! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بذار الحياة الأبدية الغالبة للموت أبديًا |
الحياة الغالبة |
أشكرك على الحياة الغالبة |
الحياة الغالبة |
يمكن فهم الحياة من الخلف للأمام، |