منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 23 - 09 - 2022, 04:46 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

الأحد السابع والعشرون من السنة:

قوة الإيمان والتواضع في الخدمة (لوقا 17: 5-10)

قوة الإيمان والتواضع في الخدمة (لوقا 17: 5-10)


يتناول إنجيل الأحد(لوقا 17: 5-10) توجيهات السيد المسيح للرسل حول قوة الإيمان مهما كان قليلا والتواضع في الخدمة ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.


اولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 17: 5-10)
5وقالَ الرُّسُلُ لِلرَّبّ: ((زِدْنا إِيماناً))

تشير عبارة "الرُّسُلُ" الى الاثني عشر الذين تمَّ اختيارهم من بين التلاميذ (لوقا 6: 13-14)، ولقبوا بالرسل (متى 10: 2)؛ يستعمل لوقا لقب الرسل ست مرات في انجيله، واما متى ويوحنا فقد استعملاه مرةواحدة، ومرقس استعمله مرتين، اما بولس الرسول فحفظ لقب الرسل؛ وهذا اللقب يدلُّ على التلاميذ الذين ارسلهم يسوع ليحملوا بشارة الخلاص. فهم نواة الجماعة التي ستواصل عمل يسوع؛ أمَّا عبارة " زِدْنا " فتشير إلى طلب التلاميذ من المسيح أن يزيد إيمانهم، ويقوِّيه فيهم. وقد نشأ هذا الطلب من وعيهم بعجزهم عن تحقيق المطالب التي وضعها يسوع امامهم لتمكينهم من العيش بهذا الثبات وهذه المغفرة "إِذا خَطِئَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ في اليَوم، ورجَعَ إِلَيكَ سَبعَ مَرَّاتٍ فقال: أَنا تائِب، فَاغفِرْ له" (لوقا 17: 4). أن ما يطلبه الرب هو فوق حدود الطبيعة الإنسانية. والإيمان عطية النعمة الإلهية. وهم يعلمون "كُلُّ شَيءٍ مُمكِنٌ لِلَّذي يُؤمِن" (مرقس 9: 23). وقد مدح بولس الرسول أهل تسالونيقي، إذ أن إيمانهم ينمو (2تسالونيقي 3:1). ويُعلق القديس كيرلس الكبير "لا تعجب إن كان التلاميذ يطلبون زيادة إيمانهم من المسيح مخلصنا جميعًا. وقد أوصاهم ألا يبرحوا أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب حتى يلبسوا قوة من العُلى (أعمال 1: 4). وعندما حلت بهم القوة التي من العلى صاروا بالحق شجعان وأقوياء، تُظللهم حرارة الروح، يحتقرون الموت، ولا يبالون بالمخاطر التي كان غير المؤمنين يُهدِّدونهم بها، بل وصاروا قادرين على صنع المعجزات"؛ اما عبارة "زِدْنا إِيماناً" فتشير الى حقيقة الإيمان، أنه ليس أمرًا جامدًا قبلناه وتوقف، لكنه قابل للنمو، إنه خبرة حياة معاشه. ويؤكد القديس أوغسطينوس ذلك بقوله "أن إيماننا يزداد".
6فقالَ الرَّبّ: ((إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم.
تشير عبارة " إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل " الى حاجتنا لا إلى الزيادة من ناحية الكم، وإنما إلى الزيادة من ناحية النوع، وكأنَّ يسوع المسيح يقول للرسل "أنكم تملكون إيمانًا يبدو صغيرًا مثل حبة الخردل، وهي أصغر من جميع الحبوب، ولكن إذا حاولتم أن تعيشوا قوة هذا الإيمان فإن فعله سيكون عظيمًا جدًا، حتى إنه يستطيع أن يقلع أكبر الأشجار من مكانها"؛ وأمَّا " حَبَّةِ الخَردَل" فتشير الى أصغر البذور كلها كما يصفها مرقس إنها "أَصغَرُ سائرِ البُزورِ الَّتي في الأَرض"(مرقس 4: 31). وتنمو فتصير شجرة بطول 3.5 متر؛ اما عبارة "التُّوتَة" في اللغة اليونانية συκάμινος ومعناها جميزة فتشير الى ان اسم الجميز كان يطلق بصفة عامة على أنواع مختلفة من أشجار التوت الضخمة. وهي تدل على الشك الكامن في قلوبنا أو الخطيئة المتعمِّقة في القلب. ويبين هذا التعبير ان يسوع كان يعلم في الهواء الطلق فأشار الى الشجرة أثناء الحديث. ويرى القديس كيرلس الكبير "أن "شجرة الجميز" هنا تعني قدرة الإيمان على تحقيق ما يبدو لنا مستحيلًا. بالإيمان تُقتلع من الأرض رغم تأصلها بالجذور العميقة، وبالإيمان تُثَّبَّت في مياه البحر المتحركة، فالإيمان يصنع المستحيلات. فمن يثق في المسيح لا يتكل على قوته الذاتية، بل ينسب للمسيح كل ما يحققه".
"قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم"
تشير هذه الآية الى قوة الايمان من أجل أعمال خارقة؛ إن إيمانًا حيًا كحبة الخردل الصغير قادر على عمل المستحيلات، قادر أن يقلع شجرة جميزة (التوت) بجذورها من الأرض ليُغرسها في البحر وسط الأمواج؛ أما القديس يوحنا فم الذهبيفيفسر الآية تفسيرا روحيا فيشيرالى "عبارة "شجرة الجميز (التوتة)" إلى الشيطان، فإن كانت حياتنا قد صارت أرضًا غُرس فيها العدو كشجرة جميز (التوتة)، بالإيمان نطرد الشيطان بكل أعماله من حياتنا فلا يكون له موضع فينا، وإنما يُلقى في البحر كما في الأعماق، كما سمح السيد للشياطين أن تخرج من الرجل الذي في كورة الجذريين وتدخل في الخنازير فاندفع القطيع من على الجرف إلى البحيرة واختنق" (لوقا 8: 33).
7((مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام!
تشير عبارة " مَن مِنْكُم له خادِمٌ " الى العادات السارية في الحياة اليومية حين كان أغلب الخدم عبيداً، وكان النظام الاجتماعي والاقتصادي كله في العالم أيام يسوع قائما على نظم الرقِّ والرقيق. فنحن عبيد المسيح، لأنه قد افتدانا بدمه الثمين، لكن طبيعة الإنسان تشتهي المجد الباطل؛ فقد اشتهى كل من يعقوب ويوحنا أن يكون أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته (متى 20: 21)؛ أمَّا عبارة " رجَعَ مِنَ الحَقْل " فتشير الى الرجوع من العمل في العالم، ورجوع التلميذ من تبشيره.
8أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، واشْدُدْ وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب.
تشير عبارة "اشْدُدْ وَسَطَكَ" الى جهاد والاستعداد للعمل؛ امَّا عبارة "اخدُمْني" فتشير الى أن الأجير إذا قام بمثل هذا العمل لا يقوم الا بواجبه (لوقا 12: 35)؛ ولقد أدرك بولس الرسول هذه الحقيقة فصرّح: "فإِذا بَشَّرتُ، فلَيسَ في ذلك لي مَفخَرَة، لأَنَّها فَريضةٌ لا بُدَّ لي مِنها، والوَيلُ لي إِن لم أبَشِّر! " (1 قورنتس 9: 16)؛ ويعلق القديس كيرلس الكبير بقوله: "المثل يُبيّن كما ان قدرة السلطان الملوكي تتطلب من العبيد أن يخضعوا له كدين يلتزمون به، هكذا يقول بأن الرب لا يقدم شكرًا للعبد حتى وإن فعل ما وجب عليه عمله لأنه عبد".
9أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِمِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به؟
تشير عبارة " يَشكُرُ " الى ان ما عمله الخادم هو عادي. فلماذا يحسبه فوق العادة ويطلب عنه مكافأة خاصة او تهنئة. الله هو الذي أعطانا أن نفعله، فلماذا ننسب لأنفسنا ما صنعته نعمة الله كما جاء في تعليم يعقوب الرسول "كُلُّ عَطِيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ هِبَةٍ كامِلَةٍ تَنزِلُ مِن عَلُ مِن عِندِ أَبي الأَنوار" (يعقوب 16:1)؛ وعليه فان يسوع يطلب من تلاميذه الاتضاع، فإن ثبتوا وغفروا وفعلوا كل شيء صالح، عليهم ان يشعروا أنهم فعلوا ما هو واجب عليهم، وأنهم لم يقدموا ما يوفي محبة الله لهم. فلا يجوز أن يقولوا " قمنا بالواجب، وبقي أن ننال المكافأة".
10وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه)).
لا تشير عبارة " نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم: الى ان لا قيمة للخدم الذي ينكرون فيه تعبهم وجهدهم كما لو أنّه لم يكن شيئًا او الى التواضعٍ الزائفٍ، بل المقصود هو اعتبار كلّ جهد وتعب على أنّه استجابة لحبّ الله، وهو جواب على جهده وامتنان للحياة الّتي يهبنا إيّاها، وهي حياته نفسها. لكن هذه الآية تنطبق على التلاميذ انطباقا تاما، لأنه ليس من إنسان لا غنى عنه في خدمة الرب. وهذا هو السبب الذي جعل بولس الرسول يعتبر نفسه مديونًا للكل "فعَلَيَّ حَقٌّ لِليونانِيِّينَ والبَرابِرة، لِلعُلْماءِ والجُهَّال"(رومة14:1). واما عبارة "وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه " فتشير الى العبارة المألوفة "لا شكر على واجب" ويُعّلق القديس مرقس الناسك "نحن الذين وهب لنا الحياة الأبدية، نصنع الأعمال الصالحة لا لأجل الجزاء، بل لحفظ النقاوة التي وُهبت لنا". فملكوت السماوات هو هبة يعطيها الرب للعبيد المؤمنين وليس جزاءً لأعمالنا. اما القديس أمبروسيوس فيعلق "لا تفتخر أن كنت عبدًا صالحًا، فهذا واجب ملتزم أنت به". فنحن لم نوفِ الله حقِّه، إنما نحن مدينون له بحياتنا أولاً ثم بكل ما بين أيدينا، ثم بفدائه، وبحصولنا على البنوة. أمّا كيف يرى الله عمل خادمه، فيصفه يسوع في موضع آخر: " طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين. الحَقَّ. أَقولُ لكم إِنَّه يَشُدُّ وَسَطَه ويُجلِسُهُم لِلطَّعام، ويَدورُ علَيهم يَخدُمُهم" (لوقا 12: 37).
ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 17: 5-10)
انطلاقا من الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي،نستنتج ان النص يتمحور حول نقطتين أساسيتين وهما: قوة الايمان والتواضع في الخدمة.
1) قوة الايمان (لوقا 17: 5-6)
كان التلاميذ واعين لعِظمة وخطورة متطلبات يسوع. لذلك ها هم يوجِّهون إليه هذه الصلاة "زِدْنا إِيماناً"(لوقا 17: 5). وبما ان الايمان موهبة من الله لذلك طلبوها بالصلاة. ولماذا طلبوها؟ لأنهم أرادوا الايمان اللازم لعمل ما يطلبه منهم السيد المسيح، إذ أدركوا أن ما يطلبه السيد المسيح هو فوق حدود الطبيعة الإنسانية فطلبوا قوة الايمان ومن هنا نتناول مفهوم الايمان وضرورته؟
أ) مفهوم الايمان؟ كلمةُ "الإيمان" من حيث اللفظُ واحدة، ولكنها تحملُ معنيين مختلفين: هناك نوعٌ من الإيمان يتصلُ بالعقائد، ويعني اطَّلاعَ النفس وموافقتها على أمرٍ معينٍ، ومفيدٍ للنفس، كما يقولُ الربُّ: "من سمعَ كلامي وآمن بمن أرسلني فلهُ الحياةُ الأبديةُ ولا يمثلُ لدى القضاءِ" (يوحنا5:24)، وأيضاً: "من آمنَ بالابنِ لا يُدان، ولكنه ينتقلُ من الموتِ إلى الحياة" (يوحنا3: 18). وهناك نوعٌ آخرُ من الإيمان يمنحُه السيدُ المسيحُ على طريقةِ الهبةِ المجانية، هو عطية الله، ننعم به إن سألناه هذه العطية. "يتلقى واحدٌ منَ الروحِ كلامَ الحكمةِ وآخرُ يتلقى وفقاً للروحِ نفسهِ، كلامَ المعرفةِ، وسواهُ الإيمانَ في الروحِ نفسهِ، وآخرُ هبةَ الشفاءِ" (1قورنتس12: 8-9). هذا الإيمان المُعطى على طريقةِ الهبةِ المجانيةِ ليس إيمانَ عقيدةٍ بل يمنحُ الإنسانَ قدرةً تفوقُ قواه البشرية. فمن كانَ له مثلُ هذا الإيمانِ يقولُ لهذا الجبل: "انتقلْ من هنا إلى هناكَ فينتقلُ" (متى17: 20). إن قالَ أحدٌ ذلك وهو يؤمنُ أنَّ ما يقولهُ سوفَ يَحدثُ ولم يشكَّ في قلبهِ، نالَ تلك النعمة، كما يؤكده أنجيل مرقس "الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن قالَ لِهذا الجَبَل: قُم فَاهبِطْ في البَحْرِ، وهو لا يَشُكُّ في قَلبِه، بل يُؤمِنُ بِأَنَّ ما يَقولُه سيَحدُث، كانَ له هذا" (مرقس 11: 23).
وهذا الايمان الذي يقصده يسوع ليس قوة سحرية يكتسبها الانسان بالتفكير والاجتهاد، إنما هو الايمان بكلمة الله والاِتِّكَالُ على قوته تعالى والعمل بمشيئة القدوسة. هو طاعة كاملة ومتضعة لإرادة الله، واستعداد مطلق لتنفيذ كل ما يدعونا إليه. والتصديق بالله كلي القدرة. فمن لا يعمل بمشيئة الله، لا يعمل بقوة الايمان، وإذا كان المؤمن مع المسيح، والمسيح مع المؤمن، عندئذٍ يعمل المسيح فيه. ومنه يستمدُ المؤمن القوةَ التي تفعلُ أكثرَ مما تقدرُ أن تفعلَ قواه البشرية. وعليه فإن "الإيمان" هو سرّ قوة المؤمن، وبدونه لن ينعم المؤمن بنعمة المسيح، وبدون هذه النعمة لا يقدر أن يغفر للغير.
اما القوة التي تحل فينا بالإيمان لا تعتمد على حجم الايمان بل على اصالته. ان حبة الخردل هي صغيرة جدًّا، لكن يسوع يقول لنا أنه يكفي أن يكون إيماننا بحجمها صغيرا، ولكن حقيقيا، وصادقا، لنتمكن من فعل ما هو مستحيل بشريًّا، وما لا يمكن تخيله. للإيمان قوة مهما كان قليلا. فليس مسالة إيمان إضافي، بل إيمان أصيل، والقليل من الايمان يمنح صاحبه سلطانا على صنع المعجزات. ولسنا بحاجة الى مزيد من الايمان، فقدر ضئيل منه، كحبة الخردل، يعتبر كافيا شريطة ان يكون الايمان حيا وناميا وفعالا. وتاريخ الكنيسة هو حافل بالشواهد على هذه الحقيقة، فالقديسون كلهم قد اختبروا قوة الإيمان وكلهم صنعوا المعجزات. يتساءل البابا فرنسيس " كم شخص، في وسطنا، يتمتع بهذا الإيمان القوي، والمتواضع، إيمان يصنع الكثير من الخير!".
اما نمو الايمان فيبدو ان الايمان متى زُرع في القلب ينمو بالطبيعة ككائن حي. كما ان حبة الخردل الصغيرة جداً لكنها حيّة وتنمو كذلك يمكن لقدر بسيط من الايمان الصحيح بالله بان يترعرع وينمو. وهو يبدأ في الخفاء في بادئ الامر ثم بعد ذلك يأخذ في الانتشار تحت الأرض ثم فوقها ليكون مرئيا للجميع. ومع ان كل تغيير يحدث يتم بصورة تدريجية وغير مدركة وغير محسوسة، ان هذا الايمان سرعان ما يعطي نتائج عظيمة.
ونحن نجدد صلاتنا في طلبة الايمان في "صلاة المؤمنين" في كل قداس. إن كلمة الله في القراءات والانجيل تتطلب منا الكثير وتضعنا تحت المحك. فنشعر كالتلاميذ بأننا ضعفاء وغير قادرين على تحقيقها. لذا نتوجه الى الله طالبين نعمة الايمان من اجلنا ومن اجل جميع اخوتنا. ويعرِّف بولس الرسول الايمان كأعظم بركاتنا جميعها، إذ يقول " وبِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ نَيلُ رضا الله، لأَنَّه يَجِبُ على الَّذي يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ أَن يُؤمِنَ بِأَنَّه مَوجود وأَنَّه يُجازي الَّذينَ يَبتَغونَه"(عبرانيين 11: 6 -7).
ب) ضرورة الايمان: الإيمان هو ضروري ليس لإعمال الشريعة كما يقول القديس بولس الرسول " ونَحنُ نَرى أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بالإِيمانِ بمَعزِلٍ عن أَعمالِ الشَّريعة" (رومة 3: 28، غلاطية 2: 16). الله بار (رومة 1: 17)، والله يُبرر في الانسان الخاطئ (روم 3:23) ولا يقتضي من الانسان للحصول على التبرير الاَّ طاعة الايمان أي يقبل البر بتواضع (رومة 1: 5)، والانسان المُبرر يجعل نفسه في حياة مقبولة عند الله (رومة 6: 13-20). ويؤكد ذلك صاحب الرسالة الى العبرانيين "بِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ نَيلُ رضا الله " (عبرانيّين 11: 6).
لكن الايمان ضروري لأعمال الرحمة الانجيلية والمحبة المسيحية؛ يُشدد بولس الرسول على أهمية الاعمال، وذلك عن طريق طاعة المؤمن لشريعة المحبة كما يشدد على أهمية الاعمال فيما يتعلق بالدينونة التي يُدان بها كل واحد بحسب اعماله (رومة 2: 5). ويبني بولس الرسول ثقته فيما يتعلق بالدينونة لا على اعماله، بل على الله الذي يبرّر، وعلى المسيح الذي مات ويشفع لجميع الناس (رومة 8: 39-39). اما الأعمال التي تحيي الايمان وتجعله قويا لصنع المعجزات فهي اعمال الرحمة الانجيلية والمحبة المسيحية التي نادى بها المسيح اكتمالا لشريعة موسى. لذلك يطالب بولس الرسول ممارسة الايمان في المحبة فينصح تلميذه طيموتاوس "إمتَثِلِ الأَقوالَ السَّليمَةَ الَّتي سَمِعتَها مِنِّي، اِمتَثِلْها في الإِيمانِ والمَحبَّةِ الَّتي في المسيحِ يسوع" (2 طيموتاوس 1: 13). ويؤكد يعقوب الرسول ان الايمان لا يخلص بمعزل عن الاعمال وانه ميت بدونها " الإِيمان، فإِن لم يَقتَرِنْ بِالأَعمال كانَ مَيْتًا في حَدِّ ذاتِه" (يعقوب 2: 17)، "فكَما أَنَّ الجَسَدَ بِلا رُوحٍ مَيْت فكذلِكَ الإِيمانُ بِلا أَعمالٍ مَيْت" (يعقوب 2: 26). "ماذا يَنفعُ، يا إِخوَتي، أَن يَقولَ أَحَدٌ إِنَّه يُؤمِن، إِن لم يَعمَل؟ أَبِوُسْعِ الإِيمانِ أَن يُخَلِّصَه؟"(يعقوب 2: 14).
فالأعمال التي يذكرها يعقوب الرسول ليست اعمال الشريعة التي يتكلم عنها بولس الرسول في رسالتيه الى اهل غلاطية وأهل رومة إنما الايمان الذي يبلغ كماله في الاعمال، ولا سيما في محبة القريب والصلاة فيصرّح "تَرَونَ أَنَّ الإِنسانَ يُبَرَّرُ بِالأَعمالِ، لا، بِالأَعمالِ لا بِالإِيمانِ وَحدَه" (يعقوب 2: 24). فمن جعل ثقته في كلمة الحق القادرة وحدها على تخليص الخاطئ، خضع أيضا لمشيئة الله في كل ما يمت بصلة الى حياته. فالأعمال تكمّل الايمان. "تَرى أَنَّ الإِيمانَ ساهَمَ في أَعمالِه وأَنَّه بِالأَعمالِ اكتَمَلَ الإِيمان" (يعقوب 2: 22). رسالة يعقوب توفّق بين الايمان وأعمال الايمان. اما بولس الرسول فيطالب بأولوية الايمان مميّزا إياه عن اعماله.
وبعبارة أخرى، فإن كان الإيمان هو سرّ قوة المؤمن، لا لممارسة أعمال خارقة بلا هدف، وإنما أولًا لنيل حياة المسيح يسوع حيث أننا نعيش بروح المحبة الغافرة لأخطاء الآخرين، وبه نطرد الروح الشرير وكل أعماله، فنقتلعه من حياتنا كما نقتلع شجرة التوت، لنلقى بها في هاوية البحر وأعماق المحيطات.
2) التواضع في الخدمة (لوقا 17: 7-10)
بعدما وجّه يسوع تلاميذه عن قوة الايمان اخذ يكلمهم عن التواضع في الخدمة. فضرب لهم مثلا " مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام! أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، واشْدُدْ وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب" (لوقا 17: 7-8).
أولا يقدم لنا المثل صورة إله "سيد" والتلميذ هو خادم مستعد لتنفيذ ما يرضي سيده بكل أمانة؛ وعليه فان السيد المسيح يقول "أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِمِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به؟ "(لوقا 17: 9). وهنا لا يريد يسوع ان يلقننا درسا في العلاقات الاجتماعية، ولكنه يريد أن يُعلمنا كيفية التصرف في علاقتنا مع الله. لنعمل كل ما يأمرنا به الله بحسب ما ورد في سفر عزرا" كُلُّ ما يَأَمُرُ بِه إِلهُ السَّمَوات، فلْيُقضَ بِدِقَّةٍ لِبَيتِ إِلهِ السَّمَوات"(عزرا 7: 23)؛ وخير متال على ذلك مريم العذراء التي جعلت نفسها امة للرب كما نستنتج من كلام مريم الى الملاك جبرائيل": ((أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ)) (لوقا 1: 38).
ثانيا لا يُبرِّر يسوع هذا الموقف، بل يريد ان يعلم تلاميذه بهذا المثل ان التبشير بتواضع وروح الخدمة هو أساسي " مَن أَرادَ أَن يكونَ كبيراً فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم خادِماً" (متى 20: 26). وقد قضى الربّ يسوع المسيح السنوات الثلاث من حياته العلنيّة في عملِ الخير (أعمال 10: 38)، فهو يعتني بالمرضى، والبُرص، والأولاد وآخرين.
ثالثا يعلمنا يسوع أنّ الطاعة والاعمال الصالحة لا تنطوي على استحقاق من جانبنا، ولا تعطينا حق مطالبة الله بشيء ما. فإن أطعنا الله، فلم نعمل إلا ما هو واجب علينا. ومهما كانت اعمالنا الصالحة فليس هذا دينا على الله. كما أننا لن ننال مكافأة عندما لا نعمل خطيئة، فهذا أيضا واجب علينا. وكلّما بذل الإنسانُ ذاتهُ لأجلِ الآخرين، يُدركُ أنّ كلمات الرّب يسوع المسيح تخصّه: "نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم". ويعترفُ بأنّهُ لا يتصرّفُ وفقَ كفاءة شخصيّة، بل لأن الربَّ قد أعطاه النّعمةَ ليعملَ ذلك خاصة عندما تكونُ الحاجةُ بالغةٌ وقدراتُ الشخصِ محدودةٌ. وعندما يشعر الإنسان انه أداةٍ في يدِ الرب، عندها سيَعمل ما بوسعه بكلِّ تواضعٍ، وسيسلِّمُ الباقي للرب بكُلّ تواضعٍ أيضا وبكلمة أخرى، أنْ يَكُونَ الإنسانُ قادراً على مُسَاعَدَةِ الآخرين لا يُعتَبَرُ استحقاقاً لهُ أَو إنجازاً يفتخرُ بهِ. هذا الواجبِ هو نعمة. وقد وجّه الأب فديريكو لومباردي في نهاية خدمته كمدير لدار الصحافة الفاتيكانيّة خاصة في عهد البابا بندكتس والبابا فرنسيس كلمة شكر بكلمات الانجيل "أنا أسعى لأصغي لكلمات يسوع لتلاميذه والتي نعرفها جميعًا: "إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه"
وهذا الموقف يساعدنا مقاومة المجد الباطل. ويعلق أسقف سوريا يلوكسين المَنبِجيّ (523)، "إذا هاجمتك إحدى أفكار المجد الباطل بسبب رِفعة مستوى خدماتك، تذكّر كلمات الربّ الذي قال: "وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه" (لو 17: 10).
فالعبرة التي يريد يسوع ان يلقيها علينا هي التواضع في الخدمة " إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه " (لوقا 17: 10). إذ ليس للبشر حق في التبجح امام الله مثل الفريسيين الذين وصلوا الى قناعة ان لهم حقوقا عند الله بسبب صلاحهم وأعمال الخير التي يصنعونها، وذلك لاستحقاقٍ منهم، وليس كرماً من الله. أما نحن فمهما فعلنا لن ننهي خدمتنا ولن نقوم بما فيه الكفاية تجاه الله الذي انعم علينا بكل شيء. لقد فهمت القديسة تريزا الصغيرة هذا المغزى فقالت بانها تقف امام الله "فارغة اليدين". فعلينا ان لا نتفاخر بأعمالنا أمام الله، بل مهما قمنا بما أمر به تعالى لنقل "لا شكر على واجب".
الخلاصة
أراد يسوع أن يؤكد لنا مركزنا الحقيقي خارج نعمته أننا عبيد بطَّالون، أي عبيد لله الذين لم يوفوا حقه كما ينبغي. فإن جعلناه الأول في حياتنا، وقدمنا كل شيء لحسابه، نبقى عبيدًا مدينون له بحياتنا، نشعر في أعماقنا أننا بطّالون؛ فمن خلال نعمته صرنا أبناء له، وما نمارسه هو من نعمته المجانية، وليس ثمنًا لجهادنا الذاتي أو فضلًا منا.
وعليه حتى لو حفظنا جميع ما يوصينا الله به فإننا في ذلك لم نصنع إلاّ ما هو علينا من واجب، وإن جميع أعمالنا الصالحة لا تُكسبنا أي حق عليه تعالى. فكل ما ينعم به علينا ليس إلاَّ عطية مجانية من جوده. فإن احببنا الرب وتفانينا في خدمته وتجاوبنا مع نعمته ننال الخلاص كما صرّح السيد المسيح " مَن أَرادَ أَن يَحفَظَ حيَاتَه يَفقِدُها، ومَن فقدَ حيَاتَه يُخَلِّصُها" لوقا 17: 33).
الدعاء:
يا رب، كما طلب الرسل منك يوما" زِدْنا إِيمانًا” (لوقا 17، 5) كذلك نحن أيضًا نطلب اليك اليوم مع الرسل: “زِدْنا إِيمانًا”. فالإيمان عطيّة منك. فأعطنا تواضع القلب واجعله ينمو فينا! نعم، يا رب، إيماننا صغير، إيماننا ضعيف، لكننا نقدمه لك كما هو، كي تنمّيَه فنكون مسيحيين من خلال حياتنا وخدمتنا وشهادتنا. يا مريم أمّنا، يا معلّمة الإيمان، إنّ إيماننا ليس كافياً في التغلّب على الشدائد، فساعديني على تنمية إيماننا على مثالك. آمين".
القصة: زدنا ايمانا
في "كتاب على " للمؤلفة غاري ويتا. جرى حوار بين البطل وفتاة رافقته وهو في طريقه نحو الغرب مصغياً لإلهامات داخلية، في مهمة شبه مستحيلة لإيصال النسخة الوحيدة المتبقية من الكتاب المقدس الى حيث يمكن حفظه وإعادة نشره وانقاذ البشرية من الدمار الذي لحق بها جراء انفجار أحد النيازك.
وهذه ترجمة الحوار:
هي: تقول إنك تسير منذ ٣٠ عام؟ هل فكرت يوما أنك قد تكون تائها؟
هو: كلا.
هي: كيف تعلم أنك تسير في الاتجاه الصحيح؟
هو: نسير حسب ايماننا وليس حسب نظرنا
هي: ماذا تقصد؟
هو: اي أنكِ تعرفين الامر حتى ان كنت لا تعرفينه.
هي: هذا منافٍ للمنطق.
هو: لا داعٍ لان يكون منطقياً، انه الإيمان، انه زهرة النور في حقل الظلام الذي يعطيني القوة لأتابع طريقي وأصل الى هدفي.
كم نحن اليوم بحاجة ماسة الى الايمان كي يضيء حقولنا الواسعة في هذا العالم المظلم.
كم نحن بحاجة الى الايمان كما يعرِّفه صاحب السالة الى العبرانيين " هو قِوامُ الأُمورِ الّتي تُرْجى وبُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى" (عبرانيين11: 1).
أ‌. د. لويس حزبون
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الخدمة تتطلب الإيمان الوفاء بدعواتنا يتطلب الإيمان
الإيمان والتواضع هما عنصران أساسيان لعيش الحياة المسيحية
التواضع في الخدمة (لوقا 17: 7-10)
من العوائق الخدمة (فإذ لنا روح الإيمان)
الخدمة= البساطة والتواضع


الساعة الآن 07:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024