رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حوار محبة في الحقل: إِذ انطلقت راعوث إلى حقل بوعز كما إِلى العمل الكنسي استحقت لا أن يسأل عنها صاحب الحقل فحسب وإِنما أن يدخل معها في حوار محبة صادقة. ففي حقله وسط الجهاد الروحي الصادق نلتقي بالإيمان مع السيد لنسمعه يقول لنا: "ألا تسمعين يا بنتي لا تذهبي لتلتقطي في حقل آخر، وأيضًا لا تبرحي من ههنا، لازمي فتياتي" [8]. إِنه يدعو النفس التي كانت قبلًا غريبة الجنس "يا بنتي"، مشتاقًا ألا تترك حقله ولا تبرح موضعه، بل تكون دائمًا في دائرة حبه تتقبل قبلات فمه (نش 1: 2) وتهب كل حياتها له. أما علامة المعية معه فهي "ملازمة فتياته"، أي تكون في شركة مع قديسيه تنعم بخبرتهم الروحية وتسلك على منوالهم وترتبط معهم بحبه، لهذا يقول لها: "إِن لم تعرفي أيتها الجميلة في النساء فأخرجي على آثار الغنم" (نش 1: 18). سألها أن تلازم فتياته اللواتي تبعن الحصادين ليربطن الحزم، فلا تكون كالغريبة أو محتاجة إِنما كعاملة في الحقل، كابنة صاحب الحقل أو إِحدى قريباته، لذلك يكمل حديثه معها قائلًا: "عيناكِ على الحقل الذي يحصدون واذهبي وراءهم، ألم أوصِ الغلمان ألاَّ يمسوكِ، إِذ عطشت فاذهبي إِلى الآنية واشربي مما استقاه الغلمان" [9]. يُطالبها أن تجعل عينها على الحقل وكأنه حقلها، فقد أوصى الغلمان ألاَّ يمسوها. وإِذ يدرك أنها تجاهد وتتعب وأنه في جهادها تحتاج بالأكثر إِلى الماء لتشرب، سألها أن تذهب إِلى الآنية وتشرب مما استقاه الغلمان. ما هو هذا الإناء الذي يحمل المياه للعطشى أثناء جهادهم إِلاَّ الكنيسة الحية التي تضم في وسطها السيد المسيح ينبوع المياه الحية، القائل: "إِن عطش أحد فليقبل إِليَّ ويشرب" (يو 7: 37)، "الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إِلى الحياة أبدية" (يو 4: 14). يفيض السيد المسيح بروحه القدوس على العالم خلال كنيسته لكي يروى كل نفس تقبله، واهبًا إِياها الحياة الأبدية. أمام هذه المحبة الغامرة، إِذ قدم لها ينبوع المياه الواهبة الحياة، "سقطت (راعوث) على وجهها وسجدت إِلى الأرض، وقالت كيف وجدت نعمة في عينك حتى تنظر إِليَّ وأنا غريبة؟!" [10]. إِن عطية الروح القدس التي يفيض بها السيد المسيح على النفس البشرية خلال كنيسته تهب روح الخضوع والاتضاع فتنحني لتسجد إِلى الأرض اعترافًا بفضله وعلامة شكرها على العطية التي لا تستحقها. في اتضاع اعترفت راعوث أنها غريبة ولا تستحق هذا الكرم فتزداد في عيني بوعز جمالًا، ويذكر لها أعمالها الفاضلة ليمجدها، قائلًا: "إنني قد أُخبرت بكل ما فعلتِ بحماتك بعد موت رجلك حتى تركت أباكِ وأمكِ وأرض مولدك وسرت إِلى شعب لم تعرفيه من قبل" [11]. إِذ تواضعت أمامه يذكر لها كيف تركت أباها الأول أي إِبليس والأم الأولى أي الحياة الشريرة التي نشأت فيها، تركت أرض مولدها أي محبتها للعالم، وتعلقت بنعمى أي الناموس روحيًا وسارت إِلى شعب لم تعرفه من قبل أي إِلى شركة السمائيين الذين كانوا قبلًا غرباء عنها، والآن دخلت معهم في عضويتهم إِذ حملت الطبيعة السماوية. يختم بوعز حديثه معها بقوله: "ليكافئ الرب عملكِ، وليكن أجركِ كاملًا من عند الرب إِله إسرائيل الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه" [12]. إِذ تركت أرضها وشعبها وبيت أبيها وجاءت تحتمي بالله الحيّ ليكون هو أباها وغناها وكل شيء بالنسبة لها، صارت مستحقة أن تتمتع بالأجر الكامل. لقد حملت إِيمان إِبراهيم العملي الذي ترك حاران وانطلق تحت قيادة الدعوة الإلهية نحو كنعان ليسمع الصوت الإلهي: "لا تخف يا أبرام، أنا ترس لك؛ أجرك كثير جدًا" (تك 15: 1). ما هو هذا الأجر الكثير جدًا الذي لأبرام أو الأجر الكامل الذي لراعوث إِلاَّ التمتع ببوعز الحقيقي ليكون عريسًا للنفس تتحد به وتلتصق بكنيسته السماوية أبديًا. أمام هذه العطية العظمى تنسحق راعوث في أعماقها لتقدم لبوعز شكرها في اتضاع، قائلة: "ليتني أجد نعمة في عينيك يا سيدي لأنك قد عزيتني وطيبت قلب جاريتك وأنا لست كواحدة من جواريك" [13]. إِذ كان بوعزنا يضمنا إِليه عروسًا متحدة معه، وأعضاء في جسده المقدس، يليق بنا أن نقدم حياتنا كلها ذبيحة شكر مدركين أنه قد طيب قلبنا ورفعنا نحن غير المستحقين أن نُحسب كأجراء أو كعبيد له. أما علامة إِتحاده بها فإنه يطلب منها أن تُشاركه طعامه السماوي وشرابه الأبدي، تُجالس ملائكته (الحصادين) وتنعم بالشبع ويُفضل عنها، إِذ يقول لها: "عند وقت الأكل تقدمي إِلى ههنا وكلي من الخبز واغمسي لقمتك في الخل؛ فجلست بجانب الحصادين فناولها فريكًا فأكلت وشبعت وفضل عنها" [14]. ما هو وقت الأكل هذا إِلاَّ يوم خميس العهد إِذ تقدمت الكنيسة لا لتأكل خبزًا من يديه بل جسده المقدس ولا تغمس لقمتها في الخل بل تمتعت بدمه الطاهر، فجلست بهذا لا بجوار حصادين أرضيين بل بجوار الملائكة حصّادي السماء الذين ينتظرون يوم الحصاد ليأتوا مع الديان على السحاب يحصدون النفوس المقدسة لحساب ملكوته ليعيش الكل ككنيسة سماوية واحدة مسبحة الفادي إِلى الأبد! هذا الخبز السماوي الذي ننعم به إِنما يسندنا للعمل في كرمه حتى لا نخور في الطريق... يهبنا جسده ودمه الأقدسين لننعم بحياته فينا عاملة في حصاده، إِذ يقول بوعز لغلمانه: "دعوها تلتقط بين الحزم أيضًا ولا تؤذوها، وانسلوا أيضًا لها من الشمائل ودعوها تلتقط ولا تنتهروها" [15-16]. في اختصار نقول أن حوار المحبة الذي دار بين بوعز وراعوث كشف عن محبة السيد المسيح الفائقة لعروسه التي دعاها ابنته؛ سألها أن تلازم حقله بكونه حقلها، وفتياته كأخوات لها، تأكل وتشرب جسده ودمه الأقدسين؛ يهبها ذاته أجرًا كاملًا يفرح قلبها، ويسألها أن تشارك ملائكته حياتهم السماوية! أما هي فقابلت الحب الفائق بالاتضاع أمامه والشعور بعدم الاستحقاق لهذه النعم الإلهية. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|